الدروس
course cover
آداب الشيخ والطالب
29 Oct 2008
29 Oct 2008

5987

0

0

course cover
شرح نخبة الفكر

القسم الخامس

آداب الشيخ والطالب
29 Oct 2008
29 Oct 2008

29 Oct 2008

5987

0

0


0

0

0

0

0

آداب الشيخ والطالب

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (وَمَعْرِفَةُ آدَابِ الشَّيْخِ وَالطَّالِبِ، وَسِنِّ التَّحَمُّلِ وَالأَدَاءِ).

هيئة الإشراف

#2

30 Oct 2008

نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (وَ)

مِن المُهِمِّ أيضًا (مَعْرِفَةُ آدَابِ الشَّيْخِ وَالطَّالِبِ) ويشْتَرِكانِ في تصَحِيحِ النِّيَّةِ والتَّطْهِيرِ مِن أعراضِ الدُّنْيَا وتَحْسِينِ الخُلُقِ.

وينْفَرِدُ الشَّيْخُ:

- بأنْ يُسْمِعَ إذا احْتِيجَ إليهِ، ولا يُحَدِّثَ بَبِلَدٍ فيه [مَنْ هُوَ] أَوْلَى منه، بلْ يُرْشِدَ إليهِ.

-ولا يَتْرُكَ إِسْمَاعَ أحدٍ لِنِيَّةٍ فاسدةٍ.

- وأنْ يَتطهَّرَ ويَجْلِسَ بِوَقَارٍ.

ولا يُحَدِّثَ قَائِمًا ولا عَجِلاً، ولا في الطَّريقِ إلاَّ إن اضْطُرَّ إلى ذَلِكَ.

- وأنْ يُمْسِكَ عَن التَّحْدِيثِ إذا خَشِيَ التَّغَيُّرَ أو النِّسْيَانَ لِمَرَضٍ أو هَرَمٍ.

- وإذا اتَّخَذَ مجلسَ الإملاءِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُسْتَمْلٍ يَقِظٌ.

ويَنْفَرِدُ الطَّالِبُ:

- بأنْ يُوَقِّرَ الشَّيْخَ ولا يُضْجِرَهُ.

ويُرْشِدَ غَيْرَهُ لِمَا سَمِعَه.

- ولا يَدَعَ الاسْتِفَادةَ لِحَيَاءٍ أو تَكَبُّرٍ.

ويَكْتُبَ ما سَمِعَهُ تامًّا.

ويَعْتَنِيَ بالتَّقْيِيدِ والضَّبْطِ.

- ويُذَاكِرَ بمحفوظِهِ لِيَرْسَخَ في ذِهْنِهِ.

(2) (وَ)

مِن المُهِمِّ أيضًا معرفةُ (سِنِّ التَّحَمُّلِ وَالأَدَاءِ) والأَصَحُّ: اعْتِبَارُ سِنِّ التَّحَمُّلِ بِالتَّمْيِيزِ هَذَا في السَّمَاعِ.

وقد جَرَتْ عَادَةُ الْمُحَدِّثِينَ بِإِحْضَارِهِم الأَطْفَالَ مَجَالِسَ الحَدِيثِ ويَكْتُبونَ لهم أنَّهم حَضَرُوا، ولا بُدَّ في مِثْلِ ذَلِكَ من إِجَازَةِ المُسْمِعِ.

والأَصَحُّ:

في سِنِّ الطَّالِبِ بِنَفْسِهِ أَنْ يَتَأَهَّلَ لذَلِكَ، ويَصِحُّ تَحَمُّلُ الْكَافِرِ أيضًا إذا أَدَّاهُ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ، وكذا الْفَاسِقُ مِن بَابِ أولى إذا أَدَّاهُ بعدَ تَوْبَتِهِ وثُبُوتِ عَدَالَتِهِ.

وأَمَّا الأَدَاءُ: فقدْ تَقَدَّمَ أنَّهُ لا اخْتِصَاصَ لَهُ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ بلْ يُقَيَّدُ بالاحْتِيَاجِ وَالتَّأَهُّلِ لذَلِكَ وهو مُخْتَلِفٌ باخْتِلاَفِ الأَشْخَاصِ.

وقال ابْنُ خَلاَّدٍ: (إذا بَلَغَ الْخَمْسِينَ، ولا يُنْكَرُ عندَ الأَرْبَعِينَ، وَتُعُقِّبَ بَمَنْ حدَّثَ قَبْلَهَا كَمَالِكٍ) ).

هيئة الإشراف

#3

30 Oct 2008

نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم

قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: ( (1)

وينبغي (معرفةُ آدابِ الشيخِ والطالبِ، وسِنُّ التحمُّلِ وسِنُّ الأداءِ) وهذا كلُّه مِن بابِ التاريخِ في الوقتِ الحاضرِ، وتَكَلَّمَ على صفِةِ كتابةِ الحديثِ وعرضِه وسماعِه وإسماعِه والرحلةِ فيه، وهذا أيضًا مِن بابِ التاريخِ، اللهمَّ إلا ما يتعلَّقُ بتحقيقِ المخطوطاتِ أو بمعرفةِ مصطلحاتِ الأئمَّةِ المتقدِّمِينَ، هناكَ كتابٌ للقاضيِ عياضٍ اسمُه: (الإلماعُ بأصولِ الروايةِ وتقييدِ السماعِ)، وهناك في العصرِ الحاضرِ بعضُ المحقِّقِينَ يُدَوِّنُ ما مرَّ به مِن قواعدِ تحقيقِ المخطوطاتِ، فَخَرَّجَ عَدَّةَ رسائلَ في قواعدِ تحقيقِ التُّراثِ منها لعبدِ السلامِ هارونَ، وصلاحِ الدِّينِ المنجدِ، وَغَيْرُهُمَا كثيرٌ).

هيئة الإشراف

#4

30 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد

قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: (آدابُ الْمُحَدِّثِ وآدابُ طالِبِ الحديثِ:

الآنَ يَأْتِينَا مَبْحَثٌ آخَرُ، وهوَ مِن الْمَبَاحِثِ الْمُهِمَّةِ في مُصْطَلَحِ الحديثِ، لا لأنَّهُ يَنْبَنِي عليهِ تَصحيحٌ أوْ تَضعيفٌ وما أَشْبَهَ ذلكَ، لكنَّهُ مُهِمٌّ لطالِبِ العِلْمِ نفْسِهِ، وهوَ

مَعْرِفَةُ آدابِ الْمُحَدِّثِ، وآدابِ طالبِ الحديثِ، ويُقالُ: آدابُ الشيخِ والطالبِ.

والحافظُ هنا اخْتَصَرَهُ اختصاراً، وإلاَّ فكُتُبُ الحديثِ أضَافَتْ في هذا النوعِ إضافةً كبيرةً، وهناكَ كُتُبٌ أُلِّفَتْ بِمُفْرَدِهَا عنْ هذا النوعِ مِنْ أنواعِ الحديثِ، مثلُ: (الجَامِعُ لأخلاقِ الرَّاوِي وآدابِ السامعِ) للخَطيبِ البَغداديِّ، وهناكَ أيضاً كتابٌ: للزرنُوجِيِّ بعُنوانِ (مُفَكِّرَةُ الطالِبِ والْمُعَلِّمِ)، وهيَ رسالةٌ مُهِمَّةٌ لطالبِ العِلْمِ، ويَجِبُ أيضاً أنْ يَتَدَارَسُوهَا، وكانَ العُلماءُ السابقونَ يَحُثُّونَ تلاميذَهم على قِراءةِ مِثلِ هذهِ الرسالةِ.

ومِن الرسائلِ الْجَيِّدَةِ في هذا العَصْرِ، وتُعْتَبَرُ مُخْتَصَرَةً ومُرَكَّزَةً (حِلْيَةُ طالِبِ العِلْمِ) للشيخِ بَكْرٍ أبو زَيْدٍ حَفِظَهُ اللَّهُ، وأَنْصَحُ طالِبَ العلْمِ بقِراءَتِها، فهيَ لا تأخُذُ سِوَى دَقائقَ مَعدودةٍ؛ لكونِها مُخْتَصَرَةً، لكنَّها مُرَكَّزَةٌ.

وهذا النَّوعُ مِنْ أنواعِ علومِ الحديثِ مُهِمٌّ؛لأنَّهُ يَدُلُّ طالِبَ العلْمِ على الآدابِ التي يَجِبُ أنْ يُرَاعِيَها في مَجْلِسِ شَيْخِهِ، وأيضاً تَدُلُّ الشيخَ على الآدابِ التي يَنبغِي أنْ يُرَاعِيَهَا في مَجالِسِهِ معَ طُلاَّبِهِ ومُعاملتِهِ معَهُم، فهيَ مُفيدةٌ لهذا ولذاكَ، ونَجِدُ أنَّ هذهِ الآدابَ منها آدابٌ مُشْتَرَكَةٌ بينَ الطالبِ وبينَ الشيخِ، ومنها آدابٌ مُخْتَصَّةٌ بالشيخِ، ومنها آدابٌ مُخْتَصَّةٌ بالطالِبِ.


(1) آدابٌ مُشْتَرَكَةٌ بينَ الطالِبِ والشيخِ:

فمِن الآدابِ الْمُشْتَرَكةِ بينَهما:

تصحيحُ النِّيَّةِ.

- والتطَهُّرُ مِنْ أعراضِ الدُّنيا.

وحُسْنُ الْخُلُقِ.

فهذهِ آدابٌ مُشْتَرَكةٌ بالنِّسْبَةِ للأَوَّلِ والثاني، وكِلاهُما يَدُورُ حولَ مِحْوَرٍ واحدٍ، وهوَ الإخلاصُ للَّهِ تعالى في الطَّلَبِ والتبليغِ.

أمَّا الإخلاصُ للَّهِ تعالى في الطَّلَبِ،فهوَ مُهِمٌّ جِدًّا لطالِبِ علْمِ الحديثِ، ويَنبغِي لهُ أنْ يُرَاجِعَ حِساباتِهِ قَبْلَ أنْ يُبَادِرَ بالطلَبِ، فيَنْظُرَ ماذا أَرادَ بهذا السبيلِ، وماذا قَصَدَ، هلْ يَطْلُبُ هذا العلْمَ لِكَيْ يُنَافِسَ بهِ فلاناً وعِلاَّناً؟

هلْ يَطْلُبُ هذا العلْمَ لِكَيْ يَبْرُزَ بينَ الناسِ ويُشارَ إليهِ بالأَصَابِعِ؟

هلْ يَطْلُبُ العلْمَ لِكَيْ يَحْظَى بالْمَنْصِبِ الفُلانِيِّ أو الوظيفةِ الفُلانيَّةِ؟

فإنْ كَانَتْ هذهِ وأمثالُها هيَ مَقَاصِدَهُ فخَابَ وخَسِرَ حينَ ذاكَ.

وأمَّا إنْ كانَ يَطْلُبُ العلْمَ لأهدافٍ عُلْيَا ومَقَاصِدَ سامِيَةٍ:

-كأنْ يَسْتَغِلَّ هذا العلْمَ في الدعوةِ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ.

- واقتيادِ الناسِ للمناهِجِ الصحيحةِ البَعيدةِ عن التَّخَبُّطِ في مَتاهاتِ الظُّلَمِ.

- وتقويمِ اعْوِجَاجِ نفْسِهِ.

- وأنْ تكونَ عِبادتُهُ ومُعامَلاتُهُ كُلُّها مُتَّفِقَةً معَ ما جاءَ عن اللَّهِ وصَحَّ عنْ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ.

- أوْ يَقْصِدُ مَثَلاً: حِفْظَ الدِّينِ على الأُمَّةِ، مِثلُ بعضِ العُلماءِ الذي تَجِدُ الواحدَ فيهم يُعْنَى بالحِفْظِ والتَّدْوِينِ؛ فحَفِظُوا لنا هذهِ الثروةَ الحَدِيثِيَّةَ التي أصْبَحَتْ مَناراً للسائرينَ مِمَّنْ جاءُوا بعْدَهم، فهذهِ وأمثالُها مَقاصِدُ سامِيَةٌ، وإنْ كانَ هذا هوَ الْمَقْصِدَ لطالِبِ العلْمِ فهيَ مَقَاصِدُ نَبيلةٌ ولا شَكَّ، وهذا هوَ الْمُرَادُ بتصحيحِ النِّيَّةِ والتَّطَهُّرِ مِنْ أعراضِ الدُّنيا، بمعْنَى أنْ يُريدَ اللَّهَ تعالى والدارَ الآخرةَ بهذا الطلَبِ، وأنْ يكونَ مُعْرِضاً عنْ سَفَاسِفِ الأمورِ والحقيرِ مِنْ أعراضِ الدُّنيا.

ومِن الآدابِ المشترَكَةِ بينَهم أيضاً تَحسينُ الْخُلُقِ؛ فالشيخُ يَنبغِي أنْ يكونَ حَسَنَ الخُلُقِ معَ تلاميذِهِ، والطالبُ يَنبغِي أيضاً أنْ يكونَ حَسَنَ الْخُلُقِ معَ شيخِهِ ومعَ أقرانِهِ أيضاً؛ فهذا العلْمُ يَنبغِي أنْ يَظْهَرَ أثَرُهُ على السلوكِ، وقدْ حَثَّ دِينُ الإسلامِ على مَحَاسِنِ الأخلاقِ، فأكثَرُ ما يُدْخِلُ الناسَ الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وحُسْنُ الْخُلُقِ، فلا شَكَّ أنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ مِن الأمورِ التي حَثَّتْ عليها النُّصُوصُ الشرعيَّةُ الكثيرةُ.

- وطالبُ العلْمِ يَنبغِي أنْ يكونَ عامِلاً بعِلْمِهِ، ومِن العمَلِ بالعلْمِ أنْ يُحَسِّنَ أخلاقَهُ معَ مَشايِخِهِ ومعَ أقرانِهِ ومعَ الناسِ أَجْمَعِينَ، بحيثُ يكونُ مِثالاً رائعاً وجَيِّداً لِمَنْ يَحْمِلُ هذا العلْمَ الشريفَ؛ علْمَ الكتابِ وعلْمَ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ. لكنْ لوْ كانَ بالعَكْسِ، فلا شَكَّ أنَّ الناسَ سَيَنْفِرُونَ ممَّا يَحْمِلُهُ مِن العِلْمِ؛ نَتيجةَ سُوءِ الْخُلُقِ الذي ظَهَرَ على سُلوكِهِ ومُعاملاتِهِ معَ الناسِ.

آدابٌ مُخْتَصَّةٌ بالشَّيْخِ:

وهناكَ آدابٌ يَنْفَرِدُ بها الشيخُ، مِنْ جُملتِها:

-أنْ يُسْمِعَ إذا احْتِيجَ إليهِ؛ بمعنى أنَّهُ إذا وَجَدَ حاجةً دَاعيَةً إلى أنْ يُسْمِعَ الناسَ، فيَجِبُ عليهِ أن يُسْمِعَ؛ لأنَّهُ إذا لم يُسْمِعْ يكونُ كاتِماً لهذا العلْمِ، واللَّهُ عزَّ وجَلَّ أَخَذَ الْمِيثاقَ علَيْنَا ألاَّ نَكْتُمَ هذا العلْمَ، ويقولُ تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عِمرانَ:187]، وَ((مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ))، فلوْ كانت الحاجةُ داعيَةً لأَنْ يُحَدِّثَ هذا الْمُحَدِّثُ بعِلْمِهِ، أوْ أنْ يَدْعُوَ إنسانٌ مُؤَهَّلٌ للدعوةِ، ويُبِيِّنَ للناسِ الطُّرُقَ السَّوِيَّةَ، فأَعْرَضَ عنْ ذلكَ، فمَعْنَى ذلكَ أنَّهُ آثِمٌ بصَنيعِهِ ذلكَ.

ومِن الأُمُورِ التي يَنبغِي أنْ يُرَاعِيَها الشيخُ -وهيَ مَربوطةٌ بسَابِقَتِها- ألاَّ يُحَدِّثَ ببَلدٍ فيها مَنْ هوَ أَوْلَى منهُ؛ أيْ: إذا كانَ هناكَ بلَدٌ فيها عالِمٌ مُتَصَدِّرٌ لإفتاءِ الناسِ وتعليمِهم وإرشادِهم، فالَّذِي هوَ أقَلُّ مَنْـزِلَةً منهُ إذا لم تَكُنِ الحاجةُ داعيَةً إليهِ، فعليهِ إذا جاءَهُ أحَدٌ يَطْلُبُ منهُ أنْ يُحَدِّثَهُ أوْ يُلازِمَهُ، أنْ يُرْشِدَهُ إلى ذلكَ العالِمِ الأَفْقَهِ.

وفي هذا فوائِدُ:

لأنَّ هذا مِن التَّوَاضُعِ وإرشادِ الناسِ ونُصْحِهِم؛ فكأنَّهُ يقولُ: يا أَخِي، ذاكَ أَعلَمُ مِنِّي، فأَنْتَ إنْ لازَمْتَنِي فَوَّتَّ عَلَى نفْسِكَ فُرصةً ثَمينةً مِنْ حياتِكَ قدْ لا تُعَوَّضُ؛ قدْ يَفُوتُكَ السماعُ مِنْ ذلكَ الشيخِ، فاذْهَبِ الآنَ ولازِمْهُ، فأنا يُمْكِنُ أنْ تَأْتِيَنِي فيما بعدَ ذلكَ، فهذا مِن النُّصْحِ، وهوَ في حَدِّ ذاتِهِ يُعْتَبَرُ تَوَاضُعاً أَيْضاً.

وفي هذا إغلاقٌ لبابِ التَّنَافُسِ الذي يَقَعُ في بعضِ الأحيانِ، فلَرُبَّمَا كانَ هذا تِلميذاً لذلكَ الشيخِ، لكنْ حينَما يَرَى ذلكَ الشيخُ أنَّ الناسَ قد انْصَرَفُوا إلى تِلميذِهِ، رُبَّما دَخَلَ عليهِ الشيطانُ مِنْ مَدَاخِلَ وأَوْغَرَ صَدْرَهُ على ذلكَ التلميذِ.

- فمِن الأَدَبِ الذي يَنبغِي أنْ يكونَ عندَ ذلكَ التلميذِ أنْ يُرْشِدَ الناسَ لذلكَ الشيخِ، ثمَّ إذا احْتِيجَ إليهِ فلا بَأْسَ.

والحاجةُ إِمَّا أنْ تكونَ بعدَ وَفاةِ ذلكَ الشيخِ، أوْ حتَّى في حالِ حَياتِهِ، ككَوْنِ ذلكَ الشيخِ ليسَ مُسْتَعِدًّا للتَّصَدِّي للتعليمِ، أوْ للتَّدْرِيسِ في كلِّ الأوقاتِ، بلْ لا يَستطيعُ مَثَلاً إلاَّ بعدَ الْمَغْرِبِ، والناسُ في حاجةٍ إلى دُرُوسٍ في الصباحِ، فيُمْكِنُ لهذا التلميذِ أنْ يَتَوَلَّى التدريسَ في الصباحِ؛ لأنَّ الحاجةَ داعيَةٌ إلى ذلكَ، أوْ كانَ ذلكَ الشيخُ لهُ مُسْفَرَاتٌ في بعضِ الأحيانِ فتَبْقَى البلَدُ خاويَةً، والحاجةُ قائمةٌ إلى هذا التلميذِ، فلا بَأْسَ حِينَذاكَ.

قالَ الحافظُ: (ولا يَتْرُكُ إِسْمَاعَ أَحَدٍ لِنِيَّةٍ فاسِدَةٍ) فمِن الأمورِ التي أَيْضاً يَنبغِي للشيخِ أنْ يُرَاعِيَها أنَّهُ أحياناً قدْ يَنْفِرُ مِنْ طالبِ عِلْمٍ ما؛ إمَّا لكونِ القُلُوبِ أو الأرواحِ جُنُوداً مُجَنَّدَةً، ورُوحُهُ لم تَتَّفِقْ معَ رُوحِ ذلكَ التلميذِ، أوْ لكونِهِ مَثَلاً ظَهَرَ مِنْ ذلكَ التلميذِ في حَقِّهِ خَطَأٌ، أوْ ما إلى ذلكَ، فلا يَنبغِي لهُ في هذهِ الحالةِ أنْ يَتْرُكَ إسماعَ ذلكَ التلميذِ لأَجْلِ هذهِ النِّيَّةِ الفاسدةِ؛ لأنَّ مَدارَ كُلِّ هذا على أُمُورٍ شَخْصِيَّةٍ نَفْسِيَّةٍ، فلا يَنبغِي في هذهِ الحالِ أنْ يَمْتَنِعَ مِنْ إسماعِهِ، بلْ يَجِبُ عليهِ أنْ يُسْمِعَهُ؛ لأنَّهُ لو امْتَنَعَ فإنَّ في هذا كِتْمَاناً للعِلْمِ.

آدابٌ مُخْتَصَّةٌ بطالِبِ العِلْمِ:

وهناكَ آدابٌ تَخْتَصُّ بطالِبِ العلْمِ،فقدْ رَاعَى الْمُحَدِّثُونَ كِلا الْجَانِبَيْنِ، فوَجَّهُوا الكلامَ للشَّيْخِ، ووَجَّهُوا الكلامَ للتلميذِ كذلكَ حتَّى يَسْتَوِيَ الطَّرَفَانِ.

قالَ: (وأنْ يَتَطَهَّرَ، ويَجْلِسَ بوَقارٍ)، مُعْظَمُ الدُّرُوسِ التي كانتْ تُقامُ في السابقِ كانتْ تُقامُ في الْمَسَاجِدِ؛ ولذلكَ يَنبغِي للشيخِ والتلميذِ على حدٍّ سَوَاءٍ إذا جَاءَا المسجِدَ أنْ يكونَ الواحِدُ منهم مُتَطَهِّراً.

أوَّلاً: ليُؤَدِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ.

وأيضاً: إذا كانَ جالساً في المسجِدِ؛ فالأَوْلَى أنْ يكونَ على طَهارةٍ؛ فقدْ تكونُ هناكَ فُرْصَةٌ لأداءِ نافلةٍ، أوْ لقِرَاءةِ قُرآنٍ، أوْ لغيرِ ذلكَ مِن الأمورِ.

أمَّا إذا لمْ يَكُنِ الدرْسُ في الْمَسْجِدِ؛ فهذا يُعْتَبَرُ عِبادةً، وهذا بالنِّسبةِ للشيخِ والتلميذِ على حدٍّ سَوَاءٍ.

قالَ: (ولا يُحَدِّثُ قائماً، ولا عَجِلاً، ولا في الطريقِ إلاَّ إذا اضْطُرَّ إلى ذلكَ).

قالُوا: لأنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يكونَ هناكَ اعتناءٌ بحديثِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، وألاَّ يُؤْخَذَ هذا الأَخْذَ العَجِلَ الذي يَدُلُّ على الاستخفافِ بِمِثْلِ هذا العلْمِ، بلْ يَنبغِي لهُ ألاَّ يُحَدِّثَ إلاَّ وهوَ مُتَهَيِّئٌ للتحديثِ مُسْتَعِدٌّ لهُ، والنُّفُوسُ أيضاً مُسْتَعِدَّةٌ، وأمَّا هكذا على عَجَلٍ فلا يَنْبَغِي.

لكنْ إذا اضْطُرَّ إلى ذلكَ، كأنْ يَلقاهُ إنسانٌ في الطريقِ، وهوَ مُحتاجٌ إلى فَتْوَى، فلا بَأْسَ أنْ يُفْتِيَهُ ويَسْتَدِلَّ بحديثٍ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ.

مِن الأمورِ التي يَجِبُ أنْ يُرَاعِيَها الشيخُ أيضاً:

(أنْ يُمْسِكَ عن التحديثِ إذا خَشِيَ التغيُّرَ أو النِّسيانَ لِمَرَضٍ أوْ هَرَمٍ)، فإذا شَعَرَ في نفْسِهِ بنوعِ تَغَيُّرٍ، فيَنبغِي أنْ يُمْسِكَ عن التحديثِ حتَّى تَسْلَمَ لهُ أحاديثُهُ، هذا في الزمَنِ الماضِي.

أمَّا في الزمَنِ الحاضِرِ، فلَرُبَّمَا أفْتَى الشيخُ فَتْوَى غيرَ مُنْضَبِطَةٍ بسببِ ما حصَلَ لهُ مِن الاختلالِ في حِفْظِهِ، وما إلى ذلكَ، فيَنبغِي أيضاً أنْ يُمْسِكَ عن الفَتْوَى وعن التعليمِ الذي يكونُ مِنْ جَرَّائِهِ تعليمُ الناسِ أُمُوراً خاطِئَةً.

أحياناً نَجِدُ بعضَ الْمُحَدِّثِينَ لا يَتَنَبَّهُ هوَ بنَفْسِهِ إلى الاختلاطِ، فَفِي هذهِ الحالةِ يَجِبُ على مَنْ كانَ وَلِيًّا لهُ مِنْ أولادِهِ أوْ أخٍ لهُ أوْ غيرِ ذلكَ أنْ يَمْنَعُوا الناسَ مِن السَّمَاعِ لهُ في هذهِ الحالِ؛ لِتَسْلَمَ لهُ أحاديثُهُ التي رَوَاهَا سَابقاً، فتكونَ صَحيحةً.

قالَ: (وإذا اتَّخَذَ مَجْلِسَ الإملاءِ؛ أنْ يكونَ لهُ مُسْتَمْلٍ يَقِظٌ).

فإذا كانت الحلْقَةُ طويلةً، وصَوْتُ الشيخِ يَصِلُ إلى بُعْدِ عَشرةِ أمتارٍ، وما بعدَ العشرةِ يَضْعُفُ الصوتُ، فيكونُ هناكَ بعدَ عَشرةِ أمتارٍ واحدٌ يُقالُ لهُ: الْمُسْتَمْلِي، ويُفَضَّلُ أنْ يكونَ جَهُورِيَّ الصوتِ، فيَسْمَعُ الحديثَ مِن الشيخِ، ويَرْفَعُ بهِ صوتَهُ؛ ليَسْمَعَهُ مَنْ بَعْدَهُ.

ورُبَّمَا احتاجَ الْمَجْلِسُ إلى عِدَّةِ مُسْتَمْلِينَ، فيَنْقُلُ بعضُهم عنْ بعضٍ، فقدْ كانت بعضُ المجالِسِ -وأظنُّهُ مَجْلِسَ يَزيدَ بنِ هارونَ- كانَ يَحْضُرُ فيهِ مِائةُ ألْفٍ، فمِثلُ هذا يَحتاجُ إلى عَديدٍ مِن الْمُسْتَمْلِينَ؛ لأنَّهُم لم تَكُنْ في أوقاتِهم مُكَبِّرَاتُ الصَّوْتِ.

فإذا اتَّخَذَ الشيخُ مُسْتَمْلِياً، فلا بُدَّ أنْ يكونَ هذا الْمُسْتَمْلِي يَقِظاً عارِفاً فاهِماً، قالَ: ولا يكونُ كمُسْتَمْلِي يَزيدَ بنِ هارونَ، قالَ: لأنَّهُ حينَما سُئِلَ مَرَّةً عنْ حَدِيثٍ مِن الأحاديثِ قالَ: هذا الحديثُ حدَّثَنَا بهِ عِدَّةٌ، والمُسْتَمْلِي يَسْمَعُ، فَقَالَ: يا أبا سعيدٍ، عِدَّةُ ابْنُ مَنْ؟

يَظُنُّ أنَّهُ رَاوٍ، واسْمُهُ عِدَّةُ، بينَما المقصودُ عِدَّةٌ مِن الرُّواةِ؛ لِذَا قالُوا: لا يَنبغِي أنْ يكونَ الْمُسْتَمْلِي مثلَ مُسْتَمْلِي يزيدَ بنِ هارونَ.

مِن الآدابِ كذلكَ التي يَنْبَغِي أنْ يَتَفَرَّدَ بها الطالِبُ عن الشيخِ كما قالَ الحافظُ:

(ويَنفرِدُ الطالبُ بأنْ يُوَقِّرَ الشيخَ ولا يُضْجِرَهُ).

ونحنُ نَعْرِفُ أنَّ الشيوخَ بَشَرٌ لهم نفُوسٌ تَمَلُّ، وأيضاً لا يَتَقَبَّلُ الواحدُ منهم الإهانةَ أو الإعراضَ بالقَوْلِ أوْ ما إلى ذلكَ، فيَنبغِي لطالِبِ العلْمِ أنْ يُراعِيَ تلكَ الأمورَ، فمَثَلاً إذا وَجَدَ أنَّ شيخَهُ قدْ طالَ بهِ الْمَجْلِسُ، ورُبَّما كانَ مَشغولاً، أوْ كانَ لهُ حاجةٌ يَقْضِيها أوْ ما إلى ذلكَ، فلا يَنْبَغِي لهُ أنْ يُلِحَّ في هذهِ الأثناءِ، بلْ يَدَعُ المسألةَ أوْ يَدَعُ الاستفتاءَ في وقتٍ آخَرَ؛ خَشيَةَ أنْ يُضْجِرَ الشيخَ، فيَمَلَّهُ الشيخُ، ويَكْرَهَهُ ويَكْرَهَ مُجَالَسَتَهُ، ويَكْرَهَ مُجالَسَةَ الطَّلَبَةِ.

وهذهِ المجالِسُ كذلكَ أيضاً يَنبغِي أن يُوَقَّرَ فيها الشيخُ وأنْ يُحْتَرَمَ، لكنْ في حُدُودِ السُّنَّةِ؛ لأنَّنا نَعْرِفُ أنَّ هذهِ المسألةَ بُولِغَ فيها عندَ طوائفَ مِن الناسِ كالصُّوفيَّةِ، فنحنُ نَرْفُضُ هذا وذاكَ، فالتوقيرُ للمشايِخِ يَنبغِي أنْ يكونَ في حدودِ المعقولِ، كما كانَ الصحابةُ رَضِيَ اللَّهُ عنهم يُوَقِّرُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، بلْ أَقَلَّ؛ لأنَّ توقيرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ فيهِ مِقدارٌ زائدٌ في بعضِ الأحيانِ، كذلكَ أيضاً مِثْلَما كانَ العُلماءُ يُوَقِّرونَ شُيوخَهم.

فمَثلاً:

نَجِدُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ إذا كانَ جالساً في أصحابِهِ لا يكونُ لهُ فضْلٌ عليهم، حتَّى إنَّ الداخِلَ لا يَعْرِفُ مَنْ هوَ محمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ إذا لم يَكُنْ يَعْرِفُهُ سابِقاً، فلم يَكُن الصَّحَابةُ رَضِيَ اللَّهُ عنهم يُوَقِّرُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ ويُعَظِّمُونَهُ تَعظيماً زَائِداً؛ لأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ كانَ يَنهاهُمْ عنْ ذلكَ، ويقولُ: ((لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ))، وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ عن الْغُلُوِّ، فالمقصودُ هنا أنْ يكونَ التوقيرُ والاحترامُ في حُدُودِ المعقولِ.

قالَ أيضاً: (ويُرْشِدُ غيرَهُ لِمَا سَمِعَهُ)؛ أيْ: مِنْ أقرانِهِ وزُملائِهِ، ولا يَنبغِي أنْ يَكونَ الحسَدُ جارياً بينَهم؛ لأنَّ هذا مِنْ أسبابِ حِرمانِ العلْمِ، ومِنْ أسبابِ مَحْقِ بَركةِ العلْمِ، فالطُّلاَّبُ الذينَ لا يَنْفَعُ بعضُهم بعضاً هم مَمْحُوقُو البَرَكَةِ؛ فيَنبغِي للطَّالِبِ أنْ يَنْفَعَ زُملاءَهُ وأقرانَهُ بأَلاَّ يَبْخَلَ عليهم بشَيْءٍ، مِثْلُ أنْ يَكونَ الواحدُ يُتَابِعُ الشيخَ، ويَكْتُبُ لكنَّهُ فاتَتْهُ لَفْظَةٌ، أوْ لم يَسْمَعْها جَيِّداً فَلْيَلْتَفِتْ إلى زَميلِهِ، ويقولُ: هذهِ اللفظةُ صوابُها كذا، أوْ يَسْتَفْسِرُ عنها إذا كانَ ذاكَ حُجِبَ عن الكتابِ، ولم يُسْمَحْ لهُ بالْمُطالَعَةِ، فهنا يُعْتَبَرُ مِن الامتناعِ عن الإفادةِ.

وأيضاً: (لا يَدَعُ الاستفادةَ لِحَيَاءٍ أوْ تَكَبُّرٍ)، فأحياناً بعضُ الناسِ يكونُ عندَهُ سُؤَالٌ، فلا يَسْأَلُ، أوْ أُشْكِلَ عليهِ الأَمْرُ، فلا يَسألُ، أوْ أَمْلَى الشيخُ كَلاماً، فتَجِدُهُ لا يَسألُ، بلْ تَجِدُهُ كَتَبَ على التَّوَهُّمِ أوْ ما إلى ذلكَ، ورُبَّما حُرِمَ كثيراً مِن العِلْمِ بسببِ الْحَياءِ أوْ بِسبَبِ التكبُّرِ، وكِلاهما خُلُقَانِ مَذْمُومَانِ.

ولا يُعْتَبَرُ الحياءُ في هذهِ الحالةِ مَحموداً، وقدْ عَلَّقَ البُخاريُّ في (صحيحِهِ) عنْ مُجَاهِدٍ مَجزوماً بهِ، وسَنَدُهُ صحيحٌ إلى مُجَاهِدٍ، وجاءَ عندَ غيرِ البُخاريِّ، أنَّهُ قالَ: ((لا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحٍ وَلا مُسْتَكْبِرٌ))، وقد امْتَدَحَتْ عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عنْهَا نساءَ الأنصارِ بأَنَّهُنَّ لم يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الحياءُ مِن التَّفَقُّهِ في دِينِ اللَّهِ جَلَّ وعلا.

وقدْ جاءتْ أمُّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهَا وسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ عن المرأةِ إذا احْتَلَمَتْ، وقالَتْ: (إِنَّ الْحَيَاءَ لا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الْحَالِ) أوْ كما قَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عنهَا، فأَرْشَدَها أنَّ المرأةَ عليها الغُسْلُ إذا رَأَتْهُ، وهذا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ على صِحَّتِهِ.

قالَ: (ويَكْتُبُ ما سَمِعَهُ تامًّا، ويَعْتَنِي بالتَّقْيِيدِ والضَّبْطِ). كُلُّ هذهِ مِن الآدابِ التي ذَكَرَها مِنْ أجْلِ ضَبْطِ الكتابِ وضَبْطِ الْحِفْظِ، فيَنبغِي إذا سَمِعَ شيئاً أنْ يَكْتُبَهُ تامًّا بحيثُ لا يَعتمِدُ على كثْرَةِ أطرافِ الحديثِ، بلْ يَنبغِي أنْ يَكتُبَهُ تامًّا، ولا بأسَ لكَ إذا ما حَفِظَهُ أنْ يَتَّخِذَ لنَفْسِهِ كتاباً للأطرافِ؛ لأنَّ الأطرافَ دائماً تُستخْدَمُ للاستذكارِ؛ لكونِها أَخَفَّ.

قولُهُ: (ويَعتنِي بالتَّقْيِيدِ والضبْطِ)؛ أيْ: تقييدِ الحديثِ تَقييداً جَيِّداً، وضبْطِهِ أيضاً ضَبْطاً يُبْعِدُ عن الإِشْكَالِ؛ لأنَّ الإشكالَ قدْ يَقَعُ أحياناً بسبَبِ قِلَّةِ الضبْطِ، فلَرُبَّما مثلاً كانت الكلمةُ حَمَّالَةَ أوْجُهٍ بسبَبِ ضبْطٍ يَسيرٍ، فإذا ضَبَطَها على وَجْهٍ أصْبَحَ مَعناها كذا، وإذا ضَبَطَها على وَجْهٍ آخَرَ أَصْبَحَ مَعناها مُغَايِراً لذلكَ المعنى، فعليهِ أنْ يُعْنَى في هذهِ الحالةِ بضَبْطِ الألفاظِ ضَبْطاً جَيِّداً، وإنْ ضَبَطَ الجميعَ فهذا أَحْسَنُ وأَوْلَى.

ومِن الآدابِ أيضاً التي يَنْبَغِي أنْ يُرَاعِيَها :

كما قالَ: (ويُذاكِرُ بِمَحفوظِهِ لِيَرْسَخَ في ذِهْنِهِ)؛ أيْ: مِن الأحاديثِ، أمَّا المُذَاكَرَةُ فتكونُ معَ أقرانِهِ وزُملائِهِ؛ لأنَّ هذا مَدعاةٌ للحِفْظِ والاستذكارِ وتَرسيخِ الْحِفْظِ في الذهْنِ.

تنبيهٌ:

ولم يَذْكُرِ الحافظُ هنا مَسألةَ: العملِ بالحديثِ، وهيَ مِن الأُمُورِ التي نَصُّوا عليها في آدابِ طالِبِ الحديثِ، قالُوا: يَنبغِي أنْ يَعْمَلَ بالحديثِ الذي يَسمَعُهُ، فإذا عَرَفَ مَثلاً في (صحيحِ البُّخاريِّ) حديثَ: ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ فِي اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ))، فمِنْ دَوَاعِي الحفْظِ لهذا الحديثِ العملُ بهِ، فإذا كانَ يقولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العظيمِ، فلا شَكَّ أنَّهُ سيَسْتَحْضِرُ هذا الحديثَ الذي رَواهُ البُخاريُّ.

(2) مَعرِفَةُ سِنِّ التَّحَمُّلِ وسِنِّ الأَدَاءِ:

مِن الْمُهِمِّ أيضاً مَعرِفَةُ سِنِّ التَّحَمُّلِ وسِنِّ الأداءِ، ومَسألةُ سِنِّ التَّحَمُّلِ فيها أنَّ الطَّالِبَ يَبدأُ التَّحَمُّلَ متَى كانَ مُمَيِّزاً فقطْ، وأمَّا تَحديدُ السِّنِّ، فليسَ هناكَ سِنٌّ راجِحٌ تحديدُها وتَعيينُها، بل اخْتَلَفَتْ أقوَالُهم، فمِنهم مَنْ قَيَّدَها بخَمْسِ سنينَ، ومِنهم مَنْ قَيَّدَها بسَبْعِ سِنينَ، ومِنهم مَنْ قَيَّدَها بخمْسَ عشرةَ سنةً وهكذا، لكنَّ الصحيحَ في هذا أنَّهُ متَى ما مَيَّزَ الطَّالِبُ فإنَّهُ يَصِحُّ تَحَمُّلُهُ حينَ ذاكَ، وهذا فقطْ مِنْ أجْلِ التَّحَمُّلِ.

أمَّا الأداءُ:

فيقولُ الحافظُ: (وقدْ جَرَتْ عادةُ الْمُحَدِّثِينَ بإحضارِهم الأطفالَ في مجالِسِ الحديثِ ويَكْتُبُونَ لهم أنَّهُم حَضَرُوا) فقدْ جَرَتْ عادةُ المحدِّثينَ -بخاصَّةٍ مِن المُتَأَخِّرِينَ- أنَّهُم إذا حَضَرَ الشابُّ الصغيرُ سَأَلُوا عنْ عُمْرِهِ، فإنْ كانَ عُمْرُهُ خمسَ سَنواتٍ فما فَوْقُ، ففي هذهِ الحالةِ يَكْتُبُونَ لهُ سَمَاعاً؛ لأنَّهُ متى يَسمعونَ جُزءاً حَدِيثِيًّا مِن الأجزاءِ عن الشيخِ، فكُلُّ واحدٍ يُريدُ أنْ يكونَ هذا الجُزْءُ مِنْ مَسموعاتِهِ يَرويهِ هوَ بسَنَدِهِ.

وبعضُ المحدِّثينَ يَحْرِصُ على الشيخِ، وابنُهُ ما زالَ صَغيراً، فيُريدُ أنْ يَظْفَرَ بعُلُوِّ الإسنادِ لابنِهِ، فيأتِيَ بابنِهِ في مَجْلِسِ هذا الشيخِ، فحينَ ذاكَ يَسألُهُ ذاكَ المُحَدِّثُ: كَمْ عُمْرُ ابْنِكَ؟ فإنْ قالَ: خمسُ سنواتٍ، قالَ: اكْتُبُوا لهُ سَمَاعاً؛ أيْ: صَحَّ لهُ السماعُ مِنْ هذا الشيخِ، فيُجِيزُهُ في هذهِ الروايَةِ، أوْ بذلكَ الجُزْءِ مِن الحديثِ، لكنْ إذا كانَ أقَلَّ مِنْ خَمْسِ سنواتٍ قالُوا لهُ: اكْتُبُوا لهُ حُضُوراً.

وفَرَّقُوا بينَ الحُضُورِ وبينَ السَّماعِ،فالسَّماعُ يُعْتَبَرُ سَماعاً صَحيحاً، والحضورُ يَعتبرونَهُ حُضوراً فقطْ، بمعنَى أنَّ سَمَاعَهُ غيرُ صحيحٍ في هذهِ الحالةِ، وأنا أَذْكُرُ أنَّ في (مُسْنَدِ ابنِ أبي أَوْفَى) كُنْتُ قدْ أحْضَرْتُ جُزءاً صَغيراً مَوجوداً في الأسواقِ في آخِرِهِ، وكانَ الحافِظُ العراقيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِمَّنْ سَمِعَ هذا الجُزْءَ على أَحَدِ مشايِخِهِ، فجاءَ بابْنَيْهِ، وهوَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ للحديثِ وأَهْلِهِ سَمَّى ابْنَيْهِ وكَنَّاهُما أيضاً بكُنْيَةِ إمَامَيْنِ مِنْ أئِمَّةِ الحديثِ، فالأكبرُ كَنَّاهُ أَبَا زُرْعَةَ، والأصغرُ كَنَّاهُ أبا حاتمٍ، فهذانِ الابْنَانِ أَحْضَرَهُما العراقيُّ؛ لأَجْلِ سَمَاعِ (مُسْنَدِ ابنِ أبي أَوْفَى) في مَجْلِسِ ذلكَ الشيخِ، فأَذْكُرُ أنَّهُ مِمَّنْ حَضَر زَيْنُ الدِّينِ عبدُ الرحيمِ العراقيُّ، وابْنَاهُ أبو زُرعةَ أحمدُ وأبو حاتمٍ محمَّدٌ حاضِرَانِ، وهما في الرابعةِ مِنْ عُمْرِهما، (أيْ: لا يَصِحُّ تَحَمُّلُهُما في هذهِ الحالةِ)، لكنْ لوَفاةِ ذلكَ الشيخِ يَتَحَصَّلُ على الحديثِ بنُزُولٍ، إمَّا مِنْ شيخٍ آخَرَ يَذْكُرُ هذا، ويَذْكُرُ أنَّهُ كانَ حاضراً في ذلكَ المجلِسِ؛ أيْ: فيهِ نَوْعُ سَمَاعٍ، وإنْ لمْ يَكُنْ سَمَاعاً كَامِلاً.

قالُوا: والأَصَحُّ في سِنِّ الطالبِ أنْ يَتَأَهَّلَ لذلكَ؛أيْ: يكونَ مُمَيِّزاً، هذا هوَ الأَصَحُّ. قالُوا: ويَصِحُّ أيضاً تَحَمُّلُ الكافرِ إذا أَدَّاهُ بعدَ إسلامِهِ.

وكذا: الفاسقُ مِنْ بابِ أَوْلَى إذا أَدَّاهُ بعدَ تَوْبَتِهِ وثُبوتِ عَدالتِهِ؛ أيْ: يُقاسُ على هذا، بلْ يكونُ مِنْ بابِ أَوْلَى.

قالُوا: وأمَّا الأداءُ فتَقَدَّمَ أنَّهُ لا اختصاصَ لهُ بذلكَ بزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، بلْ تَقَيَّدَ بالاحتياجِ والتَّأَهُّلِ لذلكَ.

لكنْ يُشْتَرَطُ في حالِ الأداءِ أنْ يكونَ هناكَ سِنٌّ مُعَيَّنَةٌ لا يُؤَدِّي قَبْلَها، وهنا اختلافٌ أيضاً بينَ الْمُحَدِّثِينَ، فيقولُ ابنُ خَلاَّدٍ: (إنَّهُ يَنْبَغِي لهُ ألاَّ يُحَدِّثَ قبلَ الخمسينَ، وإنْ حَدَّثَ في الأربعينَ فلا بَأْسَ)؛ أيْ: أنَّهُ أَدْنَى حَدٍّ للتحديثِ، بمعْنَى أنَّ الذي قَبْلَ سِنِّ الأربعينَ لا يَنْبَغِي لهُ أنْ يُحَدِّثَ.

ولا شَكَّ أنَّ هذا الكلامَ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ هناكَ الكثيرَ مِن الأَئِمَّةِ، بلْ مِن الصحابةِ، مَنْ حَدَّثَ قبْلَ هذا السِّنِّ بكثيرٍ، فالإمامُ مالِكٌ على سبيلِ الْمِثالِ قالُوا: إنَّهُ حَدَّثَ ولهُ نَيِّفٌ وعِشرونَ سَنَةً.

بلْ قيلَ: إنَّهُ حَدَّثَ ولهُ سبعةَ عشرَ عاماً، وكذلكَ أيضاً الشافعيُّ، وشيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَةَ، وغيرُهم، فكُلُّ هؤلاءِ حَدَّثُوا وهم في مُقْتَبَلِ العُمْرِ.

ولكنْ يُقَيَّدُ هذا بالاحتياجِ إليهِ، أمَّا إذا ما لم يُحْتَجْ إليهِ، فيَنبغِي لهُ أنْ يُرَكِّزَ في هذهِ السَّنَوَاتِ الأُولَى على الطلَبِ).

هيئة الإشراف

#5

30 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: عبد العزيز السعيد (مفرغ)

القارئ: (ومعرفة آداب الشيخ والطالب).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (لأن الشيخ له آداب، والطالب له آداب، قد ذكرها العلماء، وهي كثيرة، وهي مسطورة في كتب.


القارئ: (وسن التحمل والأداء).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (يعني: يعرف سن التحمل والأداء؛ لأنه إذا عرف سن التحمل والأداء، وجاءه راوٍ توفي سنة مائة، ثم وجدنا راوياً ولد سنة خمس وتسعين، فروى عن هذا الذي توفي سنة مائة، إذا عرفنا أن التحمل لا بد أن يكون في سن التمييز قلنا: هذه الرواية منقطعة، والمؤلف يختار أنه سن التمييز، إذا ميز يصح تحمله، ونقبل روايته.

وكذلك:

يعرف سن الأداء، سواءٌ سن الأداء الذي يؤدي فيه الأحاديث، وإذا كان الإنسان بالغاً، فأدى قبل أدائه، ويتحمل وهو صغير، له مثلاً عشر سنوات، فلما كان له خمس عشرة سنة وحدث نقبل حديثه؛ لأنه بالغ، لكن لو أخبرنا وهو ابن ثمان سنوات لا نقبل حديثه؛ لأنه ما بلغ سن الأداء، هذا سن الأداء الذي يقبل معه.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

30 Oct 2008

العناصر

آداب طلب علم الحديث:
أولاً: معرفة آداب الشيخ والطالب:
أ- الآداب المشتركة بين الشيخ وتلميذه:
1 - تصحيح النية :
بيان كيفية تصحيح النية.
2 - حسن الخلق.
ب- ما ينفرد به الشيخ من الآداب:

1 - أن يُسمع إذا احتيج إليه .
2 - أن لا يحدث في بلد فيه من هو أولى منه، وفي هذا فوائد من جملتها:

- أنه من التواضع .

- فيه إرشاد الناس ونصحهم لما هو خير لهم.
- دليل على عدم الحرص على التصدر.
3- أن لا يترك إسماع أحد لنية فاسدة .
4 - أن يتطهر ويجلس بوقار.
5 - أن لا يحدث قائمًا ولا عجلاً ولا في الطريق إلا إن اضطر إلى ذلك .
6 - أن يمسك عن التحديث إذا خشي التغير أو النسيان لمرض أو هرم .
7 - إذا اتخذ مجلسًا للإملاء فينبغي أن يكون له مستمل فطن .
ج: ما ينفرد به الطالب من الآداب:
1 - أن يوقر الشيخ ولا يضجره .
- توقير الشيخ واحترامه يكون في حدود السنة .
2 - أن يرشد الطالب غيره من أقرانه وزملائه لما سمعه .
3 - لا ينبغي له أن يدع الاستفادة لحياء أو تكبر.
4 - أن يكتب ما سمعه ويعتني بالتقييد والضبط .
5 - أن يذاكر ما حفظه من الأحاديث مع أقرانه وزملائه .
6 - أن يعمل بالحديث الذي يسمعه إذا كان صحيحاً.

- ذكر بعض المصنفات في آداب الرواية والتحديث

- كتب في آداب طالب علم الحديث

ثانياً: معرفة سن التحمل والأداء:
- الخلاف في أقل سن التحمل.
- الراجح في تحديد سن التحمل أن مرجعه إلى التمييز.
- جرت عادة المحدثين بإحضار الأطفال مجالس الحديث وكتابة حضورهم.
- الفرق بين الحضور والسماع :
- يصح تحمل الكافر إذا أدى الرواية بعد إسلامه.
- يصح تحمل الفاسق إذا أدى الرواية بعد توبته وثبوت عدالته.
- بيان أن الأداء لا اختصاص له بسن معين.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

30 Oct 2008

الأسئلة

س1: اذكر أهم الآداب المشتركة بين الشيخ والتلميذ.
س2: اذكر أهم الآداب المختصة بالشيخ.
س3: اذكر أهم الآداب المختصة بالتلميذ.
س4: اذكر بعض الكتب المؤلفة في آداب الرواية والتحديث.
س5: ما فائدة معرفة سن التحمل والأداء؟

هيئة الإشراف

#8

2 Apr 2010

شرح نخبة الفكر للشيخ عبد الكريم الخضير (مفرغ)

قال الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير: (أحسن الله إليك: "ومعرفة أدب الشيخ والطالب، وسن التحمل والأداء، وصفة كتابة الحديث وعرضه وسماعه وإسماعه والرحلة فيه، وتصنيفه إما على المسانيد أو الأبواب أو العلل أو الأطراف، ومعرفة سبب الحديث، وقد صنف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفراء، وصنفوا في غالب هذه أنواع، وهي نقل محض، ظاهرة التعريف، مستغنية عن التمثيل، وحصرها متعسر، فلتراجع لها مبسوطاتها، والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين".

نعم.

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ومعرفة أدب الشيخ والطالب، وسن التحمل والأداء، وكتابة الحديث وعرضه وسماعه وإسماعه والرحلة، وتصنيفه على المسانيد أو الأبواب أو العلل أو الأطراف" ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- مما يحتاج إليه طالب الحديث أشياء مهمة، فمنها: آداب المحدث، ومن أهمها

( الأول ) : الإخلاص وتصحيح النية، قال ابن الصلاح: "علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وينافر سيء الأخلاق ومشاين الشيم، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا، فمن أراد التصدي لإسماع الحديث أو لإفادة شيء من علومه فليقدم تصحيح النية، وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية وأدناسها، وليحذر بلية حب الرئاسة ورعوناتها" فقد أخرج أبو داود والنسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضاً من أغراض الدنيا لم يجد عرف الجنة)).

الثاني: من آداب المحدث: أن يجلس للتحديث عند التأهل والاحتياج إليه، قال ابن الصلاح: "وقد اختلف في السن الذي إذا بلغه استحب له التصدي لإسماع الحديث والانتصاب للرواية، والذي نقوله: إنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان، اختار الرامهرمزي في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث هو أن يستوفي الخمسين؛ لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد، قال: "وليس بمستنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال، نبئ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن أربعين، وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته، ويتوفر عقله، ويجود رأيه"، وأنكر القاضي عياض ذلك على بن خلاد الرامهرمزي وقال: "كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينتهِ إلى هذا السن ومات قبله؟" يعني ينتظر إلى أن يصل الخمسين قد يموت قبل الخمسين، النووي مات وعمره ستة وأربعين، ينتظر إلى أن يبلغ الأربعين ومن يؤمنه إلى بلوغ الأربعين؟! قد يكون الناس بحاجة إليه ماسة، لا يوجد في البلد غيره وعمره ثلاثون، نقول: انتظر عشر سنوات إلى أن تنضج؟ لا، يقول -قال القاضي عياض-: "كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينتهِ إلى هذا السن ومات قبله، وقد نشر من الحديث والعلم ما لا يحصى، هذا عمر بن عبد العزيز توفى ولم يكمل الأربعين، وسعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين، وكذلكم إبراهيم النخعي، وهذا مالك بن أنس جلس للناس ابن نيف وعشرين، وقيل: ابن سبع عشرة والناس متوافرون وشيوخه أحياء، كذلك محمد بن إدريس الشافعي قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة، واتنصب لذلك، والله أعلم".

لكن المعول في ذلك على التأهل والحاجة، إذا وجدت الحاجة مع التأهل تعين عليه أن يجلس لإفادة الناس، حمل ابن الصلاح ما ذكره الرامهرمزي على من يتصدى للتحديث ابتداءً من نفسه من غير براعة في العلم، وأما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك، أو لأنهم سئلوا ذلك إما بصريح السؤال وإما بقرينة الحال.

وأما السن الذي إذا بلغه المحدث أمسك عن التحديث فهو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف، ويخاف عليه فيه أن يخلط ويروي ما ليس من حديثه، والناس في بلوغ هذا السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم، وهكذا إذا عمي وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه فليمسك عن الرواية، بعض الناس اعتاد ألا يحدث الناس إلا من كتاب فإذا عمي ضاع، مثل هذا يمسك، انتهى.

وقال الرامهرمزي: "أعجب إلي أن يمسك في الثمانين لأنه حد الهرم، فأن كان عقله ثابتاً، ورأيه مجتمعاً، يعرف حديثه ويقوم به، وتحرى أن يحدث احتساباً رجوت له خيراً" ووجه ابن الصلاح ما قاله الرامهرمزي: أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب، وخيف عليه الاختلال والإخلال، وألا يفطن له إلا بعد أن يختلط، ألا يفطن لهذا الشيخ إلا بعد أن يختلط كما أتفق لغير واحد من الثقات منهم عبد الرزاق وسعيد بن أبي عروبة، قال ابن الصلاح: "قد حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن -يعني بعد الثمانين إلى تسعين بل إلى مائة- حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن فساعدهم التوفيق، وصحبتهم السلامة منهم: أنس بن مالك" يعني مات عن مائة وثلاثة سنين أنس بن مالك، "سهل بن سعد عبد الله بن أبي أوفى من الصحابة ومالك والليث وابن عيينة، وعلي بن الجعد في عدد جم من المتقدمين والمتأخرين، وفيهم غير واحد حدثوا بعد استيفاء مائة سنة، منهم: الحسن بن عرفة وأبو القاسم البغوي وأبو أسحق الهجيمي والقاضي أبو الطيب الطبري وغيرهم".

(ثالثا) و من آداب المحدث : ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه، ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه، وهذا بخلاف ما نراه من التطاول على الكبار، تجد في بلد فيه الكبار ويتصدى لإقراء الناس مع وجود الكبار وعدم الاحتياج إليه، مثل هذا لا يحدث بحضرة هؤلاء، يعني من الأدب ألا يحدث بحضرة هؤلاء، نعم إن احتيج إليه، والبلد بحاجة إلى أكثر من شخص يتصدر وأجره على الله، ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك، وكان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء، وزاد بعضهم: فكره الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه لسنه أو لغير ذلك، قال ابن معين: "إن الذي يحدث في البلدة وفيها من هو أولى منه بالتحدث فهو أحمق".

الأمر الرابع: "ينبغي للمحدث إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره في بلده أو غيره بإسناد أعلى من إسناده أو أرجح من وجه آخر أن يعلم الطالب ويرشده إليه فالدين النصيحة، يعني إذا طلب من الشيخ أن يقرأ عليه كتاب، ويعرف أن الشيخ الفلاني يتقن هذا الكتاب أكثر منه، ينصح الطلاب بأن يذهبوا إلى فلان، ولا يكون هدفه التخلي عن نفع الناس؛ لأن بعض الناس من باب التنصل عن المسئولية يفرق الناس، من جاءه اذهب إلى فلان، اذهب إلى فلان، لا، لكن القصد في ذلك النصيحة، إذا جاءه شخص معه كتاب وهو يحسن هذا الكتاب لكن يوجد في البلد من يتقنه أكثر منه من النصيحة أن يقال: اذهبوا لفلان فإنه أعرف مني بهذا الكتاب فإن الدين النصيحة.

خامساً: أن لا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فيه فأنه يرجى له حصول النية بعد، يعني بعض الناس تظهر عليه آثار عدم الاستقامة فلا ينبغي للمحدث أن يقول: نعتذر عن تحديثك لأن مظهرك يدل على أن نيتك ما هي بصالحة، نقول: لا، فليسمع الحديث وليستفد، قال معمر: "كان يقال: إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله -عز وجل-" وليس معنى هذا أن الإنسان يسترسل فيطلب العلم بغير نية خالصة يقول: تأتي النية فيما بعد، لا، وما يؤملك أن تموت قبل تصحيح النية فتقع في الوعيد الشديد.

سادساً: أن يكون حريصاً على نشر العلم، مبتغياً جزيل أجره، وقد كان في السلف -رضي الله عنهم- من يتألف الناس على حديثه، منهم عروة بن الزبير -رضي الله عنهما-، كثير من أهل العلم من يكرم الطلاب الملازمين له، ولا شك أن كما أن للشيخ حق على هؤلاء الطلاب بأن قصر وقته وجهده عليهم له حق عليهم، لكن أيضاً هم أيضاً من باب آخر لهم حق عليه، بحيث اجتمعوا له، وبعضهم يفيد الشيخ، لا شك أن تكامل الطلاب وتوافرهم لا شك أنه يفتح آفاق للشيخ، مناقشة المسائل مع الطلاب كثيراً ما تنضج هذه المسائل.

سابعا ً : (يوجد نقص هنا .........................................) ، قال ابن الصلاح: "وليقتدِ بمالك -رضي الله عنه- فقد كان إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه، وسرح لحيته، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة وحدث" يعني ينبغي للمحدث أن يعتني بنفسه وقت التحديث، فقيل له في ذلك: "فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أحدث إلا على طهارة متمكناً"، وكان يكره أن يحدث في الطريق أو هو قائم أو يستعجل، وقال: "أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول -صلى الله عليه وسلم-"، وروي عنه -رحمه الله- أنه كان يغتسل لذلك، ويتبخر ويتطيب، فأن رفع أحد صوت في مجلسه زبره وقال: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [(2) سورة الحجرات]فمن رفع صوته عند حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول -صلى الله عليه وسلم-، فلا يحدث وهو قائم أو مضطجع أو وهو يمشي أو مستعجل، لكن قد تدعو الحاجة إلى شيء من ذلك، بأن يكون الشيخ تعبان فلا يحرم الناس من حديثه فيحدث وهو مضطجع، قد يحتاج الناس إلى بعض الأسئلة أو بعض الأحاديث وهو في طريقه لا مانع، {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [ (191) سورة آل عمران] لكن لا ينبغي أن تكون الصفة الغالبة كما يوجد في بعض بلاد غرب أفريقيا، تجد الطالب مضطجع في جهة، والشيخ مضطجع قد ولاهم ظهره، وأحياناً يتصرف تصرفات ليست مناسبة، هذا موجود في بعض الجهات، حدثنا بعض الإخوان أن هناك شيخ من بعض بلاد أفريقيا من غرب أفريقيا يقول: حضرنا عنده درس في مكة مضطجع على سريره وظهره إلينا ووجهه إلى الجدار ويحدث، وقد طلب من بعض الطلاب أن يحك ظهره، أقول: كيف يحدث مثل هذا؟ نعم إن كانت الحاجة داعية إلى ذلك الشيخ مريض لا بأس، لكن مع عدم الحاجة كيف يؤدي العلم؟ يبلغ عن الله وعن رسوله على هذه الهيئة؟ والغالب أن مثل هذا يكون مالكي المذهب، هل هذا اقتدى بإمامه الإمام مالك -رحمة الله عليه-؟!

(ثامنا) : على المحدث أن يقبل على طلابه جميعاً ولا يخص بعضهم بمزيد عناية دون بعض، روي عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال: "إن من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعاً"، ولا شك أن هذا يورث الغيرة من بعض الطلاب حينما يخص بعضهم دون بعض، لكن ما يمنع أن يكون فيهم طلبة متميزون يفيدون الشيخ يعول عليهم كثيراً ويسألهم ويستوضحوه، ويسأل غيرهم إذا شك في فهمه من أجل أن يتابع طلابه هل فيهم المنتبه وغير المنتبه؟ هل فيهم من يستوعب ومن لا يستوعب؟ والله المستعان.

(تاسعا) أن لا يسرد الحديث سرداً يمنع السامع من إدراك بعضه، لا يسرد الحديث سرداً يمنع السامع من إدراك بعضه، لكن قد تدعو الحاجة لذلك لضيق الوقت مثلاً، يعني نحن في آخر درس من دروس الشرح هذا، نحتاج أحياناً إلى السرد؛ لأنه ما عندنا وقت، خلاص انتهى الوقت، أن لا يسرد الحديث سرداً لكن يكون هذا في حال السعة، يمنع السامع من إدراك بعضه، وليفتتح مجلسة وليختمه بذكر ودعاء يليق بالحال.

من آداب المحدث وهو العاشر: أن يعقد مجلساً للإملاء، فإنه من أعلى مراتب الراوية، والسماع فيه من أحسن وجوه التحمل وأقواه.

الحادي عشر: أن يتخذ مستملياً يبلغ عنه إذا كثر الجمع فذلك دأب أكابر المحدثين المتصدين لمثل ذلك، ممن روي عنه ذلك مالك وشعبة ووكيع وأبو عاصم ويزيد بن هارون في عدد كثير من الأعلام السالفين، وليكن المستملي محصلاً متيقظاً، المستملي من هو؟ يعني الشيخ لا يبلغ من في آخر المجلس، بعض الشيوخ يحضر عنده عشرات الألوف وليس هناك مكبرات فكيف يسمع من كان في آخر المجلس؟ يتخذون مستملين، واحد في الجهة اليمنى، واحد في اليسرى، وواحد في الوسط، إذا قال الشيخ كلمة أعادها هؤلاء ليسمعها البعيد، لكن هذا المستملي ينبغي أن يكون متيقظاً محصلاً عنده شيء من العلم، ما يكون عامي ما يفهم شيء، يبلغ الشيء على غير وجهه، ولا يكون غبي كي لا يقع في مثل ما روينا أن يزيد بن هارون سئل عن حديث فقال: "حدثنا به عدة" حدثنا به عدة، فصاح به المستملي: يا أبا خالد عدة ابن من؟ فقال له: عدة ابن فقدتك، هذا ما يفهم لا بد أن يكون الذي يتولى التبليغ عن الشيخ فطن، عنده شيء من التحصيل، وعليه أن يتبع لفظ المحدث فيؤديه على وجهه من غير خلاف.

فيحسن بالمحدث الثناء على شيخه في حال الرواية عنه بما هو أهل له، فقد فعل ذلك غير واحد من السلف والعلماء، كما روي عن عطاء بن أبي رباح أنه كان إذا حدث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "حدثني البحر" وعن وكيع أنه قال: "حثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث" نعم يثني على الشيخ من باب المكافئة أن يثني على شيخه وليس المراد الثناء لذاته، وإنما المراد أن يؤخذ العلم عن هذا الشيخ، من أجل أن يؤخذ العلم عن هذا الشيخ، وليعلم أن الشيخ بحاجة إلى الدعاء أكثر من حاجته إلى الثناء، والله المستعان.

من آداب طالب العلم، طالب الحديث وغيره من العلوم: أن يخلص النية لله -سبحانه وتعالى-، وأن يحذر من أن يتخذ علمه وصلة إلى شيء من الأغراض الدنيوية، فقد قال حماد بن سلمة: "من طلب الحديث لغير الله مكر به".

ثانياً: أن يوقر شيخه وأن يتحرى رضاه، وألا يضجره بكثرة الأسئلة، لا سيما إذا رأى عدم رغبته في ذلك، ثالثاً: أن يستشير الشيخ فيما يشتغل به، وفي كيفية اشتغاله، وفي سائر أموره، يستشيره في الكتاب الذي يقرأ، في الكتاب الذي يخرج، في الكتاب الذي يشرح، في الكتاب الذي يختصر، يستشيره في جميع هذه الأعمال العلمية.

رابعاً: أن يرشد غيره لما سمعه، وألا يدع الاستفادة لحياء أو كبر فليأخذ الحديث عمن هو فوقه ومثله ومن دونه، بعض الناس يأنف أن يأخذ من شخص أصغر منه، فلا ينبل الرجل ولا يكمل إلا إذا تواضع وأخذ العلم عن كل أحد ممن هو فوقه أو مثله أو دونه، أن يعتني بتقييد ما سمعه ويضبطه، وأن يذاكر بمحفوظه ليرسخ في ذهنه، بعض الطلاب لا يعرف الكتاب إلا في الحلقة، لكن طالب العلم الحق إذا انتهى من الحلقة ذهب فراجع ما سمعه من الشيخ، واجتمع مع مجموعة من الأخوة وتذاكروا فيما بينهم، وأن يكتب الأحاديث المشهورة، وأن يدع الغرائب والأحاديث المنكرة.

خامساً: أن يبدأ بالأهم من كتب الحديث رواية ودراية فيقدم الصحيحين ثم كتب السنن، ثم صحيح بن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ثم السنن الكبرى للبيهقي، ثم مسند الإمام أحمد وسائر المسانيد، ثم الموطأ وسائر الجوامع، ثم كتب الأحكام مثل العمدة والبلوغ والمحرر والمنتقى وغيرها، ثم كتب العلل مثل العلل للإمام أحمد والدارقطني وابن أبي حاتم، ثم كتب الأسماء مثل تواريخ البخاري وابن معين وابن أبي خيثمة وغيرها، ثم كتب ضبط الأسماء مثل الإكمال لابن ماكولا، والمشتبه وتبصير المنتبه وغيرها مما مر ذكره.

أن يتعرف درجة الحديث، على الطالب أن يتعرف درجة الحديث وفقهه ومعانيه ولغته وإعرابه، وأسماء رجاله، محققاً كل ذلك، معتنياً بإتقان المشكل حفظاً وكتابة، فلا يقتصر على مجرد كتابة الحديث دون معرفته وفهمه، أن يعتني بكتب غريب الحديث والتي تقدم ذكر شيء منها، غريب الحديث لأبي عبيد الحربي وأبي عُبيدة والهروي والخطابي وابن الجوزي والزمخشري وابن الأثير وغيرها.

وأن يعتني بكتب شروح الحديث، يعتني بكتب شروح الحديث مثل فتح الباري وإرشاد الساري وعمدة القاري وشرح النووي وعون المعبود وتحفة الأحوذي ونيل الأوطار والتمهيد والاستذكار وغيرها، كتب كثيرة جداً في الشروح، يقرأ على كل متن من متون السنة ولو شرح واحد.

أن يعمل بما سمع من أحاديث العبادات وفضائل الأعمال، فإن ذلك زكاة الحديث وسبب لحفظه، والعلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر لا قيمة له.

مما ينبغي لطالب الحديث معرفة سن التحمل والأداء، والأصح اعتبار سن التحمل والتمييز هذا في السماع كما تقدم، المعتبر في سماع الحديث التمييز، وقد جرت عادة المحدثين بإحضار الأطفال مجالس الحديث ويكتبون لهم أنهم حضروا، ولا بد في ذلك من إجازة المسمِع، والأصح في سن الطالب بنفسه أن يتأهل لذلك ويصح تحمل الكافر أيضاً إذا أداه بعد إسلامه، جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في سورة الطور قبل أن يسلم ثم أدى هذه السنة بعد إسلامه، وخرجت في الصحيحين وغيرهما، يصح تحمل الكافر لكن لا يصح أداؤه إلا بعد إسلامه، وكذا الفاسق من باب أولى إذا أدى بعد توبته وثبوت عدالته.

وأما الأداء فلا بد من أن يتأهل لذلك فتتوافر فيه شروط القبول بكونه عدلاً ضابطاً أي مسلماً مكلفاً سالماً من خوارم المروءة وأسباب الفسق، وأن يكون ضابطاً لمرويه بحيث يؤديه متى شاء إذا حدث من حفظه، حاوياً لكتابه حافظاً له إن أدى منه، بحيث لا يخرجه من يده إلا إلى ثقة.

أجمع جمهور أئمّة الأثر

بأن يكـون ضابطـاً معـدّلاً

يحفظ إن حدّث حفظاً يحوي

يعلم مـا في الّلفظ من إحالـة

بأن يكون مسـلماً ذا عقـلِ

من فسق أو خرمِ مروءةٍ ومن

والفقـه في قبـول ناقل الخبـر

أي يقظـاً ولـم يكن مغفّـلاً

كتابـه إن كـان منـه يـروي

إن يـرو بالمعنى وفي العدالـة

قـد بلـغ الحلم سـليم الفعلِ

زكّـاه عدلان فعـدل مؤتمن

إلى آخر كلامه -رحمه الله تعالى-).