29 Oct 2008
العلو المطلق والعلو النسبي
قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (وَالمُسْنَدُ مَرْفُوعُ صَحَابِيٍّ بِسَنَدٍ ظَاهِرُهُ الاتِّصَالُ. فَإِنْ قَلَّ عَدَدُهُ فَإِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إِلى إِمَامٍ ذِي صِفَةٍ عَلِيَّةٍ كَشُعْبَةَ. فالأَوَّلُ:العُلُوُّ المُطْلَقُ. والثَّانِي:النِّسْبِيُّ.
وَفِيهِ:
المُوَافَقَةُ، وَهِيَ الوُصُولُ إِلى شَيْخِ أَحَدِ المُصَنِّفِينَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ.
وَفِيهِ: البَدَلُ، وَهُوَ الوُصُولُ إِلى شَيْخِ شَيْخِهِ كَذَلِكَ.
وَفِيهِ:
المُسَاوَاةُ، وَهِيَ اسْتِوَاءُ عَدَدِ الإِسْنَادِ مِنَ الرَّاوِي إِلى آخِرِهِ مَعَ إِسْنَادِ أَحَدِ المُصَنِّفِينَ.
وَفِيهِ:
المُصَافَحَةُ وَهِيَ الاسْتِوَاءُ مَعَ تِلْمِيذِ ذَلِكَ المُصَنِّفِ.
وَيُقَابِلُ
العُلُوَّ بِأَقْسَامِهِ: النُّـزُولُ).
نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني
قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (3) (فَالأولُ) وهو ما يَنْتَهِي إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ (العُلُوُّ الْمُطْلَقُ) فإن اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ سَنَدُهُ صَحِيحًا كانَ الْغَايةَ القُصْوَى، وإلاَّ فصُورةُ العُلُوِّ فيه موجودةٌ ما لم يكنْ موضوعًا فهو كالعدَمِ.
(والثَّانِي) العُلُوُّ (النِّسْبِيُّ) وهو ما يَقِلُّ العددُ فيه إلى ذَلِكَ الإِمَامِ، ولو كان العددُ من ذَلِكَ الإِمَامِ إلى مُنْتَهَاهُ كثيرًا، وقدْ عَظُمَتْ رَغْبَةُ المُتَأَخِّرِينَ فيه، حتى غَلَبَ ذَلِكَ على كثيرٍ منهمْ بحيثُ أَهْمَلُوا الاشْتِغَالَ بما هو أَهَمُّ منه.
وَإِنَّمَا كان العُلُوُّ مَرْغُوبًا فيه لكوْنِه أقربَ إلى الصِّحَّةِ وَقِلَّةِ الخَطَإِ؛ لأنَّه ما مِن راوٍ مِن رجالِ الإِسْنَادِ إلاَّ والخطأُ جائزٌ عليه، فكُلَّّما كَثُرَت الوسائطُ وطالَ السَّندُ كَثُرَتْ مَظَانُّ التَّجْوِيزِ، وكُلَّمَا قَلَّتْ قَلَّتْ.
فإنْ كانَ في النُّـزُولِ مَزِيَّةٌ ليستْ في العُلُوِّ كَأَنْ يكونَ رجالُهُ أوثَقَ منه أو أحفَظَ أو أَفْقَهَ، أو الاتِّصالُ فيه أظهرَ، فلا تردُّدَ في أنَّ النُّـزُولَ حينئذٍ أوْلَى.
وأَمَّا مَن رجَّحَ النُّـزولَ مُطْلَقًا، واحتَجَّ بِأَنَّ كَثْرَةَ البَحْثِ تَقْتَضِي المشقَّةَ فَيَعْظُمُ الأَجْرُ، فذَلِكَ ترجيحٌ بأمرٍ أجْنَبِيٍّ عمَّا يَتَعَلَّقُ بالتَّصَحِيحِ والتَّضَعِيفِ.
(4) (وَفيه) أي: العُلُوِّ النِّسبيِّ (المُوَافَقَةُ وهي الوصولُ إلى شيخِ أحدِ المُصنِّفينَ مِن غيرِ طريقِهِ) أي: الطَّرِيقِ التي تصِلُ إلى ذَلِكَ المصنِّفِ المُعَيَّنِ،
مِثالُه: روى الْبُخَارِيُّ عَن قُتَيْبَةَ عَن مالِكٍ حَدِيثًا، فلوْ رَوَيْنَاهُ من طريقِهِ كان بَيْنَنا وبَيْنَ قُتَيْبَةَ ثمانيةٌ، ولو رَوْيَنَا ذَلِكَ الحَدِيثَ بعينِهِ من طريقِ أَبِي العَبَّاسِ السّرَّاجِ عَن قُتيبةَ مثلاً، لكان بَيْنَنا وبَيْنَ قُتيبةَ سَبْعَةٌ. فقدْ حَصَلَتْ لنا المُوافَقَةُ مع الْبُخَارِيِّ في شيخِهِ بعينِهِ مع عُلُوِّ الإسنادِ عَلى الإسنادِ إِليهِ.
(5) (وَفيه) أي: العُلُوِّ النِّسْبِيِّ (البَدَلُ، وهو الوصولُ إلى شيخِ شيخِهِ كذَلِكَ) كأنْ يقعَ لنا ذَلِكَ الإسنادُ بعينِهِ مِن طريقٍ أُخْرَى إلى القَعْنَبِيِّ عَن مالكٍ، فيكونُ الْقَعْنَبِيُّ بدلاً فيه من قُتيبةَ، وأكثرُ ما يَعْتَبِرونُ الموافَقَةَ والبَدَلَ إذا قَارَنَا العُلُوَّ، وإلاَّ فاسمُ المُوافَقَةِ والبدلِ وَاقِعٌ بدونِهِ.
(6) (وَفيه) أي: العُلُوِّ النِّسْبِيِّ (المُسَاواةُ، وهي استواءُ عددِ الإسنادِ من الرَّاوي إلى آخِرِهِ) أي: الإِسْنَادِ (مع إسنادِ أحدِ المُصَنِّفِينَ) كأنْ يَرْوِيَ النَّسَائِيُّ مثلاً: حَدِيثًا يقعُ بَيْنَهُ وبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا، فَيَقَعُ لنا ذَلِكَ الحَدِيثُ بعينِهِ بإسنادٍ آخَرَ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقعُ بَيْنَنا فيه وبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَ عشرَ نَفْسًا فَنُسَاوِي النَّسَائِيَّمن حيثُ العَدَدُ مع قطعِ النَّظَرِ عَن ملاحظةِ ذَلِكَ الإسنادِ الخاصِّ.
(7) (وَفيه) أي: العُلُوِّ النِّسْبِيِّ أيضًا (المُصَافَحَةُ وهي الاسْتِواءُ مع تِلْمِيذِ ذَلِكَ المصنِّفِ)
على الوجْهِ المشروحِ أولاً، وسُمِّيَتْ مُصَافَحَةً؛ لأنَّ العَادَةَ جَرَتْ في الغَالِبِ بالمُصَافَحَةِ بَيْنَ مَن تَلاَقَيَا، وَنَحْنُ في هَذِهِ الصُّورةِ كأنَّا لَقِينَا النَّسَائِيَّ فكأنَّا صَافَحْنَاهُ.
(8) (وَيُقَابِلُ العُلُوَّ بِأَقْسَامِهِ) المذكورةِ (النُّزُولُ) فيكونُ كُلّ قِسمٍ مِن أَقْسَامِ العُلُوِّ يُقَابِلُهُ قِسمٌ مِن أقسامِ النُّزُولِ خلافًا لمَنْ زَعَمَ أنَّ العُلُوَّ قَدْ يَقَعُ غيرَ تَابِعٍ لِلْنُّزُولِ).
نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم
قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (لطائفُ الإسنادِ
(2)
العُلُوُّ والنـزولُ لمَّا فرغَ الحافظُ مِن بيانِ المصطلحاتِ الأربعةِ: المرفوعِ والموقوفِ والمقطوعِ والمسندِ، شرعَ في ذكرِ ما يُعْرَفُ بلطائفِ الإسنادِ، وهي أمورٌ لا صلةَ لها بالتصحيحِ والتَّضعيفِ بشكلٍ مباشرٍ، ولذا سُمَّيَتْ باللطائفِ، وابتدأها بالعلوِّ والنزولِ.
- العُلُوُّ:قلَّةُ عددِ رجالِ الإسنادِ.
- ويقابلُه النزولُ: الذي هو كثرةُ عددِ رجالِ الإسنادِ، فالحديثُ الذي يصلُ فيه مسلمٌ مثلاً إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بخمسةِ رجالٍ، ثُمَّ يرويه بإسنادٍ آخرَ يصلُ فيه إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ بستَّةٍ:
-يكونُ الأوَّلُ:عاليًا.
- والثاني: نازلاً.
قَسَّمَ الحافظُ العُلُوَّ والنزولَ قسمينِ:
الأَوَّلُ:
أطلقَ عليه الحافظُ العُلُوَّ المطلقَ، وهو قلَّةُ عددِ رجالِ الإسنادِ في حديثٍ ما بالنسبةِ إلى إسنادٍ آخرَ في ذلكَ الحديثِ بعينِه، وهذا القسمُ هو المشهورُ عندَ المتقدِّمِين ويُسَمَّى: العُلُوَّ المطلقَ، وهو أنْ يكونَ بينَ البخاريِّ مثلاً، وبينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلَّمَ أربعةُ رواةٍ في حديثٍ ما.
- ثُمَّ يرويه البخاريُّ نفسُه بإسنادٍ آخرَ يكونُ فيه بينَه، وبينَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خمسةُ رواةٍ، فالإسنادُ الأَوَّلُ، عالٍ بالنسبةِ للثاني، وهذا هو العُلُوُّ المَعْرُوفُ عندَ الأئمَّةِ الحفَّاظِ المتقدِّمِينَ،
ومِن أجلِه كانت الرحلةُ في طلبِ الحديثِ، فكانَ الشخصُ يرحلُ إلى الشيخِ الذي هو في بلدٍ آخرَ لِيُسْقِطَ الواسطةَ بينَه وبينَ الشيخِ، وربَّما أسقطَ أكثرَ مِن واحدٍ، كالحديثِ الذي يرويه سفيانُ بنُ عيينةَ:((الدينُ النصيحةُ))، رواه بواسطةِ رجلينِ، عن أبي صالحٍ السمَّانِ، عن عطاءِ بنِ يزيدَ اللَّيثيِّ، عن تميمٍ الدَّاريِّ، فلقي سهيلَ بنَ أبي صالحٍ فقالَ له: إنني سمعتُ هذا الحديثَ وبيني وبينَ والدكِ رجلان وأُحِبُّ أنْ تُسْقِطَ واحدًا فتحدِّثُنِي به عن أبيكَ مباشرةً، فقالَ سهيلٌ: أحدِّثُكَ عمَّن حدَّثَ أبي فإنِّي سمعتُ عطاءَ بنَ يزيدَ الليثيَّ وهو يحدِّثُ بهذا الحديثِ أبي، فرواه سفيانُ بنُ عيينةَ، عن سهيلٍ، عن عطاءٍ، عن تميمٍ الدَّاريِّ، فأسقطَ رجلينِ.
- فالإسنادُ الأَوَّلُ، نازلٌ بالنسبةِ للثانيِ بمقدارِ راويينِ، ويعبِّرُونَ عن ذلك بأنَّه نازلٌ درجتينِ.
والجمهورُ على أنَّ العُلُوَّ أفضلُ مِن النزولِ، وعلَّلَ الحافظُ ذلكَ بأنَّه كلَّمَا قلّ عَددُ الرجالِ كلَّمَا قلَّ الخطأُ؛ لأنَّهم وإنْ كانوا ثقاتٍ فاحْتِمَالُ الخطأِ واردٌ عليهم، وكلَّمَا كَثُرَ عددُ رواةِ الإسنادِ كلَّمَا كثُرَ احْتِمَالُ الخطأِ، وهذا الحكمُ على الجملةِ وقد يَعْرِضُ للنازلِ ما يجعلُه فاضلاً، مثلُ أنْ يكونَ رجالُ النازلِ حُفَّاظًا أئِمَّةً أو فُقَهَاءَ أو أنْ يكونَ الإسنادُ أصحَّ، وإنْ كانَ العُلُوُّ في الإسنادِ بحدِّ ذاتِه مطلوبًا كما قيلَ للإمامِ مُسْلَمٍ: لِمَ تُخرِجُ حديثَ سويدِ بنِ سعيدٍ في الصحيحِ وقد قيلَ فيه ما قيلَ؟
فقالَ: مِن أينَ أجدُ نسخةَ حفصِ بنِ ميسرةَ بِعُلُوٍّ؟
يعني أنَّ سويدًا، يروي عن حفصِ بنِ ميسرةَ مباشرةً، فيكونُ بينَ حفصٍ،ومسلمٍ راوٍ واحدٌ الذي هو سويدٌ، فلو تركَ سويدًا؛ لكانَ بينه وبينَ حفصٍ اثنانِ.
- قالَ الحافظُ:إنَّ بعضَ العلماءِ فضَّلَ النزولَ من جهةٍ ثانيةٍ غيرِ مسألةِ الأصحيَّةِ أو احتمالِ الخطأِ، وهي أنَّ البحثَ في الإسنادِ النازلِ أكثرُ مَشَقَّةً، فيكونُ أفضلَ من هذه الجهةِ، باعتبارِ أنَّ الأجرَ على قدرِ المَشَقَّةِ، كما قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لعائشةَ: ((أَجْرُكِ على قدرِ نَصَبِكِ)).
الثاني:
العُلُوُّ النسبيُّ، وقد اهتمَّ به الآخرونَ، ونقَدَهُمُ الحافظُ في ذلكَ وقال: إنهم اشتغلُوا بذلكَ عمَّا هو أهمُّ مثلُ دراسةِ الإسنادِ والتصحيحِ والتضعيفِ ونحوِ ذلكَ، والعُلُوُّ النسبيُّ له صورٌ ولا ينظرونَ فيه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنما النظرُ فيه إلى إمامٍ من أئمَّةِ الحديثِ، إمَّا أنْ يكونَ مُصَنِّفًا كالبخاريِّ، أو مسلمٍّ، أو يكونُ إمامًا يُجمعُ حديثُه وله رواةٌ كثيرونَ مثلُ: شُعْبَةَ،وقتادةَ، والزُّهْرِيِّ.
فحينئذٍ تكونُ صفةُ العُلُوِّ مُقَسَّمَةً أقسامًا:
فَمِنَ العُلُوِّ ما سَمَّوْهُ مُوَافَقَةً أو يُطلقُ عليه العُلُوُّ معَ المُوَافَقَةِ
وهي: إذا أرادَ الحافظُ أنْ يرويَ حديثًا عن قُتَيْبَةَ بنِ سعيدٍ، عن مالكِ بنِ أنسٍ؛ فإذا أرادَ أنْ يَمُرَّ على البخاريِّ صارَ بينَه وبينَ قُتَيْبَةَ ثمانيةٌ، فإذا تركَ البخاريَّ، وروى بإسنادٍ آخرَ لا يُمَرُّ فيه على البخاريِّ، صارَ بينَه وبينَ قُتَيْبَةَسبعةٌ، فالأعلى إسنادًا الذي ليسَ فيه البخاريُّ، فيقولونَ: وافقْنا البخاريَّ بِعُلُوٍّ؛ لأَنَّهُم رووا الحديثَ عن قُتَيْبَةَ مِنِ غيرِ طريقِ البخاريِّ بلْ منِ طريقِ شخصٍ آخرَ وصلَ فيه إلى قُتَيْبَةَ، فَسَمَّوْا هذا عُلُوًّا ومعَه المُوافَقَةُ؛ لأنَّهُم توافَقُوا معَ البخاريِّ في الروايةِ عن قُتَيْبَةَ ونزلَ عنهم شخصٌ فصارَ الإسنادُ عاليًا.
إنْ لم يجدُوا عن طريقِ البخاريِّ ارتَقَوْا إلى شيخِ شيخِ البخاريِّ، مثلُ: أنْ يرووا هذا الحديثَ نفسَه من غيرِ طريقِ البخاريِّ، وقتيبةَ،مثلاً: طريقُ القعنبيِّ: عبدُ اللهِ بنُ مسلمةَ وَسَمَّوْهُ البدلَ، وقالَ الحافظُ: إنَّ الموافقةَ والبدلَ، قد يُسَمَّيَانِ موافقةً وبدلاً بدونِ عُلُوٍّ، ولكنَّ أكثرَ ما يُسَميانِ في عُرْفِ المتأخِّرِينَ إذا كانَ معهما عُلُوٌّ.
- هناكَ نوعٌ آخرُ مِن العُلُوِّ النسبيِّ، وهو المساواةُ.
مثلاً:
النَّسائيُّ يروي حديثًا يصلُ فيه إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ بأحدَ عشرَ شخصًا، ابنُ حجرٍ يروي هذا الحديثَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غيرِ طريقِ النَّسائيِّ يصلُ هو أيضًا فيه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأحدَ عشرَ شخصًا، فتساوى عددُ رجالِ النَّسائيِّ، معَ عددِ رجالِ ابنِ حجرٍ، وَسَمَّوْا هذا مساواةً بسببِ التساويِّ في العددِ.
فإنْ لم يمكنْ ذلكَ معَ النَّسائيِّ فإنَّه ينتقلونَ إلى تلميذِالنَّسائيِّ، وليسَ إلى الشيخِ، فإذا ساوَوا التلميذَ سَمَّوْهُ المصافحةَ؛ لأنَّ اللقاءَ في الغالبِ يحصلُ معه مصافحةُ، فكأنَّنا حينَ التَقَيْنَا بتلميذِ النَّسائيِّ، كأنَّنَا صافحْنا النَّسائيَّ؛ لأنَّ التلميذَ الجديدَ سيصافحُ الشيخَ الذي هو النَّسائيُّ.
هذه أربعةُ أنواعٍ نجدُها كثيرًا في كلامِ الأئمَّةِ المتأخرينَ الذينَ يسوقُون أحاديثَ في المشيخاتِ والتراجمِ مثلُ المِزِّيِّ في (تهذيبِ الكمالِ)، والذَّهَبِيُّ في (سيرِ أعلامِ النبلاءِ)، يقولُ مثلاً: أخرجَه البخاريُّ عن فلانٍ، فوافقْنَاهُ بعُلُوٍّ، أو رويْنَاهُ بدَلاً عاليًا.
وسَمَّوا هذا عُلُوًّا نسبيًّا؛ لأنَّ العُلُوَّ فيه بالنسبةِ إلى مُصَنِّفٍ أو إمامٍ مشهورٍ، وهذا العُلُوُّ النسبيُّ يصلحُ لِمَنْ تَبَحَّرَ في غيرِه وَأَشْغَلَ وقتَه بغيرِه فأصبحَ تحصيلُه مِن بابِ تحصيلِ ما هو مَفْضُولٌ.
انتقدَ الذهبيُّ، والحافظُ، كثيرًا مِن المحدِّثينَ الذينَ همَّهُم تكثيرُ الشيوخِ أو طلبُ العُلُوِّ.
- بل إنَّ الذهبيَّ نقدَ نفسَه، وَيُذْكَرُ أنَّ هذا الذي حملَه على ذلكَ إما شهوةُ التحديثِ، أو طلبُ العُلُوِّ أو نحوُ ذلكَ.
- ونقدَ الحافظُ بعضَ المحدِّثينَ بقولِه: (قد عَظُمَتْ رغبةُ المتأخِّرِينَ فيه حتَّى غلبَ ذلكَ على كثيرٍ منهُم بحيثُ أَهْمَلُوا الاشتغالَ بما هو أهمُّ مِنْه).
في العصرِ الحاضرِ الذي يُمَاثِلُ هذا اهتمامَ بعضِ الباحثينَ برواياتِ الكتبِ مثلِ: (صحيحِ البخاريِّ) مثلاً، فنرى بعضَ الطلبَةِ ربَّما يكاتبونَ ويستخدمونَ الإجازاتِ ويذهبونَ إلى الشيوخِ في بعضِ البلدانِ ويكتبُ له الشيخُ مثلاً: أَجَزْتُ لكَ أنْ ترويَ عني هذه الكتبَ، ولا يقرأُها عليه، وفي الطريقِ إلى هذه الكتبِ بعضُ الأسماءِ غيرِ المعروفةِ، فطلبُ هذا إذًا شغلٌ عما هو مهمٌّ فهذا هو الذي نقدَه الأئمَّةُ، ولكن لا بأسَ إذا كانَ ذلكَ الشخصُ وصلَ إلى ذلك البلدِ بغرضِ طلبِ العلمِ، والتَّفقُّهِ، ودراسةِ الأسانيدِ.
والمُهَمِّ مِن علمِ الحديثِ فلا بأسَ أنْ يأخذَ إجازةً مِن أحدِ المشايخِ الموجودينَ إذا كانَ له روايةٌ، بشرطِ ألا يستخدِمَهَا في التباهيِّ وفي تطويلِ التعليقاتِ على بعضِ الكتبِ، وقد نبَّه العلماءُ أنَّ مثلَ هذه الأسانيدِ المقصودُ بها بقاءُ سلسلةِ الإسنادِ التي خصَّ اللهُ بها هذه الأمَّةَ، وكلَّمَا طالَ الزمنُ قلَّتْ أهميةُ هذه الأسانيدِ).
شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد
قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: (العُلُوُّ:
اختصارُ عدَدِ رِجالِ الإسنادِ ما أَمْكَنَ، قِلَّةُ عدَدِ رجالِ الإسنادِ التي تُوَصِّلُ الإنسانَ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.
مِثَالُهُ: لوْ وَجَدَ الإمامُ أحمدُ فُلاناً مِن الناسِ يَرْوِي حديثاً بإسنادِهِ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ولم يَسْمَعْهُ منهُ وإنَّما حَدَّثَهُ عنهُ شَخْصٌ آخَرُ، ويَعْرِفُ الإمامُ أحمدُ أنَّ فُلاناً الأوَّلَ مَوجودٌ حَيٌّ؛ فتَجِدُهُ يُحاوِلُ أنْ يَخْتَصِرَ العددَ، فيقولُ: لماذا يكونُ بَيْنِي وبينَهُ واسِطةٌ؟ لا، بلْ أُحاوِلُ الاقترابَ مِن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فتجِدُهُ يُسَافِرُ إلى البلَدِ التي فيها الرَّاوِي الأَوَّلُ ويَطْلُبُ منهُ تحديثَهُ، فيُحَدِّثُهُ فيقولُ: حدَّثَنِي فُلانٌ. فهذا هوَ العُلُوُّ،
والعُلُوُّ مِن الأُمُورِ المطلوبةِ، وكانَ الْمُحَدِّثُونَ يَتَبَارَوْنَ في عُلُوِّ الإسنادِ، ويَفتخِرُونَ بهِ افتخاراً كثيراً، ويَجعلونَ أَصْلاً في ذلكَ حَدِيثَ: ضِمامِ بنِ ثَعْلَبَةَ، وهوَ أنَّهُ قالَ للنبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- بعْدَ أنْ فَارَقَ دِيارَهُ دِيارَ بكْرٍ، وجاءَ للنبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ويقولُ: ((أَتانَا رَسُولُكَ يَزْعُمُ أنَّكَ رَسولُ اللَّهِ... إلخ.
فكَوْنُ ضِمامِ بنِ ثَعْلَبَةَ جاءَ مُتَثَبِّتاً مِن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-؛ فهذا يَدُلُّ على مَشروعيَّةِ طَلَبِ عُلُوِّ الإسنادِ.
فكانَ يإمكانِهِ الاكتفاءُ برسولِ رسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فيكونُ بينَهُ وبينَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- واسِطَةٌُرجُلٌ، لكنَّهُ طلَبَ السمَاعَ المُبَاشِرَ منهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.
- وقدْ رَحَلَ أبو أَيُّوبَ الأَنصاريُّ إلى مِصْرَ؛ لأَجْلِ أنْ يَلْقَى أحَدَ الصحابةِ؛ ليُحَدِّثَهُ بحديثٍ في سَتْرِ المؤمنِ.
- ورَحَلَ جابرُ بنُ عبدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ- إلى عبدِ اللَّهِ بنِ أُنَيْسٍ، في الشامِ.
وتَبِعَهُمْ عُلماءُ السلَفِ، فكانَ الرجُلُ منهم بِمُجَرَّدِ أنْ يَسْمَعَ برَجُلٍ في بلَدٍ وبإمكانِهِ أنْ يَأْخُذَ أحاديثَهُ بوَاسِطَةٍ، تَجِدُهُ يَتْرُكُ الواسِطَةَ ويَرْحَلُ إلى ذلكَ الرجُلِ، مِثلُ: رِحلةِ الإمامِ أحمدَ، ويَحيَى بنِ مَعِينٍ، مِن العراقِ إلى اليمَنِ.
بلْ كانَ الواحِدُ منهم يَتَمَنَّى ويقولُ: أَتَمَنَّى بَيْتاً خالياً، وإسناداً عالياً؛ بيتٌ خالٍ يَتَفَقَّهُ في مَرْوِيَّاتِهِ ويَبْحَثُ فيها، وإسنادٌ عالٍ؛ لأنَّهُ كُلَّمَا قَرَّبَهُ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فهذا شَوْقٌ يَدفعُ الإنسانَ بلا شَكٍّ، لكنَّ مَقْصِدَهم: كُلَّما قَلَّ عددُ رجالِ الإسنادِ كانَ أَدْعَى عن إلى البُعْدِ عن العِلَلِ.
وقدْ أَفْرَدَ السَّفَارِينِيُّ ثُلاثيَّاتِ الإمامِ أحمدَ وشَرَحَها، وثُلاثِيَّاتِ البُخارِيِّ، وثُلاثِيَّاتِ مُسْلِمٍ.
للعُلُوِّ قِسمانِ:
1- عُلُوٌّ مُطْلَقٌ.
2- وعُلُوٌّ نِسْبِيٌّ.
(2)
العُلُوُّ الْمُطْلَقُ:
كأنْ يكونَ بينَ الإمامِ أحمدَ والنبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ثلاثةُ رِجالٍ أَوْلَى مِنْ أنْ يكونَ بينَهُ وبينَهُ أربعةُ رِجالٍ.
تعريفُهُ: ما قَلَّ عَدَدُ رُوَاتِهِ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.
(3)
تعريفُ العُلُوِّ النِّسْبِيِّ:
العُلُوُّ النِّسْبِيُّ:ما قَلَّ عدَدُ رُواتِهِ بالنِّسبةِ إلى إمامِ إمامٍ ذِي صِفةٍ عَلِيَّةٍ كَشُعْبَةَ، ويكونُ بالنِّسبةِ إلى رَجُلٍ مِنْ رِجالِ السَّنَدِ، وبخاصَّةٍ إذا كانَ إماماً مَشهوراً، أوْ صاحبَ مُصَنَّفٍ مِن الْمُصَنَّفَاتِ.
مِثالٌ:
فهناكَ مَثَلاً:
البُخَارِيُّ إذا رَوَى حديثاً عن الإمامِ أحمدَ، عنْ عبدِ الرزَّاقِ بنِ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيِّ، عنْ مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عنْ أَنَسٍ، عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فأَصْبَحَ بينَ البخاريِّ، والنبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- سِتَّةُ رِجالٍ أوْ خَمسةٌ، فإذا جاءَ أبو نُعَيْمٍ صَاحِبُ الْمُسْتَخْرَجِ على صحيحِ البخاريِّ فيقولُ: لوْ رَوَيْتُ هذا الحديثَ عنْ عبدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طريقِ البخاريِّ يُصْبِحُ بَيْنِي وبينَ عبدِ الرزَّاقِ أربعةُ رجالٍ: هم: الرَّاوِي عنْ عبدِ الرزَّاقِ وهوَ أحمدُ، والراوي عنهُ وهوَ البخاريُّ، وبينَ أبي نُعَيْمٍ، والبُخَارِيِّ رجلانِ؛ لأنَّ أبا نُعَيْمٍ تُوُفِّيَ سنةَ (430هـ)، والبخاريَّ تُوُفِّيَ سنةَ (256هـ)، ففي هذهِ الفترةِ رَجُلانِ، لكِنَّهُ يقولُ: أنا أستطيعُ أنْ أَخْتَصِرَ الطريقَ فيكونَ بينِي وبينَ عبدِ الرزَّاقِ رجلانِ فقطْ.
فيقولُ: أنا شَيْخِي الطَّبَرَانِيُّ، وهوَ ممَّنْ عُمِّرَ، عاشَ مِائةَ سنةٍ، مِنْ سَنةِ (260هـ) إلى (360هـ)، وشيخُ الطبرانِيِّ هوَ تلميذُ عبدِ الرزَّاقِ، وهوَ إسحاقُ بنُ إبراهيمَ الدَّبَرِيُّ، فهذا مِنْ أنواعِ العُلُوِّ الفائقِ جِدًّا.
فَهَلْ أبو نُعَيْمٍ عَلا على البُخاريِّ؟
لا، لكنَّهُ استطاعَ أنْ يَصِلَ إلى عبدِ الرزَّاقِ بعُلُوٍّ، فهذا عُلُوٌّ نِسْبِيٌّ.
(4)
أنواعُ العُلُوِّ النِّسْبِيِّ:
المُوَافَقَةُ: وهيَ الوُصولُ إلى شيخِ أحَدِ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ غيرِ طريقِهِ.
البَدَلُ: وهوَ الوصولُ إلى شيخِ شيخِهِ كذلكَ.
الْمُساواةُ: استواءُ عددِ الإسنادِ مِن الراوي إلى آخِرِهِ معَ إسنادِ أحَدِ الْمُصَنِّفِينَ.
المُصَافَحَةُ: هوَ الاستواءُ معَ تلميذِ ذلكَ الْمُصَنِّفِ.
مِثالُ الْمُوَافَقَةِ:
أنْ يَرْوِيَ البُخاريُّ مِنْ طريقِ شَيْخِهِ عَلِيِّ بنِ الْمَدِينِيِّ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ثمَّ يأتِيَ أبو نُعَيْمٍ فيَرْوِيَ الحديثَ مِنْ طريقٍ غيرِ طريقِ البُخاريِّ، لكنْ مِنْ طريقِ شيخِ البُخاريِّ الذي هوَ عَلِيُّ بنُ الْمَدِينيِّ، فصارَ هذا الشيخُ الرَّاوِي عنْ عَلِيِّ بنِ الْمَدِينيِّ بَدَلاً مِن البُخاريِّ الذي هوَ أحَدُ سِلسلةِ الرجالِ لأبي نُعَيْمٍ.
مِثالُ البَدَلِ:
نفْسُ الْمِثالِ السابقِ، لكنْ بَدَلاً مِنْ أنْ يَكونَ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ عَلِيَّ بنَ الْمَدِينِيِّ، يكونُ مَثَلاً: شيخَ شيخِهِ الذي هوَ سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، ويكونُ الراوي عنْ سُفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ الْحُمَيْدِيَّ، فيكونُ الْحُمَيْدِيُّ بَدَلاً عنْ عليِّ بنِ الْمَدِينِيِّ.
فلوْ رَوَى البُخاريُّ، الحديثَ عن ابنِ الْمَدِينِيِّ، عن ابنِ عُيَيْنَةَ، ورَوَى أبو نُعَيْمٍ نفْسَ الحديثِ مِنْ طريقِ الْحُمَيْدِيِّ، عنْ سُفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
مِثالُ الْمُساواةِ:
وجَعَلْنَاهُ سَنَداً عَالِياً؛ لأَجْلِ الفارِقِ بينَ وَفَاةِ الْمُتَأَخِّرِ، ووَفاةِ الْمُصَنِّفَ.
مثالُهُ:
يَرْوِي النَّسَائِيُّ، حَديثاً يكونُ بينَهُ وبينَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- أحَدَ عشَرَ نَفْساً، ويكونُ لابنِ حَجَرٍ الحديثُ نفْسُهُ يكونُ بينَهُ وبينَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- أحَدَ عشرَ نَفْساً، معَ أنَّ النَّسَائِيَّ تُوُفِّيَ سنةَ (303هـ)، وابنَ حَجَرٍ تُوُفِّيَ سـنةَ (852هـ)، فالفارِقُ بينَهما واضحٌ؛ فهذا سَبَبٌ جَعَلَهُ إسناداً عالِياً.
مِثالُ المُصَافَحَةِ:
يكونُ بينَ النَّسائيِّ مَثَلاً وبينَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- أحَدَ عشَرَ نَفْساً، وبينَ ابنِ حَجَرٍ والنبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- اثْنَا عَشَرَ نَفْساً، فيكونُ ابنُ حَجَرٍ، كأنَّهُ صافَحَ النَّسائيَّ، فأَصْبَحَ مُسَاوِياً لهُ، بلْ أَصْبَحَ كأنَّهُ تِلميذٌاً لهُ، ويُصْبِحُ شيخُ ابنِ حَجَرٍ في مَنْزِلَةِ النَّسائيِّ).
شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: عبد العزيز السعيد (مفرغ)
القارئ: ( (فإن قل عدده، فإما أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (هذا الإسناد إما أن يقل عدده وينتهي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، أو يقل عدده لا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، يقل ما بين الراوي ومن روى عنه، وهذا المروي عنه يكون له صفة علية:
- إما لكونه حافظاً.
- وإماماً من أئمة أهل الحديث، له ضبط وإتقان.
- أو يكون إماماً معروفاً بسعة الرواية وكثرتها.
- أو يكون مصنفاً من المصنفين المشهورين من علماء السنة).
القارئ: ( (فالأول العلو المطلق، والثاني النسبي).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (الأول: العلو المطلق، يعني: العلو الذي لم يقيد بشيءٍ، وهو: الحديث الذي يقل عدد رواة إسناده بين الراوي وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما كان العدد قليلاً بين الراوي وبين النبي عليه الصلاة والسلام، فإن الإسناد يعلو، يكون في الإسناد علو، وهذا علوٌ مطلقٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
هذا العلو كيف نعرفه؟
العلو هذا يعرف عن طريقين:
- إما المقارنة.
- وإما العادة.
العادة: أن يكون الراوي هذا الغالب أن بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام خمسة رواة،
فإذا جاء في حديث ورواه عن النبي عليه الصلاة والسلام، وبينه وبينه ثلاثة نقول: هذا الإسناد الذي رويته الذي كان بينك وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة أنفس، هذا إسناد عال.
ولهذا العلماء ألفوا (ثلاثيات الإمام أحمد)(ثلاثيات البخاري)؛ لأنها منـزلةٌ عاليةٌ، الترمذي رحمه الله له حديث واحدٌ ثلاثي، يعني: بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة أنفس، العادة أن الترمذي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أنفس، أو ستة، فإذا روى حديثاً بثلاثة أنفس، هذا يكون إسناده فيه عالياً.
أو بالمقارنة:نقارن هذا الراوي في روايته لهذا الحديث بطبقته، أو بشيوخه، فعندنا الإمام أحمد روى حديثاً، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن الإمام مالك، عن نافع، عن ابن عمر، بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام أربعة أنفسٍ، جاء أبو داود تلميذ الإمام أحمد فروى الحديث عن قتيبة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، نقول: إسناد أبي داود هذا إسنادٌ عالٍ؛ لأن الإمام أحمد من شيوخه. فالأصل إذا كان الإمام أحمد، من شيوخ أبي داود، أن يكون بين أبي داود والنبي صلى الله عليه وسلم خمسة، فلما روى هذا الحديث رباعياً دل على علوه فيه، بالمقارنة مع رواية الإمام أحمد).
القارئ: ( (والثاني النسبي، وفيه الموافقة).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (النسبي يعني: الذي يكون العلو فيه إلى إمام ذي صفة علية، يعني: يقل عدد الرواة بين الراوي وبين هذا الإمام ذي الصفة العلية، سواءً كان ما بين هذا الإمام وبين النبي عليه الصلاة والسلام قليلاً، أو كثيراً.
في العلو النسبي، ننظر إلى ما بين الراوي وبين هذا الإمام، ونقطع النظر عما بين الإمام وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
قال العلماء: هذا مثل: سفيان بن عيينة، لو روى البخاري عن سفيان بواسطة واحدة فقط، نقول: إسناد البخاري عالٍ، لكن لو روى عن سفيان بن عيينة بينه، وبينه أربعة قلنا: إسناده ليس بعالٍ؛ لو لم يجعل بينه وبين ابن عيينة، واسطة لكان منقطعاً، فأقل الوسائط بينه وبين ابن عيينة واحد، فإذا مثلاً روى عن ابن وهب، عن سفيان بن عيينة نقول: عال. لكن لو جعل بينه، وبين سفيان بن عيينة ثلاثة أنفس أو أربعة، ليس بعال، إذاً صار بين البخاري، وبين سفيان واسطة واحدة نقول: هذا إسناد عال، ونريد به علواً نسبياً؛ لأن علوه إلى إمام ذي صفة علية، وهو سفيان بن عيينة؛ لأنه من أئمة الحديث حفظاً وسعة في الرواية وشهرة. لكن قد يكون بين ابن عيينة وبين النبي عليه الصلاة والسلام عددٌ كثيرٌ، وقد يكون بينهم عدد قليل سفيان بن عيينة أحياناً يكون بينه، وبين النبي عليه الصلاة والسلام راويان، فيروي سفيان، عن الزهري، عن أنس، عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وأحياناً يكثر الرواة؛ فقد روى سفيان، عن محمد بن عجلان، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن معمر بن أبي حبيب، عن عبيد الله بن عدي بن خيار، عن عمر رضي الله عنه، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أنفس).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (وفيه، في العلو النسبي، يعني: أن الموافقة نوعٌ من أنواع العلو النسبي).
القارئ: ( (وفيه البدل، وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك وفيه المساواة، وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (البدل، والموافقة وأنواع هذا العلو لا يصلح فيها التعريف قبل المثال.
الموافقة، والبدل هذان نوعان من أنواع العلو النسبي، مثال ذلك: أبو داود، روى حديثاً عن يحيى بن معين، عن حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي عليه الصلاة والسلام، نجد الذهبي في سير أعلام النبلاء يروي هذا الحديث عن أحمد من طريق أحمد بن الحسين الصوفي، عن يحيى بن معين، عن حفص بن غياث، إلى آخر الإسناد، أبو داود مصنف، والذهبي روى هذا الحديث، لكن ليس في إسناده أبو داود؛ لأن في الموافقة الوصول إلى شيخ المصنف.
شيخ المصنف:
هو يحيى بن معين، شيخ أبي داود هو يحيى بن معين، والذهبي وصل إلى يحيى بن معين، من غير طريق أبي داود، الذي يقابل أبا داود في سند الذهبي هو أحمد بن الحسين الصوفي.
إذاً:
الذهبي لما خرج الحديث وافق أبا داود في شيخه هذه تسمى الموافقة. الموافقة تكون:
- أحياناً مساوية.
- وأحياناً نازلة.
- وأحياناً عالية.
الموافقة يعني يقصدون بها الموافقة بعلو هنا؛لأنها من الإسناد العالي.
كيفية الموافقة:
قالوا: لو روى الحديث الذهبي، من طريق أبي داود، سيكون بينه وبين يحيى بن معين - ويحيى بن معين إمام له صفة علية - سيكون بينه، وبين يحيى بن معين أكثر من ستة أنفس، لكن لما رواه من هذه الطريق أحمد بن حسين الصوفي كان بينه وبين ابن معين ستة، لكن لو رواه من طريق أبي داود سيكون بينه وبين يحيى أقل الأحوال سبعة أنفس.
ولهذا مثل هؤلاء العلماء، كالذهبي،والمزي في (تهذيب الكمال) والحافظ ابن حجر في بعض كتبه.. في تخاريجه يكثرون وافقناه بعلو، وقع لنا موافقة بعلو، هذا هو يقصدون هذا؛ لأنهم يفرحون بهذا العلو، للقرب من الأئمة.
البدل:
هو الوصول إلى شيخ شيخ المصنف في نفس المثال.
هذا، المثال هذا شيخ أبي داود، يحيى بن معين؛ لأن المصنف هو أبو داود صاحب (السنن)، شيخ شيخه هو حفص بن غياث، فإذا روى الذهبي، حديثاً من طريق أحمد بن الحسين الصوفي، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حفص بن غياث، يكون الذهبي قد وقع له الحديث الذي في (سنن أبي داود) بدلاً، يكون هذا هو البدل، لماذا؟
لأنه أبدل شيخ أبي داود، شيخ ابي داود كان ابن معين؛ فأبدله هنا، وجعله أبا بكر بن أبي شيبة، والتقى مع أبي داود في شيخ شيخه حفص بن غياث، هذا يسمى البدل، الذهبي لو روى مثل: هذا الحديث من طريق أبي داود عن حفص بن غياث، سيكون بينه، وبين حفص بن غياث ما لا يقل عن ثمانية أنفس، لكن هنا لما رواه من طريق أحمد بن الحسين، صار بينه وبين حفص بن غياثسبعة أنفس، فهنا يسمى بدلاً عالياً.
الموافقة:
هي الوصول إلى شيخ المصنف من غير طريقه؛ فإن كان كانت رواته أقل مما لو رواه من طريق المصنف، فهي الموافقة العالية.
والبدل:
هو الوصول إلى شيخ شيخ المصنف من غير طريقه، فإن كان عدد الرواة أقل مما لو رواه من طريقه كان بدلاً عالياً، وهذان النوعان دائماً تكثر في كتب العلماء، خاصة الثلاثة المذكورون ويلحق بهم العراقي وغيرهم، لكن هؤلاء لهم كتب كثيرة.
أيهما أفضل البدل أو الموافقة؟
تعتمد على عدد الرواة أو على من نسب إليه من حيث الإتقان والضبط فقط، وهذه الموافقة والبدل لا تعني لا صحة ولا ضعفاً).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (عندنا نوعان:
- المساواة.
- والمصافحة.
وهما قليلان في كلام العلماء، البدل والموافقة كثيرة.
المساواة:
معناها أن يكون عندنا مصنفٌ، ثم يأتي من جاء بعده، فيروي الحديث الذي يرويه هذا المصنف بإسناد يساوي عدد رجاله عدد إسناد صاحب الكتاب، مع أنه متأخر عنه.
السخاوي متوفى سنة تسعمائة واثنين للهجرة.
- والنسائي متوفى سنة ثلاثمائة وثلاثة، بينهما ستمائة سنة.
- والترمذي متوفى سنة مائتين وتسع وسبعين، بينه وبين السخاوي أكثر من ستمائة سنة، في حديثٍ لأبي أيوب الأنصاري أن {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن، هذه رواها النسائي، والترمذي، وبينهما وبين النبي صلى الله عليه وسلم عشر أنفس، هذا إسناد نازل بالنسبة للنسائي، وأبي داود؛ لأن العادة النسائي ستة أو سبعة بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام، والترمذي خمسة أو ستة، هذا عشرة، فجاء فيما يظهر السخاوي فروى هذا الحديث من غير طريق النسائي، ولا أبي داود، فرواه وبينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام عشر أنفس، مساوياً لرواية النسائي، مع أن بينهما ستمائة سنة. هذه الرواية رواية السخاوي، أو من عاصره، هذه تسمى المساواة؛ لأنه ساوى النسائي، والترمذي في عدد الرواة بينهم وبين النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه الأشياء نادرةٌ في الكتب الأولى، تقع لهم كثيراً مثل: البغوي؛ لأن البغوي متأخر في القرن السادس، فبينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام وسائط كثيرون، قد يكون الذي في القرن العاشر يروي ، الحديث بإسناد مساو لما في القرن السادس، إذا رواه عن طريق المعمرين الذين طالت أعمارهم أصحاب مائة سنة، أصحاب تسعين، أصحاب مائة وعشرين، هذه تسمى المساواة.
إذاً: المساواة هي: تساوي عدد الإسناد بين راوي الحديث وصاحب الكتاب المصنف، يقصدون براو الحديث يعني: الراوي المتأخر عن صاحب الكتاب، وهذا يحصل في المستخرجات:
- مثل: (مستخرج أبي عوانة)، أحياناً يروي الحديث يرويه الإمام مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية، عن الأعمش، الإمام مسلم رحمه الله متوفى سنة مائتين وواحد وستين، فيأتي أبو عوانة وهو متوفى سنة ثلاثمائة وست عشرة فيروي الحديث عن علي بن حرب، عن أبي معاوية، بل هو أعلى من مسلم؛ لأنه الآن صار في منزلة شيخ مسلم، هذا علو عظيم.
أما المصافحة:
هي نفس مثال المساواة، ولكن تختلف أنه في المصافحة يكون شيخ الراوي هو الذي يكون بمنزلة النسائي، أو الترمذي، يعني: بدلاً من أن يكون بين السخاوي مثلاً والنبي عليه الصلاة والسلام عشر أنفس يكون بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام إحدى عشر نفساً، فيكون شيخ السخاوي لو فرضنا أنه ابن حجر يكون ابن حجر بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام عشر أنفس، كما بين النسائي والنبي عليه الصلاة والسلام.
يقولون: سميت مصافحة؛ لأن هذا الراوي الذي هو السخاوي كأنه صافح النسائي، والترمذي بمن معه؛ لأنه التقى معهم، فكأنه حصلت له مصافحتهم؛ لأن العادة أن من لقي الآخر أنه يصافحه.
المساواة والمصافحة لا ينبني عليها حكم،
العادة أن هذه لا تخلو من أمرين:
الأمر الأول:
إما أن تكون أصلاً هي مروية بالأسانيد العالية قديماً، وهذه يحتمل أن المتأخرين تجوزوا في الانقطاعات وفي الإجازات، يعني: تجوزوا فيها وأخذوا إجازات أحياناً معدومة، إجازات لمعدوم، وجعلوها بمنزلة: السماع والاتصال، وإلا تكون أصلها ضعيفة، هذا هو الغالب عليها.
أما الموافقة والبدل،هذه أصول الأحاديث موجودة في الكتب والسنن).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (هذا واضح) ).
العناصر
العلو المقصود بالعلو
العلو من العلوم المطلوبة
حرص الصحابة على طلب علو الإسناد
حرص السلف على طلب العلو والتنافس في ذلك الرحلة في طلب الإسناد العالي الأصل في طلب العلو قصة ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه فائدة: كلما قل عدد رجال الحديث كان أدعى للبعد عن العلل
الكلام على الثلاثيات
بعض العلماء خالف في تفضيل الإسناد العالي
أقسام العلو:
القسم الأول: العلو المطلق
تعريف (العلو المطلق)
مثال (العلو المطلق) القسم الثاني: العلو النسبي
تعريف (العلو النسبي)
مثال (العلو النسبي)
الفرق بين (العلو المطلق) و(العلو النسبي)
أقسام (العلو النسبي): القسم الأول: العلو مع الموافقة
بيان معنى العلو مع الموافقة
مثال العلو مع الموافقة
القسم الثاني: العلو مع البدل
بيان معنى العلو مع البدل
مثال العلو مع البدل القسم الثالث: العلو مع المساواة بيان معنى العلو مع المساواة مثال العلو مع المساواة
القسم الرابع: العلو مع المصافحة
بيان معنى العلو مع المصافحة
مثال العلو مع المصافحة
تنبيهات: الموافقة والمساواة والبدل ليست مستعملة عند المتقدمين اهتمام المتأخرين بالعلو النسبي أكثر من اهتمامهم بالعلو المطلق
الأسئلة
س1: ما المقصود (بالعلو)؟
س2: بين باختصار حرص السلف على طلب العلو.
س3: ما الأصل في طلب العلو؟
س4: ما المراد بالثلاثيات؟
س5: اذكر مع التمثيل أقسام العلو.
شرح نخبة الفكر للشيخ عبد الكريم الخضير (مفرغ)
قال الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير: ("فإن قل عدده فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة، فالأول العلو المطلق، والثاني النسبي، وفيه الموافقة وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، وفيه البدل وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك، وفيه المساواة وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين، وفيه المصافحة وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف، ويقابل العلو بأقسامه النزول".
نعم، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن قل عدده" يعني إن قل عدد رجال الإسناد
"فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة، فالأول هو العلو المطلق، والثاني النسبي"، رجال الإسناد الموصل إلى المتن يتفاوتون من حديث إلى آخر قلة وكثرة، فبعض الأحاديث تروى بأسانيد قليلة، رجالهم عددهم قليل، وبعضها بأسانيد تطول ويكثر الرواة فيها،
فالأول يسمى عند أهل العلم بالعالي،
والثاني يسمى بالنازل، فالعالي ما قل عدد رواته، ما قَلَّت فيه الوسائط بين المصنف وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-،
والنازل: ضده ما كثر عدد رواته وكثرت الوسائط فيه بين المصنف والنبي -عليه الصلاة والسلام-، والمراد بقلة الرواة هنا بالنسبة إلى أي سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه بعدد أكثر، وقد عظمت رغبة المتأخرين في العلو حتى غلب ذلك على كثير منهم، بحيث أهملوا الاشتغال بما هو أهم منه من الثبوت والفهم والاستنباط، وإنما كان العلو مرغوباً فيه لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ؛ لأنه ما من راوٍ من رجال الإسناد إلا والخطأ جائز عليه فكلما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان التجويز، وكلما قلت قلت" قاله الحافظ، يعني ما من راوٍ من الرواة إلا ويحتمل أنه أخطأ فإذا كان عدد الرواة قليلاً كان الاحتمال قليلاً، وإذا كان عدد الرواة كثيراً كان هذا الاحتمال كثير.
قال ابن الصلاح: "طلب العلو سنة، ولذلك استحبت الرحلة في الحديث"،
قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: "طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف"،
وقد روينا أن يحيى بن معين قيل له في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: "بيت خالي وسند عالي"
هذه أمنيته، بيت خالي وسند عالي، بيت خالي ليخلو بربه، ويأنس بمناجاته وذكره، وسند عالي هذه غايته في هذه الدنيا، مش يتمنى..، يتمنى طول عمر، يتمنى قصور وضياع ومزارع، يتمنى أرصدة، لا، لا يتمنى هذا كله؛ لأن الدنيا لا شيء، لا تزن عن الله جناح بعوضة، والغنى الحقيقي غنى النفس، والله المستعان.
قال الحافظ: فإن كان في النزول مزية ليست في العلو كأن يكون رجاله أوثق أو أحفظ أو أفقه أو الاتصال فيه أظهر فلا تردد في أن النزول أولى، ونقل ابن كثير عن بعض المتكلمين أنه كلما طال الإسناد كان النظر في التراجم والجرح والتعديل أكثر فيكون الأجر على قدر المشقة،
قال ابن كثير: "وهذا لا يقابل ما ذكرناه" معنى هذا الكلام عن بعض المتكلمين يقول: إن الإسناد النازل أفضل من الإسناد العالي، لماذا؟
لأنك وأنت تبحث في حديث رجاله ثلاثة مثلاً وكل واحد من هؤلاء الرواة يحتاج إلى ربع ساعة أنت في ساعة إلا ربع تنتهي من الحديث، صح وإلا لا؟ بينما لو كان الحديث تساعي تحتاج في تسعة كل واحد ربع ساعة نحتاج إلى ساعتين وربع، نعم، نحتاج إلى ساعتين وربع، فهذا أكثر مشقة، فهو أفضل والأجر على قدر النصب، نقول: لا، هذا أمر لا يعنيك وأنت من المتكلمين، أنت لا تفهم الصنعة، هؤلاء الثلاثة الذين روي من طريقهم كل واحد يحتمل أنه أخطأ من هؤلاء الثلاثة، وكل واحد من أولئك التسعة يحتمل أنه أخطأ، فاحتمال الخطأ في النازل أقوى من احتمال الخطأ في العالي، فالعلو أفضل، نعم.
طالب:......
نعم؟
طالب:......
أنت إذا نظرت إلى السند فوجدته برجال عدده أقل فهو عالي، وفي الغالب أن هؤلاء الثلاثة قد طالت أعمارهم، وإذا نظرت إلى الإسناد النازل وجدت أن رجاله أكثر، وفي الغالب أن أعمارهم المدد بينهم قصيرة
فإن قل عدد رجال السند وانتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك العدد القليل بالنسبة إلى أي سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه فهو العلو المطلق، يعني إذا كان العلو بين المصنف والنبي -عليه الصلاة والسلام- هذا علو مطلق، لكن إذا كان العلو بين المصنف وبين إمام من أئمة الحديث كشعبة مثلاً، فهو علو نسبي فإن اتفق أن يكون مع العلو سند صحيح كان الغاية القصوى وإلا فصورة العلو فيه موجودة ما لم يكن موضوعاً فهو كالعدم.
وإن قل عدد رجال السند وانتهى إلى إمام من أئمة الحديث ذي صفة علية كالحفظ والضبط والإتقان والفقه والتصنيف وغير ذلك كشعبة ومالك وسفيان الثوري والشافعي والبخاري ومسلم وغيرهم فهو العلو النسبي وهو ما يقل العدد فيه إلى ذلك الإمام، ولو كان العدد من ذلك الإمام إلى منتهاه كثيراً.
وأعلى ما في الكتب الستة الثلاثيات، ففي البخاري منها اثنان وعشرون حديثاً، غالبها عن المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، أعلى ما في الكتب الستة الثلاثيات، في البخاري منها اثنان وعشرون حديثاً، وغالبها عن المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، وليس في مسلم ولا حديث ثلاثي، وكذلك أبو داود والنسائي، ابن ماجه فيه شيء يسير وكذلك الترمذي، وفي المسند أكثر من ثلاثمائة حديث ثلاثي لقدم مؤلفه وهي مجموعة شرحها السفاريني في مجلدين كبيرين، شرح ثلاثيات المسند، وكثير من أحاديث الموطأ ثنائيات وثلاثيات لتقدم الإمام مالك على الإمام أحمد أيضاً.
في سنن أبي داود حديث اختلف فيه هل هو ثلاثي أو رباعي؟ كيف؟ السند أمامنا موجود، ولا نعرف أن نحسب كم عدد الرواة؟! حديث أبي برزة في الحوض اختلف فيه هل هو ثلاثي أو رباعي؟ أبو داود يروي أصل الخبر عن ثلاثة، يرويه عن أبي برزة بواسطة اثنين، فالقصة ثلاثية، لكن الخبر الذي هو المقصود المرفوع في الحوض رباعي؛ لأن الواسطة بين أبي برزة وبين الراوي عنه رجل مبهم، فهو رباعي وليس بثلاثي، وإن زعم بعضهم أنه ثلاثي لأن القصة ثلاثية.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وفيه الموافقة" في العالي الموافقة، "وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه"، وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، تصل إلى محمد بن بشار من غير طريق البخاري، تصل إلى قتيبة بن سعيد من غير طريق مسلم وهكذا.
"وفيه البدل، وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك"، تصل إلى غندر -محمد بن جعفر- من غير طريق البخاري، ومن غير طريق محمد بن بشار وهكذا.
"وفيه المساواة وهو استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين"
المساواة يعني في البخاري حديث تساعي وعند الحافظ العراقي أحاديث تساعيات ساوى فيها البخاري هذه مساواة، لكن هل هو عالي عند البخاري وإلا نازل؟ تساعي؟ نازل جداً، عالي عند الحافظ العراقي وإلا نازل؟ عالي جداً؛ لأن البخاري -رحمه الله- مات سنة مائتين وستة وخمسين، والعراقي مات سنة ثمانمائة وستة، بينهم خمسة قرون ونصف، ويروي الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة تسعة، والعراقي يروي الحديث بواسطة تسعة، هذا عالي بالنسبة للعراقي وهذا نازل بالنسبة للبخاري.
"وفيه المصافحة وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف" فكأن الإمام العالم المتأخر صافح ذلك الإمام القديم؛ لأنه ساوى تلميذ ذلك المصنف القديم فكأنه صافحه، لما عرف الحافظ العلو ووضح المراد به، وذكر قسميه المطلق والنسبي، ذكر أقسام ثاني نوعيه وهو النسبي،
فأول هذه الأقسام: الموافقة، وعرفها ابن الصلاح بقوله: هي أن يقع لك الحديث عن شيخ مسلم فيه مثلاً عالياً بعدد أقل من العدد الذي يقع لك ذلك الحديث عن ذلك الشيخ إذا رويته عن مسلم عنه، ومثل له الحافظ بما إذا روى البخاري عن قتيبة عن مالك حديثاً فلو رويناه من طريقه، يعني لو رويناه من طريق البخاري كان بيننا وبين قتيبة ثمانية، هذا كلام الحافظ، ولو روينا ذلك الحديث بعينه من طريق أبي العباس السراج عن قتيبة مثلاً لكان بيننا وبين قتيبة سبعة، فقد حصلت لنا الموافقة مع البخاري في شيخه بعينه مع علو الإسناد على الإسناد إليه.
هذه الأنواع يعتني بها كثير من الذين يصنفون في التراجم والسير، والحافظ الذهبي يعتني بذلك كثيراً في سير أعلام النبلاء وفي تاريخ الإسلام وفي تذكرة الحفاظ، ويذكر من أحاديث المترجم ما يقع له عالياً، يعتني بذلك كثيراً.
والثاني: البدل وهو كما قال ابن الصلاح: أن يقع لك هذا العلو عن شيخ غير شيخ مسلم، هو مثل شيخ مسلم في ذلك الحديث،
ومثاله في الحديث السابق: أن يقع ذلك الإسناد بعينه من طريق أخرى إلى القعنبي عن مالك فيكون القعنبي بدلاً فيه من قتيبة،
قال ابن الصلاح: "وقد يرد البدل إلى الموافقة فيقال فيما ذكرناه: إنه موافقة عالية في شيخ شيخ مسلم، ولو لم يكن ذلك عالياً فهو أيضاً موافقة وبدل، لكن لا يطلق اسم الموافقة والبدل لعدم الالتفات إليه".
أقول: هذه أمور تكميلية وليست من صميم علم الحديث، أقول: هذه أمور تكميلية وليست حاجية.
والثالث: المساواة وهي أن يقع بين الراوي من المتأخرين وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثلما وقع من العدد بين مسلم أو البخاري إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-،
قال ابن حجر: كأن يروي النسائي مثلاً حديثاً يقع بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد عشر نفساً وقد وجد، وجد عند النسائي حديث يرويه النسائي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة أحد عشر رجلاً، وهو أطول إسناد عنده، بل أطول إسناد في الكتب الستة، حديث يتعلق بفضل سورة الإخلاص،
قال ابن حجر: "كأن يروي النسائي مثلاً حديثاً يقع بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد عشر نفساً فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بإسناد آخر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقع بيننا وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد عشر نفساً، فنساوي النسائي من حيث العدد مع قطع النظر عن ملاحظة ذلك الإسناد الخاص".
يعني مثل ما مثلنا البخاري عنده حديث تساعي: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) هذا فيه تسعة بين البخاري والنبي -عليه الصلاة والسلام-، والحافظ العراقي وهو بعد البخاري بخمسة قرون ونصف عنده أحاديث تساعية فهذه مساواة.
والرابع: المصافحة: وهي أن تقع تلك المساواة مع تلميذ المصنف فتكون كأنك لقيت مسلماً أو البخاري في ذلك الحديث وصافحته به لكونك قد لقيت شيخك المساوي لمسلم،
قال ابن الصلاح: "فإن كانت المساواة لشيخ شيخك كانت المصافحة لشيخك وهكذا"،
ثم قال: "اعلم أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول إذ لولا نزول ذلك الإمام في إسناده لم تعلُ أنت في إسنادك" يعني لولا وجود التساعي في البخاري ما علا الحافظ العراقي؛ لأن المسألة نسبية هذا عالي بالنسبة للعراقي وهذا نازل بالنسبة للبخاري، لولا نزول البخاري في هذا الحديث التساعي لما علا الحافظ العراقي فيه،
ثم ذكر ابن الصلاح أنواعاً من العلو منها:
العلو المستفاد من تقدم وفاة الراوي،
ومثل له بما يرويه عن شيخ أخبره به عن واحد عن البيهقي الحافظ عن الحاكم أبي عبد الله أعلى من روايتي لذلك عن شيخ أخبرني به عن واحد عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم وإن تساوى الإسنادان في العدد لتقدم وفاة البيهقي على وفاة ابن خلف، يعني علو ناشئ وناتج عن تقدم وفاة الراوي؛ لأن البيهقي مات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ومات ابن خلف سنة سبع وثمانين أكثر من ثلاثين سنة، يقرب من ثلاثين سنة الفرق بينهما، فتقدم وفاة البيهقي تورث علو، يعني عن كونك تروي مسألة عن شيخ تقدمت وفاته جداً بحيث لم يدركه كثير من أقرانك، والشيخ هذا يروي عن شيخ يروي عنه شيخ آخر تأخرت وفاته فأدركه زملاؤك ورفقاؤك أنت أعلى منهم؛ لأنك أدركت شيخاً تقدمت وفاته.
العلو المستفاد من تقدم السماع: مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد وسماع أحدهما من ستين سنة وسماع الآخر من أربعين سنة، فإذا تساوى السند إليهما في العدد فالإسناد إلى الأول الذي تقدم سماعه أعلى.
قال -رحمه الله-: "ويقابل العلو بأقسامه النزول" مقابل العلو السابق المرغوب فيه النزول، فكل قسم من أقسام العلو ضده قسم من أقسام النزول تدرك من التفصيل السابق، قال الحافظ: "خلافاً لمن زعم أن العلو قد يقع غير تابع للنزول"، وقال ابن الصلاح: "وأما قول الحاكم أبي عبد الله لعل قائلاً يقول: النزول ضد العلو فمن عرف العلو عرف ضده وليس كذلك، فإن للنزول مراتب لا يعرفها إلا أهل الصنعة" إلى آخر كلامه، فهذا ليس نفياً لكون النزول ضداً للعلو على الوجه الذي ذكرته، بل نفياً لكونه يعرف بمعرفة العلو، وذلك يليق بما ذكره هو في معرفة العلو فإنه قصر في بيانه وتفصيله -رحمه الله-، وليس كذلك ما ذكرناه نحن في معرفة العلو فإنه مفصل تفصيلاً مفهماً لمراتب النزول والعلم عند الله -تبارك وتعالى-.
ثم إن النزول حيث ذمه من ذمه كقول علي بن المديني وأبي عمرو المستملي: "النزول شؤم" وكقول ابن معين: "الإسناد النازل قرحة في الوجه" فهو محمول على ما إذا لم يكن مع النزول ما يجبره كزيادة الثقة برجاله على العالي، أو كونهم أحفظ أو أفقه، أو كونه متصلاً بالسماع، وفي العالي حضور أو إجازة أو مناولة أو تساهل من بعض رواته في الحمل ونحو ذلك، فإن العدول حينئذ إلى النزول ليس بمذموم ولا مفضول؛ لأن العبرة، العبرة في الأسانيد بنظافة الأسانيد، بثقة الرواة، وشدة الاتصال، فإذا تساوى الإسنادان العالي والنازل في ثقة الرواة وتمام الاتصال قدم العالي، لكن إذا تميز النازل بزيادة في ثقة رواته قدم على العالي؛ لأنه كما قلنا: إن العلو تكميلي، أقول: تكميلي، قد يصح السند وهو نازل، وقد يضعف السند وهو عالي.
يقول الحافظ العراقي في شرح ألفيته: "قد روينا عن وكيع قال: الأعمش أحب إليكم عن أبي وائل عن عبد الله أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، أحب إليكم الواسطة باثنين أو بخمسة؟ نعم، فقلنا: الأعمش عن أبي وائل أقرب، الأعمش عن أبي وائل أقرب، فقال: الأعمش شيخ، وأبو وائل شيخ، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة فقيه عن فقيه عن فقيه، يعني هؤلاء أئمة، أولئك شيوخ، لكن هؤلاء أئمة، روينا عن ابن المبارك قال: "ليس جودة الإسناد قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال، ليس جودة الحديث قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال،
وروينا عن السلفي قال: "الأصل الأخذ عن العلماء، فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة على مذهب المحققين من النقلة، والنازل حينئذ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق، كما روينا عن نظام الملك قال: "عندي أن الحديث العالي ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن بلغت رواته مائة" كما روينا عن السلفي من نظمه:
ليس حسن الحديث قرب رجال
بل علو الحديث بين أولي الحفظ
وإذا ما تجمعا في حديث
عند أرباب علمه النقادِ والإتقان صحة الإسنادِ فاغتنمه فذاك أقصى المرادِ
قال ابن الصلاح: "هذا ونحوه ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب، والله أعلم".
وكما ذكرنا أعلى حديث في البخاري الثلاثيات، وعدتها اثنان وعشرون حديثاً، وأنزل ما فيه التساعي، أنزل حديث في البخاري: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) وفي السنة حديث فضل سورة الإخلاص عند النسائي، ففيه ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهذا أنزل إسناد، ستة في طبقة واحدة يروي بعضهم عن بعض، نعم).