الدروس
course cover
المرفوع والموقوف والمقطوع
29 Oct 2008
29 Oct 2008

16479

0

0

course cover
شرح نخبة الفكر

القسم الرابع

المرفوع والموقوف والمقطوع
29 Oct 2008
29 Oct 2008

29 Oct 2008

16479

0

0


0

0

0

0

0

المرفوع والموقوف والمقطوع

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (ثُمَّ الإِسْنَادُ إِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى النَّبِي _ِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ تَصْرِيحًا أَوْ حُكْمًا؛ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ فِعْلِهِ، أَوْ تَقْرِيرِهِ.

- أَوْ إِلى الصَّحَابِيِّ كَذَلِكَ.

وَهُوَ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ _ مُؤْمِنًا بِهِ وَمَاتَ عَلَى الإِسْلاَمِ، وَلَوْ تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ في الأَصَحِّ.

- أَوْ إِلى التَّابِعِيِّ، وَهُوَ مَنْ لَقِيَ الصَّحَابِيَّ كَذِلَكَ.

فالأَوَّلُ:المَرْفُوعُ.

والثَّانِي: المَوْقُوفُ.

والثَّالِثُ: المَقْطُوعُ، وَمَنْ دُونَ التَّابِعِيِّ فِيهِ مِثْلُهُ.

وَيُقَالُ لِلأَخِيرَيْنِ: الأَثَرُ).

هيئة الإشراف

#2

29 Oct 2008

نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (ثُمَّ الإِسْنَادُ)

وهو الطريقُ المُوَصِّلَةُ إلى المتْنِ، والمتْنُ هو غايةُ ما يَنْتَهِي إليه الإِسْنَادُ مِن الكَلامِ، وهو (إِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ويقْتَضِي لَفْظُهُ -إمَّا (تَصْرِيحًا، أو حُكْمًا)- أنَّ المنقُولَ بذَلِكَ الإسنادِ (مِنْ قَوْلِهِ) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أو) من (فِعْلِهِ، أو) من (تَقْرِيرِه).

- مِثَالُ:المرفوعِ مِنَ القولِ تصريحًا: أنْ يقولَ الصَّحابيُّ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ كذا، أو حَدَّثَنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكذا، أو يقولَ هو أو غيرُه: قال رسولُ اللهِ كذا أو عَن رَسُولِ اللهِ أنَّهُ قالَ كذا أو نحوَ ذَلِكَ.

- ومِثَالُ المرفوعِ مِنَ الفعلِ تصريحًا: أنْ يقولَ الصَّحَابِيُّ: رأيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ فعلَ كذا، أو يقولَ هو أو غيرُه: كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يفعلُ كذا.

- ومِثَالُ المرفوعِ من التَّقْرِيرِ تصريحًا: أنْ يقولَ الصَّحَابِيُّ: فعَلْتُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كذا، أو يقولَ هو أو غيرُه: فعل فُلانٌ بحضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كذا، ولا يَذْكُرُ إنكارَهُ لذَلِكَ.

- ومِثَالُ المرفوعِ من القولِ حُكْمًا لا تصريحًا: أنْ يقولَ الصَّحَابِيُّ الذي لم يأخُذْ عَن الإِسْرَائِيلِيَّاتِ ما لا مجالَ للاجْتِهَادِ فيه، ولا لهُ تَعَلُّقٌ بِبَيانِ لُغَةٍ أو شرحِ غَرِيبٍ، كالإِخْبَارِ عَن الأمُورِ الماضِيَةِ من بَدْءِ الخَلْقِ وأخبارِ الأنْبِيَاءِ، أو الآتِيَةِ، كَالْمَلاحِمِ والفِتَنِ وأحوالِ يومِ القِيَامَةِ، وكذا الإخبارُ عَمَّا يَحْصُلُ بفعلِهِ ثوابٌ مَخْصوصٌ أو عِقَابٌ مَخْصُوصٌ.

وَإِنَّمَا كان لهُ حُكْمُ المَرْفوعِ؛ لأنَّ إخبارَهُ بذَلِكَ يَقْتَضِي مُخْبِرًا له، وما لا مَجَالَ للاجْتِهَادِ فيه يَقْتَضِي مُوقِفًا لِلقَائِلِ بهِ، ولا مُوقِفَ لِلصَّحَابَةِ إلاَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أو بَعْضُ مَن يُخْبِرُ عَن الكُتُبِ القديمَةِ، فلِهَذَا وقعَ الاحْتِرَازُ عَن القِسْمِ الثَّانِي، وإذا كانَ كذَلِكَ فله حُكْمُ ما لوْ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فهو مرفوعٌ سواءٌ كانَ مما سمعَهُ منه أو عنهُ بواسِطَةٍ.

- ومِثَالُ المرفوعِ مِنَ الفِعْلِ حُكْمًا:

أنْ يفعلَ الصَّحَابِيُّ ما لا مجالَ للاجْتِهَادِ فيه، فَيُنَـزَّلُ على أنَّ ذَلِكَ عندَهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، كما قالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في صَلاَةِ عَلِيٍّ في الكُسُوفِ: ((في كُلِّ ركْعةٍ أكثرَ مِن رُكوعَيْنِ)).

- ومِثَالُ المرفوعِ من التَّقريرِ حُكْمًا: أنْ يُخْبِرَ الصَّحَابِيُّ أنَّهم كانوا يَفْعَلُونَ في زمانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كذا، فإنَّه يكونُ لهُ حُكْمُ الرَّفْعِ مِن جِهْةِ أنَّ الظَّاهِرَ اطِّلاَعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ على ذَلِكَ؛ لِتَوَفُّرِ دَواعِيهِمْ على سُؤَالِهِ عَن أمورِ دِينِهِمْ، ولأنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ زَمَانُ نُزُولِ الوَحْيِ فلا يَقَعُ من الصَّحابَةِ فِعْلُ شيءٍ ويَسْتَمِرُّونَ عليهِ إلاَّ وهو غيرُ ممنوعِ الفعلِ، وقد اسْتَدَلَّ جابرٌ، وأبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما على جوازِ الْعَزْلِ بأنَّهمْ كانوا يَفْعَلُونَهُ، والقرآنُ يَنْـزِلُ، ولوْ كانَ مما يُنْهَى عنهُ لَنَهَى عنهُ القرآنُ0

ويَلْتَحِقُ بِقَولي: (حُكْمًا) ما وَرَدَ بصيغَةِ الكِنَايةِ في مَوْضِعِ الصِّيَغِ الصَّرِيحَةِ بالنِّسبةِ إليهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ كقولِ التَّابِعِيِّ عَن الصَّحَابِيِّ: (يَرْفَعُ الحَدِيثَ) أو (يَرْوِيهِ) أو (يَنْمِيهِ)، أو (رِوَايةً)، أو (يَبْلُغُ بهِ)، أو (رَوَاهُ)، وقد يقْتَصِرُونَ على القولِ مع حذْفِ القَائِلِ، ويُرِيدُونَ بهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، كقولِ ابْنِ سِيرِينَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قال: قال: ((تُقَاتِلُونَ قَوْمًا)) الحَدِيثَ.

وفي كَلامِ الْخَطِيبِ أنَّه اصْطِلاَحٌ خَاصٌّ بأهلِ البصْرَةِ.

- ومِن الصِّيَغِ المُحْتَمِلَةِ قولُ الصَّحَابِيِّ: (مِنَ السُّنَّةِ كَذَا)، فالأَكْثَرُ على أنَّ ذَلِكَ مرفوعٌ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فيه الاتِّفَاقَ، قال: وإذا قالها غيرُ الصَّحَابِيِّ فكذَلِكَ، ما لم يُضِفْهَا إلى صَاحِبِهَا كَسُنَّةِ العُمَرَيْنِ، وفي نَقْلِ الاتِّفَاقِ نَظَرٌ، فعن الشَّافِعِيِّ في أَصلِ المسألةِ قَوْلانِ.

وذهبَ إلى أنَّه غيرُ مرفوعٍ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ، مِن الشَّافِعِيَّةِ، وأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ، من الْحَنَفِيَّةِ، وابْنُ حَزْمٍ، مِن أهلِ الظَّاهِرِ، واحتجُّوا بأنَّ السُّنَّةَ تترَدَّدُ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبَيْنَ غيرِه، وأُجِيبُوا بأنَّ احتمالَ إرادةِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيدٌ.

وقد روَى الْبُخَارِيُّ في (صَحِيحِهِ) في حَدِيثِ: ابْنِ شِهَابٍ، عَن سالمِ بْنِ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَن أَبِيهِ، في قِصَّتِهِ مع الحَجَّاِجِ، حينَ قالَ لهُ: ((إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلاَةِ)).

قال ابْنُ شِهابٍ: فقلتُ لسالمٍ: أَفَعَلَهُ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ؟

فقال: (وَهَلْ يَعْنُونَ بذَلِكَ إلاَّ سُنَّتَهُ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ؟!)

فَنَقَلَ سَالِمٌ -وهو أَحَدُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ أَهْلِ المَدينَةِ، وَأَحَدُ الْحُفَّاظِ من التَّابِعينَ عَن الصَّحَابَةِ- أنَّهم إذا أطْلَقُوا السُّنَّةَ لا يُرِيدونَ بذَلِكَ إلاَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.

وأَمَّا قولُ بعضِهم: إذا كانَ مرفوعًا فَلِمَ لا يقولونَ فيه قالَ رسولُ اللهِ؟

فجوابُهُ: أنَّهُمْ تَرَكُوا الجزْمَ بذَلِكَ تَوَرُّعًا واحْتياطًا.

ومِن هَذَا قولُ أَبِي قِلابَةَ عَن أَنَسٍ: (مِن السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا) أَخْرَجَاهُ في (الصَّحِيحَيْنِ).

- قال أَبُو قِلاَبَةَ: (لو شِئْتُ لقلتُ إنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ)، أي: لو قُلْتُ لم أَكْذِبْ؛ لأنَّ قولَهُ (مِن السُّنَّةِ) هَذَا معناه.

لكنْ إيرادُهُ بالصِّيغَةِ التي ذَكَرَهَا الصَّحَابِيُّ أَوْلَى.

ومِن ذَلِكَ قولُ الصَّحَابِيِّ: أُمِرْنَا بكَذا، أو نُهِينَا عَن كذا،

فالخِلافُ فيه كالخلافِ في الذي قبلَهُ؛ لأنَّ مُطْلَقَ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ بظَاهرِهِ إلى مَن لَهُ الأمرُ والنَّهْيُ، وهو الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ.

وخَالَفَ في ذَلِكَ طَائِفَةٌ تَمَسَّكُوا باحتمالِ أَنْ يَكُونَ المُرادُ غيرَه، كأمْرِ القرآنِ أو الإجْماعِ أو بعضِ الخُلَفَاءِ أو الاسْتِنْبَاطِ وأُجِيبُوا بأنَّ الأصلَ هو الأولُ، وما عَدَاهُ مُحْتَمَلٌ لكنَّهُ بالنِّسْبَةِ إليهِ مَرْجُوحٌ.

وأيضًا فمَنْ كان في طاعةِ رَئِيسٍ إذا قال: أُمِرْتُ لا يُفْهَمُ عنه أَنَّ آمِرَهُ ليس إلاَّ رئيسَهُ، وأَمَّا قولُ مَن قالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُظَنَّ ما ليس بآمرٍ أمْرًا، فلا اخْتِصاصَ لَهُ بهَذِهِ المسألةِ بلْ هو مَذْكُورٌ فيما لو صَرَّحَ، فقالَ: أمَرَنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بكذا، وهو احتمالٌ ضَعِيفٌ؛ لأنَّ الصَّحَابِيَّ عَدْلٌ عارِفٌ باللِّسانَِ، فلا يُطْلِقُ ذَلِكَ إلاَّ بعدَ التَّحقُّقِ.

ومِن ذَلِكَ قولُه: كُنَّا نفعلُ كذا؛ فلهُ حُكْمُ الرَّفْعِ أيضًا كما تقدَّمَ.

ومِن ذَلِكَ أن يَحْكُمَ الصَّحَابِيُّ على فِعلٍ مِن الأفعالِ بِأَنَّهُ طاعةٌ للهِ، أو لرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ، أو مَعْصِيَةٌ كقولِ عَمَّارٍ: (مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الذِي يُشَكُّ فيه فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ) فلهَذَا حُكْمُ الرَّفْعِ أيضًا؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّ ذَلِكَ مما تَلَقَّاهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ.

(أو)

تَنْتَهِيَ غايةُ الإسنادِ (إلى الصَّحَابِيِّ كذَلِكَ) أي: مِثْلَ ما تقدَّمَ في كونِ اللَّفْظِ يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ بأنَّ المَقُولَ هو مِن قولِ الصَّحَابِيِّ أو مِن فعلِهِ أو مِن تقْرِيرِهِ، ولا يَجيءُ فيه جَميعُ ما تَقَدَّمَ بلْ مُعْظمُهُ. والتَّشْبِيهُ لا تُشْتَرَطُ فيهِ المُساواةُ مِن كُلِّ جِهَةٍ.

(2)

ولَمَّا أنْ كان هَذَا المُخْتَصَرُ شامِلاً لجميعِ أنواعِ عُلومِ الحَدِيثِ استطْرَدْتُ منه إلى تَعْرِيفِ الصَّحَابِيِّ مَنْ هُو، فقلتُ: (وَهُوَ: مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنًا بِهِ وَمَاتَ عَلَى الإِسْلاَمِ وَلَوْ تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ في الأَصَحِّ)، والمرادُ

بِاللِّقاءِ: ما هو أعمُّ مِن المُجالسةِ، والمُمَاشاةِ، ووُصولِ أحدِهِما إلى الآخَرِ، وإنْ لم يُكالِمْهُ، وتدخُلُ فيه رُؤيةُ أَحَدِهما الآخَرَ سواءٌ كان ذَلِكَ بنفْسِه أو بغيرِه.

والتَّعبيرُ (باللُّقَي) أوْلَى من قولِ بعضِهم: الصَّحَابِيُّ مَن رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ؛ لأنَّه يَخْرُجُ حينئذٍ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ونحوَهُ مِن العُميانِ وهُم صحابةٌ بلا تَرَدُّدٍ، واللُّقَى في هَذَا التَّعْرِيفِ كالجِنْسِ، وقَوْلي (مُؤْمِنًا) كالفَصْلِ يُخْرِجُ مَن حَصَلَ لهُ اللِّقَاءُ المذكورُ لكن في حالِ كونِه كافِرًا.

وقولي (بِهِ) فصلٌ ثانٍ: يُخْرِجُ مَن لَقِيَهُ مُؤْمِنًا، لكنْ بِغَيْرِهِ مِن الأنْبِياءِ.

لكنْ هلْ يُخْرِجُ مَن لَقِيَهُ مؤمنًا بأنَّهُ سَيُبْعَثُ ولم يُدْرِكِ البَعْثَةَ؟

فيه نَظَرٌ.

وقَوْلي: (وَمَاتَ عَلَى الإِسْلاَمِ).

فصلٌ ثالثٌ:

يُخْرِجُ مَن ارتَدَّ بعدَ أن لَقِيَهُ مؤمنًا به، وماتَ على الرِّدَّةِ كعُبيدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ وابْنِ خَطَلٍ.

وقولي: (وَلَوْ تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ) أي: بَيْنَ لُقِيِّهِ لَهُ مُـؤْمِنًا به وبَيْنَ مـوْتِه على الإسـلامِ، فإنَّ اسمَ الصُّحْبَةِ باقٍ لهُ سـواءٌ أَرَجَعَ إلى الإسلامِ في حياتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو بعدَهُ، وسواءٌ أَلَقِيَهُ ثانيًا أَمْ لا.

وقولي: (فِي الأَصَحِّ) إِشَارَةً إلى الخلافِ في المسألَةِ، ويدلُّ على رُجْحَانِ الأولِ قِصَّةُ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، فإنَّه كانَ مِمَّنْ ارتدَّ وأُتِيَ بِهِ إلى أَبِي بكرٍ الصِّديقِ، أسِيرًا فعادَ إلى الإسلامِ، فَقَبِلَ منه ذَلِكَ وزَوَّجَهُ أُخْتَهُ، ولم يتخلَّفْ أحدٌ عَن ذِكْرِهِ في الصَّحابَةِ ولا عَن تَخْرِيجِ أحاديثِهِ في المَسَانِيدِ وَغَيرِها.

(تَنْبِيهَانِ):

أحدُهما:لا خَفَاءَ بِرُجْحَانِ رُتبةِ مَن لازَمَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وقاتَلَ معهُ، أو قُتِلَ تَحْتَ رايتِهِ، على مَنْ-لعله سقط (لم)- يُلازِمُهُ أو لَمْ يَحْضُرْ معهُ مَشْهَدًا، وعلى مَن كَلَّمَهُ يَسِيرًا، أو ماشاهُ قليلاً، أو رآهُ على بُعْدٍ أو في حالِ الطُّفُولَةِ، وإنْ كانَ شَرَفُ الصُّحْبَةِ حاصِلاً للجميعِ.

وَمَنْ ليس لهُ منهمْ سَمَاعٌ منه، فحدِيثُهُ مُرْسَلٌ مِن حيثُ الرِّوَايةُ،

وهمْ معَ ذَلِكَ معدُودُونَ في الصَّحَابَةِ لِمَا نالُوهُ مِن شرفِ الرُّؤْيَةِ.

ثَانِيهِمَا: يُعْرفُ كونُه صَحَابِيًّا بالتَّواتُرِ،أو الاسْتِفَاضَةِ أو الشُّهْرَةِ أو بإِخبارِ بعضِ الصَّحابةِ أو بعضِ ثقاتِ التَّابِعينَ، أو بإخبارِهِ عَن نفسِهِ بِأَنَّهُ صَحَابِيٌّ إذا كانَ دعواهُ ذَلِكَ تدخُلُ تحتَ الإِمكانِ، وقد استَشْكَلَ هَذَا الأخيرَ جَماعةٌ من حيثُ إِنَّ دَعواهُ ذَلِكَ نظيرُ دَعْوى مَن قالَ: أنا عَدْلٌ ويَحْتَاجُ إلى تَأَمُّلٍ.

(أو)

تَنْتَهِي غايةُ الإسنادِ (إلى التَّابِعِيِّ وهو مَن لَقِيَ الصَّحَابِيَّ كذَلِكَ) وَهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِاللُّقِيِّ وما ذُكِرَ معهُ، إلاَّ قَيْدَ الإيمانِ بهِ، فذَلِكَ خاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. وهَذَا هو المُخْتَارُ، خلافًا لمَن اشْتَرَطَ في التَّابعينَ طولَ المُلاَزَمَةِ أو صِحَّةَ السَّمَاعِ، أو التَّمْييزَ، وبَقِيَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ طَبَقَةٌ اخْتُلِفَ في إِلْحَاقِهِمْ بأيِّ القِسْمَيْنِ، وهم المُخَضْرَمُونَ الذينَ أدركوا الجَاهِلِيَّةَ والإسلامَ، ولم يَرَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَدَّهُم ابْنُ عبدِ الْبَرِّ في الصَّحابَةِ.

وادَّعَى عِياضٌ وغيرُه أنَّ ابْنَ عبدِ البرِّ يقولُ إنَّهم صَحَابَةٌ! وفيه نظرٌ لأنَّه أَفْصَحَ في خُطْبَةِ كتابِهِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أورَدَهمْ ليكونَ كتابُهُ جامعًا مستوعِبًا لأهلِ القَرْنِ الأولِ.

والصَّحيحُ أنَّهم معدُودُونَ في كِبارِ التَّابعينَ سواءٌ عُرِفَ أنَّ الواحِدَ منهمْ كانَ مُسْلِمًا في زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كالنَّجَاشِي، أَمْ لا.

لكنْ إنْ ثَبَتَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلةَ الإسراءِ كُشِفَ لهُ عَن جميعِ مَن في الأرضِ فرآهُم، فَيَنْبَغِي أن يُعَدَّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا به في حياتِه إذْ ذاكَ -وإنْ لم يُلاَقِهِ- في الصَّحَابَةِ لحُصولِ الرُّؤْيَةِ مِنْ جَانِبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(3) (فَـ)

القِسمُ (الأولُ) ممَّا تقدَّمَ ذِكْرُهُ مِن الأقسامِ الثَّلاثةِ -وهو ما تَنْتَهِي إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غايةُ الإسنادِ- هو (المَرْفُوعُ) سواءٌ كان ذَلِكَ الانْتِهَاءُ بإسنادٍ مُتَّصِلٍ أَمْ لا.

(4) (وَالثَّانِي المَوْقُوفُ)

وهو ما انْتَهَى إلى الصَّحَابِيِّ.

(5) (وَالثَّالِثُ المَقْطُوعُ)

وهو ما يَنْتَهِي إلى التَّابِعِيِّ (وَمَنْ دُونَ التَّابِعِيِّ) مِن أَتَابِعِ التَّابِعِينَ فمَنْ بَعْدَهُمْ، (فيه) أي: في التَّسمِيَةِ (مِثْلُهُ) أي: مِثْلَ ما يَنْتَهِي إلى التَّابِعِيِّ في تسميةِ جميعِ ذَلِكَ مقطوعًا، وإنْ شِئْتَ قلتَ: موقوفٌ على فُلانٍ.

فَحَصَلَت التَّفْرِقَةُ في الاصْطِلاَحِ بَيْنَ الْمَقْطُوعِ وَالْمُنْقَطِعِ، فَالْمُنْقَطِعُ مِن مَبَاحِثِ الإِسْنَادِ كما تقدَّمَ، والْمَقْطُوعُ مِن مَبَاحِثِ الْمَتْنِ كما تَرَى. وقد أَطْلَقَ بعضُهُمْ هَذَا في مَوْضِعِ هَذَا، وبِالْعَكْسِ، تَجَوُّزًا عَن الاصْطِلاَحِ.

(5) (وَيُقَالُ لِلأَخِيرَيْنِ)

أي:

الْمَوْقُوفِوَالْمَقْطُوعِ: (الأَثَرُ) ).

هيئة الإشراف

#3

29 Oct 2008

نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم

قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (أقسامُ الخبرِ باعتبارِ مَن أُسْنِدَ إليه

قالَ

الحافظُ رحمه اللهُ:

(1) (ثُمَّ الإسنادُ، وهو الطريقُ المُوَصِّلَةُ إلى المتنِ، والمتنُ: هو غايةُ ما ينتهي إليه الإسنادُ مِن الكلامِ).

انتهى

الحافظُ مِن أقسامِ الحديثِ باعتبارِ قبولِه وردِّهِ، ودخلَ في موضوعاتٍ لا تدخلُ في القبولِ والردِّ دخولاً مباشرًا ولكنها تتصلُ به، وابتدأَ ببعضِ التعريفاتِ.

- فَعَرَّفَ الإسنادَ:

بأنَّه الطريقُ الموصِّلُ إلى المتنِ.

ويُعْرَفُ أيضًا: بأنَّه سلسلةُ الرواةِ، وله تعريفاتٌ أخرى.

- والمتنُ هو:

غايةُ ما يصلُ إليه الإسنادُ مِن الكلامِ.

ثُمَّ تكلَّمَ عن ثلاثِ مصطلحاتٍ تدورُ كثيرًا في كلامِ الأئمَّةِ:

-المرفوعُ.

- والموقوفُ.

- والمقطوعُ.

(2)

المرفوعُ

المَرْفُوعُ:

ما أُضِيفَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ، ويضيفُ بعضُهم: أو صفةٍ، يعني أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ مِن صفتِه كذا وكذا.

والمُهِمُّ هنا أنَّ الحافظَ قَسَّمَ المرفوعَ قسمينِ:

- المَرْفُوعُ الصريحُ.

- المَرْفُوعُ غيرُ الصريحِ (المَرْفُوعُ حُكمًا).

المَرْفُوعُ الصريحُ:

ما يقولُ فيه الصحابيُّ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلَّمَ، وأكثرُ الأحاديثِ بهذه المثابةِ، ومثالُه مَن فِعلِه: حديثُ: أنسٍ رضي اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دخلَ مَكَّةَ وعلى رأسِه المغفرُ)).

المَرْفُوعُ حُكْمًا:

ذكرَ له عددًا مِن الصورِ ابتدأَها بصورةٍ هي أضعفُ الصورِ مِن حيثُ الرفعُ، وهي:

- أنْ يقولَ الصحابيُّ قولاً لا مدخلَ للاجتهادِ فيه، أو يفعلَ فعلاً لا مدخلَ للاجتهادِ فيهِ، واشترطَ في القولِ ألاَّ يكونَ الصحابيُّ معروفًا بالأخذِ مِن الإسرائيلياتِ إِذ الآن حديثُه في الإخبارِ عِن الأمورِ الماضيةِ، أو الأمورِ الغيبيَّةِ الآتيةِ.

هذه الصورةُ مِن أضعفِ أنواعِ المرفوعِ حُكْمًا،

ولا سيَّما إخبارُ الصحابيِّ عِن أمورٍ ماضيةٍ أو آتيةٍ إذا لم يرفعْه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صريحًا، فالذي يظهرُ أنَّ الحُكْمَ برفعِه إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ينبغي أن يُتَأَنَّى فيه؛ لأنَّ الصحابيَّ وإنْ لم يُعرفْ بالأخذِ عن الإسرائيلياتِ فإنَّه قد يأخذُه عن صحابيٍّ آخرَ أخذَه مِن أخبارِ أهلِ الكتابِ، وفيما صحَّ عنِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم وما حكَاهُ القرآنُ غُنْيَةٌ عمَّا فيه تردُّدٌ ولبسٌ.

كذلكَ:

إذا فعلَ الصحابيُّ فعلاً لا مجالَ للاجتهادِ فيه فهذا الأمرُ فيه خفاءٌ، إذ قد يكونُ الصحابيُّ اجتهدَ فيه مِن وجهٍ خفيٍّ جدًّا.

مثالُ ذلكَ:

مثَّلَ: الشافعيُّ بصلاةِ عليٍّ في (الكسوفِ في كلِّ ركعةٍ أكثرَ مِن ركوعين)، فذكرَ الشافعيُّ أنَّ هذا مما لا مجالَ للاجتهادِ فيه، وأنَّه في حكمِ المرفوعِ، معَ أنَّ هذا الحديثَ هو مِن فعلِ عليٍّ، لكن قد يكونُ للاجتهادِ فيه مدخلٌ، فقد يكونُ عندما رأى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلَّى في الركعةِ ركوعينِ وخرجَ عن المعتادِ اعتقدَ أنَّ الإمامَ يصلِّي حتى يكونَ مَظَنَّةُ انجلاءِ الكسوفِ؛ لذا فهذا النوعُ مِن المرفوعِ حُكْمًا ينبغي أنْ يُتأَنَّى في رفعِه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلََّمَ.

وأقوى المَرْفُوعِ حُكْمًا

والذي يظهرُ لي أنَّه يخرجُ مِن المرفوعِ حُكْمًا وَيُلْحَقُ بالمرفوعِ الصريحِ: التابعيُّ إذا روى الحديثَ يقولُ: رفعَ الحديثَ، فالذي رفعَ الحديثَ هو الصحابيُّ، والذي يحكي هو التابعيُّ، ومثلُ قولِ التابعيِّ: عن أبي هريرةَ روايةً، أي: عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

- ومثلُ:

قولِ التابعيِّ: يبلُغ بهِ، أو يَنْمِيهِ، أي: إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكلُّ هذه الكلماتِ وردتْ في الأحاديثِ وَأُدْرِجَتْ في المرفوعِ غيرِ الصريحِ، ولا خلافَ أنها حينئذٍ في حكمِ المرفوعِ، والذي يظهرُ أنها مِن المرفوعِ الصريحِ، لا سيَّما أنَّ كثيرًا مِن الأحاديثِ التي وردت فيها هذه الصيغُ وردت بأسانيدَ أُخرَ فيها التصريحُ برفعِها إلى النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، كأنْ يقولَ الصحابيُّ: سمعتُه، أو قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ.

وهنَا صور لَمْ يُتَّفَقْ عليها وإنْ كانَ الخلافُ في بعضِها أقوى مِن بعضٍ: فمِن هذه الصورِ أنْ يقولَ الصحابيُّ: كنا نفعلُ كذا، وهذا له حالتانِ:

إحدَاهما:

أنْ يُضِيَفه إلى عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلَّمَ مثلُ قولِ أسماءَ: ذَبَحْنَا فرسًا على عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأكلْنَاهُ، ومنُه حديثُ جابرٍ المعروفُ: كنَّا نعزلُ والقرآنُ ينـزلُ، فهذا صريحٌ في إضافتِه إلى عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومثلُ صلاةِ عمرِو بنِ سلمةَ وهو صبيٌّ إمامًا بقومِه في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

الثانيةُ:

أنْ لا يُصَرِّحَ الصحابيُّ بأنَّ ذلكَ في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، مثلُ قولِ جابرٍ: (كُنَّا إذا هَبَطْنَا سبَّحْنَا وإذا صَعَدْنَا كبَّرْنَا)، فهذا لم يُضِفْه إلى عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فمثلُ هذا يُلحقُ أيضاً بالأَوَّلِ، وهذِه الصورةُ فيها خلافٌ، ومِن أشهرِ مَن خالفَ في هذه الصورةِ ابنُ حزمٍ، فليستْ عنده حُجَّةٌ حتَّى ينقلَ الراوي اطِّلاَعَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

وَمِنَ الصورِ

كذلكَ: أُمِرْنَا، أُمِرَ الناسُ، كُنَّا نُؤْمَرُ.

- مثلُ: قولِ أنسٍ: (أُمرَ بلالٌ أنْ يَشْفَعَ الأذانَ وَيُوتِرَ الإقامةَ).

- ومثلُ: قولِ ابنِ عباسٍ: (أُمِرَ الناسُ أنْ يكونَ آخرُ عهدِهم بالبيتِ الطوافَ).

- ومثلُ قولِ أمِّ عطيَّةَ: (نُهِينَا عن اتِّبَاعِ الجنائزِ ولم يُعزمْ علينا)، فكلُّ هذا عندَ الجمهورِ في حُكْمِ المرفوعِ، ولهذا نجدُ كثيرًا مِن هذه الأحاديثِ في (الصحيحينِ).

ِومِن الصور كذلكَ: أنْ يقولَ الصحابيُّ: مِن السُّنَّةِ كذا، فالجمهورُ على أنَّه في حكمِ المرفوعِ، مثلُ حديثِ: أبي قِلاَبَةَ، عن أنسٍ: (مِن السُّنَّةِ إذا تزوَّجَ البكرَ على الثيِّبِ أقامَ عندَها سبعًا)، يقولُ أبو قِلاَبَةَ: (لو شِئْتُ لقلتُ: إنَّ أنسًارفعَه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، واستدلَّ الحافظُ بأنَّ قولَهم: (مِن السُّنَّةِ) يُرادُ به سُنَّةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقولِ سالمٍ في الحديثِ المشهورِ حينَ سألَ الحجَّاجُ ابنَ عمرَ عن يومِ عرفةَ فقالَ: (إنْ كنتَ تريدُ السُّنَّةَ فهجِّرْ بالصلاةِ)، أي: بَكِّرْ بها، يقولُ الزُّهْرِيُّ: قلتُ لسالمٍ: سُنَّةُ مَن؟

فقالَ: وهل يريدونَ إلا سُنَّةَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ؟

وسالمٌ أحدُ الفقهاءِ السبعةِ، وقولُه حُجَّةٌ في هذا.

مِن الصُّورِ أيضًا:أنْ يَحْكُمَ الصحابيُّ على فعلٍ بأنَّه معصيةٌ للهِ ورسولِه صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ، ومثلُ: حديثِ: عَمَّارِ بنِ ياسرٍ((مَن صامَ اليومَ الذي يُشكُّ فيه فقد عصى أبا القاسمِ)).

- ومثلُ الحديثِ الذي أخرجَه البخاريُّ ومسلمٌ مِن كلامِ أبي هريرةَ: ((بئسَ الطعامُ طعام الوليمةِ يُدعى إليها مَن يَأْبَاهَا ويُمْنَعُها مَن يَأْتِيَها))، ثُمَّ قالَ أبو هريرةَ: (ومَن لم يُجِب الدعوةَ فقد عصى اللهَ ورسولَه)، أخرجَه البخاريُّ ومسلمٌ هكذا، وهو عندَ مسلمٍ في بعضِ الرواياتِ مرفوعٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لكنَّ الشأنَ في إخراجِ البخاريِّ لهُ؛ لأنَّه حملَ قولَه: فقد عصى اللهَ ورسولَه صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ على أنَّه في حُكْمِ المرفوعِ؛ لأنَّه خصَّ كتابَه أصلاً لأمورِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسُنَنِه وأيَّامِهِ.

هذه الصورُ التي ذكرَها الحافظُ للمَرْفُوعِ حُكْمًا وبَعْضُها أقوى في الرفعِ مِن بعضٍ، وكلُّها عندَ الجمهورِ في حكمِ المرفوعِ ما لم تقمْ قرينةٌ على وقَفْهِا، ومِن أشهرِ مَن خالفَ في هذه الصورِ ابنُ حزمٍ، فلا يَثْبُتُ الرفعُ عندَه حتَّى يُصَرِّحَ الصحابيُّ برفعِ ذلكَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولو تقريرًا.

(3)

الموقوفُ وتعريفُ الصحابيِّ

تَحَدَّثَ الحافظُ عِن الموقوفِ، فقالَ: إنَّه قولُ الصحابيِّ، أو فِعْلُهُ، أو تَقْرِيرُه، وأشارَ إلى أنَّ منه الموقوفَ الصريحَ، ومنه الموقوفَ غيرَ الصريحِ، وذكرَ الحافظُ أنَّ مِن الأشياءِ المُقْتَضِيَةِ للتصريحِ وليستْ صريحةً ما مرَّ عندَ روايةِ الصحابيِّ بالنسبةِ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تأتي معَ روايةِ التابعيِّ بالنسبةِ للصحابيِّ إلا أنَّها ليسَ كلُّها كذلكَ، فإذا قالَ التابعيُّ: مَن فعلَ كذا فقد عصى اللهَ ورسولَه - فلا يُعْتَبَرُ هذا موقوفًا.

- وكذلكَ:

قولُ التابعيِّ: مِن السُّنَّة كذا، بعضُهم يَعْتَبِرُه مِن المرفوعِ حُكْمًا، ولكنَّه مُرْسَلٌ، المقصودُ أنَّ هناكَ مِن الصورِ التي ذكرَها الحافظُ مِن المرفوعِ حُكْمًا لا تأتي في الموقوفِ حُكْمًا.

ثُمَّ عَرَّفَ الصحابيَّ بأنَّه:

مَن لقيَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُؤْمِنًا بهِ وماتَ على الإسلامِ، وإنْ تَخَلَّلَتْهُ ردَّةٌ على الأصحِّ.

ثُمَّ تحدَّثَ عِن الأشياءِ التي يُعرفُ بها الصحابيُّ:

- فُيعرفُ كونُه صحابيًّا

بالتواترِ، كأنْ يرويَ عن صحابيٍّ عددٌ كبيرٌ مِن التابعينَ.

- ويُخْبِرُ صحابيٌّ آخرُ عن هذا الصحابيِّ أنَّه كانَ معنا في غزوةِ كذا.

- وأنَّه فعلَ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كذا، وكثيرٌ مِن الصحابةِ وصولُ أخبارِهم إلينا عَن طريقِ التواترِ، مثلُ الخلفاءِ الراشدينَ، والعشرةِ المبشَّرِينَ بالجنَّةِ، وزوجاتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وسائرِ مَن اشْتُهِرَ بكثرةِ الروايةِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو لَه ذِكْرٌ كثيرٌ في سيرةِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ وغزواتِه، ويُقرِّبُ مِن ذلكَ الاستفاضةُ وهي انتشارُ الخبرِ بأنَّ هذا الرجلَ مِن الصحابةِ.

- ومثلُ إخبارِ بعضِ التابعينَ بذلكَ مثلُ: سعيدِ بنِ المسيِّبِ، أنَّ فلانًا أخبرَه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَتَثْبُتُ له الصحبةُ بهذا بِنَاءً على قبولِ سعيدِ بنِ المسيِّبِ كلامَ هذا الصحابيِّ.

ودعوى الصُّحْبَةِ وُجِدَتْ عندَ المتأخِّرِينَ؛ فيوجدُ في المائةِ الثانيةِ، والثالثةِ؛ بل والسادسةِ مَن يدَّعِي الصُّحْبَةَ، وكلُّ أولئكَ افتضحَ أمرُهم حتىَّ سمُّوهم: مُدَّعِي الصُّحْبَةِ، ويكفي في ردِّ هذا الحديثُ الصحيحُ: ((على رأسِ مئةِ سنةٍ لا تبقى في الأرضِ نفسٌ منفوسةٌ))، فكلُّ مَن كانَ في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في تلكَ اللحظةِ بعد مئةِ سنةٍ لن يبقى منهم أحدٌ حسبَ إخبارِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبهذا الحديثِ احتجَّ كثيرٌ من الأئمَّةِ على أنَّ الخِضْرَ ليسَ موجودًا، فمَن ادَّعَى الصحبةَ بعدَ مئةِ سنةٍ مِن وفاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو كذَّابٌ، ولهذا السببِ اعتنى الأئمَّةُ بآخرِ الصحابةِ موتًا، وذكرُوا آخرَهم موتًا بالمدينةِ، وآخرَهم موتًا بالبصرةِ … إلخ.

(4)

المقطوعُ

تَكَلَّمَ الحافظُ عن المقطوعِ وهو مثلُ الموقوفِ لكنَّه عن التابعيِّ.

وعَرَّفَ التابعيَّ:

بأنَّه مَن لقيَ الصحابيَّ،

وقالَ: إنُّه مثلُ ما مضى في تعريفِ الصحابيِّ، لكنْ هذه التعريفاتُ ليسَ مكانُها هنا، ولها كتبٌ خاصَّةٌ بها مثلُ: كتبِ (الطبقاتِ)، والكتبِ الخاصَّةِ بالصحابةِ، وأشارَ إلى أنَّ هناكَ طبقةً منهم مَن يُلْحِقُها بالصحابةِ ومنهم مَن يُلْحِقُها بالتابعينَ، وهم الذين أسلمُوا في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولم يروه وهم المخضرمونَ، فقالَ: الصحيحُ أنَّ روايتَهم عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُرْسَلَةٌ؛ لأنَّهم ليسوا بصحابة.

ومَن ذكرَهم في الصحابةِ: مثلُ ابنِ عبدِ البرِّ فلا يريدُ أنهم صحابةٌ، وإنما قصدُه أنْ يكونَ كتابُه شاملاً لكلِّ مَن كانَ في القرنِ الأَوَّلِ، هكذا صرَّحَ بهِ، والحافظُ يقولُ: (إنَّه يمكنُ عدُّهم في الصحابةِ إذا أخذنا بما وردَ في حديثِ الإسراءِ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُشِفَ له كلُّ مَن في الأرضِ، فيكونُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد رآهم، فتحصلُ لهم الصحبةُ بهذه الطريقةِ، ولكن هذه الطريقةُ لا تكفي لثبوتِ الصحبةِ وتحتاجُ إلى مقدِّمَاتٍ كثيرةٍ).

- إذًا فما أُضيفَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو المَرْفُوعُ.

وما أُضيفَ إلى الصحابيِّ فهو المَوْقُوفُ.

وما أُضيفَ إلى التابعيِّ فهو المَقْطُوعُ، هذا كلُّه إذا أُطلِقَ، أمَّا معَ التقييدِ فلا بأسَ أن يُعطى الأدنى وصفَ الأعلى، فالمقطوعُ على التابعيِّ يصحُّ أنْ يقالَ: هذا موقوفٌ على سعيدِ بنِ المسيِّبِ مثلاً، وأنْ يقالَ: وقفَه فلانٌ على عطاءٍ، أو على سعيدٍ …. إلخ، بل أحيانًا في المرفوعِ يُسْتَعْمَلُ هذا، وكذلكَ كلمةُ مرفوعٍ تُسْتَعْمَلُ أحيانًا في غيرِ ما يُقصدُ بها في الاصطلاحِ العامِّ، وهو الإضافةُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فأحيانًا يُقصدُ بها الوصلُ مقابلَ طريقٍ آخرَ مَرْسَلٍ، وإنْ كانَ الجميعُ في الاصطلاحِ العامِّ مرفوعًا.

مثالُ ذلكَ:

قولُ التِّرْمِذِيِّ، في حديثٍ رواه عيسى بنُ يُونسَ، عن هشامِ بنِ عروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ رضي الله عنها: ((إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يقبلُ الهديةَ وَيُثِيبُ عليها))، قال: رفعه عيسى بنُ يونسَ، وهو عندَ الناسِ مُرْسَلٌ وبمعنى هذه الكلمةِ تَكَلَّمَ أبو داودَ على هذا الحديثِ، فالرفعُ الآنَ يقابلُ الإرسالَ، فالناسُ غيرُ عيسى بنِ يونسَ يروونَه عن هشامِ بنِ عروةَ عن أبيه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يقبلُ الهديَّةَ، فهو الآنَ في غيرِ روايةِ عيسى أيضًا مرفوعٌ، وفي روايةِ عيسى مرفوعٌ، لكنَّ التِّرمذيَّ، وأبا داودَ يقولانِ: (رفعَه عيسىَ بنُ يونسَ، وهو عندَ الناسِ مُرْسَلٌ، فليسَ المرفوعُ هنا مقابلَ الموقوفِ، بل هو الآنَ في هذه الصورةِ مقابلُ المُرْسَلِ).

المقصودُ أنَّ هذه الألفاظَ اصطلاحيَّةٌ،

وقد تُستعملُ في غيرِ المرادِ هنا:

مثلُ: المقطوعِ

فهو ما أُضيفَ إلى التابعيِّ فهو وصفٌ للمتنِ، واستعملَه الشافعيُّ في وصفِ الإسنادِ بمعنى المنقطعِ وهو: الذي في إسنادِه انقطاعٌ، وكذلكَ: الطبرانيُّ، ولا بأسَ بذلكَ، فهذه اصطلاحاتٌ لكن الغالبَ هو المذكورُ، وقد يُخْرَجُ عن الغالبِ ويُفهمُ ذلكَ من السياقِ أو التقييدِ.

وأشارَ الحافظُ إلى أنَّهُ يقالُ للمَوْقُوفِ والمَقْطُوعِالأثرُ، وهذا التخصيصُ في اصطلاحِ بعضِ المتقدِّمينِ، وينسبُ ذلكَ للشافعيِّ، وتَبِعَهُ البيهقيُّ على ذلكَ، ثم صارَ عندَ المتأخِّرِينَ كالمُتَعَيَّنِ، لكن في عرفِ أكثرِ المتقدِّمِينَ وبعضِ المتأخِّرِينَ: الأثرُ هو كلُّ ما رُوِيَ، في (تهذيبِ الآثارِ)لابنِ جريرٍ الطبريِّ الآثارُ المذكورةُ معظمُها أحاديثُ، فاستعمالُ الطبريِّ الآنَ ليسَ على الاستعمالِ المتأخِّرِ وإنَّمَا هو على الاستعمالِ المتقدِّمِ، ومثلُه:(مُشْكِلُ الآثارِ) و(شرحُ معاني الآثارِ)للطحاويِّ، وكما يقالُ: فلانٌ أثريٌّ، فهو منسوبٌ إلى الأثرِ بمعنى المأثورِ، أي: ما يُروى سواءٌ كانَ مرفوعًا، موقوفًا، أو مقطوعًا.

سُئِلَ الإمامُ أحمدُ عن قولِ أهلِ المدينةِ في أنَّه لا توقيتَ في المسحِ على الخُفَّيْنِ فقالَ لهم: في ذلكَ أثرٌ، فإذا أخذناه على الاصطلاحِ المتأخِّرِ قلنا: يَقْصِدُ الموقوفَ، حتى قالَ ابنُ دقيقٍ العيدِ: لعلَّ أحمدَ يعني بذلكَ - وذكرَ أثرًا عن ابنِ عمرَ، لكن الذي يظهرُ أنَّ مرادَ أحمدَ لهم شيءٌ مأثورٌ، وذكرَ مِن أدلَّتِهِم حديثًا عن خزيمةَ بنِ ثابتٍ رفعَه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).

هيئة الإشراف

#4

29 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد

قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: (مَسألةٌ:

قَوْلُ التابِعِيِّ عن الصحابيِّ

في روايَةِ الحديثِ: (يَرْفَعُهُ) أوْ (يُنْمِيهِ) -، مِن الألفاظِ الصريحةِ في رفْعِ الحديثِ للنبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فكيفَ يَجْعَلُها ابنُ حَجَرٍ مِمَّا تُلْحِقُهُ بأنواعِ المرفوعِ حُكْماً؟

أقولُ: هذهِ المسألةُ فيها تفصيلٌ طويلٌ، والْمُهِمُّ أنَّ هذهِ الألفاظَ وَرَدَتْ في المرفوعِ حُكْماً، لا لأَجْلِ أنَّهُ فِعْلاً لهُ حُكْمُ الرفْعِ، ولكنَّهُ استِطْـرَادٌ في ما لم يُصَرَّحْ برَفْعِهِ للنبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فَقَالُوا: ومِمَّا يَكُونُ لهُ حُكْمُ الرفْعِ إذا ما قـالَ: (يَرْفَعُهُ). فالْمُتَصَدَّرُ بقولِهم: (يَرْفَعُهُ)؛ أيْ: إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فهذا يُعْتَبَرُ مَروفوعاً.

وإذا ما قالَ: (يُنْمِيهِ)؛ أيْ: يُنْمِيهِ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فلَيْسَ المقصودُ أنَّهُ لم يَقُلْهُ الصحابيُّ، أوْ لم يَرْفَعْهُ الصحابيُّ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

(1)

دِرَاسَةُ الْمَتْنِ:

الإسنادُ إمَّا أنْ يَنتهيَ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-

تَصريحاً، أوْ حُكْماً مِنْ قولِهِ، أوْ فِعْلِهِ، أوْ تَصريحِهِ.

فمِثالُ التصريحِ: بالقولِ:

قَوْلُ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قالَ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)).

مِثالُ التصريحِ الفِعْلِيِّ:

قالَ ابنُ عمرَ -رَضِيَ اللَّهُ عنْهُما-: ((رَأَيْتُ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- يُصَلِّي النافِلةَ على رَاحِلَتِهِ في السَّفَرِ)).

مِثالُ التصريحِ التَّقريريِّ:

حينَما يقولُ الصحابيُّ: إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- قُدِّمَ إليهِ ضَبٌّ، فامْتَنَعَ عنْ أَكْلِهِ وقالَ:

((إِنَّهُ لا يُوجَدُ بِأَرْضِ قَوْمِي))، فأَكَلَهُ خالدُ بنُ الوليدِ وأُنَاسٌ معهُ، فأَقَرَّهُم النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، ولم يُنْكِرْ عليهم أَكْلَهم للضَّبِّ.


المرفوعُ حُكْماً:

وهو ما لم يُصَرِّحْ فيهِ الصحابيُّ بتَلَقِّيهِ للحديثِ، سواءًٌ كانَ قَوْلاً أوْ فِعْلاً أوْ تَقريراً مِن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، 

لكنْ عندَنا قَرَائِنُ اسْتَطَعْنَا مِنْ خلالِها أنْ نقولَ: إنَّ هذا الحديثَ لهُ حُكْمُ الرفْعِ.

مِثالُ المرفوعِ حُكْماً مِن القولِ:

حديثُ:

((يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، الصَّوَابُ فيهِ أنَّهُ مِنْ قولِ ابنِ مسعودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، وهذا قولٌ ولم يُصَرِّحِ ابنُ مسعودٍ بأَخْذِهِ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

مِثالُ المرفوعِ الْحُكْمِيِّ الفِعْلِيِّ:

حديثُ:

عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، أنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ((صَلَّى صلاةَ الكُسُوفِ، فرَكَعَ في كلِّ رَكعةٍ أرْبَعةَ رُكُوعَاتٍ))؛ فدَلَّ على أنَّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يَصْدُرَ منهُ هذا الفعْلُ إلاَّ أنَّهُ قدْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- يَفعلُهُ، ولوْ لم يَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- لَمَا اجْتَهَدَ في عِبادةٍ مِن العِباداتِ.

مِثالُ المرفوعِ الْحُكْمِيِّ التَّقريريِّ:

حديثُ: قولِ أبي سعيدٍ، وجابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: ((كُنَّا نَعْزِلُ والقُرْآنُ يَنْزِلُ، ولوْ كانَ في ذلكَ نَهْيٌ لنُهِينَا)).

شُروطُ قَبولِ المرفوعِ الْحُكْمِيِّ:

1- أنْ يكونَ الحديثُ ممَّا لا مَجالَ للرَّأْيِ فيهِ.

2- أنْ يكونَ ذلكَ الصحابيُّ مِمَّ لم يُعْرَفْ بالأخْذِ عنْ أهْلِ الكتابِ.

فإذا وَجَدْنا الصحابيَّ لا يَأخُذُ مِنْ أهْلِ الكتابِ، وأَخْبَرَ عنْ أُمُورٍ غَيْبِيَّةٍ ماضيَةٍ مِنْ بَدْءِ الخلْقِ وأخبارِ الأنبياءِ، أوْ غَيْبِيَّةٍ آتيَةٍ كالمَلاحِمِ والفِتَنِ وأحوالِ يومِ القيامةِ وما بعدَهُ.

- أو أَخْبَرَ بفِعْلٍ يَحْصُلُ بهِ ثوابٌ مَخصوصٌ أوْ عِقابٌ مَخصوصٌ؛ كقولِ

عَمَّارٍ((مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ النَّاسُ فيهِ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ))، هذا يَدُلُّ على أنَّهُ أخَذَ الحديثَ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

أمَّا إنْ عُرِفَ أخْذُهُ مِن اليهودِ والنَّصَارَى؛ حيثُ إنَّ هناكَ بعضَ الصحابةِ تَسَمَّحُوا في المسألةِ؛ بقَولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-: ((حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ)).

مِثالٌ:

عبدُ اللَّهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عنْهُما-، فإذا جاءَ عنهُ أمْرٌ غَيْبِيٌّ فهلْ نقولُ: لهُ حُكْمُ الرفْعِ؟

لا؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ أخَذَهُ مِنْ أهْلِ الكتابِ، وبخاصَّةٍ أنَّهُ في غَزوةِ اليَرْمُوكِ عَثَرَ على زَامِلَتَيْنِ - (رَاحِلَتَيْنِ -) مَمْلُوءتيْنِ كُتُباً مِنْ أهْلِ الكتابِ، فأخَذَها وقَرَأَ منها وأَخَذَ يُحَدِّثُ الناسَ؛ ولذا نَجِدُ مِنْ كَلامِهِ أشياءَ يُلْمَسُ أنَّها مِن الإسرائِيلِيَّاتِ.

مثالُ ذلكَ:

قِصَّةُ (هَارُوتَ وَمَارُوتَ)، خُلاصَتُها أنَّ مَلَكَيْنِ أُنْزِلا إلى الأرضِ؛ لأنَّهُما سَخِرَا مِنْ بَنِي آدمَ، فوَاقَعَا امرأةً يُقالُ لها: الزُّهْرَةُ؛ فمُسِخَتِ الزُّهْرَةُ إلى كوكبٍ، والْمَلَكَانِ يُعَذَّبَانِ ببابلَ، وهما هارُوتُ ومَاروتُ.

- قالَ: ابنُ كثيرٍ: (الصوابُ أنَّها منْ الإسرائيليَّاتِ التي حَدَّثَ بها عبدُ اللَّهِ بنُ عمرٍو عنْ بَنِي إسرائيلَ).

أمَّا إنْ كانَ مِمَّنْ عُرِفَ أنَّهُ لا يَأْخُذُ مِنْ أهلِ الكتابِ، كعبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، فإنَّهُ كانَ يُحارِبُ رِوَايَاتِهم، ويَنْقُدُ الصحابةَ الذينَ يَأخذونَ منهم؛، فمِثلُهُ يُمْكِنُ أنْ نَقبلَ الأحاديثَ منهُ التي لها حُكْمُ الرفْعِ، ونَطْمَئِنَُّ أنَّهُ لم يَأْخُذْها عنْ أهلِ الكتابِ.

الحديثُ الموقوفُ على الصحابِيِّ:

إمَّا أنْ يكونَ الحديثُ الآتي عنهُ مِنْ قولِهِ، أوْ فِعْلِهِ، أوْ تقريرِهِ، وإنْ كانَ التقريرُ قدْ يَعْتَرِيهِ ما يَعْتَرِيهِ مِن الإِشْكَالِ.

مِثالُ القولِ:

ما أُثِرَ عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عنهما-، أنَّهُ قالَ: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَجْتَمِعُونَ وَيُصَلُّونَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ)).

يَرِدُ إِشْكَالٌ: أنَّ هذا مِن الأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ، فهلْ لهُ حُكْمُ الرفْعِ؟

نقولُ:

عبدُ اللَّهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ مِمَّنْ يَأْخُذُ عنْ أهلِ الكتابِ؛ فلا يكونُ لهُ حُكْمُ الرفْعِ.

مِثالُ الفعْلِ:

ما نُقِلَ عنْ عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ، أنَّهُ ((صَلَّى الكُسوفَ أرْبَعةََ رُكُوعَاتٍ في كلِّ رَكْعَةٍ)) فهذا مِنْ فعْلِ الصحابيِّ، وبَيَّنَّا أنَّهُ لهُ حُكْمُ الرفْعِ.

مِثالُ الْمَوقوفِ التقريريِّ:

لوْ ذَكَرَ التابِعِيُّ أنَّهُم فَعَلُوا كذا، وكذا بحَضْرَةِ الصحابيِّ ولم يُنْكِرْ عليهم، وهذا أضعَفُ مِنْ سَابِقَيْهِ لاحتمالاتٍ ليسَ هذا مجالُ مجالَ ذِكْرِها.

تعريفُ الصحابِيِّ اصْطِلاحاً:

مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- وماتَ على الإسلامِ، ولوْ تَخَلَّلَتْ ذلكَ رِدَّةٌ على الأَصَحِّ.

ليسَ الْمُرادُ باللُّقِيِّ الرُّؤْيَةَ بالبَصَرِ، بلْ هوَ أَعَمُّ مِنْ ذلكَ؛ لأنَّ هناكَ صحابةً لا يُبْصِرُونَ مثلَ:

ابنِ أُمِّ مَكتومٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-؛ لذا تَعْبِيرُ الحافظِ بِمَنْ لَقِيَ أفْضَلُ مِنْ قولِ بعضِهم: مَنْ رَأَى،؛ فالأوَّلُ أدَقُّ.

قولُهُ: (مُؤْمِناً بِهِ) قَيْدٌ مُهِمٌّ؛ لأنَّ هُناكَ مَنْ لَقِيَهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- في حالِ كُفْرِهِ، ثمَّ أَسْلَمَ بعدَ ذلكَ.


مِثالُهُ:

رَسُولُ هِرَقْلَ، كانَ قدْ بَعَثَهُ هِرَقْلُ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- في تَبُوكٍ، وحديثُهُ مَوجودٌ في (مُسْنَدِ أحمَدَ)، فرسولُ هِرَقْلَ لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- في حالِ كُفْرِهِ، ثمَّ أَسْلَمَ وسَكَنَ الشامَ، فكانَ إسلامُهُ بعدَ وَفاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فأصبَحَ يُحَدِّثُ بقِصَّتِهِ معَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فمِثْلُ هذا لا يُعْتَبَرُ صحابيًّا؛ لأنَّهُ حينَما لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ورَآهُ لم يكُنْ مؤْمِناً بهِ في ذلكَ الحينِ، بلْ يُعْتَبَرُ تابِعيًّا.

قولُهُ: (وماتَ على الإسلامِ) فلوْ لَقِيَهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مؤمناً بهِ، ثمَّ ارْتَدَّ وماتَ على كُفْرِهِ لم يُعَدَّ صَحَابِيًّا، مثالُهُ:عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ جَحْشٍ، كانَ مِن المُهَاجِرِينَ إلى الحبشةِ، ثمَّ ارْتَدَّ هناكَ وتَنَصَّرَ.

وقولُهُ: (ولوْ تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ في الأَصَحِّ) لأنَّ هناكَ رَجُلاً لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مُؤْمِناً بهِ، ثمَّ ارْتَدَّ، ثمَّ رَجَعَ إلى إسلامِهِ، فمِثْلُ هذا يُعْتَبَرُ صَحَابيًّا، وهناكَ مَنْ نازَعَ في هذا.

مثالُهُ:

الأشعَثُ بنُ قَيْسٍ

-رَضِيَ اللَّهُ عنهُ؛ ارْتَدَّ ثمَّ أَسْلَمَ وحَسُنَ إسلامُهُ، فهوَ صَحَابِيٌّ ولم يُنْكِرْ أحَدٌ أنَّهُ مِن الصحابةِ.


تنبيهٌ:

الصحابةُ على دَرجاتٍ:

1- منهم مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مَرَّةً واحدةً، فنَقَلَ حديثاً، ثمَّ رَجَعَ إلى قومِهِ.

2- ومِنهم مَنْ لازَمَهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- فَطَالَتْ مُلازَمَتُهُ لهُ.

3- ومِنهم مَنْ أَبْصَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ورَآهُ، ولم يَحْمِلْ عنهُ أيَّ شيءٍ مِن الحديثِ.

فالقِسمانِ الأَوَّلانِ، يُرَكِّزُ عليهما العُلماءُ، ويَقْبَلُونَ حديثَهم، أمَّا صِغارُ الصحابةِ، وهم مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ولم يَتَمَلَّ عنهُ شيئاً مِن الحديثِ، فهؤلاءِ لهم فَضْلٌُ وشَرَفُ الصُّحْبَةِ، أمَّا مِنْ حيثُ الروايةِ الروايَةُ فأحاديثُهم مُرْسَلَةٌ؛ لأنَّهُم لم يَأْخُذُوهَا عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وإنَّما يُحْتَمَلُ يَحْتَمِلُ أنَّهُم أَخَذُوها عنْ صحابيٍّ، أوْ أَخَذُوها عنْ تابِعِيٍّ أخَذَها عنْ صَحَابِيٍّ.

حُكْمُ حَدِيثِ صِغارِ الصحابةِ:

أمَّا حُكْمُ حَدِيثِ صِغارِ الصحابةِ:

فحُكْمُها حُكْمُ حَدِيثِ كِبارِ التابعينَ.

أ- فمَنْ قَبِلَ حَدِيثَ كِبارِ التابعينَ على الإطلاقِ، 

بأبي كأبي حَنيفةَ، ومالِكٍ فهوَ يَقْبَلُ حَدِيثَ هذا الصِّنْفِ.

ب- مَنْ رَدَّ أحاديثَ كِبارِ التابعينَ فهوَ يَرُدُّ حَدِيثَ هؤلاءِ.

ج- مَنْ قَبِلَها بشُروطٍ فهوَ يَقْبَلُ أحاديثَ هؤلاءِ بشُروطٍ أيضاً.

وصِغارُ الصحابةِ يَختلفُونَ:

1- مِنهم مَنْ كانَ رَضِيعاً في وقتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، مثلُ: محمَّدِ بنِ أبي بكرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، فقدْ تُوُفِّيَ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ولهُ ثلاثةُ أَشْهُرٍ، وقدْ جِيءَ بهِ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ليُحَنِّكَهُ فبَالَ في حِجْرِهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فهوَ لا يَتذكَّرُ صُورةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، لكنَّ هاتَيْنِ العَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- حقيقةً يُقَدِّرُ الناسُ لهما ما حَظِيَتَا بهِ مِنْ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فيقُولُونَ: هذا يُعْتَبَرُ صحابيًّا ولوْ لم يَقُلْ شيئاً عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

2- هناكَ صِنْفٌ رَأَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ويَتَذَكَّرُونَ صِفتَهُ، مثلُ محمودِ بنِ الربيعِ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ- حينَما يقولُ: ((عَقَلْتُ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي)).

كانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ يُدَاعِبُ الأطفالَ، وكانَ في فَمِهِ ماءٌ فمَجَّهُ على وَجْهِ محمودِ بنِ الربيعِ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ..

فهذا ما يَتَذَكَّرُهُ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-. فهذا الصِّنْفُ باعترافِهِ لم يَنْقُلْ شيئاً عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فإذاً رِوَايتُهُ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- تُعْتَبَرُ مُرْسَلَةً، لكنَّ مَراسيلَهم تُعْتَبَرُ مِن الْمَراسيلِ التي الكلامُ فيها أقَلُّ مِنْ غيرِهم.. أمَّا عدالتُهم فلا نَبْحَثُ فيها، فَهُمْ عُدولٌ بتَعديلِ اللَّهِ تعالى ورسولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- لهم.

تَنبيهٌ ثانٍ:

كيفَ نَعْرِفُ بأنَّ الرجلَ صحابِيٌّ؟

بِأَحَدِ الأمورِ الآتيَةِ:

1- التَّوَاتُرُ، فَهَلْ يُشْكِلُ على أحَدٌٍ أنَّ أبا بكرٍ وعمرَ -رَضِيَ اللَّهُ عنهما- مِن الصَّحابةِ؟! لا.

2- الشُّهرةُ والاستفاضةُ

مِنْ خلالِ بعضِ الأمورِ.

مِثالُهُ:

1- ضِمامُ بنُ ثَعلبةَ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، اشْتَهَرَ اشْتُهِرَ بحديثِ: قُدُومِهِ على النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

2- عُكَّاشَةُ بنُ مُحْصِنٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، ذَهَبَتْ قِصَّتُهُ مَثَلاً.

3- وُرُودُ ذلكَ صراحةً في حَدِيثٍ صريحٍ، كأنْ يكونَ في حَدِيثٍ مِن الأحاديثِ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- جاءهُ فُلانُ ابنُ فُلانٍ، أوْ يكونَ لذلكَ الحديثِ إسنادٌ مُتَّصِلٌ إلى رجُلٍ يُخْبِرُ أنَّ فُلاناً مِن الناسِ مِن الذينَ اسْتُشْهِدُوا معَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، أوْ أيُّ إِخْبَارٍ بطريقةٍ ما بأنَّ هذا الشخْصَ أوْ ذاكَ ثَبَتَتْ لهُ الصُّحْبَةُ.

4- التَّنصيصُ مِن التابعيِّ على أنَّ فُلاناً صحابِيٌّ، وهذا يكونُ بقولِهِ، كأنْ يقولَ: سَمِعْتُ أحَدَ أصحابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وهوَ فُلانُ ابنُ فُلانٍ.

5-

أنْ يَنُصَّ هوَ بنفْسِهِ على لُقِيِّهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-

، كأنْ يقولَ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- يقولُ كَذَا وَكَذَا، أوْ يقولَ: إنَّنِي مِن الناسِ الذينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ولكن هذا يُشْرَطُ لهُ شُروطٌ:

أ- أنْ يكونَ عَدْلاً في نَفْسِهِ.

ب- أنْ تَكونَ دَعْوَاهُ مُمْكِنَةٌ، فإنِ ادَّعَى هذهِ الدَّعْوَى قَبْلَ سَنةِ 110هـ فهذا مُمْكِنٌ، وإنِ ادَّعَاهَا بعدَها فدَعواهُ مَردودةٌ عليهِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- أَخْبَرَ في آخِرِ حياتِهِ فَقَالَ: ((أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟

فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لا يَبْقَى مِمَّنْ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ)). وهذا أَقْوَى الْحُجَجِ على مَنْ يَدَّعِي حياةَ الْخِضْرِ؛ كالصُّوفِيَّةِ الذي يَدَّعِي الواحدُ منهم أنَّهُ لَقِيَ الْخَضِرَ وشَافَهَهُ!!

1- خَرَجَ رَجُلٌ هِنْدِيٌّ في القرْنِ السادسِ يُقالُ لهُ: رَتَنٌ، يَزْعُمُ أنَّهُ مِمَّنْ صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وأنَّهُ عُمِّرَ حتَّى هذا التاريخِ، فأَحْدَثَ اضْطِرَاباً في هذا، فرَدَّ عليهِ العُلماءُ في عَصْرِهِ وبَعْدَ وَفاتِهِ، ومِنهم الحافِظُ الذَّهَبِيُّ لهُ كتابٌ بعُنوانِ: (كَسْرُ وَثَنِ رَتَنٍ).

المقطوعُ على التابِعِيِّ:

والتابِعِيُّ: هوَ مَنْ لَقِيَ الصحابيَّ مُسْلِماً ولوْ مَرَّةً واحدةً على الأَصَحِّ وماتَ على ذلكَ، ولوْ تَخَلَّلَتْ ذلكَ رِدَّةٌ على الأَصَحِّ.

تَوَسَّعَ الحافِظُ

الذَّهَبِيُّ فجَعَلَ مَنْ أَدْرَكَ الصحابةَ، ولوْ لم يَرَهُمْ، في طَبقةِ التابعينَ ويُنَبِّهُ على هذا، لكنَّهُ يَعُدُّهم مِن التابعينَ لأَجْلِ مَسألةِ المُعَاصَرَةِ، مِثلُ ابنِ جُرَيْجٍ وعبدِ اللَّهِ بنِ طَاوُسٍ وأبي حَنيفةَ، فيَنُصُّ على أنَّهُم ليسَ لهم رِوايَةٌ عن الصحابةِ.


الْمُخَضْرَمُونَ:

والْمُخَضْرَمُ:

هوَ مَنْ عاشَ في الجاهلِيَّةِ، وأَدْرَكَ زمَنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأَسْلَمَ ولم يَرَهُ.


هناكَ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ في الصحابةِ:

- مِثلُ: كتابِ

(مَعْرِفَةُ الصحابةِ)لأَبِي نُعَيْمٍ.

- و(الاسْتِيعَابُلابنِ عبدِ الْبَرِّ.

- و(أُسْدُ الْغَابَةِ) لابنِ الأثيرِ.

- و(الإِصَابَةُ)لابنِ حَجَرٍ؛ هؤلاءِ ذَكَرُوا الْمُخَضْرَمِينَ في كُتُبِهم.

فابنُ عبدِ الْبَرِّ ذَكَرَ الْمُخَضْرَمِينَ في كتابِهِ، ونَبَّهَ أنَّهُ ذَكَرَهم لِمُقَارَبَةِ طَبَقَتِهم طَبَقَةَ الصُّحْبَةِ.

وابنُ حَجَرٍ

حينَما صَنَّفَ (الإِصَابَةُ) أَبْدَعَ إبداعاً جَيِّداً في تَرتيبِ كِتابِهِ.

فالقِسْمُ الأَوَّلُ:

جعَلَهُ فيمَنْ ثَبَتَ بطريقِ النصِّ أنَّهُم لَقُوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

القِسمُ الثاني:

في صِغارِ الصحابةِ الذينَ ماتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- وهم دُونَ التمييزِ.

القِسمُ الثالثُ:

جَعَلَهُ في الْمُخَضْرَمِينَ.

والقِسمُ الرابعُ:

لِمَنْ ذُكِرَ في الكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ في الصحابةِ على سبيلِ الوَهْمِ والخطأِ.

فإذا انتهَى الحديثُ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- فهوَ المرفوعُ، فإذا وَجَدْنَا في (عِلَلِ الدَّارَقُطْنِيِّ): هذا الحديثَ الحديثُ اخْتُلِفَ فيهِ على فُلانٍ، فوَقَفَهُ فُلانٌ ورَفَعَهُ فُلانٌ،. فكَلِمَةُ رَفَعَهُ فُلانٌ؛ أيْ: أَضَافَهُ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وقولُهُ: وَقَفَهُ فُلانٌ، جَعَلَهُ مِنْ قَولِ الصحابِيِّ.

فإذا انْتَهَى إلى التابِعِيِّ فهوَ الْمَقطوعُ،

وكذا مَنْ دُونَ التابِعِيِّ إذا انْتَهَى إليهِ قِيلَ: مَقطوعٌ.

يَصِحُّ أنْ نَقولَ: مَوقوفٌ على الْحَسَنِ البَصْرِيِّ مَثَلاً، إذا قَيَّدْنَاهُ على التابِعِيِّ، فيَصِحُّ أنْ نَسْتَعْمِلَ لَفظةَ الوُقوفِ.

الأَثَــرُ:

1- قِيلَ:

هوَ مُرَادِفٌ لِلحديثِ.

2- قِيلَ:

ما يُرْوَى عن الصحابةِ والتابعينَ،

وهوَ الذي يُسْتَعْمَلُ كثيراً، وأَكَّدَ على هذا أهْلُ خُرَاسَانَ، فيُطْلِقُونَ الأَثَرَ على ما يُرْوَى عن الصحابةِ والتابعينَ).

هيئة الإشراف

#5

29 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: عبد العزيز السعيد (مفرغ)

القارئ: (ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم تصريحاً، أو حكماً، من قوله، أو من فعله، أو من تقريره، أو إلى الصحابي كذلك، وهو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح، أو إلى التابعي، وهو من لقي الصحابي كذلك.

فالأول: المرفوع.

والثاني: الموقوف.

والثالث: المقطوع.

ومن دون التابعي فيه مثله ويقال للأخيرين الأثر).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (المؤلف تكلم عن عدة من أنواع علوم الحديث؛

أولها: المرفوع.

وهو الحديث الذي ينتهي إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، سواءً كان الرافع له صحابياً أو من دونه، فإذا قال الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا يسمى مرفوعاً.

وإذا قال التابعي:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يسمى مرفوعاً، فهو يجمع بين أنه مرسلٌ ومرفوعٌ.

وإذا قال تابع التابعي:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا أيضاً مرفوعٌ، وقد يكون معضلاً أو مرسلاً، المهم إذا انتهى الإسناد إلى النبي عليه الصلاة والسلام فهذا يسمى المرفوع، بقطع النظر عن المضيف من هو، هل هو الصحابي أو التابعي، أو من دونه، وسواءً كان الإسناد متصلاً أو منقطعاً، سواءً كان صحيحاً أو ضعيفاً.

فالحديث قد يكون أضافه يعني جاءنا بسند صحيح وانتهى إلى النبي عليه الصلاة والسلام إسناده صحيح، لا انقطاع فيه، ولا شذوذ، ولا علة، ورواته استوفوا شروط من يصحح حديثه.

فهذا نقول: هذا حديث مرفوع صحيح، وقد يكون في الإسناد انقطاع.

فنقول: هذا مرفوع منقطع.

إذا جاءنا قال ابن وهب، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا.

نقول: هذا حديث مرفوع لكنه منقطع، منقطع بين ابن وهب، والزهري، إذاً: فالرفع لا علاقة له بالصحة ولا بالضعف.

إن كان مضافاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام فهو المرفوع.

المرفوع تارةً يكون رفعه رفعاً صريحاً.

- وتارة يكون رفعه غير صريح.

تارة يكون من قول النبي عليه الصلاة والسلام، وتارةً من فعله، وتارةً من تقريره، القول والفعل معروفان، يعني: ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قول أو فعل.

والتقرير هو:

أن يسمع النبي عليه الصلاة والسلام شيئاً أو يرى شيئا،ً فيقر فاعله عليه.

كما في الحديث الصحيح: أنهم كانوا يصلون قبل المغرب ركعتين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يراهم، فلم يأمرهم ولم ينههم، فهذا إقرارٌ من النبي عليه الصلاة والسلام.

- تارة يكون الرفع صريحاً،

يعني: يسند إلى النبي عليه الصلاة والسلام صراحةً ويضاف إليه، بحيث لا يحتمل أنه غيره، مثل:

- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- أو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- أو صلى رسول الله.

- حج رسول الله، قال رسول الله.

- أمرنا رسول الله، هذه كلها صريحة.

- وتارةً تكون الإضافة إليه صلى الله عليه وسلم حكماً، 

يعني: يكون هذا الحديث مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الحكم، ولكنه ليس صريحاً كالأول، وكلاهما يطلق عليه المرفوع، العلماء رحمهم الله ذكروا عدة أشياء للمرفوع، والمشهور عند أهل الحديث من هذه الأقسام المرفوعة، وهي التي عمل بها في الصحيحين وغيرهما، وذكرها جمع من علماء الحديث أن الراوي إذا قال: كنا نفعل، أو نقول، وكان صحابياً، فهذا له حكم المرفوع، وهذا على قسمين:

قسم مرفوع، وعليه يكاد يكون إطباقاً، وهو أقوى النوعين، إذا قال:

كنا نفعل.

- أو كنا نقول، أو نحوها من العبارات، وأضاف ذلك إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كقول: أبي سعيد الخدري في زكاة الفطر(كنا نعطيها زمن النبي صلى الله عليه وسلم)، هنا ما أضافه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن أضافه إلى الزمن.

- أو كقول جابر((كنا نعزل والقرآن ينزل))، هذا أضافه إلى زمن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن القرآن انقطع بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.

فهذا النوع يكاد يكون إطباقاً أن له حكم المرفوع؛ لأنه لو كان أمراً منهياً عنه، أو شيئاً يؤمر به، لجاء الوحي.

والنوع الثاني:

من هذا القسم ما قال فيه الصحابي: كنا نفعل، أو نقول، ولم يضفه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، هذا كقول: ابن عمر؛ (كانوا يعطونها قبل العيد بيومٍ أو يومين، أو كانوا يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين)، هذا ما أضافه إلى زمن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن عمل الشيخين البخاري ومسلم، والذي عليه أهل الحديث، أن هذا له حكم المرفوع؛ ولهذا يخرج في (الصحيحين).

والقسم الثاني:

من المرفوع حكماً قول الصحابي من السنة إذا قال الصحابي:

من السنة؛ فهذا مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه عند الإطلاق ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابي إذا قال: من السنة، فإنما يعنى به سنة النبي عليه الصلاة والسلام، عرف ذلك العلماء بأن تتبعوا الأحاديث التي قيل فيها: من السنة، فوجدوها تأتي بروايات أخرى، يأتي فيها أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إضافتها إلى النبي عليه الصلاة والسلام صراحة، لما تتبعوا ذلك ووجدوا أنها هكذا قالوا: إن الأصل في إطلاقها إذا قالها الصحابي أن تضاف إلى سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

- كما في حديث: ابن عباس لما صلى على الجنازة وقرأ عليها، قرأ سورة الفاتحة قال:(لتعلموا أنها سنة).

- ومثل حديث:

ابن مسعود(من السنة أن يخفي التشهد).

الثالث:

من المرفوع حكماً إذا قال الصحابي: أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، هذا له حكم المرفوع؛ لأن العادة أنهم يطلقون هذه اللفظة حينما يكون الأمر من النبي عليه الصلاة والسلام، أو يكون النهي كذلك، وهذا كلفظ: من السنة.

عرفه العلماء بالتتبع، كقول أنس(أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة) هذا جاء في رواية أخرى: ((أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا)).

- قول أم عطية رضي الله عنها: ((نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا)). هذا له حكم المرفوع، وقول عائشة:((كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة))، هذا كله له حكم المرفوع، ولهذا يخرج في (الصحيحين) على أنه من المرفوعات.

القسم الذي يليه مما له حكم المرفوع:

- يعني: مرفوع حكماً لا صراحة - تفسير الصحابي للقرآن، فإن العلماء يقولون: هذا له حكم المرفوع بشروطه:

الشرط الأول:

أن يكون مما لا مجال للاجتهاد فيه، أما لو كان محل اجتهاد فلا يقبل، هذا كالإخبار عن المغيبات، هذه ليست محل اجتهاد، لكن لو كانت في بعض الأحكام العملية التي قد تستفاد من عمومات الشرع، أو من نصوص القرآن، فهذا لا يكون له حكم المرفوع.

الشرط الثاني:

ألا يكون الصحابي قد عرف ذلك بلغة العرب،

أي: لا يكون مستفاداً من لغة العرب؛ لأن الصحابة يفهمون القرآن والسنة باللسان العربي.

والثالث:

ألا يكون هذا الصحابي ممن عرف بالأخذ عن أهل الكتاب، كعبد الله بن عمرو بن العاص، وكسلمان الفارسي، وكعبد الله بن سلام؛ لأن هؤلاء وإن ذكروا أحياناً أشياء في المغيبات، لكن يقولون: أخذوها عن أهل الكتاب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج))، فما لم يناف القرآن ولا السنة يجوز التحديث به عن بني إسرائيل.

فإذا استوفى هذه الشروط الثلاثة كان تفسيره للقرآن، من باب المرفوع حكماً؛ لأنهم أخذوا معاني القرآن وأدركوها وعرفوها.. عن طريق النبي عليه الصلاة والسلام.

- ومن المرفوع حكماً أيضاً: إذا جعل الصحابي فعلاً من الأفعال، أو قولاً من الأقوال معصيةً، كقول عمار:((من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)).

- أو قول: أبي هريرة لمن خرج من المسجد بعد الأذان:((أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)).

الحكم على الشيء بأنه معصية وليس في القرآن دليل على أن الصحابي استفاده من النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا لم يحكم بأنه معصية؛ لأن المعصية فاعلها معرضٌ للعقاب، وإذا كان معرضا للعقاب، فلا بد أن يكون هذا الصحابي أخذه عن النبي عليه الصلاة والسلام.

هذه هي أشهر أقسام المرفوع حكماً، هذه الأقسام حررها الحافظ ابن حجر في غير موضع.

الأمر الثاني مما ذكره المؤلف يتعلق بانتهاء الإسناد إلى الصحابي.

وهنا تكلم عن شيئين:

أحدهما: تعريف الصحابي.

والآخر: ما يسمى به الحديث الذي يضاف إلى الصحابي؟

الحديث الذي يضاف إلى الصحابي إذا انتهى الإسناد إلى الصحابي نسميه موقوفاً، فإذا أضيف قول إلى عمر، أو فعل، فإن هذا يسمى موقوفاً على عمر رضي الله عنه، هذا الموقوف.

هذا اسم لا حكم، يعني: هذا الحديث يسمى موقوفاً، لكن ليس حكماً على الحديث، بمعنى: أن هذا الحديث لا نقول: إنه صحيح ولا إنه ضعيف، ولا إنه حسن، بل تارةً يكون حسناً، وتارةً يكون صحيحاً، وتارةً يكون ضعيفاً.كما مر في المرفوع، فهذه تسمية فقط، لكن لا يلزم منها الحكم بصحة ولا حسن ولا ضعف.

ولهذا يأتي عندنا:

موقوف ضعيف.

يأتي عندنا موقوف صحيح.

يأتي عندنا موقوف حسن.

المهم أن يضاف إلى الصحابي، فإذا أضيف إلى الصحابي سميناه موقوفاً.

الثالث:

الذي أشار إليه المؤلف قبل تعريف الصحابي: الحديث المقطوع:

وهو الذي ينتهي إسناده إلى التابعي، هذا يسمى المقطوع، ويسمى الموقوف، لكن الموقوف بتقييد، نقول: موقوفٌ على سعيد بن المسيب، موقوفٌ على عطاء بن أبي رباح، موقوفٌ على ابن سيرين، موقوفٌ على أبي صالح.

لكن إذا قلنا: مقطوع؛ فإنه ينصرف إلى التابعي، أو من دونه، والأصل أنه ينصرف إلى التابعي، وهذا أيضاً كسابقيه إنما هو اسم لا حكم.

المقطوع يقال مثلاً: قال الشعبي: كذا وكذا، أو قال سعيد بن المسيب كما نقل عنه في تفسير الباقيات الصالحات:(إنها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله) لما قالوا: قال سعيد بن المسيب، سعيد ما قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام، لو قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام لصار مرسلاً، ولكن الرواة أسندوه إلى سعيد بن المسيب من كلامه، فهذا نسميه مقطوعاً؛ لأن قائله تابعي، وهو سعيد.

وكذلك: لو أن سعيداً فعل فعلاً وأضفناه إليه نقول: هذا مقطوع.

هذا المقطوع قد:

- يكون صحيحاً.

- وقد يكون حسناً.

- وقد يكون ضعيفاً، إذا قال مثلاً مالك: بلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال: كذا، قلنا: هذا مقطوع ضعيف؛ لأنه منقطع، ولو كان في الإسناد راوٍ ضعيفٌ أيضاً لحكمنا بأنه ضعيف، وقد يكون الإسناد صحيحاً، كما إذا روى مالك، عن هشام، عن عروة، أن عروة قال. عروة تابعي فنقول: هذا إسناد صحيح، لكنه مقطوع على عروة،

أما الصحابي يأتي إن شاء الله.


القارئ: ( (ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم تصريحاً أو حكماً من قوله أو فعله أو تقريره، أو إلى الصحابي، وهو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (الموقوف: ما أضيف إلى الصحابي.

الصحابي: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم، سواءٌ طالت مدة اللقاء أو قصرت؛ لأن شرف الصحبة وفضلها ليس كغيره، هذه المنـزلة ناتجة عن شرف المصحوب صلى الله عليه وسلم، إذا لقي النبي صلى الله عليه وسلم، سواءٌ طالت المدة أو قصرت، سواءٌ غزا مع النبي عليه الصلاة والسلام أو لم يغز، سواءٌ هاجر أو لم يهاجر، سواءٌ سكن المدينة أو لم يسكنها.

فالذين رأوه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ووافوه من أماكن وبلدان مختلفة في مكة في الحج، فهؤلاء ثبتت لهم الصحبة، أما من لم يلق النبي عليه الصلاة والسلام، ولو كان معاصراً له عليه الصلاة والسلام، فلا يسمى صحابياً، من لقي النبي صلى الله عليه وسلم حين لقيه عليه الصلاة والسلام، أما إذا التقى بالنبي عليه الصلاة والسلام وهو كافرٌ، ثم آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يلق النبي عليه الصلاة والسلام بعد ذلك، فليس بصحابي.

وهذا: كرسول كسرى؛ جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام كافراً رسولاً من ملكهم، والتقى بالنبي عليه الصلاة والسلام، لكن لما كان في هذا اللقاء كافراً غير مؤمنٍ بالنبي عليه الصلاة والسلام، ثم رجع إلى بلاده، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم آمن، فهذا لا يسمى صحابياً؛ لأنه لما لقي النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن مؤمناً به.

الشرط الثالث:

أن يموت على الإيمان بالنبي عليه الصلاة والسلام،

فإذا لقي النبي عليه الصلاة والسلام وآمن به، ثم كفر ومات على الكفر، فليس بصحابي، وهذا كزوج أم حبيبة عبد الله بن جحش؛ لقي النبي عليه الصلاة والسلام وآمن به في مكة، وهاجر إلى الحبشة مع المهاجرين، ثم تنصر، فهذا ارتد ولم يرجع إلى الإيمان، فمثل هذا لا يسمى صحابياً؛ لأنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به، ولكنه مات غير مؤمن به صلى الله عليه وسلم.

هذه ثلاثة شروط لا بد أن تتوفر:

1- أن يلقى النبي عليه الصلاة والسلام مؤمناً به، فمن لقيه عليه الصلاة والسلام غير مؤمن به فليس بصحابي، ومن آمن به صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يلقه، فهذا ليس بصحابي، هؤلاء يسمون المخضرمين، هذا كمسروق؛ آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام في اليمن، حال حياة النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه ما لقي النبي.

- وكذلك:

قيس بن أبي حازم وغيرهم، هؤلاء يسمون مخضرمين.

من كفر بعد لقائه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن به فهذا لا يسمى صحابياً،

وهذا كما مر عبد الله بن جحش، كعبد الله بن الخطل، الذي قتله النبي عليه الصلاة والسلام وهو متعلق بأستار الكعبة، وكربيعة بن أمية بن خلف، هؤلاء آمنوا والتقوا بالنبي عليه الصلاة والسلام ثم كفروا فليسوا بصحابة.

قال المؤلف: (ولو تخللت ذلك ردةٌ على الأصح) يعني: أن من لقي النبي صلى الله عليه وسلم، مؤمناً بالنبي عليه الصلاة والسلام ثم ارتد، كفر ثم آمن، هذا يقول المؤلف: يكون صحابياً.

هذا الذي ذكره المؤلف يشتمل على قسمين:

- من لقي النبي عليه الصلاة والسلام مؤمناً به ثم ارتد، ثم آمن مرةً أخرى، ولقي النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا صحابي بالإجماع، وهذا كعبد الله بن أبي السرح؛ آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام ولقيه ثم كفر، ارتد، وكان ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، فجاء إلى عثمان فشفع له عند النبي عليه الصلاة والسلام، فقبل شفاعته، وآمن وحسن إسلامه، فهذا صحابي بالإجماع.

القسم الثاني:

من آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام ولقيه، ثم كفر، ثم آمن ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم بعد إيمانه مرة أخرى،

فهذا المؤلف يقول: الأصح أنه يكون صحابياً، وهذا كالأشعث بن قيس رضي الله عنه، آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام ثم كفر، ثم بعد ذلك آمن بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا يسمى صحابياً.


القارئ: ( (أو إلى التابعي، وهو من لقي الصحابي كذلك).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: ( (وهو من لقي الصحابي كذلك) يعني: من لقي الصحابي مؤمناً بالنبي عليه الصلاة والسلام، ومات على الإيمان، ولو تخللت ذلك ردةٌ.

فالأول: المنتهي إلى النبي عليه الصلاة والسلام يسمى المرفوع.

والثاني: المنتهي إلى الصحابي يسمى الموقوف.

والثالث: المنتهي إلى التابعي

يسمى المقطوع .


القارئ: ( (والثالث المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثله).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: ( (ومن دون التابعي فيه مثله)

يعني: من دون التابعي في الحكم والاسم، مثل: تابع التابعي؛ هو من لقي التابعي مؤمناً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومات على ذلك، ولو تخللت ردة، وفي الاسم أيضاً الحديث يسمى حديثه المقطوع، تابع التابعي يسمى حديثه المقطوع، فعندنا ابن جريج من أتباع التابعين، هذا نسمي حديثه مقطوعاً.


القارئ: ( (ويقال للأخيرين الأثر).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (ويقال للموقوف والمقطوع يسميان الأثر، يقول المؤلف أن الأثر يطلق على هذين النوعين؛ لأن المرفوع الغالب أنه يسمى الحديث، وهذان يسميان الأثر، فإذا قلنا: في الأثر، أو في الموقوف، أو في المقطوع. فكلها صحيحة، فإذا أطلق الأثر يراد:

إما أن يكون موقوفاً على الصحابي.

أو مقطوعاً على التابعي، هذا الذي اختاره المؤلف).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

29 Oct 2008

العناصر

أقسام الخبر باعتبار من أسند إليه:
المرفوع والموقوف
المرفوع:

تعريف (الحديث المرفوع)

أقسام المرفوع:

القسم الأول: المرفوع الصريح:

صيغ المرفوع الصريح:

التصريح القولي

التصريح الفعلي

التصريح التقريري

القسم الثاني: المرفوع حكماً:

صيغ المرفوع الحكمي:

المرفوع الحكمي القولي

المرفوع الحكمي الفعلي

المرفوع الحكمي التقريري

الصيغ الكنائية التي لها حكم المرفوع حكما:

1- قول الصحابي: أمرنا بكذا ونهينا عن كذا.

2- قول الصحابي: من السنة كذا.
3- قول الصحابي على الفعل: إنه طاعة لله ورسوله، أو معصية لله ورسوله.
4- قول التابعي إذا روى عن الصحابي: (يرفعه).
5- قول التابعي إذا روى عن الصحابي: (ينميه).
6- قول التابعي إذا روى عن الصحابي: (يروي الحديث).
شروط قبول الحديث الذي له حكم الرفع:
الشرط الأول: أن يكون ذلك الحديث مما لا مجال للرأي فيه
الشرط الثاني: أن يكون ذلك الصحابي ممن لم يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل
تسمية بعض الصحابة الذين كانوا يحدثون عن أهل الكتاب
تسمية بعض الصحابة الذين كانوا يشددون في الأخذ عن أهل الكتاب.
تنبيهات:
قد يطلق المرفوع مقابل المرسل.
قول الصحابي: (كنا نفعل كذا) له حالتان من حيث إفادته للرفع.
لِمَ يقول الصحابة في الحديث المرفوع: من السنة كذا، ولا يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
إذا اجتهد الصحابي برأيه فلا يكون له حكم الرفع
إذا أخذ الصحابي القول عن غيره فهل له حكم الرفع ؟
الموقوف:
تعريف (الموقوف)
أقسام الموقوف:
1- القول الموقوف على الصحابي.
2- الفعل الموقوف على الصحابي.
3- الموقوف التقريري.

المقطوع:

تعريف (المقطوع)

ماذا تسمى الأقوال المنسوبة إلى أتباع التابعين؟

وجد في كلام السلف التعبير عن المقطوع بالمنقطع

فائدة تقسيم الحديث إلى مرفوع وموقوف ومقطوع

الموقوف والمقطوع قد يطلق عليهما اسم (الأثر)

أقوال العلماء في تعريف (الأثر)

القول الراجح في تعريف (الأثر)

السند:

تعريف (السند)

أنواع ما ينتهي إليه السند

الإسناد قد ينتهي إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم

المتن:

تعريف (المتن)

الصحابي:

تعريف الصحابي

بيان محترزات التعريف

الإشارة إلى الخلاف في تعريف الصحابي

طرق معرفة (الصحابي):

1- التواتر
2 - الشهرة والاستفاضة

3 - التنصيص باسم الصحابي في الحديث

4 - أن ينص الصحابي أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم

شروط ذلك

- هل ادعى الصحبة أحد في الأزمان المتأخرة؟

مسألة: تفاضل الصحابة في الصحبة.

يدخل في الصحابة كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من الصبيان
حكم حديث صغار الصحابة ؟
مسألة: هل يبحث في عدالة الصحابي؟
مسائل:
من مات على الردة وقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً لا يعد صحابياً
صغار الصحابة أحاديثهم مرسلة، وهي مقبولة اتفاقا
كتب في الصحابة
منهج ابن حجر في (الإصابة)
التابعي:
تعريف (التابعي)
مسألة: هل من شرط التابعي طول ملازمة الصحابي؟
ما حكم من عاصر الصحابة ولم يرو عنهم؟
المخضرم:
تعريف (المخضرم)
ذكر بعض المخضرمين

هل من المخضرمين صحابة ؟

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

29 Oct 2008

الأسئلة

س1: عدد أقسام الخبر باعتبار من أسند إليه.

س2: عرف الحديث المرفوع.

س3: اذكر مع التمثيل أقسام الحديث المرفوع وصيغ كل قسم.

س4:ما هي شروط قبول الحديث الذي له حكم الرفع؟

س5: اذكر أقسام الموقوف.

س6: عرف المقطوع.

س7: ماذا تسمى الأقوال المنسوبة إلى أتباع التابعين؟

س8: ما فائدة تقسيم الحديث إلى مرفوع وموقوف ومقطوع؟

س9: عرف (الأثر) لغة واصطلاحاً.

س10: عرف (السند) لغة واصطلاحاً.

س11: عرف (المتن) لغة واصطلاحاً.

س12: هل لفظ المتن هو قول النبي صلى الله عليه وسلم أو حكاية الصحابي لقول النبي صلى الله عليه وسلم؟

س13: عرف الصحابي.

س14: اذكر طرق معرفة الصحابي.

س15:هل يقبل نص الصحابي على أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم؟

س16: إذا ادعى الجني أنه صحابي فما الحكم؟

س17: هل يبحث في عدالة النبي صلى الله عليه وسلم؟

س18: ما حكم مرسل صغار الصحابة؟

س19: اذكر الكتب المصنفة في الصحابة.

س20: عرف التابعي.

س21: هل من شرط التابعي طول ملازمة الصحابي؟

س22: ما معنى (المخضرم)؟

س23: اذكر بعض المخضرمين.

هيئة الإشراف

#8

2 Apr 2010

شرح نخبة الفكر للشيخ عبد الكريم الخضير (مفرغ)

قال الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- تصريحاً أو حكماً من قوله أو فعله أو تقريره أو إلى الصحابي كذلك، وهو من لقي النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح، أو إلى التابعي وهو من لقي الصحابي كذلك، فالأول المرفوع، والثاني الموقوف، والثالث المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثله، ويقال للأخيرين: الأثر، والمسند مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تصريحاً أو حكماً من قوله أو فعله أو تقريره"، لما أنهى الحافظ -رحمه الله تعالى- ما يتعلق بالمتن من حيث القبول والرد أردفه بما يتعلق بالإسناد، والإسناد: هو الطريق الموصل للمتن، أو سلسلة الرواة الذين يذكرهم المحدث ابتداءً بشيخه وانتهاءً بمن يسند إليه الخبر، والمتن غاية ما ينتهي إليه الإسناد من الكلام، ثم شرع المصنف -رحمه الله تعالى- في تقسيم آخر للخبر باعتبار النسبة والإضافة.

وما سبق الحديث فيه فتقسيمات أخرى بحسب تعدد الطرق، وباعتبار القوة والضعف، فإن انتهى الإسناد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تصريحاً بأن كانت الإضافة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صريحة لا تحتمل من قوله كقول عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) وقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: ((أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه)) الحديث، أو يقول الصحابي أو غير: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال كذا، هذا مرفوع صراحة من قوله -عليه الصلاة والسلام-.

المرفوع:

ومثال المرفوع من فعله تصريحاً ما نقله عنه الصحابة من رمله في الطواف، وسعيه الشديد في السعي، ومنه قول الصحابي: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مسته النار"، ومنه قول الصحابي أو غيره: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل كذا أو يترك كذا؛ لأن كلاً من فعله وتركه -عليه الصلاة والسلام- شرع يقتدى به فيه، ومثال المرفوع من التقرير تصريحاً كأن يقول الصحابي: فعلت أو فعل بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا، ولا يذكر إنكاره لذلك، ومنه قول الصحابي: "أكل الضب على مائدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، خالد بن الوليد اجتر الضب فأكله والنبي -عليه الصلاة والسلام- ينظر إليه، فلم ينكر عليه، وهذا من تقريره -عليه الصلاة والسلام-، هذا إذا كانت الإضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- صريحة، أو تكون الإضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- حكماً لا صراحة، ومن ذلك قول الصحابي: "كنا نفعل كذا أو كنا نقول كذا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فقد قطع أبو عبد الله الحاكم وغيره من أهل الحديث أن ذلك من قبيل المرفوع، قال ابن الصلاح: "وبلغني عن أبي بكر البرقاني: أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي عن ذلك فأنكر كونه من المرفوع"، والأول هو الذي عليه الاعتماد؛ لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اطلع على ذلك وقررهم عليه، وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة.

وقد استدل جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- على جواز العزل بأنهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل، ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن، هذا إذا أضاف الوقت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما إذا قال الصحابي: كنا نفعل كذا من غير إضافة إلى زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- فجزم ابن الصلاح بأنه من قبيل الموقوف، لكن ذهب العراقي وابن حجر والسيوطي إلى أنه مرفوع أيضاً، وهو اختيار النووي.

إذا قال الصحابي: "كنا نفعل كذا" مع الإضافة إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا مرفوع عند الجماهير، وإن حكم أبو بكر الإسماعيلي الإمام بأنه موقوف ولا يعتبر من المرفوع، إذا أضيف إلى زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا لم يضف إلى زمنه -عليه الصلاة والسلام- بأن قال الصحابي: كنا نفعل كذا، أو كنا نرى كذا، أو كنا نقول كذا، فجزم ابن الصلاح بأنه من قبيل الموقوف، بأنه من قبيل الموقوف، لكن العراقي وابن حجر والسيوطي ذهبوا إلى أنه مرفوع أيضاً، وإن لم يضف إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو اختيار النووي والرازي والآمدي؛ لأن الظاهر من مثل قول الصحابي أنه يحكي الشرع، لا سيما إذا كان يستدل به على حكم شرعي، إذا كان يستدل بذلك على حكم شرعي، ويقول: كنا نفعل كذا، لا شك أنه يريد أن ينسب ذلك إلى زمن الشارع وإن لم يصرح به.

قول الصحابي: "أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا" من نوع المرفوع عند أصحاب الحديث، وهو قول أكثر أهل العلم، إذا صرح الصحابي بالآمر فلا إشكال في كونه مرفوع، إذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا خلاف في كونه مرفوع صراحة، أما إذا قلنا: أمرنا ولم يصرح بالآمر، أو نهينا ولم يصرح بالناهي فكذلك هو من قبيل المرفوع عند أكثر أهل العلم وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي، وأبو الحسن الكرخي.

قال ابن الصلاح: "والأول هو الصحيح؛ لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من إليه الآمر والنهي، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذا قال الصحابي: أمرنا أو نهينا، لا ينصرف هذا الأمر والنهي إلا إلى من له الأمر والنهي وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، إذا كانت المسألة شرعية لا شك أن الآمر والناهي للصحابة هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، أم عطية تقول: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد" من الآمر لهن؟ لا شك أنه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، "نهينا عن اتباع الجنائز" هذا أيضاً لا شك أن الناهي هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

أبو بكر الإسماعيلي الإمام وأبو الحسن الكرخي خالفا في ذلك وقالا: إنه من قبيل الموقوف لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-، قال ابن الصلاح: "والأول هو الصحيح؛ لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من إليه الآمر والنهي وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-"، إذا صرح الصحابي بالآمر والناهي فقال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا شك أنه مرفوع صراحة، مرفوع صراحة قطعاً، لكن دلالته على الأمر والنهي هل هو مثل قوله: افعلوا، أو لا تفعلوا؟ هل قول الصحابي: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هو كتصريح النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: افعلوا؟ يعني هل قول عائشة: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، أو أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم، مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أنزلوا الناس منازلهم))؟ مثله وإلا لا؟ نعم، دلالته على الأمر والنهي خالف فيها داود الظاهري وبعض المتكلمين، أما الجماهير على أنه لا فرق بين أن يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: افعلوا، أو يقول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كلاهما من قبيل الأمر وهو دال على الوجوب، خالف في ذلك داود الظاهري وبعض المتكلمين، قالوا: لأن الصحابي قد يسمع كلام يظنه أمر وهو في الحقيقة ليس بأمر، وقد يسمع كلاماً يظنه نهياً وهو في الحقيقة ليس بنهي، لكن هذا الكلام مردود، هذا الكلام مردود؛ لأن الصحابة -رضوان الله عليهم-، إذا لم يعرفوا مدلولات الألفاظ الشرعية، من يعرفها بعدهم؟ لا أحد يعرف إذا كان الصحابة لا يعرفون الخطاب الشرعي، إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت)) ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) ((نهيت عن قتل المصلين)) فالآمر والناهي من؟ من؟ هو الله -سبحانه وتعالى-، فهو من قبيل الخبر الإلهي والقدسي.

ثالثاً: قول الصحابي: من السنة كذا، الأصح أنه مرفوع؛ لأن الظاهر أنه لا يطلق ذلك إلا مريداً به سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما يجب اتباعه، نقل ابن عبد البر الاتفاق على ذلك وفي نقله نظر، فعند الشافعي في المسألة قولان، وذهب أبو بكر الصيرفي وأبو بكر الرازي وابن حزم إلى أنه غير مرفوع، لكن الصحيح الأول، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

قول الصّحابيّ: (من السّنّة) أو

بعد النّبيّ قاله بأعصرِ

نحو: (أمرنا) حكمه الرّفع ولو

على الصّحيح وهو قول الأكثرِ

قد روى البخاري في صحيحه من حديث ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في قصته مع الحجاج حين قال له: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة، قال ابن شهاب: فقلت لسالم: أفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: وهل يعنون بذلك إلا سنته -صلى الله عليه وسلم-؟ فنقل سالم وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة وأحد الحفاظ من التابعين عن الصحابة أنهم إذا أطلقوا السنة لا يريدون بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا قال الصحابي: ليس من السنة كذا، ليس من السنة كذا، هل نستدل به على أن هذا العمل مبتدع؟ أو يحتمل أن هناك سنة لم تبلغ هذا الصحابي؟ احتمال، احتمال أنه لا يوجد سنة أصلاً؛ لأنه نفى، وهذا يقوى الظن إذا لم نجد له مخالف من الصحابة، ويحتمل أن هناك سنة في الباب لكنها خفيت على هذا الصحابي، فالنفي ليس مثل الإثبات هنا.

رابعاً: من المرفوع حكماً أن يقول الصحابي الذي لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب ما لا مجال للرأي فيه، و لا مدخل للاجتهاد فيه، ولا تعلق له ببيان لغة أو شرح غريب، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدأ الخلق وأخبار الأنبياء أو الآتية كالملاحم والفتن، وأحوال يوم القيامة، وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، قال ابن حجر في النزهة: "وإنما كان له حكم المرفوع؛ لأن إخباره بذلك يقتضي مخبراً له، لا بد أن يكون لهذا الصحابي مخبر، ولا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقفاً للقائل به، ولا موقف للصحابة إلا النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة، فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني.

يعني المسألة مفترضة في صحابي لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات وذكر كلاماً غيبياً أو ذكر كلاماً لا مجال للاجتهاد فيه، إذن لا يمكن أن يتلقاه إلا عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان كذلك؛ فله حكم ما لو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو مرفوع سواء، سواء كان مما سمعه عنه بدون بواسطة، أو ما كان مما سمعه بواسطة.

من ذلكم تفسير الصحابي للقرآن الكريم، تفسير الصحابي للقرآن الكريم جزم الحاكم بأن له حكم الرفع، وحمله ابن الصلاح على ما يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك كقول جابر -رضي الله عنه-: "كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله -عز وجل- {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ}[(223) سورة البقرة] فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمعدودة في الموقوفات، يقول الحافظ العراقي:

وعدّ ما فسّره الصّحابي

رفعاً فمحمول على الأسبابِ

الحاكم حينما قال: إن تفسير الصحابي مرفوع حكماً لما عرف من الوعيد الشديد من تفسير القرآن بالرأي، والصحابة مع شدة ورعهم وتحريهم لا يمكن أن يفسروا القرآن بآرائهم مع شدة هذا الوعيد: "من قال بالقرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب" فالمقصود أن الصحابة مع شدة تحريهم وورعهم وتثبتهم وعلمهم بالنهي الشديد لتفسير القرآن بالرأي لا يمكن أن يفسروا شيئاً من تلقاء أنفسهم إلا وقد سمعوه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه حجة الحاكم، لكن القرآن منه ما يدرك بلغة العرب مثلاً والصحابي قد يفسر الكلام -كلام الله -عز وجل- بلغة العرب، ومنه ما لا بد فيه من التوقيف من النبي -عليه الصلاة والسلام- فمثل هذا لا يدرك فيكون من قبيل ما لا مجال للاجتهاد فيه، ونظراً لوجود هذا النوع وهذا النوع قال الحاكم: أن له حكم الرفع، والأكثر على أنه ليس له حكم الرفع؛ لأن الصحابي قد يفسر برأيه اعتماداً على لغة أو استنباط حكم، أو ما أشبه ذلك، ابن الصلاح حمل قول الحاكم على ما يتعلق بأسباب النزول وأسباب النزول لها حكم الرفع، لماذا؟ لأن النزول الرسول -عليه الصلاة والسلام- طرف فيه، ذكر أو لم يذكر، الرسول طرف في التنزيل؛ لأنه عليه ينزل القرآن، ذكر أو ولم يذكر، ولذا جاء في ألفية العراقي:

وعدّ ما فسّره الصّحابي

رفعاً فمحمول على الأسبابِ

قال ابن الصلاح: "من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي يرفع الحديث، أو يبلغ به، أو ينميه، أو رواية، مثال ذلك: سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رواية: ((تقاتلون قوماً صغار الأعين)) ((تقاتلون قوماً صغار الأعين)) عن أبي هريرة رواية، وبه عن أبي هريرة يبلغ به قال: ((الناس تبع لقريش)) أبو هريرة رواية يعني عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أبو هريرة يبلغ به، يعني يبلغ به النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكل ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي الحديث إلى رسول -صلى الله عليه وسلم-، وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحاً.

قال ابن الصلاح: "وإذا قال الراوي عن التابعي: يرفع الحديث، أو يبلغ به، فذلك مرفوع أيضاً، ولكنه مما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيكون له حكم المرسل"، فعلى هذا كل ما يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف فهو مرفوع، وزاد بعضهم الهم، لأنه -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، وآمر رجالاً يحتطبون حطب فأخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)) هذا مرفوع، هذا هَمٌ منه -عليه الصلاة والسلام-، والهم مرتبة من مراتب القصد بعد الخاطر والهاجس وحديث النفس الهم، وآخرها العزم كما هو معروف.

اشترط الخطيب البغدادي لتسمية الخبر مرفوعاً: أن يكون مما أضافه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقط، فعلى هذا ما يضيفه التابعي فمن بعده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يسمى مرفوعاً، ولفظه كما في الكفاية: "المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو فعله"، لكن الحافظ ابن حجر توقف في كونه يشترط ذلك، يعني هل ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أضافه التابعي لا يسمى مرفوع؟ ذكروا عن الخطيب أنه يشترط ذلك، ولفظه في الكفاية يحتمل، لكن الحافظ ابن حجر توقف في كونه يشترط ذلك فإنه قال: يجوز أن يكون ذكر الخطيب للصحابي على سبيل المثال أو الغالب لكون غالب ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هو من إضافة الصحابي، لا أنه ذكره على سبيل التقييد، فلا يخرج حينئذ عن الأول ويتأيد بكون الرفع إنما ينظر فيه إلى المتن دون الإسناد، المتن هل هو من قول الرسول؟ أضافه من أضافه مرفوع، ما دام من قول النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا كان من قول من دونه على ما سيأتي فإن كان من الصحابة فهو موقوف، وإلا فالمقطوع.

قال السخاوي: "وفيه نظر، وقد يطلق المرفوع ويراد به المتصل لا سيما عند مقابلته بالمرسل"، فإذا قيل: رفعه فلان وأرسله فلان، يعني أن أحدهما وصل إسناده والآخر قطعه، وحينئذٍ فهو رفع مخصوص، على أن ابنالنفيس مشى على ظاهر هذا فقيد المرفوع بالاتصال.

وسمّ مرفوعاً مضافاً للنّبي

ومن يقابله بذي الإرسالِ

واشترط (الخطيب) رفع الصّاحبِ

فقد عنى بذاك ذا اتّصالِ

كما يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-.

ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو إلى الصحابي كذلك، وهو من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح".

لما فرغ الحافظ -رحمه الله تعالى- من بيان المرفوع، وقدمه لشرف النسبة؛ لأنه يضاف إلى أشرف الخلق، أردفه بالموقوف، فقال: أو تنتهي غاية الإسناد إلى الصحابي كذلك، أي مثلما تقدم مما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل، وإن منه ما هو قول، ومنه ما هو فعل، ومنه ما هو تقرير، و(أو) هنا للتقسيم، "أو إلى الصحابي" هذا تقسيم وليست شك، وليست للإضراب، إنما هي للتقسيم.

خير أبح قسم بـ(أو) وأبهمِ

..................................

فمن معانيها التقسيم وهو المراد هنا، ثم عرف الصحابي بأنه: من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة، هذا ما رجحه ابن حجر -رحمه الله-، والمراد باللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر، وإن لم يكالمه، قال الحافظ: "والتعبير باللقي أولى من قول بعضهم: الصحابي من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يخرج ابن أم مكتوم ونحوه من العميان، وهم صحابة بلا تردد"، وقوله: "مؤمناً" يخرج من حصل له اللقاء المذكور لكن في حال كونه كافراً، وقوله: (به) يخرج من كان مؤمناً لكن بغيره من الأنبياء، يخرج من كان مؤمناً لكن بغيره من الأنبياء، وهل يمكن أن يقال لغير المؤمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أنه مؤمن؟ يقال لليهودي الذي يؤمن بموسى مؤمن؟ ويقال للنصراني الذي يؤمن بعيسى أنه مؤمن؟ لا، الإيمان في شرعنا يقتضي الإيمان بجميع الأركان، وإذا انتفى ركن من هذه الأركان، أو بعض ركن انتفى الإيمان.

فلا بد من الإيمان بالرسل كلهم، فاليهودي الذي لا يؤمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ويصدق به ويتبعه لا يسمى مؤمن، والنصراني الذي لا يؤمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يسمى مؤمن؛ لأن من أركان الإيمان الإيمان بالرسل، والكفر بواحد منهم كفر بجميعهم، والله المتسعان، لكن هل يخرج من لقيه مؤمناً بأنه سيبعث ولم يدرك البعثة؟ لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمن بأنه سيبعث ومعترف بأنه نبي لكن قبل البعثة، قال الحافظ: "فيه نظر، قلت: ومثال ذلك: ورقة بن نوفل حيث ذكره الطبري والبغوي وابن قانع وابن السكن وغيرهم في الصحابة، قال الحافظ في الإصابة: "وفي إثبات الصحبة له نظر، لقوله في قصة بدء الوحي: "فلم ينشب ورقة أن توفي" فهذا ظاهره أنه أقر بنبوته ولكنه مات قبل أن يدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى الإسلام.

ثم ذكر الحافظ خبراً مرسلاً وصفه بأنه جيد يدل على أن ورقة عاش إلى أن دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الإسلام حتى أسلم بلال، ثم قال: والجمع بينه وبين حديث عائشة أن يحمل قوله: "ولم ينشب ورقة أن توفي" أي قبل أن يشتهر الإسلام.

ثم ذكر الحافظ خبراً ضعيفاً يدل على أن ورقة مات على نصرانيته، لكن الصواب أنه آمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وصدقه لما قص عليه خبر بدء الوحي، لكنه مات قبل أن يدعو النبي -عليه الصلاة والسلام- الناس إلى الإسلام، وعلى هذا كونه مقطوع بنجاته وأنه من أهل الجنة هذا ما فيه إشكال، لكن هل هو معدود في هذه الأمة أو ممن قبلها؟ هذه مسألة محل نظر، هل يثبت في الصحابة فيكون من هذه الأمة؟ أو لا تثبت صحبته؛ لأن الحد لا ينطبق عليه، لكنه آمن وصدق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان على دين صحيح في وقته، والقول بنجاته مبني على ثبوت ما نقل في ترجمته من أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه في بطنان الجنة، وعليه ثياب السندس، وأن عليه أيضاً ثياب بيض، فإن ثبتت هذه الأخبار وإلا فهو على الرجاء كغيره من مسلمي هذه الأمة وغيرهم، والله أعلم.

قوله: "ومات على الإسلام" ليخرج من ارتد بعد أن لقيه مؤمناً به ومات على الردة؛ كعبيد الله بن جحش وابن خطل، قوله: "ولو تخللت ردة" أي: بين لقيه له مؤمناً به وبين موته على الإسلام؛ فإن اسم الصحبة باق له، سواء رجع إلى الإسلام في حياته -صلى الله عليه وسلم- أو بعده، و سواء لقيه ثانياً أم لا كالأشعث بن قيس فإنه كان ممن ارتد وأتي به أبو بكر أسيراً فعاد إلى الإسلام، فقبل منه ذلك وزوجه أخته، ولم يتخلف أحد عن ذكره في الصحابة، ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وغيرها.

الردة محبطة للعمل {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[(65) سورة الزمر] لكن هل الموت على الردة شرط في حبوط العمل؟ أو أن مجرد حصول الردة محبط للعمل؟ القيد المذكور في الآية الأخرى {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [(217) سورة البقرة] نعم {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} قيد يجعل الردة لا تحبط العمل إلا إذا مات وهو مرتد، أما إذا ارتد ثم رجع إلى الإسلام فإن عمله باق لا يحبط، ومن ذلكم الصحبة، وهذه المسألة مسألة خلافية بين كثير من أهل العلم مع الحنفية، ولذا إذا حج ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام هل يلزم بحجة ثانية أو لا يلزم؟ والمسألة الخلاف فيها معروف ومبسوط عند أهل العلم.

ولا تظنون أن الردة لا بد أن يكفر بالله أو برسوله أو بكتبه، أو..، يترك الصلاة فيصير مرتد، هل عليه أن يعيد الحج أو لا يعيد؟ هذه المسألة الخلافية، ومقتضى قوله تعالى: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ}[(217) سورة البقرة] أنه لا يحبط عمله إلا إذا مات كافر.

قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: "ويدخل في قولنا مؤمناً به كل مكلف من الجن والإنس فحينئذ يتعين ذكر من حفظ ذكره من الجن الذين آمنوا به بالشرط المذكور؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرسل إليهم، مرسل إلى الجن أيضاً، وأما إنكار ابن الأثير على أبي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتابه الصحابة فليس بمنكر لما ذكرته".

وقال ابن حزم في المحلى: "من ادعى الإجماع فقد كذب، من ادعى الإجماع فقد كذب على الأمة، فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفراً من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي -صلى الله عليه وسلم- فهم صحابة فضلاء، فمن أين للمدعي إجماع أولئك؟"، ابن حزم يقول: أي شخص يدعي الإجماع على مسألة من المسائل كذاب، لماذا؟ لأنه إن أحاط بأقوال الإنس لم يحط بأقوال الجن، يقول: "من ادعى الإجماع فقد كذب على الأمة، فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفراً من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي -صلى الله عليه وسلم- فهم صحابة فضلاء، فأين للمدعي إجماع أولئك؟".

قال ابن حجر في الإصابة: "وهذا الذي ذكره في مسألة الإجماع لا نوافقه عليه، وإنما أردت نقل كلامه بكونهم صحابه"، ومثل هذا الكلام هو الذي جعل ابن حزم بكل سهولة يخالف جماهير الأمة، بل قد يخالف الإجماع، الأمة كلها في جهة وابن حزم في جهة؛ لاحتمال أن يكون واحد من الجن قال بهذا القول، نعم، وهذا من شذوذ ابن حزم، معروف، نعم.

وهل تدخل الملائكة فيمن لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به؟ محل نظر، قد قال بعضهم: إن ذلك ينبني على أنه هل كان مبعوثاً إليهم أو لا؟ وقد نقل الرازي الإجماع على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن مرسلاً إلى الملائكة، لم يكن مرسلاً إلى الملائكة، ونوزع في هذا النقل، بل رجح الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مرسلاً إليهم، لكن كونه مرسل إليهم أو غير مرسل لا فائدة وراءه، هم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، هؤلاء الخلق أنفاسهم عبادة، جميع تصرفاتهم عبادة، ولا يتلبسون بالمعصية، حيل بينهم وبين الشهوات، فكونه مرسل إليهم أو غير مرسل الخلاف لفظي، قال ابن حجر: "وفي صحة بناء هذه المسألة على هذا الأصل نظر لا يخفى"، وقال بعضهم: لا يعد صحابياً إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة: من طالت مجالسته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، أو حفظت روايته، أو ضبط أنه غزا معه، أو استشهد بين يديه، واشترط بعضهم في صحة الصحبة بلوغ الحلم، أو المجالسة ولو قصرت، اختار البخاري في صحيحه أن من صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، يعني مجرد رؤية حال كونه مؤمناً به يكون صحابي، ورجحه ابن حجر في الفتح إلا أنه هل يشترط في الرائي أن يكون بحيث يميز ما رآه أو يكتفى بمجرد حصول الرؤية؟ محل نظر، وعمل من صنف في الصحابة يدل على الثاني، أنه يكتفى بمجرد حصول الرؤية، يدل على الثاني فإنهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق وإنما ولد قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أشهر وأيام، كما ثبت في الصحيح، أن أمه أسماء بنت عميس ولدته في حجة الوداع قبل أن يدخلوا مكة، ولدته في المحرم قبل أن يدخلوا مكة، وذلك في أواخر ذي القعدة سنة عشر، ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل بلا شك.

يستحيل أن يكونوا سمعوا من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة شيئاً، لكن في إثبات الصحبة لهذا الضرب نظر.

لما مات النبي -عليه الصلاة والسلام- عمره ثلاثة أشهر، عمره ثلاثة أشهر، هل يكون صحابي؟ لا، هل لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به؟ الجواب، لا، والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الإسفرائيني ومن وافقه على رد المراسيل مطلقاً حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء؛ لأن أحاديثهم لا من قبيل مراسيل كبار التابعين، ولا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مما يلغز به، فيقال: صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة، ومنهم من بالغ فكان لا يعد في الصحابة إلا من صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحبة العرفية، كما جاء عن عاصم الأحول قال: "رأى عبد الله بن سرجس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير أنه لم يكن له صحبة" أخرجه أحمد، هذا مع كون عاصم قد روى عن عبد الله بن سرجس هذا عدة أحاديث وهي عند مسلم وأصحاب السنن، وأكثرها من رواية عاصم عنه، فهذا رأي عاصم، أن الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية، روي عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة فصاعداً، أو غزا معه غزوة فصاعداً، قال ابن حجر: "والعمل على خلاف هذا القول؛ لأنهم اتفقوا على عد جمع جم من الصحابة ولم يجتمعوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلا في حجة الوداع".

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو إلى التابعي وهو من لقي الصحابي كذلك"، الخبر إما أن ينتهي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو ينتهي إلى الصحابي، أو ينتهي إلى التابعي، والتابعي هو من لقي الصحابي كذلك، من لقي الصحابي مؤمناً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، من لقي الصحابي مسلم -وهو مسلم- ومات على ذلك يسمى تابعي.

المقطوع:

لما فرغ -رحمه الله- من المرفوع والموقوف أردفه بالمقطوع فقال: أو تنتهي غاية الإسناد إلى التابعي، ثم عرف التابعي بقوله: هو من لقي الصحابي كذلك، أي كما تقدم في تعريف الصحابي، ولذا قال القاري في شرح النخبة: "التابعي هو من لقي الصحابي مؤمناً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ولو تخللت ردة في الأصح" كذا قال، لكن الحافظ نفسه قال: "هذا متعلق باللقي وما ذكر معه إلا قيد الإيمان به فذاك خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو المختار".

يعني لو أن شخصاً لقي أحد الصحابة وهو غير مسلم ثم أسلم بعد ذلك ومات على الإسلام، لكنه لما لقي الصحابي لم يكن مسلماً هل يسمى تابعي أو لا؟ على كلام الحافظ يسمى تابعي، وواضح عبارته -أو ظاهر عبارته- وهو من لقي الصحابي كذلك، يعني بالقيود المذكورة، مؤمناً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي اليواقيت للمناوي: "ولا يلزم أن يكون مؤمناً حال ملاقاته للصحابي، بل لو كان كافراً ثم أسلم بعد موت الصحابي، وروى عنه سميناه تابعياً وقبلناه، ولا يشترط في التابعي طول الملازمة أو التمييز أو صحة السماع من الصحابي، قال الخطيب: "التابعي من صحب الصحابي".

قال ابن الصلاح: "ومطلقه مخصوص بالتابعي بإحسان"، ومطلقه مخصوص بالتابعي بإحسان، أما الذي يتبع الصحابة من دون إحسان، يتبع السلف من غير إحسان لا يستحق هذا الوصف، قال القاري: "والظاهر منه طول الملازمة إذ الاتباع بإحسان لا يكون بدونه"، واشترط ابن حبان: أن يكون رآه في سن من يحفظ عنه فإن كان صغيراً لم يحفظ عنه فلا عبرة برؤيته، كخلف بن خليفة فإنه لم يعده في التابعين وإن كان رأى عمر بن حريث لكونه صغيراً، قال ابن الصلاح: "وكلام الحاكم أبي عبد الله وغيره مشعر بأنه يكفي فيه أن يسمع من الصحابي أو يلقاه، وإن لم توجد الصحبة العرفية والاكتفاء في هذا لمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في الصحابي نظراً إلى مقتضى اللفظين فيهما"، يعني إذا لم نشترط طول الصحبة في الصحابي ولا الصحبة العرفية في الصحابي فلا تشترط في التابعي من باب أولى لما يقتضيه لفظ الصحبة.

قال ابن حجر: "بقي بين الصحابة والتابعين طبقة اختلف في إلحاقهم بأي القسمين وهم المخضرمون، الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي -صلى الله عليه وسلم- فعدهم ابن عبد البر في الصحابة، وادعى عياض وغيره أن ابن عبد البر يقول: إنهم صحابة"، المخضرمون من أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي -عليه الصلاة والسلام- هؤلاء عدهم ابن عبد البر في الصحابة، يعني ذكرهم في الاستيعاب، ذكرهم في الاستيعاب، لكن هل مجرد الذكر يعني إثبات الصحبة؟ هل ذكر الرجل في الإصابة يثبت الصحبة له؟ أو أن ابن حجر ذكر أقوام اختلف في صحبتهم، والراجح عدم إثبات الصحبة لهم، وهم القسم الرابع.

هنا ابن عبد البر ذكر المخضرمين في الاستيعاب، ادعى عياض وغيره أن ابن عبد البر يقول: إنهم صحابة، وفيه نظر؛ لأن ابن عبد البر أفصح في خطبة كتابه بأنه إنما أوردهم ليكون كتابه جامعاً مستوعباً لأهل القرن الأول، لأهل القرن الأول وإن لم يكونوا صحابة، والصحيح أنهم معدودون في كبار التابعين، سواءً عرف أن الواحد منهم كان مسلماً في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- كالنجاشي أم لا، وذكر مسلم المخضرمين فبلغ بهم عشرين نفساً، منهم: أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة، وعمرو بن ميمون، وعبد خير بن يزيد، وأبو عثمان النهدي، وممن لم يذكرهم: أبو مسلم الخولاني، والأحنف بن قيس، والله أعلم.

ومن أكابر الصحابة السابقون الأولون، واختلف في المراد فيهم هل هم من صلى إلى القبلتين؟ أو أنفق قبل الفتح وهاجر دون من أنفق وهاجر بعد الفتح؟ أو هم أصحاب الشجرة السابقون الأولون؟ أو هم الذين أسلموا قبل الهجرة؟ المقصود مسألة خلافية بين أهل العلم، والأكثر على أنهم من صلى إلى القبلتين قبل نسخ القبلة إلى بيت المقدس، هؤلاء من الصحابة هم السابقون الأولون.

وفي الصحابة المهاجرون والأنصار وفيهم العبادلة الأربعة، وفيهم العشرة المبشرون بالجنة، وفيهم أهل بدر، وفيهم أهل بيعة الرضوان، المقصود أنهم متفاوتون في الفضل، فيهم العبادلة الأربعة وهم: ابن عمر، ابن عباس، ابن الزبير، عبد الله بن عمرو بن العاص، وليس فيهم ابن مسعود، وليس فيهم ابن مسعود، لماذا؟ لأن ابن مسعود تقدمت وفاته، وأما هؤلاء الأربعة فتأخرت وفياتهم حتى احتيج إلى علمهم، سئل الإمام أحمد هل ابن مسعود فيهم؟ فقال: لا، فإذا قيل: هذا قول العبادلة الأربعة فالمقصود بهم هؤلاء، ووهم صاحب الصحاح فأدخل فيهم ابن مسعود، المقصود أن هؤلاء يميزون في الصحابة.

من أكابر التابعين الفقهاء السبعة من أهل المدينة، هؤلاء من التابعين سبعة.

فخذهم عبيد الله عروة قاسم

سعيد أبو بكر سليمان خارجة

سبعة: سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، وذكر ابن المبارك سالم بن عبد الله بن عمر بدل أبي سلمة، وذكر أبو الزناد أبا بكر بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة وسالم، على كل حال السابع مختلف فيه.

فخذهم عبيد الله عروة قاسم

سعيد أبو بكر سليمان خارجة

سبعة.

اختلف في أفضل التابعين فقال أحمد بن حنبل: سعيد بن المسيب هو أفضل التابعين، فقيل له: فعلقمة والأسود؟ فقال: سعيد بن المسيب وعلقمة والأسود، وعنه أنه قال: لا أعلم في التابعين مثل أبي عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم، وقال الشيخ أبو عبد الله بن خفيف الزاهد الشيرازي: "اختلف الناس في أفضل التابعين فأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب، وأهل الكوفة يقولون: أويس القرني، وأهل البصرة يقولون: الحسن البصري، وهؤلاء كلهم أئمة فضلاء، لكن لو جئنا إلى النص المرفوع لأثبتنا أن أفضل التابعين على الإطلاق أويس؛ لأن الخبر فيه صحيح في صحيح مسلم، عمر -رضي الله عنه- طلب من أويس أن يدعو له، فعلى هذا هو أفضل التابعين على الإطلاق، نعم إن جئنا إلى العلم فسعيد لا يدانيه أحد.

ثم نشر الحافظ ما طواه في أول الأمر وما لفه فقال: "فالأول المرفوع، والثاني الموقوف، والثالث المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثله"، فالأول: وهو ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف يسمى المرفوع، وهو اسم مفعول من الرفع، والثاني: وهو ما أضيف إلى الصحابي من قول أو فعل يسمى الموقوف، اسم مفعول من الوقف ضد الرفع، والثالث: وهو ما أضيف إلى التابعي فمن دونه يسمى المقطوع، اسم مفعول من القطع، ويجوز في جمعه المقاطع والمقاطيع بإثبات الياء آخر الحروف وحذفها كالمساند والمسانيد، والمراسل والمراسيل، والمفاتح والمفاتيح، لكن المنقول في مثل المقاطيع عند البصريين سوى الجرمي الإثبات جزماً، والجرمي مع الكوفيين في جواز الحذف، واختاره ابن مالك.

المرفوع: ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والموقوف: ما أضيف إلى الصحابي، والمقطوع: ما أضيف إلى التابعي فمن دونه، قال ابن الصلاح في المقطوع: "هو غير المنقطع..، وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام الشافعي وأبي القاسم الطبراني وغيرهما، وعكس ما ذكره ابن الصلاح عن الشافعي ما حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم بالحديث أن المنطقع ما روي عن التابعي ومن ودنه موقوف عليه من قوله أو فعله، قال ابن الصلاح: "وهذا غريب بعيد" يقول الحافظ العراقي:

وسمّ بالمقطوع قول التّابعي

تعبيره به عن المنقطعِ

وفعله وقد رأى للشّافعي

قلت: وعكسه اصطلاح البردعي

ويجوز إطلاق الموقوف على ما يروى عن التابعي فمن دونه لكن مع التقييد، إذا قيل: هذا موقوف فهو من قول صحابة، لكن إذا قيل: هذا موقوف على سعيد أو على الحسن البصري يجوز، يجوز إطلاق الموقوف على ما يروى عن التابعي فمن دونه لكن مع التقييد، فلك أن تقول: هذا الخبر موقوف على الحسن أو على سيعد أو نحوهما.

الآن المرفوع فيه المتصل والمنقطع، صح وإلا لا؟ الموقوف فيه الموصول والمنقطع، المقطوع ها؟ هل يمكن أن يقال: متصل مقطوع؟ نعم إذا كان كل واحد ممن رواه قد سمعه ممن فوقه إلى التابعي فهو مقطوع، لكن هل نستطيع أن نقول: متصل مقطوع؟ قال بعضهم: لا يمكن، لماذا؟ للتنافر اللفظي بين الكلمتين، التنافر اللفظي بين الكلمتين، كيف تقول: مقطوع متصل؟ يعني مثل ما تقول: جاء الطويل القصير، إذا جاء رجل طويل عمره، عمره مائة سنة وقامته قصيرة هل تقول: جاء الطويل القصير، وأن تنظر إليه من زاويتين...

عمره مائة سنة وقامته قصيرة هل تقول: جاء الطويل القصير؟ وأن تنظر إليه من زاويتين إلى قامته فتقول: القصير، وإلى عمره فتقول: الطويل، لا شك أن هذا تنافر لفظي مثله مثلما تقول: المتصل المقطوع، هذا تنافر لفظي، فمنهم من يمنع إطلاق المتصل على المقطوع الذي أضيف إلى التابعي فمن دونه لوجود هذا التنافر ومنهم من ينظر إليه مع انفكاك الجهة، فيقول: لا مانع من أن يقال: هو مقطوع باعتبار الإضافة إلى التابعي فمن دونه، وهو متصل باعتبار أن إسناده ليس فيه انقطاع.

قال الحافظ -رحمه الله-: "ويقال للأخيرين: الأثر" يعني أنه يقال للأخيرين -وهما الموقوف والمقطوع-: الأثر، وهو في الأصل ما ظهر على الأرض من مشي الشخص، وهو في الأصل ما ظهر على الأرض من مشي الشخص، قال زهير:

والمرء ما عاش ممدود له أثرُ

لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثرُ

قال ابن الصلاح: "وهو موجود في اصطلاح الفقهاء الخرسانيين"، تعريف الموقوف بالأثر، قال أبو القاسم الفوراني: "منهم الفقهاء يقولون: الخبر ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والأثر ما يروى عن الصحابة -رضي الله عنهم- وقد وجد ذلك في كلام الأئمة كثيراً، ففي الرسالة للإمام الشافعي: وجهة العلم الكتاب والسنة والآثار"، وقال في الرسالة أيضاً: "وأما القياس فإنما أخذناه استدلالاً بالكتاب والسنة والآثار" وظاهر تسمية الإمام البيهقي كتابه المشتمل على الأنواع الثلاثة معرفة السنن والآثار، ومثله تسمية الطحاوي كتابيه: (شرح معاني الآثار) و(مشكل الآثار) يؤيد ما رآه المحدثون، كما عزاه إليهم النووي من إطلاق الأثر على الموقوف والمرفوع، فالأثر شامل لما يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما يروى عن الصحابة والتابعين، ويؤيده انتساب بعض المحدثين إلى الأثر كالحافظ العراقي يقول:

يقول راجي ربّه المقتدرِ

عبد الرّحيم بن الحسين الأثري

وفي الجامع للخطيب البغدادي من حديث عبد الرحيم بن حبيب الفاريابي عن صالح بن بيان عن أسد بن سعيد الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعاً: ((ما جاء عن الله فهو فريضة، وما جاء عني فهو حتم وفريضة، وما جاء عن أصحابي فهو سنة، وما جاء عن أتباعي فهو أثر، وما جاء عن من دونهم فهو بدعة)) والخبر باطل لا أصل له، والفاريابي هذا رمي بالوضع).