25 Oct 2008
المصحَّف والمحرَّف
قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (أَوْ بِتَغْيِيرٍ مَعَ بَقَاءِ السِّيَاقِ:
فَالمُصَحَّفُ وَالمُحَرَّفُ.
وَلاَ يَجُوزُ تَعَمُّدُ تَغْيِيرِ المَتْنِ بِالنَّقْصِ وَالمُرَادِفِ إِلاَّ لِعَالِمٍ بِمَا يُحِيلُ المَعَانِي.
فَإِنْ خَفِيَ المَعْنَى احْتِيجَ إِلى شَرْحِ الغَرِيبِ وَبَيَانِ المُشْكِلِ).
نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني
قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (أو)
إنْ كانت الْمُخَالَفَةُ (بِتَغْيِيرِ) حرفٍ أو حُروفٍ (مَعَ بَقَاءِ) صُورَةِ الخطِّ في (السِّيَاقِ) فإنْ كانَ ذَلِكَ بالنِّسْبَةِ إلى النُّقَطِ
(فَالمُصَحَّفُ).
وَ إنْ كانَ بالنِّسْبَةِ إلى الشَّكْلِ فَـ (المُحَرَّفُ) ، ومَعْرِفَةُ هَذَا النَّوْعِ مُهِمَّةٌ.
وقد صَنَّفَ فيه الْعَسْكَرِيُّ، والدَّارَقُطْنِيُّ وغيرُهما.
وأكثرُ ما يقعُ في الْمُتُونِ، وقد يقعُ في الأسماءِ التي في الأَسانِيدِ.
(2) (وَلاَ يَجُوزُ تَعَمُّدُ تَغْيِيرِ)
صُورةِ
(المَتْنِ) مُطْلَقًا، ولا الاختصارُ منه (بِالنَّقْصِ وَ) لا إبدالُ اللًّفْظِ المُرادِفِ باللًّفْظِ (المُرَادِفِ) لهُ (إِلاَّ لِعَالِمٍ) بِمَدْلُولاَتِ الألفاظِ،وَ(بِمَا يُحِيلُ المَعَانِيَ) على الصَحِيحِ في الْمَسْأَلَتَيْنِ.
أمَّا اخْتِصَارُ الحَدِيثِ،
فالأَكْثَرُونَ على جَوازِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الذي يَخْتَصِرُهُ عَالِمًا؛ لأنَّ الْعَالِمَ لا يَنْقُصُ من الحَدِيثِ إلاَّ ما لا تَعَلُّقَ له بما يُبْقِيهِ منه بحيثُ لا تختَلِفُ الدَّلاَلَةُ ولا يَخْتَلُّ البيانُ حتى يكونَ المذكورُ والمحذُوفُ بِمَنْـزِلَةِ خَبَرَيْنِ، أو يَدُلَّ مَا ذَكَرَهُ على ما حَذَفَهُ بخِلافِ الجاهلِ، فإنَّه قد يَنْقُصُ ما له تعلُّقٌ كَتَرْكِ الاسْتِثْنَاءِ.
وأَمَّا الرِّوايةُ بالمعنى
فالْخِلافُ فيها شَهِيرٌ والأكثرُ على الجوازِ أيضًا.
ومِن أَقْوَى حُجَجِهِمْ الإِجْمَاعُ على جَوَازِ شَرْحِ الشَّرِيعَةِ للعَجَمِ بِلِسَانِهِمْ لِلْعَارِفِ بهِ، فإذا جازَ الإبدالُ بِلُغَةٍ أخرى فَجَوازُهُ باللُّغَةِ العربِيَّةِ أَوْلَى.
وقيلَ:
إِنَّمَا يَجُوزُ في الْمُفْرَدَاتِ دونَ الْمُرَكَّبَاتِ.
وقيلَ:
إِنَّمَا يَجُوزُ لمَنْ يَسْتَحْضِرُ اللَّفْظَ ليَتَمَكَّنَ من التَّصَرُّفِ فيه.
وقيلَ:
إِنَّمَا يجوزُ لمَن كان يَحْفَظُ الحَدِيثَ فَنَسِيَ لَفْظَهُ وبَقِيَ معناهُ مُرْتَسِمًا في ذِهْنِه،
فلهُ أنْ يَرْوِيَهُ بالمعنَى لمَصْلَحَةِ تَحْصِيلِ الحُكْمِ منه بخلافِ مَن كانَ مُسْتَحْضِرًا لِلَفْظِهِ.
وجميعُ ما تقدَّمَ يتَعَلَّقُ بِالجَوَازِ وَعَدَمِهِ، ولا شَكَّ أنَّ الأولى إيرَادُ الحَدِيثِ بألفاظِهِ دونَ التَّصَرُّفِ فيه.
-قال القاضي عِيَاضٌ: (يَنْبَغِي سَدُّ بِابِ الرِّوَايةِ بالمعنَى؛ لئَلاَّ يَتَسَلَّطَ مَنْ لا يُحْسِنُ مِمَّنْ يَظُنُّ أنَّهُ يُحْسِنُ، كما وقعَ لكثيرٍ من الرُّوَاةِ قديمًا وحَدِيثًا واللهُ الْمُوَفِّقُ).
(3) (فَإِنْ خَفِيَ المَعْنَى)
بأنْ كان اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلاً بِقِلَّةٍ (احْتِيجَ إِلى) الكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ في (شَرْحِ الغَرِيبِ) كَكِتَابِ
أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلاَّمٍ، وهو غيرُ مُرَتَّبٍ وقد رَتَّبَهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنُ قُدَامَةَ على الْحُرُوفِ، وَأَجْمَعُ منه كتابُ أَبِي عُبَيْدٍ الْهَرَوِيِّ، وقد اعْتَنَى بهِ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فَنَقَّبَ عليه واسْتَدْرَكَ، وللزَّمَخْشَرِيِّ كتابٌ اسْمُهُ (الفَائِقُ) حَسَنُ التَّرْتِيبِ.
ثم جَمَعَ الجَمِيعَ ابْنُ الأَثِيرِ في (النِّهَاية) وكِتَابُهُ أَسْهَلُ الكُتُبِ تناولاً مع إِعْوَازٍ قَلِيلٍ فيه.
وإنْ كان اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلاً بكثْرَةٍ لكنْ في مَدْلُولِهِ دِقَّةٌ احْتِيجَ إلى الكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ في شَرْحِ مَعَانِي الأَخْبَارِ.
(وَبَيَانِ المُشْكِلِ) منها، وقد أَكْثَرَ الأَئِمَّةُ من التَّصَانِيفِ في ذَلِكَ كَالطَّحَاويِّ،والْخَطَّابِيِّ، وابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وغَيْرِهِم).
نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم
قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (التصحيفُ والتحريفُ
(1) ذكرَ الحافظُ: التصحيفَ والتحريفَ، وفيه كتبٌ للعسكريِّ أحدِ أئمَّةِ اللغةِ فلَه:
(التصحيفُ والتحريفُ)، وكتابٌ آخرُ: (تصحيفاتُ المحدِّثينَ)، وللدارقطنيِّ كذلكَ (التصحيفُ والتحريفُ).
وله أمثلةٌ كثيرةٌ كما قالَ الحافظُ:
- منها:ما هو في الإسنادِ ومنها ما هو في المتنِ.
مثالٌ للإسنادِ:
راوٍ اسمُه واصلٌ الأحدبُ، بعضُ الرواةِ يسمِّيه عاصمًا الأحولَ، ومثلُ مالكِ بنِ عَرْفَطَةَ يُسَمِّيهِ شُعْبَةُ: خالدَ بنَ علقمةَ، وهوَ واحدٌ.
مثالٌ للمتنِ:
حديثُ:((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ احْتَجَرَ في المسجدِ))، يعني وضعَ حجارةً، رواه ابنُ لَهِيعَةَ فقالَ: إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ احْتَجَمَ في المسجدِ، ومثلُ حديثِ الهِرَّةِ المعروفِ: ((لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا ولا هِيَ تَرَكَتْهَا تأكلُ مِن خشاشِ الأرضِ)). رواه بعضُ الرواةِ فَصَحَّفَه وقال: ((تأكلُ مِن حشاشِ الأرضِ)) يعني النباتَ، ويقولونُ: إنَّ وكيعًا ربَّما غلطَ في المتونِ، مثلُ حديثِ: ((إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نهى عن تشقيقِ الخُطبِ كتشقيقِ الشِّعْرِ))، رواه وكيعٌ، لفظُ: ((تشقيقِ الحَطَبِ كتشقيقِ الشَّعرِ)).
وقولُ الحافظِ: (فإنْ كانَ ذلكَ بالنسبةِ إلى النقطِ فالمُصَحَّفُ وإنْ كانَ بالنسبةِ إلى الشكلِ فالمُحَرَّفُ)- أرادَ به التفريقَ بينَ التصحيفِ والتحريفِ، لكن المعروفُ - وهو الذي ذكرَه العسكريُّ وهو مِن أئمَّةِ هذا الشأنِ - أنَّ ما ذكرَه الحافظُ كلَّه يُسَمَّى تصحيفًا.
- فالتَّصحيفُ هو: التغييرُ في الكلمةِ مع بقاءِ صورتِها في الخطِّ.
- والتحريفُ:إذا تغيَّرَتْ صورةُ الكلمةِ في الخطِّ وهذا كثيرٌ في الأحاديثِ وفي أسماءِ الرواةِ كذلكَ، وإذا تغيَّرَتْ صورةُ الكلمةِ فالحافظُ لم يُطْلِقْ عليه اسمًا، والأمرُ اصطلاحيٌّ، وكثيرًا ما يُعَبِّرُ أحدُ الأئمَّةِ بإحدى الكلمتينِ ويريدُ بها الأخرى.
أسبابُ التصحيفِ منها:ما يكونُ سببُه السمعَ، مثلُ: عاصمٍ الأحولِ، وواصلٍ الأحدبِ، فالذي يقرأُ لا يخطئُ في الاسمِ وإنَّمَا يخطئُ الذي يسمعُ.
ما يكونُ سببُ مردِّه إلى النظرِ، وهو الذي يكونُ سببُه القراءةَ، وهو أكثرُ مِن تحريفِ السمعِ، لهذا يقولونَ: لا تأخذ القرآنَ مِن مُصْحَفِيٍّ ولا الحديثَ من صُحُفيٍّ؛ لأنَّ مَنْ يعتمدُ على القراءةِ وَحْدَها ولا يَتَتَلْمَذُ على مقرئٍ يخطئُ، وأكثرُ مَن يقعُ منهم التصحيفُ الذينَ يعتمدونَ على القراءةِ دونَ تَتَلْمُذٍ على شيخٍ مُتْقِنٍ.
(2)
اختصارُ الحديثِ، والروايةُ بالمعنى هذا الموضوعُ له صِلَةٌ بالمُخَالَفَةِ، فإنَّ مَن يتصرَّفُ في اللفظِ قد يخطئُ، فلذا ذكرَه بعدَ أنواعِ المخالفةِ.
ذكَر الحافظُ موضوعًا عارضًا له تعلُّقٌ بعيدٌ بالحديثِ الضعيفِ جاءَ كختامٍ لقضيَّةِ المُخَالَفَةِ، وذكرَ فيه مسألتينِ:
- اخْتِصَارُ الحديثِ.
- الروايةُ بالمعنى.
وذكرَ أنَّ اختصارَ الحديثِ الأكثرُ على جوازِه، وهو على صورتينِ عندَ الأئمَّةِ:
الاقتطاع، ومعناه: الاكتفاءُ بروايةِ بعضِ الحديثِ دونَ بعضٍ، وهذا لا إشكالَ في جوازِه، ويفعلُه الأئمَّةُ الذين أَلَّفُوا في السُّنَّةِ، ومنهم: البخاريُّ، والدَّارِمِيُّ، والتِّرْمِذِيُّ، وابنُ خزيمةَ، وهذا لا بدَّ منه بالنسبةِ للمؤلِّفينَ لئلا تطولَ الكتبُ؛ لأنَّه يضطرُّ إلى أنْ يذكرَ الحديثَ في أكثرَ مِن موضعٍ، فلو ساقَه كلَّه في كلِّ موضعٍ لطالَ كتابُه جِدًّا، فيقالُ في التخريجِ: أخرجَ هذا الحديثَ البخاريُّ مُفَرَّقًا، يعني قَطَّعَه في عِدَّةِ أبوابٍ.
ذكرَه بالمعنى مُخْتَصَرًا، بمعنى الإتيانِ بألفاظٍ غيرِ ألفاظِ الحديثِ الأَوَّلِ بغرضِ اختصارِه، وهذا مُلْحَقٌ بالروايةِ بالمعنى.
الروايةُ بالمعنى:
أنْ يكونَ الحديثُ عن النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم بلفظٍ، ويأتينا على عِدَّةِ ألفاظٍ أتتْ في الغالبِ مِن تَصَرُّفِ الرواةِ.
يضربون لذلكَ مثالاً: بحديثِ: سهلِ بنِ سعدٍ في الواهبةِ نفسَها: ((زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِن القرآنِ))، وفي بعضِ الرواياتِ: ((أَمْلَكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِن القرآنِ)) وجاءَ بألفاظٍ أخرى، فالرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ كلمةً واحدةً، والباقي رواه الرواةُ بالمعنى، ومَنْ نظرَ في الأحاديثِ نظرةَ تَأَمُّلٍ وجدَ أنَّ غالبَها ولا سيَّما المُطَوَّلَةُ منها مرويٌّ بالمعنى، والذين شَدَّدُوا في الروايةِ بالمعنى بالنسبةِ للمجيزينَ قَلِيلُونَ جَدًّا، وأكثرُهم في العصورِ الأولى، منهم ابنُ عمرَ؛ فمشهورٌ عنه التشديدُ في الروايةِ بالمعنى مثلُ حديثِه: ((بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ))، فلفظُ الحديثِ: ((وصومُ رمضانَ وحجُّ البيتِ))، فقالَ له أحدُ أصحابِه: ((أوْ حجُّ البيتِ وصومُ رمضانَ))؟
فقالَ: لا، صومُ رمضانَ، وحجُّ البيتِ، هكذا سمعتُه مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا الحديثُ معَ تشديدِ ابنِ عمرَ فيه ألا يُروى عنه إلا باللفظِ وَرَدَ في بعضِ رواياتِه بتقديمِ الحجِّ، لذلكَ اضطرَّ النوويُّ إلى القولِ: بأنَّ ابنَ عمرَ سَمِعَهُ مرةً أخرى بتقديمِ الحجِّ، وهذا بعيدٌ جدًّا، وإنما هذا مِن تَصَرُّفِ الرواةِ، وعُرِفَ بالتشديدِ مِن الرواةِ ابنُ سيرينَ، لكن كلَّمَا مرَّ الزمانُ كُلَّمَا خَفَّ الخلافُ حتَّى قالَ السخاويُّ: كادَ الأمرُ أنْ يكونَ إجماعًا على جوازِ الروايةِ بالمعنى.
ومعَ تجويزِهم للروايةِ بالمعنى فهنا أمرانِ:
1-الأَوْلَى بلا شكٍ أن يؤتى بالحديثِ على ألفاظِه.
2-ذكرَ الحافظُ أقوالاً فيمن يجوزُ له روايةُ الحديثِ بالمعنى، فبعضُهم يقولُ:
-إنَّما يجوزُ لِمَن يحفظُ اللفظَ فإذا أرادَ أنْ يرويَه بالمعنى لم يخطئْ.
- وبعضُهم يقولُ: الذي يجوزُ له هو الذي لا يحفظُ اللفظَ وإنما بقي المعنى في ذهنِه، فلئلا يضيعَ هذا الحديثُ يرويه بالمعنى. لكن الذي يظهرُ أنَّ هذا التدقيقَ فيه نظرٌ،وإنما يقالُ: الذي يجوزُ له الروايةُ بالمعنى هو مَن له فقهٌ وَعِلْمٌ بالمقارنةِ بينَ الألفاظِ التي تركَها والألفاظِ التي أتى بها، وهذا مهمٌّ جدًّا لا سيَّما في الوقتِ الحاضرِ، يقولُ القاضي عياضٌ: (ينبغي سدُّ بابِ الروايةِ بالمعنى لئلاَّ يتسلطَ مَن لا يُحْسِنُ ممَّنْ يظنُّ أنَّه يحسنُ كما وقعَ لكثيرٍ من الرواةِ قديمًا وحديثًا)، لكنْ يُقالُ: سدُّ بابِ الروايةِ بالمعنى لا يمكنُ ولا سيَّما إذا نظرَنْا إلى الرواةِ قديمًا، وحينئذٍ ينبغي ضبطُه بما تَقَدَّمَ.
وهو أنَّ الشخصَ ينبغي عليه أنْ يتحرَّزَ في الألفاظِ، فإنْ أمكنَه أنْ يأتي باللفْظِ فهو أولى، وإنْ لم يمكنْه فليأتِ بالمعنى ولكن عليه أنْ يَتَحَرَّى جيدًا لئلاَّ يُغَيِّرَ في اللفظِ تغييرًا يفسدُ معناه أو يبعدُهُ عن المرادِ به، ونَبَّهَ ابنُ الصلاحِ إلى أنَّ هذا الخلافَ هو في الروايةِ، أي: في العصورِ السابقةِ، وَلِمَنْ أرادَ أنْ يذكرَ حديثًا، أو يستشهدَ بحديثٍ فله أنْ يرويَه بالمعنى، لكن لو أردتَ أن تنقلَ حديثًا وتقولَ: رواه البخاريُّ أو مسلمٌ؛ فحينئذٍ يجبُ أنْ ترويَه باللفظِ، يقولُ ابنُ الصلاحٍ: النقلُ مِن الكتبِ يختلفُ فإذا أردتَ أنْ تنقلَ مِن كتابٍ تنقلُه بلفظِهِ، وهذا مهمٌّ لئلاَّ ننقلَ عن أصحابِ الكتبِ ألفاظًا لم يروُوها.
ونَبَّهَ العلماءُ إلى أنَّ مَن يروي بالمعنى عليه أنْ يقولَ بعدَ الفراغِ مِن الحديثِ: (أو نحوُ ذلكَ، أو معناه، أو شِبْهُه)؛ ليعرفَ السامعُ أنَّكَ لم تنقلْه بلفظِه، وِمن أوسعِ ما كُتبَ في هذا كتابا الخطيبِ: (الكفايةُ)، و(تقييدُ العلمِ)، وللقاضي عياضٍ كتابٌ اسمُه: (الإلماعُ في أصولِ الروايةِ وتقييدِ السماعِ).
غريبُ الحديثِ، ومُشْكِلُ الحديثِ:
(3) المقصودُ بغريبِ الحديثِ:
الألفاظُ التي تَرِدُ في متونِ الأحاديثِ ويكونُ في معناها شيءٌ مِن الخفاءِ، فقدْ قلَّ أو تُرِكَ استعمالُ بعضِ الألفاظِ في العصورِ المتأخِّرَةِ بعدَ دخولِ أصحابِ لغاتٍ كثيرةٍ إلى الإسلامِ، إضافةً إلى أنَّ بعضَ الكلماتِ كانتْ معروفةً عندَ بعضِ العربِ مجهولةً عندَ بعضٍ آخرَ، مثلُ: حديثِ: أبي هريرةَ عن (المرأتينِ اللتينِ اختصمتَا في الغلامِ وفيه ذِكْرُ السِّكِّينِ)، يقولُ أبو هريرةَ: ما سمعتُ بالسِّكِّينِ إلا يومئذٍ.
وقد أحجمَ الأئمَّةُ عن شرحِ غريبِ الحديثِ وتهيَّبُوا مِن ذلكَ في بادئِ الأمرِ، مثلُ الأصمعيِّ، كانَ إذا طُلبَ منه تفسيرُ غريبٍ لحديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: أمَّا استعمالُها عندَ العربِ فهو كذا وكذا، وأَمَّا مرادُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فاللهُ أعلمُ بهِ، ثم اضطرَّ الناسُ إلى ذلكَ.
فَمِن أَوَّلِ مَن ألَّفَ في ذلكَ:
-أبو عبيدٍ القاسمُ بنُ سلاَّمِ، له كتابُ (غريبُ الحديثِ)، يذكرُ فيه الأحاديثَ إرسالاً دونَ ترتيبٍ، لكن بعدَ طباعتِه وضعَ له مُحَقِّقُهُ فهرسًا على الكلماتِ الغريبةِ.
- وجاءَ بعدَه ابنُ قتيبةَ - لغويٌّ، وأديبٌ، وإمامٌ مِن أئمَّةِ أهلِ السُّنَّةِ، ويسمِّيه بعضُهم مُتَكَلِّمَ أهلِ السُّنَّةِ كما كانَ الجاحظُ مُتَكَلِّمَ المعتزلةِ وله مؤلفاتٌ في السُّنَّةِ والقرآنِ - فألَّفَ كتابَ (غريبُ الحديثِ)، وشرطَ على نَفْسِه ألا يذكرَ شيئًا ذكرَه أبو عبيدٍ.
- وجاءَ كتابُه بمقدارِ كتابِ أبي عبيدٍ، وقالَ: لعلِّي بهذا الكتابِ أكونُ قد استكملتُ غريبَ الحديثِ.
- فجاءَ الخطَّابيُّ بعدَهُمَا وقالَ: (كنتُ في بادئِ الأمرِ أظنُّ الأمرَ كما ذكرَهُ ابنُ قتيبةَ، ثم تَمَعَّنْتُ في الأحاديثِ فرأيتُ شيئًا كثيرًا لم يذكراه، فألَّفَ كتابًا سمَّاهُ (غريبَ الحديثِ)، فهذه ثلاثةُ كتبٍ عليها الاعتمادُ في غريبِ الحديثِ، ومَن جاءَ بعدَها فإنَّما أخذَ منها، وتوالت المؤلفاتُ بعدَ ذلكَ حتَّى جاءَ ابنُ الأثيرِ فاستوعبَ الجميعَ في كتابِ: (النهايةِ في غريبِ الحديثِ).
والمؤلَّفَاتُ في غريبِ الحديثِ لها فضلٌ كبيرٌ في وجودِ المعاجمِ اللغويَّةِ حتَّى المعاجمِ اللغويَّةِ الكبارِ التي نسمعُ بها مثلُ: (تهذيبِ اللغةِ)، للأزهريِّ، و(الصِّحَاحِ)، للجوهريِّ، و(لسانِ العربِ)لابنِ منظورٍ، هذه المعاجمُ أصلُها كتبُ غريبِ الحديثِ.
وعلى الطالبِ الذي ينقلُ عن كتبِ غريبِ الحديثِ ولا سيَّما المتأخرةُ أنْ ينتبِهَ إلى أمرٍ مُهِمٍّ وهو أنَّ بعضَ الأئمَّةِ الذين ألَّفُوا في غريبِ الحديثِ جاؤوا بعدَ استقرارِ المذاهبِ الفقهيَّةِ والمذاهبِ العقديَّةِ، وبعضُ الأئمَّةِ ربَّما جنحَ في تفسيرِ غريبٍ متأثرًا بالمذهبِ الفقهيِّ أو العقديِّ، ولهذا يحسنُ الرجوعُ إلى الكتبِ الأُولى في غريبِ الحديثِ مثلِ: كتابِ أبي عبيدٍ.
مِثَالُ ذلكَ:
حديثُ: ابنِ مسعودٍ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ له: ((ائتني بثلاثةِ أحجارٍ))، فأتيتُه بحجرينِ وروثَةٍ، فأخذَ الحجرينِ وألقى الروثةَ وقالَ: ((إنها رِكْسٌ))، تجدُ في كتبِ غريبِ الحديثِ مَن يفسِّرُ الركسَ بالنجسِ، وهذا تفسيرٌ غيرُ لغويٍّ بل هو فقهيٌّ؛ لأنَّ الركسَ في اللغةِ هو الرجيعُ، ولا علاقةَ له بالطهارةِ أو النجاسةِ، فقدْ يُسْتَدَلُّ لهذا الحديثِ في موضوعٍ مهمٍّ في الفقهِ وهو نجاسةُ أبوالِ الدوابِ، معَ أنَّ الراجحَ أنَّ ما يؤكلُ لحمُه مِن الدوابِ فإنَّ رجيعَه طاهرٌ.
تَعَرَّضَ الحافظُ لقضيةٍ لها نوعُ ارتباطٍ بغريبِ الحديثِ، وهي خفاءُ بعضِ المعاني في بعضِ الأحاديثِ، وقالَ: إنَّ الطالبَ يرجعُ في ذلكَ - إذا خَفِيَ عليه معنىً مِن معاني الحديثِ - إلى كتبٍ عُرِفَتْ باسمِ مُشْكِلِ الحديثِ، والمُشْكِلُ له علاقةٌ كبيرةٌ بالتعارضِ الذي سمَّاهُ الأئمَّةُ مَخْتَلَفَ الحديثِ؛ فكثيرٌ مِن الإشكالِ في الحديثِ سببُه التعارضُ إمَّا معارضةً لنصٍّ قرآنيٍّ أو سُنَّةٍ أو غيرِ ذلكَ، كما مرَّ مَعَنَا في موضوعِ (مُخْتَلَفِ الحديثِ).
- ومِن الكتبِ في (مُشْكِلِ الحديثِ) كتابُ الطحاويِّ: (مُشْكِلُ الآثارِ).
- وكتابُ ابنِ الجَوْزِيِّ: (كشفُ المُشْكِلِ)، وهو خاصٌّ بما في (الصحيحينِ) ).
شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد
قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: ( (1)
الْمُصَحَّفُ:
يقولُ الحافظُ: إنْ كانَ التَّغْييرُ بالنِّسبةِ إلى النَّقْطِ فالْمُصَحَّفُ.
مِثالُهُ:يَسَارٌ وبَشَّارٌ.
سببُ التَّصْحِيفِ:
مَنْشَأُ التصحيفِ في الغالِبِ مِن الكُتُبِ التي كانتْ مَوجودةً عندَهم، فلم يَكُونُوا يَنْقُطُونَ الكلماتِ،
فيَسَارٌ وبَشَّارٌ رَسْمُهما واحدٌ، فإذا لم تُنْقَطْ لا تَستطيعُ أنْ تَعرفَ المقصودَ، مَثَلاً:محمَّدُ بنُ يَسَارٍ، هل ابنُ يَسَارٍ أو ابنُ بَشَّارٍ؟
لكنَّ الذي يَستطيعُ أنْ يُحَدِّدَ هوَ الإمامُ الناقدُ العارفُ الذي يَعْرِفُ مُحَمَّداً، وهذا بتحديدِ طَبقتِهِ مِنْ خلالِ السَّنَدِ، هلْ هوَ مِن الأَعْلَى أوْ مِن الوَسَطِ أوْ مِن الأَنْزَلِ؟
وبتحديدِ الشيوخِ والتلاميذِ وكَثرةِ تَرْدَادِهِ في طَبقةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ طَبقاتِ السَّنَدِ.
لكن الذي ليسَ بعَارِفٍ أوْ إنسانٌ ناسخٌ للكُتُبِ يُمْكِنُ أنْ يَقَعَ في اللَّبْسِ، ومِنْ هنا يَنْشَأُ التَّصْحِيفُ في الكُتُبِ الْمَخطوطةِ؛ لأنَّ هناكَ أُنَاساً يُقالُ لهم: الوَرَّاقُونَ.
والوَرَّاقُ:
إنسانٌ مُسْتَأْجَرٌ يَنْسَخُ،ووُجِدَ بَدَلٌ منهم وهيَ الْمَطابِعُ في هذا العصْرِ.
ومِنْ أمْثِلَةِ التصحيفِ الفِعْلِيَّةِ:
ما وَقَعَ للإمامِ يحيى بنِ مَعينٍ - وهوَ إمامٌ ووَقَعَ في التصحيفِ- فهناكَ رجُلٌ اسمُهُ العوَّامُ بنُ مُرَاجِمٍ، تَصَحَّفَ على يَحْيَى بنِ مَعِينٍ إلى العَوَّامِ بنِ مُزَاحِمٍ.
ومِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضاً:
أبو جَمْرَةَ بنُ عِمرانَ الضُّبَعِيُّ، ففي صُورةِ خَطِّهِ فيها إِيهامٌ، فيَتَصَحَّفُ كثيراً إلى أبي حَمْزَةَ، والسببُ أنَّ اسمَ حَمْزَةَ مَشهورٌ، واسمَ جَمْرَةَ غيرُ مَشهورٍ.
الْمُحَـرَّفُ:
يقولُ الحافظُ: (إنْ كانَ بالنِّسبةِ إلى الشَّكْلِ فالمحرَّفُ).
مِثالُهُ:
عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، الذي لا يَعْرِفُهُ يقولُ: عُبَيْدةُ.
مثالٌ آخَرُ:
بَشيرٌ وبُشَيْرٌ.
لكنْ هلِ التصحيفُ والتحريفُ يَقْصُرَانِ على هذا؟
بحُكْمِ الْمُطَالَعَةِ في كُتُبِ المصطَلَحِ والكتُبِ التي تَعْتَنِي بالتصحيفِ، نَجِدُ أنَّ الحافظَ ابنَ حَجَرٍ، اخْتَصَرَ اختصاراً وقَسَّمَهُ إلى هذا التقسيمِ، ولا أَعْرِفُ مَنْ قَسَّمَهُ بهذهِ الصورةِ، ولكنَّهم يُعَبِّرُونَ دائماً بالتحريفِ والتصحيفِ على مَعْنًى واحدٍ تَقريباً.
والتحريفُ والتصحيفُ يَنقسِمُ عندَهم إلى قِسمَيْنِ:
1-تَصحيفٌ لَفْظِيٌّ.
2-وتَصحيفٌ مَعْنَوِيٌّ.
التصحيفُ الْمَعنويُّ: يَقَعُ في مُتُونِ الأحاديثِ، ولفْظُ الْحَدِيثِ لم يَتَغَيَّرْ فيهِ شيءٌ، لا بالشَّكْلِ ولا بالنَّقْطِ، لكنَّ فَهْمَ معنى الْحَدِيثِ يَتغيَّرُ.
مِثالُهُ:
أبو مُوسَى الزَّمِنُ، وكان مِنْ قَبيلةِ عَنَزَةَ، في حديثِ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ إذا أَرادَ أنْ يُصَلِّيَ تُغْرَسُ بينَ يَدَيْهِ الْعَنَزَةُ ليَجعلَها سُتْرَةً في الصلاةِ، والعَنَزَةُ مثلُ الْحَرْبَةِ.
فأبو موسى رَحِمَهُ اللَّهُ قالَ: نحنُ قومٌ لنا شَرَفٌ - يعني قَبيلةَ عَنَزَةَ - صَلَّى إلينا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ!! فهوَ صَحَّفَ المعنَى بهذهِ الصورةِ.
- يقولُ السُّيُوطِيُّ في (تَدريبِ الرَّاوِي) بأنَّهُ اطَّلَعَ على مِثالٍ أَعْجَبَ في هذا الْحَدِيثِ؛ فبَعْضُهُم قالَ: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ صلَّى إلى شَاةٍ؛ فحَسِبَ قولَهُ: عَنَزَةَ، أنَّها بِسُكُونِ النونِ (عَنْزَةٌ)، وَعَبَّرَ بالمعنى فقالَ: صَلَّى إلى شاةٍ.
- ومِنْ أَمثِلَتِهِ: ما ذَكَرَهُ ابنُ الْجَوْزِيِّ - لعلَّهُ نَقَلَهُ عن الْخَطَّابِيِّ، أوْ عن الدَّارَقُطْنِيِّ - أنَّ أحَدَ الْمُحَدِّثِينَ حينَما ذَكَرَ حديثَ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ ((نَهَى أَنْ يَسْقِيَ الرَّجُلُ مَاءهُ زَرْعَ غَيْرِهِ)).
فكانَ هناكَ أُنَاسٌ جُلوسٌ فتَلَوَّمُوا، وقالُوا: واللَّهِ لقدْ كُنَّا نَسْقِي مَزَارِعَنا ونُسَرِّحُ الماءَ إلى جِيرَانِنَا؛ فَأَخَذُوا يَسْتَغْفِرونَ اللَّهَ تعالى على هذا الفِعْلِ!
والسَّبَبُ أنَّهُم أَسَاؤُوا فَهْمَ هذا الْحَدِيثِ، معَ أنَّ المقصودَ مِن الْحَدِيثِ السَّبَايَا مِن النِّساءِ؛ فالنبيُّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ كَنَّى عن الْجِماعِ بهذهِ التَّكْنِيَةِ، فنَهَى أنْ يَطَأَ الرجُلُ الْمَسْبِيَّةَ قبلَ أنْ يَسْتَبْرِئَ رَحِمَها؛ قبلَ أنْ تَحِيضَ، ثمَّ تَطْهُرَ.
ومِثالُهُ أَيْضَاً:
ما وَقَعَ - كما يقُولُونَ- لابنِ شاهينَ؛ وهوَ إمامٌ حافِظٌ، أنَّهُ تَصَحَّفَ عليهِ حديثُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ لَعَنَ الذينَ يُشَقِّقُونَ الخُطَبَ - أيْ: يَتَفَاصَحُونَ أمامَ الناسِ - فتَصَحَّفَ عليهِ إلى: يُشَقِّقُونَ الْحَطَبَ؛ فكانَ هناكَ أهلُ سُفُنٍ جالسونَ فقالُوا: فماذا نَفعلُ بالسُّفُنِ؟
أيْ: نحنُ نَتَّخِذُها مِن الْخَشَبِ ونُشَقِّقُ الْخَشَبَ حتَّى نَصنعَ السفُنَ.
والتصحيفُ موجودٌ إلى عَصْرِنا؛ فقدْ كانَ هناكَ أحَدُ الأَئِمَّةِ يَقرأُ (مُخْتَصَرَ سيرةِ ابنِ هِشامٍ) لمحمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ، فيَذْكُرُ نَسَبَ قُريشٍ، قالَ: قُرَيْشٌ مِنْ كِنانةَ. وتَصَحَّفَتْ عندَهُ في الكتابِ إلى (كُنَافَةَ)! قالَ أحَدُ الْجُلوسِ: كِنَانَةُ أوْ كُنَافَةُ؟
قالَ: الموجودُ كُنَافَةُ!
وهذا لا يَدْخُلُ في التصحيفِ الْمَعنويِّ، بلْ هوَ مِنْ تَصحيفِ النَّظَرِ، وسيأتِي.
مُلاحَظَةٌ:
غالبُ ما يَنشأُ التصحيفُ عنْ عَدَمِ الْجُلوسِ معَ الشيوخِ وأَخْذِ العِلْمِ عنهم، وإنَّما يَأخذونَ العلْمَ عن الصُّحُفِ؛ ولذلكَ قِيلَ للَّذِي يُصحِّفُ: إنَّهُ صُحُفِيٌّ.
القِسْمُ الثاني:
التصحيفُ اللَّفْظِيُّ:
يَقعُ في الإسنادِ والْمَتْنِ،ووُقوعُهُ في الإسنادِ والْمَتْنِ يَختلِفُ، فيَنقسِمُ إلى:
1- تصحيفِ بَصَرٍ.
2-تَصحيفِ سَمْعٍ.
تَصحيفُ الإِسْنَادِ:
مِنْ أَمْثِلَتِها تَصحيفُ يحيى بنِ مَعينٍ رَحِمَهُ اللَّهُ العَوَّامَ بنَ مُرَاجِمٍ إلى العوَّامِ بنِ مُزاحِمٍ
2- تَصْحِيفُ الْمَتْنِ:
مِنْ أَمْثِلَتِها حديثُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ احتَجَرَ في الْمَسْجِدِ - يعني: اتَّخَذَ حُجرةً مِنْ حَصيرٍ في الْمَسجِدِ - فَابْنُ لَهِيعَةَ - أحَدُ الرُّواةِ - صَحَّفَ الحديثَ إلى: احتَجَمَ في الْمَسْجِدِ.
والتصحيفُ بالبَصَرِ:
مِثْلُ: أنْ يكونَ الكتابُ غيرَ مَنقوطٍ، أوْ تكونَ النُّقَطُ مُتقارِبَةً، أوْ مِنْ جَرَّاءِ العَجَلَةِ.
مثلاً:
أحدُهم قَرَأَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ...))، تَصَحَّفَتْ عليهِ (سِتًّا) إلى (شَيْئاً) فَقَالَ: مَنْ صَامَ رَمضانَ وأَتْبَعَهُ شَيْئاً مِنْ شوَّالٍ؛ فالسَّببُ أنَّها لم تُنْقَطْ، وهمْ لم يكُونوا يَهْمِزُونَ.
وتصحيفُ السَّمْعِ:
وهوَ يَقعُ في الكلماتِ التي مَخارِجُها مُتقارِبَةٌ، والغالِبُ أنْ يكونَ مِمَّنْ كانَ بَعيداً عن الشيخِ أوْ سَاهياً أوْ نحوَ ذلكَ، مثالُهُ: عاصمٌ الأَحْوَلُ، وواصِلٌ الأَحْدَبُ.
مُلاحَظَةٌ:
قدْ يُعَبَّرُ بالتصحيفِ عن التحريفِ والعكْسُ، والحافظُ ابنُ حَجَرٍ اجْتَهَدَ.
وهناكَ أَئِمَّةٌ عُنُوا بالتصحيفِ؛ منْهُم:
1-الدَّارَقُطْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لهُ كتابٌ يُثْنُونَ عليهِ، ولَيْتَهُ يَخْرُجُ إنْ كانَ مَوجوداً.
2-(تَصحيفاتُ الْمُحَدِّثِينَ) للعَسْكَرِيِّ، حقَّقَهُ الشيخُ مَحمودٌ الميرةُ، يَقَعُ في ثلاثِ مُجَلَّدَاتٍ.
3-الخَطِيبُ البَغداديُّ في كتابِهِ (الجامعُ لأخلاقِ الرَّاوِي وآدابِ السامعِ)؛ أفْرَدَ باباً في هذا الموضوعِ، وذَكَرَ أُنَاساً مِمَّنْ يُصَحِّفُ، ومِنْ جُملَتِهم ذَكَرَ عبدَ اللَّهِ بنَ الإمامِ أحمدَ، وذكَرَ عُثمانَ بنَ أبي شَيْبَةَ، أخا صاحبِ الْمُصَنَّفِ، وذَكَرَ عنهُ أُموراً عَجيبةً، وهيَ تُنْقَلُ عنهُ.
تَنبيهٌ:
وهنا لا بُدَّ مِنْ تَنبيهٍ: عثمانُ بنُ أبي شَيبةَ يُقالُ بأنَّهُ كانتْ فيهِ دُعَابَةٌ، وذُكِرَ عنهُ بعضُ التصحيفِ، ومِنْ جُملةِ ما ذُكِرَ عنهُ أنَّهُ قَرَأَ: {جَعَلَ السفينةَ في رَحْلِ أَخِيهِ}.
فقيلَ لهُ: {جَعَلَ السِّقَايَةَ}.
قالَ: لا، أنا وأخي أبو بَكْرٍ - (صاحبُ الْمُصَنَّفِ)- لا نَقرأُ لعَاصمٍ.
ويُقَالُ: إنَّهُ قَرَأَ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}، أنَّهُ قَرَأَهَا كأوَّلِ البَقرةِ. ألف لام ميم.
قُلْتُ: وأنا أَسْتَبْعِدُ جِدًّا، بلْ قدْ يكونُ مُستحيلاً أنْ يَقَعَ عُثمانُ بنُ أبي شَيبةَ في التصحيفِ؛ لأنَّ الرجُلَ مِنْ أَئِمَّةِ التفسيرِ، وأَئِمَّةُ التفسيرِ مَعْرُوفُونَ بالإجادةِ في القِراءاتِ، ولا يُفَسِّرُ القرآنَ أحَدٌ إلاَّ وهوَ حافِظٌ لهُ مُطَّلِعٌ على هذهِ الأمورِ، فكيفَ يَقَعُ في هذا التصحيفِ الذي لا يَقَعُ فيهِ صِغارُ الأطفالِ، ولهُ كتابٌ كبيرٌ في التفسيرِ؟!
لكنَّ الذَّهَبِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ حِينَمَا ذَكَرَ هذا عنهُ قالَ في السِّيَرِ: لعلَّ الرجُلَ كانَ يُداعِبُ، واللَّهُ يَغْفِرُ لنا ولهُ.
فالذهبِيُّلم يُحَاوِلْ أنْ يُدَقِّقَ في الأسانيدِ، وكأنَّهُ سَلَّمَ وُجودَ هذا الشَّيْءِ، وأنا أَدْعُو إلى التحقُّقِ ممَّا يُذْكَرُ عن الإمامِ عثمانَ بنِ أبي شَيبةَ وغيرِهِ.
وذَكَرَ الْخَطيبُ البَغداديُّ تَصحيفاتٍ وَقَعَتْ لعبدِ اللَّهِ بنِ الإمامِ أحمدَ، قالَ الشيخُ: ولا أَظُنُّهُ يَقَعُ فيها، لا لأنَّهُ مُبَرَّأٌ؛ لكنْ لأنَّها أشياءُ يَفْهَمُها صِغارُ طَلَبَةِ العلْمِ فَضْلاً عنْ مِثْلِ هذا الإمامِ.
الرِّوايَةُ بالْمَعْنَى:
عندَنا ثلاثةُ أَلْفَاظٍ بنَفْسِ الْمَعْنَى، وهيَ:
أَقْبِلْ وهلُمَّ وتَعَالَ.
لَكِنْ لوْ قُلْنَا: يا فُلانُ امْشِ؛ فلَفْظَةُ (امْشِ) تَحْتَمِلُ وَجهَيْنِ:
- تعالَ.
- والثاني:
انصَرِفْ؛لذلكَ قَالُوا: إذا كانَ الذي يُحَدِّثُ بالمعنى عالِماً بما يُحِيلُ المعانيَ مِن الألفاظِ، فهذا تَجُوزُ لهُ الروايَةُ بالمعنى، وأمَّا إنْ كانَ يُعَبِّرُ بلَفْظٍ قدْ يكونُ يُؤَدِّي مَعْنًى زائداً، أوْ مَعْنًى ناقِصاً، أوْ معنًى مُغَايِراً، فهذا لا يَجُوزُ لهُ بحالٍ مِن الأحوالِ أنْ يُحَدِّثَ بِالْمَعْنَى؛ لأنَّ الحُكْمَ الذي يُمْكِنُ أنْ يُسْتَنْبَطَ مِن الحديثِ يَتغيَّرُ بهذا الحالِ.
مثالُهُ:
حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، أنَّهُ ذَكَرَ قَبْضَ الرَّبِّ جلَّ وعَلا للسَّماواتِ والأرضِ في تفسيرِ قولِهِ تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزُّمَر:67] الرُّواةُ الكُثْرُ رَوَوْهُ: ويَقْبِضُ الأَرَضِينَ السبْعَ بيدِهِ الأُخْرَى، أحَدُ الرُّواةِ قالَ: بشِمالِهِ؛ فالذينَ يَستنكرونَ هذهِ اللَّفْظَةَ يَقولونَ: إنَّ الراويَ عَبَّرَ بالمعنى، وهذا الراوي لم يأتِ بالمعنى الدقيقِ؛ لأنَّهُ أتى بمعنًى يَتَرَتَّبُ عليهِ مسألةٌ أُخْرَى، وهيَ إثباتُ صِفةٍ مِنْ صِفاتِ اللَّهِ تعالى بمعنًى أَكْثَرَ دِقَّةً مِمَّا هوَ مَذكورٌ في الرواياتِ الأُخْرَى وهيَ: بيدِهِ الأُخْرَى.
والتغييرُ ليسَ فقطْ بتغييرِ لفظٍ مَكانَ لَفْظٍ، بلْ قدْ يكونُ اللفظَ كُلَّهُ، وقدْ يكونُ بالاختصارِ أيضاً، فَقَالُوا: لا يَجوزُ لهُ أنْ يَخْتَصِرَ الحديثَ، إلاَّ إذا كانَ عالِماً بما يُحِيلُ المعانيَ مِن الألفاظِ.
مِثالٌ:
ما ذَكَرَ الْمُحَشِّيُّ على (النُّزْهَةِ)، وهوَ حَدِيثُ: ((لا يُتَفَرَّقَنَّ عَنْ بَيْعٍ إِلاَّ عَنْ تَرَاضٍ))، فلا يَجوزُ اختصارٌ بحَذْفِ الاستثناءِ؛ لأنَّ الاستثناءَ مُهِمٌّ جِدًّا.
هذا الكلامُ الذي ذَكَرْنَاهُ إنَّما هوَ القولُ الراجحُ على الاختصارِ، لكنَّ هناكَ أكثَرَ مِنْ مَذْهَبٍ في هذا:
1-فهناكَ مِن العُلماءِ مَنْ لم يُجِزِ الروايَةَ بالمعنى أَصْلاً؛
مثلُ: محمَّدِ بنِ سِيرِينَ وغيرِهِ، حتَّى إنَّهُ حَكَى عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهُما، فيقولُ: لا بُدَّ أنْ يُؤَدَّى الحديثُ بنَفْسِ اللَّفْظِ.
لكنَّنَا وَجَدْنَا الصَّحابةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم يُؤَدُّونَ الحديثَ الواحدَ بألفاظٍ بَيْنَها شيءٌ مِن الاختلافِ، لكنْ تَجِدُ أنَّ المعنى واحدٌ ثَمَّ؛ ولذلكَ كانَ الصَّحابةُ رَضِيَ اللَّهُ عنهم إذا حَدَّث، أَرْدَفَ ذلكَ بقولِهِ: أوْ كما قالَ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، أوْ نَحْوَ ذلكَ.
2-وهناكَ مِن العُلماءِ مَنْ قالَ:إنَّ الرِّوايَةَ بالمعنى يُمْكِنُ أنْ نُجِيزَها في الألفاظِ دونَ الْجُمَلِ الطويلةِ (الْمُرَكَّبَاتِ)؛ لأنَّ اللفْظَ الواحدَ لوْ أَخْطَأَ فيهِ الراوي فالْخَطَأُ يُمْكِنُ أنْ يُسْتَدْرَكَ، والغالبُ أنَّ اللفظَ لا يَحْتَمِلُ أنْ يُؤْتَى بلفْظٍ آخَرَ يَحْتَمِلُ معنًى زائداً، لكنْ لوْ غَيَّرَ جُملةً كاملةً، فلَرُبَّمَا تَغَيَّرَ سِياقُ الحديثِ، بحيثُ يَتَرَتَّبُ على هذهِ الْجُملةِ التي أتَى بها مَعَانٍ زائدةٌ، واستنباطُ أحكامٍ لم تَكُنْ مَوجودةً في أَصْلِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ.
مثالُهُ:
حَدِيثُ: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))، وَ((مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْهُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))، فكَلمةُ كَذَبَ وتَقوَّلَ بمعنًى واحِدٍ، فلم يَتَرَتَّبْ عليهِ إخلالٌ بمعنًى بالحديثِ.
لكنْ لوْ قالَ: (إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- تَهدَّدَ الذي يَسْمَعُ منهُ الحديثَ ويُؤَدِّيهِ بلفْظٍ آخَرَ، فهذا فَهِمَ معنًى مِن الحديثِ بحَسْبِ بحَسَبِ فَهْمِهِ فعَبَّرَ بهذا اللفْظِ، والحديثُ لا يَقْصْرُ يُقْصَرُ على هذا المعنى، بلْ هذا المعنى يُمْكِنُ أنْ يُستفادَ مِن الحديثِ بِناءً على التوَسُّعِ في الاستنباطِ، لكنَّ الحديثَ يَهْدُفُ يَهْدِفُ أوَّلاً مَن اخْتَلَقَ حَديثاً على النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ.
3-مِن العُلماءِ مَنْ رَأَى أنَّ التعبيرَ بالمعنى يَجوزُ للصحابةِ فقطْ دونَ غيرِهم، وحُجَّتُهُ أنَّ الصَّحابةَ -رَضِيَ اللَّهُ عنهم- كانُوا عَرَباً فُصَحَاءَ، يَعْرِفونَ المعانيَ التي لوْ عُبِّرَ عنها بألفاظٍ غيرِ التي سَمِعُوها مِن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- لتَغيَّرَ مَعناها.
الْخُلاصَةُ:
وأقوالُهم في ذلكَ كثيرةٌ، لكنَّ خُلاصةَ الأقوالِ ما ذَكَرْنَا، والذي يُرَكَّزُ عليهِ مَذْهَبُ الْجَوازِ، ومَذْهَبُ الْجَوازِ بالشُّرُوطِ،
والرَّاجحُ الْجَوازُ لِمَنْ كانَ عَارِفاً بما يُحِيلُ المعانيَ مِن الأَلفاظِ.
بَيّنَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٍ:
- البُخاريُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ- كانَ يَرَى الرِّوايَةَ بالمعنى جَائِزَةً، وهذا واضحٌ في صحيحِهِ.
- مسلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كانَ مُلْتَزِماً بأداءِ الأحاديثِ كما سَمِعَها؛ لأنَّهُ ألَّفَ كتابَهُ وأُصُولُهُ حاضرةٌ، وكثيرٌ مِنْ مَشايِخِهِ كانوا أحياءً، فلو اشْتَبَهَ عليهِ لفْظٌ لرَاجَعَهم،؛ فلِذَلِكَ نَجِدُ سِياقَ مسلِمٍ للأحاديثِ أَجْوَدَ مِنْ سِياقِ البُخاريِّ.
نَقَلَ الحافظُ في شرْحِهِ كلامَ القاضي عِياضٍ حينَما ذَكَرَ أنَّهُ يَنبغِي أنْ يُسَدَّ بابُ الروايَةِ بالمعنى؛ حتَّى لا يُسَلَّطَ أحَدٌ على أحاديثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- فيُعبِّرَ عنها بتَعبيراتٍ قدْ تُخِلُّ بالمعنى الْمُرادِ.
غريبُ الحديـثِ:
المقصودُ بهِ:
الألفاظُ التي يُشْكِلُ معْنَاهَا على بعضِ الناسِ فَتُبَيَّنُ لهُ، وهذهِ الألفاظُ أَشْكَلَ معناها بسَبَبِ قِلَّةِ استعمالِها، فالعُلماءُ - رَحِمَهُم اللَّهُ- ما تَرَكُوا شَارِدَةً ولا وَارِدَةً مِنْ عُلومِ الكتابِ والسُّنَّةِ إلاَّ وسَهَّلُوهَا لنا.
-فمِنهم مَنْ أَلَّفَ في غريبِ القرآنِ.
-ومِنهم مَنْ ألَّفَ في غريبِ السُّنَّةِ.
-ومنهم مَنْ جَمَعَ بينَهما.
1- غريبُ القرآنِ:
ألَّفَ فيهِ الرَّاغِبُ الأَصْفَهَانِيُّ في كتابِ (الْمُفْرَدَاتِالْمُفْرَدَاتُ).
2- غَريبُ السُّنَّةِ.
أ-أَقْدَمُ مَنْ علِمْنَاهُ ووَصَلَ إلينا كتابُهُ:
أبو عُبيدٍ القاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ، وكتابُهُ: (غَرِيبُ الحدِيثِ،)، وهوَ مَطبوعٌ في أربعةِ مُجَلَّدَاتٍ، لَكِنَّ تَرتيبَهُ صَعْبٌ، ووَضَعَ الدكتورُ مَحْمُودٌ الميرةُ فِهْرِساً يَخْدُمُ الباحثَ فيهِ.
ب-إبراهيمُ بنُ إسحاقَ الْحَرْبِيُّ:
لهُ كتابُ(غريبُ الحديثِ) طُبِعَ في جامِعةِ أُمِّ الْقُرَى وإنْ كانَ ناقِصاً، لكنْ هذا الذي وُجِدَ منهُ.
ج-ابنُ قَتَيْبَةَ الدَّيْنُورِيُّ:
لهُ كتابُ (غريبِ غريبُ الحديثِ) مطبوعٌ في ثلاثةِ مُجَلَّدَاتٍ.
د-مِنْ أَحْسَنِها كتابُ الْخَطَّابِيِّ، وهوَ: (غريبُ الحديثِ) طُبِعَ في جامعةِ أُمِّ القُرَى في ثلاثةِ مُجَلَّدَاتٍ.
لكنَّ جَميعَ ما ذَكَرْنَا مِن الكُتُبِ تَرتيبُها عَسِرٌ.
فمنها: ما وُضِعَ لهُ فِهْرِسٌ في آخِرِ الكتابِ، مثلُ: كتابِ الْخَطَّابِيِّ.
ومنها:ما أَُفْرَِدَ فِهْرِسُهُ في كتابٍ، مِثلُ: غَريبِ أبي عُبَيْدَةَ.
هـ-ومِنْ أَحْسَنِها كِتَابُ (النِّهَايَةُ) في غَرِيبِ الحَدِيثِ لابنِ الأثيرِ:
وهوَ مِنْ أَحْسَنِها تَرتيباً، ويُعْتَبَرُ أَخَذَ ما تَضَمَّنَتْهُ الكتُبُ السابقةُ ورَتَّبَهُ هذا الترتيبَ الْجَيِّدَ، فهوَ مُرَتَّبٌ على الحروفِ الأَبْجَدِيَّةِ.
و-أبو عُبيدةَ الْهَرَوِيُّ ألَّفَ كتابَ (الغَرِيبَيْنِ)، جَمَعَ فيهِ بينَ غَريبِ القرآنِ والسُّنَّةِ، والكتابُ مَطْبُوعٌ.
بيانُ الْمُشْكِلِ:
أحياناً لا نَجِدُ اللَّفْظَ قريباً علينا، بحيثُ أنه إنَّهُ يُشَكِّلُ صُعوبةً في فَهْمِ معناهُ، ولكنْ يكونُ اللفْظُ فيهِ صُعوبةٌ في تحديدِ مَعناهُ، فقدْ يكونُ حَمَّالَ أَوْجُهٍ، وفي الغالبِ هذا يَحْصُلُ في الأحاديثِ التي غَالَبُها التعارُضُ.
مثالُهُ:
حديثُ أبي هُريرةَ، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- قالَ عن الشَّيْطَانِ الذي عَلَّمَهُ آيَةَ الكُرْسِيِّ: ((صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ))،وكانَ مِمَّا عَلَّمَهُ آيَةُ الْكُرْسِيِّ((تَقْرَؤُهَا عِنْدَ مَنَامِكَ وَلا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ)).
وحديثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-: ((يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ أَحَدِكُمْ ثَلاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ؛ بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلاً طَوِيلاً...))الحديثُ.
فكيفَ نُوَفِّقُ بينَ الحديثَيْنِ؟
مُشْكِلُ الحديثِ يَقَعُ هنا. !!
فالعُلماءُ خَدَمُوا هذا الفَنَّ، وهوَ في (مُخْتَلِفِ الحديثِ) كما ذَكَرْنا سابقاً، وذَكَرْنا أنَّ الشافعيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِمَّنْ عُنِيَ بهذا وألَّفَ كتابَهُ (مختلِفِ مُختلِفُ الحديثِ)، وابنَ قُتَيْبَةَ والطَّحَاوِيَّ في (مُشْكِلِ الآثارِ)، فنَجِدُ الطَّحَاوِيَّ يَقولُ عنْ هذَيْنِ الحديثَيْنِ: الصوابُ فيهما أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- أَخْبَرَ أنَّ الذي يَنامُ ولا يَقرأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ يَعْقِدُ الشيطانُ على قافِيَتِهِ ثلاثَ عُقَدٍ، أمَّا إذا قَرَأ آيَةَ الكُرْسِيِّ فلا يَستطيعُ الشيطانُ أنْ يَعْقِدَ عليهِ ثلاثَ عُقَدٍ. يُمْكِنُ أنْ يُقالَ هذا).
شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: عبد العزيز السعيد (مفرغ)
القارئ: ( (أو بتغييرٍ مع بقاء السياق، فالمصحَّفُ والمحرَّفُ).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (هذا إذا حصل إبدالٌ بتغيير في السياق، هذا يطلق عليه المصحف والمحرف.
- المؤلف رحمه الله يَفْصِل بين المصحف والمحرف، المعروف عند العلماء قديماً أن المصحف والمحرف سواء.
- سواء صحف في:
- حرفٍ.
- أو في نقل.. في كلمة. - أو بالنقط. - أو بالشكل هذا كله يطلق عليه مصحف أو محرف. الحافظ ابن حجر يرى أن هناك فرقاً بين المصحف والمحرف. - المصحف:
هو التغيير الذي يقع في الكلمة، مع بقاء صورتها، أو في الاسم مع بقاء صورته، ولكن يكون التصحيف في النقط فقط، فعندنا بعض الحروف يشبه بعضها بعضاً، النون، والتاء، والباء، والياء، والثاء، هذه تشبه بعضاً، إذا رفعت النقط منها كتابتها واحدةٌ، فعندنا (شيئاً) هذه فيها نقط، والأولون ما كانوا يهمزون؛ يضعون الهمزة هذه، ولا يضعون النقط، فإذا كتبتها ورفعت الهمزة والنقط هذه تحتمل:
- أن تكون (ستاً).
- وتحتمل أن تكون (شيئاً).
ولهذا وقع التصحيف فيها من بعض الرواة: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال))، قال بعض الرواة: (وأتبعه شيئاً) قالوا: هذا من التصحيف.
- أو مثلاً: في قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا ألفين أحدكم يوم القيامة يحمل بعيراً له رغاء، أو شاة تيعر)). اليعار، هو صوت الشاة، صحفه بعض الرواة قال (تنعر) يعني إذا حذفنا النقط من (تيعر) تحتمل أنها (تنعر)؛ لأن الكتابة واحدة. مثل: هذا التغيير في النقط؛ فنسميه تصحيفاً، سواءً في السند أو في المتن، الإسناد، مثل: بشير يصلح أن يكون: (بشير) ويصلح أن يكون: (يسير)، عندنا: (ثابت) يصلح أن يكون: (ثابتاً) ويصلح أن يكون: (نابتاً). فإذا كان اسمه ثابتاً فقال الراوي: نابت؛ فنسميه تصحيفاً؛ لأن التغيير وقع في النقط. أما إذا بقيت صورة الحرف والكلمة، ولكن حصل التغيير في الشكل، يعني: الضمة، والكسرة، والفتحة، والسكون، فهذا يسمى المحرف عند ابن حجر،بَشير، وبُشير، إذا كان في الإسناد بَشير وقال بعضهم: بُشير؛ فنسمي فعله تحريفاً. هذا (الذي) ذكره الحافظ ابن حجر، لكن العلماء يذكرون ما هو أعم من هذا، وأن المصحف، والمحرف أعم من هذا، حتى يقع في تحريف الحروف أنفسها، لا تبقى الكلمة، مثل: قوله في الحديث: (احتجر) النبي صلى الله عليه وسلم حجرة في المسجد، جاء بعض الرواة فقال: احتجم؛ (احتجم) هذه فيها الميم تفرق عن الراء، ومع ذلك العلماء أدخلوها في المصحف والمحرف. الحافظ ابن حجريرى أن المصحف، (هو ما وقع التغيير في نقطه مع بقاء صورته)، مع بقاء صورة الخط.
والمحرف:ما حصل التغيير في شكله مع بقاء صورة الخط.
القارئ: ( (ولا يجوز تعمد تغيير المتن)
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (هذا المصحف والمحرف، الرواية (التي) يقع فيها التصحيف، أو التحريف، تعتبر من أوهام الرواة وأغلاطهم، وإذا كثرت على الإنسان تدل على عدم ضبطه، ويعتبر فعله في التصحيف أو التحريف مخالفةً لغيره، ويعتبر حديثه من الأحاديث الضعيفة على هذه الصورة، ويكون داخلاً في أقسام المعل؛ لأن من الإعلال ما يكون بالتصحيف أو بالتحريف.
القارئ: ( (ولا يجوز تعمد تغيير المتن بالنقص والمرادف إلا لعالمٍ بما يحيل المعاني).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (هذا يتعلق بنوعين من أنواع علوم الحديث:
- أحدهما:ما يتعلق باختصار الحديث.
- والثاني:ما يتعلق برواية الحديث بالمعنى.
لا يجوز تعمد التغيير بأن يروي الحديث بالمعنى أو أن يختصر الحديث.
القارئ: ( (بالنقص والمرادف).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (النقص هذا هو الاختصار.
القارئ: ( (والمرادف).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (والمرادف هو الرواية بالمعنى.
القارئ: ( (إلا لعالم بما يحيل المعاني).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (هذا هو الشرط، لا يجوز للإنسان أن يختصر الحديث إلا إذا كان عالما بما يحيل المعاني، ولا يجوز له أن يروي الحديث بالمعنى إلا إذا كان عالماً بما يحيل المعاني.
- اختصار الحديث معناه:أن يروي الراوي طرفاً من الحديث ويترك بعضه، هذا يجوز للعالم بما يحيل المعاني، بحيث إنه يروي الحديث المختصر كاملاً، بحيث لا يتعلق بالمحذوف أثر بهذا المذكور، فإذا كان المذكور شرطا وحذف الجواب ما يجوز، أو كان المذكور مبتدأ والآخر خبراً ما يجوز.
أما إذا كان المذكور يُفْهِم الجملة ولا يتعلق به ما بعده، فيجوز الاختصار.
- مثل:
حديث ثابت بن الضحاك: ((ليس على ابن آدم نذرٌ فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشيءٍ عذب به يوم القيامة))، هذا يجوز أن يروي الراوي الجملة الأولى منه فيقول: ((ليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك))؛ لأن الجملتين اللتين بعده لا تعلق لهما به.
- ويجوز أن يروي: ((لعن المؤمن كقتله)) فقط، ويجوز أن يروي الجزء الأخير: ((من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة))؛ لأن كل جملة من هذه الجمل لا اتصال لها بالأخرى، ولا تعلق لمعنى هذه بهذه.
أما إذا كان له تعلق يرتبط بالحكم فلا يجوز له، مثل لو روى حديث ((الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة كفارةٌ لما بينهن)) وسكت ما يجوز؛ لأن فيه شرط: ((ما لم تغش الكبائر)).
- التكفير معلقٌ بترك غشيان الكبائر، فلا يجوز أن يقف على قوله: كفارةٌ لما بينهن ويحذف الباقي؛ لأن هذا يتعلق به ما بعده، لأن ما بعده شرطٌ فيه.
- وكذلك:
مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ((أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهراً جارياً يغتسل منه كل يوم خمس مراتٍ، أيبقى من درنه شيء؟)). قالوا: لا. قال: ((فذلك مثل الصلوات الخمس)). هنا لا يجوز حذف مثل الصلوات الخمس؛ لأن الحديث أصلاً موردٌ من أجلها.
فإذا كان ما بعدها لها تعلقٌ بما قبلها فلا يجوز الحذف، أما إذا كان معناها يتم ولا يتعلق لما بعدها فيجوز الاختصار، ولهذا اشترطنا فيه أن يكون عالماً بما يحيل المعاني؛ لأن غير العالم قد يحذف ما يجب ذكره ولا يتم المعنى إلا به.
- وأما رواية الحديث بالمعنى فهو معناه: استبدال الألفاظ وذكر معانيها، يعني: استبدال الألفاظ بألفاظ أخرى، وهذه الألفاظ الأخرى تدل على معاني الألفاظ الأولى.
هذا النوع جائز، لكن شريطة أن يكون عالماً بما يحيل المعاني، وأيضاً لا بد أن يكون عالما بمقاصد الألفاظ ومدلولاتها، وكثير من الأحاديث فيها رواية بالمعنى.
مثلاً:
إذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل كذا؛ فجاء الراوي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، هذا رواية بالمعنى.
إذا روى الراوي: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ولا تناجشوا))، وقال راو آخر :((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش))، (نهى) دالةٌ بالمعنى على الرواية الأولى، فإذا كان عالماً بمقاصد الألفاظ ومدلولاتها، عالماً بما يحيل المعاني جاز له ذلك، وإن لم يكن فلا يجوز له ذلك.
فإن قال قائل:
قد سبق في بيان حد الحديث الصحيح أنه يشترط له أن يكون الراوي ضابطاً، فكيف تقبل روايته بالمعنى؟
والجواب عن هذا أن الضبط عند العلماء ليس مختصاً بالألفاظ، ولكن الضبط يشمل الألفاظ والمعاني، ولهذا ابن حبان اشترط أن يكون الراوي فقيهاً، هذا الشرط من ابن حبان وغيره لا يقصدون به ما فهمه بعض الناس أنه عنده قدرة على الاستنباط، يقصد أن يعلم الأحاديث على وجهها الصحيح الذي إذا أدى معه بالمعنى قُبل.
أما لو جاء إنسان يحفظ باللفظ تماماً بتمام، لا يشترط فيه أن يكون عالماً بالمعاني، لكن إذا كان يؤدي الحديث على المعنى، أو يؤدي بعض الحديث بالمعنى فلا بد أن يكون عالماً بالمعاني، وهو يعبر عنه العلماء باشتراط فقه الراوي.
إذاً: إذا اشترطنا أن يكون عالماً بالألفاظ ومقاصدها ومدلولاتها عالماً بما يحيل المعاني ورى الحديث بالمعنى.
فهذا يسمى ضابطاً، لأنه لو كلف رواية الحديث باللفظ، لكان لحق الناس عنتٌ ومشقةٌ.
القارئ: ( (فإن خفي المعنى احتيج إلى شرح الغريب وبيان المشكل).
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (يعني: بيان غريب الألفاظ؛ لأن الغريب يطلق على اثنين:
- يطلق على الغريب سنداً.
-ويطلقونه تجوزاً على غريب الألفاظ.
ويعنون بغريب الألفاظ: الحديث الذي تقع فيه لفظةٌ تحتاج إلى بيانٍ وإيضاحٍ لمعناها؛ لقلة استعمالها، أو ندرتها، أو غموضها وخفائها.
فتحتاج إلى بيان:
- إما لقلة استعمالها، وهو الغالب.
- أو لقلة تداولها بين الناس في العصور المتأخرة بعد التشريع. فإذا جاء: (وأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تستثفر بثوب أسماء بنت عميس)، (تستثفر) كانت للصحابة معروفة ، لكن لما تأخر الناس صارت هذه من الألفاظ الغامضة؛ لقلة استعمالها وبعد الناس عن معاني اللغة العربية وألفاظها التي كانت موجودة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام. ما سألوه؛ عن معنى (تستثفر) ذكرت في غريب الحديث، وهذه اللفظة تعني أن المرأة إذا حاضت أو نفست في الحج، أنها تشد على فرجها خرقةً بعد أن تحشوه بقطن، حتى لا ينـزل الدم. كذلك الحديث:
((الجار أحق بصقبه)) المراد بصقبه يعني: أحق بجاره في الشفعة، يعني: أحق بجاره من غيره، فالصقب هو الجار، الناس لما كانوا في الأول قريبين من عهد النبوة كانت الكلمات الغريبة المدونة في كتب غريب الحديث قليلة، كلما تأخر الناس بدأ ألفاظ الأحاديث تكون غريبة عليهم، حتى ذكرت أشياء ليست بغريبة؛ لأن الناس اختلطوا العرب والعجم تغيرت لهجتهم، صاروا لا يدركون معاني ألفاظ النبي عليه الصلاة والسلام، يخطئون فيها. فلهذا اضطر العلماء إلى ذكر شيء كثير من الغريب بعد تأخر الناس هذا الغريب، قد يفسره النبي عليه الصلاة والسلام، وقد يفسره غيره.
فإذا فسره النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا هو المعتبر، أو جاءت روايةٌ، أو حديث آخر يفسر هذا الغريب؛ لأن أحق ما فسر به الحديث الحديث، فإذا جئنا نفسر الغِيبة، نفسرها بتفسير النبي عليه الصلاة والسلام: ((الغِيبة: ذكرك أخاك بما يكره)).
ولا تحتمل غير هذا التفسير؛ لأن هذا هو تفسيرها من النبي عليه الصلاة والسلام.
الحديث السابق:
((الجار أحق بصقبه)) إذا بحثنا في الأحاديث الأخرى: ((الجار أحق بشفعة جاره)) هذا يفسر هذا، وهذا أولى ما فسر به كلام النبي عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك مما يتعلق بمتن الحديث مما ذكره المؤلف بيان المشكل، تقدم معنى مختلف الحديث وقلنا هناك: إن مختلف الحديث يدخل في مشكل الحديث.
المشكل مأخوذ من الإشكال، وهو التباس الأمر واختلاطه، مشكل الحديث أن يكون الحديث أو لفظة منه ملتبسة، إما في الكلمة نفسها، بحيث إنها تحتمل أموراً كثيرةً، أو معاني متعددةً، كلفظ القُرْء.
القُرء: يطلق على الطهر ويطلق على الحيض، فهو لفظ مشترك.
إذاً:هو مشكل حتى يتبين؛ فإن المشترك من المشكل حتى يأتي الراجح منهما.
كذلك إذا عارض هذا الحديث حديث آخر؛ فهذا نسميه مشكلاً، هنا موضع اجتماع المشكل مع المختلف، ابن حجر في الأول ذكر أن الحديث، إذا عورض بمثله في الظاهر وأمكن الجمع؛ فهذا مختلف الحديث، ويسمى مشكل الحديث ولهذا الطحاوي في مشكل الآثار أدخل هذا النوع.مشكل الحديث أعم من المختلف، فهذه الصورة داخلة تجمع بين المشكل والمختلف.
أما معارضة الحديث لحديث آخر ولم يمكن الترجيح، ولا النسخ، فهذا يسمى مشكلاً، ولا يسمى مختلفاً، كذلك إذا عارض الحديث القرآن، فهذا يسمى مشكلاً، ولا يسمى مختلفاً، ولهذا كتب مختلف الحديث تعتني باختلاف الأحاديث، ولا تعتني بمخالفة الحديث للقرآن، وهذا كمختلف الحديث للشافعي، وإن كان ابن قتيبة يدخل غير الحديث.
إذا كان الإشكال راجعاً إلى فهم النص أو الكلمة؛ لغموضها أو خفائها فهذا يسمى مشكلاً، فالمشكل قد يقال: إنه يجمع بين المختلف والغريب وزيادة؛ لأن اللفظة إذا أشكلت، فعرفنا معناها صارت من غريب الحديث، والمعنى إذا أشكل ولم يتبين، فهو مشكل، والمعنى إذا أشكل وعارض حديثاً آخر؛ فهذا يسمى مختلفاً إن أمكن الجمع، فإن لم يمكن الجمع ولا النسخ، فيسمى مشكلاً.
الحديث إذا عارضه حديث يسمى مشكلاً، وإذا عارض الحديث آيةٌ، فهذا يسمى مشكلاً، أو عارضه قول الصحابي في بعض المواضع قول راويه فيسمى هذا من باب المشكل، ولهذا يدخلون هذه الأشياء في مشكل الحديث).
العناصر
المصحف والمحرف:
المصحف:
تعريف (المصحف)
أهمية معرفة (المصحف)
من أمثلة التصحيف
طرق معرفة التصحيف
كيف حدوث التصحيف
الفرق بين (التحريف) و(التصحيف)
أقسام التحريف والتصحيف
القسم الأول: التصحيف المعنوي
التصحيف المعنوي يقع في متون الأحاديث
أمثلة التصحيف المعنوي
سبب التصحيف المعنوي
القسم الثاني: التصحيف اللفظي
التصحيف اللفظي يقع في الإسناد وفي المتن
مواضع التصحيف:
الموضع الأول: التصحيف في الإسناد
مثال التصحيف في الإسناد
الموضع الثاني: التصحيف في المتن
مثال التصحيف في المتن
أسباب التصحيف:
السبب الأول: عدم مجالسة العلماء
السبب الثاني: ضعف السمع
مثال السبب الثاني
السبب الثالث: ضعف البصر
مثال السبب الثالث
فائدة: أكثر من يقع منهم التصحيف الذين يعتمدون على القراءة دون تتلمذ على شيخ متقن
تسمية بعض الأئمة الذين عنوا بكشف التصحيف
أمثلة لمن ذكر عنهم الوقوع في التصحيف:
وقوع ابن معين في التصحيف
وقوع عثمان ابن أبي شيبة في التصحيف
وقوع عبد الله بن الإمام أحمد في التصحيف
المحرف:
تعريف (المحرف)
أمثلة (المحرف)
أهمية معرفة (المحرف)
المصنفات في (التصحيف والتحريف)
مسألة: اختصار الحديث والرواية بالمعنى
صور اختصار الحديث
الصورة الأولى: الاقتطاع من الحديث
معنى الاقتطاع
حكم الاقتطاع من الحديث
مثال على الاختصار المخل
الصورة الثانية: الرواية بالمعنى
المراد برواية الحديث بالمعنى
مثال رواية الحديث بالمعنى
حكم الرواية بالمعنى
ذكر الخلاف بين العلماء في جواز الرواية بالمعنى:
ذكر رأي البخاري في الرواية بالمعنى
ذكر رأي مسلم في الرواية بالمعنى
ذكر رأي القاضي عياض في ذلك
بعض العلماء يجيز الرواية بالمعنى في الألفاظ دون الجمل الطويلة
بعض العلماء يجيز الرواية بالمعنى للصحابة فقط، وبيان حجته في ذلك
القول الراجح في حكم الرواية بالمعنى
تنبيهات:
عند النقل من الكتب يجب نقل الحديث بلفظه لا بمعناه
ينبغي لمن يذكر حديثاً بمعناه، أن يقول: أو نحو هذا، أو معناه، أوشبهه
غريب الحديث ومشكله:
غريب الحديث:
أهمية علم (غريب الحديث)
تعريف (غريب الحديث)
مثال لغريب الحديث
المصنفات في (غريب الحديث)
أول من ألف في غريب الحديث
من يحتاج إلى كتب الغريب ومشكل الحديث
(النهاية) لابن الأثير من أحسن كتب الغريب ترتيبًا
بعض كتب الغريب تأثرت بالمذاهب الفقهية
كتب الغريب لها فضل كبير في وجود المعاجم اللغوية
فائدة: أحجم كثير من الأئمة عن شرح غريب الحديث وتهيبوا بادئ الأمر، وذكر مثال لذلك
مشكل الحديث:
بيان معنى (مشكل الحديث)
مثال (مشكل الحديث)
فائدة: المشكل له علاقة كبيرة بالتعارض الذي سماه الأئمة (مختلف الحديث)
تسمية بعض العلماء الذين برزوا في هذا الفن
المصنفات في (مشكل الحديث)
الأسئلة
س1: عرف (المصحف) لغة واصطلاحاً.
س2: عرف (المحرف) لغة واصطلاحاً.
س3: ما الفرق بين (المصحف) و (المحرف) مع التمثيل لكل منهما بمثال؟
س4: اذكر طرق معرفة التصحيف.
س5: بين كيف يحدث التصحيف.
س6: اذكر مع التمثيل أقسام التصحيف والتحريف.
س7: اذكر مع التمثيل أسباب التصحيف.
س8: ما حكم اختصار الحديث والرواية بالمعنى؟
س9: اذكر بعض صور اختصار الحديث.
س10: ما الفرق بين (غريب الحديث) و (الحديث الغريب).
س11: عرف (غريب الحديث).
س12: بين أهمية معرفة غريب الحديث.
س13: اذكر بعض المصنفات في غريب الحديث.
س14: عرف (مشكل الحديث).
س15: مثل لمشكل الحديث.
س16: اذكر بعض المصنفات في مشكل الحديث، مع ذكر بعض العلماء الذين برزوا في هذا الفن.
شرح نخبة الفكر للشيخ عبد الكريم الخضير (مفرغ)
قال الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير: (المصحف والمحرف:
ثم قال: "أو بتغيير مع بقاء السياق فالمصحف والمحرف" يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أنه إن كانت مخالفة الراوي لغيره من الرواة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحف، وإن كان ذلك بالنسبة إلى الشكل فالمحرف.
والمصحف: اسم مفعول من التصحيف، وهو في الأصل تغيير اللفظ حتى يتغير المعنى المراد من الموضع، وأصله الخطأ، قال المطرزي: "التصحيف أن يقرأ الشيء على خلاف ما أراده كاتبه، أو على خلاف ما اصطلحوا عليه" والمصحِف والصحفي هو الذي يروي الخطأ على قراءة الصُحُف، يعني إذا قيل: صحفي نسبة إلى الصحيفة المفرد، أما نطقها صُحُفي نسبة إلى الجمع شاذة، فيقال: صحفي، فهذا الصحفي الذي يروي الخطأ على قراءة الصحف هذا عند أهل الحديث؛ لأنه لا يوجد صحف بمعنى جرائد عندهم، وإن كان الآن اللفظ ينطلق عرفاً على من له عناية بالصحافة، والله المستعان.
المصحف اصطلاحاً: هو ما وقعت المخالفة فيه بتغيير النقط في الكلمة مع بقاء صورة الخط فيها، وبهذا الحد قال الحافظ ابن حجر، وعرفه السخاوي: بأنه تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها، تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها، وبين هذين التعريفين عموم وخصوص، فمجرد التغيير بأي صفة كان يسمى تصحيفاً عند السخاوي، ولا شك أن المعنى اللغوي يعضد هذا، والحافظ ابن حجر يخصه بالتغيير في النقط فقط وهو اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح.
أقسام التصحيف:
ينقسم التصحيف باعتبار موقعه إلى قسمين: تصحيف في السند، ومثاله: العوام بن مراجم، صحفه ابن معين فقال: ابن مزاحم، وهذا يقع كثيراً حينما يكون الاسم على غير الجادة، يقع فيه التصحيف.
والثاني: تصحيف المتن، ومثاله: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال)) صحفه الصولي فقال: "شيئاً" بدل "ستاً"، كما أنه ينقسم باعتبار اللفظ والمعنى إلى قسمين:
الأول: تصحيف لفظي وأمثلته كثيرة، منها المثالان السابقان.
الثاني: تصحيف معنوي، ومثاله: قول أبي موسى العنزي: "نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة –قبيلة- صلى إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يريد بذلك حديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى عنزة، فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم، والمراد بالعنزة هنا العصا الذي ينصبه المصلي أمامه سترة له، وليس المراد بذلك القبيلة، كما أن هذا حديث صحف على ما سيأتي من وجه آخر، فقُرأتْ عَنَزَة عَنْزة، صحفت من وجه آخر.
وينقسم التصحيف باعتبار منشأه إلى قسمين:
الأول: تصحيف بصر وهو الأكثر، وهو أن يشتبه الخط على بصر القارئ، إما لرداءة الخط، أو لضعف البصر.
والثاني: تصحيف سمع، ومنشأه رداءة السمع أو بعد السامع أو نحو ذلك، فتشتبه عليه بعض الكلمات لكونه على وزن صرفي واحد، تصحيف السمع سببه رداءة السمع من المستمع، أو بعد السامع من المتكلم، أو عدم إبانة المتكلم يعني من الطرف الآخر، فتشتبه عليه بعض الكلمات لكونها على وزن صرفي واحد، من ذلكم تصحيف بعضهم اسم عاصم الأحول فقال: واصل الأحدب، عاصم صار واصل، والأحول صار الأحدب، قد ذكر الدارقطني أنه من تصحيف السمع، لا من تصحيف البصر؛ لأنه في الكتابة مختلف، بينهم فرق كبير في الكتابة، لكن في السمع، واصل وعاصم قريبة، لا من تصحيف البصر كأنه -والله أعلم- ذهب إلى أن ذلك مما لا يشتبه من حيث الكتابة وإنما أخطأ فيه سمع من رواه.
والمحرف: اسم مفعول من التحريف وهو تغيير الكلمة عن معناها، وهي قريبة الشبه كما كانت اليهود تغير معاني التوراة بالأشباه، فوصفهم الله بفعلهم كما قال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}[ (46) سورة النساء] ويقال: تحرف وانحرف واحرورف عن الشيء إذا مال، قال تعالى: {إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ}[ (16) سورة الأنفال].
واصطلاحاً: هو ما وقعت المخالفة فيه بتغيير الشكل في الكلمة مع بقاء صورة الخط فيها، وإفراده عن المصحف اصطلاح لبعض العلماء، وهو الذي مشى عليه الحافظ، وإلا فكثير من العلماء لا يفردون المحرف، فيجعلونه داخل في المصحف، ويطلقون كلا منهما التصحيف والتحريف على كل تغيير يقع في الكلمة ولو مع عدم بقاء صورة الخط فيها.
أقسام التحريف: ينقسم التحريف باعتبار موضعه إلى قسمين:
تحريف في السند كأن يجعل بشيراً ولهيعة بفتح أولهما بُشيراً بالتصغير ولُهيعة بضمهما، هذا تحريف، تحريف في المتن: ومثاله ما وقع لبعض الأعراب في حديث:" صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى عنزة" الذي مر آنفاً، فحرك العنزة وسكن النون وقال: "عنْزة" ثم روى الحديث بالمعنى على حسب وهمه، فقال: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا صلى نصبت بين يديه شاة" حرف، سكن النون، ثم روى الحديث بالمعنى صارت العنزة بدل ما هي عنزة صارت شاة، إذا وجد الراوي كلمة مصحفة أو محرفة في كتابه فهل يهجم على هذه الكلمة ويصححها؟ أو يبقيها كما هي خطأ ويقرأها خطأ ويشير إلى الصواب؟ اختلف العلماء فيما إذا وجد الراوي أو المحدث في سند حديث أو متنه تصحيفاً أو تحريفاً فهل له تصحيح هذا التصحيف أو ضبط التحريف؟
على قولين:
الأول: ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك لا يجوز، بل يبقى كما هو إذا كان مكتوباً ذكره الخطيب عن عبد الله بن داود الخريبي، وذكره ابن الصلاح عن محمد بن سيرين، ولا شك أن هذا أحفظ للكتب، تبقى كما هي، تبقى كما أرادها مؤلفوها، يعني مو بخطأ من النساخ أو من الطابع، لا، خطأ من المؤلف نفسه، أما خطأ من النساخ يبين بمقابلة النسخ، خطأ من الطابع كذلك، يتبين بمراجعة الأصول، لكن إذا كان خطأ من المؤلف؟
القول الأول: أنه يبقى كما هو فلا يتعرض له لا بتصحيح ولا بضبط، يبقى كما هو، ولا شك أن هذا أحوط، نقله الخطيب عن عبد الله بن داود الخريبي، وابن الصلاح نقله عن محمد بن سيرين، وهذا من باب احتياط للكتب لئلا يهجم من ليس بأهل فيصحح فيقع في الخطأ، يظن أن هذا خطأ فيهجم عليه فيصححه فإذا حسمت المادة ما يصحح شيء خلاص، احتاط الناس للكتب.
القول الثاني: ذهب ابن المبارك والأوزاعي إلى جواز تغييره وإصلاحه وروايته على الصواب -لكن الأول إذا روي على الخطأ ينبه بالحاشية أن هذا خطأ صوابه كذا- القول الثاني: ذهب ابن المبارك والأوزاعي إلى جواز تغييره وإصلاحه وروايته على الصواب، أما إصلاحه في الكتاب فجوزه بعضهم، قال النووي: "والصواب تقريره في الأصل على حاله" يبقى في الأصل على حاله، والتضبيب عليه يوضع ضبة وبيان الصواب في الحاشية، الصواب كما قرره النووي أن يبقى الخطأ كما هو ويوضع عليه ضبة، إيش معنى الضبة؟ طرف صاد على شان تمد بقدر الكلمة، أو الكلام الذي يظن أنه خطأ، هذه يسمونها ضبة، يضبب عليه، ويكتب في الحاشية أن هذا خطأ صوابه كذا، إذا عرفنا هذا وأن الخطأ لا بد أن يقع من المخلوق، وأن التصحيف والتحريف موجود؛ لأن الرواة بشر يقعون في الخطأ، والنساخ كذلك، فعلينا أن نعتني بالتصحيح والتصويب والمقابلة، مقابلة الكتب على أصولها لنسلم من كثرة الأخطاء، ثم بعد ذلكم علينا أن نعتني بهذه الكتب فلا نهجهم عليها بتصحيح ومحو وكشط، بل يبقى الكتاب كما هو، إذا قوبل على الأصل يبقى كما هو، وإذا تبادر إلى الذهن أن هذه الكلمة خطأ أو هذه الجملة خطأ يبقيها كما هي ونصوب في الحاشية.
مما ينبغي الاهتمام به لطالب الحديث وغيره من طلاب العلم الشرعي أن يتعلم من النحو واللغة ما يسلم به من اللحن والتصحيف، وطريقه في السلامة من التصحيف الأخذ من أفواه الرجال، كم من كلمة تقرأ على غير وجهها؟ أما إذا سمعت من الأفواه استقرت، تكون الصورة واحدة تقرأها على الخطأ وإيش المانع؟ عَبيدة تقرأها عُبيدة على الجادة، لكن إذا سمعتها من أفواه الرجال ما أخطأت مرة ثانية، عن أبي حَصين تقرأها حُصين الجادة.
وطريقه في السلامة من التصحيف الأخذ من أفواه أهل المعرفة والتحقيق والضبط، لا من بطون الكتب، ولذا يقولون: "من كان علمه من كتابه كان خطأه أكثر من صوابه" تجدون الأوهام الكثيرة فيمن يعتني بالكتب ولم يأخذ العلم من أفواه الرجال، أيضاً على طالب العلم أن يعتني بالكتب التي فيها الضبط، سواء كانت لألفاظ المتون أو الأسانيد يعتني بها، فإذا تحررت له كلمة مضبوطة بعد المراجعة يهتم بها ويودعها سويداء قلبه، ويكون هذا ديدنه أي كلمة يشك فيها يراجع، ثم لا يلبث أن يكون لديه رصيد من الكلمات المصححة المصوبة التي يقع فيها كثير من الناس خطأً.
هناك بعض الشروح تعتني بالضبط بدقة، والضبط أحياناً يضبطون بالشكل، وأحياناً يضبطون بالحرف، وأحياناً يضبطون بالضد، وأحياناً يضبطون بالنظير، بالشكل واضح، يضعون الفتحة والضمة إلى آخره، زيد ....... بفتح الزاي والياء ساكنة، يضبط، أحياناً يضبطون بالحرف فيقولون: عبيدة بفتح العين، أو يقولون: بفتح المهملة وكسر الموحدة، أحياناً يضبطون بالضد: حرام بن عثمان ضد الحلال، حرام بن عثمان ضد الحلال، أسد بن موسى بلفظ الحيوان المعروف، عياض بن حمار بلفظ الحيوان، الحكم بن عتيبة بتصغير
عتبة الدار، وهكذا هم يضبطون بهذه الطريقة، يضبطون بهذه الطرق، وهل يضبط كل الكلام؟ منهم من ذهب إلى ذلك، قال: يضبط بالشكل كل الكلام من أوله إلى آخره، حتى كلمة (قال) تضبط؛ لأنه لا يبعد أن يأتي من صغار المتعلمين من لا يحسن قراءتها، لكن هذا لا، هذا ليس بجيد وإن قيل به، لكن إنما يشكل المشكل، يشكل المشكل، الكلام المشكل هو الذي يضبط بالشكل، إيش معنى تضبط كلمة (زيد) بفتح الزاي وسكون الياء ومثناة التحتية؟ ما هو لازم، لا داعي لضبط (زيد) لأنه ما في أحد..، إيش بيقراه؟ كيف يقرأ غير زيد؟ لكن عبيدة اضبط؛ لأنه يأتي من يبي يقرأها على الجادة عُبيدة، ولذا المحرر عند أهل التحقيق أنه إنما يشكل المشكل.
طالب:.......
نعم؟
طالب:......
يعني في القرآن؟ القرآن يصحح بلا شك، القرآن يصحح ويضبط على..، لكن ما يهجم على تصحيح قراءة وهو لا يعرف أنها قراءة، يمكن هذه القراءة المعتمدة عند المؤلف "تفسحوا في المجلس" ثم يصحح يقول: "مجالس" قد تكون القراءة التي اعتمدها المؤلف غير القراءة التي اعتمدتها أنت، فكونك تصحح هذه مشكلة، اترك الكتاب كما هو، نعم، إذا بحثت في القراءات ولا وجدت وجه لهذه القراءة لك أن تصحح، على أنك لا تستعجل في التصحيح.
التصحيف والتحريف صنف فيه أبو هلال العسكري كتب، صنف فيه الدارقطني وغيره).