الدروس
course cover
المقلوب والمزيد في متصل الأسانيد والمضطرب
25 Oct 2008
25 Oct 2008

5477

0

0

course cover
شرح نخبة الفكر

القسم الثالث

المقلوب والمزيد في متصل الأسانيد والمضطرب
25 Oct 2008
25 Oct 2008

25 Oct 2008

5477

0

0


0

0

0

0

0

المقلوب والمزيد في متصل الأسانيد والمضطرب

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (أَوْ بِتَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ: فَالمَقْلُوبُ.

أَوْ بِزِيَادَةِ رَاوٍ:فَالْمَزيدُ في مُتَّصِلِ الأَسَانِيدِ.

أَوْ بِإِبْدَالِهِ وَلاَ مُرَجِّحَ: فَالْمُضْطَرِبُ، وَقَدْ يَقَعُ الإِبْدَالُ عَمْدًا امْتِحَانًا).

هيئة الإشراف

#2

14 Mar 2008

شرح نخبة الفكر للشيخ عبد الكريم الخضير (مفرغ)

قال الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير: (المقلوب:

ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب"، أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب، يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن مخالفة الراوي لغيره من الرواة إن كانت بتقديم أو تأخير في أسماء رجال الإسناد أو في متن الحديث فهذا النوع يسمى المقلوب، وهو في اللغة: اسم مفعول من القلب، تقول: قلبته قلباً من باب ضرب، حولته عن وجهه، وكلام مقلوب مصروف عن وجهه، وقلب بالتشديد مبالغة وتكثير، وفي التنزيل: {وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ}[ (48) سورة التوبة] فالمقلوب المصروف عن وجهه.

اصطلاحاً: هو الحديث الذي تُصرف في سنده أو متنه بتقديم أو تأخير ونحوه عمداً أو سهواً.

أنواع القلب:

أنواع القلب:

القلب في الحديث على ثلاثة أنواع:

القلب في الإسناد وله صورتان:

الأولى: أن يكون الحديث مشهوراً براوٍ فيجعل مكانه آخر في طبقته، نحو حديث مشهور عن سالم فيجعله الراوي عن نافع، يكون قلب الحديث قلب الإسناد، هو عن سالم فيجعله عن نافع أو العكس.

الثانية: أن يكون القلب بالتقديم والتأخير في رجال الإسناد كأن يقول: كعب بن مرة بدل مرة بن كعب، نصر بن علي بدل علي بن نصر.

القلب في المتن، ومثاله: ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي الحديث: ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمنيه ما تنفق شماله)) كذا وقع في صحيح مسلم، والصحيح المعروف ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) كما في البخاري وغيره، والصدقة تكون باليمين وإلا بالشمال؟ باليمين، ((حتى لا تعلم يمنيه ما تنفق شماله)) على هذا كانت النفقة بالشمال، والذي في البخاري: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) لكن الرواية في صحيح مسلم، كيف نصون الصحيح عن مثل هذا الخطأ؟ جاء في الحديث الصحيح في صحيح البخاري وبغيره: ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة –يعني ليلة ثالثة- وعندي منه دينار))، وفي رواية: "((وعندي منه شيء إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا وهكذا)) عن يمنيه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه" فلكثرة الإنفاق قد ينفق الإنسان بيمينه وقد ينفق بشماله، وقد ينفق من أمامه ومن خلفه، فعلى هذا يمكن أن يتأول أو تتأول هذه الرواية بأنه لكثرة إنفاقه نعم، إنه أحياناً ينفق عن جهة اليمين، وأحياناً عن جهة الشمال، وبهذا نكون نصون الصحيح من الخطأ، يمكن وإلا ما يمكن؟ له وجه وإلا ما له وجه؟ نعم، له وجه، ونسلك مثل هذا الكلام صيانة للصحيح لئلا يتطاول الجهال على مثل هذه الكتب، وإلا كل من شرح الحديث قال: إنه مقلوب، وصوابه: أنه لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؛ لأن الإنفاق يكون باليمين، نقول: هذا الرجل الذي يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كثير الإنفاق جداً، ويبينه حديث: "((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا وهكذا)) عن يمنيه وعن شماله.." فيمكن الإنفاق من جهة الشمال.

الثالث: القلب في السند والمتن معاً، وهو أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر وبالعكس، من أمثلة المقلوب: حديث البروك قال بعضهم: إنه انقلب على راويه: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)) قال بعضهم: إنه انقلب الحديث وإلا فالأصل: "وليضع ركبتيه قبل يديه" لماذا؟ لأن البروك يقدم يديه قبل ركبتيه، هذا الكلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟ مقلوب وإلا ليس بمقلوب؟

طالب:......

ممن قال به ابن القيم، وقلده كثير من أهل العلم، ورجحوا الحديث الثاني حديث أبي هريرة عليه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، والصواب أن حديث البروك أرجح من هذا وأصوب وأصح، وهذا نص عليه الحافظ ابن حجر وغيره، وهو أقوى من حديث أبي هريرة فإن له شاهد من حديث ابن عمر، حديث البروك أقوى من الحديث الثاني، كيف يكون أقوى وهو مقلوب؟ يعني إذا قلنا: إنه مقلوب والأصل: "وليضع ركبتيه قبل يديه" هل يمكن أن يرجح على الحديث الثاني؟ يمكن أن يرجح عليه؟ ما يمكن، لأن معناهما واحد، متى نرجح هذا الحديث على الحديث الذي يليه؟ إذا قلنا: أنّ ما في قلب سليم "وليضع يديه قبل ركبتيه" وليضع يديه قبل ركبتيه ولا في قلب ولا إشكال، وحينئذ يكون أرجح من حديث: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه".

بقي علينا كيف نوفق بين أول الحديث وآخره؟ كيف يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)) إذا وضع يديه قبل ركبتيه شابه البعير صح وإلا لا؟ كيف نقول: إنه أصح من حديث أبي هريرة ونقول: إنه مقلوب؟ هو في معنى حديث أبي هريرة، إذا قلنا: إنه مقلوب فلا اختلاف بينه وبين حديث أبي هريرة، هذا من قوله وهذا من فعله -عليه الصلاة والسلام- ومعناهما واحد، إذا قلنا: هو أرجح وليس فيه قلب، الحديث صحيح وهو أصح من حديث أبي هريرة ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) والسنة أن يضع المصلي يديه قبل ركبتيه، كيف نوفق بين أول الحديث وبين آخره؟ ما معنى بروك البعير؟

طالب:.......

لا هو إذا قدم يديه قبل ركبتيه البعير يقدم يديه قبل ركبتيه، لكن ما معنى بروك البعير؟ بروك البعير يقال: برك البعير وحصحص البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى، إذا ألقى الإنسان بيديه بقوة على الأرض برك مثل ما يبرك البعير، لكن إذا وضع يديه على الأرض مجرد وضع امتثل الأمر ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) ولا أشبه البعير في بروكه، فرق بين أن يضع الإنسان يديه وبين أن يبرك كما يبرك البعير، فبروك البعير هو إلقاؤه بقوة على الأرض، وأنتم تسمعون إذا قيل: إنسان مريض أو كبير في السن ثم أراد أن يجلس وقع على الأرض بقوة يقال: برك، نعم، والبعير بقوة ينزل على الأرض، فإذا نزل مقدماً يديه قبل ركبتيه بقوة أشبه البعير، إذا كان مجرد وضع امتثل الأمر ولم يشبه بروك البعير، لكنه إذا قدم ركبتيه قبل يديه بقوة أشبه الحمار بعد، نعم، يشبه الحمار، وعلى هذا لا يكون فيه قلب، معناه صحيح وأوله يشهد لآخره، وآخره مناسبة لأوله، وليس فيه قلب، ومجرد الوضع يختلف عن الرمي والإلقاء والطرح، ولذا يجيز أهل العلم وضع المصحف على الأرض، تضع المصحف على الأرض جائز، لكن ترمي بالمصحف على الأرض يجوز وإلا لا؟ لا، لا، هذا خطر عظيم، هذا استهتار واستخفاف بالقرآن، بكلام الله -عز وجل-، وعلى هذا يكون الراجح حديث البروك، لكن إيش معنى البروك؟ نقف عند معنى البروك، ولا قلب في الحديث.

طالب:.......

اشتبه عليه التبس عليه كيف يقدم يديه ولا يشبه بعير؟ حقيقةً التنصيص على مثل هذا نادر عند أهل العلم، ما ينص عليه، لكن كيف يصحح الحديث مع فهم ابن القيم؟ ما يمكن أن يصحح، والأئمة صححوا الحديث، كيف يصحح الحديث مع اختلاف أوله مع آخره؟ إلا أن معنى الأول يختلف عن معنى الآخر، والله المستعان.

القلب في السند والمتن معاً: وهو أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر وبالعكس، وهذا النوع قد يقصد به الإغراب فيكون كالوضع، وقد يفعل اختباراً لحفظ المحدث كما وقع للإمام البخاري لما ورد بغداد فيما رواه ابن عدي وغيره، فعمد أصحاب الحديث إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، ودفعوها إلى عشرة، لكل واحد منهم عشرة أحاديث، إلى آخر القصة.

علماء بغداد سمعوا بالبخاري ولما قدم اجتمع عليه وجوه الناس فأرادوا أن يختبروه، فعمدوا إلى مائة حديث وأعطوا كل واحد منهم عشرة، كل رجل أعطوه عشرة أحاديث، وجعلوا سند الحديث الأول للثاني، وسند الثالث للرابع، والخامس والسابع إلى آخر المائة، وألقوا العشرة عليه مقلوبة، فألقاها الأول العشرة والبخاري ساكت على القلب، ثم جاء الثاني فألقى العشرة على الإمام وهو ساكت، الثالث، الرابع، العاشر، لما انتهى التفت إلى الأول قال: حديثك الأول قلت فيه كذا وصوابه كذا، الثاني قلت فيه كذا وصوابه كذا، يعني كون البخاري يحفظ الصواب ما هو بغريب، لكن الغريب كونه يحفظ الخطأ، ثم يرده إلى الصواب إلى تمام المائة.

وهذه القصة يقدح فيها بعضهم؛ لأن ابن عدي يرويها عن عدة من شيوخه ولم يسم واحداً منهم، فقالوا: هذه القصة جاءت..، ذكرها ابن عدي عن مجاهيل، لكن هؤلاء المجاهيل هم من شيوخ ابن عدي، وهم عدد، ليسوا بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة، حدثني عدة من شيوخنا، وبعضهم يجبر بعضاً، وحينئذ تكون القصة ثابتة، نعم هم مجاهيل، لكن مجهول مع مجهول مع مجهول يتقوى بلا شك، والإمام البخاري أهل لمثل هذا.

وفي آخر القصة: "فرد متن كل حديث إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل" وبالنسبة لحكم القلب لا يخلو القلب إما أن يكون عن قصد أو عن غفلة وعن غير قصد، فإن كان عن قصد فلا يخلو: إما أن يكون للإغراب فلا شك في أنه لا يجوز، إذا كان هدف الذي قلب ليقال أن عنده حديث لا يوجد إسناده عند غيره، إن كان القصد منه الإغراب فلا شك في أنه لا يجوز، وأما إن كان للاختبار فقد فعله كثير من المحدثين مما يدل على جوازه، شريطة ألا يستمر عليه، بل ينتهي بانتهاء الحاجة، وإن كان القلب من غير قصد فلا شك أن فاعله معذور؛ لأنه لم يقصد إليه إلا أنه إذا كثر يجعل المحدث ضعيفاً لضعف حفظه وضبطه.

المزيد في متصل الأسانيد:

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو بزيادة راوٍ فالمزيد في متصل الأسانيد"، فالمزيد في متصل الأسانيد، ويقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن مخالفة الراوي لغيره من الرواة إن كان بزيادة راوٍ في أثناء الإسناد، ومن لم يروها أتقن ممن زادها، من لم يزد هذه الزيادة أتقن ممن زادها فهذا النوع يسمى المزيد في متصل الأسانيد.

وعرفه الحافظ ابن كثير بقوله: هو أن يزيد راوي في الإسناد رجلاً لم يذكره غيره، وفي شرح الملا علي قاري على النزهة: هو أن يزيد الراوي في إسناد حديث رجل أو أكثر وهماً منه وغلطاً، وشرطه كما قال الحافظ في النزهة: أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة، وإلا فمتى كان معنعناً ترجحت الزيادة، ومثاله: حديث أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) مثاله: حديث أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) رواه مسلم، قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه ابن المبارك عن ابن جابر عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس عن واثلة عن أبي مرثد، فقال: يريدون أن ابن المبارك وهم في هذا الحديث، أدخل أبا إدريس الخولاني بين بشر بن عبيد الله وبين واثلة".

وقال الترمذي: "الصحيح أنه ليس فيه عن أبي إدريس، وقد صرح بسر بالسماع من وثلة كما في رواية أبي داود"، وأيضاً في إسناده زيادة أخرى وهي ذكر سفيان بين ابن المبارك وابن جابر، وهي وهم ممن دون ابن المبارك؛ لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر نفسه، ومنهم من صرح فيه بلفظ الإخبار بينهما.

وهذا النوع وهو المزيد في متصل الأسانيد، تجد حديث رباعي وتجد هذا الحديث مروي من طريق هؤلاء الأربعة، بين الثاني والثالث زيادة راوي فيكون خماسي، والسند الرباعي بين الثالث والرابع حدثنا فلان، اللي هو مكان الزيادة في السند الثاني.

يروي زيد عن عمرو عن سعيد عن خالد عن بكر، زيد عن عمرو عن خالد، يأتي شخص راوي ثاني فيقول: زيد عن عمرو عن سعيد عن خالد عن بكر، فيزيد راوي وهو سعيد، السند الأول رباعي، والثاني خماسي، إذا كان عمرو صرح بالسماع عن خالد، قال: عن عمرو سمعت خالداً يحدث عن بكر، أو لا يعرف بتدليس وقال: (عن) فالسند متصل بدون سعيد، لكن هل سعيد خطأ وإلا ليس بخطأ؟ ذكر سعيد زيادة لا وجه لها؟ أو يحتمل أن عمراً مرة سمعه من سعيد عن خالد ثم لقي خالد فسمعه منه من غير واسطة؟ احتمال، نعم، وعلى هذا فالحكم للقرائن، إن رجحت القرائن أن عمراً سمعه مباشرة من خالد وسعيد لا وجود له في الرواية فهو من المزيد في متصل الأسانيد، وإن كانت القرائن ترجح احتمال أن عمرو سمعه عن خالد بواسطة سعيد ثم أنه لقي خالد مرة ثانية فسمعه منه فهذا ليس بمزيد، بل يكون عمرو سمع الحديث على الوجهين، مرة سمعه عن سعيد عن خالد، ومرة لقي خالداً وسمعه منه من غير واسطة، فإذا رجحت القرائن أن سعيد ليس له علاقة وصرح عمرو بالسماع من خالد فهو المزيد في متصل الأسانيد، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب:.......

متى كان معنعناً؟

طالب:.......

معروف يعني إذا كان في مثالنا يرويه عمرو عن خالد، ومرة قال: عن عمرو عن سعيد عن خالد، احتمال أن يكون عمرو أسقط سعيد، نعم، ورواه عن خالد مباشرة؛ لأن (عن) تحتمل السماع، صيغة محتملة، لكن إذا افترضنا أن عمرو غير معروف بتدليس فهي محمولة على الاتصال مثل (سمعت)، نعم، إذا كان معنعن وعمرو معروف بالتدليس تترجح الزيادة بلا شك، أما إذا كان غير معروف بالتدليس فكأنه صرح بالسماع، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

المضطرب:

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو بإبداله ولا مرجح فالمضطرب" يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن المخالفة إن كانت من الراوي بإبداله الشيخ المروي عنه أو بعضاً من المروي، فالحديث حينئذ يسمى المضطرب، "أو بإبداله ولا مرجح" الذي قبله أو بزيادة راوٍ، إن كانت مخالفة الراوي للثقات بزيادة راوٍ فالمزيد في متصل الأسانيد، وإن كانت هذه المخالفة بإبداله، والإبدال يشمل ما كان في السند وما كان في المتن ولا مرجح فالمضطرب، فعلى هذا يكون شاملاً لمضطرب السند ومضطرب المتن.

المضطرب: اسم فاعل من الاضطراب وهو اختلال الأمر، وفساد نظامه، ويقال: اضطرب الأمر اختل، واضطرب البرق في السحاب تحرك، واضطرب الحبل بين القوم إذا اختلفت كلمتهم.

والمضطرب في الاصطلاح: هو الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، يقول ابن الصلاح: "المضطرب من الحديث هو الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مخالف له"، وإنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان، أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من جوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة، ولا يطلق عليه حينئذٍ وصف المضطرب ولا له حكمه"، يعني أن المضطرب لا بد أن يكون لحديث مروياً على أوجه لا على وجه واحد، فالذي يروى على وجه واحد لا يمكن أن يسمى مضطرباً، فلا بد أن يكون على أوجه، وأن تكون هذه الأوجه مختلفة، فإن كانت متفقة فلا اضطراب، ولا بد أن تكون متساوية، بحيث لا يمكن ترجيح بعضها على بعض، بهذه القيود يسمى الخبر مضطرباً، أن يروى على أوجه مختلفة متساوية، إن أمكن ترجيح بعضها على بعض انتفى الاضطراب.

أقسام المضطرب:

وينقسم الاضطراب بحسب موقعه في الحديث إلى ثلاثة أقسام:

الأول: الاضطراب في السند وهو الأكثر، ومثاله: حديث أبي بكر -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله أراك شبت؟ قال: ((شيبتني هود وأخواتها)) قال الدارقطني: "هذا حديث مضطرب فإنه لم يروَ إلا من طريق أبي إسحاق وقد اختلف فيه على نحو عشرة أوجه" فمنهم من رواه مرسلاً، ومنهم من رواه موصولاً، ومنهم من جعله من مسند أبي بكر، ومنهم من جعله من مسند سعد، ومنهم من جعله من مسند عائشة، ورواته ثقات لا يمكن ترجيح بعضهم على بعض، والجمع متعذر كما قرره الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث، فهذه الأوجه في سند هذا الحديث عشرة وهي مختلفة متساوية بحيث لا يمكن ترجيح بعضها على بعض، وقد لاح لبعضهم ترجيح بعض الطرق على بعض فانتفى الاضطراب عن الحديث.

ومثل ابن الصلاح لمضطرب السند بحديث الخط في السترة، قد روي على أوجه ذكرها ابن الصلاح وغيره، مع عدم تمكنه من ترجيح بعضها على بعض، لكن الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام نفى الاضطراب عن الحديث فقال: "لم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حديث حسن"، وعلى كل حال قد يخفى وجه الترجيح على بعض أهل العلم فيحكم بالاضطراب، ثم يلوح لآخر فينفي عنه الاضطراب.

الثاني: الاضطراب في المتن وهو نادر، ومثاله: حديث البسملة الذي خرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك: قال: "صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بـ{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[ (2) سورة الفاتحة] ولا يذكرون {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[ (1) سورة الفاتحة]في أول قراءة ولا في آخرها".

قال ابن عبد البر: "هذا الحديث مضطرب، وبيان ذلك أن البخاري ومسلماً قد اتفقا على إخراج رواية أخرى في الموضوع نفسه لم يتعرض فيها الراوي بذكر البسملة بنفي أو إثبات، بل اكتفى بقوله: "فكانوا يستفتحون القراءة بـ{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[ (2) سورة الفاتحة] وهناك رواية ثالثة عن أنس تفيد أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فأجاب: أنه لا يحفظ في ذلك شيئاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن هل هذا من المضطرب؟ ابن عبد البر قال: "هذا حديث مضطرب" الآن الرواية في صحيح مسلم: "كانوا لا يذكرون:{بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[ (1) سورة الفاتحة]في أول قراءة ولا في آخرها، والمتفق عليه ليس فيه ذلك، فكانوا يستفتحون القراءة بـ{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[ (2) سورة الفاتحة] لم يتعرض فيه لا لنفي ولا إثبات التسمية، وأنس سئل عن الافتتاح بالتسمية فأجاب أنه لا يحفظ في ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل ينطبق على هذا المثال تعريف المضطرب؟ أو نقول: هذه من زيادات الثقات؟ هذه زيادة، نعم، على أن هذه الزيادة من فهم الراوي، الراوي سمع أنهم كانوا يفتتحون بـ{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[ (2) سورة الفاتحة] ففهم أنهم لا يذكرون {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[ (1) سورة الفاتحة]ولذا مُثل بالحديث للمعل، يقول الحافظ العراقي:

وعلة المتن كنفي البسملة

إذ ظن راوٍ نفيها فنقله

وعلة المتن، نعم قد يكون التعليل بالاضطراب، والاضطراب وجه من وجوه العلل، لكن إذا أردنا أن نطبق تعريف الاضطراب على هذا الحديث نجد أن هذا المثال لا ينطبق عليه التعريف، الحافظ ابن حجر يرى أن الحديث ليس فيه أدنى اضطراب ولا علة أيضاً؛ لأنه يمكن الجمع بين الروايات المختلفة بحمل نفي القراءة على نفي السماع، ونفي السماع على نفي الجهر، الراوي الذي قال: لا يذكرون {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}في أول قراءة ولا في آخرها؛ لأنه لم يسمع، لم يسمعهم يذكرون، هو لا يستطيع أن ينفي الإسرار بالبسملة، نعم، لا يستطيع أن ينفي الإسرار بالبسملة هو ينفي الجهر، ولا ينفي الذكر، هو لم يسمع وعدم السماع يتضمن نفي الجهر بالبسملة.

وعلى كل حال الرواية في الصحيح، وحملها على هذا الوجه صيانة للصحيح هو المتعين، فنقول: الرواية ليست مضطربة فنقول حينئذٍ: إنهم لا يذكرون جهراً {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}ولو قدر أن الراوي فهم أنهم لعدم جهرهم بها لا يذكرونها مطلقاً هذا فهمه، ولا يقدح في الحديث حينئذٍ.

الثالث: الاضطراب في السند والمتن معاً، ومثاله: حديث عبد الله بن عكيم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى جهينة قبل موته بشهر: ((ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب)) رواه الخمسة، قال الترمذي: ترك أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث رواه بعضهم فقال: عن عبد الله بن عكيم عن أشياخ له من جهينة، قال الحافظ ابن حجر: "الاضطراب في سند، فإنه تارة قال: عن كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتارة عن مشيخة من جهينة، وتارة عن من قرأ الكتاب، واضطراب متنه حيث رواه الأكثر من غير تقييد بشهر، ومنهم من رواه بقيد شهر أو شهرين أو أربعين يوماً أو ثلاثة أيام، ويمكن أن يمثل له بحديث القلتين في اضطراب السند والمتن.

حكم الاضطراب:

وأما حكم الاضطراب: فالاضطراب حيث وقع في سند حديث أو متنه فإنه موجب للضعف؛ لإشعاره بعدم ضبط راويه، وذلك أنه لما كان يروى الحديث تارة على وجه وأخرى على وجه آخر فإن ذلك معناه أنه لم يستقر الحديث في حفظه، وكذا إذا وقع التعارض بين رواة متعددين ولا يعلم أيهم أضبط للحديث فيحكم بضعفه من أجل ذلك، لكن هناك اضطراب لا يضر ولا يقدح في صحة الحديث، وذلك بأن يقع الاختلاف في اسم راوٍ أو اسم أبيه أو نسبته أو نحو ذلك مع كون ذلك الراوي ثقة، يختلف في اسم الراوي، يختلف في اسم أبيه، يختلف في نسبته، مع أنه ثقة، سواء نسب إلى هذه القبيلة أو إلى تلك هو ثقة، فيحكم حينئذ للحديث بالصحة ولا يضر الاختلاف فيمن ذكر مع تسميته مضطرباً.

يقول: "وقد يقع الإبدال عمداً امتحاناً" يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن الراوي قد يبدل راوٍ بآخر عمداً، لمن يراد اختبار حفظه امتحاناً من فاعله، كما وقع للبخاري والعقيلي وغيرهما كالدارقطني، وشرطه ألا يستمر عليه، بل ينتهي بانتهاء الحاجة إليه، وسبقت الإشارة إليه في المقلوب، قال القاري في شرح النزهة: "والأظهر عندي أن مناسبته بالقلب أقوى، فإنه يفيد العكس بخلاف الإبدال كما يظهر وجهه في المثال" قال الحافظ: "فلو وقع الإبدال عمداً لا لمصلحة بل للإغراب مثلاً فهو من أقسام الموضوع، ولو وقع غلطاً فهو من المقلوب أو المعل" كذا قال -رحمه الله تعالى-).

هيئة الإشراف

#3

29 Oct 2008

نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (أو)

إنْ كَانَت الْمُخَالَفَةُ (بِتَقْدِيمٍ أو تَأْخِيرٍ) أي: في الأسماءِ

كَمُرَّةَ بْنِ كَعْبٍوَكَعْبِ بْنِ مُرَّةَ؛ لأنَّ اسمَ أحدِهِمَا اسمُ أَبِي الآخَرِ (فَـ) هَذَا هو (المَقْلُوبُ)، ولِلْخَطِيبِ فيه كِتَابُ (رَافِعِ الارْتِيَابِ).

وقد يقعُ القلْبُ في الْمَتْنِأيضًا كحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عندَ مُسْلِمٍ في السَّبْعَةِ الذين يُظِلُّهُم اللهُ تحتَ ظِلِّ عَرْشِهِ، ففيه: ((ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ)) فهَذَا ممَّا انقَلَبَ على أحدِ الرُّواةِ، وَإِنَّمَا هو: ((حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ)) كما في الصَّحِيحَيْنِ.

(2) (أو)

إنْ كانت الْمُخَالَفَةُ (بِزِيَادَةِ راوٍ) في أثناءِ الإِسْنَادِ ومَن لم يَزِدْهَا أَتْقَنُ ممَّنْ زَادَهَا، (فَـ) هَذَا هو (الْمَزيدُ في مُتَّصِلِ الأَسَانِيدِ) وشَرْطُهُ أنْ يقعَ التَّصْرِيحُ بالسَّماعِ في موضعِ الزِّيَادَةِ، وإلاَّ فمَتَى كان مُعَنْعَنًا مثلاً تَرَجَّحَت الزِّيَادَةُ.

(3) (أو)

إنْ كانت الْمُخَالَفَةُ (بِإِبْدَالِهِ) أي: الرَّاوي، (وَلاَ مُرَجِّحَ) لإحدَى الرِّوَايتَيْنِ على الأُخْرَى، (فَـ) هَذَا هو

(الْمُضْطَرِبُ)، وهو يقعُ في الإِسْنَادِ غَالبًا وقد يَقَعُ في المَتْنِ لكنْ قَلَّ أنْ يَحْكُمَ الْمُحَدِّثُ على الحَدِيثِ بالاضْطِرَابِ بِالنِّسْبَةِ إلى الاخْتِلافِ في المَتْنِ دونَ الإسنادِ.

(4) (وَقَدْ يَقَعُ الإِبْدَالُ عَمْدًا)

لمَن يُرَادُ اختبارُ حِفْظِهِ (امْتِحَانًا) مِنْ فاعِلِه كما وَقَعَ

لِلْبُخَارِيِّ، وَالْعُقَيْلِيِّ وغيرِهِما، وشَرْطُه أنْ لا يَسْتَمِرَّ عليهِ، بل يَنْتَهِي بانتهاءِ الحاجَةِ. فلوْ وقعَ الإبدالُ عَمْدًا لا لِمَصْلَحَةٍ بلْ للإِغْرَابِ مثلاً، فهو من أقسامِ المَوْضُوعِ ولوْ وَقَعَ غَلَطًا فهو من الْمَقْلُوبِ أو المُعَلَّلِ).

هيئة الإشراف

#4

29 Oct 2008

نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم

قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (الحديثُ المقلوبُ:

(1) ذكرَ الحافظُ أنَّ القلبَ يقعُ في الإسنادِ ويقعُ في المتنِ، وذكرَ صورةً للقلبِ في الإسنادِ: أنْ يكونَ اسمُ الراوي-مثلاً- كعبَ ابن مُرَّةَ فيأتي أحدُ الرواةِ عنه أو عمَّن بعدَه فَيُسَمِّيه مُرَّةَ بنَ كعبٍ، واكتفى الحافظُ بهذه الصورةِ للمقلوبِ في الإسنادِ، وأكثرُ كتبِ المصطلحِ تذكرُ - كما ذكرَه ابنُ الصلاحِوالنوويُّوابنُ حَجَرٍ في (النُّكَتِ) - مِن صورِ القلبِ في الإسنادِ ما يأتي معنا قريبًا عندَ قولِه: [ أو إنْ كانت المخالفةُ بإبدالِه أي: الراوي ولا مُرَجِّحَ ].

الصورةُ الأولى التي ذكرَها الحافظُ:الراوي واحدٌ ولكنْ حصلَ تقديمٌ وتأخيرٌ في الأسماءِ فقطْ.

لكنّ الصورةَ الثانيةَ:يُبَدَّلُ فيها الراوي تمامًا وأحيانًا يُبَدَّلُ الإسنادُ كاملاً فيسمُّونَه مَقْلُوبًا ويمثِّلُونَ لذلكَ بإسنادٍ مشهورٍ:مالكٌ، عن الزهريِّ، عن سالمٍ، عن ابنِ عمرَ، يكونُ هذا هو الإسنادَ الصحيحَ؛ فيأتي أحدُ الرواةِ فيرويه عن مالكٍ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ، فَيَحْذِفُ الزهريَّ، وسالمًا، ويُثْبِتُ نافعًا، ومثلُ: حديثٍ ذكرَه ابنُ أبي حاتمٍ في (العِلَلِ)، سألَ عنه والدُه فقالَ: هذا موضوعٌ أو هذا خطأٌ.

الإسنادُ المشهورُ:مالكٌ عن يحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ، عن محمدِ بنِ إبراهيمَ التيميِّ، عن علقمةَ بنِ وقَّاصٍ، عن عمرَ، حديثُ:((إنَّمَا الأعمالُ بالنيَّاتِ))، أحدُ الرواةِ رواه: مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((إنَّمَا الأعمالُ بالنيَّاتِ))فهذا كلُّه يسمُّونَه مقلوبًا، والحافظُ في نهايةِ كلامِه على مسألةِ الإبدالِ هذه - الصورةُ الثانيةُ - ذكرَ أنَّه يُسَمَّى المقلوبَ.

ومِن القلبِ في هذا ما يسمُّونَه قلبَ الامتحانِ وهو القلبُ عمدًا، فأكثرُ القلبِ يقعُ خطأً، لكنْ مِن القلبِ ما قد يقعُ عمدًا إمَّا مِن بعضِ الرواةِ الكذَّابِينَ الذينَ يُسَمُّونَهُم: مُرَكِّبِي الأسانيدِ، ومنهم:حمادُ بنُ عمرٍو النصيبيُّ يتعمَّدُونَ القلبَ مِن أجلِ أنْ يُستغربَ هذا الإسنادُ ويُطلبُ منهم.

مِثَالُ ذلكَ: الإسنادُ المشهورُ:

الزهريُّ، عن أبي سلمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن أبي هريرةَ، يجعَلُه الزهريَّ، عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ، عن أبي هريرةَ، فَيُبَدِّلُ راويًا بآخرَ.

وقد يفعلُونَه عمْدًا ليسَ للإغرابِ؛ ولكن للامتحانِ

أي: امتحانِ حفظِ الراوي، ذكرَ ابنُ عديٍّ أنَّ أهلَ بغدادَ حينَ قَدِمَ عليهم البخاريُّ قَلَّبُوا عليه أحاديثَ فَجَعَلُوا إسنادَ هذا الحديثِ لهذا المتنِ، ومتنَ هذا الحديثِ لهذا الإسنادِ، وصارُوا يقرأونَ عليه فأعادَ كلَّ إسنادٍ إلى متنِه، وفعلَه جماعةٌ مع الحافظِ العقيليِّ؛ لأنَّهم رأوه لا ينظرُ في الكتبِ، فقالوا:

هذا إمَّا أنْ يكونَ أكذبَ الناسِ، وإمَّا أنْ يكونَ أحفظَ الناسِ، فأخذُوا يَخْتَبِرُونَه بأحاديثَ قَلَّبُوها عليه، فأعادَ كلَّ متنٍ إلى إسنادِه.

والحافظُ أَدْخَلَ هذا في بابِ الاضطرَابِ، لكنْ إبدالُ راوٍ بآخرَ يجعلُونَه في قسمِ المقلوبِ، وذكرَه ابنُ الصَّلاحِ، والحافظُ في (النكتِ) من بابِ المقلوبِ، وقد يأتي بصورةٍ ثالثةٍ كإبدالِ إسنادٍ كاملاً وتركيبِه على المتنِ، وربَّمَا يكونُ له صورٌ أخرى أيضًا.

- أمَّا القلبُ في المتنِ فهو كثيرٌ وظاهرٌ، مثلُ الحديثِ الذي ساقَه الحافظُ هنا وهو في (صحيحِ مسلمٍ) عن السبعةِ الذينَ يظلِّهُم اللهُ في ظلِّه وفيه: ((رجلٌ تصدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ يمينُه ما تُنْفِقُ شمالُه))، هذا الحديثُ موجودٌ في (الصحيحينِ) بلفظِ: ((حتَّى لا تَعْلَمَ شمالُه ما تُنْفِقُ يمينُه))، وهو اللفظُ المحفوظُ، ومثلُ حديثِ: ((أذانُ بلالٍ بليلٍ)) الذي مرَّ بنا.

وَرُبَّمَا يَدْخُلُ في قلبِ المتنِ أنْ يكونَ المتنُ قولِيًّا فَيَقْلِبُه إلى فعلٍ أو العكسُ.

مثلُ حديثِ:

((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذا صلَّى ركعتي الفجرِ اضطَّجَعَ على يمينِه))، رواه أحدُ الرواةِ عنِ الأعمشِ فقالَ: ((إذا صلَّى أحدُكم ركعتي الفجرِ فليضطَّجِعْ على يمينِه))، فهذه صورُ مقلوبِ المتنِ.

المزيدُ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ

(2) ذكرَ الحافظُ مِن المخالفاتِ ما سمَّاهُ المزيدَ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ، وهوَ: أنْ يأتيَ إسنادٌ بزيادةِ راوٍ على إسنادٍ آخرَ، ويترجَّحُ أنَّ زيادةَ هذا الراوي خطأٌ، وأنَّ الصَّوابَ حَذْفُ هذا الراوي.

وزيادةُ الراوي في إسنادٍ ما لها ثلاثُ حالاتٍ:

1-أنْ يترجَّحَ أنَّ زيادةَ الراوي هذه هي الصوابُ فيكونُ الإسنادُ الآخرُ منقطعًا، لأنَّ الصوابَ أنَّ بينَ فلانٍ وفلانٍ زيادةَ هذا الراوي.

2-أنْ يُصَوِّبَ كلا الطريقينِ بمعنى أنْ يكونَ فلانٌ سَمِعَه مِن شيخِهِ وسَمِعَه أيضًا بواسطةٍ، وهذا كثيرٌ.

مثلُ:

حديثِ الأعمشِ، عن مجاهدٍ، عن طاوسٍ، عن ابنِ عباسٍ، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّ على قبرينِ فقالَ: ((إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ))، رواه منصورُ بنُ المعتمرِ، عن مجاهدٍ، عن ابنِ عباسٍ ليسَ فيه طاوسٌ، فقالَ الحافظُ: يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ كلا الطريقينِ محفوظًا.

3-أنْ يَتَرَجَّحَ أنَّ زيادةَ هذا الراوي غلطٌ، وهذا هو المزيدُ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ، ومِمَّنْ أكثرَ مِن ضربِ أمثلةٍ لموضوعِ زيادةِ راوٍ والنظرِ هلْ زيادتهُ الصوابُ، أو حَذْفُه هو الصوابُ، أو أنَّ كلا الأمرينِ صوابٌ - العلائيُّ في (جامعِ التحصيلِ)، فقدْ عقدَ فصلاً خاصًّا لهذا الموضوعِ، لأَِهَمِّيَّتِهِ، وساقَ أمثلةً كثيرةً لذلكَ، والخطيبُ له كتابٌ في هذا الموضوعِ اسمُه: (تمييزُ المزيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ).


الحديثُ المضطرِبُ

(3)

جعلَ الحافظُالاضطرابَ: إبدالَ راوٍ بآخرَ، أو هو مجيءُ الحديثِ على أوجهٍ مختلفةٍ في الإسنادِ أو في المتنِ.

مجيئُه في الإسنادِ من صورِه:

أنْ يأتيَ الرواةُ مثلاً عن سِمَاكٍ بأوجهٍ مختلفةٍ للحديثِ، مَنْهُم مَن يجعلُه عن سِمَاكٍ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَيُسَمَّى هذا وَجْهًا.

الثاني:

عن سماكٍ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عباسٍ مِن قولِه غيرِ مرفوعٍ إلى النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ.

الثالثُ:

عن سماكٍ، عن عكرمةَ، عن النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ بدونِ ابنِ عباسٍ، فهذه ثلاثةُ أوجهٍ.

ومثلُ:

محمدِ بنِ عمرِو بنِ علقمةَ، أحيانًا يأتي بالحديثِ عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأحيانًا عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ مِن قولِه، وأحيانًا عن أبي سلمةَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فهذه ثلاثةُ أوجهٍ أيضًا، ربَّمَا يأتي الحديثُ الواحدُ على أوجهٍ أكثرَ مِن ذلكَ، فبعضُ الأحاديثِ وصلَ الاختلافُ فيها إلى عشرةِ أوجهٍ، كلُّها في الإسنادِ.

لكن متى يكونُ الاضطِرابُ علَّةً؟

اشترطُوا لكي يكونَ الاضطِرابُ مِن أقسامِ المردودِ أنْ يأتيَ في أحدِ حالينِ:

1-أنْ يكونَ هذا الراوي عُرِفَ عنه الاضطرابُ، فهذا إذا جاءَ الحديثُ عنه على صورٍ مختلفةٍ صارَ علةً للحديثِ، مثلُ:سِماكٍ، عن عكرمةَ، ومثلُ محمدِ بنِ عمرِو بنِ علقمةَ، ومثلُ عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عقيلٍ.

2-أنْ يكونَ الراوي ثقةً لكن لم يُمْكِن الترجيحُ،

فيكونُ الاضطِرابُ علةً بحيثُ يصلُ الأمرُ إلى تضعيفِه وردِّه.

ومَثَّلَ:

ابنُ الصلاحِ لذلكَ بحديث الخطِّ المعروفِ في الستْرَةِ، وانتُقدَ على ابنِ الصلاحِ.

ومثَّلَ: الحافظُ بحديثِ أبي بكرٍ عن الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((شَيَّبَتْنِي هودٌ وأخواتُها)).

كذا ذَكَرُوا هذا الشرطَ، وهوَ أنْ لا يُمْكِنَ الترجيحُ، فإنْ أمكنَ الترجيحُ صحَّ الحديثُ ولم يؤثِّر الاختلافُ، لكن ينبغي أنْ يُتَنَبَّهَ هنا إلى أمرينِ:

الأَوَّلُ:

أنَّ وجودَ اختلافٍ في حديثٍ ما لا شكَّ أنَّه مؤثرٌ فيه وإنْ أمكنَ الترجيحُ، فربَّمَا صُحِّحَ الحديثُ بترجيحِ بعضِ رواياتِه وبقي أثرُ الاضطرابِ فيه، على معنى أنَّه لا يكونُ مِن أعلى درجاتِ الصحيحِ، وقد ذكرَ ابنُ حجرٍ في كتابِه (النُّكَتُ) أنَّه لا يستوي حديثانِ: حديثٌ لم يُخْتَلَفْ في إسنادِه وحديثٌ اخْتُلِفَ في إسنادِه، وإنْ صُحِّحا جميعًا.

مِن الأمثلةِ على ذلكَ حديثُ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لابنِ مسعودٍ: ((ائْتِنِي بثلاثةِ أحجارٍ))، فَأَتَيْتُه بحجرينِ وَرَوْثَةٍ، فأخذَ الحجرينِ وألقى الروثَةَ، هذا حديثٌ مشهورٌ أخرجَه البخاريُّ، هذا الحديثُ اخْتُلِفَ فيه على راويه أبي إسحاقَ السبيعيِّ على عشرةِ أوجهٍ، رَجَّحَ البخاريُّ منها واحدًا، وَرَجَّحَ الترمذيُّ غيرَ الذي رَجَّحَهُ البخاريُّ، وأشارَ إلى أنَّه مضطربٌ معَ أنَّه قد رَجَّحَ وجهًا واحدًا، والدارَقُطْنِيُّ رَجَّحَ ما رَجَّحَهُ البخاريُّ لكنْ قالَ في نهايةِ كلامِه: في القلبِ منه شيءٌ لكثرةِ الاختلافِ فيه على أبي إسحاقَ.

وأقولُ هذا الكلامَ؛ لأنَّنِي وقفتُ على كلامٍ للحافظِ نفى أنْ يُسَمَّى الحديثُ مُضْطَرِبًا إلا إذا لم يُمْكِنِ الترجيحُ، وهذا فيه بُعدٌ بل هم يَحْكُمُونَ على الحديثِ بالاضطرابِ وإنْ أمكنَ الترجيحُ، لكن تأثيرُ هذا الاضطرابِ في الحديثِ ليسَ على درجةٍ واحدةٍ، اللهم إلا أنْ يقولَ قائلٌ إنَّ مُرَادَهُم أنَّه لا يكونُ مضطرِبًا، ويعنونَ بالمضطرِبِ ما هو مِن قسمِ الضعيفِ المردودِ فلا بأسَ حينئذٍ، ويعودُ الأمرُ إلى قضيَّةٍ اصطلاحيَّةٍ، معَ الاتِّفَاقِ في المعنى.

الأمرُ الثاني:

أنَّ مسألةَ الترجيحِ عندَ الاختلافِ أمرٌ اجتهاديٌّ، وقد يُرَجِّحُ إمامٌ وجهًا مِن الأوجهِ، ويرى إمامٌ آخرُ أنْ لا مُرَجِّحَ فيبقى الحديثُ عندَه مضطربًا.

وقولُ الحافظِ في نهايةِ كلامِه: وَلَو وقعَ غلطًا فهو مِن المقلوبِ أو المُعَلَّلِ - في كلامِه هذا إشارةٌ إلى ما تقدَّمَ مِن أنَّ أنواعَ المخالفةِ إذا وقعت مِن ثقاتٍ دخلت في نوعِ المُعَلَّلِ، وإنْ أَخَذَتْ اسمًا خاصًّا كالقلبِ والإدراجِ …).

هيئة الإشراف

#5

29 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد

قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: (القِسـمُ السادسُ:

(1)

الْمَقلوبُ:إذا كانت الْمُخَالَفَةُ بتقديمٍ أوْ تَأْخِيرٍ.

والمرادُ بِالْمَقْلُوبِ:ما أُبْدِلَتْ فيهِ لَفْظَةٌ مَكانَ لَفْظَةٍ أُخْرَى.

ويَنقسِمُ إلى قِسمَيْنِ:

1-مَقلوبِ الإسنادِ.

2-مَقلوبِ الْمَتْـنِ.

1- مَقلوبُ الإسنادِ:

مِثالُهُ:

حينَما يَأتينَا راوٍ اسْمُهُ مُرَّةُ بنُ كعبٍ، فيأتي راوٍ آخَرُ، فيقولُ: كَعْبُ بنُ مُرَّةَ، وهناكَ رَاويانِ؛ أحدُهما كَعْبُ بنُ مُرَّةَ، والآخَرُ مُرَّةُ بنُ كَعْبٍ، فحينَما يكونانِ في طَبقةٍ واحدةٍ، وبخاصَّةٍ إذا اشْتَرَكوا في بعضِ الشيوخِ والتلاميذِ، فهنا يَكْثُرُ الإشكالُ، فتَجِدُ الراوي رُبَّمَا قَلَبَ كَعبَ بنَ مُرَّةَ إلى مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ أو العَكْسُ.

ولوْ كانَا ثِقَتَيْنِ لأَصْبَحَ الإشكالُ أخَفَّ، لكنَّ الْمُشْكِلَةَ تَكْمُنُ حينَما يكونُ أحدُهما ثِقَةً والآخَرُ ضَعيفاً.

فَمَثَلاً:

يَعْلَى بنُ عُبيدٍ، حينَما رَوَى حديثَ: ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ)) عنْ سُفيانَ الثوريِّ، عنْ عمرِو بنِ دِينارٍ، عن ابنِ عمرَ مَرفوعاً، قُلْنَا: إنَّ يَعْلَى بنَ عُبيدٍ أَخطأَ في الإسنادِ، والصوابُ: عبدُ اللَّهِ بنُ دِينارٍ، بَدَلاً مِنْ عمرِو بنِ دِينارٍ، فانْقَلَبَ عليهِ هذا الراوي، واخْتَلَطَ عليهِ بأخيهِ عمرِو بنِ دِينارٍ؛ لكونِهِ أشْهَرَ، وتَبَيَّنَ هذا عن الرُّواةِ الذينَ رَوَوُا الْحَدِيثَ عنْ سُفيانَ الثورِيِّ، وكُلُّهم قالُوا: عنْ سُفيانَ، عنْ عبدِ اللَّهِ، عن ابنِ عمرَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ.

2- مَقلوبُ الْمَتْنِ:

مِثالُهُ:

حديثُ مسلِمٍ الذي فيهِ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ -أَحَدُهُمْ- رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ)).

ودائماً المسلِمُ يَتعاطَى ويَستعمِلُ في أُمورِ الخيرِ اليدَ اليُمْنَى، فانْقَلَبَ على أحَدِ الرُّواةِ فقالَ: حتَّى لا تَعْلَمَ يَمينُهُ ما تُنْفِقُ شِمالُهُ.

مِثالٌ آخَرُ:

حديثُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ: ((إِنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ)).

انْقَلَبَ هذا على أَحَدِ الرُّواةِ،فقالَ: ((إِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلالٌ)).

القِسمُ السـابِعُ:

الْمَزيدُ في مُتَّصِلِ الأَسانيدِ:

نَجِدُ إسناداً مِن الأسانيدِ رواهُ مَجموعةٌ مِن الرُّواةِ، بعضُهم ساقَ هذا الإسنادَ، وبينَهم وبينَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ مَثَلاً أربعةُ رِجالٍ، وبعضُهم ساقَ هذا الإسنادَ وبينَهم وبينَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ ثلاثةُ رِجالٍ، فبعضُهم زادَ رَاوِياً لمْ يَذْكُرْهُ الآخَرُ.

قالَ الحافِظُ: (وشَرْطُهُ أنْ يَقَعَ التَّصريحُ بالسَّماعِ في مَوْضِعِ الزِّيادةِ، وإلاَّ فمَتَى كانَ مُعَنْعَناً مَثَلاً تَرَجَّحَت الزيادةُ).

فَلَوْ جَاءنَا إِسنادَانِ؛ أحدُهما فيهِ زِيادةُ رَاوٍ، والآخَرُ ليسَ فيهِ تلكَ الزيادةُ، فهذا يَستدعِي دِقَّةً في البَحْثِ.

مِثالٌ:

حديثٌ يَرْوِيهِ شُعبةُ، وسُفيانُ الثَّوْرِيُّ، وكِلاهُمَا إمامٌ في الْحَدِيثِ، ولا نَستطيعُ أنْ نُرَجِّحَ أحدَهما على الآخَرِ، فهما مُتساويانِ، فاشْتَرَكَا في حديثٍ، وحَصَلَ بينَهما في أحَدِ الرُّواةِ منهم مَنْ ذَكَرَهُ وهوَ شُعبةُ، ومِنهم مَنْ لم يَذْكُرْهُ، وهوَ سُفيانُ الثَّوْرِيُّ.

- قالَ شُعبةُ: عنْ عَلقمةَ بنِ مَرْثَدٍ قالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بنَ عُبيدةَ يُحَدِّثُ عنْ أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ، عنْ عُثمانَ بنِ عفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))، رواهُ البُخاريُّ، وكذلكَ رِوايَةُ سُفيانَ رَوَاهَا البُخاريُّ.

وأُخِذَ مِنْ صَنيعِ البُخاريِّ أنَّهُ قَبِلَ الْحَدِيثيْنِ، واعتَبَرَ حديثَ شُعبةَ مِن الْمَزِيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ، فرَواهُ سُفيانُ، عنْ عَلقمةَ بنِ مَرْثَدٍ، عنْ أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ، عنْ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))، فأَسْقَطَ مِن الإسنادِ سَعْدَ بنَ عُبَيْدَةَ.

ولوْ نَظَرْنَا في عَلقمةَ بنِ مَرْثَدٍ لوَجَدناهُ يَرْوِي عنْ أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ، فليسَ في الإسنادِ انقطاعٌ.

ويَحْمِلُ العُلماءُ هذا الاختلافَ على أنَّ عَلْقَمَةَ بنَ مَرْثَدٍ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ سَعْدِ بنِ عُبيدةَ، ثمَّ لَقِيَ أبا عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيَّ بعدَ ذلكَ فسَمِعَهُ منهُ مُباشَرَةً؛ فحدَّثَ بهِ شُعبةُ بِناءً على رِوايتِهِ الأُولَى، وحَدَّثَ بهِ سُفيانُ الثوريُّ بِناءً على رِوايتِهِ الثانيَةِ، لا خِلافَ في ذلكَ.

مِثالُ الزِّيادةِ الْمَردودةِ:

حَديثٌ: رَواهُ عبدُ اللَّهِ بنُ المُبارَكِ، ورَواهُ عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ المُبارَكِ جماعةٌ مِن الرُّواةِ، إحدَى هذهِ الرِّواياتِ نَذْكُرُها، فيقولُ أحَدُ الرُّواةِ: عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ المُبارَكِ، حدَّثَنَا سُفيانُ، عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ يَزِيدَ قالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قالَ: سَمِعْتُ أبا إِدريسَ -وهوَ الْخَوْلانيُّ- قالَ: سَمِعْتُ واثلةَ يَقولُ: سَمِعتُ أبا مَرْثَدٍ يقولُ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ يقولُ: ((لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا)). رواهُ مسلِمٌ وغيرُهُ بالزيادةِ التي سنَذْكُرُها وبِحَذْفِها.

فهذا الْحَدِيثُ بهذهِ الصورةِ فيهِ زِيادَتَانِ:

- الأُولَى:سُفيانُ الثوريُّ.

- والزيادةُ الثانيَةُ:

زيادةُ أبي إِدريسَ الْخَوْلانيِّ في الإسنادِ.

أمَّا الزيادةُ الأُولَى:

فالخطَأُ مِنْ أَحَدِ الرُّواةِ عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ المُبارَكِ؛ لأنَّ الرُّواةَ الآخَرِينَ الذينَ رَوَوُا الْحَدِيثَ عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ المبارَكِ رَوَوْهُ عن ابنِ المبارَكِ عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ يَزيدَ، بدُونِ ذِكْرِ سُفيانَ الثوريِّ، وعبدُ الرحمنِ بنُ يَزيدَ شيخٌ لعبدِ اللَّهِ بنِ المبارَكِ؛ فلأَنَّ الرُّواةَ الذينَ رَوَوُا الْحَدِيثَ بِدُونِ ذِكْرِ سُفيانَ كُثْرٌ - رَجَّحْنَا رِوايَتَهُم وخَطَّأْنَا الراويَ الذي انْفَرَدَ بهذهِ الزيادةِ؛ لأنَّ عندَنا مُرجِّحاً وهوَ الكَثرةُ.

أمَّا الزيادةُ الثانيَةُ:

وهيَ زيادةُ أبي إِدريسَ الْخَوْلانيِّ، فالخطَأُ فيها مِنْ عبدِ اللَّهِ بنِ المبارَكِ، معَ كونِهِ ثِقَةً، لكنَّهُ أَخْطَأَ في هذهِ الزيادةِ؛ لأنَّ الرُّواةَ الذينَ رَوَوُا الْحَدِيثَ عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ يَزيدَ كُلَّهم رَوَوْهُ عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ يَزيدَ، أنَّهُ قالَ: حدَّثَنِي بُسْرُ بنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، سَمِعْتُ وَاثلةَ يقولُ: سَمِعْتُ أبا مَرْثَدٍ، فذَكَرَ الْحَدِيثَ بدُونِ ذِكْرِ أبي إدريسَ الْخَوْلانيِّ.

وقدْ قَبِلْنَا الزيادةَ في الإسنادِ الأَوَّلِ؛ لأنَّ شُعبةَ وسُفيانَ مُتساويانِ، ورَدَدْنَا الزِّيادةَ في الإسنادِ الثاني؛ لأنَّ الرُّواةَ الكُثْرَ رَوَوْهُ بدُونِ الزيادةِ، وتَفَرَّدَ بالزيادةِ راوٍ واحدٌ.

وتُقْبَلُ الزيادةُ إذا كانتْ أَوْجُهُ الْحَدِيثِ مُتساويَةً في القُوَّةِ،

أمَّا إذا اخْتَلَفَتْ أوْجُهُ الْحَدِيثُ في الْقُوَّةِ فإنَّنا نُرَجِّحُ ما هوَ أَرْجَحُ؛ إمَّا لثِقَتِهِ، أوْ لكَثْرَةِ عَدَدِهِ.


مسألةٌ:

ما الرَّأْيُ في قولِ مَنْ يَقولُ: إنَّ زِيادةَ الثِّقَةِ لا تُقْبَلُ إلاَّ بوُجودِ القرائنِ؟

أَقُولُ: هذا القولُ قدْ يَكونُ لهُ وَجاهَتُهُ، وقدْ يكونُ قائِلُهُ يُرِيدُ مَعْنًى آخَرَ غيرَ ما يُفْهَمُ، فعليهِ أنْ يُوَضِّحَ ما يُرِيدُ، فهلْ، مَثَلاً، إذا جاءنا حديثٌ مِنْ رِوايَةِ

شُعبةَ وسُفيانَ الثورِيِّ، عنْ عَلقمةَ بنِ مَرْثَدٍ، عنْ سعْدِ بنِ عُبيدةَ، عنْ أبي عَبْدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ، فزيادةُ سعْدِ بنِ عُبيدةَ التي زَادَها شُعبةُ هيَ زِيادةُ ثِقَةٍ، وخالَفَهُ سُفيانُ الثَّوْرِيُّ، فَهَلْ يُقالُ: إنَّ زِيادةَ الثِّقَةِ هذهِ غيرُ مَقبولةٍ، ولا يُعْتَبَرُ هذا مِن الْمَزِيدِ الْمُتَّصِلِ الأسانيدِ؟

نُريدُ أنْ نَسْأَلَهُ هذا السؤالَ؛ فإنْ كانَ هذا مَقْصِدَهُ فقدْ أَخْطَأَ، وأمَّا إِنْ كانَ مَقْصِدُهُ مَثَلاً: أنَّ الراويَ الذي يَرْوِي حَدِيثاً قدْ زَادَ فيهِ زِيادةً، بينَما بعضُ الرُّواةِ لم يَزِدْ هذهِ الزيادةَ، فلا بُدَّ أنْ نَتَبَيَّنَ هلْ هذا الْمَجْلِسُ الذي نَقَلَ فيهِ هذا الْحَدِيثَ هوَ مَجْلِسٌ واحدٌ، أمْ أنَّ هذا الراويَ سَمِعَ هذا الْحَدِيثَ مِنْ ذلكَ الشيخِ في مَجْلِسٍ آخَرَ؟

فتُعْتَبَرُ هذهِ قَرينةً على قَبُولِهِ، أمَّا إذا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فتُعْتَبَرُ هذهِ قَرينةً على رَدِّهِ، فإنْ كانَ هذا مَقْصِدَهُ، فنقولُ: هذا كلامٌ لهُ وَجاهَتُهُ بلا شَكٍّ، وعلى كُلِّ حالٍ لا بُدَّ أنْ نَسْأَلَهُ لنُحَدِّدَ مُرَادَهُ).

الْمُضْطَرِبُ:

المخالَفَةُ قدْ تكونُ بإبدالِ راوٍ مكانَ راوٍ آخَرَ، ولا نَمْلِكُ أَداةً للتَّرجيحِ؛ فحِينَئذٍ يُسَمَّى الْحَدِيثُ حَديثاًَ

مُضْطَرِباً.


تَعريفُ الْحَدِيثِ الْمُضْطَرِبِ:

هوَ الْحَدِيثُ الذي وَقَعَ فيهِ إبدالُ راوٍ براوٍ آخَرَ، أوْ إبدالُ لفْظَةٍ بلَفْظَةٍ أُخْرَى، معَ تَساوِي الوُجوهِ في القُوَّةِ،


فلا يُمْكِنُ الترجيحُ ولا الجمْعُ، فعندَنا شَرطانِ للمُضْطَرِبِ:

1-أنْ تَتَسَاوَى جميعُ الوُجوهِ في القُوَّةِ.

2- ألاَّ يُمْكِنَ الجمْعُ بينَهما.


الْحَدِيثُ الْمُضْطَرِبُ يَنقسِمُ إلى قِسمَيْنِ:

1-مُضْطَرِبٍ في الإسنادِ.

2-مُضْطَرِبٍ في الْمَتْنِ.

مِثالُ الْمُضْطَرِبِ في الإسنادِ:

حديثُ أبي بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّهُ سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، أَرَاكَ شِبْتَ.

فقالَ: ((شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا)).

هذا الْحَدِيثُ مَدَارُهُ على أبي إسحاقَ السَّبِيعِيِّ، واخْتُلِفَ عنهُ اختلافاً كثيراً جدًّا؛ فمَرَّةً يَرْوِيهِ عنْ أبي بكرٍ.

-ومَرَّةً عنْ غيرِهِ.

-ومَرَّةً يَرْوِيهِ مُرْسَلاً.

-ومَرَّةً يَرْوِيهِ مَوْصُولاً، إلى غيرِ ذلكَ مِنْ أنواعِ الاضطرابِ التي قالَ فيها الدَّارَقُطْنِيُّ وغيرُهُ: (إنَّ الْحَدِيثَ بهذهِ الصورةِ مُضْطَرِبٌ جِدًّا، لا يُمْكِنُ تَرجيحُ بعضِ طُرُقِهِ على بعضٍ). فنَجِدُ الرُّواةَ الذينَ رَوَوُا الْحَدِيثَ عنْ أبي إسحاقَ السَّبِيعِيِّ كُلَّهم ثِقَاتٍ، فدَلَّ على أنَّ أبا إسحاقَ نفْسَهُ هوَ الذي لم يَضْبِطِ الْحَدِيثَ، فيَأتيهِ فُلانٌ فيُحَدِّثُهُ بالْحَدِيثِ على وَجْهٍ، ويَأتيهِ الآخَرُ فيُحَدِّثُهُ بالْحَدِيثِ على وجهٍ آخَرَ، وهكذا.


مِثالُ الاضْطِرَابِ في الْمَتْنِ:

حديثُ:

((لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ))، وحديثُ: ((فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ))، وهوَ حديثٌ واحدٌ، مَرَّةً رُوِيَ بالنفْيِ، وَمَرَّةً رُوِيَ بالإثباتِ.

-قالَ العِراقيُّ: (إنَّ هذا اضطرابٌ واضِحٌ، لا يُمْكِنُ بحالٍ مِن الأحوالِ الجمْعُ بينَ الْحَدِيثَيْنِ، ولا يُمْكِنُ ترجيحُ أحَدِ الْحَدِيثينِ، فيُتَوَقَّفُ عن العملِ بالْحَدِيثينِ كِلَيْهِمَا).

-قالَ الحافظُ: (وَقَدْ يَقَعُ الإِبدالُ عَمْداً؛ امْتِحَاناً)، الأَلْيَقُ أنْ يكونَ هذا مَوْضِعُهُ في قِسْمِ: (الوَضْعِ في الْحَدِيثِ)، وقدْ تَكَلَّمْنَا على الْحَدِيثِ الْمَوضوعِ.


أسـبابُ الإِبـدالِ:

وهذا الامتحانُ يَفْعَلُهُ بخاصَّةٍ بعضُ أئِمَّةِ الْحَدِيثِ، حينَما يَشُكُّونَ في راوٍ مِن الرُّوَاةِ:

1-إمَّا لأنَّهُم أوَّلَ مَرَّةٍ يَلْقَوْنَهُ؛ فيُريدونَ أنْ يَعْرِفُوا حالَ هذا الراوي عندَهم، هلْ هوَ ثِقَةٌ أوْ غيرُ ثِقَةٍ؟

فيُلْقُونَ عليهِ أحاديثَ مَقلوبةً مَثَلاً، فإذا قَبِلَها عَرَفُوا أنَّهُ ليسَ بشَيْءٍ فيَتَكَلَّمُونَ فيهِ، وإن رَدَّهَا وبَيَّنَ الْخَطَأَ ووُجِدَ منهُ أنَّهُ مُتَثَبِّتٌ، فعندَها يَعْرِفُونَ أنَّ هذا الراويَ راوٍ ثِقَةٌ - هذا في الراوي الذي لا يَعْرِفونَهُ.

2-وقدْ يَكونونَ يَعرفونَهُ في الأصْلِ، لكنَّهُ شاخَ وكَبِرَتْ سِنُّهُ، والغالِبُ على مَنْ كَبِرَتْ سِنُّهُ أنَّهُم يَهْرَمُونَ ويُصيبُهم شيءٌ مِن الخوفِ، ويُسَمَّى عندَ الْمُحَدِّثِينَ الاختلاطَ، فهم يُريدُونَ أنْ يَعْرِفوا: هلْ هذا الرجلُ بعدَما كَبِرَ ووَصَلَ إلى هذا الْحَدِّ مِن السِّنِّ داخَلَهُ الْخَلَلُ مِنْ حِفْظِهِ؟

فتَجِدُهم يُلْقُونَ عليهِ بعضَ الأحاديثِ التي يَقْلِبُونَها، فإذا قَلَبُوا هذهِ الأحاديثَ ومَيَّزَهَا الرجلُ، فمَعْنَى ذلكَ أنَّهُ لا يَزالُ مُحْتَفِظاً بقُوَّتِهِ العَقْلِيَّةِ، وإذا قَبِلَها فمعنى ذلكَ أنَّهُ دَاخَلَهُ الْخَلَلُ، فعندَها يُحَدِّدُونَ الحدَّ فيقُولُونَ: مَنْ رَوَى عنهُ قبلَ ذلكَ التاريخِ فرِوايتُهُ صَحيحةٌ، ومَنْ رَوَى عنهُ بعدَ ذلكَ التاريخِ فإنَّهُ دَاخَلَهُ الْخَلَلُ.

قِصَّـةُ البُـخاريِّ:

يقولونَ: إنَّ البُخاريَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدِمَ بَغدادَ، فَلَمَّا قَدِمَها وكانَ صِيتُهُ قدْ ذَاعَ وانْتَشَرَ عندَ الناسِ، فتَأَهَّبُوا للبُخاريِّ الذي يَشتاقونَ إليهِ كثيراً، فلَمَّا رَأَوْهُ احْتَفَوْا بهِ واجتَمَعَ حولَهُ الناسُ، يُريدونَ أنْ يَعْرِفُوا ذلكَ البُخاريَّ الذي يَسمعونَ بحافِظَتِهِ العَجيبةِ.

فكانَ بعضُ أهلِ الْحَدِيثِ في بَغدادَ اتَّفَقُوا فيما بينَهم على امتحانِ البُخاريِّ؛ ليَعْرِفُوا مَدَى صِدْقِ هذهِ الحافِظَةِ التي تُدَّعَى مِنْ عَدَمِ ذلكَ، فأَتَوْا بِمِائَةِ حديثٍ فجَعَلُوا كلَّ عَشَرَةِ أحاديثَ عندَ راوٍ مِنْ هؤلاءِ، فجَاؤُوا بعَشَرَةِ رُواةٍ وأَعْطَوْا كُلَّ وَاحِدٍ عَشَرَةً مِنْ هذهِ الأحاديثِ، لكنَّ العَشَرَةَ التي عندَ فُلانٍ مِن الناسِ أَعْطَوْهُ الْمُتونَ فقطْ، أمَّا أسانيدُها فأَعْطَوْهَا الْمُتُونَ التي عندَ فلانٍ، فقَلَبُوا عليهِ الأحاديثَ؛ فرَكَّبُوا أسانيدَ أحاديثَ على مُتُونِ أَحَادِيثَ أُخْرَى ثمَّ جَاؤُوا.

فقالَ الأَوَّلُ:

حديثُ فلانٍ؛ فيَذْكُرُ الإسنادَ والْمَتْنَ، فيقولُ البُخاريُّ: لا أَعْرِفُهُ، فأَمْلَى الأَوَّلُ أحاديثَهُ العَشَرَةَ كلَّها، والبُخاريُّ يَقولُ: لا أَعْرِفُهُ.

وكذلكَ الثاني والثالثُ إلى العاشرِ، وكُلُّ حديثٍ يقولُ فيهِ البُخاريُّ: لا أَعْرِفُهُ.

فأمَّا العَوَامُّ فقالُوا: هذا البُخاريُّ لا يَعْرِفُ شيئاً، وأمَّا العُلماءُ فقَالُوا: فَطِنَ الرَّجُلُ.

فلَمَّا انْتَهَى هذا العَدَدُ كُلُّهم قالَ البُخاريُّ للأَوَّلِ: أمَّا حَدِيثُكَ الأَوَّلُ الذي قُلتَ فيهِ كذا وكذا، فصَوابُهُ أنَّهُ حديثُ فُلانٍ الآخَرِ، فمَتْنُهُ هوَ إسنادُ حديثِكَ، وإسنادُ حديثِكَ على مَتْنِ الْحَدِيثِ الفُلانِيِّ.

فَرَدَّ مائةَ الْحَدِيثِ كُلَّها وصَوَّبَـها ورَدَّهَا إلى أُصُولِها.

قالَ العِراقيُّ: ليسَ العَجَبُ أنْ يَرُدَّ غيرَ الصحيحِ إلى الصحيحِ، ولكنَّ العَجَبَ كيفَ حَفِظَ الْخَطَأَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ؟!

ولكنَّ القِصَّةَ لا تَثْبُتُ،

والقِصَّةُ ذَكَرَها ابنُ عَدِيٍّ فقالَ: حَدَّثَنِي أشياخٌ لنا، فهم لا يُعْرَفُونَ، والْحَيْطَةُ ألاَّ تُقْبَلَ هذهِ القِصَّةُ.

مثالٌ صحيحٌ:

قِصَّةُ يَحْيَى بنِ مَعِينٍ معَ أبي نُعَيْمٍ الفَضْلِ بنِ دُكَيْنٍ:

يَحْيَى بنُ مَعِينٍ، والإمامُ أحمدُ، وأحمدُ بنُ بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ قدْ ذَهَبُوا إلى عبدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ في اليَمَنِ في طَلَبِ الْحَدِيثِ في رِحْلَةٍ طويلةٍ، فَلَمَّا رَجَعُوا مَرُّوا في طريقِهم على أبي نُعيمٍ الفضلِ بنِ دُكَيْنٍ، وأَلَحَّ يحيى بنُ مَعينٍ على الإمامِ أحمدَ أنْ يَمُرُّوا على هذا الرجلِ وقالَ: إنَّنِي سأَخْتَبِرُهُ؛ لأنَّهُ كَبِرَ في السِّنِّ، فأَرادَ اختبارَهُ هل اخْتَلَطَ أمْ لا؟

فنَهَاهُ الإمامُ أحمدُ، وقالَ: لا تَفْعَلْ، فقالَ: لا بُدَّ أنْ أَفْعَلَ.

فأَرْصَدَ يحيى بنُ مَعينٍ ثلاثينَ حَديثاً مِنْ حديثِ أبي نُعيمٍ، فأَخَذَ يُمْلِي عليهِ عَشَرَةَ أحاديثَ، والحادي عشرَ قَلَبَهُ فوَضَعَ للحديثِ إسنادَ حديثٍ آخَرَ، فأبو نُعيمٍ يُمْلِي عليهِ يَحْيَى بنُ مَعينٍ العشَرةَ الأُولَى وهوَ مُنْصِتٌ ويُقِرُّ لهُ، فَلَمَّا جاءَ الْحَدِيثُ الحادي عشرَ استَنْكَرَ فَأَجَابَ بأنَّهُ لا يَعْرِفُهُ، وأنَّ هذا ليسَ مِنْ حديثِهِ.

فمَضَى يحيى بنُ مَعينٍ حتَّى وَصَلَ إلى الحادي والعشرينَ، فأَحْدَثَ كما أَحْدَثَ في الأَوَّلِ - قَلَبَ عليْهِ- فأَنْكَرَهُ أبو نُعَيْمٍ، ثمَّ مَضَى حتَّى أتَى الْحَدِيثَ الأخيرَ، فلَمَّا قَلَبَهُ فَطِنَ لهُ أبو نُعَيْمٍ فقالَ: أمَّا هذا - يَقْصِدُ الإمامَ أحمدَ - فأَوْرَعُ مِنْ أنْ يَفعلَ هذا، وأمَّا هذا - يُشيرُ إلى أحمدَ بنِ بَشَّارٍ الرَّمادِيِّ، فليسَ بأهلٍ أنْ يَصنعَ مِثلَ هذا الصنيعِ، ويَبدُو أنَّهُ لم يَنْضَجْ بعدُ في العلْمِ، ولا أَظُنُّ هذا إلاَّ منكَ يا فَاعِلُ؛ فَرَفَسَهُ برِجْلِهِ رَفْسَةً، فلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عندِهِ قالَ لهُ الإمامُ أحمدُ: قدْ كُنْتُ نَهَيْتُكَ.. قالَ: واللَّهِ لَرَفْسَتُهُ هذهِ أحَبُّ إليَّ مِنْ كذا وكذا؛ لأنَّهُ استفادَ منها أنَّ هذا الرجُلَ ما يَزَالُ مُحْتَفِظاً بحَافِظَتِهِ وأنَّهُ ثِقَةٌ.

فهذا الصَّنِيعُ أَجَازَهُ العُلماءُ بشَرْطِ أنْ يُبَيِّنَ القَلْبَ قَبْلَ أنْ يَقومَ الْمَجْلِسُ، والقِصَصُ في هذا كثيرةٌ، فقدْ حَدَثَتْ لِحَفْصِ بنِ غَيَّاثٍ معَ راوٍ آخَرَ.

يقولُ الحافظُ: (ولوْ وَقَعَ الإبدالُ عَمْداً لا لِمَصْلَحَةٍ، بلْ للإغرابِ مَثَلاً؛ فهوَ مِنْ أَقسامِ الْمَوضوعِ، ولوْ وَقَعَ غَلَطاً؛ فهوَ مِن الْمَقلوبِ أو الْمُعَلَّلِ).


مِثالُ الأوَّلِ:

(أي: الإبدالُ للإغرابِ):

حديثُ سُهيلِ بنِ أبي صالِحٍ، عنْ أبيهِ، عنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((لا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ))، رواهُ مسلِمٌ بهذا الإسنادِ، فجاءَ حَمَّادُ بنُ عمرٍو النَّصِيبِيُّ ورَوَى هذا الْحَدِيثَ؛ ولأنَّهُ يَعْرِفُ أنَّ سُهَيْلَ بنَ أبي صالِحٍ تَفَرَّدَ بهذا الْحَدِيثِ، فأَرَادَ حَمَّادٌ أنْ يَقولَ للناسِ: إنَّ عنديَ إسناداً ليسَ عندَ الآخَرِينَ، وهوَ إِسنادٌ نَظيفٌ جِدًّا، فقالَ: حدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عنْ أبي صالِحٍ، عنْ أبي هُريرةَ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((لا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى..)).

فأَبْدَلَ حَمَّادٌ، بسُهَيْلِ بنِ أبي صالِحٍ، الأَعْمَشَ.

فهذا نَوْعٌ مِنْ أنواعِ الوَضْعِ في الْحَدِيثِ،

وإنْ كانَ أصْلُ الْحَدِيثِ صَحيحاً، لكنَّهُ بهذا الطريقِ يُعْتَبَرُ مَوضوعاً.

ولوْ وَقَعَ الإبدالُ غَلَطاً؛ فيُعْتَبَرُ مِن الْمَقلوبِ الْمُعَلَّلِ.

مِثالُهُ:

ثابتُ بنُ مُوسى الزاهدُ في حديثِ: ((مَنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ))، وَقَعَ الإبدالُ خَطَأً مِنْ ثابتٍ حينَما ظَنَّ أنَّ شَرِيكاً عندَما أَمْلَى ذلكَ الإسنادَ وقالَ هذا الكلامَ، أنَّ هذا الكلامَ هوَ مَتْنُ ذلكَ الإسنادِ الذي أَمْلاهُ).

هيئة الإشراف

#6

29 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: عبد العزيز السعيد (مفرغ)

القارئ: ( (أو بتقديمٍ أو تأخيرٍ، فالمقلوب...)

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (يعني: بتقديمٍ في المتن أو في الإسناد، أو بتأخيرٍ فيهما، وصار عندنا الحديث المقلوب هو: (الحديث الذي يحصل فيه تقديمٌ أو تأخيرٌ في متنه أو إسناده، سواءٌ فعله الراوي عمداً أو خطأً)، هذا المقلوب نوع من الأحاديث يقع في الإسناد والمتن.

-القلب في الإسناد تارةً يكون بقلب اسم الراوي، مثل: قلب بعضهم اسم الجراح بن منهال، قال: المنهال بن جراح، فهذا فيه قلب في الإسناد.

- وكذلك:قالوا: كعب بن مرة، قلب إلى مرة بن كعب، هذا عادةً يقع في نهاية الأسماء التي يكون فيها تشابه مع غيرها.

- كذلك:يكون بإبدال ذات الراوي، أو يقدم راوياً في الإسناد على راو آخر في الإسناد نفسه، فيجعل الراوي مروياً عنه، كأن يأتي إلى حديث مالك، عن صالح بن كيسان، صالح بن كيسان أكبر من مالك، ولكن صالح بن كيسان يروي عن مالك، فإذا رأى في الإسناد صالح بن كيسان، عن مالك قلب قال: مالك عن صالح بن كيسان، هذا خطأ قلب، جعل الراوي مروياً عنه.

وهذا يحصل إذا كان الراوي أصغر من المروي عنه، مثل: صالح بن كيسان في روايته عن مالك، أو رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك، هذان من شيوخ مالك، قد يخطئ بعض الرواة إذا رأى مالك عن صالح بن كيسان، ظن أن الإسناد فيه خطأ، فغير فقال: عن مالك، عن صالح، أو قال: مالك عن يحيى، والأصل أنه يحيى بن سعيد عن مالك، أو صالح بن كيسان عن مالك.

- أو يبدل راوٍ براوٍ، ما يقدم، ولكن يبدل أصلاً، وهذا الإبدال الذي سيأتي يتكرر في مواضع كثيرة من علوم الحديث؛ لأن أصل هذه العلوم كلها متداخلة، مثلاً عندنا: حديث رواه يعلى بن عبيد، عن الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن مقسم، عن ابن عباس في إهداء النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم مائة من الإبل فيها بعير لأبي جهل، أهدى مائة من الإبل للبيت، هذا الحديث قال العلماء: إسناده مقلوب؛ لأن الحديث رواه وكيع، عن الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس.

فهنا الراوي الأول يعلى بن عبيد قلب في الإسناد؛ جعل منصور بن المعتمر مكان اثنين من الرواة: ابن أبي ليلى والحكم، وهذا قلبٌ في الإسناد، أبدل راوياً براويين، قالوا: هذا نوعٌ من القلب في الإسناد، هذا كله يسمى المقلوب في الإسناد، أو لو ركب متناً على إسناد يسمى أيضاً نوعاً من أنواع المقلوب.

مثلاً:لو جاء إلى حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) الحديث إسناده معروف، يحيى بن سعيد، عن التيمي، عن علقمة، عن عمر، لو جاء رجل فقال: هذا الإسناد عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة.

جاء راوٍ آخر حذف الإسناد كله قال: عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إنما الأعمال بالنيات)) هذا يسمى مقلوباً؛ لأن هذا المتن ليس لهذا الإسناد.

كذلك النوع الثاني، وهو مقلوب المتن، كما روى مسلم في (الصحيح): السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قال: ((ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله))، فهذا فيه قلبٌ، الحديث في (صحيح البخاري): ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)).

- كذلك:مثلوا له بحديث أُنيسة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن ابن أم مكتومٍ يؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلالٌ)).

هذا مقلوبٌ، والثابت في الصحيحين من حديث عائشة، وابن عمر، وأبي هريرة، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إنَّ بلالاً يؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم))، هذا قلب في المتن.


القارئ: ( (أو بزيادة راو فالمزيد في متصل الأسانيد).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (هذا أيضاً نوعٌ من أنواع علوم الحديث.

وهو المزيد في متصل الأسانيد. وذلك أن يكون التغيير والمخالفة بالتغيير في زيادة راوٍ في الإسناد.

المزيد في متصل الأسانيد.

أولاً:فيه زيادة، وهذه الزيادة زيادة راوٍ.

ثانياً:أن يكون المزيد عليه متصل الإسناد.

هذا النوع من أنواع علوم الحديث لا يظهر إلا بالمثال، عندنا: عبد الله بن المبارك ومبشر بن إسماعيل، رويا حديثاً عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((يا عبد الله، لا تكن كفلانٍ، كان يقوم ليله فترك قيام الليل)).

هذا الآن إسناد متصل بلا إشكال، كل راوٍ سمع ممن فوقه، وصرح يحيى بن أبي كثير بالتحديث عن أبي سلمة، قال: حدثني أبو سلمة، ويحيى بن أبي كثير من الرواة المشهورين عن أبي سلمة بلا إشكال، وفي هذا الحديث بخصوصه قال: حدثني أبو سلمة، فاجتمع عندنا شيئان: صحة سماعه أصلاً من أبي سلمة، بل هو من المكثرين.

كذلك:

أنه في هذا الموضع صرح بالتحديث، والإسناد عبد الله بن المبارك يكفي معه مبشر بن إسماعيل، هذا زيادة على قوة عبد الله بن المبارك، والأوزاعي لا يسأل عنه، ويحيى بن أبي كثير، وأبو سلمة،هذا إسنادٌ متصلٌ جاءت رواية أخرى من حديث: عبد الحميد بن أبي العشرين، وغيره عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن الحكم بن عمرو بن ثوبان، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا عبد الله).

هذا الإسناد إذا قورن بالإسناد الماضي وجدنا أن فيه رجلاً مدخلاً، وهو (الحكم) هذا، (الحكم) هذا أدخل بين يحيى بن أبي كثير وأبي سلمة، الإسناد السابق.. كان يحيى بن أبي كثير يقول فيه: حدثني أبو سلمة، في هذا الإسناد يحيى بن أبي كثير، عن الحكم، عن أبي سلمة، فهذا فيه واسطة بين أبي سلمة ويحيى بن أبي كثير.هذا السند الثاني: يسمى المزيد في متصل الأسانيد، (المزيد) لأنه زاد رجلاً في الإسناد، وهو الحكم، (في متصل الأسانيد) لأن الإسناد متصل، هنا وقعت فيه مخالفةٌ، بالتغيير، التغيير.

هو زيادة راو في الإسناد.

هذا المزيد هل هو صحيح أو ضعيف؟

فيه تفصيلٌ عند العلماء، قبل هذا التفصيل نلخص شروط المزيد في متصل الأسانيد حتى يظهر:

الشرط الأول:

أن يكون الإسناد المزيد عليه متصلاً، ويكون الراوي قد صرح بالتحديث أو السماع في موضع الزيادة، بين يحيى وأبي سلمة، يحيى قال: حدثني، صرح بالتحديث في موضع الزيادة، فهنا اشترطنا أن يكون متصلاً، والراوي صرح بالتحديث في الموضع و أن يأتي إسناد آخر فيه زيادة رجل أو أكثر عما في الإسناد السابق.

المزيد في متصل الأسانيد لا يقال: أو هو الراجح دائماً، ولا يقال: هو المرجوح، هذا ينبني على المقارنة بين الرواة، إذا جاء إسنادٌ فيه راوٍ زائدٍ وإسنادٌ فيه راوٍ ناقص فيقال: نقارن بين هذا الإسناد وهذا الإسناد أيهما أقوى، فالراجح هو المحفوظ، والمرجوح هو الشاذ، فتارةً يكون المزيد في متصل الأسانيد إذا كان المزيد في متصل الأسانيد هو الراجح ينتقل عنه هذا الوصف ما نسميه المزيد في متصل الأسانيد. وإذا رجحنا الحديث الذي ما فيه زيادة، وإسناده متصلٌ يكون الذي فيه زيادة خطأ من الراوي، ويكون مرجوحاً، يعني: تكون الزيادة شاذةً، وأحياناً يقال: إن كلا الإسنادين محفوظ.

وهذا موجود في الصحيح منه كثيرٌ، لكن هذا له شروط:

الشرط الأول:أن يتساوى الإسنادان في القوة.

والثاني:أن يكون الراوي في الإسناد،الذي لم تذكر فيه هذه الزيادة، أن يكون قد سمع ممن روى عنه، وكذلك يكون ثبت سماعه ممن زيد في الإسناد الآخر.

فعلى هذا المثال السابق إذا ثبت أن يحيى بن أبي كثير له سماع عن الحكم، وثبت أن له سماع عن أبي سلمة، فنقول حينئذٍ: كلا الوجهين محفوظ، لا بد أن يكون الرواة على درجة متكافئةٍ في القوة، وإلا كان فيه راجحٌ ومرجوحٌ، فإذا تساوى في القوة فنقول: إن الإسنادين كلاهما محفوظ، لماذا؟

لأننا إذا قلنا: محفوظ يترجم هذا على أن الراوي سمع أولاً بواسطةٍ، ثم سمع بغير واسطة، وهذا موجودٌ، ليس معدوماً، عبد الله بن أحمد دائماً في مواضع في المسند يقول: حدثني أبي، عن عبد الرحمن بن مهدي، ثم سمعته أنا من عبد الرحمن بن مهدي، فهذا يدل على أنه قد يسمع بواسطة ثم يسمع بغير واسطة، هذا هو النوع المسمى بالمزيد في متصل الأسانيد.


القارئ: ( (أو بإبداله ولا مرجح، فالمضطرب).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (يعني: إبدال راو براوٍ، فهو المضطرب، المضطرب غالباً في الإسناد، وإذا كان اضطراباً في المتن، فعادة يرجع إلى اضطرابِ الإسناد.

ولهذا الحافظ هنا جعل الاضطراب إبدال راوٍ براوٍ.

في الإسناد ولا مرجح؛ وذلك بأن تتساوى قوة الأسانيد ويُخْتَلَف على الراوي، فالراوي المختلف عليه يَنْتُج عن الاختلاف عليه عدة أسانيدٍ للحديث، لا ندري أيها أرجح، هذا الاضطراب يدل على عدم ضبط الراوي، هذا الاختلاف أنتج التغير في الإسناد.

أشهر مثال له حديث ((شيبتني هود وأخواتها))؛ لأن الأحاديث المضطربة غالبها إن لم تكن كلها.. فيها ترجيح، إلا إذا كان الراوي المختلف عليه ضعيفاً في الأصل، والراوي إذا كان ضعيفا أصلُ الحديث يكون ضعيفاً باضطرب، أو ما اضطرب، لكن يزيده الاضطراب ضعفاً، لكن هذه نادر، أن يوجد حديث مضطرب ولا مرجح له.

وأشهر مثال عند العلماء هو حديث: ((شيبتني هود وأخواتها)).

هذا الحديث إذا وقف الإنسان على أسانيده يجد ناساً يروونه عن أبي إسحاق السبيعي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أبي بكر، وناساً يروونه عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن أبي بكر، أسقطوا ابن عباس، وناساً يروونه عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، عن أبي بكر، وناساً يروونه عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة، عن أبي بكر، وناساً يروونه عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود رضي الله عنه.

ذكروا له طرقاً كثيرةً تدل على أن الحديث فيه اضطرابٌ واختلافٌ كبير، ولهذا عدوا هذا من الأحاديث المضطربة، بل هو من أشهرها إن لم يكن أشهرها.

الحديث المضطرب حديث ضعيف؛ لأنه يدل على عدم ضبط الحديث. قد تقدم أن من شروط صحة الحديث تمام الضبط، من شرط حسنه أن يكون راويه خفيف الضبط.

تمام الضبط أو خفة الضبط:

- إما أن يكون على وجه العموم.

أو يكون مقيداً بشيءٍ معينٍ، ففي هذا الحديث حصل اختلافٌ كبيرٌ وعدم ضبط،

- يحتمل أن يكون أبو إسحاق السبيعي، على ثقته وجلالته ما ضبط هذا الحديث.

- ويحتمل أن يكون من الرواة عنه.

فالحديث المضطرب هو حديث اختلف فيه على وجهين أو أكثر، مع تساوي القوة وعدم المرجح، فيصير اضطراباً إذا وجد المرجح صار الراجح محفوظاً والمرجوح شاذاًّ، وصار الراجح محفوظاً والشاذ معلولاً.

والاضطراب نوعٌ من أنواع العلة، لكن العلماء يفصلونه حتى تتميز الأنواع، ولهذا الحديث المضطرب يذكره العلماء في كتب علل الحديث.


القارئ: (قال المؤلف: (وقد يقع الإبدال عمداً امتحاناً).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (يعني: أن الإبدال تارة يقع قصداً تعمداً للتبديل والتغيير، فهذا لا يجوز، وتارةً يقع سهواً، وهذا إن كثر في الراوي ضعَّفه، وإن قل لم يضعِّفه، ولكنه يطعن في روايته بخصوصها، إلا إذا أبدل راوياً براوٍ، أو بَدَّلَ في الحديث ليمتحن غيره، فهذا يجوز له أن يفعل ذلك بهذا القصد، كما كان بعض العلماء يصنعه.

مثلما امتحن أهل بغداد الإمام البخاري، ومثلما امتُحِنَ العُقَيْلِي، ومثلما كان شعبة يمتحن طلابه، فإذا مثلاً جاء بإسنادٍ ووضع عليه متناً، أو أدخل إسناداً في إسنادٍ أو نحو ذلك، وقصده أن يختبره ليعرف قدرته ومعرفته بهذا العلم، فإنه يسوغ له ذلك، لكن لا يستمر معه هذا الفعل حتى يختلط الحق بالصواب، فلا بد أن يبين الخطأ من الصواب).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

29 Oct 2008

العناصر

الحديث المقلوب:
تعريف (المقلوب)
أقسام المقلوب:
القسم الأول: مقلوب الإسناد
مثال مقلوب الإسناد
القسم الثاني: مقلوب المتن
مثال مقلوب المتن
فائدة: ربما يدخل في قلب المتن أن يكون المتن قوليًا فيقلبه إلى فعل أو العكس، ومثال ذلك
صور القلب في الإسناد:
الصورة الأولى: تقديم الأسماء أو تأخيرها
الصورة الثانية: أن يُبدل فيها الراوي تماماً
الصورة الثالثة: أن يُبدل الإسناد كاملاً
الصورة الرابعة: إبدال إسناد كاملاً وتركيبه على المتن
قد يقع القلب عمداً، وله صورتان:
الصورة الأولى: ما يقع من بعض الرواة الكذابين الذين يسمونهم (مركبي الإسناد) هذا الصنف يتعمدون القلب من أجل أن يستغرب هذا الإسناد ويطلب منهم
مثال تعمد القلب لأجل الإغراب
حكم تعمد القلب لأجل الإغراب
الصورة الثانية: تعمد القلب لأجل الامتحان:
لماذا يتعمد المحدثون الإبدال؟
أمثلة تعمد القلب لأجل الامتحان
حكم قلب الحديث لأجل الامتحان
ما يشترط في تعمد القلب لأجل الامتحان
إذا وقع الإبدال غلطًا، فما الحكم؟
(المصنفات في الحديث المقلوب)
المزيد في متصل الأسانيد:
تعريف المزيد في متصل الأسانيد
شرط المزيد في متصل الأسانيد
مثال الزيادة المقبولة
مثال الزيادة المردودة
متى تقبل الزيادة؟
أحوال زيادة الراوي في الإسناد
الحالة الأولى: أن يترجح تصويب زيادة الراوي، فيكون الإسناد الآخر منقطعًا
الحالة الثانية: أن يصوب كلا الطريقين
بمعنى: أن يكون الراوي سمعه من شيخه وسمعه أيضًا بواسطة
مثال الحالة الثانية
الحالة الثالثة: أن يترجح أن زيادة هذا الراوي غلط
المصنفات في (المزيد في متصل الأسانيد)
فائدة: من أكثر من ضرب أمثلة لموضوع زيادة راو والنظر في زيادته العلائي في (جامع التحصيل)
الحديث المضطرب:
بيان أن المضطرب من أنواع المخالفة
بيان نوع المخالفة في (الحديث المضطرب)
تعريف (المضطرب)
شروط تحقق الاضطراب:
الشرط الأول: أن تتساوى جميع الوجوه في القوة
الشرط الثاني: ألا يمكن الجمع بينها
أحوال الاضطراب المردود:
الحالة الأولى: أن يكون هذا الراوي قد عرف عنه الاضطراب
الحالة الثانية: أن يكون ثقة لكن لم يمكن الترجيح
أقسام الحديث المضطرب:
القسم الأول: مضطرب في الإسناد
أمثلة للاضطراب في الإسناد
صور مجيء الاضطراب في الإسناد
القسم الثاني: مضطرب المتن
مثال للاضطراب في المتن
بيان طريقة العمل في الاضطراب
تنبيهات في الحديث المضطرب:
التنبيه الأول: أن الاضطراب مؤثر في الحديث وإن أمكن الترجيح

التنبيه الثاني: أن مسألة الترجيح عند الاختلاف أمر اجتهادي

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

29 Oct 2008

الأسئلة

س1: عرف (المقلوب) لغة واصطلاحاً.
س2: اذكر مع التمثيل أقسام (المقلوب).
س3: اذكر مع التمثيل صور القلب في الإسناد.
س4: هل يجوز تعمد القلب؟
س5: اذكر مع التمثيل أسباب القلب.
س6: اذكر بعض المصنفات في الحديث المقلوب.
س7: ما معنى المزيد في متصل الأسانيد مع التمثيل له بمثال.
س8: ما هو شرط المزيد في متصل الأسانيد؟
س9: بين متى تقبل الزيادة؟
س10: اذكر مع التمثيل أحوال زيادة الراوي في الإسناد.
س11: اذكر المصنفات في المزيد في متصل الأسانيد.
س12: عرف الحديث المضطرب.
س13: ما نوع المخالفة في الحديث المضطرب؟
س14: ما هي شروط تحقق الاضطراب.
س15: اذكر مع التمثيل أقسام الاضطراب.
س16: ما حكم الحديث المضطرب؟