الدروس
course cover
المتروك والمنكر والمعلل
25 Oct 2008
25 Oct 2008

6549

0

0

course cover
شرح نخبة الفكر

القسم الثالث

المتروك والمنكر والمعلل
25 Oct 2008
25 Oct 2008

25 Oct 2008

6549

0

0


0

0

0

0

0

المتروك والمنكر والمعلل

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (والثَّانِي:المَتْرُوكُ.

والثَّالِثُ:المُنْكَرُ عَلَى رَأْيٍ.

وَكَذَا الرَّابِعُ وَالخَامِسُ.

ثُمَّ الوَهَمُ إِن اطُّلِعَ عَلَيْهِ بِالقَرَائِنِ وَجَمْعِ الطُّرُقِ: فَالْمُعَلَّلُ).

هيئة الإشراف

#2

14 Apr 2008

شرح نخبة الفكر للشيخ عبد الكريم الخضير (مفرغ)

قال الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير: (التهمة بالكذب:

الوجه الثاني من أوجه الطعن في الراوي: التهمة بالكذب.

والتهمة في اللغة: الظن، أصلها الوهمة، تاؤه مبدلة من واو، كما أبدلت في تخمة، يقال: أوهمته واتهمته إذا أدخلت عليه التُهَمة كهمزة ورطبة، والسكون لغة، أصله تُهَمة كهُمزة ولُمزة، وقد تسكن فيقال تهْمة، واتهمته شككت في صدقه.

واصطلاحاً عرفه الحافظ ابن حجر في النزهة، عرف الحافظ ابن حجر في النزهة تهمة الراوي بالكذب: بألا يروى ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون مخالفاً للقواعد المعلومة، وكذا من عرف بالكذب في كلامه العادي، وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الكلام النبوي.

الكذاب في علوم الحديث هو الذي يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمتهم بالكذب هو الذي يكذب في حديثه العادي مع الناس، لكنه لا يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا يتهم بالكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه جرب عليه الكذب في حديثه مع الناس، ومثله لو روى حديث لا يعرف إلا من جهته، ويكون هذا الحديث مخالف للقواعد المعلومة، ومن هذا نعرف أسباب اتهام الراوي بالكذب، ألا يروى ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون الحديث مخالف للقواعد المعلومة حينئذٍ نتهم هذا الراوي.

أن يعرف الراوي بالكذب في كلامه العادي لكن لم يظهر منه كذب في الحديث النبوي، ومتى اتهم الراوي بالكذب ترك حديثه.

قال الإمام مالك بن أنس: "لا يؤخذ العلم عن أربعة ويؤخذ ممن سوى ذلك، لا يؤخذ من صاحب هوىً يدعو الناس إلى هواه، ولا من سفيه معلن بالسفه، ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس، وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث به".

فحش الغلط:

الوجه الثالث من أوجه الطعن في الراوي: فحش الغلط، سيأتي الحافظ على هذه الأوجه العشرة بالتفصيل وماذا يسمى حديث الكذاب؟ ماذا يسمى حديث المتهم بالكذب؟ بم يسمى حديث من فحش غلطه؟ سيأتي عليها بالترتيب المذكور هنا؛ لأنه كما ذكرنا الحافظ رتب كتابه على طريقة اللف والنشر.

الوجه الثالث من أوجه الطعن في الراوي: فحش الغلط، يقال: غط في منطقه غلطاً أخطأ وجه الصواب، وغلطته أنا قلتُ له: غلطت أو نسبته إلى الغلط، وأغلطته إغلاطاً أوقعته في الغلط، ويجمع على أغلاط، ورجل غلطان كسكران، وكتاب مغلوط قد غلط فيه، وفحش الغلط كثرته، وكل شيء جاوز حده فهو فاحش، يعني كون الإنسان يغلط الغلط والغلطتين والثالث هذا يسمى فاحش الغلط؟ لا، من يعرو من الغلط من السهو من النسيان من سبق اللسان، ما في أحد يسلم من ذلك، لكن إذا كثر في كلامه وفحش غلطه صار وجه من أوجه الطعن.

فحش الغلط كثرته، وكل شيء جاوز حده فهو فاحش، وذلك بأن يكون غلط الراوي أكثر من صوابه أو يتساويان، أما إذا كان الغلط قليلاً فإنه لا يؤثر إذ لا يخلو الإنسان من الغلط والنسيان.

روى الخطيب البغدادي بسنده عنسفيان الثوري أنه قال: "ليس يكاد يفلت من الغلط أحد، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط، وإن كان الغالب عليه الغلط ترك"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وأما الغلط فلا يسلم منه أكثر الناس، بل في الصحابة من قد يغلط أحياناً وفيمن بعدهم"، وإذا كثر غلط الراوي ترك حديثه، روى الخطيب البغدادي عن عبد الرحمن بن مهدي أنه كان لا يترك حديث رجل إلا رجل متهم بالكذب أو رجلاً الغالب عليه الغلط.

الغفلة:

الوجه الرابع من أوجه الطعن في الراوي: الغفلة، يقال: غفل الرجل عن الشيء يغفل غفولاً فهو غافل، ورجل مغفل لا فطنة له، وغفلت الشيء تغفيلاً إذا كتمته وسترته، وتغفلته عن كذا تخدعته عنه على غفلة منه، وفلان غفل لم تسمه التجارب، غفل، كثير ما يقولون: أن فلان غفل، نعم، إيش معنى غفل؟ لم تسمه التجارب، يعني ما استفاد من التجارب في الحياة، يقع في هذا الأمر ثم يقع فيه ثانية ثم ثالثة، ما يستفيد من تجارب الحياة، والاسم الغفلة والغفل والغفلان، والغُفل بالضم من لا يرجى خيره ولا يخشى شره، يعني إذا قالوا: فلان غفل، هذا موجود، ما هو مستعمل عندكم؟ ما يقولون: فلان غفل؟ مغفل وغفل، نعم، معناه لا يرجى خيره ولا يخشى شره.

واصطلاحاً: غيبة الشيء عن بال الإنسان، غيبة الشيء عن بال الإنسان وعدم تذكره له، كذا في المصباح، وعرفه الفيروز آبادي في البصائر: بأنه سهو يتعري عن قلة التحفظ والتيقظ، ولا بد من تقييد الغفلة بالكثرة، لأن مجرد الغفلة ليست سبباً للطعن لقلة من يعافيه الله منها، غالب الناس فيهم غفلة، لكن إذا كثرت هذه الغفلة لا بد أنها تجرح الراوي، وإن لم يؤاخذ عليها، لا يعني أنه راوٍ مجروح بمعنى أنه آثم، لا.

ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- للسهو والغفلة سبعة أسباب هي:

الاشتغال عن هذا الشأن بغيره، ككثير من أهل الزهد والعبادة، كثير من الناس ينصرف عن طلب الحديث فإذا روى حديثاً أخطأ فيه، الخلو عن معرفة هذا الشأن من الأصل ما يعرف الحديث، تكون بضاعة في الحديث مزجاة، الأول هو في الأصل من أهل الحديث لكنه انشغل عنه، الثاني في الأصل ليس من أهل الحديث، الخلو عن معرفة هذا الشأن، ولذا تجدون الأخطاء الكثيرة في الأحاديث التي يسوقها الغزالي في الإحياء لماذا؟ لأنه ليس من أهل هذا الشأن، بل بضاعته كما قال عن نفسه في الحديث مزجاة، التحديث من الحفظ، الذي يعتمد على الحفظ وحافظته أقل لا شك أن الحفظ يخونه، وليس كل أحد يضبط ما حفظ.

الرابع: أن يُدخَل في حديثه ما ليس منه ويزوَّر عليه، يبتلى بعض الناس بولد سيء يزور عليه بعض الأحاديث ويلحق في كتابه ما ليس منه، أن يركن إلى الطلبة، يركن الشيخ إلى الطلبة، فيحدث بما يظن أنه من حديثه، يقبل كلام الطلبة يقولون: روينا عنك هذا الحديث الفلاني فيصدقهم فيحدث به، وهذا لا شك أنه غفلة.

السادس: الإرسال، وربما كان الراوي له غير مرضي.

السابع: التحديث من كتاب لإمكان اختلافه، قال: فلهذه الأسباب وغيرها اشترط أن يكون الراوي حافظاً ضابطاً، معه من الشرائط ما يُؤمَن معه كذبُه من حيث لا يشعر، وذكر الخطيب عن الحميدي ضابطاً للغفلة التي يرد بها حديث العدل، فقال: أن يكون في كتابه غلط فيقال له في ذلك فيترك ما في كتابه، يحدث من كتابه فيقال له: الذي في كتابك غلط، ثم يترك هذا الغلط ويحدث من غيره، يحدث ما يصوب له، هذه غفلة، أن يكون في كتابه غلط فيقال له في ذلك فيترك ما في كتابه، ويحدث بما قالوا، أو يغير يأتي بالقلم ويصحح على كلام الناس، في كتابه بقولهم، لا يعقل فرق ما بين ذلك، يعني ما يتأكد ولا يتثبت.

وحديث المغفل مردود روى الخطيب البغدادي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "لا يكتب عن الشيخ المغفل"، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: نريد توجيهاً لدعاة تجديد علم الحديث وأصول الفقه، يقول: حتى قال قائل منهم: إذا كان لراوي الحديث -أي الصحابي- مصلحة من رواية الحديث فالحديث ضعيف عندهم؟

لعل من أبرز ما يمثل به في هذا الكلام حديث أبي هريرة في الترخيص في اقتناء الكلب للحاجة، ((إلا كلب صيد)) قال أبو هريرة: "أو زرع" قال ابن عمر: "وكان صاحب زرع" يعني أبا هريرة، وهل معنى هذا أن ابن عمر يتهم أبا هريرة في هذه اللفظة؛ لأنه صاحب زرع ومحتاج إلى مثل هذا الكلب؟ نقول: لا، ابن عمر يشيد بأبي هريرة، ويذكر أنه ضبط الحديث وأتقنه؛ لأن له به حاجة، ومن كانت له حاجة بأمر من الأمور فإنه يضبطه ويتقنه أكثر من غيره، وليس معنى هذا أنه يتهم أبا هريرة بأنه يزيد في الخبر من أجل مصلحته حاشا وكلا.

لكنه يريد أني بين أن أبا هريرة محتاج لهذه الزيادة فضبطها وأتقنها، وهذا شيء يحس به كل أحد، إن من كان بحاجة إلى شيء فإنه يضبط، الإنسان يعيش عمره لا يعرف حديث الاستخارة، لكن إذا أراد أن يتزوج أو أراد أمراً مهماً وحصل عنده شيء من التردد، ووجه إلى الاستخارة ضبط حديث الاستخارة؛ لأنه صار له به حاجة، هذا أمثلته كثيرة، من أهل العلم الذين لهم ارتباط وصلة بالمصارف المالية، من يميل إلى تجويز بعض الصور التي يمنعها غيره، فأنت تقول: إذا سمعت منه الحكم أنت تقول: يجيزها فلان وهو يعمل في المصرف، لا شك وأنت في مقالتك هذه كلامك يحتمل أمرين:

الأمر الأول: أنك تريد أن تبين للسامع أن هذا الشيخ الذي يعمل في هذا المصرف إنما أجازها عن بينة، عن تبين، وفهم دقيق لهذه المسألة؛ لأن الذي يشتغل بالشيء يتقن مسائله، الشخص الذي يتعامل مع هذه المصارف لا شك أنه أعرف بعقودها من غيره، فهذه العقود تعرض عليه فيدرسها قبل أن يقدم المصرف على التعامل بها، هذا احتمال، واحتمال آخر أنك تريد أن تبين للسامع أن لهذا الشيخ مصلحة من إفتائه بالجواز والميل إليه؛ لأنه يأخذ مقابل على هذا العمل، فلو منع مثل هذه الصورة يمكن يستغني عنه المصرف، فالمسألة تحتمل أمرين، وإذا كان هذا الاحتمال موجود فيمن يمكن أن تميله الدنيا فيميل إلى قول يسهل أمر هذه المسألة فإن مثل هذا لا يمكن أن يظن بالصحابة -رضوان الله عليهم-، الذين هم كلهم عدول بتعديل الله -سبحانه وتعالى- لهم، واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعم؟

يقول: تيسير دراسة الأسانيد للمبتدئين تأليف: مصطفى عبد المنعم؟

والله ما أعرفه.

إذا ورد في كتب السير أسلم عام كذا، هل المقصود بهذا التاريخ بعد الهجرة أم ماذا؟

لا شك أن أهل العلم قد يطوون البيان الدقيق فإذا كان هذا الرجل متقدم الإسلام فإذا قالوا: أسلم في السنة الثانية في السنة الثالثة في السنة الخامسة يعني من الهجرة، وهذا لفظ مجمل يحتاج إلى بيان من مصادر أخرى، وإذا كان من متأخري الإسلام فالمراد به بعد الهجرة.

ننتبه إلى ما يفعله العلماء في تواريخ الرواة فتجدهم إذا ذكروا الطبقة لا يذكرون المائة، ولا المائتين، ما يذكرون المئات، فإذا قالوا: من الثانية، مات بعد السبعين، يعني ومائة ، من الثانية بدون مائة، لكن لو قالوا: من السابعة ، من السابعة مات بعد الخمسين يعني ومائة ، فهم لا يذكرون هذه المئات.

يقول: تناقشت مع رافضي في حديث الثقلين الذي ورد في مسند الإمام أحمد حيث وردت أربعة أحاديث كلها من رواية التابعي عطية بن سعد العوفي وقد صحح حديثه الألباني؟

عطية العوفي ضعيف بلا شك، ضعفه جماهير أهل العلم، لكن قد يصحح الألباني بطرق وإن لم تكن ممن يصلح للاعتبار، يعني شديدة الضعف.

يقول: هل لا بد لطالب العلم من حفظ ألفية العراقي أم يكتفي بالنخبة؟

المقصود إن كانت هناك الحافظة قوية فحفظ الألفية مهم، إذا لم تكن الحافظة ممن تسعف فيكتفي بالنخبة، وكتاب الحافظ ابن كثير مع تعليقات الشيخ أحمد شاكر، ويطالع الألفية وشروحها، يطالعها مطالعة ويحاول أن يفهم ما يقرأ ويطبق، يخرج ويدرس؛ لأن التطبيق العملي هو الثمرة، والله المستعان.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هنا نبدأ بالدرس:

الفسق:

الوجه الخامس من أوجه الطعن في الراوي وهو الفسق: والفسق في لغة العرب الخروج، تقول: فسقت الرطبة من قشرها لخروجها منه، والفويسقة الفأرة لخروجها من جحرها على الناس لأجل المضرة، يقال: فسق يفسق فسقاً بالكسر وفسوقاً فجر وخرج عن الحق، ورجل فُسَق وفسيق دائم الفسق.

والفسق في الشرع: الخروج عن طاعة الله -عز وجل-، فالكافر فاسق لخروجه عما ألزمه العقل واقتضته الفطرة السليمة، قال الله تعالى: {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[ (55) سورة النــور]، وقال -جل وعلا-: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ} [ (18) سورة السجدة] فقابل الإيمان به والعاصي بما دون الكفر يقال له: فاسق، قال تعالى في شأن القاذف: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [ (4) سورة النــور] والمراد بالفاسق هنا المتلبس بمعصية دون الكفر؛ لأن الكلام في الراوي المسلم، واختلف الفسق الذي يتلبس به الفاسق إلى قسمين فالفساق نوعان:

فساق بالتأويل: يعني هناك الفاسق المتأول، وهم طوائف المبتدعة، وهذا القسم سيأتي الكلام عليه قريباً -إن شاء الله تعالى-، والفاسق غير المتأول، وهو المراد هنا المخل بشيء من أحكام الشرع من ترك واجب، أو ارتكاب محرم، وهذا القسم قد اتفق العلماء على عدم قبول روايته؛ لأن الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمانة ودين، والفسق يبطلها، لاحتمال كذب الفاسق على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن العربي: "من ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعاً؛ لأن الخبر أمانة، والفسق قرينة تبطلها"، وقال الشنقيطي -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [ (6) سورة الحجرات] هذه الآية تدل على عدم تصديق الفاسق في خبره، وصرح تعالى في موضع آخر بالنهي عن قبول شهادة الفاسق، وذلك في قوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[ (4) سورة النــور]ولا خلاف بين العلماء في رد شهادة الفاسق وعدم قبول خبره، وقال ابن حبان في المجروحين: "ومنهم -يعني الضعفاء- المعلن بالفسق والسفه وإن كان صدوقاً في روايته؛ لأن الفاسق لا يكون عدلاً والعدل لا يكون مجروحاً، ومن خرج عن حد العدالة لا يعتمد على صدقه، وإن صدق في شيء بعينه في حاله من الأحوال إلا أن يظهر عليه ضد الجرح حتى يكون أكثر أحواله طاعة الله -عز وجل-، فحينئذٍ يحتج بخبره، فأما قبل ظهور ذلك عنه فلا".

الوهم:

الوجه السادس: وما زلنا في اللف الذي ذكره الحافظ، حيث لف الأنواع العشرة، ثم ينشرها بعد ذلك بذكر أنواع علوم الحديث التي تتبع هذه الوجوه، الوجه السادس من أوجه الطعن في الراوي: الوهم، يقال: وهم بكسر الهاء غلط، وقد توهم الشيء تخيله وتمثله، سواءً كان في الوجود أو لم يكن، ويقال: وهم إليه يهم وهماً ووهماً ذهب وهمه إليه، والوهم من خطرات القلب والجمع أوهام، ويقال: وهمت في كذا وكذا فأنا أوهم وهماً إذا سهوت.

اصطلاحاً: هو رواية الحديث على سبيل التوهم، أي بناءً على الطرف المرجوح المقابل للظن، وبيان ذلك أن المعلوم إما أن يستقر في الذهن من غير تردد أو بتردد، فالأول يسمى العلم وسبق الكلام عليه، الثاني: إما أن يكون راجحاً أو مرجوحاً أو مساوياً. فالراجح هو الظن والمرجوح هو الوهم والمساوي هو الشك.

والوهم عند الحكماء قوة جسمانية للإنسان محلها آخر التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات، قوى جسمانية يقول: محلها آخر التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات، هذه قوة غير العقل تدرك، قوة مدركة، ولذا توجد في الحيوانات، هذه القوة هي التي تحكم في الحيوان بأن الذئب مهروب منه، وأن الولد معطوف عليه، غير العقل، ولذا تجد بعض الحيوانات أو سائر الحيوانات فيها هذه القوة، تهرب مما يضرها، وتعطف على الولد، وتطلب ما ينفعها، وهي أيضاً موجودة حتى في المجانين الذين لا عقول لهم من بني آدم، هذه موجودة هذه القوة المدركة

فإذا كان الوهم هو الغالب على رواية الراوي ترك حديثه، أما الوهم اليسير فإنه لا يضر ولا يخلو عنه أحد، قال ابن المهدي: الناس ثلاثة: رجل حافظ متقن فهذا لا يختلف فيه، وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه، وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه".

مخالفة الثقات:

الوجه السابع من أوجه الطعن في الراوي مخالفة الثقات: والثقات جمع ثقة، والثقة مصدر قولك وثقت به فأنا أثق به ثقة وأنا واثق به، وهو موثوق به، وهي موثوق بها، وهم موثوق بهم، ويقال: فلان ثقة، وهي ثقة، وهم ثقة، وقد تجمع فيقال: ثقات في جماعة الرجال والنساء، وثق به ثقة ووثوقاً ائتمنه، ووثقت فلاناً إذا قلت أنه ثقة فهو موثوق.

والثقة في الاصطلاح: من جمع بين صفتي العدالة والضبط وسبق الكلام عليهما، فمن خالف الثقات لا شك أنه ليس بثقة؛ لأن موافقة الثقات هي المقياس لمعرفة ضبط الراوي.

ومن يوافق غالباً بالضبطِ

فضابط أو نادراً فمخطِ

لمعرفة ضبط الراوي لا شك المقياس موافقة الثقات، والذي يخالفهم يحكم عليه بعدم الثقة والضبط، يقول ابن الصلاح: "يعرف كون الراوي ضابطاً بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعرفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة -ولو من حيث المعنى- لروايتهم، أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة عرفنا حينئذٍ كونه ضابط ثبتاً، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه، وهذه المخالفة على ما تقدم تفصيله إن كانت من ثقة فحديثه شاذ، وإن كانت من ضعيف فحديثه يسمى المنكر، وتقدم شرح ذلك عند قول الحافظ: "فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ ومقابله الشاذ، ومع الضعف فالراجح المعروف ومقابله المنكر".

والمقصود هنا مخالفة الثقات، الإكثار من مخالفة الثقات، أما وقوع مخالفة الثقات النادر هذا يحكم على حديثه بالشذوذ لكنه لا ينزل عن درجة الثقات، المقصود بالمخالفة الكثيرة).

هيئة الإشراف

#3

29 Oct 2008

نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (وَ) الْقِسْمُ (الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ المَرْدُودِ وهو ما يكونُ بسببِ تُهْمَةِ الرَّاوي بالكَذِبِ هو (المَتْرُوكُ، وَالثَّالِثُ: المُنْكَرُ عَلَى رَأيِ) مَن لا يَشْتَرِطُ في الْمُنْكَرِ قيْدَ الْمُخَالَفَةِ (وَكَذَا الرَّابِعُ وَالخَامِسُ) فمِنْ فَحُشَ غَلَطُهُ، أو كَثُرَتْ غفْلَتُهُ، أو ظَهَرَ فِسْقُهُ؛ فحَدِيثُهُ مُنْكَرٌ.

(2) (ثُمَّ الوَهْمُ)

وهو الْقِسْمُ السَّادِسُ وَإِنَّمَا أُفْصِحَ به لطولِ الفَصْلِ (إِن اطُّلِعَ عَلَيْهِ) أي: عَلَى الوَهْمِ (بِالقَرَائِنِ) الدَّالَّةِ على وَهْمِ راويه:

-مِنْ وَصْلِ مُرْسَلٍ.

-أو مُنْقَطِعٍ.

-أو إِدْخَالِ حَدِيثٍ في حَدِيثٍ، أو نحوِ ذَلِكَ من الأشياءِ القَادِحَةِ، وتَحْصُلُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بكثْرَةِ التّتَبُّعِ، (وَجَمْعِ الطُّرُقِ: فَـ) هَذَا هو (الْمُعَلَّلُ) وهو مِن أغْمَضِ أنواعِ عُلُومِ الحَدِيثِ وَأَدَقِّهَا ولا يَقُومُ به إلاَّ مَن رَزَقَهُ اللهُ تعالى فَهْمًا ثَاقِبًا وحِفظًا واسِعًا، ومَعْرِفَةً تامَّةً بمراتبِ الرُّواةِ، ومَلَكَةً قَوِيَّةً بالأَسَانِيدِ وَالْمُتُونِ، ولِهَذَا لم يَتَكَلَّمْ فيه إلاَّ الْقَلِيلُ من أهلِ هَذَا الشَّأْنِ كعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وأحمدَ بْنِ حنبلٍ، والْبُخَارِيِّ، ويَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ، وأَبِي حَاتِمٍ، وأَبِي زُرْعَةَ، والدَّرَاقُطْنِيِّ، وقد تَقْصُرُ عِبَارَةُ المُعَلِّلِ عَن إِقَامَةِ الحُجَّةِ على دَعْوَاهُ كالصَّيْرَفِيِّ، في نَقْدِ الدِينَارِ والدِّرْهَمِ).

هيئة الإشراف

#4

29 Oct 2008

نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم

قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (الحديثُ المتروكُ:

ذَكَرَ الحافظُ النوعَ الثانيَ مِن أنواعِ المردودِ بسببِ طعْنٍ في الراوِي، وهو ما يكونُ بسببِ تُهْمَةِ الراوي بالكَذِبِ على النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ:

(1) (والقِسْمُ الثاني مِن أقسامِ المردودِ، وهو مَا يكونُ بسببِ تُهْمَةِ الرَّاوِي بالكَذِبِ هو المَتْرُوكُ).

والراوي يُتَّهَمُ بالكَذِبِ إذا كانَ يَكْذِبُ في غيرِ الحديثِ النبويِّ، أو لا يُرْوَى ذلكَ الحديثُ إلا مِن جِهَتِهِ، ويكونُ مُخَالِفًا للقواعدِ المعلومةِ، وأكثرُ مَن يُتَّهَمُ بالكَذِبِ هم رُوَاةٌ لا يكونونَ مشهورينَ بالروايةِ فيأتي أَحَدُهُم بأحاديثَ أسانيدُهَا مِن أَصَحِّ الصحيحِ أو صحيحةٌ فقطْ، وكثيرًا ما يُعَبِّرُ الذَّهَبِيُّ عن هذا في تَرَاجِمِ رجالِهِ في (الميزانِ) بقولِهِ: (أَتَى بحديثٍ كَذِبٍ - أو باطلٍ - بإسنادٍ نظيفٍ، أي: نظيفٍ إلاَّ هذا الرجلَ فَتَتَّجِهُ التُّهْمَةُ إليهِ)، ويقولُ الخطيبُ في (تاريخِ بغدادَ) مثلاً: الحملُ فيهِ على فلانٍ فإنَّهُ مجهولٌ، وبقيةُ الرُّوَاةِ ثقاتٌ، فهذا يُتَّهَمُ بالكَذِبِ ولا تَصِلُ درجتُهُ إلى أَنْ يُقالَ فيهِ: كَذَّابٌ أو وَضَّاعٌ.

وقد سَمَّى الحافظُ حديثَ المُتَّهَمِ بالكَذِبِ متروكًا، ووَصفُ الأحاديثِ بهذا - بأنْ يُقَالَ: هذا الحديثُ متروكٌ - قليلٌ جِدًّا إنْ لمْ يَكُنْ معدومًا في كلامِ الأَئِمَّةِ بالمعنى الذي يُرِيدُهُ ابنُ حَجَرٍ.

وإِنَّمَا تُطْلَقُ كلمةُ (متروكٍ) على: الرُّوَاةِ بأنْ يُقَالَ: هذا الراوي متروكُ الحديثِ، وهذا كثيرٌ.

- وتُطْلَقُ أيضًا على: تَرْكِ العملِ بالحديثِ، وفرقٌ بينَ تَرْكِ الحديثِ بالمعنى الذي يُرِيدُهُ الحافظُ وبينَ تَرْكِ العملِ بالحديثِ؛ إذ الأخيرُ يعني: أَنَّ الحديثَ مِن جِهَةِ الإسنادِ صحيحٌ ولكنْ تُرِكَ العملُ بهِ، وهذا غيرُ الذي يُرِيدُهُ الحافظُ، وقد ذَكَرَ النوعَ الثاني التِّرْمِذِيُّ، في (العِلَلِ)، قال: ليس في كتابي حديثٌ تُرِكَ العملُ بهِ إلا حَدِيثَيْنِ، وزادَ عليهِ ابنُ رجبٍ في شَرْحِ (العِلَلِ) أحاديثَ كثيرةً مِمَّا قيلَ فيهِ: إنَّهُ قد تُرِكَ العملُ بهِ، وإنْ كانَ هذا القولُ قد يكونُ مُتَعَقَّبًا.

وإذا قُلْنَا: إنَّهُ قَلَّ ما يُطْلَقُ على هذا النوعِ مِن الحديثِ (المتروكِ)؛ فإنَّهُ رُبَّمَا يُطْلَقُ عليهِ (الموضوعُ) ولاَ سِيَّمَا إذا قامتْ قرينةٌ، ورُبَّمَا قِيلَ فيهِ: (شَبِيهٌ بالموضوعِ)، أو حديثٌ وَاهٍ أو حديثٌ ساقطٌ، أو باطلٌ، أو نحوَ هذه العباراتِ التي تَدُلُّ على شِدَّةِ وَهَائِهِ.

الحديثُ المُنْكَرُ:

هذا هو النوعُ الثالثُ مِن أنواعِ المردودِ بسببِ طعْنٍ في الراوِي، وَذَكَرَ الحافظُ أنَّ لهُ ثلاثةَ أسبابٍ فَقَالَ:

(2) (والثالِثُ: المُنْكَرُ على رأيِ مَن لا يَشْتَرِطُ في المُنْكَرِ قيدَ المُخَالَفَةِ، وكذا الرابعُ والخامِسُ، فمَنْ فَحُشَ غَلَطُهُ، أو كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ، أو ظَهَرَ فِسْقُهُ فَحَدِيثُهُ مُنْكَرٌ):

وقد تَقَدَّمَتْ بَعْضُ مباحثِ المُنْكَرِ، وأنَّ الحافظَ اختارَ هناكَ تعريفَهُ بزيادةِ قيدِ المُخَالَفَةِ لِمَن ذَكَرَهُم هنا، فلذا قال هنا؛ على رَأْيِ مَن لا يَشْتَرِطُ في المُنْكَرِ قيدَ المخالفةِ، ومَرَّ أيضًا أَنَّ حديثَ الصدوقِ، أو الثقةِ إذا لاَحَ خَطَؤُهُ قد يُسَمَّى مُنْكَرًا.

وأنَّ بعضَ الأَئِمَّةِ يَتَشَدَّدُ، فُكُلُّ ما تَفَرَّدَ بهِ راوٍ يُسَمِّيهِ مُنْكَرًا، لكنْ قد يَمُرُّ بكَ حديثُ مَن فَحُشَ غَلَطُهُ مثلَ: عَبَّادِ بنِ كثيرٍ وقد سَمَّوهُ باطلاً، أو شَبِيهًا بالموضوعِ، أو لا أَصْلَ لَهُ، وهذا لا مُشَاحَّةَ فيهِ، فإنَّها أوصافٌ كُلُّهَا تُنْبِئُ عن الضعفِ الشديدِ، ونقولُ أكثرَ مِن مَرَّةٍ: إنَّ الأَئِمَّةَ لا يَهْتَمُّونَ بتحديدِ المصطلحاتِ وإِنَّمَا بما يُؤَدِّي المعنى المرادَ، ويُبَادِلُونَ كثيرًا بينَ المصطلحاتِ.

(3) الحديثُ المُعَلَّلُ:

النوعُ الرابعُ مِن أنواعِ المردودِ بسببِ طعْنٍ في الراوي هو الْمُعَلَّلُ.

ظاهرٌ مِن كلامِ الحافظِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الحديثَ المُعَلَّلَ يَخْتَصُّ بأحاديثِ الثقاتِ، فهو الذي يُحْتَاجُ إلى ما ذَكَرَهُ من كَشْفِهِ بجمعِ الطُّرُقِ، وهو الذي يَخْتَصُّ بهِ حُذَّاقُ الأَئِمَّةِ، ولا يُلْتَفَتُ إلى ما قيلَ غيرُ هذا في تعريفِهِ.

وقالَ الحافظُ: (إنَّ هذا النوعَ يَحْصُلُ بِجَمْعِ الطُّرُقِ وتَتَبُّعِهَا ومقارنةِ بعضِها ببعضٍ، وهذا يقومُ بهِ كبارُ أَئِمَّةِ هذا الشأنِ، كابنِ المَدِينِيِّ، وأحمدَ، والبخاريِّ، وأبي حاتمٍ، وأبي زُرْعَةَ، والدَّارَقُطْنِيِّ، والواقعُ في الوَهْمِ هم الرُّوَاةُ الثقاتُ).

إذًا فالحديثُ المُعَلَّلُ هو: حديثٌ إسنادُهُ ظاهرُهُ الصِّحَّةُ اطُّلِعَ عليهِ بعدَ التفتيشِ على عِلَّةٍ قَادِحَةٍ.

والعِلَّةُ القَادِحَةُ:

- قد تكونُ وَصْلَ مُرْسَلٍ.

-أو وَصْلَ مُنْقَطِعٍ.

-أو دخولَ حديثٍ في حديثٍ.

-أو رَفْعَ مَوْقُوفٍ، أو غيرَ ذلكَ.

مَرَّ بنا أَنَّ الحافظَ اختارَ في تعريفِ الشاذِّ: أَنَّهُ مُخَالَفَةُ الثقةِ لِمَنْ هو أَوْثَقُ منهُ، وتُعْرَفُ هذهِ المخالفةُ بِجَمْعِ الطُّرُقِ، وهذه المخالفةُ قد تكونُ وَصْلَ مُرْسَلٍ، أو رَفْعَ موقوفٍ، أو غيرَ ذلكَ.

ثم قال الحافِظُ: إنَّ المُعَلِّلَ الذي هو الإمامُ يُرَجِّحُ أَنَّ هذا الإسنادَ مُعَلَّلٌ وخطأٌ؛ لكنْ لا يَقِفُ على الحُجَّةِ بأَنَّهُ خالفَ الثقاتِ، فهذا أيضًا قد يُسَمَّى المُعَلَّلَ، وقد تَقَدَّمَ في مبحثِ الشاذِّ أَنَّهُ يُطْلَقُ أيضًا على الإسنادِ الذي يكونُ رواتُهُ ثقاتٍ لكنْ يُرَجِّحُ الإمامُ أَنَّ فيه خطأً بدونِ دليلٍ ماديٍّ يُقِيمُهُ.

إذًا فَقِسْمَا المُعَلَّلِ هذانِ قد يُطْلَقُ عَليهِمَا أيضًا الشُّذُوذُ، والحافظُ في (النُّكَتِ) نَصَّ على أَنَّ المُعَلَّلَ والشاذَّ متشابهانِ جِدًّا ومُتَدَاخِلاَنِ.

يَبْقَى عندَنا أنَّنَا إذا أَخَذْنَا بعضَ كُتُبِ العِلَلِ كـ (عِلَلِ ابنِ أبي حاتمٍ) فهلْ كُلُّ الأحاديثِ التي فيها بهذا المعنى، أي: أَنَّ ظاهرَهَا الصِّحَّةُ واطُّلِعَ بعدَ التفتيشِ على قادِحٍ؟

لا، فهناكَ في كُتُبِ العِلَلِ يَتَوَسَّعُونَ في معنى العِلَّةِ، فهي عندَهم كُلُّ ما يُقْدَحُ في الحديثِ، وإنْ كانَ القَدْحُ فيهِ بسببٍ ظاهرٍ كضَعْفِ رَاوِيهِ، لكنَّ الإسنادَ الذي ظاهرُهُ الصِّحَّةُ واطُّلِعَ فيهِ بعدَ التفتيشِ على قَادِحٍ هو المُعَلَّلُ الخاصُّ الذي يقولُ فيهِ الإمامُ: هذا حديثٌ مُعَلَّلٌ، وهو الذي يَضْطَلِعُ بهِ أَئِمَّةُ الحديثِ).

هيئة الإشراف

#5

29 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد

قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: (القِسمُ الثاني:

تُهْمَةُ الراوي بالكَذِبِ ووَضْعِ الْحَدِيثِ.

وسببُ التُّهْمَةِ:

أنْ يَسْبِرُوا تلكَ الأحاديثَ التي يَرْوِيهَا الراوي، ويَجِدُوا أنَّ جَميعَ رجالِ أسانيدِ تلكَ الأحاديثِ التي يَرْوِيهَا ثِقاتٌ ما عَدَا ذلكَ الراويَ نفْسَهُ، ويَعْرِفُونَ أنَّ هذهِ الْمُتُونَ هيَ أحاديثُ مَوضوعةٌ مُنْكَرَةٌ.

وعندَهم مَوازينُ ثابتةٌ، مثلُ: مُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ للقرآنِ أوْ للحديثِ الصحيحِ.

أوْ كَوْنِهِ ممَّا تَجْفَاهُ العقولُ الصحيحةُ السليمةُ.

أوْ كونِ الْمَتْنِ فيهِ رَكاكةُ اللفْظِ.

أوْفيهِ مُخَالَفَةٌ لوَاقعةٍ تارِيخِيَّةٍ.

وهم أُناسٌ اصْطَفَاهُم اللَّهُ تعالى لخِدمةِ دِينِهِ، فإذا كانَ العُلماءُ حَكَمُوا على راوٍ مِن الرُّواةِ بحُكْمِ تَتَبُّعِهِم لرواياتِهِ، وكَشْفِهِم الموضوعاتِ التي فيها حَكَمُوا عليهِ بأنَّ أحاديثَهُ أحاديثُ مَوضوعةٌ واتَّهَمُوهُ بالكَذِبِ ووَضْعِ الْحَدِيثِ.

ولا شَكَّ أنَّ هذا القِسْمَ دونَ القِسْمِ الأَوَّلِ، وهوَ الجَزْمُ بأنَّهُ يَكْذِبُ ويَضَعُ الْحَدِيثَ، لكنَّ الحُكْمَ مُتَقَارِبٌ بينَ هذا القِسْمِ والقسْمِ السابقِ.

ويقولُ الحافِظُ عنْ هذا الصِّنْفِ: إنَّ حديثَهم يُسَمَّى (الْمَتْرُوكَ)، هذا بَعْدَ أن استَقَرَّ الاصطلاحُ، ولكنْ هلْ لوْ نَظَرْنَا في أحكامِ العُلماءِ على أحاديثِهم، نَجِدُ أنَّ أحكامَهم على تلكَ الأحاديثِ مُنْضَبِطَةٌ مائةً بالمائةِ، فيَقُولُونَ عنْ ذلكَ الْحَدِيثِ الذي يَرويهِ راوٍ مُتَّهَمٌ بالكَذِبِ: إنَّهُ حديثٌ مَتروكٌ؟

نقولُ: لا، بلْ نَعْلَمُ أنَّ العلماءَ يَجعلونَ حتَّى الْحَدِيثَ الموضوعَ مِنْ أنواعِ الْحَدِيثِ الضعيفِ، فلا نَستغرِبُ إذا وَجَدْنَا عالِماً -خاصَّةً مِن الْمُتَقَدِّمِينَ- يقولُ عنْ حديثٍ مَوضوعٍ: إنَّهُ ضَعيفٌ؛ لأنَّهُ عندَهُ أنَّ الْحَدِيثَ الضعيفَ أنواعٌ؛ منها الْمَوضوعُ؛ ومنها الْمَتروكُ، وهوَ الضعيفُ جِدًّا، ومنها الضعيفُ الْمُنْجَبِرُ، إلى غيرِ ذلكَ.

مثالٌ:

روَى البَيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((نَوْمُ الصَّائِمِ عِبَادَةٌ، وَصَمْتُهُ تَسْبِيحٌ)). ثمَّ ضَعَّفَ البَيهقيُّ إسنادَهُ، وضَعَّفَهُ العراقيُّ في تخريجِ الإحياءِ.

وبعدَ النظَرِ في إسنادِهِ وَجَدْنَا أنَّ الرجُلَ الذي تَفَرَّدَ بهذا الْحَدِيثِ يُقالُ لهُ: سُليمانُ بنُ عَمْرٍو أبو داوُدَ النَّخَعِيُّ، ولوْ رَجَعْنَا إلى (مِيزانِ الاعتدالِ) لَوَجَدْنَا أكثرَ مِنْ ثلاثينَ عالماً رَمَوْهُ بالكَذِبِ ووَضْعِ الْحَدِيثِ، ومعَ ذلكَ قالَ بعضُهم عنْ حديثِهِ الذي تَفَرَّدَ بهِ: إنَّهُ حديثٌ ضعيفٌ، وقَلَّمَا تَجِدُ مَنْ قالَ: إنَّ هذا الْحَدِيثَ مَوضوعٌ، بلْ إنَّ السُّيُوطِيَّ زَعَمَ في مُقَدِّمَةِ (الجامعِ الصغيرِ) أنَّهُ صَانَ كتابَهُ عمَّا تَفَرَّدَ بهِ وَضَّاعٌ أوْ كَذَّابٌ، ومعَ ذلكَ ذَكَرَ هذا الْحَدِيثَ، وذَكَرَ تَضعيفَ البيهقيِّ لهُ، فبَعْضُ الناسِ يَغْتَرُّونَ بأحكامِ الْمُتَقَدِّمِينَ الظاهرةِ دُونَ بحثٍ في الإسنادِ.

ولمْ أَجِدْ أَحَداً يُطْلِقُ على حديثٍ ما أنَّهُ مَتروكٌ إلاَّ أَنْدَرَ مِن النادرِ، فلا يَظُنُّ ظَانٌّ أنَّ هذا التقسيمَ الاصطلاحيَّ معمولٌ بهِ، فيَغْتَرَّ بحديثٍ قِيلَ عنهُ: ضعيفٌ، فيَظُنَّهُ ضَعْفاً يَسيراً، بلْ لا بُدَّ مِن التدقيقِ.

القِسمُ الثالثُ:

مَنْ فَحُشَ غَلَطُهُ، وكَثُرَتْ غَفْلَتُهُ، وظَهَرَ فِسْقُهُ.

(1) قالَالحافظُ عنْ حديثِهم:( إنَّهُ مُنْكَرٌ، وهذا علَى رَأْيِ) بعضِ العُلماءِ.

وقدْ ذَكَرْنَا سابقاً أنَّ للمُنْكَرِ تَعريفَيْنِ:

الأَوَّلُ: ما انْفَرَدَ بروايتِهِ راوٍ ضعيفٌ كالذي فَحُشَ غَلَطُهُ، أوْ كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ، أوْ ظَهَرَ فِسْقُهُ، هذا عندَ بعضِ العُلماءِ.

الثاني: بعضُهم قَيَّدَهُ بالْمُخَالَفَةِ فقالَ: هوَ ما يَرْوِيهِ الضعيفُ مُخَالِفاً للثِّقَةِ، وهذا هوَ التعريفُ الراجحُ.

قُلْتُ: وأنا عِندِي أنَّ مَنْ فَحُشَ غَلَطُهُ، وكَثُرَتْ غَفلتُهُ يَختلِفَانِ عَمَّنْ ظَهَرَ فِسْقُهُ، فالذي ظَهَرَ فِسْقُهُ مَطعونٌ في عَدالتِهِ، والذي فَحُشَ غَلَطُهُ وكَثُرَتْ غَفْلَتُهُ مَطعونٌ في حِفْظِهِ.

1-وهم يَقْصِدُونَ بالذي (فَحُشَ غَلَطُهُ) أنَّهُ بعدَ سَبْرِ مَرْوِيَّاتِهِ وُجِدَ أنَّهُ لا يَكادُ يُصيبُ إلاَّ في مِقدارٍ قليلٍ مِن الأحاديثِ، فتَجِدُ في تَرجمتِهِ عندَ البحْثِ عنهُ برَغْمِ أنَّهُ قدْ يكونُ صالحاً في نفْسِهِ، لكنَّهُ يأتِي بالطَّوَامِّ.

مِثالُ ذلكَ:

الرجُلُ الذي ذَكَرَهُ مسلِمٌ في (مُقَدِّمَةِ صحيحِهِ)، واسمُهُ عَبَّادُ بنُ كثيرٍ، فقدْ سألَ ابنُ المُبَارَكِ سُفيانَ الثَّوْرِيَّ وغيرَهُ وقالَ: هلْ تَرَوْنَ أنْ أُبَيِّنَ حالَهُ؟

والرجلُ معروفٌ بصلاحِهِ وعِبادتِهِ، لكنْ يَأتِينَا بالطَّوَامِّ والْمَوْضُوعَاتِ؟

فقالُوا: نَعَمْ.

فكانَ ابنُ المبارَكِ إذا جلَسَ مَجْلِساً، وذُكِرَ فيهِ عَبَّادٌ هذا، أَثْنَى عليهِ في دِينِهِ، ثمَّ يُبَيِّنُ أنَّهُ لا يَقْبَلُ حديثَهُ إطلاقاً لكثْرَةِ الموضوعاتِ في حديثِهِ.

2-أمَّا مَنْ كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ فهوَ: الذي لا يَعْرِفُ ما يَخْرُجُ مِنْ رأسِهِ، ولا ما يُحَدِّثُ بهِ، فلوْ جاءهُ إنسانٌ وقالَ: إنَّكَ تُحَدِّثُ بهذا الْحَدِيثِ، وهوَ لم يَسمَعْهُ إطلاقاً لَقَالَ: نعمْ وقَبِلَهُ، وزَعَمَ أنَّهُ يُحَدِّثُ بهِ، ووَضَعَ لهُ إسناداً لذلكَ الْحَدِيثِ، أوْ أَخَذَ إسناداً لحديثِ إنسانٍ آخَرَ وأَعطاهُ إيَّاهُ.

فحديثُ هذا الصِّنْفِ مِن الناسِ شديدُ الضَّعْفِ، لكنَّ ضَعْفَهُ بسببِ الحفْظِ الذي لم يُوهَبْ إيَّاهُ.

3-أمَّا مَنْ ظَهَرَ فِسْقُهُ فضَعْفُهُ آتٍ مِنْ قِبَلِ عَدالتِهِ، فالفرْقُ واضحٌ بينَهُ وبينَ سابِقِيهِ. والحكْمُ على أحاديثِ الأصنافِ الثلاثةِ أنَّها ضعيفةٌ جِدًّا، لا تُقْبَلُ في الشواهِدِ ولا الْمُتَابَعَاتِ.

القِسـمُ الرَّابِـعُ

(2) (الْوَهْمُ)؛ أي: الراوي الذي يُوصَفُ بالوَهْمِ، وهوَ مَنْ يَتَحَدَّثُ على التَّوَهُّمِ فلا يكونُ ضابطاً لحديثِهِ، وإنَّما تَوَهَّمَ تَوَهُّماً.

وحديثُهُ مَردودٌ،ولكنَّ الردَّ هنا أتَى بسببِ الطعْنِ في الْحِفْظِ، وأكثرُ ما يَحْدُثُ الوَهْمُ حينَما تَجِدُ هذا الرجُلَ يَرْوِي حديثاً إذا نُظِرَ في حديثِهِ في مُقابِلِ الرواياتِ الأُخرى التي اتَّفَقَ معَ بعضِ الرُّواةِ فيها، وعُمِلَتْ مُوازَنَةٌ بينَها وُجِدَ أنَّهُ يُخَالِفُ أُولَئِكَ الرُّوَاةَ.

والمُخَالَفَةُ على أَنْوَاعٍ:

1-أحياناً يَرْوِي الْحَدِيثَ على أنَّهُ مَرفوعٌ، وغيرُهُ يَرويهِ على أنَّهُ مَوقوفٌ على الصحابِيِّ أو العكْسُ.

2-أحياناً يَصِلُ الْحَدِيثَ،وغيرُهُ يُرْسِلُهُ أو العكسُ.

3-أحياناً بزِيادةِ رَاوٍ في الإسنادِ فيَأْتِينَا إسنادٌ ظاهِرُهُ الصحَّةُ،

فيَأْتِي هوَ ويَزيدُ راوياً في الإسنادِ، أوْ يَنْقُصُ منهُ راوٍ.

4-المُخَالَفَةُ الْمَتْنِيَّةُ،كَأَنْ يكونَ هناكَ في الْحَدِيثِ زيادةُ لفْظَةٍ، وهذهِ الزيادةُ تُؤَثِّرُ على فِقْهِ الْحَدِيثِ.

حُكْمُ حديثِهِ:

حديثُهُ ضَعيفٌ،وهوَ أقَلُّ مِنْ سابِقِيهِ، بشَرْطِ أنْ لا يُكْثِرَ منهُ، أمَّا إنْ كَثُرَ منهُ فإنَّهُ يُؤَثِّرُ على ذلكَ الراوي ويُلْحِقُهُ بسابِقَيْهِ، مَنْ فَحُشَ غَلَطُهُ وكَثُرَتْ غَفْلَتُهُ.

وتَستطيعُ أنْ تَعْرِفَ الوَهْمَ الذي يَقَعُ في الْحَدِيثِ أوْ في مَرْوِيَّاتِ ذلكَ الراوي بِجَمْعِ الطُّرُقِ، فالراوي إمَّا أنْ يَنْفَرِدَ بالْحَدِيثِ أوْ يُتابِعَهُ غيرُهُ.

ولو انْفَرَدَ الراوِي بكلِّ الأحاديثِ التي يَرْوِيهَا فالعُلماءُ يَتَّخِذُونَ منهُ مَوقفاً آخَرَ، فيُقالُ عنهُ: يَتَفَرَّدُ ويُغْرِبُ، فيُسَلِّطُونَ الأضواءَ على رِواياتِهِ التي لا يُشارِكُهُ فيها أحَدٌ.

وإنْ تُوبِعَ في بعْضِ أحاديثِهِ فإنَّ هذهِ المُتَابَعَاتِ تُعْتَبَرُ مِيزَاناً يُوزَنُ بهِ حفْظُهُ، فيَنْظُرُونَ في حديثٍ ما مِنْ أحاديثِهِ، ويَجمعونَ طُرُقَهُ، فيَنظرونَ هلْ وَافَقَ هذا الراوي الثِّقاتِ؟

فإنْ كانَ الغالِبُ على أحاديثِهِ مُوَافَقَةَ الثِّقاتِ فهذا عندَهم يُعْتَبَرُ مِن الثِّقاتِ.

أمَّا إنْ كَثُرَتْ مُخالَفَتُهُ للثِّقاتِ فهذا يُطْعَنُ في حِفْظِهِ، وبحسَبِ كَثْرَةِ تلكَ الْمُخَالَفَةِ، أوْ قِلَّتِها يكونُ الطعْنُ في حِفْظِهِ؛ فإنْ كانت الْمُخالَفَةُ قليلةً فهذا يُعْتَبَرُ على الأصلِ أنَّهُ ثِقَةٌ، لكنَّ تلكَ الأحاديثَ التي أَخْطَأَ فيها تُبَيَّنُ وتُعْزَلُ على جِهةٍ، ويُعْرَفُ أنَّهُ أَخْطَأَ فيها ذلكَ الثقةُ الفلانِيُّ.

ويُسَمَّى حديثُ الراوي الذي يَهِمُ في حديثِهِ: حديثَ الْمُعَلَّلِ.

(والعِلَّةُ):هيَ سببٌ غامضٌ خَفِيٌّ يَقْدَحُ في صِحَّةِ ذلكَ الْحَدِيثِ، ولها شَرْطَانِ:

1-الغموضُ والْخَفاءُ، فإذا كانت العلَّةُ واضحةً فإنَّها تُسَمَّى عِلَّةً اصطلاحيَّةً، وإنْ كانَ بعضُهم يُسَمِّيهَا عِلَّةً.

فإنْ كانَ الْحَدِيثُ واضحَ الضعْفِ مِثْلَ الْمُرْسَلِ فهذهِ عِلَّةٌ واضحةٌ، وليست الْمَقصودةَ هنا.

2-أنْ تَقْدَحَ في صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وإنْ سُمِّيَتْ عِلَّةً إسناديَّةً، لكنْ مِنْ حيثُ الاصطلاحُ لا تُسَمَّى هذهِ التسمِيَةَ، فلوْ جاءَ الْحَدِيثُ، واشتُبِهَ في أحَدِ رَاوِيَيْهِ، وكِلاهما ثِقَةٌ.

مِثالٌ:

حديثُ: ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ)) يَرويهِ أحَدُ الثِّقَاتِ، وهوَ يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، عنْ سُفيانَ الثوريِّ، عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عن ابنِ عُمَرَ مَرفوعاً قالُوا: إنَّ يَعْلَى بنَ عُبيدٍ معَ كونِهِ ثِقَةً إلاَّ أنَّهُ أَخْطَأَ في هذا الْحَدِيثِ على سُفيانَ الثَّوْرِيِّ، والصوابُ أنَّ سُفيانَ الثَّوريَّ، يَرويهِ عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ دِينارٍ، عن ابنِ عُمرَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ.

فهذا الْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بهِ عبدُ اللَّهِ بنُ دِينارٍ، عن ابنِ عمرَ مَرفوعاً، ويُعْتَبَرُ هذا الْحَدِيثُ مِن الأحاديثِ التي عَظُمَ بها عبدُ اللَّهِ بنُ دينارٍ؛ لأنَّهُ لا يُوجَدُ لأَحَدٍ غيرِهِ.

لكنَّ عمرَو بنَ دِينارٍ -أَخٌ لعبدِ اللَّهِ بنِ دِينارٍ- فغَلِطَ يَعْلَى بنُ عُبيدٍ وقالَ: عمْرُو بنُ دِينارٍ؛ لكونِهِ أَشْهَرَ، والصوابُ أنَّهُ عبدُ اللَّهِ؛ فهذا الْحَدِيثُ وإنْ أَخْطَأَ يَعْلَى في الاسمِ لكنَّهُ صَحِيحٌ، والعلَّةُ غيرُ قَادِحَةٍ لكونِ عمرٍو، وأخيِهِ عبدِ اللَّهِ ثِقَتَيْنِ.

-وقدْ صَنَّفَ في (العِلَلِ)الدارَقُطْنِيُّ كتابَهُ (الْعِلَلُ).

-وكذلكَ كتابُ (عِلَلُ الأحاديثِ) لابنِ أبي حاتمٍ.

-و(العِلَلُ)لابنِ الْمَدِينِيِّ، ولوْ نَظَرْنَا في (التاريخُ الكبيرُ)للبخاريِّ لوَجَدْنَا أنَّهُ كِتابُ عِلَلٍ مِن الدرجَةِ الأُولَى.

ولوْ نَظَرْنَا في كُتُبِ العِلَلِ لوَجَدْنَا أنَّها كالطَّلاسِمِ، فمَثَلاً يُسْأَلُ المُحَدِّثُ عنْ حديثٍ فيقولُ: باطلٌ، مُنْكَرٌ، لا أصْلَ لهُ، أَخْطَأَ فيهِ فُلانٌ، فأحياناً أحكامُهم تَدْعُو للدَّهْشَةِ، فيكونُ الإسنادُ ليسَ فيهِ مَطْعَنٌ، فنقولُ: كيفَ حَكَمَ على هذا الْحَدِيثِ الذي بهذا الإسنادِ بأنَّهُ حديثٌ باطلٌ أوْ مُنْكَرٌ، معَ أنَّهُ ليسَ فيهِ عِلَّةٌ ظاهِرَةٌ؟

ولوْ سَأَلْتَ الْمُحَدِّثَ رُبَّمَا أَخْبَرَكَ بسببِ قولِهِ، ولرُبَّما عَجَزَ عن الإتيانِ بما في داخِلِ نفْسِهِ، ولكنَّهُ -كما قالُوا- كالصَّيْرَفِيِّ الذي يَصْرِفُ الذهَبَ بِمُجَرَّدِ ما يَسْمَعُ طَنينَ الذهَبِ؛ فيَعْرِفُ هلْ هوَ مَغشوشٌ أمْ صَافٍ، وليسَ كُلُّ الْمُحَدِّثِينَ كذلكَ، بلْ نُخْبَةٌ منهم كابنِ مَعينٍ وابنِ الْمَدِينِيِّ، وابنِ مَهْدِيٍّ، ويَحْيَى القَطَّانِ، والإمامِ أحمدَ، والبُخاريِّ، وابنِ أبي حاتمٍ، والتِّرمذيِّ، والدارقُطْنِيِّ، والنَّسائِيِّ، رَحِمَهم اللَّهُ أَجْمَعِينَ.

مِثالٌ:

هناكَ راوٍ يُقالُ لهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوليدِ، حَدَّثَ بحديثٍ عنْ عُبيدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو الرَّقِّيِّ، عنْ إسحاقَ بنِ أبي فَرْوَةَ، عنْ نافعٍ، مَوْلَى ابنِ عمرَ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((لا تَحْمَدُوا إِسْلامَ الْمَرْءِ حَتَّى تَعْرِفُوا عُقْدَةَ رَأْيِهِ)).

فهذا الإسنادُ لوْ جاءَ بهِ بَقِيَّةُ؛ لعَرَفَ كلُّ واحدٍ عِلَّتَهُ، وهيَ ظاهِرَةٌ؛ حيثُ إنَّ فيهِ إسحاقَ بنَ أبي فَروةَ وهوَ مَتروكٌ، وحديثُهُ ضَعيفٌ جِدًّا.

فماذا فَعَلَ بَقِيَّةُ؟

كَنَّى عُبيدَ اللَّهِ بنَ عمرٍو الرَّقِّيَّ بكُنْيَةٍ، فقالَ: حَدَّثَنِي أبو وَهْبٍ الأَسَدِيُّ، وهوَ فِعْلاً مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وأحَدُ أبنائِهِ اسمُهُ وَهْبٌ، لكنَّهُ لم يُعْرَفْ بهذهِ الكُنْيَةِ، فقالَ: (حَدَّثَنِي: أبو وَهْبٍ الأَسَدِيُّ، عنْ نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ) الْحَدِيثَ، فصارَتْ عِلَّةُ الْحَدِيثِ خَفِيَّةً.

لكنَّ أبا حاتمٍ الرازيَّ عندَما أَتَاهُ هذا الْحَدِيثُ استَعْرَضَ تلاميذَ نافِعٍ، فعَرَفَ أنَّ هذا الْحَدِيثَ رَواهُ إسحاقُ بنُ أبي فَرْوَةَ، وتَفَرَّدَ بهِ عنْ نافعٍ، وإسحاقُ مَردودُ الْحَدِيثِ، والذي يَرْوِي عنْ إسحاقَ هُم فُلانٌ، وفلانٌ، وفلانٌ.

وهذا الْحَدِيثُ مَعروفٌ أنَّهُ لعُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو الرَّقِّيِّ، ثمَّ دَقَّقَ في الرَّقِّيِّ هلْ يُمْكِنُ أنْ يكونَ أبا وَهْبٍ الأَسَدِيَّ؟

فوَجَدَ أنَّهُ هوَ أبو وَهْبٍ الأَسَدِيُّ، ثمَّ ذَكَرَ ذلكَ لابنِهِ ودَوَّنَهُ في كتابِهِ (عِلَلُ ابنِ أبي حاتمٍ).

مِثالٌ آخَرُ:

سأَلَ مُسْلِمٌ البُخاريَّ عنْ حديثِ كَفَّارَةِ المجلِسِ - والْحَدِيثُ ظاهِرُ سَنَدِهِ الصحَّةُ- فقالَ: تُريدُ السَّتْرَ أمْ تُريدُ التَّدْقِيقَ؟

قالَ: لا، بلْ أُريدُ التدقيقَ.

فقالَ: هذا الْحَدِيثُ لهُ عِلَّةٌ، وأَرادَ البُخاريُّ أنْ يَتَسَمَّحَ مُسْلِمٌ، ويَتْرُكَ البَحْثَ في هذهِ المسألةِ.

فأَخَذَ مُسْلِمٌ يُقَبِّلُ رِجْلَيْهِ، ويَطْلُبُ منهُ أنْ يُبَيِّنَ عِلَّةَ هذا الْحَدِيثِ، فبَيَّنَ لهُ البُخاريُّ عِلَّةَ هذا الْحَدِيثِ، والقصَّةُ مُشَوِّقَةٌ، وهيَ في كتابِ (النُّكَتُ) على ابنِ الصَّلاحِ.

أتَى رجُلٌ إلى ابنِ أبي حاتمٍ وقالَ: أخْبِرْنِي عن العِلَلِ أسِحْرٌ هوَ؟

أكَهَانَةٌ هوَ؟

فقالَ: لا، ولكنْ يقَعُ في نفْسِ الْمُحَدِّثِ، والدليلُ على هذا اسْأَلْنِي عنْ حديثٍ، ثمَّ اذْهَبْ إلى أبي زُرْعَةَ أوْ غيرِهِ واسْأَلْهُ عنْ ذلكَ الْحَدِيثِ، فسَتَجِدُ أنَّ كُلاًّ مِنَّا مُقارِبٌ لبَعْضٍ. فسَأَلَهُ عنْ حديثٍ، فقالَ أبو حاتمٍ: باطِلٌ أوْ مُنْكَرٌ، ثمَّ ذَهَبَ إلى أبي زُرعةَ، فقالَ: باطِلٌ أوْ مُنْكَرٌ.

مِثالٌ آخَرُ:

الْحَدِيثُ الذي فيهِ أنَّ الْخُرُورَ على اليدَيْنِ في الصلاةِ هوَ السنَّةُ، ظاهِرُ الْحَدِيثِ أنَّهُ حَسَنُ الإسنادِ، لكنَّ البُخارِيَّ قالَ عنهُ: مُنْكَرٌ، فبَعضُ العُلماءِ قالُوا: لا نَقْبَلُ كلامَ البُخَارِيِّ، فلماذا هوَ مُنْكَرٌ؟!

لكنَّ هذا إمامٌ عَرَفَ أنَّ بهِ عِلَّةً، وليسَ بالضَّرورةِ أنْ يُبَيِّنَ البُخاريُّ لماذا هوَ مُنْكَرٌ؟ بلْ هوَ إمامٌ نَقَّادٌ، ورُبَّما بَيَّنَ السببَ، ولم يَصِلْ إلينا).

هيئة الإشراف

#6

29 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: عبد العزيز السعيد (مفرغ)

القارئ: ( (والثاني المتروك).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: ( (والثاني المتروك)

وهو الذي ذكره المؤلف؛ إذا كان لكذب الراوي أو تهمته به.

يعني بذلك: أن الحديث المتروك هو: الحديث الذي يرويه الراوي المتهم بالكذب، يعني: أنه ظهر على مروياته أنه اختلقها، ولكن لا نجزم أنه وضعها، ولهذا ابن حبان يقول كثيراً في (المجروحين) مثلاً: روى المقلوبات عن الثقات، كأنه المتعمد لها ما جزم، هذا فيه اتهام، ولكن ليس جزماً أحياناً يقولون: فلان متهم، أو فلان يتهم، هذا إذا روى حديثاً نقول: حديثه متروك.

كذلك:

إذا ثبت عليه أنه يكذب في حديث الناس، لكنه لم يكذب في حديث النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا يسمى متهماً؛ قامت عندنا تهمته بالكذب، لكن ما ثبتت عليه؛ فعندئذ نقول: هذا حديثه يسمى الحديث المتروك.

إذاً: صار الحديث المتروك هو: الحديث: الذي يرويه راو متهم بالكذب، هذا يسمى الحديث المتروك، على رأي المؤلف رحمه الله، هذا النوع من الأحاديث نوعٌ لا يستشهد به، ولا يحتج به، بل هو ساقطٌ؛ لأن القدح هنا فيه توجه إلى عدالة الراوي، وإذا توجه القدح إلى عدالة الراوي سقط الحديث:

- فلا يحتج به.

- ولا يستشهد به.

- ولا ينجبر بغيره.

- ولا يجبر غيره.

إذا جاءنا حديث وصف بأنه متروك، أو راويه متهم؛ فهذا لو جاءه مائة طريق لا تقويه، وكذلك هو لا يقوي غيره.

والقدح هنا متوجه إلى العدالة، فإذا قدحت في العدالة سقط الحديث، هذا مثله مثل: نافع بن هرمز، روى حديثا عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل:((من آلك؟

قالَ: ((كل تقي))، هذا الحديث نافع بن الهرمز روى هذا الحديث، والعلماء اتهموه، فهو متروك الحديث).


القارئ: (والثالث: (المنكر على رأي).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: ( (والثالث: المنكر على رأي) لأن المنكر تقدم للمؤلف أنه عرفه، بأنه:

(مخالفة الضعيف للثقة) فهناك اشترط شرطين: المخالفة.

وأن يكون مخالفاً ضعيفاً هنا ذكر فاحش الغلط، يسمى حديثه منكراً، ولو لم يخالف، وفاحش الغلط، أو فحش الغلط نوع من أنواع الضعف؛ لأن الغلط درجات:

- فاحش الغلط.

أو فحش الغلط هو كثرة الغلط.

- بحيث يكون خطؤه مثل صوابه.

- أو يكون خطؤه أكثر من صوابه؛ لأن الغلط إن كان نادراً أو قليلاً، بجانب ما روى الراوي، فهذا لا يضره.

- فإن كثر زيادة عن القليل نزل حديثه إلى الحسن.

- فإن كثر زيادة عن ذلك نزل إلى الضعيف.

- فإن فحش غلطه تساوى الغلط مع الصواب، أو كان الغلط أكثر من الصواب هذا يسمى فاحش الغلط، وهو الذي يسمى حديثه حديثاً منكراً، وهذا أحد أفراد الحديث المنكر).


القارئ: ( (وكذا الرابع والخامس).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: ( (الرابع والخامس)

أيضاً يطلق على حديثهما أنه منكر؛ لأنه قال: (فحش غلطه أو غفلته أو فسقه)، فصار عندنا الحديث المنكر هنا يطلق على الحديث الذي يرويه فاحش الغلط، أو فاحش الغفلة، أو الفاسق، وهو المتهم في دينه، فهذه ثلاثة أشياء:

-فاحش الغفلة، العلماء رحمهم الله ما ذكروا لها ضابطاً معيناً، ولكن يستنتج من كلامهم أنه: السهو الذي يعتري الإنسان إن كان قليلاً هذه غفلةٌ قليلةٌ، ما فيه أحد إلا ترد عليه يعني يغفل عن بعض الأحاديث، فينسى أنها من أحاديثه، أو أنه مثلاً يدخل عليه حديثٌ في حديثٍ أو نحو ذلك، هذا لا يضر، إذا كان قليلاً، لكن إذا كثر فحش الغفلة هذا يصير صاحبها مغفلاً.

هؤلاء أهل الغفلة، أو فاحش الغفلة،

هؤلاء قوم إما أنهم حين تحملهم تحملوا تحملاً خطأً، يعني: إذا كان في مجلس العلم، وكان يغفل كثيراً ويسهو كثيراً، وتفوت عليه الأسانيد والمتون في المجلس، هذا يسمى مغفلاً في التحمل، هذا له أثر في الأداء؛ لأنه يؤدي ما سمعه.

كذلك إذا كان مثلاً تحمل.

لكنه أدخلت عليه بعض الأحاديث؛ إما في كتابه أو على حفظه، إذا ذاكر أحداً، أو أدخل عليه أحاديث، فقبلها وهي ليست من حديثه، حدث بها على أنها من حديثه، أو أدخل عليه في كتابه أحاديث وكتبت، هذا يسمى مغفلاً، فمثل هذا النوع لا يقبل حديثه، ويسمى حديثه حديثاً منكراً.

كذلك: إذا كان فاسقاً، في دينه، قد يكون حافظاً ضابطاً، ولكنه مقضيٌّ عليه بالفسق، ليس معناه أنه ما يقع منه خطيئة ولا معصية، ولكن يقع في الأشياء العظام التي يفسق بها، كأن يكون شرَّاباً للخمر، أو يكون زانياً ولم يثبت أنه تاب من زناه، مثل هذا يقضى على حديثه بأنه حديث: منكر.

فصار عندنا الحديث المنكر يتعلق: بالعدالة ويتعلق: بالضبط، إذا كانت النكارة متوجهة إلى العدالة كان الراوي فاسقاً، فهذا يسقط حديثه ولا يقبل البتة.

- أمّا إذا كان فاحش الغلط، فاحش الغفلة كثيرها، فهذا يكون حديثه منكراً، ولا يقبل منه أيضاً لكن الطعن في العدالة يصير الحديث ساقطاً بالمرة، الطعن في الحفظ بعض العلماء يتجوز فيه ولا يكون سقوط من طعن في حفظه كمن طعن في عدالته.

فصار عندنا الطعن يتوجه للعدالة ويتوجه للضبط.

إذا توجه للعدالة:

- إما بكذب.

- أو تهمة بالكذب.

- أو بالفسق، فهذا يسقط حديثه.

وقد يكون الطعن في الضبط:

-إذا طعن في ضبطه إما بفحش الغلط.

- أو بغفلته، فالأصل أن حديثه ضعيفٌ جداً، لكنه أيسر بكثيرٍ ممن طعن فيه بفسقه).


القارئ: ( (ثم الوهم إذا اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق فالمعلل).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (هذا الآن طعن في الضبط، والمراد هنا طعنٌ في ضبط متعلق برواية، أو طعن في حفظ الراوي في روايةٍ معينةٍ، أو في شيء معين، وليس المراد الطعن في الراوي مطلقاً؛ لأنه إذا كانت له أوهامٌ كثيرةٌ يدخل في فاحش الغلط، الأصل في هذا الراوي أنه ضابطٌ، لكن وهمه جاء في رواية معينةٍ، هذه الرواية لما تتبعنا الطرق وجدناها ضعيفةً، وقبل تتبع الطرق كان ظاهرها الصحة.

وهذا هو المسمى بالمعلل، أو الحديث المعلول، أو المعلّ؛ لأن الأصل في الحديث المعل أن يروى بإسنادٍ ظاهره الصحة، وهذا يدل على أن الرواة ثقات، وأنهم عدول، لكن يقع القدح في ضبطِ الراوي في شيءٍ معينٍ في هذا الحديث المعين.

فنحن الآن هنا في المعلل نقدح في الحديث المعلول، ونقدح في ضبط الراوي في هذا الحديث، ولكن لا نقدح في الراوي عموماً، ولهذا الأحاديث المعلولة أصلها تتعلق بالثقات، لا بالضعفاء، لأن الحديث الضعيفَ ضعيفٌ من أصله، ولا يحتاج إلى تتبع طرق، إذا رواه راوٍ ضعيف حكمنا عليه بأنه ضعيف مباشرةً، لكنه إذا رواه راو ثقة، وظهر من الإسناد الصحة، ما يستبين غلط الراوي إلا بتتبع الطرق.

نطبق الحديث المعل على إسنادٍ، عندنا: سفيان بن عيينة رحمه الله من الثقات الحفاظ المشهورين، روى حديثاً عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه محمد بن علي، عن جده.. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال، لما دخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على عمر بعد وفاته وهو مسجىً، فقال: صلى الله عليك يا عمر.

هذا الحديث الناظر فيه لأولِ وهلةٍ يقول: هذا حديث صحيح، سفيان بن عيينة وجعفر، أقل أحواله أنه حسن الحديث، ومحمد ثقة، جابر صحابي، لكن العلماء قالوا: هذا حديث معلولٌ، وهمَ فيه سفيان بن عيينة، إذاً: سفيان ثقة، ما قدحنا في سفيان عموماً، ولكن: قدحنا في ضبط سفيان في هذا الحديث، فقلنا: وهم سفيان، والدليل أن أحاديثه قبلناها وخرجت في الصحاح.

قال العلماء: نظرنا في هذا الإسناد لما جمعنا طرق هذا الحديث، وجدنا أن فضيل بن مرزوق، وسليمان بن بلال، وأنس بن عياض يروون هذا الحديث عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما دخل على عمر... ذكر الحديث، فهنا أُسقط جابر من الإسناد، محمد هذا لم يدرك جده علي بن أبي طالب، فصارت رواية سفيان، وهم فيها؛ لأنه أدخل جابراً، في رواياتٍ كثيرة محمد عن جابر مباشرةً، فسفيان بن عيينة وضعها على الأصل محمد عن جابر.

قال العلماء: هنا فيه سقط جابر رضي الله عنه،؛ لأن سليمان، وفضيل بن مرزوق هما ثقتان وأنس بن عياض، رووه عن جعفر، عن محمد، أن علي بن أبي طالب دخل على عمر، فالعلة في حديث سفيان في السند هي الانقطاع في الإسناد بين محمد، وعلي،وسفيان، وهم في ذكر جابر.

قالوا أيضاً: يدل على وهمه في الإسناد المتابعات القاصرة؛

لأن الأولى سليمان يتابع فضيل متابعة تامة، وأنس يتابع سليمان وفضيل متابعة تامة؛ لأنه يتابعهم في شيخهما هو جعفر.

تأتي بعد ذلك المتابعات القاصرة لرواية سليمان، وفضيل، وأنس، يعني: التي لا يشتركون فيها مع سليمان في جعفر، وإنما في شيخ جعفر، قالوا: وجدنا هذا الحديث يرويه عمرو بن دينار، وحجاج بن دينار وغيرهما، يروونه عن محمد، عن علي، وليس فيه ذكر جابر. فدل هذا على أن رواية سفيان هذه خطأ، وهم فيها سفيان في الإسناد، قالوا: فهذه علة في الإسناد، كذلك وهم سفيان في متن الحديث؛ لأنه جاء بلفظ: ((صلى الله عليك)).

قالوا: هذه تفرد بها سفيان وليست في الرواية: ((صلى الله عليك))، لأن صلى الله عليك هذه تختلف عن: أثنى الله عليك، لأن الصلاة هذه بعض العلماء يقول: هي خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام، لا تجوز إلا للأنبياء، والمرسلين إلا غيرهم تبعاً، وبعضهم يجوزها بناءً على هذا.

فإذا قلنا: إن هذه ما هي بثابتة، فيحتاج إلى دليل الصلاة على غير الأنبياء مفردةً فإن لها تعلقاً بالحكم.

فوهم فيها سفيان، وهي ليست في الرواية، دلنا على ذلك ما تقدم أن سليمان بن بلال، وفضيلاً، وأنساً لم يذكروها.

فنستفيد من كلام المؤلف أن الحديث المعل هو:(الحديث الذي يثبت فيه وهم الراوي الثقة) في سنده أو متنه، ولا يدرك إلا بعد تتبع الطرق).

المدرج:

نوع من أنواع الإعلال.

- والزيادة في متصل الأسانيد:

نوعٌ من أنواع الإعلال.

والمقلوب معل).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

29 Oct 2008

العناصر

الحديث المتروك:
بيان معنى (الحديث المتروك)
تعريف (المتروك) لغةً
تعريف (المتروك) اصطلاحاً
كيفية معرفة المتروك
إطلاقات (المتروك) عند المتقدمين
معنى (المتروك) عند المتأخرين
تنبيه: إطلاق المتروك على المعنى الذي ذكره ابن حجر قليل جداً عند المتقدمين
الحديث المنكر:
تعريف (الحديث المنكر)
عبارات النكارة عند المتقدمين
الحديث المنكر مردود ولا يعتبر في الشواهد والمتابعات
الحديث (المعلل):

المعلل من أدق علوم الحديث وأعظمها

بيان معنى (العلة)

تعريف (العلة) لغةً

أيهما أصح أن يقال: هذا حديث معلل أو معلول

تعريف (العلة) اصطلاحاً

أنواع العلة:

النوع الأول: العلة القادحة

مثال العلة القادحة

أنواع العلة القادحة

النوع الثاني: العلة غير القادحة

مثال العلة غير القادحة

الشاذ والمعلل بينهما شبه كبير

المؤلفات في العلل

كتب العلل تتوسع في معنى العلة فتشمل كل ما يقدح في الحديث
ذكر بعض جهود العلماء في اكتشاف العلل

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

29 Oct 2008

الأسئلة

س1: عرف (المتروك) لغة واصطلاحاً.
س2: ما سبب تسمية (المتروك) بذلك.
س3: اذكر إطلاقات (المتروك) عند المتقدمين والمتأخرين.
س4: ما حكم الحديث المتروك؟
س5: بين معنى (العلة) لغة واصطلاحاً.
س6: أيهما أصح أن يقال: حديث معلل أو حديث معلول.
س7: اذكر أنواع العلة مع التمثيل لكل نوع.
س8: ما الفرق بين المعلل والشاذ؟
س9: اذكر الكتب المؤلفة في علل الحديث.
س10: تحدث عن أهمية علم علل الحديث.