الدروس
course cover
الصحيح لذاته
25 Oct 2008
25 Oct 2008

7172

0

0

course cover
شرح نخبة الفكر

القسم الأول

الصحيح لذاته
25 Oct 2008
25 Oct 2008

25 Oct 2008

7172

0

0


0

0

0

0

0

الصحيح لذاته

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (وَخَبَرُ الآحَادِ: بِنَقْلِ عَدْلٍ تَامِّ الضَّبْطِ مُتَّصِلَ السَّنَدِ غَيْرَ مُعَلَّلٍ وَلاَ شَاذٍّ؛ هُوَ الصَّحِيحُ لِذَاتِهِ).

هيئة الإشراف

#2

27 Oct 2008

نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (وَخَبَرُ الآحَادِ بِنَقْلِ عَدْلٍ تَامِّ الضَّبْطِ، مُتَّصِلَ السّنَدِ، غَيْرَ مُعَلَّلٍ وَلاَ شَاذٍّ: هُوَ الصَّحِيحُ لِذَاتِهِ)

.وهَذَا أولُ تَقْسِيمِ المَقْبُولِ إِلى أَربَعةِ أَنواعٍ؛ لأنَّه:

- إمَّا أَنْ يَشتَمِلَ مِن صِفَاتِ القَبُولِ عَلَى أَعْلاَهَا.

- أو لا.الأولُ: الصَّحِيحُ لِذَاتِهِ.

وَالثَّانِي: إِنْ وُجِدَ مَا يَجْبُرُ ذَلِكَ القُصورَ كَكَثْرةِ الطُّرُقِ،

فَهوَ الصَّحِيحُ أيضًا، لَكنْ لا لِذَاتِه، وَحَيْثُ لا جُبْرانَ، فَهوَ الحَسَنُ لِذَاتِه.

وَإنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ تُرَجِّحُ جَانِبَ قَبُولِ مَا يُتَوَقَّفُ فيه؛ فَهوَ الحَسَنُ أيضًا، لَكِنْ لا لِذَاتِهِ.

وَقُدِّمَ الكَلامُ عَلى الصَّحِيحِ لِذَاتِه؛ لِعُلُوِّ رُتْبَتِهِ.

وَالمُرَادُ بِالعدْلِ: مَن لَه مَلَكَةٌ تَحْمِلُهُ عَلى مُلازَمَةِ التَّقْوَى وَالمُرُوءةِ.

وَالمُرادُ بِالتَّقوَى:اجتِنَابُ الأعْمَالِ السّيِّئَةِ مِن شِرْكٍ، أو فِسْقٍ، أو بِدْعةٍ.

والضَّبْطُ:ضَبْطُ صَدْرٍ:

وَهُو أَنْ يُثَبِّتَ مَا سَمِعَهُ بِحَيثُ يَتَمَكَّنُ مِن استِحضَارِهِ مَتى شَاءَ.

وَضَبْطُ كِتابٍ:وَهُو صِيَانَتُهُ لَدَيهِ مُنْذُ سَمِعَ فيه وَصَحَّحَهُ إِلى أنْ يؤدِّيَ منه.

وقُيِّدَ بالتَّامِّ إشَارَةً إلَى الرُّتْبَةِ العُلْيا فِي ذَلِكَ.

وَالمُتَّصِلُ: مَا سَلِمَ إِسْنادُهُ مِن سُقُوطٍ فيه بَحَيثُ يَكونُ كُلٌّ مِن رِجَالِهِ سَمِعَ ذَلِكَ المَرْوِيَّ مِنْ شَيخِهِ.

وَالسَّنَدُ تَقَدَّمَ تَعرِيفُهُ.

وَالمُعَلَّلُ لُغَةً: مَا فيه عِلَّةٌ.

وَاصْطلاحًا:مَا فيه عِلَّةٌ خَفيَّةٌ قَادِحَةٌ.

والشَّاذُّلُغَةً: المُنْفَرِد.

واصطلاحًا:ما يُخَالِفُ فيه الرَّاوي مَن هُو أَرجَحُ منه.

وَلهُ تَفسِيرٌ آخَرُ سَيِأتِي:(تَنْبِيهٌ)

قَولُهُ: (وَخَبَرُ الآحَادِ)

كَالجِنْسِ، وَباقي قِيودِهِ كَالفَصْلِ.

وَقَولُهُ:(بِنَقْلِ عَدْلٍ) احْتِرازٌ عَمَّا يَنْقُلُهُ غَيرُ العَدلِ.

وَقَولُهُ:(هُوَ) يُسَمَّى فَصْلاً يَتَوَسَّطُ بَيْنَ المُبْتَدَإِ وَالخَبَرِ، يُؤْذِنُ بِأَنَّ مَا بَعْدَه خَبَرٌ عَمَّا قَبلَهُ وَلَيسَ بِنَعتٍ لَه.

وَقَولُهُ:(لِذَاتِهِ) يُخْرِجُ ما يُسَمَّى صَحِيحًا بِأَمْرٍ خارجٍ عَنهُ كما تَقَدَّمَ).

هيئة الإشراف

#3

27 Oct 2008

نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم

قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (أقسامُ الخبرِ باعتبارِ قَبُولِهِ وَرَدِّهِ

الخبرُ المقبولُ وما يَتَعَلَّقُ بهِ مِن مباحثَ

1- الصحيحُ لِذَاتِهِ:

وَتَبِعَهُ ابنُ الصلاحِ وتَبِعَهُ ابنُ حَجَرٍ فقالوا: إنَّ الأَوْلَى ألاَّ يُطْلَقَ على إسنادٍ بأَنَّهُ أصحُّ الأسانيد،ِ وعُلِّلَ ذلك بِأَنَّكَ عندَما تقولُ: أَصَحُّ الأسانيدِ: فلانٌ، عن فلانٍ، عن فلانٍ؛ فإنَّهُ يَلْزَمُكَ أنْ تَدْرُسَ كُلَّ رَاوٍ من رُوَاةِ هذا الإسنادِ وَتُقَارِنَهُ بِجَمِيعِ الرُّوَاةِ الموجودِينَ في عصرِهِ وطَبَقَتِهِ، عدالةً وضبْطًا وإِمَامَةً وَجَلاَلَةً، لِتَحْكُمَ بأَنَّهُ أَصَحُّ الأسانيدِ، وهذا فيه صُعُوبَةٌ وَعُسْرٌ، لكنَّ الحاكمَ هو أوَّلُ مَن قال هذا، وهو مُتَوَفَّىً سنةَ 405، فهذا الكلامُ نَسْتَطِيعُ أنْ نقولَ: إنَّهُ جاءَ مُتَأَخِّرًا، بمعنى أن الواقعَ خلافُهُ، بمعنى أنَّ الأَئِمَّةَ السابقِينَ في عصرِ الرِّوَايَةِ -أَئِمَّةَ نَقْدِ الحديثِ -كانوا قد تَكَلَّمُوا في أَصَحِّ الأسانيدِ، وكلُّ إمامٍ حَكَمَ بما تَرَجَّحَ لَدَيْهِ على إسنادٍ بأَنَّهُ أَصَحُّ الأسانيدِ، وإنْ كانَ بعضُهُمْ قد رُوِيَ عنه ذِكْرُ إسنادَيْنِ أو أكثرَ.(1)تعريفُ الصحيحِ لِذَاتِهِ:

بَدَأَ المُؤَلِّفُ في تقسيمِ خبرِ الآحادِ باعتبارِ القَبُولِ والردِّ، وابْتَدَأَ بالقسمِ المقبولِ منهُ، وشرحَ في بضعةِ أَسْطُرٍ كيفَ أنَّ هذا المقبولَ بِحَسَبِ تَوَافُرِ شُرُوطِ القَبُولِ يَنْقَسِمُ إلى أربعةِ أقسامٍ:

فقال: إنْ وُجِدَ في الخبرِ الشروطُ العُلْيَا فهو الصحيحُ لذاتِهِ.

-وإنْ قَصَرَ قليلاً فهو الحسَنُ لذاتِهِ.

-فإنْ وُجِدَ ما يَجْبُرُ هذا القصورَ ارْتَفَعَ إلى الصحيحِ وأُطْلِقَ عليه: الصحيحُ لغيرِهِ.

-ثم ما كان يُتَوَقَّفُ فيهِ مِن أقسامِ المردودِ وهو ما لا يُجْزَمُ بِكَذِبِهِ -إنْ وُجِدَ ما يَجْبُرُه

-ارْتَفَعَ إلى المقبولِ فَسُمِّيَ: الحَسَنَ لغيرِهِ.

وهذا كلامٌ مُجْمَلٌ سيأخذُ في تفصيلِهِ.

ابْتَدَأَ بالصحيحِ لذاتِهِ لكونِهِ أعلاهَا رُتْبَةً، وعَرَّفَهُ بتعريفٍ يُعْتَبَرُ أحدَ التعريفاتِ المُتَدَاوَلَةِ في كُتُبِ المُصْطَلَحِ، وهو مأخوذٌ مِن كلامِ الأَئِمَّةِ السابقِينَ ومِن تَطْبِيقَاتِهِمْ، وتعريفُهُ كما ذَكَرَهُ الحافظُ يُسَمَّى: التعريفَ بِذِكْرِ الشروطِ.

فقال: (هو ما نَقَلَهُ عَدْلٌ تامُّ الضَّبْطِ بسندٍ مُتَّصِلٍ مِن غيرِ شذوذٍ ولا عِلَّةٍ) وهناك عباراتٌ أُخْرَى بنفسِ الشروطِ لتعريفِ الصحيحِ لذاتِهِ مثلَ: (ما اتَّصَلَ سندُهُ بِنَقْلِ العدلِ الضابطِ عن مثلِهِ، ولمْ يَكُنْ شَاذًّا ولا مُعَلَّلاً)، وقد عَرَّفَ الحافظُ كُلاّ مِن الشروطِ الخمسةِ، لكنَّ هذا التعريفَ للشروطِ الخمسةِ عبارةٌ عن إشاراتٍ تحتاجُ إلى توضيحٍ، فتعريفُ الحديثِ الصحيحِ يَسْتَمِرُّ حتى نهايةِ علومِ الحديثِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ مُنْذُ تَعْرِيفِكَ للحديثِ الصحيحِ وحتى نهايَةِ الكتابِ عبارةٌ عن تعريفٍ للحديثِ الصحيحِ.

كما أنَّ دراسةَ الأسانيدِ عبارةٌ عن تَطْبِيقِ شروطِ الحديثِ الصحيحِ، أو عبارةٌ عن التَّحَقُّقِ مِن تَوَافُرِ شروطِ الحديثِ الصحيحِ أو عَدَمِ تَوَافُرِهَا.

وهناك نُقْطَتَانِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بشروطِ الحديثِ الصحيحِ:

1-هذه الشروطُ الخمسةُ المذكورةُ في تعريفِ الحديثِ الصحيحِ هي بإجماعِ المُحَدِّثِينَ أنَّهَا إذا اجْتَمَعَتْ في حديثٍ فهو حديثٌ صحيحٌ، وَمَعْنَى هذا أنَّ كُلَّ مَا يُنْقَلُ عن المُحَدِّثِينَ مِمَّا يَزِيدُ عن هذه الشروطِ فإنَّ في هذا النقلِ شيئًا، ومِن ذلك ما فُهِمَ مِن كَلاَمِ الحاكمِ أنَّ الحديثَ الصحيحَ يُشْتَرَطُ فيهِ العِزَّةُ.

وكذلكَ:

مِن أنَّ البخاريَّ ومُسْلِمًا يَشْتَرِطَانِ كذا وكذا زِيَادَةً على هذه الشروطِ، وقد نَقَلَ ابنُ الصلاحِ اتِّفَاقَ المُحَدِّثِينَ على أنَّ ما تَوَافَرَتْ فيه الشروطُ الخمسةُ فهو حديثٌ صحيحٌ.

وهناك شروطٌ تُتَدَاوَلُ في علومِ المصطلحِ مِمَّا دَخَلَ في كُتُبِ علومِ الحديثِ، مِثْلَ اتِّصَالِ الإسنادِ فَبَعْضُهُمْ يقولُ: (إنَّهُ لا يَكْفِي اتصالُ الإسنادِ، وإِنَّمَا يُشْتَرَطُ طُولُ المُصَاحَبَةِ بينَ الراوي وَشَيْخِهِ، لكنَّ هذا القائلَ في القرنِ السادسِ، وشروطُ الصحيحِ طُبِّقَتْ في عصورِ الرِّوَايَةِ وعصورِ نَقْدِ السُّنَّةِ، فيكونُ من حقِّ هذا القولِ أنْ لا يُذْكَرَ.

وكذلكَ: ما نُقِلَ عن المُعْتَزِلَةِ وغيرِهِم، أنَّ الحديثَ لا يُقْبَلُ إلا إذا رَوَاهُ اثنانِ أو أربعةٌ ….. إلخ، كُلُّ هذا خارجٌ عن كلامِ المُحَدِّثِينَ.

هذهِ الشروطُ الخمسةُ إذا تَوَافَرَتْ في خبرٍ فهوَ صحيحٌ، لكنْ نحنُ نرى اختلافًا كثيرًا بينَ أئمَّةِ الحديثِ في الحُكْمِ على بعضِ الأسانيدِ، فبعضُهُم يقولُ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، وبعضُهم يقولُ: ضعيفٌ … وغيرَ ذلكَ، نقولُ: إنَّ عِلْمَ الحديثِ لا يخرجُ عن بقيَّةِ العلومِ التي يَحْكُمُ بها أُنَاسٌ مثلَ غيرِهِم، ومعروفٌ أنَّ النَّقْصَ من صفاتِ البشرِ، ويُقالُ: إنَّ المُحَدِّثينَ من أكثرِ أصحابِ العلومِ انضباطًا في المنهجِ، واتِّفاقًا على ما يُرِيدُونَهُ في عِلْمِهِمْ، لا سِيَّمَا كبارُ المُحَدِّثينَ في عُصُورِ الروايَةِ.


إذًا لِمَ يَخْتَلِف المُحَدِّثونَ في تصحيحِ بعضِ الأحاديثِ مع اتِّفاقِهم على شروطِ الحديثِ الصحيحِ؟

نقولُ:السببُ الأوَّلُ:يعودُ إلى اختلافِ المُحَدِّثِينَ فيما بينَهم في الشرطِ نفسِهِ قبلَ دراستِهِ في الإسنادِ، فمثلاً نحنُ نقولُ: يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ الراوي عَدْلاً، لكنْ قد يَخْتَلِفُونَ: ما الذي يُخِلُّ بالعدالةِ.

فالمُبْتَدِعُ مثلاً:

يقولُ بعضُهُم:

إنَّ العبرةَ بصدقِ الراوي بِغَضِّ النظرِ عن بدعتِهِ.

وبعضُهُم يقولُ: إنَّ المُبْتَدِعَ إذا كان دَاعِيَةً لا آخُذُ عنه، فالخلافُ الآنَ صارَ في الشرطِ نفسِهِ.

مثالٌ آخَرُ: الضبْطُ:يَتَشَدَّدُ بعضُ المُحَدِّثِينَ فإذا غَلِطَ الرَّاوِي في غَلْطَتَيْنِ أو ثلاثٍ جَرَّحَهُ، وبعضُهم يَتَوَسَّطُ، وبعضُهم يَتَسَاهَلُ.

إذًا فاختلافُهم هو في الشرطِ نفسِهِ.

ومن أوْضَحِ الأمورِ: اختلافُهم في إثباتِ سماعِ راوٍ من آخَرَ.

وأكثرُهم يقولُ: لاَ بُدَّ أنْ أَقِفَ على رِوَايَةٍ فيها التصريحُ بأنَّ فلانًا قد سمعَ من فلانٍ لكيْ يكونَ الإسنادُ عندي مُتَّصِلاً.

وبعضُهم يقولُ: إذا أمْكَنَ لقاؤُهُمَا وكانا في عصرٍ واحدٍ فَإِنَّنِي أَكْتَفِي بهذا، فهذا الاختلافُ هو في الشرطِ نفسِهِ قبلَ أنْ يكونَ في الإسنادِ.وهكذا بالنسبةِ للعِلَّةِ،

فبعضُ المُحَدِّثِينَ يَمِيلُ إلى التعليلِ، فكُلَّمَا جاءَتْ عِلَّةٌ قَدَحَتْ في نفسِهِ ضَعُفَ الحديثُ، وبعضُهم يَمِيلُ إلى عَدَمِ السيْرِ وَرَاءَ العِلَلِ، وهذه مناهجُ لهم، هذا سببٌ مُهِمٌّ في تعليلِ اختلافِ المُحَدِّثِينَ مع اتفاقِهِم على الشروطِ الخمسةِ.

السببُ الثاني: لو اتَّفَقَ إمامانِ على مَعْنَى شَرْطٍ من الشروطِ كأن يتفق البخاري وأحمد مثلاً، أو البخاري وابن المديني، على أن من شرط الاتصال أن يكون الراوي قد ثبت سماعه أو لقاؤه مع شيخه، ولكن في هذا الإسناد بالذات يقع بينهما اختلاف في تحقق هذا الشرط، وهكذا في العلة أو في الضبط منهجهما واحد: يكونان متوسطين ليسا متشددين ولا متساهلين، ولكن يختلفان في هذا الراوي، بعضهم يقف على أحاديث كثيرة للراوي أخطأ فيها فيحكم عليه بخفة الضبط أو بضعف الضبط، لكن الإمام الآخر لم يقف على هذه الأحاديث، فيكون اختلافهما الآن في راوٍ بعينه، وبعضهم يرى أن هذه الأحاديث رويت عنه لكن الخطأ ليس من قِبَله هو، فلم يكن اختلافهما في نفس الضبط، ومتى يكون الراوي ضابطاً ومتى لا يكون؟ ولكن اختلفا في هذا الراوي بعينه.

السببُ الثالثُ: يَذْكُرُ بعضُ العلماءِ قضيةَ الاصطلاحِ:

بعضُ الأَئِمَّةِ مثلَ: ابنِ خزيمةَ وابنِ حِبَّانَ يُسَمِّيَانِ الحديثَ الحسنَ صحيحًا، وهذا اصطلاحٌ، وليس داخِلاً في تعريفِ الحديثِ الصحيحِ الذي تَقَدَّمَ.

هذا الكلامُ في سببِ الاختلافِ في التصحيحِ مَرِّرْهُ على أنواعِ الحديثِ التي سَتَأْتِي في المقبولِ والمردودِ.


مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا ابنُ الصلاحِ وغيرُهُ وأَغْفَلَهَا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وهي أنَّ العلماءَ يُقَسِّمُونَ الكلامَ في الأحاديثِ بالنسبةِ إلى هذهِ الشروطِ إلى قِسْمَيْنِ:

القسمُ الأوَّلُ:

ويدخلُ فيه ثلاثةُ شروطٍ:

العدالةُ والضبطُ واتصالُ الإسنادِ.

القسمُ الثاني: الشُّذُوذُ والعِلَّةُ.

بالنسبةِ للشروطِ الثلاثةِ الأُولى فإنَّهَا من أسْهَلِ الأمورِ في علومِ الحديثِ التي يُمْكِنُ للطالبِ أنْ يُطَبِّقَهَا، ومن هذه الشروطِ يَصِلُ إلى حُكْمٍ على الإسنادِ، فإذا تَوَافَرَتْ هذه الشروطُ فإنَّكَ سَتَحْكُمُ على الإسنادِ بأَنَّهُ صحيحٌ، وَيَبْقَى من الشروطِ شرطانِ، يقولُ العلماءُ: إنَّ البحثَ فيهِما أصعبُ من البحثِ في الشروطِ الثلاثةِ الأولى؛ لأنَّ حُكْمَكَ على تَوَافُرِهِمَا معناهُ أنَّكَ تَتَبَّعْتَ طُرُقَ الحديثِ الأُخْرَى وَدَرَسْتَهَا فلم تَجِدْ فيه شذوذًا ولا عِلَّةً، فهو حُكْمٌ على الحديثِ كلِّهِ بأَنَّهُ صحيحٌ، في حينَ أنَّكَ في الشروطِ الثلاثةِ الأُولى حَكَمْتَ على الإسنادِ فقطْ، وإذا ضَمَمْتَ الشرطَيْنِ الآخرَيْنِ تكونُ حَكَمْتَ على الحديثِ كلِّهِ.

فإذا رأيْتَ ابنَ حَجَرٍ يقولُ في (فَتْحِ البَارِيِّ) عن حديثٍ ما بأنَّ إسنادَهُ جَيِّدٌ، فهو قد بَحَثَ لك عن ثلاثةِ شروطٍ، فلا تَأْخُذْ منه أنَّ الحديثَ جيدٌ، وإذا قال الهيثميُّ في (مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ) في حُكْمِهِ على حديثٍ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، فَمَعْنَاهُ أنَّ إسنادَهُ تَوَافَرَتْ فيه ثلاثةُ شروطٍ فقطْ، وبَقِيَ عليهِ الشُّذُوذُ والعِلَّةُ، فهو لم يَبْحَثْ في الشُّذُوذِ والعِلَّةِ، لأنَّ (مَجْمَعَ الزَّوَائِدِ) عَشْرُ مُجَلَّدَاتٍ، وهو قدْ انْشَغَلَ بِكُتُبٍ أُخْرَى؛ فَحَكَمَ على الأحاديثِ باستعجالٍ، وَأَخَذَ من شروطِ الحديثِ الصحيحِ ثلاثةَ شروطٍ وتركَ الباقيَ، كأَنَّهُ يقولُ: ضَمَنْتُ لكَ تَوَافُرَ ثلاثةِ شُرُوطٍ.

ودونَ ما تَقَدَّمَ أنْ يقولَ العالم: رجالُهُ ثقاتٌ، فلمْ يَتَعَرَّضْ لِشَرْطِ الاتصالِ، هل هوَ موجودٌ أو لا؟

فأيُّهُمَا أسهلُ للباحثِ: رجالُهُ ثقاتٌ، أو إسنادُهُ صحيحٌ، أو حديثٌ صحيحٌ؟

رجالُهُ ثقاتٌ أسهلُ وأسرعُ؛

لأَنَّهُ بحثٌ في الرجالِ في عدالَتِهِم وضبْطِهِم، فمَرَاتِبُ التصحيحِ أنْ يقولَ: رجالُهُ ثقاتٌ، إسنادُهُ صحيحٌ، حديثٌ صحيحٌ، وهو أَصْعَبُهَا.

وهذا الكلامُ مُهِمٌّ جِدًّا؛ لِئَلاَّ يَغْتَرَّ به الطالبُ، فَيَرَى أنَّ الإمامَ قد أَوْرَدَ حديثًا، ثم ذَكَرَ أنَّ إسنادَهُ صحيحٌ، ويكونُ قد سَكَتَ عن عِلَّةٍ، فَيَحْسَبُ الطالبُ أنَّ الحديثَ صحيحٌ، ولذا قال السَّخَاوِيُّ: (يَنْبَغِي إغلاقُ البابِ في الحُكْمِ على الإسنادِ لوحدِهِ)، فهذا الأمرُ فيه خطورةٌ، لا سِيَّمَا للقُرَّاءِ العادِيِّينَ الذين لم يَعْرِفُوا الفرْقَ بينَ الحديثِ الصحيحِ، وما كان إسنادُهُ صحيحًا، وكثيرٌ من المُفْتِينَ الآنَ يعتمدونَ على أحاديثَ قال فيها الحافظُ ابنُ حَجَرٍ: (إسنادُهُ قَوِيٌّ) أو (إسنادُهُ صحيحٌ) في مسائلَ فِقْهِيَّةٍ ظَنًّا منهم أنَّ الحافظَ صَحَّحَ الحديثَ، مع أنَّ هذا الحديثَ قد يكونُ فيه عِلَّةٌ، أو مُتَكَلَّمٌ في مَتْنِهِ، أو يكونُ شاذًّا.

وَذَكَرَ ابنُ الصلاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَيْدًا لِمَا تَقَدَّمَ فقالَ ما مُلَخَّصُهُ: (الحافظُ المُطَّلِعُ إذا قالَ عن حديثٍ: (إسنادُهُ صحيحٌ) ولم يَذْكُرْ لهُ عِلَّةً، فهو حُكْمٌ منهُ على الحديثِ كلِّهِ)، ولكنَّ الذي أراهُ -واللهُ أعلمُ- أنَّ هذا خاصٌّ بِأَئِمَّةِ الحديثِ المُتَقَدِّمِينَ، وأما المتأخرونَ فَكَثُرَ منهم الحكمُ على الأسانيدِ، وتَرْكُ البحثِ عن عِلَلِ الأحاديثِ، وتوافُرِ الشرطَيْنِ الخامسِ والسادسِ، وهذا كثيرٌ جِدًّا، مِثْلَ:البُوصِيرِيِّ في (زَوَائِدُ ابْنِ مَاجَةَ)، الهَيْثَمِيُّ، ابنُ حَجَرٍ، العراقيُّ، ومن المتأخرينَ مَن يَفْعَلُ ذلك كثيرًا، حتى أَلْبَسَ على الكثيرِ من القُرَّاءِ، مثلَ أحمدَ شاكرٍ في تَعْلِيقِهِ على (مُسْنَدُ الإمامِ أَحْمَدَ)، فَأَحْكَامُهُ كُلُّهَا تقريبًا على أسانيدِ أحمدَ، وقد يكونُ لها عِلَلٌ، وقد تكونُ شاذَّةً.


هل الاكتفاءُ بتصحيحِ الإسنادِ تَحَرُّزٌ؟

قد نُسَمِّيهِ تَحَرُّزًا، لاَ سِيَّمَا الآنَ في الرسائلِ، فكثيرٌ من الباحثينَ يقولُ: لا أُريدُ أنْ أَخوضَ في أمْرٍ لا أَعْرِفُهُ، فَأَكْتَفِي بما هو ظاهرٌ، وهو صِحَّةُ الإسنادِ أو ضَعْفُهُ، ولا أَخُوضُ في عِلَلِ الأحاديثِ وفي غيرِهَا، وأيضًا يكونُ هناكَ تَوَجُّهٌ من المَشَايِخِ إلى هذا الشيءِ؛ لأَنَّهُ أمْرٌ سهْلٌ، فَأَمَامَهُ كُتُبُ الرجالِ وما يَتَعَلَّقُ بالاتصالِ والانقطاعِ وإنْ كانتْ مسألةُ الاتصالِ والانقطاعِ فيها صعوبةٌ، لكنْ إذا قَارَنْتَهَا بِالعِلَلِ تُعْتَبَرُ سهلةً، وصنيعُ الأَئِمَّةِ مثلَ ابنِ حَجَرٍ والهَيْثَمِيِّ يكونُ أحيانًا من بابِ الاحترازِ، وأيضًا من بابِ الاستعجالِ، لأنَّ كُلَّ حديثٍ يَمُرُّ بهِ سَيَكْشِفُ عِلَلَهُ وأسانيدَهُ وطُرُقَهُ، فهذا فيهِ عُسْرٌ وصعوبَةٌ.


وبالنسبةِ للعِلَلِ:

فإنَّكَ إذا دَرَسْتَ الرجالَ، وتَحَقَّقْتَ من عدالتِهِم وضَبْطِهِم، واتصالِ الإسنادِ، لكنْ عندَما تَدْرُسُ طُرُقًا أُخْرَى للحديثِ تَعْرِفُ أنَّ بعضَ الرُّوَاةِ في إسنادِكَ قد غَلِطَ، مع أنَّكَ قُلْتَ في البدايَةِ: إنَّ إسنادَهُ صحيحٌ، وعَرَفْتَ بوجودِ العِلَّةِ من خلالِ اطِّلاَعِكَ على الرواياتِ الأُخْرَى، فَيُسَمَّى ما اطَّلَعْتَ عليهِ: عِلَّةٍ.


كأنْ يكونَ غَلِطَ مثلاً:

فزَادَ ذِكْرَ الصحابيِّ، أو رَفَعَ الحديثَ إلى النبيِّ وهو من كلامِ الصحابيِّ، وما إلى ذلك؛ فَيُسَمُّونَ هذا عِلَّةً، ولهذا قال ابنُ حَجَرٍ: (العِلَّةُ الخَفِيَّةُ القادِحَةُ)، خَفِيَّةٌ أي: أنَّهَا لا تُكْتَشَفُ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ في الإسنادِ، وإِنَّمَا لاَ بُدَّ من البحثِ في بَقِيَّةِ الطُّرُقِ

أَصَحُّ الأَسَانِيدِ:

لم يَتَحَدَّث الحافظُ عن قضيَّةِ أَصَحِّ الأسانيدِ بِتَوَسُّعٍ، وإِنَّمَا جاءَتْ عَرْضًا في مَعْرِضِ كَلامِهِ الآتِي عن مراتبِ الصحيحِ بالنظرِ إلى الإسنادِ، فناسبَ أنْ أَتَحَدَّثَ عنها لأُحِيلَ عليها هناكَ، وقد ذَكَرَ

ابنُ الصلاحِ أنَّ المُعْتَمَدَ أَنَّهُ لا يُطْلَقُ على إسنادٍ بأَنَّهُ أَصَحُّ الأسانيدِ.

وأَوَّلُ مَن تَكَلَّمَ في أنَّ المُعْتَمَدَ أنْ لا يُطْلَقَ على إسنادٍ أَنَّهُ أَصَحُّ الأسانيدِ؛


الحاكمُ

وَتَبِعَهُ ابنُ الصلاحِ وتَبِعَهُ ابنُ حَجَرٍ فقالوا: إنَّ الأَوْلَى ألاَّ يُطْلَقَ على إسنادٍ بأَنَّهُ أصحُّ الأسانيد،ِ وعُلِّلَ ذلك بِأَنَّكَ عندَما تقولُ: أَصَحُّ الأسانيدِ: فلانٌ، عن فلانٍ، عن فلانٍ؛ فإنَّهُ يَلْزَمُكَ أنْ تَدْرُسَ كُلَّ رَاوٍ من رُوَاةِ هذا الإسنادِ وَتُقَارِنَهُ بِجَمِيعِ الرُّوَاةِ الموجودِينَ في عصرِهِ وطَبَقَتِهِ، عدالةً وضبْطًا وإِمَامَةً وَجَلاَلَةً، لِتَحْكُمَ بأَنَّهُ أَصَحُّ الأسانيدِ، وهذا فيه صُعُوبَةٌ وَعُسْرٌ، لكنَّ الحاكمَ هو أوَّلُ مَن قال هذا، وهو مُتَوَفَّىً سنةَ 405، فهذا الكلامُ نَسْتَطِيعُ أنْ نقولَ: إنَّهُ جاءَ مُتَأَخِّرًا، بمعنى أن الواقعَ خلافُهُ، بمعنى أنَّ الأَئِمَّةَ السابقِينَ في عصرِ الرِّوَايَةِ -أَئِمَّةَ نَقْدِ الحديثِ -كانوا قد تَكَلَّمُوا في أَصَحِّ الأسانيدِ، وكلُّ إمامٍ حَكَمَ بما تَرَجَّحَ لَدَيْهِ على إسنادٍ بأَنَّهُ أَصَحُّ الأسانيدِ، وإنْ كانَ بعضُهُمْ قد رُوِيَ عنه ذِكْرُ إسنادَيْنِ أو أكثرَ.


ومِمَّا قيلَ في ذلكَ ما يُعْرَفُ بالسلسلةِ الذهبيَّةِ، وهي: مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ، وهذه اشْتُهِرَتْ لأنَّ البخاريَّ رَجَّحَهَا، ومن الأَئِمَّةِ مَن يَسْتَبْدِلُ مَالِكًا فيقولُ: عُبيدُ اللهِ بنُ عُمَرَ -وهو قرينٌ لِمَالِكٍ- عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ، ومنهم مَن يَسْتَبْدِلُ عبيدَ اللهِ بأيوبَ السِّخْتِيَانِيِّ.


ومِن الأَئِمَّةِ مَن يقولُ:

أَصَحُّ الأسانيدِ: الزُّهْرِيُّ، عن سالمٍ، عن ابنِ عُمَرَ.

ومن الأَئِمَّةِ مَن ذَهَبَ إلى صحابةٍ آخَرِينَ.

فبعضُهم يقولُ: أَصَحُّ الأسانيدِ: محمدُ بنُ سِيرينَ، عن عَبِيدةَ السَّلْمَانِيِّ، عن عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ،

ومنهم مَن يقولُ: عبيدُ اللهِ بنُ عُمَرَ،

عن القاسمِ بنِ محمدِ بنِ أبي بَكْرٍ، عن عائشةَ، قال ابنُ مَعِينٍ عن هذا الإسنادِ: (هذهِ سلسلةٌ مُشَبَّكَةٌ بِالدُّرِّ)، وعنه رِوَايَةٌ اسْتَبْدَلَ فيها عبيدَ اللهِ بعبدِ الرحمنِ بنِ القاسمِ، عن أبيه، عن عائشةَ

وهناك أقوالٌ أُخْرَى.

فبعضُهم يَخُصُّ ذلك بِصَحَابِيٍّ.

فيقولُ: أَصَحُّ الأسانيدِ إلى فلانٍ من الصحابةِ الإسنادُ الفلانِيُّ.

وحاولَ العراقيُّ أنْ يَسْتَفِيدَ من قضيَّةِ أَصَحِّ الأسانيدِ، فَجَمَعَ ما وَرَدَ عن الأَئِمَّةِ مِمَّا حَكَمُوا له بأَنَّهُ أَصَحُّ الأسانيدِ، وَجَمَعَ أحاديثَ الأحكامِ المَرْوِيَّةَ بهذه الأسانيدِ، وذلك في كتابِهِ: (تقريبُ الأسانيدِ)- وهو شَبِيهٌ (بِعُمْدَةِ الأحكامِ) إلاَّ أَنَّهُ أَكْثَرُ أحاديثَ مِنْهُ-، وشَرَحَهُ بكتابِ: (طَرْحُ التَّثْرِيبِ)، ولم يُكْمِلْهُ، وَأَكْمَلَهُ وَلَدُهُ أبو زُرْعَةَ، وقد جَمَعَ العراقيُّ سِتَّةَ عَشَرَ إسنادًا، ويقولُ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (النُّكَتُ): إنَّهُ وَقَفَ على زيادةِ أربعةِ أسانيدَ مما حَكَمَ له الأَئِمَّةُ بأَنَّهُ أَصَحُّ الأسانيدِ، فَبَلَغَت الأسانيدُ عندَهُ عشرينَ إسنادًا.

وإذا كان الأَئِمَّةُ قد اخْتَلَفُوا في أَصَحِّ الأسانيدِ فماذا نَسْتَفِيدُ نَحْنُ، والفائدةُ إِنَّمَا تَتِمُّ لو كانوا قد اتَّفَقُوا على إسنادٍ واحدٍ؟

ذَكَرَ ابنُ حَجَرٍ أنَّ اخْتِلاَفَهُمْ في أَصَحِّ الأسانيدِ لا يَمْنَعُ من وجودِ فوائدَ، فذكرَ مسألةَ الترجيحِ، فأنتَ تأخذُ الأَئِمَّةَ الذين حَكَمُوا على الأسانيدِ فَتُوَازِنُ بَيْنَهُمْ، فمثلاً اشْتَهَرَ: مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ؛ لأنَّ القائلَ هو البخاريُّ.

إذًا فنحن رَجَّحْنَاهُ بِنَاءً على القائلِ لا لِسَبَبٍ آخَرَ، وكذلك لو أخَذْنَا الكلامَ الذي يقولُهُ أحمدُ نُرَجِّحُهُ على ما يقولُهُ غيرُهُ نَظَرًا لِمَنْزِلَتِهِ في النقدِ، وحينئذٍ فمَن رَجَّحَ إسنادًا يَجْعَلُهُ في حُكْمِ المُتَّفَقِ عليهِ.

وفائدةٌ أُخْرَى

ذَكَرَهَا ابنُ حَجَرٍ وهي أنَّ مجموعَ هذه الأسانيدِ العشرينَ جُمْلَتُهَا راجِحَةٌ على الأسانيدِ التي لم يَنُصَّ واحدٌ من الأَئِمَّةِ على أنَّهَا مِن أَصَحِّ الأسانيدِ، فهذه نَسْتَفِيدُهَا عندَ التَّعَارُضِ، ويُطَبِّقُهَا ابنُ حَجَرٍ أحيانًا فيقولُ: هذا أَرْجَحُ مِن هذا؛ لأنَّ هذا مِن الأسانيدِ التي حَكَمَ عليها الأَئِمَّةُ بِأَنَّهَا أَصَحُّ الأسانيدِ).

هيئة الإشراف

#4

27 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد

قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: ( (1) قولُه: (وَخَبَرُ الآحادِ بنَقْلِ عدْلٍ تامِّ الضبْطِ متَّصِلُ السنَدِ غيرَ مُعَلَّلٍ ولا شاذٍّ: هو الصحيحُ لذاتِه).

مِن خِلالِ كلامِ الحافِظِ يَتَبَيَّنُ لنا تَعريفُ الْحَدِيثِ الصحيحِ لذاتِه، وهو:

ما اتَّصَلَ سَنَدُه بنَقْلِ العَدْلِ التامِّ الضبْطِ عن مِثْلِه إلى مُنْتَهَاهُ مِن غيرِ شُذوذٍ ولا عِلَّةٍ.

وهو النوعُ الأَوَّلُ: مِن أنواعِ الْمَقبولِ.

والنوعُ الثاني:صحيحٌ لغيرِه.

والثالثُ:هو الْحَسَنُ لذاتِه.

والرابعُ:هو الْحَسَنُ لغَيْرِه.


1-قولُه في التعريفِ: (ما اتَّصَلَ سَنَدُه) المرادُ أنْ يكونَ كلُّ راوٍ سَمِعَ ذلك الْحَدِيثَ مِن شَيْخِه، والشيخُ سَمِعَه مِن شَيْخِه، حتى يَبْلُغَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ.

-أو الصحابِيَّ إذا كان الْحَدِيثُ مَوقوفاً على الصحابِيِّ.

2-قولُه: (بنَقْلِ العَدْلِ) المقصودُ بالعَدالةِ: هي مَلَكَةٌ تَحْمِلُ الإنسانَ على مُلازَمَةِ التَّقْوَى والبُعْدِ عن خَوَارِمِ الْمُرُوءةِ.

والمرادُ بالتَّقْوَى: اجتنابُ الأعمالِ السيِّئَةِ مِن شِرْكٍ، أو فِسْقٍ، أو بِدْعَةٍ.

والمقصودُ بِخَوَارِمِ الْمُرُوءةِ في تعريفِ العَدالةِ:

هي ما يُخَالِفُ أَعرافَ الناسِ الْمُعْتَبَرَةَ.

ويُشْتَرَطُ أيضاًفي قَبولِ حَديثِه:

-كونُه مُسْلِماً.

-بالِغاً.

-عاقِلاً في حالِ تَأْدِيَةِ الْحَدِيثِ.

-أمَّا تَحَمُّلُ الْحَدِيثِ؛ فيَصِحُّ تَحَمُّلُ الكافرِ، والصغيرِ.

3-قولُه: (التَّامِّ الضَّبْطِ) الضبْطُ يَنْقَسِمُ إلى قِسمينِ.

أ-ضَبْطُ صَدْرٍ: وهو أنْ يَكونَ الراوي حافِظاً ضابِطاً لِحَدِيثِه لم يَطْرَأْ عليه ما يَقْدَحُ في حِفْظِه.

ب-ضَبْطُ كِتَاب: وهو صِيَانَتُهُ لكِتابِه، فلا يُعْطِيهِ لأَحَدٍ يَعْبَثُ فيه.

فمَثَلاً:بعضُهم يَتَسَاهَلُ؛ فيَدْفَعُ كتابَه إلى بعْضِ الطَّلَبَةِ غيرِ الْمُوَثَّقِينَ؛ فتَجِدُ بعضَهم يَكتبُ فيه أحاديثَ لم يَسْمَعْهَا هو في الحقيقةِ مِن شَيْخِه؛ فيَبْدَأُ يُحَدِّثُ بهذه الأحاديثِ، وكأنه سَمِعَها، وهو لم يَسْمَعْهَا.

فقَيْسُ بنُ الرَّبِيعِ لا مَطْعَنَ عليه مِن جِهةِ دِينِه، ولكنَّ حَديثَه مَتْرُوكٌ؛ لأنَّ ابنَه أَدْخَلَ في كتابِه ما ليس مِن حديثِه؛ فحَدَّثَ به؛ فتُرَِكَ حديثُه.


وعبدُ اللهِ بنُ صالحٍ كاتبُ اللَّيْثِ،

كانَ له جارٌ استَطَاعَ أنْ يُقَلِّدَ خَطَّهَُ؛ فيَكْتُبَُ الْحَدِيثَ في الرِّقَاعِ، ويَرْمِيَها في بيتِ عبدِ اللهِ بنِ صالحٍ -وهو جارٌ له- وهو يَظُنُّ أنَّ هذه الرِّقاعَ مِن كُتُبِه؛ فيَأْخُذَُها ويَضَعُها ويُحَدِّثَُ بها؛ فأَصْبَحَ يُحَدِّثُ بالْمَنَاكِيرِ؛ فأَسْقَطُوا حديثَه لهذا السبَبِ.

وسفيانُ بنُ وَكيعٍ إمامٌ، ولكن اتَّخَذَ وَرَّاقاً يَنْسَخُ له، لكنَّ هذا الورَّاقَ ليس بثِقَةٍ؛ فأَصْبَحَ يُدْخِلُ على سُفيانَ بنِ وَكيعٍ بعضَ الأحاديثِ التي ليستْ مِن حَديثِه؛ فجَاءه أبو زُرعةَ وأبو حاتمٍ فنَصَحَاهُ، وقالاَ له: إنه دَخَلَ في حديثِك الْمُنْكَرَاتُ بسببِ ورَّاقِكَ؛ فقالَ: ماذا أصنَعُ؟

قالاَ: نحنُ نَكْفِيكَ (نَمِيزُ صحيحَ حديثِك مِن سَقِيمِهِ)، لكن بشَرْطٍِ أنْ تُبْعِدَ هذا الورَّاقَ، فظَنَّا أنه قَبِلَ نُصْحَهُما، فوَجَدَاهُ بعْدَ ذلك مُصِرًّا على اتِّخَاذِ الوَرَّاقِ؛ فتَكَلَّمَا فيه، وتَكَلَّمَ فيه بَقِيَّةُ الرُّواةِ؛ فسَقَطَ حديثُه لهذا السبَبِ.

وكان كثيرٌ مِن الأَئِمَّةِ يَحْرِصُ على كِتابِه ولا يَدْفَعُه إلى أحَدٍ إلاَّ بحضُورِهِ، مثلُِ الإمامِ مالِكٍ، فقد كانَ يَدفَعُ (الْمُوَطَّأَ) إلى تِلميذِه، ويقولُ له: اقْرَأْ، والناسُ يَنْسَخُونَ، ثم يَسْتَلِمُ الكتابَ منه، وهو حاضرٌ، وإذا أَخْطَأَ التلميذُ قَوَّمَ خَطَأَهُ.

4-قولُه: (مِن غيرِ شُذُوذٍ) الشاذُّ اختَلَفَ العُلماءُ في تَعريِفه، لكنَّ الراجحَ أنه:

ما يَرْوِيهِ الثقَةُ مُخَالِفاً مَن هو أَوْثَقُ منه أو أَكْثَرُ عَدَداً.

5-قولُه: (وَلا عِلَّةٍ) تعريفُ العِلَّةِ: هي سببٌ غامضٌ خَفِيٌّ يَقْدَحُ في صِحَّةِ الْحَدِيثِ.

ويُمَثَّلُ ذلك بحديثٍ رَواهُ عبدُ الرَّزَّاقِ في (الْمُصَنَّفِ)، والحاكِمُ في (الْمُسْتَدْرَكِ)، مِن حديثِ أسماءَ بنتِ عُمَيْسٍ أنها قالتْ: ((حَضَرْتُ زَواجَ فاطمةَ مِن عَلِيٍّ - رضِيَ اللهُ عنهما- فبَصُرَ بي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ لي: مَنْ هَذِهِ؟قالتْ: فقُلتُ: أسماءُ بنتُ عُمَيْسٍ، قالَ: جِئْتِ فِي زَوَاجِ ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

قالتْ: قلتُ: نَعَمْ، قالتْ: فَدَعَا لِي)).

فزواجُ فاطمةَ كان في السَّنَةِ الثانيةِ مِن الْهِجرةِ، وفي السنَةِ الثانيةِ كانت أسماءُ مع جَعْفَرٍ في الْحَبَشَةِ، ولم يَقْدَِمُوا إلا في السنَةِ السابعةِ؛ فالذهبيُّ قالَ: (هذا الْحَدِيثُ غَلَطٌ، ولَعَلَّهَا أختُها سَلْمَى) ).

هيئة الإشراف

#5

27 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: عبد العزيز السعيد (مفرغ)

القارئ: ( (وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معللٍ ولا شاذٍّ، هو الصحيح لذاته، وتتفاوت رتبه)

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: ( (وخبر الآحاد)

هذا يخرج المتواتر؛ لأن المتواتر

عند المؤلف وغيره- لا يخضع لشروط الآحاد؛ فليس من شرطه:

-اتصال السند.

-ولا عدالة الرواة، فهو غير خاضع عند المؤلف.

وقد ذكرنا فيما سبق أن كلام المؤلف كلاماً ضعيفاً، إلا أن يحمل على أن مراده المتواتر في خبر الناس، لا في الخبر الشرعي، وتطبيقات المؤلف في كتبه الأخرى تدل على هذا؛ لأنه يورد أحاديث كثيرةً؛ فيكون الحديث بهذه الطرق له أصل ولا يكون: متواتر، ولا صحيح.

فدل ذلك على أن كلامه هذا لعله يتعلق بخبر الناس، لا بخبر الشرع: المتعلق بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وأصحابه.

قال: (وخبر الآحاد) وهذا يشمل:

-العزيز.

-والمشهور.

-والغريب.

يعني: كل واحد من هذه الأنواع السابقة، وهي: المشهور، والعزيز، والغريب، لا بد أن تتوافر فيه هذه الشروط.

هذه الشروط - التي ذكرها المؤلف- هي الشروط المعروفة عند أهل الحديث، وهو (أن يكون الناقل عدلاً).

العدالة

مرتبطة بحالة العبد؛ وذلك أن حالة العبد إذا كان في أكثر أحواله مطيعاً لله تعالى فهو العدل، وبهذا نعلم أن رواية من حصل منه هفوة، أو خطيئةٌ وذنب، لا تسقط عدالته بالكلية؛ لأن المقصود بالعدالة في الحديث: أن نعلم أن هذا الشخص صادق، لم يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والشخص إذا كان أكثر أحواله طاعة الله تعالى؛ فإنه يبعد أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما علم من عظم شأن خطورة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا المبتدعة خُرِّجَ لهم في (الصحيحين) ، بل من رؤوس أهل البدع، لكن لما كان الغالب عليهم طاعة الله، وتحري الصدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ينقلون؛ فإن صاحبي (الصحيحين) وغيرهما قبلا أحاديثهم، وخرجوا لهم في الصحيح.

فدل هذا على أن العدل هو: الذي تغلب عليه الطاعة، أما من وقع في بعض الخطايا وتاب منها، ولم يستكثر منها؛ فإن هذا يقبل حديثه ولا يضره ذلك، وإذا اشترطنا العدالة فإننا نقول القول الذي اشترطناه لا بد أن نتحقق العدالة في الشخص.

العدالة في الشخص شيءٌ زائدٌ عن الإسلام، ليست هي الإسلام فقط، لأن المسلم قد يكذب. وقد ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لم يقله. وهذا لا يخرجه من الملة، بل يبقى على إسلامه إن لم يستحل الكذب؛ فالعدالة شرط زائد عن الإسلام، ليست هي الإسلام فقط. ولهذا الله جل وعلا شرطها في الشهود.

والعلماء ذكروا في باب الشهادة، أن الشاهد لا يكتفى فيه بمجرد الإسلام، بل لابد من تزكيته حتى تعلم موافقته للشرع وتجنبه لما يخشى منه من الكذب في الشهادة. فلهذا نشترط فيه وصفا آخر زائدا عن الإسلام، وهو العدالة.

فدل ذلك على أنه لابد أن تثبت هذه العدالة، إن لم تثبت ما عرفنا هذا الراوي، لم نجد أحداً من الأئمة تكلم فيه بجرح، ولا تعديل، وسكت عنه؛ فهذا نقول: حديثه ليس بصحيحٍ؛ لأن العدالة ما تحققت.

أيضاً ينافي هذه العدالة إذا ثبت عن هذا الرجل، شيءٌ يقدح في عدالته:

-إما بفسقه الظاهر.

- أو بكذبه واتهامه به.

- إما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

- أو في حديث غيره.

- أو عرفنا أنه يسرق الأحاديث وينسبها إلى غير راويها؛ فهذا قدح في عدالته.

إذا قدح في عدالته؛ فإنه ما ثبت له هذا الشرط، فلا يكون حديثه صحيحاً).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

27 Oct 2008

العناصر

أقسام الحديث المقبول:

القسم الأول: الصحيح لذاته

سبب بدأ المؤلف بالصحيح لذاته

تعريف الحديث الصحيح لذاته

الصحيح لذاته: هو ما رواه العدل تام الضبط عن مثله بسند متصل إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة

شرح تعريف الحديث الصحيح لذاته

معنى قوله: (بنقل عدل)

المراد بالتقوى

المراد بالمروءة

ما الذي يخرجه قول المصنف: (بنقل عدل)

معنى قوله: (تام الضبط)

المراد (بالضبط)

أنواع الضبط:

النوع الأول: ضبط الصدر

النوع الثاني: ضبط الكتاب

ما يشترط لضبط الكتاب

معنى قوله: (السند متصل)

تعريف المتصل

معنى قوله: (غير معلل ولا شاذ)

تعريف (المعلل) لغةً واصطلاحا

تعريف (الشاذ) لغةً واصطلاحا

للشاذ تفسيران آخران:

أحدهما: ما رواه المقبول مخالفًا لما هو أولى منه

ثانيهما: ما رواه الثقة مخالفًا لما رواه من هو أوثق منه

شروط الحديث الصحيح لذاته:

الشرط الأول: أن يكون متصل السند

الشرط الثاني: أن يكون بنقل العدل

الشرط الثالث: أن يكون الراوي تام الضبط

الشرط الرابع: أن يكون الخبر غير معل

الشرط الخامس: أن يكون غير شاذ

إذا اجتمعت هذه الشروط في الحديث فهو صحيح بإجماع المحدثين

أسباب اختلاف المحدثين في تصحيح بعض الأحاديث

السبب الأول: اختلاف المحدثين في شروط الحديث الصحيح

أمثلة للسبب الأول

السبب الثاني: اتفاق إمامين على معنى شرط من الشروط واختلافهما في التطبيق

السبب الثالث: وجود الاختلاف في اصطلاحات بعض الأئمة

مثال على السبب الثالث

الفرق بين قولهم: (رجاله ثقات) و(إسناده صحيح) و(حديث صحيح).

سبب اكتفاء بعض العلماء بتصحيح الإسناد

العلة القادحة قد تكون خفية لا تكتشف بمجرد النظر في الإسناد

أصح الأسانيد:

اختلاف الأئمة في أصح الأسانيد

الفوائد المترتبة على اختلاف الأئمة في أصح الأسانيد

المعتمد أنه لا يطلق على إسناد أنه أصح الأسانيد

علة عدم إطلاق أن هذا الإسناد أصح الأسانيد

بيان أن الأئمة المتقدمين قد تكلموا في أصح الأسانيد

المراد بالسلسلة الذهبية

مسألة: هل يعتبر تصحيح المتأخرين وتضعيفهم؟

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

27 Oct 2008

الأسئلة

س1: اذكر أقسام الحديث المقبول.
س2: عرف الحديث الصحيح لذاته مع بيان محترزات التعريف.
س3: اذكر أنواع الضبط.
س4: اذكر ما يشترط لصحة ضبط الكتاب.
س5: ما الفرق بين الشاذ والمنكر؟
س6: ما هي أسباب اختلاف المحدثين في تصحيح بعض الأحاديث؟
س7: اذكر أنواع العلة مع التمثيل.
س8: ما الفرق بين قول الأئمة في حديث معين (إسناده صحيح) و (حديث صحيح)؟
س9: ما سبب اكتفاء بعض الأئمة بتصحيح الإسناد؟
س10: اذكر الخلاف في أصح الأسانيد.
س11: هل يجوز الجزم بصحة حديث أو ضعفه؟
س12: هل يعتبر تصحيح المتأخرين وتضعيفهم؟

هيئة الإشراف

#8

27 Mar 2010

شرح نخبة الفكر للشيخ عبد الكريم الخضير (مفرغ)

قال الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير: (الصحيح:

أحسن الله إليك: "وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته".

يقول المصنف -رحمه الله تعالى-: "وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته".

هذا هو الصحيح لذاته ما توافرت فيه هذه الشروط، لما انتهى المؤلف -رحمه الله تعالى- من تقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد، ثم قسم خبر الآحاد إلى الثلاثة بالنسبة إلى تعدد طرقه شرع في تقسيم أخبار الآحاد من جهة أخرى، وهي من حيث الثبوت وعدمه، من حيث الثبوت وعدمه، من حيث القوة والضعف من حيث القبول والرد، فقسمه إلى ثلاثة أقسام على سبيل الإجمال، وهي خمسة على سبيل البسط:

أولها: الصحيح لذاته، والحسن لذاته، والضعيف هذا إجمالاً، ثم الصحيح والحسن والضعيف، ثم على سبيل التفصيل: الصحيح لذاته، الصحيح لغيره، الحسن لذاته، الحسن لغيره، الضعيف.

وأهل هذا الشأن قسموا السنن

إلى صحيح وضعيف وحسن


الصحيح عرفه الحافظ: بخبر ما ينقله عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته.

فالأول المتصل الإسنادِ

عن مثله من غير ما شذوذِ

بنقل عدل ضابط الفؤادِ

وعلة قادحة فتوذي


المقبول والصحيح والحسن وإن شئت فقل الصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن لذاته والحسن لغيره، والمردود هو الضعيف بأقسامه، وهو أقسام كثيرة جداً، يأتي ذكر ما تيسر منها -إن شاء الله تعالى-.

الأول من هذه الأنواع هو الصحيح لذاته: وحاصله: أنه ما اشتمل على خمسة شروط: عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء العلة، انتفاء الشذوذ، إذا اجتمعت هذه الشروط الخمسة: عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة القادحة.

إذا توافرت هذه الشروط الخمسة صار الخبر صحيحاً لذاته، فالعدالة مصدر عدل عدالة، والعدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، والملكة هي: الصفة الراسخة الثابتة، والتقوى: فعل المأمورات واجتناب المنهيات، والمروءة قال أهل العلم: إنها آداب نفسانية تحمل مراعاتها على التحلي بمحاسن الأخلاق وجميل العادات.

والضابط: الحافظ، اليقض، غير المغفل والشاك والساهي، وهذا مطلوب في حالتي التحمل والأداء، يعني إذا تحمل الحديث عن غيره المطلوب أن يكون ضابطاً، لكن العدالة إنما تطلب للأداء، ولا تتطلب للتحمل، بمعنى أن الصغير غير المكلف يصح تحمله، محمود بن الربيع عقل المجة ورواها للناس وسنه خمس سنوات، وروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحاديث، هل يوصف الصغير بأنه عدل؟ لا، بل من شرط صحة الرواية عند الأداء أن يكون بالغاً مكلفاً، تحمل الكافر، تحمل الفاسق صحيح، لكن لا يؤخذ عنه هذا الخبر إلا إذا ارتفع عنه الوصف الكفر والفسق، جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في الفجر بسورة الطور قبل أن يسلم فأدى هذه السنة، وقبلها أهل العلم وخرجت في الصحيح؛ لأنهم لا يشترطون في حال التحمل شرط، لكن إذا أراد أن يؤدي قيل: قف، هل هو ثقة أو ليس بثقة؟ فعدالة الرواة إنما تطلب في حال الأداء، الضبط يطلب في حال الأداء والتحمل لكن الذي لا يتحمل وهو ضابط لن يؤدي وهو ضابط، لكن قد يروي وهو غير ثقة ثم يؤدي وهو ثقة هذا متصور، لكن هل يتصور أن شخصاً يتحمل وهو غير ضابط ثم يؤدي وهو ضابط؟ نعم، لا، ولذا اشترطوا في الضبط أن يكون في حالتي التحمل والأداء.

والضبط نوعان: ضبط صدر وهو الذي يثبت فيه في صدره بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، وضبط كتاب وهو صون الكتاب عن تطرق الخلل إليه من حين سمع فيه إلى أن يؤدي منه، بحيث لا يخرجه من يده ولا يعيره إلى أحد إلا إذا كان ثقة، لا يعير الكتاب إلى شخص يزيد فيه وينقص ويحرف ويطمس، لا.

واتصال السند بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمله ممن فوقه بطريق معتبر من طرق التحمل كالسماع والعرض والمناولة والمكاتبة وغيرها على ما سيأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-.

والعلة: سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي في ظاهره السلامة منها، ويأتي الكلام عن الحديث المعل -إن شاء الله تعالى-.

والشاذ: هو ما خالف فيه الثقة من هو أثق منه، ويأتي الحديث عن الشاذ في موضعه -إن شاء الله تعالى-.

وقوله: الصحيح لذاته يخرج الصحيح لا لذاته بل لغيره، هناك الصحيح لكنه لا لذاته، وإنما هو صحيح لغيره، هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، إذا وجد أكثر من حديث حسن لذاته بأن تعددت الطرق يرتقي إلى الصحيح لغيره.

والحسن المشهور بالعدالة

طرق أخرى نحوها من الطرق

والصدق راويه إذا أتى له

صححته كمتن (لولا أن أشق)

المقصود أن الحسن إذا تعددت طرقه صار صحيحاً لا لذاته بل صحيح لغيره.

نعم).