9 Nov 2008
تفسير القرآن بالرأي
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (تَفْسِيرُ القُرْآنِ بِالرَّأيِ :
فَأَمَّا تَفْسِيرُ القُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأيِ فَحَرَامٌ.
حَدَّثَنَا
مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رُسُولُ اللهِ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :" مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ "
حَدَّثَنَا
وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ " .
وَبِِهِ
إِلَى التِّرمذيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ :
حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُهَيلٌ أَخُو حزم
القُطَعِيِّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُوعِمْرَانَ الْجُونِيُّ عَنْ جُنْدُبٍ ،
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ " . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي سُهَيْلِ بْنِِ أَبِي حَزْمٍ .
وَهَكَذا
رَوَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلمِ عَنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيرِهِم أنَّهُم شَدَّدُوا في أَنْ يُفَسَّرَ
القُرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ
وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ العِلمِ أنَّهُم فَسَّرُوا
القُرْآنَ فَلَيْسَ الظَّنُّ بِهِم أنَّهُم قالُوا في القُرْآنِ ، أَوْ
فَسَّرُوهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، أَوْ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِم . وَقَدْ
رُوِيَ عَنْهُم مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّهُم لَمْ يَقُولُوا
مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِم بِغَيْرِِ عِلْمٍ ، فَمَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ
بِرَأْيِهِ فَقَدْ تَكَلَّفَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ ، وَسَلَكَ غَيْرَ
مَا أُمِرَ بِهِ ، فَلَوْ أَنَّهُ أَصَابَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الأَمْرِ
لَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الأَمْرَ مِنْ بَابِهِ ،
كَمَنْ حَكَمَ بَيْن النَّاسِ عَنْ جَهْلٍ فَهُو فِي النَّارِ ، وَإِنْ
وَافَقَ حُكْمُهُ الصَّوَابَ فِي نَفْسِ الأَمْرِ ، لَكِنْ يَكُونُ أَخَفَّ
جُرْمًا مِمَّنْ أَخْطَأَ ، وَاللهُ أَعْلَمُ .
وَهَكَذَا سَمَّى اللهُ - تَعَالى - القَذََفَةَ كَاذِبِينَ فَقَالَ : ]فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَـئِكَ عِندَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [[سُورَةُ
النُّورِ : 13] ، فَالقَاذِفُ كَاذِبٌ وَلَوْ كَانَ قَدْ قَذَفَ مَنْ
زَنَى فِي نَفْسِ الأَمرِ ؛ لأنَّهُ أَخْبرَ بِمَا لاَ يَحِلُّ لَهُ
الإِخْبَارُ بِهِ ، وَتَكَلَّفَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ ، وَاللهُ
أَعْلَمُ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)
القارئ: ("تفسير
القرآن بالرأي: فأمَّا تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، حدثنا مؤمن قال:
حدثنا سفيان قال: حدثنا عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)).
حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن عبد الأعلى الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)) وبه إلى الترمذي قال: حدثنا عبد بن حميد قال: حدثني حبان بن هلال..."
ردا على مداخلة من الحاضرين: أنا عندي: حبان).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (_......................
_أنا
عندي صح يقول في الطبعة الأولى حسان بن هلال والتصحيح من تفسير الطبري.
وحبان بن هلال (غير مسموع) البصري الحافظ ممن أخذ عنه عبد بن حميد.نعم.
_....................
_هذا محل إشكال، ولكن لعله ابن جرير.
_..................
_ هو صحيح في العبارة مهملة لكن الظاهر إنه ابن جرير بدليل قوله: والتصحيح من تفسير الطبري، فهذا يدل على أن الأسانيد هذه لابن جرير.
_.........................
_ رواه البخاري؟ لا........حبان نعم).
القارئ: ("قال: حدثنا سهيل أخو حزم القطعي....").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (حزام، حزام، أنا عندي حزام.
_...................
_ يعني هو سهيل بن أبي حزام مهران القُطعي أو القَطعي أخو حزام بن أبي حزم. نعم).
القارئ: ("قال: حدثنا أبو عمران الجوْني عن جندبٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)) قال الترمذي: فهذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم.
وهكذا
روى بعض أهل العلم عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا في
أن يُفسر القرآنُ بغير علم، وأما الذي روي عن مجاهدٍ وقتادة وغيرهما من
أهل العلم أنهم فسروا القرآن فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه
بغير علم أو من قبل أنفسهم، وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم
يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم، فمن قال في القرآن برأيه فقد تكلف مالا علم
له به وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد
أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه، فمن حكم بين الناس على جهلٍ فهو في النار
وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخفَّ جرماً ممن أخطأ. والله
أعلم").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (ولهذا كان من اجتهد فأخطأ فله أجر، كذلك من لم يجتهد ولو أصاب فقد أخطأ،
إذا كان ما تكلم فيه ليس محلاً للاجتهاد. وتفسير القرآن بالرأي تارة يُفسره
الإنسان بحسب مذهبه كما يفعله أهل الأهواء فيقول: المراد بكذا وكذا كذا
وكذا مما ينطبق على مذهبهم، وكذلك هؤلاء المتأخرون الذين فسروا القرآن بما
وصلوا إليه من الأمور العلمية الفلكية أو الأرضية والقرآن لا يدل عليها,
فإنهم يكونون قد فسروا القرآن بآرائهم، إذا كان القرآن لا يدل عليه لا
بمقتضى النص ولا بمقتضى اللغة فهذا هو رأيهم، ولا يجوز أن يُفسروا القرآن
بهذا.
وكذلك
أيضاً لو لم يكن عند الإنسان فهم للمعنى اللغوي ولا للمعنى الشرعي الذي
تفسر به الآية فإنه إذا قال قولاً يكون قال بلا علم، فيكون آثماً كما لو أن
أحدا من العامة فسر آية من القرآن الكريم على حسب فهمه من غير مستند لا
لغوي ولا شرعي، فإنه يكون حراماً عليه ذلك؛ لأن مفسر القرآن يشهد على الله
بأنه أراد كذا، وهذا أمرٌ خطير، حرم الله علينا أن نقول عليه ما لا نعلم {قل
إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن
تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} فأي إنسان يقول على الله ما لا يعلم في معنى كلامه أو في شيء من أحكامه فقد أخطأ خطأ عظيما. نعم).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (قوله : التفسيرَ بمجَرَّدِ الرأيِ حرامٌ، ثم هذه الأسانيدُ: قولُه: (حَدَّثَنا مُؤَمَّلٌ، حدثنا سفيانُ، حدثنا عبدِ الأعلى، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ).
يَظهرُ أنَّ هذه أسانيدُ عبدِ الرزاقِ، أو أسانيدُ الإمامِ أحمدَ؛ وذلك
لأنها عاليةٌ، وسفيانُ هنا هو الثوريُّ، والإمامُ أحمدُ لَقِيَ سفيانَ بنَ
عُيينةَ ولم يَلْقَ الثوريَّ، فإذا حَدَّثَ عنه بواسطةٍ عن سفيانَ فإنه
الثوريُّ، فهذا الحديثُ عن (ابنِ عبَّاس ٍقال: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْر عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)))،
وعيدٌ شديدٌ، يعني: إذا قالَ بغيرِ عِلْمٍ، وتَخَبَّطَ في القرآنِ،
وفَسَّرَه بما يَهْوَاهُ أو تَميلُ إليه نفْسُه؛ فلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ
مِن النارِ. وهذا الإسنادُ صحيحٌ.
كذلك الإسنادُ الثاني، وهو عينُ الإسنادِ الأَوَّلِ، إلا أنَّ شيخَ الإمامِ أحمدَ اخْتَلَفَ،
الأوَّلُ قالَ: حدثنا مُؤَمَّلٌ، والثاني قالَ: (حَدَّثَنا
وكيعٌ، ¬-كِلاهما- عن سفيانَ، عن عبدِ الأعلى الثعلبيِّ، عن سعيدِ بنِ
جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)). نفْسُ الحديثِ.
كذلك
(رُوِيَ عن التِّرمذيِّ قالَ: حدثنا عبدُ بنُ حميدٍ، حدثني حبَّانُ بنُ
هلالٍ قال: حدثنا سهيلٌ أخو حَزْمٍ القَطعيِّ قال: حدثنا أبو عِمرانَ
الجونيُّ، عن جُندُبٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ؛ فَقَدْ أَخْطَأَ)))، وهذا أيضاً إسنادٌ لا بَأْسَ به، إلا أنَّ سُهَيْلاً فيه كلامٌ، (قالَ التِّرْمِذِيُّ: هذا الحديثٌ غريبٌ. وقد تَكَلَّمَ بعضُ أهلِ الحديث في سهيلِ بنِ أبي حزمٍ)، وهو أخو حزمٍ القطعيِّ، لكن يَشْهَدُ له الحديثُ الذي قَبْلَه: ((مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ))، هنا: ((قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأصابَ؛ فَقَدْ أَخْطَأَ))، لماذا أَخْطَأَ؟ أَخْطَأَ لأنه تَدَخَّلَ في القرآنِ وهو لا يَعْلَمُ.
قولُه: (وهكذا
روى بعضُ أهلِ العلْمِ عن أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ
وغيرُهم، أنهم شَدَّدُوا في أن يُفَسَّرَ القرآنُ بغيرِ عِلْمٍ), تَشَدَّدُوا في ذلك، (وأما
الذي رُوِيَ عن مجاهِدٍ وقتادةَ وغيرِهما مِن أهلِ العلْمِ، أنهم
فَسَّرُوا القرآنَ؛ فليس الظنُّ بهم أنهم قالوا في القرآنِ أوفَسَّرُوهُ
بغيرِ عِلْمٍ أو مِن قِبَلِ أنفُسِهم). إذا عَلِمْنا بأنَّ مجاهِداً
فَسَّرَ القرآنَ كُلَّه، وأنَّ قَتادةَ يقولُ: إنه ما في القرآنِ آيةٌ إلا
وقد عَلِمَ فيها شيئاً، فهل نقولُ: إنهم تَخَبَّطُوا في القرآنِ؟! لا . بل
يُنَزَّهُونَ عن ذلك، لأن وَرَعُهم يحملهم على ألا يَتَخَبَّطُوا في
القرآنِ.
قولُه: (وقد رُوِيَ عنهم ما يَدُلُّ على ما قلنا؛ أنهم لم يَقولوا مِن قِبَلِ أنفُسِهم بغيرِ عِلْمٍ)،
وإنما تَكَلَّمُوا بالعلْمِ، وتَكَلَّمُوا بما فَتَحَ اللهُ تعالى عليهم،
أو أَخَذُوهُ عن الصحابةِ الذين أَخَذُوا القرآنَ، وأَخَذُوا َعانيَهُ عن
نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، (فمَن قالَ في القرآنِ برأيِهِ فقد تَكَلَّفَ ما لا عِلْمَ له به)،
وعلى ذلك يُحْمَلُ ما رُوِيَ عن قتادةَ أنه قالَ: خَلَقَ اللهُ النجومَ
لثلاثةٍ: زِينةً للسماءِ، ورُجوماً للشياطينِ، وعلاماتٍ يُهْتَدَى بها،
فمَن تَكَلَّفَ فيها غيرَ ذلك أَخطأَ وأضاعَ نَصيبَه، وتَكَلَّفَ ما لا
عِلْمَ له به. أَخَذَ ذلك مِن الآياتِ القرآنيَّةِ، فدَلَّ على أنَّ مَن
تَأَوَّلَ في النجومِ غيرَ ما ذَكَرَ اللهُ تعالى في القرآنِ فإنه
تَكَلَّفَ ما لا عِلْمَ له به، (وسَلَكَ غيرَ ما أُمِرَ به)،
وقد أُمِرَ بأن يَقتصِرَ على ما يَعْلَمُ ويَتْرُكَ ما لا عِلْمَ له به؛
حتى لا يَتَعَرَّضَ لهذا الوعيدِ الذي قالَ صلى الله عليه وسلم فيه: ((فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))؛ وذلك لأنَّ القرآنَ لا شَكَّ أنَّ له معانيَ، وأننا مأمورونَ بأن نَتَعَلَّمَ مَعانيَهُ، وأن نَتَعَقَّلَها؛ لقولِ اللهِ تعالى: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ}، ولقولِ اللهِ تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ}، أَخْبَرَ بأنه بيانٌ، يعني: أنه مُبَيَّنٌ لهم.
قولُه: (فلو أنه أصابَ المعنى في نفْسِ الأمرِ لكان قد أَخْطَأ) كيف يكونُ أخطأَ؟ لأنه تَكَلَّمَ وهو لم يكنْ مِن أهلِ الكلامِ، وفَسَّرَ وهو لم يكنْ مِن أهلِ العلْمِ بالتفسيرِ؛ (لأنه لم يَأْتِ الأمرَ مِن بابِه، - فهو - كمَن حَكَمَ بينَ الناسِ على جَهْلٍ، فهو في النارِ)؛ للحديثِ الصحيحِ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قالَ: ((الْقُضَاةُ
ثَلاَثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ
عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ
الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلاَفِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى
لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ))،فجَعَلَ اثنينِ في النارِ وواحداً في الجنةِ، وقد أَخَذَ ذلك بعضُ الشعراءِ في قولِه:
أوَمَا سَمِعْتَ بأنَّ ثُلُثَيْهِمْ غَدا في النارِ في ذاك الزمانِ الخالِي
وزمانُنا هذا فرَبُّكَ عـالمٌ هلْ فيه ذاكَ الثلُثُ أمْ هو خالِي
قولُه: (فهو كمَنْ حَكَمَ بينَ الناسِ على جَهْلٍ)، فهو في النارِ؛ وإنْ وَافَقَ حُكْمُه الصوابَ في نفْسِ الأمرِ)، يعني: ولو كان قد أصابَ في نفْسِ الأمرِ، (لكن يكونُ أَخَفَّ جُرْماً ممن تَخَبَّطَ وأَفْتَى بغيرِ الحقِّ)، سواءٌ كان فُتْيَا أو حُكْماً أو تَفسيراً، فإنه إذا أصابَ فإنه يُقالُ له: أخطأَ؛ للحديثِ الذي مَرَّ بنا: ((مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ))،
ولكنه أَخَفُّ جُرْماً مِن الذي أَفْتَى بغيرِ علْمٍ فأَخْطَأَ، فتتلخص
هنا أقسام : مَن أَفْتَى بغيرِ عِلْمٍ فأصابَ، مَن أَفْتَى بغيرِ عِلْمٍ
فأَخْطَأَ، مَن أَفْتَى بعِلْمٍ فأصابَ، مَن أَفْتَى بعلْمٍ فأَخْطَأَ.
فهذه أقسامٌ أربعةٌ: فالذي أَفْتَى بعلْمٍ فأصابَ له أجرانِ، والذي أَفْتَى
أو اجْتَهَدَ بعلْمٍ فأَخطأَ له أَجْرٌ، - أي: أَجْرُ الاجتهادِ؛ لأنه مِن
أهلِ الاجتهادِ- والذي لم يكنْ مِن أهلِ الاجتهادِ فأَفْتَى وأَخْطَأَ؛
عليه جُرمانِ، والذي أصابَ وهو ليس مِن أهلِ الاجتهادِ عليه جُرمٌ .
قولُه: (وهكذا سَمَّى اللهُ تعالى القذَفَةَ كاذبينَ)، القذَفَةُ: الذين قَذَفُوا عائشةَ، (قالَ اللهُ تعالى: {لَوْلاَ
جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا
بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} )
فكَذَّبَهُم اللهُ تعالى؛ وذلك لأنهم تَخَرَّصُوا وقالوا بغيرِ عِلْمٍ،
وقَذَفُوا عائشةَ رضىالله عنها وهم لم يَأتُوا بشهداءَ ولم يَعْلَمُوا.
قولُه: (القاذفُ كاذبٌ، ولو كان قد قَذَفَ مَن زَنَى في نفْسِ الأمرِ).
لو أنَّ إنساناً ـ مَثلاً ـ رأى مَن يَزْنِي، ولم يكنْ عِنْدَه شهودٌ
وقَذَفَه؛ فإنَّ ذلك القاذفَ إذا لم يأتِ بالشهودِ فإنه يُحَدُّ، - يعني:
يقامُ عليه حَدُّ القَذْفِ-؛ لقولِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((الْبَيِّنَةُ، وَإِلاَّ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ))، مع أنه قد يكونُ صادقاً؛ (لأنه أَخْبَرَ بما لا يَحِلُّ له الإخبارُ به، وتَكَلَّفَ ما لا عِلْمَ له به), بمعنَى: أنه تَكَلَّفَ حيثُ تَكَلَّمَ بشيءٍ لم يَحِقَّ له التكلُّمُ به إلا بعدَ التثبُّتِ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار
قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه: (فَأَمَّا
تَفْسِيرُ القُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأيِ فَحَرَامٌ. حَدَّثَنَا
مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ)).
الذي يقولُ: (حدَّثنَا مُؤَمَّلٌ) هو ابنُ جريرٍ الطبريُّ، فشيخُ الإسلامِ هنا يَنقُلُ عن ابنِ جريرٍ، فلو قيل: (قال ابنُ جريرٍ) لكان أسْلَمَ .
قولُه: (حَدَّثَنَا
وَكِيعٌ , حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ))
وَبِِهِ إِلَى التِّرمذيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُهَيلٌ أَخُو
حِزَامٍ القَطْعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُوعِمْرَانَ الْجَونِيُّ عَنْ
جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ)).
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ
أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي سُهَيْلِ بْنِِ أَبِي حَزْمٍ. وَهَكَذا رَوَى
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلمِ عَنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسَلَّمَ وَغْيرِهِم أنَّهُم شَدَّدُوا في أَنْ يُفَسَّرَ القُرْآنُ
بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ
وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ العِلمِ أنَّهُم فَسَّرُوا القُرْآنَ فَلَيْسَ
الظَّنُّ بِهِم أنَّهُم قالُوا في القُرْآنِ، أَوْ فَسَّرُوهُ بِغَيْرِ
عِلْمٍ، أَوْ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِم. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُم مَا يَدُلُّ
عَلَى مَا قُلْنَا: إنَّهُم لَمْ يَقُولُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِم
بِغَيْرِِ عِلْمٍ، فَمَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَقَدْ تَكَلَّفَ
مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَسَلَكَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ، فَلَوْ
أَنَّهُ أَصَابَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الأَمْرِ لَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ؛
لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الأَمْرَ مِنْ بَابِهِ، كَمَنْ حَكَمَ بَيْنَ
النَّاسِ عَنْ جَهْلٍ , فَهُو فِي النَّارِ وَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ
الصَّوَابَ فِي نَفْسِ الأَمْرِ، لَكِنْ يَكُونُ أَخَفَّ جُرْمًا مِمَّنْ
أَخْطَأَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ , وَهَكَذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالى
القَذََفَةَ كَاذِبِينَ فَقَالَ: فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَـئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ، فَالقَاذِفُ
كَاذِبٌ , وَلَوْ كَانَ قَدْ قَذَفَ مَنْ زَنَى فِي نَفْسِ الأَمرِ؛
لأنَّهُ أَخْبرَ بِمَا لاَ يَحِلُّ لَهُ الإِخْبَارُ بِهِ، وَتَكَلَّفَ مَا
لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
هذه
الآثارُ التي ساقَها شيخُ الإسلامِ، الأثرُ الأولُ والثاني من روايةِ ابنِ
جريرٍ رحمهُ اللَّهُ تعالى، ثم ساق روايةَ الترمذيِّ، وذكَر كلامَه على
الحديثِ، فهذه الآثارُ من جهةِ الإسنادِ لا تقُومُ، لكن معناها صحيحٌ, وهي
دالَّةٌ على أنه لا يَجوزُ القولُ في كلامِ اللَّهِ بغيرِ عِلمٍ، ويدلُّ
لذلك قولُه تعالى: {وأَنْ تَقُولوا على اللَّهِ ما لا تَعلَمون} فيدخُلُ فيه كلُّ قولٍ على اللَّهِ بغيرِ علمٍ , سواءٌ كان من جهةِ الحلالِ والحرامِ , أم كان من جهةِ التفسيرِ.
ولهذا
ذِكرُ قولِ الترمذيِّ عن مجاهدٍ وقتادةَ وغيرِهما من أهلِ العلمِ ليس من
مجرَّدِ الرأيِ، بل كان قولُهم عن علمٍ، وسواءٌ كان علمًا يقينيًّا أو
غلبَةَ الظنِّ؛ لأنَّ غلبةَ الظنِّ تدخُلُ في العلمِ.
أما
تفسيرُ القرآنِ بمجرَّدِ الرأيِ الناشئِ عن غيرِ علمٍ، فهذا حرامٌ لا يجوزُ
إطلاقًا , وكذلك تفسيرُه بحسَبِ الهَوَى فهذا أيضًا لا يجوزُ؛ لأنه يصرِفُ
الآياتِ إلى غيرِ ما أُريدَ بها, أما إذا كان الرأيُ ناشئًا عن عِلمٍ فهذا
هو الرأيُ المحمودُ).