الدروس
course cover
4- تفسير القرآن بأقوال التابعين
9 Nov 2008
9 Nov 2008

9357

0

0

course cover
شرح مقدمة التفسير

القسم الثالث

4- تفسير القرآن بأقوال التابعين
9 Nov 2008
9 Nov 2008

9 Nov 2008

9357

0

0


0

0

0

0

0

4- تفسير القرآن بأقوال التابعين

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (فصلٌ فِي تَفْسِيرِ القُرْآنِ بِأَقْوَالِ التَّابِعِينَ

إِذَا لَمْ تَجِدِ التَّفسيرَ في القُرآنِ وَلاَ فِي السُّنَّةِ وَلاَ وَجَدْتَهُ عَنِ الصَّحابةِ فَقَدْ رَجَعَ كَثِيرٌ مِن الأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ إِلَى أَقْوَالِ التَّابعينَ كَمُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ ؛ فَإِنَّهُ آيَةٌ فِي التَّفْسِيرِ .
كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : " عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلاَثَ عَرْضَاتٍ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ ، أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا " .
وَبِهِ إِلَى التِّرمذيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَينُ بْنُ مَهْدِيٍّ البَصْرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ مُجَاهدٌ : " مَـا فـِي القُرْآنِ آيَةٌ إِلاَّ وَقَدْ سَمِعْتُ فِيهَا شَيْئًا ".
وَبِهِ إِلَيْهِ قَالَ : حَدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن الأَعْمَشِ قَالَ : قَالَ مُجَاهِدٌ : " لَوْ كُنْـتُ قَرَأْتُ قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ أَحْتَجْ أنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ كَثِيرٍ مِن القُرْآنِ مِمَّا سَأَلْتُ " .
وَقَالَ ابنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا أَبُوكُرَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ عَنْ عُثْمَانَ الْمَكِّيِّ عَن ابنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : رَأَيْتُ مُجَاهِدًا سَأَلََ ابْنَ عَبَّاسٍ عَن تَفْسِيرِ القُرْآنِ وَمَعَهُ أَلْوَاحُهُ ، فَيَقُولُ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ :" اكتُبْ " حَتَّى سَأَلَهُ عَن التَّفسيرِ كلِّهِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ : " إِذَا جَاءَكَ التَّفسيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُكَ بِهِ ."
وَكَسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَمَسْرُوقِ بْنِ الأَجْدَعِ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ ، وَغَيْرِهِمْ مِن التَّابِعِينَ ، وَتَابِعِِيهِمْ ، وَمَنْ بَعْدَهُم ، فَتُذْكَرُ أَقْوَالُهُم فِي الآيَةِ فَيَقَعُ فِي عِبَارَاتِهِم تَبَايُنٌ فِي الأَلْفَاظِ يَحْسَبُهَا مَنْ لاَ عِلْمَ عِنْدَهُ اخْتِلافًا فَيَحْكِِيهَا أَقْوَالاً ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنِ الشَّيءِ بِلاَزِمِهِ أَوْ نَظِيرِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنُصُّ عَلَى الشَّيءِ بِعَيْنِهِ ، وَالكُلُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي كَثيرٍ مِن الأَمَاكِنِ فَلْيَتَفَطَّن اللَّبِيبُ لِذَلِكَ ، وَاللهُ الْهَادِي .
وَقَالَ شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ وَغَيرُهُ : " أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فِي الفُرُوعِ لَيْسَتْ حُجَّةً ، فَكَيْفَ تَكُونُ حُجَّةً فِي التَّفْسِيرِ ؟" يَعْنِي أَنَّهَا لاَ تَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ خَالَفَهُم ، وهَذَا صَحِيحٌ ، أَمَّا إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الشَّيءِ فَلاَ يُرْتَابُ في كَوْنِهِ حُجَّةً ، فَإِن اخْتَلَفُوا فَلاَ يَكُونُ قَوْلُ بَعْضِِهِم حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ ، وَلاَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ ، وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى لُغَةِ القُرْآنِ ، أَو السُّنَّةِ ، أَوْ عُمُومِ لُغَةِ الْعَرَبِ ، أَوْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ).

هيئة الإشراف

#2

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)

القارئ: (" . . . فصل في تفسير القرآن بأقوال التابعين، إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر فإنه آية في التفسير كما قال محمد بن إسحاق: حدثنا أبَان بن صالح عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ( (غير مسموع)
(والساكن العين الثلاثي اسماً أن الاتباع عين فاءه بما شكل، إن ساكن العين مؤنثاً بدأ ) وهذا ينطبق عليه ولا لا هه؟ ينطبق إذن عرضَات كذا (وسكن التالي على الفتح أو خفف في الفتح)، طيب مثل شجرة نقول شجْرات ولا شجَرات؟ طيب عرضة تقول فيها عرضَات).

القارئ: (عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عَرضَات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها.
وبه إلى الترمذي قال: حدثنا الحسين بن مهدي البصري قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئاً.
وبه إليه قال: حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيانُ بن عيينة عن الأعمش قال: قال مجاهد: لو كنت قرأت قراءة ابنِ مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو قريب قال: حدثنا طلق بن غنام عن عثمان المكي عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهداً سأل عن تفسير القرآن ومعه ألواحه قال ابن عباس: اكتب حتى سأله عن التفسير كله.
ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.
وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومسروق بن الأشجع وسعيد بن المسيب وأبي العالية والربيعِ بن أنس وقتادة والضحاك بن مزاحم والربيع بن أنس وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم، فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في..سقط.. الواحد في كثير من الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك. والله الهادي.
وقال شعبة بن الحجاج وغيرُه: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة، فكيف تكون حجة في التفسير؟! يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا اجتمعوا على الشيء فلا يُرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدَهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (طيب الآن التابعين شيخ الإسلام رحمه الله أشار إلى أن العلماء اختلفوا في كونهم حجة في التفسير؛ لأنه قال: "فإن كثيراً من أهل العلم" وهذا يدل على أن هؤلاء ليس محل إجماع، وهو كذلك، ولا ريب أن التابعين يختلفون، فالذين تلقوا عن الصحابة التفسير هؤلاء لا يُساويهم من لم يكن كذلك، ومع هذا فإنهم إذا لم يسندوه عن الصحابي فإن قولهم ليس بحجة على من بعدهم إذا خالفهم؛ لأنهم ليسوا بمنزلة الصحابة، ولكن قولهم أقرب إلى الصواب، وكلما قرب الناس من عهد النبوة كانوا أقرب إلى الصواب ممن بعدهم، وهذا شيء واضح لغلبة الأهواء فيما بعد، ولكثرة الواسطات بينهم وبين عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فبعدهم هذا لا شك أنه يقلل من قيمة أقوالهم.
ومن هنا نعرف أن الرجوع إلى قول من سلف أمرٌ له أهميته، وأن غالب اجتهادات المتأخرين مما يحتاج إلى نظر؛ فإنها قد تكون بعيدة من الصواب إي نعم، فصارت الآن الطرق لتفسير القرآن أربعة: القرآن والسنة وأقوال الصحابة وأقوال التابعين، على خلافٍ في الأخير، إي نعم.
ردا على سؤال غير مسموع: هو رأى أنهم إذا اجتمعوا فقولهم حجة، وإذا اختلفوا فليس بحجة. نعم
).

هيئة الإشراف

#3

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)


قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (التفسيرَ أَفْضَلُه تفسيرُ القرآنِ بالقرآنِ؛ وذلك لأن ما أُجْمِلَ في مَوْضِعٍ يُبْسَطُ في مَواضِعَ أُخْرَى.
ثم يأتي ثانياً: تفسيرُ القرآنِ بالسنَّةِ؛ لأن النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ هو الْمُبَيِّنُ لِمَا أُنْزِلَ إليه.
وثالثاً: تفسيرُ القرآنِ بأقوالِ الصحابةِ؛ لأنهم الذين شاهَدُوا التنزيلَ، ونَزَلَ القرآنُ بلُغَتِهم، فعَرَفُوا أسبابَه وعَرَفوا معانيَهُ، وتَلَقَّوا بيانَه عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، وتَعَلَّمُوا ألفاظَه ومعانيَهُ والعملَ به جميعاً.
(فإذا لم تَجِدْ تفسيرَ القرآنِ في القرآنِ، ولا في السنَّةِ، ولا في أقوالِ الصحابةِ، فقد رَجَعَ كثيرٌ مِن الأئمَّةِ في ذلك إلى أقوالِ التابعينَ)؛ وذلك لأنهم تلامذةُ الصحابةِ، تَعَلَّمُوا عليهم، والصحابةُ بَلَّغوا ما تَعَلَّمُوه، وهم تَعَلَّمُوا مِن النبيِّ صَلَّىَ اللهُ عليه وسَلَّمَ، حيث أن تلامذتُهم مِن التابعينَ تَعَلَّمُوا منهم، فيكونُ تفسيرُ التابعينَ أَقْرَبَ ممن بَعْدَهم، مِمَّن تَخرَّصَ في القرآنِ وفَسَّرَه بغيرِ دليلٍ.
ذَكَرَ مِن جُملتِهم: (مجاهدَ بنَ جبرٍ)، مولًى مِن الموالي، ولكنَّ اللهَ تعالى فَتَحَ عليه وأَلْهَمَه، وكان ذا مَعرِفةٍ وَفَهْمٍ، فتَعَلَّمَ التفسيرَ مِن الصحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، ذُكِرَ (أنه آيةٌ في التفسيرِ)، يعني: في عِلْمِ القرآنِ وفي عِلْمِ التفسيرِ.
ذُكِرَ عن (محمدِ بنِ إسحاقَ المطَّلِبِيِّ - صاحبِ السيرةِ - أنه قالَ: حدثنا أبانُ بنُ صالحٍ، عن مجاهدٍ قالَ: عَرَضْتُ المصحَفَ على ابنِ عباسٍ ثلاثَ عَرَضاتٍ، مِن فاتحتِه إلى خاتِمَتِه - يعني: مِن أَوَّلِه إلى آخِرِه - أُوقِفُه عندَ كلِّ آيةٍ منه، وأسألُه عنها. ولا شَكَّ أنه إذا سألَه فإنه يُفَسِّرُ له كلَّ آيةٍ أَشْكَلَتْ عليه، وقد تَقَدَّمَ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما مِمَّنْ فَتَحَ اللهُ تعالى عليه، وأجابَ اللهُ دَعوةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ لَمَّا دَعَا له بقولِه: ((اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ)).
ثم رَوَى شيخُ الإسلامِ (عن التِّرمذيِّ، قالَ: حَدَّثَنا الحسينُ بنُ مَهْدِيِّ البصريِّ، حَدَّثنا عبدُ الرزاقِ، عن مَعمرٍ، عن قتادةَ)، هذا أيضاً انتهى إلى قتادةَ. وهو قتادةُ بنُ دعامةَ كان ضريرَ البصَرِ، ولكنه كان آيةً في الحفْظِ، كان ذَكِيًّا فَطِناً بحيثُ إنه يَحْفَظُ ما سَمِعَه، وكان حِفْظُه أشَدَّ وأقوى مِن حِفْظِ المُبْصِرِينَ الذي يَقْرَؤونَ مِراراً، فهو (يقولُ أي مجاهد-: ما في القرآنِ آيةٌ إلا وقد سَمِعْتُ فيها شيئاً)، يعني: كلَّ القرآنِ، إلا وقد سَمِعْتُ فيها شيئاً،أي: حَديثاً أو أَثَراً أو تفسيرًا ممن سَمِعَه مِن الصحابةِ؛ لأنه تلميذٌ للصحابةِ، وبالأخَصِّ لأَنَسٍ، (وبه إلى الترمذيِّ أيضاً قالَ: حدثنا ابنُ أبي عمرَ، حدثنا سفيانُ بنُ عُيينةَ، عن الأعمشِ قالَ: قالَ مجاهِدٌ: لو كنتُ قرأتُ قراءةَ ابنِ مسعودٍ لم أَحْتَجْ أن أسألَ ابنَ عباسٍ عن كثيرٍ مِن القرآنِ مما سَأَلْتُ)، كأنَّ مجاهداً كان صغيراً في عهدِ ابنِ مسعودٍ، فلم يَتَتَلْمَذْ عليه، فقد تَقَدَّمَ أنَّ ابنَ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه يقولُ: (ما في القرآنِ آيةٌ إلا وأنا أَعْلَمُ فيمَن نَزَلَتْ وأين نَزلتْ، ولو أَعْلَمُ أحداً أَعْلَمَ بالقرآنِ مني تَبْلُغُه ـ أو تَنالُه ـ الإبلُ ـ أو المطايا ـ لأَتَيْتُهُ. فدَلَّ على أنَّ ابنَ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه أيضاً مِن العلماءِ بالقرآنِ، وهكذا أيضاً تلامذتُه الذين أَخَذُوا عنه).
فمجاهِدٌ ما أَدْرَكَه، يقولُ: (لوكنتُ قرأتُ قراءةَ ابنِ مسعودٍ - يعني: قرأتُ عليه - لتَعَلَّمْتُ منه، ولم أَحْتَجْ أن أسألَ ابنَ عباسٍ وأَتَعَلَّمَ منه، ولا شَكَّ أنَّ ابنَ عباسٍ أَصغَرُ مِن ابنِ مسعودٍ، وأنَّ علومَه التي تَعَلَّمَها أكثرُها عن الصحابةِ، وأما ابنُ مسعودٍ فإنه تَلَقَّاهُ مُشافهةً عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ).

قولُه: (قالَ ابنُ جريرٍ: حَدَّثَنا أبو كُريبٍ، حَدَّثنا الطَّلْقُ بنُ غَنَّامٍ، عن عثمانَ المكيِّ، عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ -، وهذا إسنادٌ يَتكرَّرُ في ابنِ جريرٍ، وهو إسنادٌ صحيحٌ -، يقولُ: رأيتُ مجاهداً سألَ ابنَ عباسٍ عن تفسيرِ القرآنِ، ومعَه ألواحُه - يعني: أوراقٌ له يَكتبُ فيها - فيقولُ له ابنُ عباسٍ: اكْتُبْ، حتى سألَه عن التفسيرِ كلِّه). يَدُلُّ على أنَّ مجاهداً لم يَعتمِدْ أوَّلاً على الحفْظِ، بل أَثْبَتَ ما سَمِعَه وقَيَّدَه وكَتَبَه في ألواحٍ، وهذا دليلٌ على أنَّ التابعينَ كانوا يَكتبونَ، ولا يَقتصرونَ على الْحِفْظِ، فإن الحفْظَ قد يَخونُ كثيراً منهم، وقد يُنْسَى أو يُغَيَّرُ أو يُبَدَّلُ فكانوا يَكتبونَ ما يَستفيدونَه، يقول بعضُ العلماءِ: إن ما كُتِبَ قَرَّ وما حُفِظَ فَرَّ، ويقولُ بعضُهم:
العـلْمُ صَيْدٌ والكتابةُ قَيْدُهُ قَيِّدْ صُيودَكَ بالحبالِ الواثقهْ
فمِن الحماقةِ أن تَصيدَ غَزَالَةً وتَـتركَها بينَ الأقوامِ طالقَهْ
فهكذا كان معه ألواحُهُ، يساله فيقولُ: اكْتُبْ، حتى سألَه عن التفسيرِ كُلِّه، (ولهذا قالَ سفيانُ الثوريُّ رَحِمَه اللهُ: إذا جاءَكَ التفسيرُ عن مُجاهِدٍ فحَسْبُكَ به). وكان الشافعيُّ رَحِمَه اللهُ يَعتمِدُ على تفسيرِ مجاهِدٍ ويقولُ به، سواءٌ في الأحكامِ، أو في الآدابِ والأخلاقِ، أو في القَصَصِ والأمثالِ، أو غيرِ ذلك.
(ومِن التابعينَ الذين اشْتَغَلوا أيضاً بالتفسيرِ: سعيدُ بنُ جُبيرٍ، - وهو مِن خواصِّ تلامذةِ ابنِ عبَّاسٍ-، وعِكرمةُ مَوْلًى لابنِ عباسٍ - مُخْتَصٌّ به -، وعطاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ، والحسنُ البصريُّ، ومسروقُ بنُ الأجدعِ-، كلُّ هؤلاءِ مِن الموالي، مَنَّ اللهُ تعالى عليهم، ورَفَعَهم بالعلْمِ، مع أنهم كانوا مَوَالِيَ، وليسوا مِن صميمِ العرَبِ، - وسعيدُ بنُ المسيب، وهو مِن أشرافِ قُريشٍ-، وأبو العاليةِ، - ويُسَمَّى رفيعاً الرياحيَّ، - والربيعُ بنُ أَنَسٍ، - وهو شيخٌ أيضاً لأبي العاليةِ وتلميذٌ لأنَسٍ، - وقتادةُ ذَكَرْنا قولَه فيما سَبَقَ:( ما في القرآنِ آيةٌ إلا وقد سَمِعْتُ فيها شيئاً). - والضحَّاكُ بنُ مُزاحمٍ -، وكان أيضاً مِن الموالي، مِن التابعينَ المشهورينَ -، وغيرُهم كثيرٌ مِن التابعينَ وتابعِيهم، ومَن بعدَهم)، الذينَ اشْتَغَلوا بالقرآنِ. فيَذْكُرُ ابنُ أبي حاتمٍ دائماً أسماءَهم، إذا رَوَىَ أَثَراً عن مُجاهِدٍ يقولُ مَثَلاً: ورُوِيَ عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، وقتادةَ، وأبي العاليةِ، والربيعِ بنِ أَنَسٍ، ونَفَرٍ غيرِهم، نحوُ ذلك، ويَذْكُرُ منهم: مقاتلَ بنَ حَيَّانَ، وإذا ذَكروهُ نَسَبُوه، ولا يقولون: مقاتلٌ، للفَرْقِ بينَه وبينَ مقاتلِ بنِ سليمانَ؛ الذي رُمِيَ بالتشبيهِ، فهو كان فيه بِدْعَةٌ، بخِلافِ مقاتِلِ بنِ حَيَّانَ؛ فإنه مِن علماءِ السلَفِ رَحِمَهم اللهُ، فتَذَكَّرْ أقوالَهم في الآيةِ).
وتَجِدُ هنا مَن يَذْكُرُها كأقوالٍ مختلِفةٍ، كابنِ جريرٍ رَحِمَه اللهُ، وعبدِ الرزاقِ وغيرِهم، (فيَقَعُ في عباراتِهم تَبايُنٌ في الألفاظِ)، يعني: نوعَ اختلافٍ في الألفاظِ وفي التعبيرِ، (يَحْسَبُها مَن لا عِلْمَ عندَه اختلافاً؛ فيَحكيها أقوالاً)، فيقولُ مَثَلاً: في الآيةِ ثلاثةُ أقوالٍ: قالَ فُلانٌ: كذا، وقالَ فلانٌ: كذا، و قال فلانٌ :كذا، وهذا قُصورٌ. (ليس الأمرُ كذلك)، وقد تَقَدَّمَ أنَّ شيخَ الإسلامِ رَحِمَه اللهُ ذَكَرَ أنَّ تلك الاختلافاتِ فيما بينَهم ليست اختلافَ تَضَادٍّ، وإنما هي اختلافٌ يُسَمَّى: تَنَوُّعاً، أي: أنواعاً مِن الكلامِ داخلةً تحتَ معنًى واحدٍ، والدليلُ عليه أنَّ ابنَ جريرٍ عندَما يَحْكِي تلك الأقوالَ يَجْمَعُ بينَها فيقولُ: جائزٌ أن يكونَ كذا وجائزٌ أن يكونَ كذا، (فإنَّ منهم مَن يُعَبِّرُ عن الشيءِ بلازِمِه أو نظيرِه)، وقد تَقَدَّمَ أمثلةٌ لذلك، ويعني هذا: بما هو مُشابِهٌ له، أو بما هو نوعٌ منه، أو نحوُ ذلك. وقد ذَكَرْنا أنَّ ابنَ جريرٍ عندَ قولِه تعالى: {وَالْقَنَاطِيرُ الْمُقَنْطَرَةُ} ذَكَرَ اختلافَهم في القناطيرِ المذكورهِ في قولِ اللهِ تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ}، وفي قولِه تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً}، فعباراتُهم تَدُلُّ على أنَّ القنطارَ هو المالُ الكثيرُ، ولا حاجةَ إلى تقديرِه بعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، مما يَدُلُّ على أنَّ هذا جائزٌ أن يُعَبَّرَ عنه بنظيرِه أو بلازِمِه أو بجزءٍ منه.
(ومنهم مَن يَنُصُّ على الشيءِ بعينِه)، يعني: منهم مَن يُعَبِّرُ بلازِمِه، ومنهم مَن يُعَبِّرُ بنظيرِه، ومنهم مَن يَنُصُّ عليه بعينِه، (والكلُّ بمعنًى واحدٍ في كثيرٍ مِن الأماكنِ، فلْيَتَفَطَّنِ اللبيبُ لذلك، واللهُ الهادِي). واختلافُهم يكونُ اختلافَ تَنَوُّعٍ كما تقدم، وهو أيضاً دليلٌ على عنايتِهم بالقرآنِ، وكثرةِ اجتهادِهم في مَعرفةِ مَعانيهِ، وتفسيرِهم له؛ حتى يكونَ ظاهراً، فإذا قرأهُ القارئُ عَرَفَ ما قَرَأَ، وعَرَفَ المدلولَ الذي تَدُلُّ عليه تلك القراءةُ وما أَشْبَهَها، والذين يَذكرونَها أقوالاً؛ يُريدونَ بذلك أنها أَقوالٌ في الظاهرِ،مِن غيرِ أن تكونَ مُتبايِنَةً في الأصْلِ، ويُرْجَعُ في ذلك إلى التفاسيرِ التي تَحْكِي الكثيرَ مِن الأقوالِ مع كونِها مُتقارِبَةً.
ولا شَكَّ أنه قد يَحْصُلُ أيضاً بينَهم شيءٌ مِن الاختلافِ، فمَثلاً فَسَّرُوا النُّسُكَ في قولِه تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، بأنه يَكْفِي في النُّسُكِ شاةٌ وعلى هذا أكثرُهم ، وبعضُهم قالَ: لا، بل لا بُدَّ مِن بَدَنَةٍ، وبعضُهم فَسَّرَ النُّسُكَ بأنه العمرةُ أو العبادةُ؛ لقولِه: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}، والذين فَسَّرُوه بالدمِ اسْتَدَلُّوا بقولِه تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي} أي: أنَّ النُّسُكَ هو العبادةُ، وقيلَ: هو الذبْحُ.
وكذلك الدمُ في قولِه تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، قالَ بعضُهم: شاةٌ، وقالَ بعضُهم: بَدَنَةٌ، ولكنْ كأنَّ هذا أيضاً تَمثيلٌ، أي: مثالٌ لِمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهدْيِ.
ثم نَقَلَ (عن شُعبةَ بنِ الحجاجِ - رَحِمَه اللهُ - وغيرِه: - أنهم قالوا -: أقوالُ التابعينَ في الفروعِ ليست حُجَّةً، فكيف تكونُ حُجَّةً في التفسيرِ؟!) الفروعُ يعني: فروعَ المسائلِ،في: الأحكامَ كالصلاةِ والحجِّ والبيعِ والربا والنكاحِ، ونحوِ ذلك، ولعلَّ ذلك خاصٌّ بما إذا حَصَلَ بينَهم اختلافٌ في تلك الأقوالِ، فلا تكونُ حُجَّةً؛ وذلك لأنَّ اختلافَهم دليلٌ على أنَّ هذه المسألةَ اجتهاديَّةٌ، فإنه يَحْصُلُ بينَهم اختلافٌ كثيرٌ في وُجوهِ الإعرابِ، واختلافٌ في كثيرٍ مِن الأحكامِ التي تَحتاجُ إلى فَتْوَى، فيقولُ شُعبةُ: ليستْ دليلاً قَطْعِيًّا إذا كانت اجتهاديَّةً، فإذا كانت في الفروعِ اجتهاديَّةً؛ فكذلك في التفسيرِ، ( يعني: أنها لا تكونُ حُجَّةً على غيرِهم ممن خَالَفَهم، وهذا صحيحٌ)، يعني: لا تُقَدَّمُ على غيرِهم إذا خالَفَهم، ولو أنَّ الذي خالَفَهم ممَّن بَعْدَهم، إذا عُرِفَ بأنها اجتهاديَّةٌ ليستْ مُتلَقَّاةً عن الصحابةِ، فإذا قامَ الدليلُ على أنها مُتَلَقَّاةٌ عن الصحابةِ، والصحابةُ هم الذين تَلَقَّوا التفسيرَ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، كانت حُجَّةً على مَن بعدَهم.

قولُه: (وهذا صحيحٌ، أما إذا أَجْمَعُوا على الشيءِ فلا يُرتابُ في كونِه حُجَّةً)، إذا اتَّفَقَت أقوالُ التابعينَ على قولٍ في معنى آيةٍ مِن القرآنِ فإنها تكونُ حُجَّةً؛ وذلك أنَّ اتِّفَاقَهم دليلٌ على أنهم تَلَقَّوْا ذلك عن الصحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، ثم قد تكونُ أقوالُهم ظَنِّيَّةً لا يُحْتَجُّ بها ولو كَثُرَتْ، ويُمَثِّلُونَ بقِصَّةِ الغَرانيقِ التي ذَكَرَها المفسِّرونَ عندَ تفسيرِ قولِه تعالى في سورةِ الْحَجِّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} وقِصَّةُ الغرانيقِ مشهورةٌ، ولكنَّ رواياتِها كلَّها مُرْسَلَةٌ، ليس فيها حديثٌ مرفوعٌ مُتَحَقِّقٌ أنه مرفوعٌ، فلا يُحْتَجُّ بها، ولذلك رَدَّها كثيرٌ مِن المحقِّقِينَ، ولو أنَّ بعضَ الْمُفَسِّرِينَ كابنِ جريرٍ أَقَرُّوها لكثرةِ مَن رواها مِن التابعينَ، فالصحيحُ أنها ليستْ حُجَّةً؛ وما ذاك إلا أنه لا يُحْتَجُّ إلا بما ثَبَتَ الدليلُ به قَطْعِيًّا. والأمثلةُ كثيرةٌ.

قولُه: (ويُرْجَعُ في ذلك إلى لغةِ القرآنِ أو السنَّةِ أو عمومِ لغةِ العربِ أو أقوالِ الصحابةِ في ذلك). يعني: إذا اخْتَلَفَ التابعونَ فما الْمُرَجِّحُ في ذلك؟ إما لغةُ القرآنِ يعني: بيانَ القرآنِ، أو بيانَ السنَّةِ أو عمومُ لغةِ العربِ، أو أقوالُ الصحابةِ).

هيئة الإشراف

#4

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار


قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه: (فصلٌ فِي تَفْسِيرِ القُرْآنِ بِأَقْوَالِ التَّابِعِينَ
إِذَا لَمْ تَجِدِ التَّفسيرَ في القُرآنِ وَلاَ فِي السُّنَّةِ وَلاَ وَجَدْتَهُ عَنِ الصَّحابةِ فَقَدْ رَجَعَ كَثِيرٌ مِن الأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ إِلَى أَقْوَالِ التَّابعينَ كَمُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ؛ فَإِنَّهُ آيَةٌ فِي التَّفْسِيرِ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلاَثَ عَرَضَاتٍ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ وَأَسْأَلُهُ عَنْها. وَبِهِ إِلَى التِّرمذيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَينُ بْنُ مَهْدِيٍّ البَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ مُجَاهدٌ: مَـا فـِي القُرْآنِ آيَةٌ إِلاَّ وَقَدْ سَمِعْتُ فِيهَا شَيْئًا. وَبِهِ إِلَيْهِ قَالَ: حَدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن الأَعْمَشِ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ كُنْـتُ قَرَأْتُ قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ أَحْتَجْ أنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ كَثِيرٍ مِن القُرْآنِ مِمَّا سَأَلْتُ. وَقَالَ ابنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُوكُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ عَنْ عُثْمَانَ الْمَكِّيِّ عَن ابنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: رَأَيْتُ مُجَاهِدًا سَأَلََ ابْنَ عَبَّاسٍ عَن تَفْسِيرِ القُرْآنِ وَمَعَهُ أَلْوَاحُهُ، فَيَقُولُ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: اكتُبْ حَتَّى سَأَلَهُ عَن التَّفسيرِ كلِّهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: إِذَا جَاءَكَ التَّفسيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُكَ بِهِ) .

قولُه: (وبِه إلى الترمِذيِّ) كلمةُ " وبه " عندي فيها إشكالٌ، حيث لم يُذْكَرْ قبلَها إسنادٌ حتى يُعرفَ الضَّميرُ فيها يَرجِعُ إلى مَن؟
والمصنِّفُ حينَما تحدَّثَ عن تفسيرِ التابعين إنما ذَكرَ بعضَ هؤلاء التابِعين، ومنهم إمامُ التابِعين في التفسيرِ مجاهِدُ بنُ جبرٍ الذي أخَذَ التفسيرَ عن ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وقد ذَكرَ جملةً من الآثارِ تدلُّ على عِلمِه وحِفظِه.
فمنها ما رواه عنه قتادةُ أنه قال: ما في القرآنِ آيةٌ إلا وقد سَمِعْتُ فيها شيئًا. وهذا يدلُّ على أنه كان قويَّ الحافظةِ لا يَسمعُ شيئًا إلا حَفِظَه.
ونبَّهَ المصنِّفُ هنا إلى فائدةٍ علميةٍ , وهي أنَّ القراءاتِ يبَيِّنُ بعضُها بعضًا، فأحيانًا قد يَرِدُ إشكالٌ في قراءةٍ فيتَبَيَّنُ حلُّ هذا الإشكالِ بالقراءةِ الأخرى؛ ولهذا قال مجاهدٌ: لو كنتُ قرأتُ قراءةَ ابنِ مسعودٍ لم أحْتَجْ أنْ أسألَ ابنَ عباسٍ عن كثيرٍ من القرآنِ مما سَأَلْتُه.

قولُه: (وَكَسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمَسْرُوقِ بْنِ الأَجْدَعِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَتَادَةَ , وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، وَغَيْرِهِمْ مِن التَّابِعِينَ، وَتَابِعِِيهِمْ، وَمَنْ بَعْدَهُم).
قولُه: " ومَن بعدَهم ". يَدْخُلُ فيها كلُّ ما جاء بعدَهم مِن العلماءِ مثلُ ابنِ جريرٍ وغيرِه، إلا إذا كان المرادُ الطبقةَ التي بعد أتباعِ التابعين فهؤلاء قلَّ في عصرِهم القولُ في التفسيرِ عن أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وصارَ المعتَمَدُ في ذلك نَقلَ ما رُوِيَ من تفسيرِ الصحابةِ والتابعين.

قولُه: (فَتُذْكَرُ أَقْوَالُهُم فِي الآيَةِ فَيَقَعُ فِي عِبَارَاتِهِم تَبَايُنٌ فِي الأَلْفَاظِ يَحْسَبُهَا مَنْ لاَ عِلْمَ عِنْدَهُ اخْتِلافًا فَيَحْكِِيهَا أَقْوَالاً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَن الشَّيءِ بِلاَزِمِهِ أَوْ نَظِيرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنُصُّ عَلَى الشَّيءِ بِعَيْنِهِ، وَالكُلُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي كَثيرٍ مِن الأَمَاكِنِ فَلْيَتَفَطَّن اللَّبِيبُ لِذَلِكَ، وَاللَّهُ الْهَادِي)
هذه الفِقْرةُ مُهمَّةٌ جدًّا، ولو كان شيخُ الإسلامِ رَحمهُ اللَّهُ بَسَطَ القولَ فيها , ومثَّلَ لما ذَكرَه لَجَاءَ بشيءٍ نافِعٍ، ولكن في كُتبِه الأخرى إشاراتٌ إلى بعضِ هذه القضايا التي يمكنُ أن يُطلقَ عليها (عباراتُ السَّلفِ في التفسيرِ )، وهي مهمَّةٌ جدًّا.
فكما قلتُ سابقًا: إنَّ المفسِّرَ قد لا يُفسِّرُ اللفظَ بمطابِقِهِ حينما تَحدَّثْتُ عن تفسيرِ (المَوْرِ) وظَهرَ لك أنَّ بعضَهم فسَّرَه بما يدلُّ على جزءٍ من معنى المَوْرِ.
فالمصنِّفُ هنا يَذكرُ أنَّ بعضَهم قد يُعبِّرُ عن الشيءِ بلازِمِه أو نظيرِه ومنهم مَن يَنُصُّ على الشيءِ بعينِه، فمعنى ذلك: لهم في عباراتِ التفسيرِ تنوُّعٌ، فتحتاجُ منكَ إلى نظرٍ لبيانِ هذا التفسيرِ هل هو من بابِ اللازمِ أو من بابِ جزءِ المعنى؟ أو هو نظيرٌ في المعنى؟ أو نظيرٌ للفظِ؟ أو هو مطابِقٌ للفظِ؟ فكلُّ هذا لا بدَّ من تحريرِه ومعرِفَتِه، وهو بابٌ مهِمٌّ جدًّا لمن أراد أن يعرفَ تفسيرَ السَّلَفِ.

قولُه: (وَقَالَ شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ وَغَيرُهُ: أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فِي الفُرُوعِ لَيْسَتْ حُجَّةً، فَكَيْفَ تَكُونُ حُجَّةً فِي التَّفْسِيرِ؟ يَعْنِي: أَنَّهَا لاَ تَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ خَالَفَهُم، هَذَا صَحِيحٌ، أَمَّا إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الشَّيءِ فَلاَ يُرْتَابُ في كَوْنِهِ حُجَّةً، فَإِن اخْتَلَفُوا فَلاَ يَكُونُ قَوْلُ بَعْضِِهِم حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى لُغَةِ القُرْآنِ، أَو السُّنَّةِ، أَوْ عُمُومِ لُغَةِ الْعَرَبِ، أَوْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ).
هذا الكلامُ سبقتِ الإشارةُ إليه في قضيةِ اختلافِ التابعين، وقد ذَكرَ المصنِّفُ هنا قولَ شعبةَ: إنَّ اختلافَهم ليس حُجَّةً في الفروعِ , فكذلك لا يكونُ حُجَّةً في التفسيرِ، هذا إذا اختلفوا، أما إذا اتَّفقوا فإنَّ قولَهم حُجَّةٌ.
ثم نبَّهَ المصنِّفُ إلى ما يمكنُ أن يُسمَّى بعضَ قواعدِ الترجيحِ التي يُرجَّحُ بها بينَ أقوالِ المفسِّرِين , ومنها لغةُ القرآنِ والسُّنَّةِ؛ أي: اصطلاحُهما وكيف وردَ استخدامُهما لهذا اللفظِ، ومنها أيضًا لغةُ العربِ، وأقوالُ الصحابةِ.
وستأتي أمثلةٌ لذلك في التطبيقاتِ إن شاءَ اللَّهُ تعالى.
فهذه الفقرةُ أشار فيها المصنِّفُ إلى قواعدِ الترجيحِ، والتي قبلَها أشار فيها إلى عباراتِ السَّلفِ في التفسيرِ).