الدروس
course cover
أقسام الإسرائيليات
9 Nov 2008
9 Nov 2008

6158

0

0

course cover
شرح مقدمة التفسير

القسم الثالث

أقسام الإسرائيليات
9 Nov 2008
9 Nov 2008

9 Nov 2008

6158

0

0


0

0

0

0

0

أقسام الإسرائيليات

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَلَكِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الإِسْرَائِيلِيَّةَ تُذْكَرُ لِلاسْتِشْهَادِ لاَ لِلاعْتِقَادِ ، فَإِنَّهَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ :
أََحَدِهَا : مَا عَلِمْنَا صِحَّتَه مِمَّا بِأَيْدِينَا مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدقِ ، فَذَاكَ صَحِيحٌ .
والثَّاني : مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ بِمَا عِنْدَنَا مِمَّا يخالِفُهُ .
وَالثَّالثُ : مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ . لاَ مِنْ هَذَا القَبِيلِ ، وَلاَ مِنْ هَذَا القبيلِ ؛ فَلا نُؤْمِنُ بِِهِ وَلا نُكَذِّبُهُ ، وَتَجُوزُ حِكَايَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ ، وَغَالِبُ ذَلِكَ ممَّا لاَ فَائِدَةَ فِيهِ تَعُودُ إِلَى أَمْرٍ دِينيٍّ . وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ عُلَماءُ أَهْلِ الكِتَابِ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرًا ، وَيَأْتِي عَنِ الْمُفَسِّرِينَ خِلاَفٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ .
كَمَا يَذْكُرُونَ فِي مِثْلِ هَذَا أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الكَهْفِ ، وَلَوْنَ كَلْبِهِمْ ، وَعِدَّتَهُم ، وَعَصَا مُوسَى مِنْ أَيِّ الشَّجرِ كانَتْ ، وَأَسْمَاءَ الطُّيورِ الَّتِي أَحْيَاهَا اللهُ تَعَالَى لإِبْرَاهِيمَ ، وَتَعْيِينَ البَعْضِ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ الْمَقْتولُ مِن البَقَرَةِ ، وَنَوْعَ الشَّجَرةِ الَّتِي كَلَّمَ اللهُ مِنْهَا مُوسَى إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ممَّا أَبْهَمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي القُرْآنِ مِمَّا لاَ فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِهِ تَعُودُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَلاَ فِي دِينِهِمْ . وَلَكِنَّ نَقْلَ الْخِلاَفِ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ .
كَمَا قَالَ تَعَالَى : {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِرًا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا } [سُورَةُ الْكَهْفِ :22] فَقَد اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ الكريمةُ عَلَى الأَدَبِ فِي هَذَا المُقَامِ ، وَتَعْلِيمِ مَا يَنْبَغِي فِي مِثْلِ هَذَا ، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ في ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ ، { وَ } ضَعَّفَ القَوْلَيْنِ الأَوَّلَيْنِ ، وَسَكَتَ عَن الثَّالثِ ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ ، إذْ لَوْ كَانَ بَاطِلاً لَرَدَّهُ كَمَا رَدَّهُمَا ، ثمَّ أَرْشَدَ إِلَى أَنَّ الاطِّلاَعَ عَلَى عِدَّتِهِم لاَ طَائِلَ تَحْتَهُ ، فيُقالُ في مِثْلِ هَذَا : { قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم } ؛ فَإنَّهُ لا يَعْلَمُ بِذَلِكَ إِلاَّ قَلِيلٌ مِن النَّاسِ مِمَّنْ أَطْلَعَهُ اللهُ عَلَيْهِ ، فَلِهَذَا قَالَ : { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِرًا } أَيْ : لاَ تُجْهِدْ نَفْسَكَ فِيمَا لاَ طَائِلَ تَحْتَهُ ، وَلاَ تَسْأَلْهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ رَجْمَ الْغَيْبِ .
فَهَذَا أَحْسَنُ مَا يَكُونُ فِي حِكَايَاتِ الْخِِلافِ أنْ تُستَبْعَدَ الأقوالُ في ذَلِكَ المُقَامِ ، وَأَنْ يُنَبَّهَ عَلَى الصَّحيحِ مِنْهَا ، وَيُبْطَلَ البَاطِلُ ، وَتُذْكَرَ فَائِدَةُ الْخِلاَفِ وَثَمَرَتُهُ ؛ لِئَلاَ يَطُولَ النِّزاعُ وَالخِلاَفُ فِيمَا لاَ فَائِدَةَ تَحْتَهُ فيُشتَغَلَ بِهِ عَن الأَهَمِّ .
فَأَمَّا مَنْ حَكَى خِلافًا فِي مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ أَقْوَالَ النَّاسِ فِيهَا فَهُوَ نَاقِصٌ ؛ إِذْ قَدْ يَكُونُ الصَّوابُ فِي الَّذِي تَرَكَهُ ، أَوْ يَحْكِي الْخِلاَفَ وَيُطْلِقُهُ وَلاَ يُنَبِّهُ عَلَى الصَّحيحِ مِن الأقْوالِ ، فَهُوَ ناقصٌ أَيْضًا ، فَإِنْ صَحَّحَ غيرَ الصَّحيحِ عَامِدًا فَقَدْ تَعَمَّدَ الكَذِبَ ، أَوْ جَاهِلاً فَقَدْ أَخْطَأَ .
كَذَلِكَ مَنْ نَصَبَ الخِلاَفَ فِيمَا لاَ فَائِدَةَ تَحْتَهُ أَوْ حَكَى أَقْوَالاً مُتَعَدِّدَةً لَفْظًا ، وَيَرْجِعُ حَاصِلُهَا إِلَى قَوْلٍ أَوْ قَوْلَيْنِ مَعْنىً، فَقَدْ ضَيَّعَ الزَّمَانَ ، وَتَكَثَّرَ بِمَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، فَهُوَ كَلاَبِسِ ثَوْبَي زُورٍ . وَاللهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوابِ).

هيئة الإشراف

#2

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)


قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (ثم ذَكَرَ أنَّ (الإسرائيليَّاتِ على ثلاثةِ أقسامٍ)، ذَكَرَ هذه الأقسامَ، وقد ذَكَرَها أيضاً ابنُ كثيرٍ عندَ تفسيرِ قولِه تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ}، فإنَّ هذه الآيةَ ذُكِرَ فيها قِصَصٌ غريبةٌ مَنقولةٌ عن كُتُبِ بني إسرائيلَ، فيقولُ ابنُ كثيرٍ - ولعله نَقَلَه مِن رسالةِ شيخِه ابنِ تيميةَ؛ فإنه شيخٌ له ـ: (إنها على ثلاثةِ أقسامٍ:
(أحدُها: ما عَلِمْنَا صِحَّتَه مما بأيدِينا مما يَشْهَدُ له بالصدْقِ)، يعني: جاءَ تصديقُه في القرآنِ أو تصديقُه في السنَّةِ،فهذا صحيح نُصَدِّقُه، ومع ذلك يكونُ الاعتمادُ على الكتابِ والسنَّةِ، ويكونُ قَبولُه كترجيحٍ وتأنيسٍ، وقد يكونُ فيه شيءٌ مِن التفاصيلِ، فأمَّا التفاصيلُ التي يَذكرونَها تفصيلاً لبعضِ الْمُجْمَلِ، فالغالبُ أنها مِن الحكاياتِ التي لا أَصْلَ لها، أو أنها مِن التاريخِ الذي دَخَلَه التغيُّرُ، وقد نَقَلَ كثيراً منه ابنُ جريرٍ عندَ تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى في سورةِ الإسراءِ: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ ِفي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا} إلى آخِرِ الآياتِ، فإنهم نَقَلُوا عنها حكاياتٍ كثيرةً في قِصَصِ بني إسرائيلَ في الإفسادِ الأولِ والثاني: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}.

قولُه: (القِسمُ الثاني: ما عَلِمْنَا كَذِبَه بما عِنْدَنا مما يُخالِفُه). يعني: تَحَقَّقْنا أنه كَذِبٌ، وأنه لا أَصْلَ له، ودَلَّتْ أُصولُنا وأحاديثُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ على أنه كَذِبٌ، مثلَما يَذكرونَ في قصةِ عُوجَ بنِ عُنُقَ، وأنَّ طولَه ثلاثةُ آلافِ ذراعٍ، وثلاثُمائةٍ وثلاثٌ وثلاثونَ ذراعاً، وثلُثُ ذراعٍ، وأنَّ موسى طولُه عشرةُ أَذْرُعٍ، وطولُ عصاه عَشْرَةُ أذرُعٍ، وأنه قَفَزَ عشرةَ أذرُعٍ ليَضْرِبَ عوج، ولم تَصِل الضربةُ إلا إلى كَعْبِه، كلُّ هذا لا أَصْلَ له، ولكن كيف عَرَفْنا كَذِبَه؟ مِن الحديثِ النبويِّ حيث قالَ: ((إِنَّ آدَمَ لَمَّا خَلَقَهُ اللهُ كَانَ طُولُهُ سِتِّينَ ذِرَاعاً)) ثم قالَ: ((فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ))، أَخْبَرَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ أنَّ أطولَ الناسِ هو آدَمُ، وأنَّ ذُرِّيَّتَهُ صاروا يَنْقُصُون يَنْقُصونَ إلى هذا الوقتِ، فكيف يقالُ: إنَّ هذا طولُه هذا المقدار؟! فهذا يُكَذِّبُه ما جاءَ في هذه السُّنَّةِ، وهكذا نَبَّهَ ابنُ كثيرٍ في التفسيرِ.
(القِسمُ الثالثُ: ما هو مَسكوتٌ عنه، لا مِن هذا القبيلِ ولا مِن هذا القبيلِ)، لا نَجِدُ ما يُصَدِّقُه ولا نَجِدُ ما يُكَذِّبُه، (فهذا لا نُؤْمِنُ به - تصديقاً - ولا نُكَذِّبُه، وإنما تَجوزُ حكايتُه)؛ للاعتبارِ لا للاعتقادِ، ولأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ أَذِنَ في أن نُحَدِّثَ به، وقالَ: ((حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِمُ الأَعَاجِيبُ))، يعني: عندهم حكاياتٌ فيها أعاجيبُ.
(لكنَّ غالبَ ذلك ـ كما ذَكَرَ المؤلف رَحِمَه الله ـ مما لا فائدةَ فيه تَعودُ إلى أمْرٍ دينيٍّ)، قد يكونُ فيها عِبرةٌ، مِثلَ ما ذَكَروا في قِصَّةِ الرجُلِ، التي أُجْمِلَتْ في القرآنِ، في قولِه تعالى في سورةِ الأعرافِ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}، وَرَدَ تَسميتُه أنه: بَلْعَامُ بنُ باعوراءَ، وفي قصتةِ عِبرةٌ؛ لأن اللهَ تعالى قالَ: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} إلى آخِرِ القصةِ، وكذلك أيضاً جاءَ له في الإسرائيليَّاتِ قصصٌ،فذكروا ما معنى انسلاخِه؟ وكيف انْسَلَخَ؟ وكيف آتاهُ اللهُ آياتِه: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا}؟ وما هي الآياتُ التي آتاهُ اللهُ؟ في ذلك قِصصٌ مُختلِفَةٌ مما يَدُلُّ على أنها ليس عليها دليلٌ، فنَأْخُذُ ما جاءَ في القرآنِ مُجْمَلاً، أما اتِّفاقُهم على أنَّ اسْمَه: بلعامُ فيُقْبَلُ، مع أنَّ ذلك ليس فيه فائدةٌ دينيَّةٌ.

قولُه: (ولهذا اختَلَفَ علماءُ أهلِ الكتابِ في مثلِ هذا كثيراً)،فإن لهم حكاياتٌ يَحْكِيها وَهْبُ بنُ الْمُنَبِّهِ، ثم يَحْكِي أُخرى كعبُ الأحبارِ، ويَقَعُ هناك اختلافٌ، وكذلك الذين يَرْوُونَ عنهم، أو يَأخذونَ عن تلك الكُتُبِ، كمحمدِ بنِ إسحاقَ المُطَّلِبِيِّ صاحبِ السيرةِ، فإنه أيضاً يَأخُذُ عن كُتُبِ بني إسرائيلَ، وهناك غيرُهم.

قولُه: (ويأتي عن المفسِّرينَ خِلافٌ بسَببِ ذلك)؛ يعني: الْمُفَسِّرونَ الذين يُفَسِّرونَ القرآنَ يَختلفونَ بسببِ تلك الحكاياتِ، حيث يُرَجِّحُ بعضُهم روايةَ كعبٍ، وبعضُهم روايةَ نوحٍ، وبعضُهم حكايةَ وهبٍ، وما أَشْبَهَ ذلك.
ثم ذَكَرَ أمثلةً مِن اختلافِهم،في قوله: (كما يَذكرونَ في مِثلِ هذا أسماءَ أصحابِ الكهفِ) اللهُ تعالى ذَكَرَ قِصَّتَهم مُجْمَلَةً، ولم يَذكُرْ أسماءَهم في قولِه تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} إلى آخِرِ القِصَّةِ، لأنه لا فائدةَ من ذكر الأسماء فيها، وإنما يَذْكُرُ ما فيه عِبرةٌ.
(ولونَ كلبِهم) ذَكَرَ اللهُ شأنَ كلبِهم بقولِه: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بَالْوَصِيدِ} وذَكَرَه بقولِه: {سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} إلى آخِرِها، فدَلَّ على أنَّ معَهم كَلْباً، ولكن لا فائدةَ في مَعرفةِ لونِ الكلبِ.
وكذلك ذَكَرَ اللهُ الْخِلافَ (في عِدَّتِهم) في قولِه: {سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ}، يعني: تَخَرُّصاً، ثم قالَ: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ}، قالَ بعضُ العلماءِ: إنَّ هذا يَدُلُّ على أنهم سبعةٌ والثامنُ الكلبُ؛ لأن اللهَ انْتَقَدَ القولينِ الأولينِ: {رَجْماً بِالْغَيْبِ}، ولم يَنتقِد الثانِيَ، ومع ذلك فإنَّ اللهَ لم يقرَّ َ واحداً مِن هذه الأقوالِ، بل نَفَى علم ذلك عن البشَرِ: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم ْفَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ}، يعني: اللهُ أَعلَمُ بعِدَّتِهِمْ، ولا فائدةَ لنا في معرفة عددهم ، وإنما الفائدةُ فيما جَرَى لهم من أن اللهَ تعالى ضَرَبَ على آذانِهم، - يعني: أماتهم في الكهْفِ سِنينَ عَدداً، ثم بعثهم .

قو له: ( وَعصا مُوسَى منْ أيِّ الشجَرِ كَانَت؟) ذكرها اللهُ تَعالى أنها عَصا، فَقَال بَعضُهم: إِنَّها مِنَ الجنَّة.
وقالَ بَعضهمْ: إنَّ صاحبَ مَدينْ هوَ شُعيبٌ نَبيُّ مَدينْ، وأنَّ هذهِ العصا هيَ الَّتي أَعطاهَا لِموسَى، ولمَّا أَعطاها لهُ كَانتْ آيةً ومعجزةً. ولا فَائدةَ في لونِهَا، ولا منْ أيِّ الشَّجرِ كَانَتْ.
كَذلكَ (أَسماءُ الطُّيورِ الَّتي أَحيَاهَا اللهُ تَعالى لإبراهيمَ)، اللهُ تعالى ذَكرَ أنَّها أربعةٌ: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ}، فَقالَ بَعضُهمْ: إنَّه أَخذَ نسراً وَغراباً وَحماماً وَحبارى، أوْ قَالَ بَعْضهمْ: عُصفوراً أو كذا وَكذا. وَذلكَ لَيْسَ عَليهِ دَليلٌ، إنَّما ذَكرَ اللهُ تَعالى في القصَّةِ أربعةً منَ الطَّيرِ؛ لأنَّ العبْرةَ في أنَّ اللهَ تَعالى أَحْياها له ُبعد أنَّ فرَّق لُحومها، دَعاهَا فَحييَتْ: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً}.
(وَتعيينُ البعْضِ الَّذي ضُربَ بهِ القَتيلُ منَ البقرةِ)، في قولهِ تَعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا}. لمَّا ذَبحوا البقرةَ أَمرَ اللهُ مُوسى أنْ يَضربهُ بِبعضهَا، وَقدْ أَجملَ ذلكَ البعض ولمْ يُعَيِّن، وَخاضَ بَعضُ الناسِ وقالَ: إنَّهُ ضُربَ بِذنبهَا، وَقالَ بَعضهمْ: بِرجلهَا، وَقالَ بَعضهمْ: بِكبدهَا. وَكلُّ ذلكَ لا دليلَ عليهِ.
(ونوعُ الشَّجرةِ الَّتي كلَّم اللهُ مِنهَا مُوسى) في قولهِ تَعالى: {فَلَمَّا أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ}، لمَّا جاءَ إلى تِلكَ الشَّجرةِ وَجد نَاراً تَشتعلُ في الشَجرة، وَتلكَ الشجرة لا تَزدادُ إلا خُضرةً. كما وَردَ في بَعضِ التَّفاسيرِ. وَلكنْ؛ مَا ماهيةُ تِلكَ الشَّجرةِ؟ اللهُ أعلمُ. لا نقولُ: إنَّها شجرةُ عنبٍ، ولا شجرةُ تينٍ، ولا شجرةُ زيتونٍ. بل شجرةٌ مثل ما ذَكرَ اللهُ وكفى.
(إِلى غيرِ ذلكَ ممَّا أبهمهُ اللهُ في القُرآنِ - وَلمْ يُفصّلهُ-؛ ممَّا لا فَائدةَ في تَعيينهِ تَعودُ على المُكلَّفينَ، لا في دُنياهُم ولا في دِينهم)، وَلوْ كَانَ فِيها فَائدةٌ ـ يَعني في تَعيينِ هَذهِ المُبهماتِ ـ لَبينَّها اللهُ تَعالى، أوْ بَيَّنها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، (وَلكنْ نَقل الخلافِ عنهمْ في ذَلكَ جَائزٌ)، يَعني: يَجوزُ نَقلُ الخِلافِ بقول: قَالَ فلانٌ كَذا، وَقالَ فُلانٌ كَذا. وَسواءٌ كَانَ الخِلافُ عَن السَّلفِ أو عنْ الإسرائيلياتِ، فيَجوزُ نقلُه عَنهمْ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى نَقلَ بَعضَ الخِلافِ، (قَالَ تَعالى: {سَيقُولونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالغَيْبِ وَيَقُولونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبهمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَليل فَلا تُمَارِ فِيهمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً})، فَنقلَ اللهُ تَعالى هَذا الخِلاف.
(اشْتَملتْ هَذهِ الآيةُ الكريمةُ عَلى الأدبِ في هَذا المَقامِ)، وَهيَ قَولهُ تَعالى: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم}، وقوله: {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهمْ مِنْهُمْ أَحَداً} أيْ: لا َتطلبْ فَتوى في ذلك، وَكِل الأمرَ إِلى اللهِ، {قُلِ اللهُ أَعلمُ بعِدتهمْ} يَعلمهَا اللهُ، وَلا يَعلمُها إلاَّ قليلٌ.
(وَهيَ تَعليم مَا ينبغي في مِثلِ هَذا؛ فَإنَّه تَعالى أخبرَ عَنهمْ بِثلاثةِ أقوالٍ، وَضعَّفَ القولينِ الأولينِ): فالَّذينَ قَالوا: ثَلاثةٌ رَابعهمْ كَلبهمْ، وَالذين قالوا: خَمسةٌ سَادسهمْ كَلبهمْ، ضعّف ذلكَ بِقَولهِ: {رَجْماً بِالغَيْبِ}، (وسكتَ عنِ الثَّالثِ، فَدلَّ على صِحَّتهِ). هَكذا قالَ بَعضهمْ: إِنَّهُ لمَّا لمْ يُضعّف الثَّالث ـ أنَّهمْ سَبعةٌ وَثامنهمْ كَلبهمْ ـ دَلَّ عَلى أنَّه القولُ الصحيحُ؛ (إذْ لو كانَ بَاطلاً لردَّهُ كَما ردَّ القولينِ قَبلهُ)، وَآخرونَ قَالوا: إنَّ قولهُ: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} دَليلٌ عَلى أنَّهمْ لا يعلمُ عِدّتهم إلاَّ اللهُ، وليسَ هذا العددُ مُطابقاً، من أنَّهمْ سَبعةُ وثامنهمْ كَلبهمْ.
(أَرشدَ اللهُ إلى أنَّ الاطلاعَ على عُدَّتهمْ لا طَائلَ تَحتهُ، فَيقالُ في مثلِ هَذا: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ}؛ فإنَّهُ ما يَعلمُ بذلكَ إلاَّ قليلٌ منَ النَّاسِ، منَ الَّذينَ أطلعهُ اللهُ عليهِ، فَلهذا قالَ: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ} - أيْ: لا تُجادلْ فِيهمْ - {إلاَّ مِرَاءً ظَاهِرَاً}- أيْ: بِمَا ظَهرَ لكَ-، لا تُجهدْ نَفسكَ فِيما لا طَائلَ تَحتهُ، وَلا تَسألهمْ عنْ ذَلكَ؛ فإِنَّهمْ لا يَعلمونَ منْ ذلكَ إلاَّ رجمَ الغيبِ، فلا تَتطَاولْ مَعهمْ-).

َقولُه: (فَهذا أَحسنُ مَا يَكونُ في حِكايةِ الخِلافِ؛ أنْ تستوعبَ الأقوالَ) يعنِي: تَسردَ الأقوالَ كلَّها (في ذلكَ المقامِ)، ثمَّ (يُنبّه على الصحيحِ منْها ويبطلُ الباطلَ)، يُبينُ بُطلانَ البَاطلِ، (وتُذكرَ فَائدةُ الخلافِ وثَمرتهُ)، فَيقالُ: ثَمرةُ الخلافِ كَذا وكَذا؛ (لِئلاَّ يَطولَ النزاعُ والخلافُ فِيما لا فَائدةَ تحتهُ، فَيشتغلَ بهِ عنِ الأهمِّ)؛ وَذلكَ لأنَّ الذينَ يَحكونَ أقوالاً لاَ طَائلَ تَحتهَا يَشغلونَ النَّاسَ بِما لاَ فائدةَ فيهِ.
فَالأولى ـ إذَا كانَ هُناكَ أقوال ـ أنْ تُذكرَ الأقوالُ، ثمَّ بعدَ ذلكَ يُبينُ الصَّحيحُ منْها؛ ليكونَ الَّذي يَختارُ قَولاً يَقتصرُ عَلى القولِ الصَّحيحِ.
وَكذلكَ يَحكِي كَثيرٌ مِنَ العُلمَاءِ، ومِنْهُمْ ابنُ الجَوزِي في تَفسيرهِ المشهورِ؛ فإنَّه يَذكرُ في كلِّ آيةٍ عدداً منَ الأقوالِ، لكنَّه معَ ذلكَ لا يرجِّح، يَقولُ فيها: ثلاثةُ أقوالٍ، الأولُ: كَذا، والثانِي: كَذا، والثَّالثُ: كَذا، أو فيها قَولانِ، أو فِيها خَمسةُ أقوالٍ.
والأَولى أنَّه إذا ذَكرَ الأقوالَ أن يُرجِّحُ مَا يَختارهُ، وإنْ كانَ ترجيحهُ قدْ يَكونُ مَرجوحاً.

قولُه: (فأمَّا منْ حَكى خِلافاً في مَسألةٍ، ولمْ يَستوعبْ أقوالَ النَّاسِ فِيها؛ فهوَ نَاقصٌ)، يَعني: يَذكرُ بعضَ الأقوالِ دونَ البعضِ، فَهذا ناقصٌ تَفسيرهُ وَحكايتهُ، (فقدْ يَكونُ الصَّوابُ في القولِ الَّذي تَركه)،أي: قدْ يكونُ القولُ الذي تَركهُ هوَ أولى بِالصَّوابِ، (أوْ يحكِي الخلاف ويطلقهُ)، يَحكي في المسألةِ قولينِ أو ثلاثة، ولا يُبينُ ما هوَ الأرجحُ، فهذا يطلقُ الخلافَ، (ولا ينبِّهُ على الصحيحِ منَ الأقوالِ، فهذَا أيضاً نَاقصٌ). فإذا فَتحَ اللهُ تعالى عَليهِ، وترجَّحَ عندهُ أحدُ الأقوالِ؛ فإنَّ عليهِ أنْ يُبينَ ما ترجَّحَ عندهُ، وأمَّا إذا لم يترجَّحْ عندهُ شيءٌ فلهُ أنْ يطلقَ ذلكَ ويقول: اللهُ أعلمُ. هذهِ أقوالٌ، ويمكنُ أنْ يَكونَ القولُ الصَّوابُ فيها، ويُمكنُ أنْ تكونَ كلّها صَواباً.
وَأحسنُ منْ يعتني بِذلكَ ابنُ جريرٍ؛ فإنه دائما تَجدونهُ يقولُ: اختلفَ أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلكَ، فقالَ بعضهمْ: كَذا. ذِكْرُ منْ قالَ ذلكَ:...، وقالَ آخرونَ: كذا. ثم ذكر منْ قالَ ذلكَ:...، ثمَّ بعدَ ذلكَ يقولُ: وأولى الأقوال بالصوابِ عندي قولُ منْ قالَ:كذا وكذا، ثمَّ يذكرُ ما يرجحُ بهِ القولَ الذي يختارهُ، وقدْ يجمعُ بينها فَيجعلها كلّها صَواباً، وذلكَ إذا كانتْ الآيةُ عامةً، يُدخلُ فيها هذا القولَ وهذا القول فإنَّه يجمعُ بينها، فيقولُ: جائزٌ أنْ يكونَ كذا، وجائزٌ أنْ يكونَ كذا ، وَكذلكَ إذا كَانتْ تلكَ الأقوال إنَّما هيَ اختلافُ تنوعٍ لا اختلافُ تَضاد، فإنَّه يَجمعُ بينها، قولُه: (فإنْ صحَّحَ غيرَ الصحيحِ عَامداً فقدْ تعمَّد الكذبَ) إذا تعمَّد تصحيحَ القولِ المرجوحِ فقدْ تعمَّدَ الكذبَ، فإنْ كانَ (جاهلاً فقدْ - تخبَّط في القرآنِو- أخطأَ) فيهِ، وقدْ وردَ في الحديثِ أوْ في الأثرِ: ((منْ قالَ في القرآنِ برأيهِ فأصابَ فقدْ أخطأَ، حتى ولوْ كانَ مُصيباً)). لماذا أَخطأَ معْ كونِهِ مُصيباً؟
لأنَّهُ تَجرَّأ على القرآنِ، فَتكلَّم فيهِ برأيهِ، والرأيُ لا مدخلَ لهُ في الشَّرعِ.

قولُه: (كَذلكَ منْ نصبَ الخلافَ فيما لا فائدةَ تحتهُ) يعني: أَخذَ يسردُ أقوالاً فِيما لا فائدةَ تحتهُ،كَالحكايةِ في أسماءِ الطيورِ الَّتي أَحياها اللهُ لإبراهيمَ، الأَقوال ً فِيها، وَكذلكَ الأمورُ الجاهليةُ وَكيفيتها، حَيثُ إنَّ الإسلامَ نَسخهَا، مثلُ الأزلامِ في قولهِ تَعالى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ}؛ ما نوعُ الأزلامِ، وَما صِفتهَا؟ وَما كَيفيةِ الاستقسامِ بِها؟
اختلفَ فيها، مع أنها: لا فائدةَ فِيها، فَهيَ شَيءٌ نَسخهُ الإسلامُ، وَجاءَ بِبدلهِ ممَّا هُو خيرٌ منهُ . وكذلكَ أفعالُ أهلُ الجاهليةِ؛ ما سَببهَا؟ الَّتي ذَكرَها اللهُ تعالى عنْ إبليسَ في قَولهِ: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} مَا سببُ تقطيعهمْ للآذانِ، وَتشريمهمْ لَها؟ اللهُ أعلمُ، ولا فائدةَ أيضاً في ذلكَ. (فمنْ نصبَ الخلافَ فِيما لا فائدةَ تحتهُ، أوْ حكَى أَقوالاً مُتعددةً لفظاً، يَرجعُ حَاصلُها إلى قَولٍ أوْ قَولينِ في المعنَى؛ فقدْ ضيَّع الزَّمانَ)، يعني: وسعَ الخلاف فِيما لا فائدةَ فيهِ، وَوسعَ الأقوالَ معَ أنَّها يُمكنُ أنْ تَرجعَ إِلى قولِ أوْ إلى قَولينِ، وَأضاعَ عَلى النَّاسِ الَّذينَ يَقرؤونَ كَلامهُ زَماناً، وَهذا يَصدق عَليهِ (أنَّه مُتكثرٌ بِما لَيسَ بِصحيحٍ)، يَتكثرُ بِما لَيسَ بِصحيحٍ.
وفي الحديثِ: ((المُتشبِّعُ بِما لمْ يُعطَ كلابسِ ثَوبي زُورٍ))، ((ثوبي زورٍ)) يَعني: ثَوبين ولَيسَا بِثوبين حقيقةً، وإنَّما هيَ مُزورةٌ. وهذا الحديثُ وردَ فيهِ سبب: وهو أنَّ امرأةً كانَ لها ضرة، وَتريدُ أنْ تغيظَها، فَسألتْ تَقولُ: وهلْ لي أنْ أتشبعْ بما لمْ أُعطَ؟ أقولُ: زَوجي أَعطاني وَما أَعطاكِ، زَوجي اشتَرى لي كَذا وكَذا وَلم يَشتر لَكِ، هلْ يجوزُ ذَلكَ؟ فقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمْ: ((المُتشبِّعُ بِما لمْ يُعطَ كَلابسِ ثَوبي زُورٍ)).
فشيخُ الإسلامِ ذكرَ هذا في الَّذينَ يحكونَ أقوالاً ليستْ بِصحيحةٍ، يُكثرونَ بها الأقوالَ حتَّى يُقال: فلانٌ أتى بِأقوالٍ لمْ يسبقْ إليها، هذا التَّفسيرُ فيهِ أقوالٌ ما ذُكِرَتْ في تَفاسيرِ الأقدمينَ، فيكونُ بذلكَ كَأنَّه يجذبُ النَّاسَ إلى كِتابهِ ويرغبهمْ فيهِ، فَيكونُ كلابسِ ثوبي زورٍ.
وهذهِ الأقوالُ التي انتقدَهَا شيخُ الإسلامِ رحمهُ اللهُ،أي: انتقدَ ذكرَ الأشياءِ الَّتي لا أهميةَ لها؛ منَ المُبْهَمَاتِ، وانتقدَ أيضاً الَّذينَ يحكونَ أقوالاً ولاَ يرجِّحون، وانتقدَ أيضاً الَّذين يُكثرونَ الأقوالَ معْ إمكانِ اختصارهَا، وانتقدَ أَيضاً الَّذينَ يَقتصرونَ عَلى بعضِ الأَقوالِ وَيتركونَ بعضَها، فقدْ يكونُ الصَّوابُ فِيما تَركوهُ. فإذَا عَرفنَا مَا انتقدهُ عرفنَا الصَّواب في ذلكَ. (واللهُ الموفقُ للصوابِ).
سؤال: ما أنفعُ كتبِ التَّفسيرِ وأسبابِ النزولِ في رَأيكمْ؟
جواب: هناك كُتبٌ في التَّفسيرِ المتقدمِ،وهو التفسيرُ بأثرِ السَّلفِ، سَواء أَكانَ مُختصراً كَتفسيرِ عَبدِ الرَّزاقِ أوْ تَفاسيرُ السَّلفِ الموجودةِ، سَواء كَانتْ مَخطوطةً أوْ مطبوعةً، وَتفسيرُ ابنُ جريرٍ، وَتفسيرُ ابنِ كثيرٍ، وَكذلكَ أَيضًا لا بَأسَ بَتفسيرِ الشَّوكانِي. وأمَّا التفسيرُ بِالاستنباطِ؛ فمن تفاسيره: تَفسيرَ ابنِ السّعدِي، وِكذلكَ (أَضواءُ البيانِ)، وإنْ لمْ يكنْ مُستوفياً، وَكذلكَ مَا نقلَ منْ تفسيرِ ابنِ القيِّمِ: التفسير القيمُ لابنِ القيمِ، وإنْ كانَ نَاقصاً، وقدْ تتبعَ أَيضاً كُتبَ ابنِ القيِّمِ أحدُ المشائخِ المُتأخرينَ، فَأوصلهُ إِلى أَربعةِ أَجزاءٍ منْ تفسيرِ ابنِ القيمِ، كذلكَ تفسيرُ الشيخِ الجزائريِّ. أمَّا أسبابُ النزولِ؛ فَمنهَا: كِتابُ الواحديِّ، وَكتابُ السُّيوطيِّ. ثمَّ إنَّ بعضَ المُتأخِّرينَ تَتبَّعها، وَصححَّ مَا وردَ فيها،فبين: الصحيحُ في أَسبابِ النُّزولِ وَغيرهِ).

هيئة الإشراف

#3

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار


قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه: (وَلَكِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الإِسْرَائِيلِيَّةَ تُذْكَرُ لِلاسْتِشْهَادِ لاَ لِلاعْتِقَادِ، فَإِنَّهَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
أََحَدُهَا: مَا عَلِمْنَا صِحَّتَه مِمَّا بِأَيْدِينَا مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدقِ، فَذَاكَ صَحِيحٌ .
والثَّاني: مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ بِمَا عِنْدَنَا مِمَّا يخالِفُهُ.
وَالثَّالثُ: مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ. لاَ مِنْ هَذَا القَبِيلِ، وَلاَ مِنْ هَذَا القبيلِ؛ فَلا نُؤْمِنُ بِِهِ وَلا نُكَذِّبِهِ، وَتَجُوزُ حِكَايَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَغَالِبُ ذَلِكَ ممَّا لاَ فَائِدَةَ فِيهِ تَعُودُ إِلَى أَمْرٍ دِينيٍّ.
وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ عُلَماءُ أَهْلِ الكِتَابِ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرًا، وَيَأْتِي عَن الْمُفَسِّرِينَ خِلاَفٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، كَمَا يَذْكُرُونَ فِي مِثْلِ هَذَا أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الكَهْفِ، وَلَوْنَ كَلْبِهِمْ، وَعِدَّتَهُم، وَعَصَا مُوسَى مِنْ أَيِّ الشَّجرِ كانَتْ، وَأَسْمَاءَ الطُّيورِ الَّتِي أَحْيَاهَا اللَّهُ تَعَالَى لإِبْرَاهِيمَ، وَتَعْيِينَ البَعْضِ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ الْمَقْتولُ مِن البَقَرَةِ، وَنَوْعَ الشَّجَرةِ الَّتِي كَلَّمَ اللَّهُ مِنْهَا مُوسَى , إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ممَّا أَبْهَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي القُرْآنِ مِمَّا لاَ فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِهِ تَعُودُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَلاَ فِي دِينِهِمْ) .
هذا قد سَبقَ الحديثُ عنه في أوَّلِ هذه الرسالةِ، ولكنَّ المُهِمَّ هنا هو القاعدةُ التي ذَكرْتُها سابقًا وأُعيدُها هنا، وهي أنَّ ما أَبهَمَه اللَّهُ سبحانه وتعالى في هذه القِصَصِ فإنه ليس في ذِكرِه فائدةٌ دينيةٌ ولا دنيويةٌ، فليست هناكَ فائدةٌ مَثلًا فيما لو عُرِفَ نَوعُ الشجرةِ التي كلَّمَ اللَّهُ منها موسى أو عُرِفَتِ الشجرةُ التي أكَلَ منها آدمُ، فلو قِيلَ: إنها التِّينُ أو العِنبُ أو غيرُهما فإنه لا تأثيرَ لذلك على معرفةِ المعنى الذي هو التفسيرُ.
ولهذا كان ابنُ جريرٍ رحمهُ اللَّهُ ينبِّهُ على هذه المسألةِ حينَما يُورِدُ مثلًا الاختلافَ في مثلِ هذه الأمورِ، ويَذكرُ أنَّ عِلمَ العالِمِ بها لا يَزيدُه، وعدَمَ علمِ الجاهلِ بها لا يَنقصُه، هذا معنى كلامِه رحمهَ اللَّهُ.

قولُه: (وَلَكِنَّ نَقْلَ الْخِلاَفِ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا  فَقَد اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ الكريمةُ عَلَى الأَدَبِ فِي هَذَا المُقَامِ، وَتَعْلِيمِ مَا يَنْبَغِي فِي مِثْلِ هَذَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ في ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ، وَضَعَّفَ القَوْلَيْنِ الأَوَّلَيْنِ، وَسَكَتَ عَن الثَّالثِ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ؛ إذْ لَوْ كَانَ بَاطِلاً لَرَدَّهُ كَمَا رَدَّهُمَا، ثمَّ أَرْشَدَ إِلَى أَنَّ الاطِّلاَعَ عَلَى عِدَّتِهِم لاَ طَائِلَ تَحْتَهُ، فيُقالُ في مِثْلِ هَذَا:  قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم ؛ فَإنَّهُ لا يَعْلَمُ بِذَلِكَ إِلاَّ قَلِيلٌ مِن النَّاسِ مِمَّنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَلِهَذَا قَالَ: فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا  أَيْ: لاَ تُجْهِدْ نَفْسَكَ فِيمَا لاَ طَائِلَ تَحْتَهُ، وَلاَ تَسْأَلْهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ رَجْمَ الْغَيْبِ.
فَهَذَا أَحْسَنُ مَا يَكُونُ فِي حِكَايَاتِ الْخِِلافِ؛ أنْ تُستَبْعَدَ الأقوالُ في ذَلِكَ المَقَامِ، وَأَنْ يُنَبَّهَ عَلَى الصَّحيحِ مِنْهَا، وَيُبْطَلَ البَاطِلُ، وَتُذْكَرَ فَائِدَةُ الْخِلاَفِ وَثَمَرَتُهُ؛ لِئَلاَّ يَطُولَ النِّزاعُ وَالخِلاَفُ فِيمَا لاَ فَائِدَةَ تَحْتَهُ فيُشتَغَلَ بِهِ عَن الأَهَمِّ).
ذكر شيخُ الإسلامِ هذه الآيةَ هنا وكأنه يرى أنها أصلٌ في جوازِ نقلِ ما وَقعَ فيه الاختلافُ بينَ بني إسرائيلَ؛ لأنه قال: ولكنَّ نَقلَ الخلافِ عنهم في ذلك جائزٌ، ثم ذَكرَ الآيةَ.
فمثلًا المائدةُ التي نَزلتْ على عيسى – على رأيِ مَن يرى أنها نزلَتْ – ما نوعُ الطعامِ الذي كان فيها؟ بَعضُهم قال: كان فيها كلُّ لونٍ من الطعامِ، وقال بعضُهم: كان فيها سَمكٌ وخبزٌ، وبعضُهم قال: كان فيها كذا وكذا. وكذلك عصى موسى من أيِّ الشجرِ هي؟ قيلَ: إنها من كذا وقيل: إنها مِن كذا.
فمِثلُ هذا الخلافِ تَجوزُ حكايَتُه؛ لأنَّ نقلَ الخلافِ عنهم في ذلك جائزٌ.
ثم ذَكرَ المصنِّفُ أنه يُؤخذُ من هذه الآيةِ الطريقةُ المُثلَى في حكايةِ مثلِ هذه الأقوالِ والتعليقِ عليها، وذلك بأن تُستوعَبَ الأقوالُ ويُذكَرَ الباطلُ منها , ثم يصحَّحَ الصحيحُ بدليلِه. ثم ذَكرَ أنَّ اللَّهَ أخبَرَ بثلاثةِ أقوالٍ ضعَّف القولَين الأوَّلَين وسَكتَ عن الثالثِ فدلَّ على صحَّتِه.
وهذه قاعدةٌ قرآنيةٌ , وهي أنَّ كلَّ كلامٍ سَكتَ عنه القرآنُ فهذا دليلٌ على صحَّتِه في ذاتِه، فمثلًا لما حَكى اللَّهُ عن العزيزِ أنه قال: {إنَّه مِن كَيدِكُنَّ إنَّ كَيدَكُنَّ عَظيمٌ} دلَّ هذا على أنَّ كيدَ النساءِ عظيمٌ، فإنْ قال أحدٌ: إنَّ هذه الجملةَ إنما هي من كلامِ العزيزِ، والعزيزُ غيرُ معصومٍ، قيل له: هو كلامُ العزيزِ , ولكنَّ اللَّهَ حكاهُ في كتابِه، ولو كان باطِلًا لَرَدَّهُ، فدلَّ على صحَّتِه.
ولهذا لما قال تعالى: {وقالوا اتَّخذَ اللَّهُ وَلدًا}. قال بعدَها: {سبحانه}. فردَّه؛ لأنه كلامٌ باطلٌ.
وقد ذَكرَ هذه القاعدةَ – كما ذَكرَها شيخُ الإسلامِ هنا – الشاطبيُّ في الموافقاتِ.

قولُه: (فَأَمَّا مَنْ حَكَى خِلافًا فِي مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ أَقْوَالَ النَّاسِ فِيهَا فَهُوَ نَاقِصٌ؛ إِذْ قَدْ يَكُونُ الصَّوابُ فِي الَّذِي تَرَكَهُ، أَوْ يَحْكِي الْخِلاَفَ وَيُطْلِقُهُ وَلاَ يُنَبِّهُ عَلَى الصَّحيحِ مِن الأقْوالِ، فَهُوَ ناقصٌ أَيْضًا، فَإِنْ صَحَّحَ غيرَ الصَّحيحِ عَامِدًا فَقَدْ تَعَمَّدَ الكَذِبَ، أَوْ جَاهِلاً فَقَدْ أَخْطَأَ. كَذَلِكَ مَنْ نَصَبَ الخِلاَفَ فِيمَا لاَ فَائِدَةَ تَحْتَهُ , أَوْ حَكَى أَقْوَالاً مُتَعَدِّدَةً لَفْظًا، وَيَرْجِعُ حَاصِلُهَا إِلَى قَوْلٍ أَوْ قَوْلَيْنِ مَعْنىً، فَقَدْ ضَيَّعَ الزَّمَانَ، وَتَكَثَّرَ بِمَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَهُوَ كَلاَبِسِ ثَوْبَي زُورٍ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوابِ)
كلُّ هذه فوائدُ علميةٌ عامَّةٌ في طريقةِ حكايةِ الخلافِ).

هيئة الإشراف

#4

30 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)

القارئ: ("ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد؛ فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (أنتم راجعتوا ترجمة عبد الله بن مسعود؟
قال أحدهم:...بعضها لأنها صعبة لا تنجلي.
الشيخ:
ما ذكر أنه يأخذ عن الإسرائيليات. غريب!
طالب:
في كتب متوسعة..فيه ترجمة للصحابة وغير هذا.
الشيخ:
ما هي موجودة.طيب.
طالب:
موجودة في المكتبة سير أعلام النبلاء.
الشيخ:
موجودة في المكتبة...).

القارئ: (أحدها ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح، والثاني ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه، والثالث ما هو مسكوت عنه لا هو من هذا القبيل ولا من هذا القبيل فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم.
وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف لسبب ذلك كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعدتهم وعصا موسى من أي الشجر كانت وأسماء الطيور التي أحياها الله تعالى لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ولون الشجرة التي كلم الله منها موسى...إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة من تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم، ولكنّ نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة}").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (نعم، يقول: نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز. لا على الاعتبار به، ولكن لبيان اختلافهم في هذا الأمر، وقد يكون في نقل اختلاف أهل الكتاب في مثل هذا الأمور قد يكون فيه فائدة لنا، وهو أننا إذا كان هناك اختلاف فإن هذا يقلل من الثقة مما في أيديهم، ويُعلْم أن عندهم تصرفاً وكذباً فيما ينقلونه، أما أن نذكره على سبيل الاعتبار، وأنها أقاويل صحيحة مقبولة فهذا لا يجوز فيما لا نعلم صدقه وكما قال الشيخ رحمه الله: إنها ثلاثة أقسام.
وأظنه مر علينا فيما سبق أن ما نحتاج إليه من النقل لابد أن يقوم عليه دليل، وما لا حاجة إليه فإنه لا يقوم عليه دليل؛ لأنه لا حاجة إليه، فكل ما يحتاج العباد إلى بيانه فلا بد أن يقوم عليه دليل صحيح، ولا يمكن أن يدعه الله عز وجل بدون دليل تطمئن له النفوس. نعم).

القارئ: ("كما قال تعالى: {سيقولون ثلاثه رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تماري فيهم إلا مراءً ظاهراً ولا تستفت فيهم منهم أحدا} فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى عبر عنهم بالثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته إذ لو كان باطلاً لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قل ربي أعلم بعدتهم} فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله تعالى عليه فلهذا قال: {فلا تماري فيهم إلا مراء ظاهرا} أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك؛ فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.
فهذا أحسن ما يكون في حكايات الخلاف أن تُستوعب الأقوالُ في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها ويُبطل الباطل وتُذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته فيشتغل به عن الأهم.
فأما من حكى خلافاً في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضاً فإن صحح غير الصحيح عامداً فقد تعمد كذب أو جاهلاً فقد أخطأ كذلك من..."..... سقط...).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (...أنه إذا حكى الأقوال ولم يبين الصحيح أنه تارة يلام عليه، وتارة لا يلام، فإن كان يعلم الصحيح، إن كان يعلم الصحيح ولم يبينه، فهذا قصور، وإن كان لا يعلم كما لو كان القولان عنده على حد سواء، فإنه لا يلزم أن يبين، وهذا يقع حتى في كلام المؤلف أحياناً في الفتاوي وغيرها يذكر يقول: فيه قولان لأهل العلم، ثم يقول هذا قول الجمهور وهذا قول فلان هذا قول مالك هذا قول الشافعي وما أشبهه، فالإنسان الذي يسوق الخلاف فإن من الأمانة أن ينقل جميع الأقاويل؛ لأنه كما قال الشيخ ربما يحذف من الأقاويل ما هو أصح، ثم إذا نقل الأقاويل فإن كان لديه حجة ترجح أحد الاقوال وجب عليه أن يبين الراجح؛ حتى لا يدع السامع في حيرة، وإن كان لا يعلم فليس عليه بأس في أن يذكر الخلاف ولا ييبن الراجح؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها. أي نعم).

القارئ: (كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالاً متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان وتكثر بما ليس بصحيح").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (طيب هذه الآية الكريمة التي ساقها المؤلف زعم بعض الناس أن أصحاب الكهف ليسوا سبعة وثامنهم كلبهم، وتشبثوا بقوله تعالى: {قل ربي أعلم بعدتهم}، وهذا لا شك أنه غلط في تفسير الآية؛ لأن الله قال: {قل ربي أعلم بعدتهم} يعني وقد أبطل قولين وسكت عن الثالث، وعلى هذا فيكون الثالث هو الأصح؛ لأنه لو كان خلاف الأصح لبينه الله عز وجل؛ لأن الله تعالى لا يعلم الأمر على خلاف ما هو عليه، ثم إنه قال: {ما يعلمهم إلا قليل} ولو كان المراد بقوله: {ربي أعلم بعدتهم} أنه لا يعلمهم أحد من الناس لكان مناقضاً لقوله: {لا يعلمهم إلا قليل}، فالآية بلا شك تدل على أن أصحاب الكهف كانوا سبعة وكان ثامنهم كلبهم.
وهنا نكتة في مسألة العدد، قال: {سبعة وثامنهم} ولم يقل ثمانية ثامنهم كلبهم؛ لأن الكلب من غير الجنس، وإذا كان من غير الجنس فإنه لا يدخل في العدد ولكنه يجعل بعده، نعم، ولهذا قال الله عز وجل: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} ولم يقل: من نجوى أربعة إلا هو رابعهم؛ لأنه خالق وهم مخلوقون. وقوله: {لا تماري فيهم إلا مراء ظاهرا} فسره المؤلف رحمه الله بأن المعنى: لا تجهد نفسك في التعمق والجدال في عدتهم، لماذا (هه)؟ لأنه لا طائل تحته.
وهكذا يمر علينا أحياناً في الأحاديث إبهام الرجل صاحب القضية، أحياناً يبهم: قال رجل، أتى، رجل دخل، أعرابي، وما أشبه ذلك، فتجدوا بعض الناس يتعب نفسه في تعيين ذلك الرجل، مع أنه لا طائل تحت ذلك، فيشتغل بالمهم إن كان مهماً عن الأهم، والأولى لطالب العلم ألا يضيع الوقت في مثل هذه الأمور التي فائدتها قليلة بالنسبة لغيرها، أو ربما أنها لا فائدة فيها إطلاقاً.
والحاصل أن أصحاب الكهف عدتهم سبعة وثامنهم كلبهم، وقد مر علينا أنهم لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً. نعم.
ردا على سؤال غير مسموع: مثل هذا الآن، الاختلاف في عصا موسى من أي شيء (غير مسموع)، الخلاف في الجزء الذي ضربوا به الميت القتيل، وهكذا وهذا لا طائل تحته.
_.........
_ لا ما في فائدة لنا، (اللي) ماله فائدة لنا هذا لا طائل تحته. نعم).

القارئ: ("وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور، والله الموفق للصواب).