الدروس
course cover
2- تفسير القرآن بالسنة
9 Nov 2008
9 Nov 2008

8051

0

0

course cover
شرح مقدمة التفسير

القسم الثالث

2- تفسير القرآن بالسنة
9 Nov 2008
9 Nov 2008

9 Nov 2008

8051

0

0


0

0

0

0

0

2- تفسير القرآن بالسنة

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (فَإِنْ أَعْيَاكَ ذَلِكَ فَعَلَيْكَ بِالسُّنَّةِ : فَإِنَّهَا شَارِحَةٌ لِلْقُرْآنِ ، وَمُوَضِّحَةٌ لَهُ ، بَلْ قَدْ قَالَ الإِمامُ أَبُوعَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ : " كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِن الْقُرْآنِ : قَالَ اللهُ تَعَالَى : {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}[سُورَةُ النِّسَاءِ : 105]، وَقَالَ تَعَالَى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ : 44]، وَقَالَ تَعَالَى : {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُم الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ : 64].
وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ " يَعْنِي : السُّنَّةَ .
وَالسُّنَّةُ أَيْضًا تَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ كَمَا يَنْزِلُ الْقُرْآنُ ، لاَ أَنَّهَا تُتْلَى كَمَا يُتْلَى . وَقَد اسْتَدَلَّ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ، وَغَيْرُهُ مِن الأَئِمَّةِ ، عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَة ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذَلِكَ.
وَالغَرَضُ أَنَّكَ تَطْلُبُ تَفْسِيرَ القُرْآنِ مِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَمِن السُّنَّةِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ : " بمَ تَحْكـُمُ ؟ " قَالَ : بِكِتَابِ اللهِ ، قَالَ :" فَإِنْ لَمْ تَجِدْ ؟"قَالَ : فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ تجِدْ ؟ قَالَ : أجتهدُ رَأْيِي" قَالَ : فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بِصَدْرِهِ وَقَالَ : " الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسَولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ " وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ).

هيئة الإشراف

#2

30 Nov -0001

شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)


القارئ: (" . . . فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة؛ فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، فلقد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن.
قال الله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما }، وقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}، وقال تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)) يعني السنة، والسنة أيضاً تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن لا أنها تتلى كما يتلى. وقد استدل الإمام الشافعي وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك.
والغرض أنك تطلب تفسير القرآن، فإن لم تجدْه فمن السنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: ((بما تحكم؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله )).
وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد
ردا على مداخلة غير مسموعة:
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هو تكلم بعض العلماء على هذا وضعفه، لكن المؤلف يرى أن إسناده جيد، وهو الظاهر؛ لأنه ما يخالف، يعني يوافق القاعدة العامة في الشريعة أن الإنسان يحكم بكتاب الله، فإن لم يجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن في السنة أشياء ما فصلها القرآن ولا تجدها ظاهرة في القرآن، فلا بد من الرجوع إلى السنة، وأما إذا كانت لا في هذا ولا في هذا فالإنسان يجتهد ويجتهد رأيه ليس المعنى أنه يحكم برأيه، لكن المعنى أنه يجتهد في تطبيق الواقعة والحادثة على نصوص الكتاب والسنة، وبهذا يكون هذا الحديث مطابقا للقواعد العامة في الشريعة.
الذين ضعفوه ظنوا أن قوله: ((فإن لم تجد فبسنة رسول الله )) إنه تكون السنة في مرتبة متأخرة، وظنوا أيضاً أن قوله: أجتهد رأيي، يعني أحكم بالرأي، وليس كذلك. نعم.
سؤال من أحد المستمعين:
... هل الطريق إلى السنة هل تنسخ القرآن؟

إذا صحت نسخت القرآن، لكن مالها مثال، على الرغم من أن نقول: هذا جائز, لكن لا مثال له أبداً، ليس هناك مثال لنسخ القرآن بالسنة.
ردا على سؤال غير مسموع: المثال خطأ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه)) فبين في هذا الحديث الناسخ، بين الناسخ فقط، يعني كأنه يقول: الآن الفرائض كفتكم الوصية، ثم على القول يعني لو تنزلنا تنزلا كاملا فهذا الحديث ما نسخ الآية، ما نسخ الآية, لوفرضنا أن الرسول قال: ((لا وصية لوارث فقط)) ما نسخ الآية، و(ايش) الآية المنسوخة؟
ما يخالف، {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين} هذا تخصيص وليس نسخاً؛ لأن الأقربين الذين غير الوراثين الوصية باقية فيهم فهو تخصيص، يعني لو تنزلنا تنزيلاً كاملاً مع هؤلاء فليس بنسخ، ولكنه تخصيص، والمهم أن هذا المثال لا يصح على أي تقدير. نعم).

هيئة الإشراف

#3

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)


قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (قولُه: (فإنْ أَعياكَ ذلك فعَليكَ بالسُّنَّةِ؛ فإنها شارحةٌ للقرآنِ ومُوَضِّحَةٌ له). يقولُ شيخُ الإسلامِ في العقيدةِ الواسطيَّةِ، لَمَّا ذَكَرَ الآياتِ في الصفاتِ: فصلٌ في السُّنَّةِ، ثم قال: (فالسنَّةُ تُفَسِّرُ القرآنَ وتُبَيِّنُه وتَدُلُّ عليه، وتُعَبِّرُ عنه).
والمرادُ أحاديثُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ؛ فإنه أَنْزَلَ اللهُ تعالى عليه القرآنَ وأَمَرَه أن يُبَيِّنَهُ، بل اللهُ تعالى بَيَّنَه له في قولِه تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّا عَلَيْنَا بَيَانَهُ}، فاللهُ تعالى يُبَيِّنُه لنَبِيِّهِ، إمَّا بالبيانِ الواضحِ بأن يُشْرَحَ له، وإما بأنْ يُفْهِمَه مَعانيَهُ حتى يَعْرِفَ دلالاتِه، وحتى يُعْلِنَ مُحتوياتِه، ثم هو بعدَ ذلك يُبَيِّنُهُ لأصحابِه، سواءٌ بالقولِ أو بالفعلِ.
لما أَخْبَرَهم النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ عن القَدَرِ، وأنه: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ)) قالوا: أفلا نَتَّكِلُ على كِتابِنا ونَدَعَ العملَ؟ قالَ: ((اعْمَلُوا؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ))، ثم قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} الآياتِ، فبَيَّنَ أنَّ هذا معنى التيسيرِ، يعني: أنَّ قولَه: {سَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} يعني: نُوَفِّقُه لأنْ يَعْمَلَ العملَ الصالحَ الذي يكونُ به مِن أهلِ اليُسْرَى، والآخَرُ نَخْذُلُه ونَكِلُه إلى نفْسِه، فيكونُ ذلك مِن التيسيرِ للعُسْرَى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}. فهذا تفسيرٌ مِن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، والأمثلةُ كثيرةٌ.
فإذا جاءتِ الآياتُ التي في الصفاتِ وَجَدْنَا مِثْلَها أيضاً في القرآنِ، ووَجَدْنَا مِثْلَها في السنَّةِ، فمَثلاً قولُه تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} في مَوضعينِ في سورةِ الْمُلْكِ، فُسِّرَ ذلك بآياتٍ أُخْرَى، مِثلِ قولِه تعالى: {وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي: على جُذوعِ النخْلِ، وقولِه: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} أي: على الأرضِ، فيكونُ معنى {فِي السَّمَاءِ} أي: على السماءِ، وفُسِّرَ أيضاً - أو بُيِّنَ - مثلُه في السنَّةِ، مثلُ قولِه: ((أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحاً وَمَسَاءً)).
ومَثلاً جاءَ في القرآنِ ذِكْرُ اليدِ للهِ تعالى في قولِه تعالى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ}، وفي قولِه تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ}، وجاءَ ذِكْرُ اليمينِ: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}، ففُسِّرَت اليدُ بأنها اليمينُ، وجاءَتْ أيضاً في السنَّةِ في قولِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((يَمِينُ اللهِ مَلأَى))، وفي قولِه: ((الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ))...الخ ، فجاءَ في السنَّةِ مِثْلَمَا جاءَ في القرآنِ.
فعُرِفَ بذلك أنَّ أفْضَلَ ما يُفَسَّرُ به القرآنُ: الأحاديثُ النبويَّةُ؛ فإنها تُفَسِّرُ القرآنَ وتُبَيِّنُه وتُوَضِّحُهُ، ومَن أرادَ الأمثلةَ فإنه يَجِدُها في تفسيرِ ابنِ كثيرٍ كثيرةً.

قُولُه: (بَلْ قَالَ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مما فَهِمَه مِن القرآنِ)؛ وذلك لأنَّ اللهَ تعالى عَلَّمَه بَيانَهُ بقولِه: {ثُمَّ إِنَّا عَلَيْنَا بَيَانَهُ}، فكلُّ ما حَكَمَ به فإنه مِمَّا أَلْهَمَه اللهُ تعالى، وأَوْحَاهُ إليه، وقَذَفَ به في قلبِه، وعَلَّمَه إيَّاهُ، أو فَهِمَه مِن كلامِ اللهِ.
ذَكَرَ بعدَ ذلك هذه الآياتِ للاستدلالِ بها على أنه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ مُكَلَّفٌ أن يُبَيِّنَ للناسِ القرآنَ؛ فالآيةُ الأُولَى في سورةِ النساءِ: ({إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ})، لم يَقُلْ: بما رَأيتَ، دَلَّ على أنَّ اللهَ تعالى يُرِيهِ ويُعَلِّمُه، {بِمَا أَرَاكَ اللهُ} أي: بما عَلَّمَكَ اللهُ وأَلْهَمَكَ، ({وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} ) أي: لا تُخَاصِمْ عنهم، فالحكْمُ بينَ الناسِ فيما اخْتَلَفوا فيه مِن أمورِ دينِهم وأمورِ دُنياهم؛ هو مِن اللهِ تعالى، فَتَحَ اللهُ عليه وأَلْهَمَه وعَلَّمَه؛ فكان بذلك مُعَلِّماً مما عَلَّمَه اللهُ: {بِمَا أَرَاكَ اللهُ}.
والآيةُ التي بعدَها في سورةِ النحلِ:( {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ})، لا شَكَّ أنَّ هذا أيضاً تَكليفٌ له: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}، فاللهُ تعالى أَمَرَه، ولا بُدَّ أنه امْتَثَلَ، ولا بُدَّ أنه عَمِلَ بهذه الآيةِ، بَيَّنَ للناسِ ما أَنْزَلَه اللهُ تعالى مِن الآياتِ، وما أَمَرَه به مِن الأحكامِ، وقد يقالُ: إنه أضافَ إليها بَياناً مِن قِبَلِه، ولكنه مما فَهِمَه مِن القرآنِ، (وقالَ تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ})، {لِتُبَيِّنَ لَهُمْ} دليلٌ على أنَّ اللهَ كَلَّفَه بأن يُبَيِّنَ لهم الذي اخْتَلَفوا فيه، يعني: كلَّ ما يَختلِفون فيه، ولهذا قالَ لهم: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ}، فكانوا إذا اخْتَلَفوا في شيءٍ تَرَافَعُوا إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فحَكَمَ بينَهم، وبَيَّنَ لهم الصوابَ الذي اخْتَلَفوا فيه، ووَصَفَ اللهُ تعالى الكتابَ بقولِه: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: أنه مُتَّصِفٌ بهذه الصفاتِ، ولكن لا يكونُ هُدًى ورحمةً إلا للمؤمنينَ.
ثم اسْتَدَلَّ أيضاً بما (ثَبَتَ عنه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ أنه قالَ: ((أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ))، يعني: السنَّةَ)، يعني: أنَّ اللهَ تعالى عَلَّمَه القرآنَ وعَلَّمَه السنَّةَ التي هي مِثلُ القرآنِ في الأحكامِ.
في حديثٍ صحيحٍ أنه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قالَ: ((لاَ أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئاً عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ، مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ أَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَهُ رَسُولُ اللهِ كَمَا حَرَّمَهُ اللهُ)) أو كما قالَ.
وقد وَقَعَ في هذا كثيرٌ، وأَشْهَرُهم الخوارجُ؛ فإنهم اعتَمَدوا القرآنَ، وتَرَكُوا السنَّةَ ولم يَأْخُذُوا منها شيئاً، حتى الأحاديثَ المتواترةَ لم يَقْبَلُوا منها شيئاً، مثلَ أحاديثِ الشفاعةِ ونحوِها، فكانوا يَستَدِلُّونَ بالآياتِ القرآنيَّةِ وأَخَذُوها على ظاهرِها، حتى اسْتَبَاحُوا قَتْلَ بعضِ الصحابةِ كقَتْلِ عثمانَ، وأَخَذُوا ظاهِرَ قولِه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} فقالوا: إنَّ هذا قد سَعَى في الأرضِ فَساداً، - أولئك الذين خَرَجُوا على عثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه -.
فالحاصلُ أنَّ الواجبَ على المسلِمِ أن يَأخُذَ الأحاديثَ الثابتةَ الصحيحةَ، وأن يَتَقَبَّلَها ويَعْمَلَ بها ولا يَرُدَّ منها شيئاً، ويَعتقدَ أنها مِن اللهِ تعالى.

قولُه: (والسنَّةُ أيضاً تُنَزَّلُ عليه بالوحيِ كما يُنَزَّلُ القرآنُ). أَخَذَ ذلك بعضُهم مِن قولِ اللهِ تعالى في أَوَّلِ سورةِ النجْمِ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، فقالوا: كلُّ ما يَنْطِقُ به فإنه ليس عن هَواهُ، وإنما يَنْطِقُ بما أَوْحَى اللهُ تعالى إليه، فتكونُ السنَّةُ تُنَزَّلُ كما يُنَزَّلُ القرآنُ. قد أَخْبَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ عن نُزولِ الوحيِ عليه أنه أحياناً يُلْقِي اللهُ تعالى في فَهْمِه وفي قَلْبِه ما يُلقيهِ وما يَقْذِفُه فيه مِن الفَهْمِ، فيكونُ ذلك مِن الوحيِ.
تَمَيَّزَت السنَّةُ عن القرآنِ (بأنها لا تُتْلَى)، أي: لا يُتَقَرَّبُ بتلاوتِها كما يُتَقَرَّبُ بتلاوةِ القرآنِ؛ فإنَّ تلاوةَ القرآنِ فيها أَجْرٌ وتُقرأُ في الصلاةِ، ويُشتَرَطُ في الصلاةِ قراءةُ الفاتحةِ، ويُسَنُّ قراءةُ غيرِها، فقراءةُ أحاديثَ مِن السنَّةِ لا تَكفِي ولو كانت مُتواترةً، لا يَكْفِي أنه يُؤْتَى بها بَدَلَ القرآنِ، فلا يُتَعَبَّدُ بتلاوةِ السنَّةِ كما يُتَعَبَّدُ بتلاوةِ القرآنِ، ولا يَحْصُلُ الإعجازُ بتلاوةِ السنَّةِ كما يَحْصُلُ الإعجازُ بتلاوةِ القرآنِ، الإعجازُ الذي قالَ اللهُ تعالى فيه: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} خاصٌّ بالقرآنِ.
والفرْقُ بينَ الأحاديثِ وبينَ الآياتِ: أنَّ الآياتِ يُتَعَبَّدُ بتلاوتِها دونَ الأحاديثِ، وأنَّ الآياتِ تَصِحُّ الصلاةُ بها دُونَ الأحاديثِ، وأنَّ الآياتِ يَحْصُلُ الإعجازُ بها دونَ الأحاديثِ، ويُتَحَدَّى بالآياتِ ولا يُتَحَدَّى بالأحاديثِ، وأنَّ الآياتِ نُقِلَتْ بالتواتُرِ، وأَكْثَرُ السنَّةِ نُقِلَتْ بالآحادِ.

قولُه: (قد استَدَلَّ الإمامُ الشافعيُّ رَحِمَه الله وغيرُه مِن الأئمَّةِ على ذلك بأدلَّةٍ كثيرةٍ، وليس هذا مَوْضِعَ ذلك). تَجِدُونَ ذلك في كتابِ (الرسالةِ) للشافعيِّ، وقد شَرَحَها أحمد شاكر شَرْحاً مُطَوَّلاً، وعَلَّقَ عليها، فهي مُتَوَفِّرَةٌ، ففيها أدِلَّةٌ كثيرةٌ في حُكْمِ السنَّةِ، وأن السنةَ يجبُ العملُ بها، وكذلك في كتبِه الأخرى.

قولُه: (والغرَضُ أنك تَطْلُبُ تفسيرَ القرآنِ مِن القرآنِ، فإن لم تَجِدْهُ فمِن السنَّةِ). ثم اسْتَدَلَّ بحديثِ مُعاذٍ، (قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ لمعاذٍ حينَ بَعَثَه إلى اليمنِ: ((بِمَ تَحْكُمُ؟))، وفي روايةٍ: ((كَيْفَ تَحْكُمُ؟)) قالَ: بكتابِ اللهِ، قالَ: ((فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟)) قالَ: بسنَّةِ رسولِ اللهِ، قالَ: ((فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟)) قالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي. فضَرَبَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ في صَدْرِهِ وقالَ: ((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ)).
جَوَّدَ الشيخُ إسنادَ هذا الحديثِ، فقال: (وهذا الحديثُ في المسانيدِ والسنَنِ بإسنادٍ جَيِّدٍ). مع أنَّ بعضَ العلماءِ طَعَنَ فيه وضَعَّفُوهُ، ولكن أكثرَهم يَجْزِمونَ بصحَّتِه، وقد تَكَلَّمَ عليه الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في كتابِه (التلخيصِ الْحَبِيرِ)، وحَكَى عن بعضِ الفقهاءِ أنهم يَجعلونَه في الصحيحينِ، مع أنه ليس في الصحيحينِ، وإنما وُجِدَ في بعضِ كُتُبِ السُّنَنِ، وهذا تصحيحٌ مِن شيخِ الإسلامِ له بقولِه: بإسنادٍ جَيِّدٍ. أَقَرَّه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ على تقديمِ القرآنِ على السُّنَّةِ، وذلك دليلٌ على أن السنَّةَ في الْمَرتبةِ الثانيةِ، إنَّ مَن لم يَجِدِ الحكْمَ في القرآنِ الْتَمَسَه في السنَّةِ، وأنه مَثلاً لو وَجَدَ حديثاً مخالِفاً للقرآنِ عَمِلَ بالقرآنِ؛ لأن القرآنَ مُتواترٌ، وعُرِفَ أنَّ هذا الحديثَ المخالِفَ إما أنه مَنسوخٌ، وإما أنه ضعيفٌ).

هيئة الإشراف

#4

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (. . . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: (فإن أعيا ذلك فتذهب إلى السنة؛ لأن السنة شارحة للقرآن موضحة له مبينة له) وهذا ظاهر بيّن، السنة بيان للقرآن وبيان السنة للقرآن، في طلب التفسير يكون أيضاً على أنحاء:
الأول: منها أن يكون في السنة تفسير للآية بظهور كما فسر النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم آياً كثيرة معروفة كتفسير المغضوب عليهم، وتفسير الضالين، وتفسير الخيط الأبيض، والخيط الأسود وأشباه ذلك من التفسير: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} فقال: ألا إن القوة الرمي، وما شابه ذلك وهذا ظاهر بين.
النوع الثاني: من التفسير بالسنة: أن يكون هناك توضيح للمعنى المختلف فيه بالسنة مثل تفسير (القرء) في آيات الطلاق {والمطلقات يتربصن بأنفسهم ثلاثة قروء} والقرء هنا اختلف فيه هل هو الحيض أم هو الطهر؟
النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم لما ذكر ذلك قال في المرأة: ((أليست تدع الصلاة أيام أقرائها)) قالت: بلى.
فقوله: ((أليست تدع الصلاة أيام أقرائها)) دل على أن القرء هناك هو الحيض وذلك من جهتين:
الجهة الأولى: السياق أنها تدع الصلاة أيام القرء ومعناه الحائض لا تصلي فصارت القروء هنا هي الحيضات.
والجهة الثانية: وهي المختلف فيها بين أهل العلم وذكر الاختلاف ابن السيب البطل يوسي في أول كتابه المهم (الانصاف) وأطال عليها أنه هنا قال الإقراء في الآية جمع القرء بالقروء وقال أنه إذا كان المراد بالقرء هو الطهر فلا يكون جمعه (قروء) وإنما يكون الجمع أقراء الطهر وهنا دل الحديث على أن كلمة (الأقراء) تصلح للحيض كما أنها تصلح للطهر فصار هنا لفظ القرء الواحد يجمع على قروء وعلى أقراء باعتبار الحيض وهذا ظاهر من تفسير الآية بدليل من السنة ليس المقصود منه تفسير الآية ولكن هو يفسر الآية.
الثالث: أن السنة تبين المجمل تقيد المطلق تخصص العام وهو نوع من التفسير كما هو معروف.
الرابع: أن يكون السنة العملية للنبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فيها تفسير للآية أو للآيات كقوله – جل وعلا -: {واعلموا أنما غنمتم فأن لله خمسه وللرسول} الآية، فالنبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم كيف يقسم ذلك، وهل قسمها بالتساوي أو قسمها بهذا فالسنة العملية مفسرة لهذا الأمر.
وفي قولـه: {وأتموا الحج والعمرة لله} كيف فسرها النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بسنته العملية {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام} كيف يكون الذكر عند المشعر الحرام فسرها النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بالسنة العملية. {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} ما معنى هذا فسرها بالسنة العملية وهذا كثير بيّن في هذا الصدد.
إذاً فحصل من هذا مما قاله شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – إن أعظم ما يعتنى به بالتفسير تفسير القرآن بالقرآن على أحد الأنحاء التي ذكرت، ثم إن أعيا ذلك فسرتها بالسنة بأحد الأنحاء أيضاً وقلَّ ما تحتاج إذا طبقت هذين الأصلين تحتاج إلى تفاسير الصحابة بعد ذلك، بل تجد أن تفاسير الصحابة مستقاة من أحد هذين الوجهين أو منهما معاً ولابد
).

هيئة الإشراف

#5

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار


قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (. . . المسألةُ الثانيةُ التي ذكرها شيخُ الإسلامِ في قولِه: " فإنْ أَعْياكَ ذلك فعليكَ بالسُّنَّةِ فإنها شارحةٌ للقرآنِ موضِّحةٌ له"... إلى آخِرِ كلامِه , هي قضيةُ تفسيرِ القرآنِ بالسُّنَّةِ النَّبويةِ.
وإذا رجعتَ إلى التفسيرِ بالسُّنَّةِ فإنكَ ستجِدُ أنه على نوعين:
النوعُ الأولُ: تفسيرٌ مباشرٌ للآياتِ، وهو قليلٌ، ومِن أمثلَتِه آيةُ الظُّلمِ المذكورةُ سابقًا: {الَّذين آمَنُوا ولم يَلْبِسُوا إيمانَهم بظُلْمٍ} فسَّرَها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ بالشِّركِ وذَكرَ الآيةَ الأخرى: {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ}.
النوعُ الثاني: استفادةُ المفسِّرِ من السُّنَّةِ في تفسيرِ القرآنِ، وهو كثيرٌ، ومثالُه ما يَذكُرُه بعضُ المفسِّرين عندَ قولِه تعالى: {وجِيءَ يومَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} من قولِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((يُؤْتَى بجَهنَّمَ لها سبعون ألفَ زِمامٍ , لكُلِّ زمامٍ سبعون ألفَ ملَكٍ يَجُرُّونها)).
فالتطابُقُ واضحٌ بينَ معنى الآيةِ ومعنى الحديثِ؛ فلهذا تُعتبرُ تفسيرًا لها، وكذلك قولُه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((أمَّا عثمانُ فقد أتاهُ اليَقينُ من رَبِّهِ)). وذَكرَ الطبريُّ في تفسيرِ قولِه تعالى: {واعْبُدْ ربَّكَ حتى يَأتِيَكَ اليَقينُ} أن المرادَ باليقينِ الموتُ، ثم أورَدَ هذا الحديثَ.
وكذلك ما ذَكرهُ البخاريُّ رحمهُ اللَّهُ في قولِه تعالى: {وهو أَلَدُّ الخِصامِ}. حيث ذَكرَ الحديثَ الواردَ عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها: ((أبْغَضُ الرجالِ إلى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ)). مع أنَّ هذا ليس فيه بيانٌ لمعنى الآيةِ، وإنما ذَكرهُ البخاريُّ؛ لأن اللفظَ الذي وَردَ في الآيةِ هو نَفسُ اللفظِ الذي وَردَ في الحديثِ.
كما يَذكرُ البخاريُّ أيضًا في تفسيرِ قولِه تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مكانًا عَلِيًّا} قولَه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((ورأيتُ إدريسَ في السَّماءِ الرابعةِ)).
وكذلك قولُه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((كُتِبَ على ابنِ آدَمَ حظُّهُ من الزِّنا أَدْرَكَ ذلك لا محالةَ، فالعينانِ تَزْنِيان وزِناهُما النظَرُ، واليدانِ تَزْنِيانِ وزِناهُما البطْشُ)) الحديثَ , يَسْتَشْهِدُ به ابنُ عباسٍ في تفسيرِ قولِه تعالى: {إلَّا اللَّمَمَ} فيَجعلُ اللَّمَمَ هو هذه الأعمالَ التي ذَكرَها الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ.
والأمثلةُ على هذا النوعِ كثيرةٌ جدًّا، وأحسَنُ مَن استفادَ من السُّنَّةِ في التفسيرِ هو ابنُ كثيرٍ رَحمهُ اللَّهُ، وإن كان هذا المنهجَ الذي نَهَجَهُ المحدِّثون قَبلَه في كُتبِ السُّنَّةِ كالبخاريِّ والترمذيِّ والنَّسائيِّ وسعيدِ بنِ منصورٍ والحاكمِ في المُستدرَكِ، وأعلاهم شأنًا في ذلك هو البخاريُّ رحمهُ اللَّهُ.
والمقصودُ أنَّ الاستفادةَ من السُّنَّةِ في بيانِ القرآنِ متنوِّعةٌ وكثيرةٌ، فأحيانًا قد يكونُ فيها بيانٌ للفظِ، وأحيانًا قد يكونُ مجرَّدَ بيانِ أنَّ هذا اللفظَ المذكورَ في الآيةِ وَردَ ذِكرُه في الحديثِ.
وإذا نظرتَ إلى هذا ونظرتَ أيضًا إلى أنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى ذَكرَ مُجمَلاتٍ في العباداتِ وغيرِها لا تَتَبَيَّنُ إلا مِن طريقِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، كمعرفةِ عددِ الصلواتِ المأمورِ بها في قولِه تعالى: {وَأقِيمُوا الصَّلاةَ} ونحوِ ذلك.
فإذا أَدخلْتَ مثلَ هذا التفسيرِ في التفسيرِ النبويِّ فلا شكَّ أنَّ التفسيرَ بالسُّنَّةِ سيكونُ كثيرًا، وهذا ما أراده الأئمةُ مِثلُ الشافعيِّ حينما قال: كُلُّ ما حَكمَ به الرسولُ فهو من مفاهيمِ القرآنِ.
فإذا كان ما حَكمَ به يدخُلُ في ذلك فمعنى هذا أنَّ ما أراد بيانَه يدخُلُ من بابٍ أولى.
هناك مسألةٌ متعلِّقةٌ بهذا الموضوعِ، وهي أنَّ الترتيبَ الذي ذَكرَهُ شيخُ الإسلامِ لمصادِرِ التفسيرِ حينَما قدَّمَ القرآنَ على السُّنَّةِ وقدَّمَ السُّنَّةَ على الصحابةِ وقدَّمَ أقوالَ الصحابةِ على أقوالِ التابعين، هل هذا الترتيبُ من جهةِ استعمالِ المفسِّرِ لها يُعتبرُ ترتيبًا فنيًّا أو هو ترتيبٌ عِلميٌّ؟
الواقعُ أنه ترتيبٌ فنيٌّ، قُصِدَ منه التنْبِيهُ على أنَّ التفسيرَ يُستفادُ من هذه الطرقِ الأربعِ، وليس المرادُ أنها مراحِلُ، إذا لم نَجِدْ كذا نَنزِلُ إلى كذا؛ لأنَّ مَن عَرَفَ طريقةَ التفسيرِ وَجدَ أنَّ هذه المصادِرَ الأربعةَ وغيرَها تتداخلُ، ولا يمكنُ فصلُ بعضِها عن بعضٍ، فأحيانًا تُذكرُ الآيةُ ويُذكرُ معها ما وَردَ من آياتٍ مماثلةٍ لها في المعنى، وأحيانًا تُذكرُ الآيةُ , ويقالُ: اختلفَ أهلُ التفسيرِ فيها على أقوالٍ: القولُ الأولُ كذا ويَشهدُ له حديثُ كذا، والقولُ الثاني كذا وتَشهدُ له آيةُ كذا.
إذًا هنا تداخُلٌ بينَ مصادرِ التفسيرِ حالَ إعمالِ المفسِّرِ لهذه المصادِرِ التي ذَكرَها، وليس المَقامُ هنا مَقامَ ترتيبِ مصادرِ الاستدلالِ، واللَّهُ أعلمُ، هذا الذي أراه في تقسيمِ شيخِ الإسلامِ لهذه المصادرِ، وإنما ذَكَرْتُه؛ لأنَّ بعضَ المعاصرِين فَهِمَ من كلامِ شيخِ الإسلامِ أنه أراد ترتيبًا علميًّا، فيبتدئُ الإنسانُ بالمصدرِ الأولِ ثم الثاني وهكذا. وهذا لا يلزمُ أن يكونَ في جميعِ الآياتِ، قد يَنطبقُ على تفسيرِ بعضِ الآياتِ، ولكن في جملةِ التفسيرِ لا يمكنُ أن يَنضبِطَ هذا المنهجُ، وشيخُ الإسلامِ لم يُطبِّقْ هذا المنهجَ حتى يقالَ: إنَّ هذا التقسيمَ مرادٌ به الترتيبُ عندَه، بل طريقَتُه في تفسيراتِه دَمجُ هذه الطُرقِ بعضِها ببعضٍ، ولكن الذي يَبدو أنه إنما أرادَ التَّنْبِيهَ على مُجمَلِ هذه الطُّرقِ).