الدروس
course cover
التفسير البدعي
9 Nov 2008
9 Nov 2008

3818

0

0

course cover
شرح مقدمة التفسير

القسم الثالث

التفسير البدعي
9 Nov 2008
9 Nov 2008

9 Nov 2008

3818

0

0


0

0

0

0

0

التفسير البدعي

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ طُرُقِ العِلْمِ وَأَدِلَّتِهِ وَطُرُقِ الصَّوابِ . وَنَحنُ نَعْلَمُ أَنَّ القرآنَ قَرَأَهُ الصَّحابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ ، وَأنَّهُم كَانُوا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ ، كَمَا أَنَّهُم أَعْلَمُ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ خَالَفَ قَوْلَهُم وَفَسَّرَ القُرآنَ بِخِلاَفِ تَفْسِيرِهِم فَقَدْ أَخْطَأَ فِي الدَّليلِ وَالْمَدْلُولِ جَمِيعًا .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلُّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ لَهُ شُبْهَةٌ يَذْكُرُهَا : إِمَّا عَقْلِيَّةٌ ، وَإِمَّا سَمْعِيَّةٌ ، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ .
وَالْمَقْصُودُ هُنا التَّنبيهُ عَلَى مَثَارِ الاخْتِلافِ فِي التَّفسيرِ ، وَأَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِهِ البِدَعَ البَاطِلَةَ الَّتِي دَعَتْ أَهْلَهَا إِلَى أَنْ حَرَّفُوا الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ . وَفَسَّرُوا كَلامَ اللهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْرِ مَا أُرِيدَ بِهِ ، وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ .
فَمِنْ أُصُولِ العِلْمِ بِذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ الإِنْسَانُ القَوْلَ الَّذِي خَالَفُوه وَأنَّهُ الْحَقُّ ، وَأَنْ يَعْرِفَ أنَّ تَفْسِيرَ السَّلفِ يُخَالِفُ تَفْسِيرَهُم ، وَأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ تَفْسيرَهُمْ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ ، ثُمَّ أَنْ يَعْرِفَ بِالطُّرُقِ الْمُفَصَّلَةِ فَسَادَ تَفْسِيرِهِمْ بِمَا نَصَبَهُ اللهُ مِن الأَدِلَّةِ عَلَى بَيَانِ الْحَقِّ .
وَكَذَلِكَ وَقَعَ مِن الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرِهِ مِن الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَ فِيمَا صَنَّفُوهُ مِنْ شَرْحِ القُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ).

هيئة الإشراف

#2

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)


القارئ: ("فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته وطرق الصواب. ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعاً، ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (أخطأ في الدليل؛ لأنه فسره بغير المراد به، وأخطأ في المدلول حيث يعتبر معنى مخالف لما كان عليه السلف. أي نعم).
 

القارئ: ("ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها، إما عقلية وإما سمعية كما هو مبسوط في موضعه").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (صحيح ما قاله الشيخ رحمه الله له أصل في القرآن، أن المخالفين لذلك لهم شبهة، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه}؛ لأن المبطل لو أتى بشيء لاشبهة فيه (هه) لم يقبل منه، أليس كذلك؟ فهو يأتي بأمور فيها اشتباه، لكنه والعياذ بالله زائغ، لا يحمل هذا المشتبه على (إيش)؟ المحكم، حتى يكون بيناً وإنما يجعل الشيء كله مشتبهاً، وكما قال الشيخ رحمه الله: كل من خالف الصحابة والتابعين لهم بإحسان فله شبه، له شبه يتعلل بها ويموه بها. أي نعم).

القارئ: ("والمقصود هنا التنبيه على مسار الاختلاف في التفسير، وأن من أعظم أسبابه البدعَ الباطلة التي دعت أهلَها إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه وفسروا كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير ما أريد به، وتأولوه على غير تأويله.
فمن أصول العلم بذلك أن يعلم الإنسان القول الذي خالفوه، وأنه الحق، وأن يعرف أن تفسير السلف يخالف تفسيرهم، وأن يعرف أن تفسيرهم محدث مبتدع. ثم أن يعرف بالطرق المفصلة فساد تفسيرهم بما نسبه الله من الأدلة على بيان الحق، وكذلك وقع من الذين صنفوا في شرح الحديث وتفسيره من المتأخرين من جنس ما وقع فيما صنفوه من شرح القرآن وتفسيره).

هيئة الإشراف

#3

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)


قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): ( (فإنَّ المقصودَ بيانُ طُرُقِ العلْمِ وأدلَّتِه وطُرُقِ الصوابِ)، المقصودُ مِن التفاسيرِ: أنَّ المفسِّرَ يُبَيِّنُ معنى الآيةِ؛ لا أنه يَحْمِلُها على معتقدِه، فإذا كان أشعريًّا، وتحامَلَ في الآياتِ، وحَمَلَها على ما يَعتقدُه، ولم يُبَيِّنْ أقوالَ السلَفِ رَحِمَهم اللهُ؛ كان بذلك مخطئاً؛ لأن تفسيرَ السلَفِ والصحابةِ والتابعينَ أقرَبُ؛ وذلك لأنهم شاهَدُوا التنزيلَ، ولأنهم تَلَقَّوْا معناها وتفسيرَها عن نبيِّهم صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، ولأنهم أعلَمُ باللغةِ ممن جاءَ بعدَهم.

قولُه: (ونحنُ نَعلَمُ أنَّ القرآنَ قَرأهُ الصحابةُ والتابعونَ وتابعوهم) قَرأوه على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، وكان من حالهم أنهم إذا كانوا قَرَأوا عشْرَ آياتٍ؛ لم يَتجاوَزُها حتى يَتَعَلَّمُوا ما فيها، قالوا: فتَعلَّمْنَا القرآنَ والعلْمَ والعملَ جميعاً.
ونَعْلَمُ أيضاً أنهم أَعْلَمُ بتفسيرِه ومعانيهِ، كما أنهم أعلَمُ بالحقِّ الذي بَعَثَ اللهُ به رسولَه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ؛ وذلك لأنهم أَخَذُوا الحقَّ عنه شِفاهاً، تَلَقَّوْا رسالتَه التي أُرْسِلَ بها، وأَعلَمُ بالقرآنِ، وأَعلمُ بالسُّنَّةِ، وأعلَمُ بالأحكامِ، (فإذا خالَفَ تفسيرَهُم أَحَدٌ؛ - كان ذلك المخالِفُ مُخْطِئاً، - فمَن خالَفَ قولَهم، وفَسَّرَ القرآنَ بخِلافِ تفسيرِهم؛ أَخْطَأَ في الدليلِ والمدلولِ)، أخطأَ حيث أتى بأقوالٍ مُبتدَعَةٍ، وحيث اسْتَدَلَّ بأدلَّةٍ لا دَلالةَ فيها، وحيث حَرَّفَ المدلولَ عمَّا هو عليه.
(معلومٌ أنَّ كلَّ مَن خالَفَ قولَهم له شُبهةٌ يَذْكُرُها؛ إما عقليَّةٌ وإما سمعيَّةٌ، كما هو مبسوطٌ في مَوْضِعِه)، فشُبُهاتُ المعتزِلةِ وعقائدُهم، وشبهاتُ الخوارجِ، وشبهاتُ الْمُرْجَئِةِ، وشُبهاتُ الروافضِ، وشُبهاتُ الجهميَّةِ، ونحوِهم؛ عَقليَّةٌ أو نقليَّةٌ، فيَحملونَ الآياتِ والأحاديثَ على ما يَعتقدونَه، ويُسَمُّونَ تحريفَهم هذا تأويلاً، ويقولونَ: إنَّ الحاملَ عليه أننا نُريدَ الجمْعَ بينَ الأدلَّةِ السمعيَّةِ والعقليَّةِ؛ حتى لا تَتعارَضَ، وحتى لا تُعَارِضَنَا هذه الأدلَّةُ التي هي واضحةُ الدلالةِ، ومقطوعٌ بصحَّتِهَا، يقولونَ في تعريفِ التأويلِ: إنه صَرْفُ اللفظِ عن الاحتمالِ الراجحِ إلى الاحتمالِ المرجوحِ لدليلٍ يَقترنُ به، فيقولونَ مثلاً: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: إنَّ الاستواءَ له تفسيرٌ راجحٌ وتفسيرٌ مرجوحٌ، فالتفسيرُ الراجحُ هو: العُلُوُّ، استوى: يعني: عَلاَ وارْتَفَعَ، والتفسيرُ المرجوحُ هو: الاستيلاءُ، فنختارُ المرجوحَ؛ لدليلٍ يَقترنُ به، وهو أن يَتَّفِقَ مع الدليلِ العقليِّ؛ فإنَّ الدليلَ العقليَّ عندَهم يَنْفِي صفةَ العُلُوِّ، فهذا هو تأويلُهم.
(والمقصودُ هنا: التنبيهُ على مَثارِ الاختلافِ في التفسيرِ)، يعني: على أسبابِه، (وأنَّ مِن أعظَمِ أسبابِه: البِدَعَ الباطلةَ، التي دَعَتْ أهلَها إلى أن حَرَّفُوا الكلِمَ عن مَواضعِه)، بِدَعُ هؤلاءِ المبتدِعَةِ؛ رافضةً أو معتزِلَةً أو نحوَها، (دَعَتْ أهلَها وحَمَلَتْهُم إلى أن حَرَّفُوا الكلِمَ عن مَواضعِه)، فَسَّرُوا الكلامَ بتفاسيرَ بعيدةٍ، وفَسَّرُوا الإرادةَ، وفَسَّرُوا السمْعَ والبصَرَ بتفاسيرَ بعيدةٍ؛ لتُوافِقَ معتقَدَهم، (وفَسَّرُوا كلامَ اللهِ، وكلامَ رسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ بغيرِ ما أُريدَ به)، أي: بتفاسيرَ بعيدةٍ عما أرادَ اللهُ تعالى بكلامِه، (وتَأَوَّلُوهُ على غيرِ تأويلِه)، وحَمَّلُوهُ مَحاملَ بعيدةً عن أن تكونَ مُرادةً للهِ تعالى.
(فمِن أصولِ العلْمِ بذلك: أن يَعلمَ الإنسانُ القولَ الذي خالَفُوه، وأنه الحقُّ). إذا أَردتَ أن تَعرفَ الحقَّ فانْظُرْ إلى أقوالِ السلَفِ وإلى تفاسيرِهم، تَعلَمْ أنها هي الصوابُ، ثم بعدَ ذلك تَطَّلِعُ على أقوالِهم وتَعْرِفُ كيفَ أَخْطَأُوا فيها، وتَعرفُ كيف تَحَامَلوا على تأويلِ هذه الآياتِ وتحريفِها وتفسيرِها بتفاسيرَ؛ لتوافِقَ معتقداتِهم؟ (وأن يَعرفَ أنَّ تفسيرَ السلَفِ يُخالِفُ تفاسيرَهم، وأن يَعرفَ أنَّ تفاسيرَهم مُحْدَثَةٌ مُبتدَعَةٌ)، حَمَلَتْهم عليها عقيدتُهم الباطلةُ الزائغةُ.
وقد ذَكَرْنا أيضاً: أنَّ بعضَ المتأخِّرينَ حَمَلُوا الآياتِ على ما يُشاهدونَهُ، وفَسَّرُوها بتفاسيرَ تُناسِبُ زمانَهم، ففَسَّرَ بعضُهم قولَه تعالى: {وَآيَةً لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} وقالوا: الفلْكُ المشحونُ هو السياراتُ والطائراتُ، ونحن نُنْكِرُ ذلك، ونقولُ: إنَّ الفُلْكَ هو: السفُنُ؛ وذلك لأن اللهَ قالَ: {وَآيَةً لَهُمْ}، يعني: آيةً لأولئكَ الذين سَمِعُوا القرآنَ ونَزَلَ عليهم، وهذه الصناعاتُ الجديدةُ ليستْ آيةً لهم، ولا شاهَدُوها، ولا حَدَثَتْ إلا في هذه الأزمنةِ، فكيف تكونُ آيةً لهم؟! فحَمْلُها على السفُنِ القديمةِ التي أَخْبَرَ اللهُ تعالى بقولِه: {وَالْفُلْكَ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} هو الأصْلُ.

قولُه: (ثم يُعْرَفُ بالطرُقِ المفصَّلَةِ فَسادُ تفاسيرِهم؛ بما نَصَبَه اللهُ مِن الأدِلَّةِ على بيانِ الحقِّ) فإنَّ الحقَّ قديمٌ، والحقَّ عليه أَدِلَّةٌ واضحةٌ؛ إما مِن سياقِ الآياتِ، وإما مِن الآياتِ الأخرى، وإما مِن تفاسيرِ السلَفِ رَحِمَهم اللهُ.

قولُه: (وكذلك وَقَعَ مِن الذين صَنَّفُوا في شرْحِ الحديثِ)، يعني: أنَّ هناك مَن غَلِطُوا أيضاً في تفسيرِ الأحاديثِ النبويَّةِ؛ كما غَلِطُوا في تفاسيرِ الآياتِ القرآنيَّةِ، فحَمَلُوا الأحاديثَ على ما يَهْوَوْنَهُ، إذا جاءَتْهم الأحاديثُ التي تَتَعَلَّقُ بالصفاتِ؛ فإما أن يَرُدُّوهَا ويقولوا: إنها آحادٌ، وإما أن يُحَرِّفُوهَا عما تَتَضَمَّنُه، كتحريفِهم لأحاديثِ الشفاعةِ، ولأحاديثِ الرؤيةِ.
لمَّا كانوا يُنْكِرُونَ رؤيةَ اللهِ في الآخرةِ وفي الجنةِ، أَخَذُوا يُأَوِّلُونَ الآياتِ، وكذلك يُأَوِّلُونَ الأحاديثَ التي في إثباتِ الصفاتِ؛ في إثباتِ الرؤيةِ، وفي إثباتِ صفةِ الوجهِ، وما أَشْبَهَ ذلك، فيُنكرونَ ذلك.
سَمِعَ بعضُهم رَجُلاً يَدْعُو بالدعاءِ المشهورِ الذي فيه: وأَسألُكَ لَذَّةَ النظَرِ إلى وَجْهِك الكريمِ، والشوقَ إلى لقائِك، في غيرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، ولا فتنةٍ مُضِلَّةٍ. فقالَ له مُنْكِراً: هَبْ أنَّ له وجهاً؛ فكيف يُمْكِنُك أن تَنظرَ إليه، وأن تَتَلَذَّذَ بالنظَرِ إليه؟! فقالَ ذلك الداعي: أنا مُتَّبِعٌ ولستُ بِمُبْتَدِعٍ، لا تَرُدَّ عليَّ، رُدَّ على الذين رَوَوْا هذا الحديثَ وهذا الدعاءَ؛ فإنه دعاءٌ ثابتٌ لا شَكَّ في ثُبوتِه.
فيَحْمِلُونَ - مَثَلاً - الوجهَ على الذاتِ؛ لأنهم يُنْكِرُونَ صفةَ الوجهِ للهِ تعالى.
والحاصلُ: أنَّ هناكَ قوماً صَنَّفُوا في شَرْحِ الأحاديثِ، فإذا جاءَتْهُم الأحاديثُ التي تُخالِفُ مُعتقدَهم في الأسماءِ والصفاتِ؛ سَلَكُوا مَسلكَ تأويلِهم للآياتِ، فيُفَسِّرُونَها مِن جِنْسِ ما وَقَعُوا فيه مِن تأويلِ الآياتِ، (مِن جِنْسِ ما وَقعوا فيما صَنَّفُوهُ مِن شَرْحِ القرآنِ وتفسيرِه)، وهؤلاءِ ليسوا جَهَلَةً؛ وإنما حَمَلَهم على ذلك ما يَعتقدونَه، فأَصَرُّوا على هذا المعتقَدِ، وتَتابَعوا عليه؛ مُتأَخِّرُهم يُقَلِّدُ مُتَقَدِّمَهُمْ).

هيئة الإشراف

#4

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ن والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى وأتم التسليم... أما بعـد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(ثم إنه بسبب تطرق هؤلاء وضلالهم دخلت....).

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (تطرف هؤلاء بالفاء هو أحسن).


القارئ: (ثم إنه بسبب تطرف هؤلاء وضلالهم دخلت الرافضة الإمامية ثم الفلاسفة، ثم القرامطة، وغيرهم فيما هو أبلغ من ذلك.
وتفاقم الأمر في الفلاسفة والقرامطة والرافضة فإنهم فسروا القرآن بأنواع لا يقضي منها العالم عجبه.
فتفسير الرافضة كقولهم: {تبت يدا أبي لهب} هما أبو بكر وعمر.
و {لئن أشركت ليحبطن عملك } أي: بين أبي بكر وعمر وعلي في الخلافة.
و {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} هي عائشة.
و {فقاتلوا أئمة الكفر} طلحة والزبير.
و {مرج البحرين} علي وفاطمة.
و {اللؤلؤ والمرجان} الحسن والحسين.
و {كل شيء أحصيناه في إمام مبين} في علي بن أبي طالب.
و {عم يتساءلون عن النبأ العظيم} علي بن أبي طالب.
و {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} هو علي، ويذكرون الحديث الموضوع بإجماع أهل العلم وهو تصدقه بخاتمه في الصلاة.
وكذلك قوله: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} نزلت في علي لما أصيب بحمزة. ومما يقارب هذا من بعض الوجوه: ما يذكره كثير من المفسرين في مثل قوله: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} إن الصابرين رسول الله، والصادقين أبو بكر، والقانتين عمر، والمنفقين عثمان، والمستغفرين علي.
وفي مثل قـولـه: {محمد رسول الله والذين معه} أبو بكر {أشداء على الكفار} عمر، {رحماء بينهم} عثمان {تراهم ركعاً سجداً } علي. وأعجب من ذلك قول بعضهم {والتين} أبو بكر، {والزيتون} عمر، {وطور سينين } عثمان {وهذا البلد الأمين} علي.
وأمثال هذه الخرافات التي تتضمن تارة تفسير اللفظ بما لا يدل عليه بحال فإن هذه الألفاظ التي لا تدل على هؤلاء الأشخاص بحال.
وقوله: {والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً} كل ذلك نعت للذين معه، وهي التي يسميها النحاة خبراً بعد خبر.
والمقصود هنا أنها كلها صفات لموصوف واحد، وهم الذين معه، ولا يجوز أن يكون كل منها مراداً به شخص واحد وتتضمن تارة جعل اللفظ المطلق العام منحصراً في شخص واحد كقوله: إن قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} أريد بها علي وحده. وقول بعضهم: {والذي جاء بالصدق وصدق به} أريد بها أبو بكر وحده وقوله: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} أريد بها أبو بكر وحده ونحو ذلك.
وتفسير ابن عطية وأمثاله أتبع للسنة والجماعة، وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل فإنه كثيراً ما ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري – وهو أجل التفاسير المأثورة وأعظمها قدراً – ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف لا يحكيه بحال ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام، الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت المعتزلة أصولهم، وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه، ويعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب، فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه وذلك المذهب ليس مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان صار مشاركاً للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا.
وفي الجملة: من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئاً في ذلك، بل مبتدعاً وإن كان مجتهداًَ مغفوراًَ له خطأه.
فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته، وطرق الصواب، ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسول صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعاً ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية كما هو مبسوط في موضعه.
والمقصود هنا: التنبيه على مثار الاختلاف في التفسير، وأن من أعظم أسبابه: البدع الباطلة التي دعت أهلها إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه وفسروا كلام الله ورسوله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بغير ما أريد به، وتأولوه على غير تأويله.
فمن أصول العلم بذلك: أن يعلم الإنسان القول الذي خالفوه، وأنه الحق، وأن يعرف أن تفسير السلف يخالف تفسيرهم، وأن يعرف أن تفسيرهم محدث مبتدع.
ثم أن يعرف بالطرق المفصلة فساد تفسيرهم بما نصبه الله من الأدلة على بيان الحق. وكذلك وقع من الذين صنفوا في شرح الحديث وتفسيره من المتأخرين من جنس ما وقع فيما صنفوه من شرح القرآن وتفسيره).

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه... أما بعد:
فهذا السياق الطويل من شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – أراد به أن يمثل على نوع من أنواع التفسير بالرأي المذموم وبيان بطلان ذلك من طريق مجمل وكذلك الإشارة إلى أنه يبطل بالطريق المفصل هذا التفسير بالرأي المذموم هو كما ذكرت لكم هو أن يفسره بما يعتقده من خالف نهج الصحابة والتابعين ونهج سلف هذه الأمة مثل: تفاسير الرافضة فيما ذكر من أنواع التفسير الذي نقله شيخ الإسلام – رحمه الله – عن تفاسيرهم ولاشك أن هذه التفاسير التي فسروها باطلة لأوجه:
1- أولاً: لأن اللفظ لا يحتمل ذلك فكونهم يفسرون آية ما بأنها علي واللفظ لا يدل عليه مثل: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}، وتفسيرهم للجبت والطاغوت بأنهما: أبو بكر وعمر ونحو ذلك هذه التفاسير لا يدل عليها اللفظ كونهم فسروا معنىً معروفاً معناه في اللغة بأن المراد به معين من الصحابة هذا باطل من أوجه كما ذكرت، الأول أن هذا لا يدل عليه معنى اللفظ في اللغة يقولون إن هذا تأويل والتأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى معنى آخر لقرينة تدل على ذلك ويقولون صرفناه للقرينة التي دلت على ذلك والقرينة عندهم حججهم التي بين أيديهم الحجج الباطلة التي فيها الأمر بذبح أبي بكر – مثلاً – أو بذبح عثمان أو بذبح عمر – رضِي اللهُ عَنْه ونحو ذلك أو أن الجبت والطاغوت هما اللذان أضلا الناس وهما أبو بكر وعمر لكن التأويل عند العلماء ثلاثة أنواع:
أ- منه تأويل صحيح. ب- ومنه تأويل مرجوح.
ج_ ومنه تأويل باطل: وهو من اللعب؛ وذلك إذا كان التأويل لغير قرينة تدل عليه من اللغة أو من نص الشارع الصحيح.
فهذه التفاسير التي فسروها إذا سموها تأويلاً يقولون خرجنا عن ظاهر اللفظ للتأويل كما يزعمه الرافضة، الجواب عنه أن هذا تأويل باطل هو من اللعب والتلاعب بالقرآن وبنصوص الكتاب والسنة لأن هذا تأويل لم يأتِ عليه دليل بل الأدلة تبطل ذلك فإن فضل أبي بكر وفضل عمر وأنهما أفضل الصحابة على الإطلاق هذا جاءت به الأدلة فكيف يصرفونه عن ظاهره إلى غيره.
المقصود وأن هذا وإن سموه تأويلاً فإنه تأويل من نوع اللعب وهذا كفر عند كثير من العلماء.
2- الوجه الثانـي: أن هذه التفاسير باطلة لأن معتمدها الهوى فهم فسروا القرآن الذي أنزل على النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بما أحدث من الاعتقادات بعد أكثر من قرن من وفاة النبي عليه الصلاة والسلام فتلك الاعتقادات من اعتقادات الرافضة واعتقادات المعتزلة ومن شابه هؤلاء وهؤلاء تلك الاعتقادات أحدثت ولم يكن شيء منها في الصحابة ولا في كبار التابعين وإنما أحدثت بعد ذلك فكيف يكون المراد بالقرآن الذي أنزل على النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم يكون المراد به التأويلات أو الاعتقادات المحدثة بعد أكثر من قرنٍ من نزول هذا القرآن ومن وفاة النبي عليه الصلاة والسلام.
3- الوجه الثالث: من إبطال هذه التفاسير أنها تفاسير خرجت عن تفسير الصحابة والتابعين وهذا هو الأصل العظيم الذي يريد شيخ الإسلام – رحمه الله – تقريره هذه التفاسير خرجت عما فسر به الصحابة والتابعون لهم بإحسان تلك الآيات، فالصحابة تفاسيرهم لتلك الآيات محفوظة كذلك التابعون تفاسيرهم لتلك الآيات محفوظة فمن خرج عن تفاسيرهم وأتى بمعنى يناقض ما قالوه فإنه مردود قطعاًَ لأن أعلم الأمة بالقرآن هم صحابة رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم ولا يجوز أن يقال إن هناك معنى في القرآن حجب عن الصحابة وحجب عن التابعين لهم بإحسان وأدركه من بعدهم يكون المعنى من أصله حجبوا عنه وأدركه من بعدهم هذا باطل وذلك لأن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بين أن خير الأمة قرنه عليه الصلاة والسلام فقال: ((خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) والخيرية لها جهات ومن أعظم جهات الخيرية العلم فالعلم بالكتاب وبالسنة كان محفوظاًَ في الصحابة – رضوان الله عليهم – ولم يحجب عن مجموع الصحابة علم مسألة من الكتاب والسنة، نعم قد يكون بعض الصحابة يجهل بعض معاني الكتاب والسنة لكن يعلمه بعض الصحابة الآخرون، أما بعمومهم فلا يجهل الصحابة بمجموعهم معنى آية أو معنى سنة عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم لهذا نقول هذا الطريق مجمل كما ذكر طيق مجمل في بيان بطلان تلك الأقوال من أصلها، ما هذا الطريق المجمل؟
أن تلك الأقوال خرجت عن أقوال الصحابة والتابعين في تفاسيرهم، تفاسير الصحابة والتابعين محفوظة لدينا وليس فيها شيء من تلك البدع والضلالات التي يذكرها الرافضة أو يذكرها أهل الاعتزال.
الطريق الثاني طريق مفصل: وهذا أشار إليه شيخ الإسلام وهو أن الأقوال التي تخالف أقوال الصحابة والتابعين في التفسير تخالفها، بمعنى أن أقوال الصحابة لا تدل عليها ولا تشمل ذلك التفسير المحدث مثل تفاسير آيات الصفات بالمعاني والمؤولة والمحرفة ومثل تفاسير الرافضة ومثل تفاسير الصوفية في إشارياتهم ومثل تفاسير أهل البدع والإسماعيلية والباطنية ونحو ذلك.
هذه التفاسير باطلة أيضاً على التفصيل وذلك أنه ما من قول إلا وفي الكتاب والسنة من الدلائل ما يدل عليه بطلان ذلك القول الذي أحدثه المبتدعة فكل قول له دليل يبطله.
فإذا قالوا مثلاً الجبت والطاغوت عمر وأبو بكر – رضِي اللهُ عَنْهما – أو قال المعتزلة إن قوله: {الرحمن الرحيم} المراد به الإنعام، أو نفوا الحوض في السنة، أو نفوا الميزان الذي جاء ذكره في القرآن وقالوا لا ميزان أو نفوا الصراط هذه كلها أقوال لأهل الاعتزال ومن شابههم إذا أتت آية فيها ذكر الصراط فإنهم ينفون أن ثم صراط على متن جهنم.
كذلك الميزان في قوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} وفي قوله: {فأما من ثقلت موازينه} ونحو ذلك، ينفون وجود الميزان الحسي ويقولون هذه تشبيهات هذه الأقوال كل قول منها ثم أدلة من الكتاب والسنة مفصلة على بطلان ذلك القول بخصوصه. فمثلاً في الصفات: الأدلة من الكتاب والسنة على إثبات صفة الرحمة أكثر من أن تحصر وهذا جواب مفصل يعني رد مفصل على تأويلاتهم الباطلة التي هي من جنس اللعب وشر التحريف لآيات القرآن. كذلك الذين نفوا الميزان هناك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة تمنع ذلك وهذا هو الدليل المفصل.
فإذاً نقول على وجه الاختصار من خالف تفاسير الصحابة والتابعين وأتى بمعنى جديد لا يشمله تفاسير الصحابة والتابعين لهم بإحسان فهذا قوله مردود عليه من جهتين:
أ- الجهة الأولى: مجملة، الدليل الأول مجمل وذلك الدليل أن ما خرج عن تفاسير الصحابة والتابعين فهو مردود لأن العلم محفوظ فيهم ولا يمكن أن يدخر لمن بعدهم علم ويحجب عن الصحابة لأنهم خير هذه الأمة.
ب- الثانـي دليل مفصل ووجه مفضل: وهو ما من تفسير يخالف تفاسيرهم ويأتي بمعنى محدث إلا وثم أدلة كثيرة من الكتاب والسنة تبطل ذلك التفسير المعين).

هيئة الإشراف

#5

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار


قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه: (فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ طُرُقِ العِلْمِ وَأَدِلَّتِهِ وَطُرُقِ الصَّوابِ. وَنَحنُ نَعْلَمُ أَنَّ القرآنَ قَرَأَهُ الصَّحابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ، وَأنَّهُم كَانُوا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ، كَمَا أَنَّهُم أَعْلَمُ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ , فَمَنْ خَالَفَ قَوْلَهُم وَفَسَّرَ القُرآنَ بِخِلاَفِ تَفْسِيرِهِم فَقَدْ أَخْطَأَ فِي الدَّليلِ وَالْمَدْلُولِ جَمِيعًا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كُلُّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ لَهُ شُبْهَةٌ يَذْكُرُهَا: إِمَّا عَقْلِيَّةٌ، وَإِمَّا سَمْعِيَّةٌ، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنا التَّنبيهُ عَلَى مَثَارِ الاخْتِلافِ فِي التَّفسيرِ، وَأَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِهِ البِدَعَ البَاطِلَةَ الَّتِي دَعَتْ أَهْلَهَا إِلَى أَنْ حَرَّفُوا الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَفَسَّرُوا كَلامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ بِغَيْرِ مَا أُرِيدَ بِهِ، وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ).
هذه إشارةٌ إلى أقوامٍ قد اعتقدوا هذه الآراءَ وخالَفوا مذهبَ السَّلفِ ولم يأخُذوا به، ولكن هل يدخُلُ في حكمِ هؤلاءِ مَن اعتمَدَ على قولِ السَّلفِ في التفسيرِ , ولكنه أتى بمعنًى جديدٍ تحتملُه الآيةُ ولا يُخالِفُ قولَ السَّلفِ؟
هذا لم يُحرِّرْهُ شيخُ الإسلامِ هنا، ولكن يتَّضِحُ من تطبيقاتِ علماءِ أهلِ السُّنَّةِ أن هذا ممكنٌ ولكن بشرطِ أن يكونَ المعنى المفسَّرُ به صحيحًا من جهةِ نفْسِه ومِن جهةِ احتمالِ الآيةِ لَه، ثمَّ ألاَّ يَترُكَ المفسِّرُ قولَ السَّلفِ ولا يعتقدَ أنَّ قولَ غيرِهم أبْلَغُ من قولِهم، وبَحثُ هذا الموضوعِ وتحريرُه مُهِمٌّ جدًّا؛ لأنه كثُرت التفاسيرُ الحادثةُ في هذا العصرِ، وصِرْتَ تَرى الطبيبَ يُفسِّرُ القرآنَ ويُسمِّيهِ إعجازًا طِبِّيًّا في القرآنِ، والعالِمَ النَّفْسيَّ يُفسِّرُ القرآنَ ويسمِّيهِ إعجازًا في علمِ النَّفسِ في القُرآنِ، والمهندسَ يُفسِّرُ القرآنَ ويُسمِّيهِ الإعجازَ الهندسيَّ في القرآنِ وهكذا...، فهل كلُّ ما في هذه الاجتهاداتِ الحادثةِ مزيَّفٌ مردودٌ، أم فيها حقٌّ، وإذا كان فيها حقٌّ، فكيف يُعرفُ من بينِ ذلك الكثيرُ من المزيَّفِ المردودِ .
وأيًّا ما كان الأمرُ، فإنَّ هذا ـ كما قلتُ ـ يحتاجُ إلى تحريرٍ، ولكن يَحسُنُ أن تُلاحِظَ أنَّ شيخَ الإسلامِ نبَّهَ إلى قاعدةٍ كُليَّةٍ وهي أنَّ تَركَ قولِ السَّلَفِ ومخالَفَتَهُ إلى قولٍ آخَرَ طريقٌ غيرُ صحيحٍ، وذَكرَ أنَّ مَن فَعلَ ذلك لا بدَّ أنْ تكونَ له شبهةٌ، إما عقليةٌ، وإما سمعيةٌ، وإلا كان صاحِبَ هوًى.
قولُه: (مِنْ أُصُولِ العِلْمِ بِذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ الإِنْسَانُ القَوْلَ الَّذِي خَالَفُوه وَأنَّهُ الْحَقُّ، وَأَنْ يَعْرِفَ أنَّ تَفْسِيرَ السَّلفِ يُخَالِفُ تَفْسِيرَهُم، وَأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ تَفْسيرَهُمْ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ، ثُمَّ أَنْ يَعْرِفَ بِالطُّرُقِ الْمُفَصَّلَةِ فَسَادَ تَفْسِيرِهِمْ بِمَا نَصَبَهُ اللَّهُ مِن الأَدِلَّةِ عَلَى بَيَانِ الْحَقِّ).
يشيرُ المصنِّفُ هنا إلى قضيةٍ مهمَّةٍ لمَن أرادَ أن يَلِجَ علمَ التفسيرِ، وهي أن يكونَ عنده بصرٌ بمذاهبِ هؤلاءِ الأقوامِ بحيث إنه إذا حَملُوا الآيةَ على معنًى أنها حُمِلَتْ على هذا المذهَبِ).