الدروس
course cover
المفاضلة بين تفسير ابن عطية وتفسير الزمخشري
9 Nov 2008
9 Nov 2008

4937

0

0

course cover
شرح مقدمة التفسير

القسم الثالث

المفاضلة بين تفسير ابن عطية وتفسير الزمخشري
9 Nov 2008
9 Nov 2008

9 Nov 2008

4937

0

0


0

0

0

0

0

المفاضلة بين تفسير ابن عطية وتفسير الزمخشري

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَتَفْسيرُ ابْنِ عَطِيَّةَ وَأَمْثَالِهِ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَسْلَمُ مِن البِدْعَةِ مِن تَفْسِيرِ الزَّمَخْشَرِيِّ ، وَلَوْ ذَكَرَ كَلاَمَ السَّلَفِ الْمَوْجُودَ فِي التَّفَاسِيرِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُم عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ أحسَنَ وَأَجْمَلَ ، فَإنَّهُ كثيرًا مَا يَنْقُلُ مِن تَفْسِيرِ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَهُوَ مِن أَجَلِّ التَّفاسيرِ الْمَأْثُورَةِ وَأَعْظَمِهَا قَدْرًا ، ثُمَّ إِنَّهُ يَدَعُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَن السَّلفِ لاَ يَحْكِيهِ بِحَالٍ ، وَيَذْكُرُ مَا يَزْعُمُ أنَّهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ ، وَإنَّمَا يَعْنِي بِِهِم طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الكَلاَمِ الَّذِينَ قَرَّرُوا أُصُولَهُم بِطُرُقٍ مِنْ جِنْسِ مَا قَرَّرَتْ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ أُصُولََهمْ ، وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى السُّنَّةِ مِن الْمُعْتَزِلةِ ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، وَيُعْرَفَ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ التَّفْسِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ ؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالأَئِمَّةَ إِذَا كَانَ لَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الآيةِ قَوْلٌ ، وَجَاءَ قَوْمٌ وَفَسَّرُوا الآيَةَ بِقَوْلٍ آخَرَ لأَجْلِ مَذْهَبٍ اعْتَقَدُوه - وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَيْسَ مِنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ – [صَارُوا مُشَارِكِينَ] لِلْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِم مِنْ أَهْلِ البِدَعِ في مِثْلِ هَذَا .
وَفِي الْجُمْلَةِ مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِِ الصَّحَابةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِم إِلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ ؛ كانَ مُخْطِِئًا فِي ذَلِكَ بَلْ مُبْتَدِعًا ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ).

هيئة الإشراف

#2

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)


القارئ: ("وتفسير ابن عطية وأمثاله أتبع للسنة والجماعة وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري، ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل، فإنه كثيراً ما ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري، وهو من أجل التفاسير المأثورة وأعظمها قدرا، ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف، لا يحكيه بحال، ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت به المعتزلة أصولهم، وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة، لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه ويُعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب، فإن الصحابة والتابعين..".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هذا من كلام الشيخ رحمه الله يدل على أن الرجل منصف وعادل، وأن الحق إذا كان من أهل البدع يجب أن يُقبل, وأن أهل البدع إذا كان بعضهم أقرب إلى السنة من بعض يجب أن يُثنى عليهم بهذا القرب، وأما أن نرد ما قاله أهل البدع جملة وتفصيلاً حتى ما قالوه من الصواب ونقول: هذا قاله صاحب بدعة فهذا خطأ؛ لأن الواجب أن يقول الإنسان الحق أينما كان، ولا ينظر إلى قائله، ولهذا قال: يجب أن يعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال، أنت إذا عرفت الحق بالرجال معناه أنك مقلد محض، لكن إذا عرفت الرجال بالحق وأنه إذا كان ما يقولونه حقاً فهم رجال حقاً، هذا هو العدل، فالشيخ رحمه الله يقول: يجب أن يعطى كل ذي حق حقه، حتى لو كان من أهل البدع وكان قريباً من أهل السنة، فإننا نعطيه حقه ونقول: هذا المبتدع أقرب إلى السنة من هذا المبتدع. أي نعم.

القارئ: ("فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان _ صاروا مشاركين للمعتزلة وغيرهم....
الوجـه الثانـي...من أهل البدع في مثل هذا، وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئاً في ذلك بل مبتدعاً، وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤه، فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته وطرق الصواب، ونحن نعلم...".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (انتبهوا إلى هذه المسألة مهمة، "من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئاً في هذا، بل مبتدعاً، وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤه" يعني فنحن نصفه بأنه مخطئ وبأنه مبتدع؛ لأن كل قول في دين الله لم يأتِ في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا في قول الصحابة والتابعين لهم بإحسان فهو قول مبتدَع، لأنه محدَث، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)).
فهذه قاعدة مهمة، سواء كان ذلك في التفسير أو في الأحكام الشرعية أو في الأمور العلمية العقدية، فكل شيء مخالف لما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان فإنه قول مبتدع وصاحبه مخطىء، ولكن هل يأثم هذا القائل؟ ينظر: إذا كان مجتهداً باذلاً وسعه في طلب الحق، ولكن لم يصل إليه فهو مغفور له، ولهذا قال الشيخ رحمه الله: وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤه، فلنا الآن نظران: نظر إلى القول أو التفسير ونظر إلى القائل أو المفسر، فالقول أو التفسير المخالف لما كان عليه الصحابة والتابعين لهم بإحسان هذا قول مبتدع باطل، وأما بالنسبة للقائل فينظر: فإن كان قد بذل الجهد وسعى قدر ما يستطيع إلى الوصول للحق، ولكن لم يتبين له إلا ما قال، فإنه يغفر له خطؤه؛ لأن الله يقول لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فيعذر بهذا الخطأ، وهذه القاعدة تكاد تكون مجمعاً عليها، وإن كان العلماء يختلفون في تفصيلها أحياناً، لكن هي قاعدة هي أصيلة وأصل. أي نعم.
ردا على سؤال غير مسموع:
...لأن هذا القول ما هو معروف عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
_................
_ نعم، نقول: هو مبتدع في قوله هذا، ولا نعطيه الوصف المطلق. نقول: هو مبتدع في قوله هذا.
ردا على سؤال غير مسموع: نعم..صحيح هو شيخ الإسلام رحمه الله كالبحر أو كالنهر إذا سبحت فيه تغاس إلى آذانك، وهو يستطرد يعني كتبه رحمه الله أحياناً تكون استطرادية، ثم ما يجد الإنسان(اللي)كان يتوقع، ما يجد الذي كان يتوقعه، ولكنه رحمه الله يذكر هذه الأصول أحياناً كما تشاهدون نجد فيها أصل من الأصول، وهذا (اللي) أشرت إليه في الأول، قلت لكم إذا جاءنا أصل من الأصول من الأصول أو قيد من القواعد احرصوا على تقييدها، يكون الإنسان عنده دفتر مثلاً خاص في هذا الدرس يقول: من القواعد التي في مقدمة التفسير كذا وكذا.
ومر علينا عده قواعد الآن، إن شاء الله تعالى يمكن بعد ما (ننهي) الكتاب نرجع إليه (ونشوف) إيش القواعد (اللي) مر علينا. نعم.
سؤال من أحد المستمعين:
هذه القاعدة (اللي) أشرتم إليها الآن طبعاً في هناك تفاسير تنظر... أنها تفاسير علمية لا ننظر يعني..... فعندما يكون هناك تفسير أو آية مثلاً ليس هناك طبعاً دليل شرعي، بمعنى حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما فيها أقوال من الصحابة أو أقوال السلف، وقد يكون أيضاً بينهم هناك أكثر من قول ويأتي مفسر فيستند في التفسير إلى جانب اللغة العربية يعني......المكتشفات الحديثة.... هل يدخل في هذه القاعدة يقال عنه مبتدع؟.
الشيخ:
هو إذا صحت دلالة القرآن عليه، إذا صحت دلالة القرآن عليه فليس بمبتدع.
السائل:
ولو كان يخالف مثلا القول....
الشيخ:
لا ما يخالف إذا خالف معلوم إننا إن تقول مبتدع ونرده عليه، لكن غالب ما تكون من هذه المكشتفات غالبها مسكوت عنه بالنسبة لمن سبق؛ لأنهم لم يطلعوا عليها، لكن قد يكون القرآن دل عليها بعمومه، أما أن يدل عليها بخصوصها فهذا يعيد، لو دل عليها بخصوصها لكان الصحابة يدرون عنه وفسروه بها، فهذه الاكتشافات العلمية إذا صح أنه داخل في الآية، أما إذا لم يصح كما مثلنا بالبارحة فهذا يجب أن يرد على قائله. نعم.
سؤال من أحد المستمعين:
من فسر الفتنة بالغزو الفكري هل هو ضال ولا؟
الشيخ: لا، صحيح كيف؟ إي نعم كما أخبر بها الرسول ((فتن كقطع اليل المظلم: يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً)) نعم).

هيئة الإشراف

#3

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)


قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (ثم ذَكَرَ (تفسيرَ ابنِ عَطِيَّةَ)، وهو مطبوعٌ في عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ، يقولُ: (إنه أَتْبَعُ للسنَّةِ والجماعةِ، وأَسْلَمُ مِن البِدَعِ مِن تفسيرِ الزمخشريِّ) لكنه عفا اللهُ عنه سَلَكَ مَسْلَكَ الأشاعرةِ في تأويلِ آياتِ الصفاتِ، كآياتِ المحبَّةِ، وآياتِ العَجَبِ، وآياتِ الرحمةِ، وآياتِ المجيءِ، وآياتِ الوجهِ واليدِ، وما أَشْبَهَها؛ لأنَّ هذا مُعتقدُ الأشاعرةِ، (ولو ذَكَرَ كلامَ السلفِ الموجودَ في التفاسيرِ المأثورةِ عنهم على وَجْهِه لكان أحسنَ وأَجْمَلَ)، لَيْتَهُ نَقَلَ عن السلَفِ واعتمَدَ أقوالَهم، لكنه، - ولو كان أقربَ للسنَّةِ - اعتَمَدَ على تفسيرٍ ابتدأَهُ، أو نَقَلَ مِن كتبِ الأشاعرةِ، (كثيراً ما يَنقُلُ مِن تفسيرِ ابنِ جريرٍ: محمدِ بنِ جريرٍ الطبريِّ؛ وتفسيرُه من أَجَلِّ التفاسيرِ وأعظمِها قَدْراً، ومع ذلك يَدَعُ ما نَقَلَه ابنُ جريرٍ عن السلَفِ)؛ الذي يَذكرُه بأسانيدِه (ولا يَحكيهِ بحالٍ، ويَذكرُ ما يَزعمُ أنه قولُ المحقِّقينَ)، يَذكرُ أقوالاً يَدَّعِي أنها أقوالُ المحقِّقينَ، وليس كذلك؛ (وإنما يعني: طائفةً مِن أهلِ الكلامِ- يعني: الأشاعرةَ - الذين قَرَّرُوا أصولَهم بطُرُقٍ مِن جنْسِ ما قَرَّرَتْ به المعتزِلةُ أصولَهم)، أهلُ الكلامِ هم الأشاعرةُ، غالباً يُطْلَقُ [أهلُ الكلامِ] عليهم، وقد يُطلَقُ أيضاً على المعتزِلةِ؛ لأنهم الذين تَوَغَّلُوا في عِلْمِ الكلامِ، الذي نَهَى عنه السلَفُ رَحِمَهم اللهُ.


قولُه: (وإن كانت أقوالُهم أقرَبَ إلى السنَّةِ مِن المعتزِلَةِ)، يعني: أقوالَ الأشاعرةِ، (لكن يَنبغِي أنْ يُعْطَى كلُّ ذي حَقٍّ حَقَّه، ويُعرَفَ أنَّ هذا مِن جملةِ التفسيرِ على المذهَبِ)، يعني: أنه تفسيرٌ على مَذهبِ الأشاعرةِ؛ (فإنَّ الصحابةَ والتابعينَ والأئمَّةَ إذا كان لهم في تفسيرِ الآيةِ قولٌ؛ وجاءَ قومٌ فَسَّرُوا الآيةَ بقولٍ آخَرَ؛ لأَجْلِ مَذهَبٍ اعتقَدُوه، وذلك المذهَبُ ليس مِن مَذاهبِ الصحابةِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ؛ صاروا مُشاركينَ للمعتزِلةِ وغيرِهم مِن أهلِ البِدَعِ في مِثْلِ هذا).
وهذا يَنطبقُ على هؤلاءِ الأشاعرةِ، فيَنطبقُ على تفسيرِ ابنِ عَطِيَّةَ، كما يَنطبقُ على التفسيرِ الكبيرِ للرازيِّ، وعلى تفاسيرِ الأشاعرةِ؛ مع كَثْرَتِها، كلُّهم مشاركونَ للمعتزِلةِ وغيرِهم مِن أهلِ البِدَعِ؛ في أنهم أَضَافُوا مُعتقدَهم إلى أقوالِ السلَفِ، لَيْتَهم اقْتَصَروا على تفاسيرِ السلَفِ؛ ففيها الكفايةُ، تلك التفاسيرُ المنقولةُ بالأسانيدِ؛ موجودةٌ في تفسيرِ عبدِ الرزاقِ، وموجودةٌ في التفاسيرِ التي ذَكَرَها سابقاً، وفي تفسيرِ ابنِ جريرٍ الذي هو مِن أَوْسَعِها، وفي تفسيرِ ابنِ أبي حاتمٍ.
قولُه: (وبالجملةِ: مَن عَدَلَ عن مَذاهبِ الصحابةِ والتابعينَ وتفسيرِهم إلى ما يُخالِفُ ذلك كان مُخْطِئاً في ذلك، بل مُبْتَدِعاً، يعني: يَصيرُ مُبتدعاً؛ لأنه أضافَ إلى أقوالِ الصحابةِ والتابعينَ أقوالاً لا دليلَ عليها، وحَمَلَه عليها ما اعتقَدَه مِن المعتقداتِ الباطلةِ، وإن كان مُجْتَهِداً مغفوراً له خَطَؤُه)، وليس كلُّ مُجْتَهِدٍ بِمُصيبٍ).

هيئة الإشراف

#4

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ن والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى وأتم التسليم... أما بعـد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(ثم إنه بسبب تطرق هؤلاء وضلالهم دخلت....).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (تطرف هؤلاء بالفاء هو أحسن).

القارئ: (ثم إنه بسبب تطرف هؤلاء وضلالهم دخلت الرافضة الإمامية ثم الفلاسفة، ثم القرامطة، وغيرهم فيما هو أبلغ من ذلك.
وتفاقم الأمر في الفلاسفة والقرامطة والرافضة فإنهم فسروا القرآن بأنواع لا يقضي منها العالم عجبه.
فتفسير الرافضة كقولهم: {تبت يدا أبي لهب} هما أبو بكر وعمر.
و {لئن أشركت ليحبطن عملك } أي: بين أبي بكر وعمر وعلي في الخلافة.
و {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} هي عائشة.
و {فقاتلوا أئمة الكفر} طلحة والزبير.
و {مرج البحرين} علي وفاطمة.
و {اللؤلؤ والمرجان} الحسن والحسين.
و {كل شيء أحصيناه في إمام مبين} في علي بن أبي طالب.
و {عم يتساءلون عن النبأ العظيم} علي بن أبي طالب.
و {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} هو علي، ويذكرون الحديث الموضوع بإجماع أهل العلم وهو تصدقه بخاتمه في الصلاة.
وكذلك قوله: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} نزلت في علي لما أصيب بحمزة. ومما يقارب هذا من بعض الوجوه: ما يذكره كثير من المفسرين في مثل قوله: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} إن الصابرين رسول الله، والصادقين أبو بكر، والقانتين عمر، والمنفقين عثمان، والمستغفرين علي.
وفي مثل قـولـه: {محمد رسول الله والذين معه} أبو بكر {أشداء على الكفار} عمر، {رحماء بينهم} عثمان {تراهم ركعاً سجداً } علي. وأعجب من ذلك قول بعضهم {والتين} أبو بكر، {والزيتون} عمر، {وطور سينين } عثمان {وهذا البلد الأمين} علي.
وأمثال هذه الخرافات التي تتضمن تارة تفسير اللفظ بما لا يدل عليه بحال فإن هذه الألفاظ التي لا تدل على هؤلاء الأشخاص بحال.
وقوله: {والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً} كل ذلك نعت للذين معه، وهي التي يسميها النحاة خبراً بعد خبر.
والمقصود هنا أنها كلها صفات لموصوف واحد، وهم الذين معه، ولا يجوز أن يكون كل منها مراداً به شخص واحد وتتضمن تارة جعل اللفظ المطلق العام منحصراً في شخص واحد كقوله: إن قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} أريد بها علي وحده. وقول بعضهم: {والذي جاء بالصدق وصدق به} أريد بها أبو بكر وحده وقوله: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} أريد بها أبو بكر وحده ونحو ذلك.
وتفسير ابن عطية وأمثاله أتبع للسنة والجماعة، وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل فإنه كثيراً ما ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري – وهو أجل التفاسير المأثورة وأعظمها قدراً – ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف لا يحكيه بحال ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام، الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت المعتزلة أصولهم، وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه، ويعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب، فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه وذلك المذهب ليس مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان صار مشاركاً للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا.
وفي الجملة: من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئاً في ذلك، بل مبتدعاً وإن كان مجتهداًَ مغفوراًَ له خطأه.
فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته، وطرق الصواب، ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسول صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعاً ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية كما هو مبسوط في موضعه.
والمقصود هنا: التنبيه على مثار الاختلاف في التفسير، وأن من أعظم أسبابه: البدع الباطلة التي دعت أهلها إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه وفسروا كلام الله ورسوله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بغير ما أريد به، وتأولوه على غير تأويله.
فمن أصول العلم بذلك: أن يعلم الإنسان القول الذي خالفوه، وأنه الحق، وأن يعرف أن تفسير السلف يخالف تفسيرهم، وأن يعرف أن تفسيرهم محدث مبتدع.
ثم أن يعرف بالطرق المفصلة فساد تفسيرهم بما نصبه الله من الأدلة على بيان الحق. وكذلك وقع من الذين صنفوا في شرح الحديث وتفسيره من المتأخرين من جنس ما وقع فيما صنفوه من شرح القرآن وتفسيره).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه... أما بعد:
فهذا السياق الطويل من شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – أراد به أن يمثل على نوع من أنواع التفسير بالرأي المذموم وبيان بطلان ذلك من طريق مجمل وكذلك الإشارة إلى أنه يبطل بالطريق المفصل هذا التفسير بالرأي المذموم هو كما ذكرت لكم هو أن يفسره بما يعتقده من خالف نهج الصحابة والتابعين ونهج سلف هذه الأمة مثل: تفاسير الرافضة فيما ذكر من أنواع التفسير الذي نقله شيخ الإسلام – رحمه الله – عن تفاسيرهم ولاشك أن هذه التفاسير التي فسروها باطلة لأوجه:
1- أولاً: لأن اللفظ لا يحتمل ذلك فكونهم يفسرون آية ما بأنها علي واللفظ لا يدل عليه مثل: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}، وتفسيرهم للجبت والطاغوت بأنهما: أبو بكر وعمر ونحو ذلك هذه التفاسير لا يدل عليها اللفظ كونهم فسروا معنىً معروفاً معناه في اللغة بأن المراد به معين من الصحابة هذا باطل من أوجه كما ذكرت، الأول أن هذا لا يدل عليه معنى اللفظ في اللغة يقولون إن هذا تأويل والتأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى معنى آخر لقرينة تدل على ذلك ويقولون صرفناه للقرينة التي دلت على ذلك والقرينة عندهم حججهم التي بين أيديهم الحجج الباطلة التي فيها الأمر بذبح أبي بكر – مثلاً – أو بذبح عثمان أو بذبح عمر – رضِي اللهُ عَنْه ونحو ذلك أو أن الجبت والطاغوت هما اللذان أضلا الناس وهما أبو بكر وعمر لكن التأويل عند العلماء ثلاثة أنواع:
أ- منه تأويل صحيح. ب- ومنه تأويل مرجوح.
ج_ ومنه تأويل باطل: وهو من اللعب؛ وذلك إذا كان التأويل لغير قرينة تدل عليه من اللغة أو من نص الشارع الصحيح.
فهذه التفاسير التي فسروها إذا سموها تأويلاً يقولون خرجنا عن ظاهر اللفظ للتأويل كما يزعمه الرافضة، الجواب عنه أن هذا تأويل باطل هو من اللعب والتلاعب بالقرآن وبنصوص الكتاب والسنة لأن هذا تأويل لم يأتِ عليه دليل بل الأدلة تبطل ذلك فإن فضل أبي بكر وفضل عمر وأنهما أفضل الصحابة على الإطلاق هذا جاءت به الأدلة فكيف يصرفونه عن ظاهره إلى غيره.
المقصود وأن هذا وإن سموه تأويلاً فإنه تأويل من نوع اللعب وهذا كفر عند كثير من العلماء.
2- الوجه الثانـي: أن هذه التفاسير باطلة لأن معتمدها الهوى فهم فسروا القرآن الذي أنزل على النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بما أحدث من الاعتقادات بعد أكثر من قرن من وفاة النبي عليه الصلاة والسلام فتلك الاعتقادات من اعتقادات الرافضة واعتقادات المعتزلة ومن شابه هؤلاء وهؤلاء تلك الاعتقادات أحدثت ولم يكن شيء منها في الصحابة ولا في كبار التابعين وإنما أحدثت بعد ذلك فكيف يكون المراد بالقرآن الذي أنزل على النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم يكون المراد به التأويلات أو الاعتقادات المحدثة بعد أكثر من قرنٍ من نزول هذا القرآن ومن وفاة النبي عليه الصلاة والسلام.
3- الوجه الثالث: من إبطال هذه التفاسير أنها تفاسير خرجت عن تفسير الصحابة والتابعين وهذا هو الأصل العظيم الذي يريد شيخ الإسلام – رحمه الله – تقريره هذه التفاسير خرجت عما فسر به الصحابة والتابعون لهم بإحسان تلك الآيات، فالصحابة تفاسيرهم لتلك الآيات محفوظة كذلك التابعون تفاسيرهم لتلك الآيات محفوظة فمن خرج عن تفاسيرهم وأتى بمعنى يناقض ما قالوه فإنه مردود قطعاًَ لأن أعلم الأمة بالقرآن هم صحابة رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم ولا يجوز أن يقال إن هناك معنى في القرآن حجب عن الصحابة وحجب عن التابعين لهم بإحسان وأدركه من بعدهم يكون المعنى من أصله حجبوا عنه وأدركه من بعدهم هذا باطل وذلك لأن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بين أن خير الأمة قرنه عليه الصلاة والسلام فقال: ((خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) والخيرية لها جهات ومن أعظم جهات الخيرية العلم فالعلم بالكتاب وبالسنة كان محفوظاًَ في الصحابة – رضوان الله عليهم – ولم يحجب عن مجموع الصحابة علم مسألة من الكتاب والسنة، نعم قد يكون بعض الصحابة يجهل بعض معاني الكتاب والسنة لكن يعلمه بعض الصحابة الآخرون، أما بعمومهم فلا يجهل الصحابة بمجموعهم معنى آية أو معنى سنة عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم لهذا نقول هذا الطريق مجمل كما ذكر طيق مجمل في بيان بطلان تلك الأقوال من أصلها، ما هذا الطريق المجمل؟
أن تلك الأقوال خرجت عن أقوال الصحابة والتابعين في تفاسيرهم، تفاسير الصحابة والتابعين محفوظة لدينا وليس فيها شيء من تلك البدع والضلالات التي يذكرها الرافضة أو يذكرها أهل الاعتزال.
الطريق الثاني طريق مفصل: وهذا أشار إليه شيخ الإسلام وهو أن الأقوال التي تخالف أقوال الصحابة والتابعين في التفسير تخالفها، بمعنى أن أقوال الصحابة لا تدل عليها ولا تشمل ذلك التفسير المحدث مثل تفاسير آيات الصفات بالمعاني والمؤولة والمحرفة ومثل تفاسير الرافضة ومثل تفاسير الصوفية في إشارياتهم ومثل تفاسير أهل البدع والإسماعيلية والباطنية ونحو ذلك.
هذه التفاسير باطلة أيضاً على التفصيل وذلك أنه ما من قول إلا وفي الكتاب والسنة من الدلائل ما يدل عليه بطلان ذلك القول الذي أحدثه المبتدعة فكل قول له دليل يبطله.
فإذا قالوا مثلاً الجبت والطاغوت عمر وأبو بكر – رضِي اللهُ عَنْهما – أو قال المعتزلة إن قوله: {الرحمن الرحيم} المراد به الإنعام، أو نفوا الحوض في السنة، أو نفوا الميزان الذي جاء ذكره في القرآن وقالوا لا ميزان أو نفوا الصراط هذه كلها أقوال لأهل الاعتزال ومن شابههم إذا أتت آية فيها ذكر الصراط فإنهم ينفون أن ثم صراط على متن جهنم.
كذلك الميزان في قوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} وفي قوله: {فأما من ثقلت موازينه} ونحو ذلك، ينفون وجود الميزان الحسي ويقولون هذه تشبيهات هذه الأقوال كل قول منها ثم أدلة من الكتاب والسنة مفصلة على بطلان ذلك القول بخصوصه. فمثلاً في الصفات: الأدلة من الكتاب والسنة على إثبات صفة الرحمة أكثر من أن تحصر وهذا جواب مفصل يعني رد مفصل على تأويلاتهم الباطلة التي هي من جنس اللعب وشر التحريف لآيات القرآن. كذلك الذين نفوا الميزان هناك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة تمنع ذلك وهذا هو الدليل المفصل.
فإذاً نقول على وجه الاختصار من خالف تفاسير الصحابة والتابعين وأتى بمعنى جديد لا يشمله تفاسير الصحابة والتابعين لهم بإحسان فهذا قوله مردود عليه من جهتين:
أ- الجهة الأولى: مجملة، الدليل الأول مجمل وذلك الدليل أن ما خرج عن تفاسير الصحابة والتابعين فهو مردود لأن العلم محفوظ فيهم ولا يمكن أن يدخر لمن بعدهم علم ويحجب عن الصحابة لأنهم خير هذه الأمة.
ب- الثانـي دليل مفصل ووجه مفضل: وهو ما من تفسير يخالف تفاسيرهم ويأتي بمعنى محدث إلا وثم أدلة كثيرة من الكتاب والسنة تبطل ذلك التفسير المعين).

هيئة الإشراف

#5

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار


قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه: (وَتَفْسيرُ ابْنِ عَطِيَّةَ وَأَمْثَالِهِ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَسْلَمُ مِن البِدْعَةِ مِن تَفْسِيرِ الزَّمَخْشَرِيِّ، وَلَوْ ذَكَرَ كَلاَمَ السَّلَفِ الْمَوْجُودَ فِي التَّفَاسِيرِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُم عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ أحسَنَ وَأَجْمَلَ، فَإنَّهُ كثيرًا مَا يَنْقُلُ مِن تَفْسِيرِ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَهُوَ مِن أَجَلِّ التَّفاسيرِ الْمَأْثُورَةِ وَأَعْظَمِهَا قَدْرًا، ثُمَّ إِنَّهُ يَدَعُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَن السَّلفِ لاَ يَحْكِيهِ بِحَالٍ، وَيَذْكُرُ مَا يَزْعُمُ أنَّهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ، وَإنَّمَا يَعْنِي بِِهِم طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الكَلاَمِ الَّذِينَ قَرَّرُوا أُصُولَهُم بِطُرُقٍ مِنْ جِنْسِ مَا قَرَّرَتْ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ أُصُولََهمْ، وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى السُّنَّةِ مِن الْمُعْتَزِلةِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَيُعْرَفَ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ التَّفْسِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالأَئِمَّةَ إِذَا كَانَ لَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الآيةِ قَوْلٌ، وَجَاءَ قَوْمٌ وَفَسَّرُوا الآيَةَ بِقَوْلٍ آخَرَ لأَجْلِ مَذْهَبٍ اعْتَقَدُوه - وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَيْسَ مِنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ - صَارُوا مُشَارِكِينَ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِم مِنْ أَهْلِ البِدَعِ مِنْ مِثْلِ هَذَا .
وَفِي الْجُمْلَةِ مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِِ الصَّحَابةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِم إِلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ كانَ مُخْطِِئًا فِي ذَلِكَ بَلْ مُبْتَدِعًا، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ).
انتقل شيخُ الإسلامِ في هذا الموضعِ إلى الحديثِ عن تفسيرِ ابنِ عطيَّةَ وأمثالِه، وهو مثالٌ لتفسيرِ الأشاعرةِ، فقد ذكرَ قبلَه أمثلةً لتفسيرِ الرافضةِ وأمثلةً لتفسيرِ المعتزلةِ، ثم ذكر مثالًا لتفسيرِ الأشاعرةِ، ولكنَّه رَحِمَهُ اللَّهُ لم ينُصَّ على أنهم أشاعرةٌ وإنما نسَبَه إلى أهلِ الكلامِ.
وذكرَ أنَّ تفسيرَ ابنِ عطيةَ وأمثالِه أَتبَعُ للسُّنةِ والجماعةِ، وهذا بلا شكٍّ صحيحٌ؛ لأنَّ الأشاعرةَ أَقْرَبُ لأهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ من المعتزلةِ، ولهذا كان تفسيرُ ابنِ عطيةَ الأشعريِّ أَسْلَمَ من البدعةِ من تفسيرِ الزمخشريِّ.
قال شيخُ الإسلامِ: " ولو ذكَرَ كلامَ السَّلفِ الموجودَ في التفاسيرِ المأثورةِ عنهم على وَجهِه لكانَ أحسَنَ وأجْمَلَ، فإنه كثيرًا ما يَنقُلُ من تفسيرِ محمدِ بنِ جريرٍ الطَّبريِّ؛ لأنه أحدُ مصادِره , وهو – أي: تفسيرُ ابنِ جريرٍ – من أجلِّ التفاسيرِ المأثورةِ وأعظَمِها قَدْرًا، ثم إنه يَدَعُ ما نقلَه ابنُ جريرٍ عن السَّلفِ لا يَحكِيه بحالٍ ويَذكرُ ما يَزعُمُ أنه قولُ المحقِّقينَ " الذين هم علماءُ الأشاعرةِ مِثلِ الجُوَيْنِيِّ وابنِ فوركٍ الذين كثيرًا ما يَنقُلُ عنهما، فهذا من التفسيرِ على المذهبِ؛ لأنه ممَّن اعتقدوا رأيًا, وحَملَ ألفاظَ القرآنِ عليه، فإذا جاءت تفسيراتُ السَّلفِ لا تتناسَبُ مع معتقَدِه أعْرَضَ عنها.
قال: " إنما يعني بهم طائفةً من أهلِ الكلامِ - الذين هم على مذهبِ الأشاعرةِ – الذين قرَّرُوا أصولَهم بطُرُقٍ من جنسِ ما قرَّرتْ به المعتزلةُ أصولَها؛ لأن كُلًّا منها يَعتْمِدُ على العقلِ.
ولهذا تَجِدُ الرازيَّ قد بيَّنَ في كتابِه (أساسُ التقديسِ) أنَّ مذهبَهُ الاعتمادُ على العَقلِ فيما لو تعارَضَ العقلُ والنَّقْلُ.
والأصلُ أنه لا يتعارضُ العقلُ الصريحُ مع النقْلِ الصحيحِ لكنهم أوجدوا هذا التعارُضَ فقدَّموا العَقلَ، ولكن ليس في كلِّ شيءٍ يقدِّمون العقلَ، بل إنَّ الأشاعرةَ دائمًا يعارِضون المعتزلةَ، فإذا قال المعتزلةُ قولًا قالوا بضدِّه، فمرَّةً يجعلون الشَّرعَ مقدَّمًا، ومرَّةً يجعلون العقلَ مقدَّمًا , وليست هناك قاعدةٌ مطَّرِدةٌ، ولكنهم في الجملةِ يجعلون الأصولَ الكلاميةَ عندَهم من جهةِ الاعتمادِ على العقلِ هي الأصولَ الكلاميةَ الموجودةَ عندَ المعتزلةِ.
ثم قال المصنِّفُ: " وإن كانوا – يعني: هؤلاءِ أهلَ الكلامِ الذين هم الأشاعرةُ – أقربَ إلى السُّنةِ من المعتزلةِ، لكن ينبغي أن يُعطَى كلُّ ذي حقٍّ حقَّهُ، ويُعرفَ أنَّ هذا – يعني عَملَ أهلِ الكلامِ وكذلك المعتزلةِ- من جُملةِ التفسيرِ على مذهبٍ، يعني إنسانًا اعتقدَ رأيًا ثم فسَّرَ القرآنَ بِناءً على ذلك الرأيِ.
وأذكُرُ هنا مثالًا من تفسيرِ ابنِ عطيةَ لقضيةِ التفسيرِ على المذهَبِ، وهو قولُه تعالى: {فَلَمَّا تَجلَّى رَبُّهُ للجَبَلِ} فعندَ تفسيرِ هذه الآيةِ قال: قال المتأوِّلون كالقاضي الباقِلاَّنيِّ – وهو طبعًا من الأشاعرةِ – وغيرِه: إنَّ اللَّهَ ـ عزَّ وجلَّ ـ خلقَ للجبلِ حياةً وحِسًّا وإدراكًا يَرى بها، ثم تجلَّى له، أي: ظَهرَ وبدا سُلطانُه، قال: فاندكَّ الجبلُ من شدَّةِ المُطَّلَعِ، فلما رأى موسى ما حلَّ بالجَبلِ صَعِقَ، قالوا: هذا المعنى هو المرويُّ عن ابنِ عباسٍ، وأسْنَدَ الطبريُّ، عن حمادِ بنِ زيدٍ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ أنه قرأَ: {فَلَمَّا تَجلَّى رَبُّهُ للجَبَلِ جعَلَهُ دَكًّا} قال: فوضَعَ الإبهامَ قريبًا من خِنْصَرِه وقال: ((فسَاخَ الجَبلُ)) فقال حميدٌ لثابتٍ: تقولُ هذا؟ فرَفعَ ثابتٌ يدَه فضَربَ صدْرَه وقال: يقولُ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ ويقولُ أنسٌ وأَكْتُمُه أنا؟! وقالت فِرقةٌ: المعنى: فلما تجلَّى اللَّهُ للجَبلِ بقُدرَتِه وسُلطانِه اندكَّ الجَبلُ يكونُ مخالِفًا لما وَردَ في الأثَرِ، قال القاضي أبو محمدٍ: وهذا التأويلُ يَتَمَسَّكُ به المعتزلةُ تمسُّكًا شديدًا؛ لقولِهم: إنَّ رؤيةَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ غيرُ جائزةٍ، وقائِلُه من أهلِ السُّنةِ إنما يقولُه مع اعتقادِه جوازَ الرُّؤيةِ، ولكنه يقولُ: إنه أَلْيَقُ بألفاظِ الآيةِ مِن أن تُحملَ الآيةُ أنَّ الجَبلَ خُلِقَ له إدراكٌ وحياةٌ، وقال الزجَّاجُ: مَن قال: إنَّ تقديرَه فلمَّا تجلَّى أمْرُ ربِّهِ فقد أخطأَ – يعني أهلَ الكلامِ من المعتزلَةِ وتَبِعَهم كذلك بعضُ الأشاعرةِ – قال: ولا يَعرِفُ أهلُ اللغةِ ذلك، ولأجْلِ أنَّ أبا عليٍّ الفارسيَّ معتزلِيٌّ، فإنه في كتابِه " الأغفالُ فيما أغْفَلُه الزجَّاجُ في معانِيه " قد رَدَّ ما قرَّره الزجَّاجُ .
فهذا الكلامُ كلُّه نقاشٌ متَّجِهٌ إلى الاعتقادِ، فهو رأَى رأْيًا ثم حَملَ القرآنَ عليه، ولو ذَكرَ كلامَ أهلِ السُّنةِ صِرفًا ما وقعَ في هذه الآراءِ الأُخرى، فتفسيرُ أهلِ السُّنةِ لهذه الآيةِ هو: {فَلَمَّا تَجلَّى رَبُّهُ للجَبَلِ} أي: ظَهرَ وبانَ، ولكن صفاتُ اللَّهِ تعالى يُرجَعُ فيها إلى القاعدةِ الأصليةِ أنَّ الكيفَ مجهولٌ، ولكن المعنى معروفٌ، وهو أن (تجلَّى) معناها بانَ وظهَرَ، وأما قولُهم: ظَهرَ أمرُه أو ظَهرَ سلطانُه فهذا من بابِ التحريفِ.
مثالٌ آخَرُ من تفسيرِ ابنِ عطيةَ يتعلَّقُ بزيادةِ الإيمانِ ونقصانِه، فقد نصَّتْ آياتُ الكتابِ على أنَّ الإيمانَ يزيدُ كما في قولِه تعالى: {زَادَتْهُمْ إيمَانًا} وقولِه في سورةِ الأنفالِ: {إنَّمَا المؤمِنون الَّذين إذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهم وإذا تُلِيَتْ عليهم آياتُه زَادَتْهُم إيمانًا}.
ولما تكلَّمَ ابنُ عطيةَ عن زيادةِ الإيمانِ، قال: وزيادةُ الإيمانِ على وجوهٍ كلُّها خارجٌ عن نفسِ التصديقِ، ثم ذَكرَ ما يدلُّ على أنَّ الإيمانَ لا يَزيدُ؛ لأنَّ الإيمانَ عندَه التصديقُ، والتصديقُ عندَه لا يَزيدُ، ذكَر ذلك في تفسيرِ قولِه تعالى: {وجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} فهو لا يَرى كُفرَ الجحودِ؛ لأنَّ الإيمانَ عندَه التصديقُ، والتصديقُ يخالِفُ الكُفرَ، فلا يمكنُ عندَه أن يكونَ مُصدِّقًا ثم يَكفرَ؛ لأن مَن دخلَ التصديقُ قَلبَه انتفى عنه الكفرُ، وهذا مخالِفٌ لظاهرِ الآيةِ: {وجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}، ويُعلِّلُ مذهبَه هذا بحُجَجٍ ضعيفةٍ جدًّا.
وهناك أمثلةٌ كثيرةٌ في الكتابِ كلُّها من بابِ التفسيرِ على المَذهبِ؛ لأنَّ كتابَه يُعتبرُ من كتبِ الأشاعرةِ.
بعدَ ذلك ذَكرَ المصنِّفُ أنَّ مَن خالَفَ مذهبَ الصحابةِ والتابِعينَ وفسَّرَ على المذهبِ – أيًّا كان – فإنه يكونُ مشارِكًا للمعتزلةِ وغيرِهم من أهلِ البدَعِ، وهذه قاعدةٌ عامَّةٌ، فكلُّ مَن كان يعتمدُ في التفسيرِ على أصولٍ غيرِ الأصولِ التي كانت عندَ السَّلفِ فإنه يكونُ مشارِكًا للمعتزلةِ وأهلِ البدعِ.
فالقرآنُ يُحْتَكَمُ إليه ولا يُحْكَمُ عليه، وهذه قاعدةٌ، ولهذا فإنَّ أصولَ النحوِ مَثلًا قد يخالِفُ بعضُها تفسيراتِ السَّلفِ وقد يخالِفُ الواردَ في القرآنِ، فينبغي أن نأخُذَ النَّحوَ من آياتِ القرآنِ، ولا ينبغي أن تُخْضَعَ ألفاظُ القرآنِ للمصطلحاتِ والقواعدِ النحويةِ، وهذا شبيهٌ بما فَعلَ المعتزلةُ، فإنهم وضَعُوا قواعِدَ؛ زعَموا أنها عقليَّةٌ.
وقد اتَّفقَ الفريقانِ في منهجِ مناقشةِ الآياتِ، فالنُّحاةُ حكَّموا قواعِدَهم النحويةَ في آياتِ القرآنِ، فقالوا هذا شاذٌّ، وهذه القراءةُ ضعيفةٌ؛ لأنها تخالِفُ القاعدةَ الفلانيةَ ... إلخ، وهذا المنهجُ قريبٌ من تفسيرِ القرآنِ على المَذهبِ.
والمعتزلةُ وضعوا قواعِدَ عقليَّةً حكَّمُوها على النصوصِ، فما وافَق قواعِدَهم قالوا به، وما خالفَها أوَّلُوه وحرَّفوه إلى ما يَرَوْن العقلَ يدلُّ عليه).