9 Nov 2008
الذين يخطئون في الدليل والمدلول
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (فَالَّذِينَ
أَخْطَأُوا فِي الدَّليلِ وَالْمَدْلُولِ مِثْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ
البِدَعِ اعْتَقَدُوا مَذْهَبًا يُخَالِفُ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ
[الأُمَّةُ ]الوَسَطُ الَّذِينَ لاَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلاَلَةٍ
كَسَلَفِ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا . وَعَمَدُوا إِلَى القُرْآنِ
فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى آرَائِهِم ؛ تَارَةً يَسْتَدِلُّونَ بِآيَاتٍ عَلَى
مَذْهَبِهِمْ ، وَلاَ دِلاَلَةَ فِيهَا ، وَتَارَةً يَتَأَوَّلُونَ مَا
يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ بِمَا يُحَرِّفُونَ بِهِ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ
.
وَمِنْ
هَؤُلاَءِ فِرَقُ الخَوَارِجِ ، وَالرَّوافِضِ ، وَالْجَهْمِيَّةِ ،
وَالْمُعْتَزِلةِ ، وَالقَدَرِيَّةِ ، وَالْمُرْجِئَةِ ، وغيرُهُمْ .
وهَذَا
، كَالْمُعْتَزِلَةِ مَثَلاً ، فَإِنَّهُم مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ
كَلاَماً وَجِدَالاً ، وَقَدْ صَنَّفُوا تَفَاسِيرَ عَلَى أُصُولِ
مَذْهَبِهِمْ مِثْلَ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَيْسَانَ الأَصَمِّ
شَيْخِ إِبْرَاهيمَ بنِ إِسْمَاعِيلَ بنِ عُليَّةَ الَّذِي كانَ يُنَاظِرُ
الشَّافعيَّ ، وَمِثْلَ كِتابِ أَبِي عِليٍّ الجُبَّائي ، وَالتَّفسيرِ
الكَبِيرِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الجبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ الْهَمَدَانيِّ ،
وَالْجَامِعِ لِعِلْمِ الْقُرْآنِ لِعَلِيِّ بنِ عِيسَى الرُّمَّانيِّ ،
وَالكَشَّافِ لأِبِي الْقَاسِِمِ الزَّمخشَريِّ ، فَهَؤُلاَءِ
وَأَمْثَالُهُم اعْتَقَدُوا مَذَاهِبَ الْمُعْتَزِلَةِ .
وَأُصُولُ
الْمُعْتَزِلَةِ خَمْسَةٌ يُسَمُّونَهَا هُمْ : التَّوْحِيدَ ، وَالعَدْلَ
، وَالْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ ، وَإِنْفَاذَ الوَعِيدِ ،
وَالأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَن الْمُنْكَرِ .
وَتَوْحِيدُهُمْ
هُوَ تَوْحِيدُ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِي مَضْمُونُهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ ،
وَغيرُ ذَلِكَ . قَالُوا : إِنَّ اللهَ لا يُرَى ، وَإِنَّ القُرْآنَ
مَخْلُوقٌ ، وَإِنَّهُ - تَعَالَى - لَيْسَ فَوْقَ العَالَمِ . وَإِنَّهُ
لاَ يَقُومُ بِهِ عِلْمٌ وَلاَ قُدْرَةٌ وَلاَ حَيَاةٌ وَلاَ سَمْعٌ وَلاَ
بَصَرٌ وَلاَ كَلاَمٌ وَلاَ مَشِيئةٌ وَلاَ صِفَةٌ من الصِّفَاتِ .
وَأَمَّا
عَدْلُهُم فَمِنْ مَضْمُونِهِ أَنَّ اللهَ لَمْ يَشَأْ جَمِيعَ
الكَائِنَاتِ ، وَلاَ خَلَقَهَا كُلَّهَا ، وَلاَ هُو قَادِرٌ عَلَيْهَا
كُلِّهَا ، بَلْ عندَهُمْ أنَّ أَفْعَالُ العبَادِ لَمْ يَخْلُقْهَا اللهُ
لاَ خَيْرَهَا وَلاَ شَرَّهَا ، وَلَمْ يُرِدْ إلا مَا أَمَرَ بِهِ شَرْعًا
، وَماَ سِوَى ذَلِكَ فَإنَّهُ يَكُونُ بِغَيرِ مَشِيئَة .
وَقَدْ
وَافقَهُمْ عَلَى ذلِكَ مُتَأَخِّرُو الشِّيعَةِ كَالمُفِيدِ ، وَأَبِي
جَعْفرٍ الطُّوسيِّ وَأَمْثَالِهِمَا . وَلأبي جَعْفَرٍ هَذَا تَفْسِيرٌ
عَلَى هَذِهِ الطَّريقَةِ لَكِنْ يَضُمُّ إلى ذلِكَ قَوْلَ الإمَاميَّةِ
الاثني عشريَّةَ ، فإنَّ المعتزِلَةَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ
، وَلاَ مَنْ يُنْكِرُ خِلاَفَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ
وَعَلِيٍّ .
وَمِنْ
أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ مَعَ الْخَوَارِجِ إِنْفَاذُ الوَعِيدِ فِي
الآخِرَةِ ، وَأَنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ في أَهْلِ الكَبَائِرِ شَفَاعَةً ،
وَلاَ يُخْرِجُ مِنْهُم أَحَدًا مِن النَّارِ .
وَلا
رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ طَوَائِفُ مِنَ الْمُرْجِئَةِ
وَالكَرَّامِيَّةِ وَالكُلاَّبِيَّةِ وَأَتْبَاعِهِمْ فَأَحْسَنُوا تَارَةً
وَأَسَاؤُوا أُخْرَى ، حَتَّى صَارُوا فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ ، كَمَا قَدْ
بُسِطََ فِي غَيْرِ هَذَا الموضِعِ .
والمقصُودُ
أنَّ مثلَ هَؤُلاَءِ اعتقَدُوا رأيًا ثُمَّ حَملُوا أَلْفَاظَ القرآنِ
عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لَهُمْ سَلَفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَلاَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، لاَ فِي
رَأْيِهِم وَلاَ فِي تَفْسِِيرِهِم).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)
القارئ: (فالذين أخطأوا في الدليل والمدلول مثل طوئف من أهل البدع اعتقدوا مذهباً يخالف الحق الذي عليه الأمة الوسط الذين لا يجتمعون على ضلالة كسلف الأمة وأئمتها وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم تارة يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها , وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه , ومن هؤلاء فرق الخوارج والروافض").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الفرق
بين الأول والثاني يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها , وتارة
يحرفون يتأولون ما يخالف مذهبهم ويحرفون الكلم عن مواضعه , ونضرب مثلاً
لذلك بالمعطلة مثلاً يقول: {ليس كمثله شيء} هذا
يدل على أننا لا نثبت أي صفة تكون للمخلوق. هل هذا الصحيح أن الآية تدل
على ماقالوا؟ لا. وتارة يحرفون الكلم فيقولون: المراد باليد القدرة أو
النعمة , هم يثبتون هذا لكن يحرفونه , فتارة يحملون اللفظ مالا يحتمله
وتارة يصرفونه عن معناه.
ومن
هذا ما وقع أخيراً في أولئك الذين فسروا القرآن بما يسمى بالإعجاز العلمي
حيث كانوا يحملون القرآن أحياناً مالا يتحمل , صحيح أن لهم استنباطات جيدة
تدل على أن القرآن حق من الله عز وجل وتنفع في دعوة غير المسلمين إلى
الإسلام ممن يعتمدون على الأدلة الحسية في تصحيح ما جاء به الرسول عليه
الصلاة والسلام لكنهم أحياناً يحملون القرآن مالا يتحمله مثل قولهم إن قوله
تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} إن هذا يعنى به الوصول إلى القمر وإلى النجوم وما أشبه ذلك؛ لأن الله قال: {لا تنفذون إلا بسلطان} والسلطان عندهم: العلم.
نعم
هذا لاشك أنه تحريف وأنه حرام أن يفسر كلام الله بهذا؛ لأن من تدبر الآية
وجدها يوم القيامة , السياق كله يدل على هذا , ثم إنه يقول: {أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض} وهؤلاء ما نفذوا من أقطار السماوات بل ولا وصلوا إلى السماء , وأيضاً يقول:{يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس} وهؤلاء لم يرسل عليهم.
والمهم
أن من الناس من يتجاوز ويغلو في إثبات أشياء من القرآن ما دل عليها القرآن
, ومنهم من يفرط وينفي أشياء دل عليها القرآن لكن يقول هذا ما قالة
العلماء السابقون ولا نقبله لا صرفاً ولا عدلاً وهذا خطأ أيضاً , فإذا دل
القرآن على مادل عليه العلم الآن من دقائق المخلوقات فلا مانع من أن نقبله
وأن نصدق به إذا كان اللفظ نعم يحتمله , أما إذا كان اللفظ لا يحتمله فلا
يمكن أن نقول به. نعم.
إجابة على سؤال غير مسموع: لا , ما يدل على هذا؛ لأن السماء إذا انشقت فكانت وردة تكون في أثناء ذلك اليوم.
إجابة على سؤال غير مسموع:
لا بس
هنا ما يستقيم؛ لأنه مما قال شيخ الإسلام: إن بعض الناس يفسر لفظ بما يدل
عليه ظاهر اللفظ بقطع النظر عن السياق , والسياق يؤيد المراد. نعم).
القارئ: ("ومن
هؤلاء فرق الخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة والقدرية والمرجئة وغيرهم
وهذا كالمعتزلة مثلاً فإنهم من أعظم الناس كلاماً وجدالاً , وقد صنفوا
تفاسير على أصول مذهبهم مثل تفسير عبد الرحمن بن سيسان").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (مثلاً
الخوارج يأخذون بنصوص الوعيد وما ظاهره الكفر فيكفرون المسلمين بالكبائر ,
والرافضة يحرفون القرآن أيضاً كما يقولون في قوله تعالى: {مرج البحرين يلتقيان} المراد بذلك علي وفاطمة نعم {مرج البحرين يلتقيان} , ويقولون {والشجرة الملعونة في القرآن} المراد بها بنو أمية...
إجابة على سؤال غير مسموع:
نعم
بنو أمية , لا المراد بها بنو أمية , ولهم تفاسير غريبة والعياذ بالله
منكرة فهم يحرفون الكلم عن مواضعه في تفسير الآيات الدالة على الذم
وتأويلها إلى خصومهم والآيات الدالة على المدح يجعلونها لمن ينتصرون له.
وكذلك
الجهمية والعياذ بالله أصحاب جهم بن صفوان كل آيات الصفات يحرفونها؛ لأنهم
يعتقدون أن الله ليس له صفة وأن أسماءه مجرد أعلام , ومنهم من يقول: إنه
ليس له اسم ولا صفة , وأن هذه الأسماء أسماء لمخلوقاته ليست أسماء له.
وعلى كل حال الحمد لله هدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه.
وأما
المعتزلة أصحاب واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد فهم كما قال شيخ الإسلام رحمه
الله من أعظم الناس كلاماً وجدالاً؛ لأنهم دائماً يرجعون إلى العقل ولا
يعبأون بالنصوص إطلاقاً , حتى فيما لا تدركه العقول يحكمون العقل , وقد مر
علينا القاعدة عندهم في الصفات يقولون: إن ما أثبته العقل فهو ثابت سواء
كان موجوداً في الكتاب والسنة أم لم يكن موجوداً , وما نفاه العقل فهو منفي
سواء كان موجوداً في الكتاب والسنة أم لا , وما لا يقتضي العقل إثباته ولا
نفيه فهم أكثرهم نفاه؛ لأنه قال لا نثبت إلا ما أثبته العقل , وبعضهم توقف
فيه , فما دام العقل لا يدل على إثباته ولا نفيه نتوقف , وهم يجادلون في
هذا جدالا عظيماً , وإذا رأيتهم تعجبك أقوالهم ولكنها أقوال باطلة كما قيل
فيها:
حجج تهافت كالزجاج تخالها حقاً وكل كاسر مكسور
فهم
يتناقضون تجد الواحد منهم يرى أن من الواجب أن يوصف الله بكذا والآخر يرى
أنه من المستحيل أن يوصف الله بكذا , وتناقض الأقوال يدل على بطلانها. نعم).
القارئ: ("وقد
صنفوا تفاسير على أصول منهجهم مثل تفسير عبد الرحمن بن سيسان الأصم شيخ
إبراهيم بن إسماعيل بن عُلية الذي كان يناضل الشافعي , ومثل كتاب أبي علي
الجبائي والتفسير الكبير للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني , والجامع
لعلوم القرآن لعلي بن عيسى الرماني والكشاف لأبي القاسم الزمخشري , فهؤلاء
وأمثالهم اعتقدوا مذاهب المعتزلة. وأصول المعتزلة خمسة..").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الكشاف
لأبي القاسم الزمخشري كتاب معروف متداول هو جيد في اللغة والبلاغة لكنه
على أصول المعتزلة مثل ما قال الشيخ , ولا تكاد تعرف كلامه في ذلك إلا إذا
كان عندك علم بمذهب المعتزلة ومذهب أهل السنة والجماعة؛ لأنه رجل جيد وبليغ
يدخل عليك الشيء وأنت لا تشعر به حتى أنك تظن أن هذا هو الكلام الصحيح (
غير مسموع ) لكن فيه بلاء.
يقال إنه يقال {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} قال أي فوز أعظم من دخول الجنة والنجاة من النار , كلام طيب أو لا؟
إي لكنه يريد نفي رؤية الله عز وجل؛ لأن رؤية الله عز وجل أعلى شيء كما قال تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}
أنت إذا قرأت ها الكلام قلت هذا صحيح؛ ما هناك فوز أعظم من دخول الجنة
والنجاة من النار. (وإيش) يدريك أن هذا الرجل يشير إلى أنه لا رؤية أن الله
لا يرى؛ لأن رؤية الله أعظم من دخول الجنة وأعظم في كل شيء , وله أشياء
عجيبة يعني التصرف يعني يتلاعب بالعقول , إذا لم يكن عندك حذر منه ومعرفة
بأصول المعتزلة وأصول أهل السنة والجماعة تضل , هذا إذا تكلم فيما يتعلق
بأسماء الله وصفاته وما يتعلق بمذهبهم أما إذا تكلم في البلاغة والعربية
فهو جيد. أي نعم.
القارئ: ("فأصول
المعتزلة خمسة يسمونها هم: التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ
الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وتوحيدهم هي توحيد الجهمية الذي
مضمونه نفي الصفات").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (طيب
الآن (غير مسموع) أن من أصوله التوحيد هل ( غير مسموع )شيء (هه ) ( غير
مسموع ) التوحيد لكن التوحيد أنهم يريدون له معنى آخر ( هه) كذلك أيضاً
العدل , العدل هذا أصل عظيم {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}.
طيب
الثالث (إيش) المنزلة بين المنزلتين , هذه قد..و(إيش) معنى المنزلة بين
المنزلتين؟ يقول لك طيب. أنا أعلمك المنزلة بين المنزلتين هذا رجل محافظ
على الطاعات متجنب للمعاصي ورجل آخر يفعل الكبائر وهو مؤمن (وايش) تقول هل
تجعلهم سواء؟ ورجل ثالث , رجل ثالث كافر تجعل الثلاثة سواء؟ (هه ) ما
تجعلهم إذن هذا المؤمن (اللي) يفعل الكبائر يصير في منزلة بين منزلتين , ما
نقول مؤمن ولا كافر (إي) نعم (طيب) ( غير مسموع )نبطل ها الأشياء (دي) (
غير مسموع )على القبول.
(طيب) إنفاذ الوعيد إنفاذ الوعيد , الله عز وجل يتوعد على فعل المعاصي التي لا تخرج من الإسلام مثل: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيه وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} ومثل ((ثلاثة لايدخلون الجنة مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر )) ومثل
الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة لاينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم
عذاب أليم: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب يقول: نحن ننفذ هذا
الوعيد؛ لأن الذي قال هذا الوعيد من؟ الله عز وجل وهو قادر فلابد من
إنفاذه فهم يقولون ننفذ الوعيد.
الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر هذا من أصولهم , ونعم الأصل الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ولا لا؟ ما فضلنا على الأمم إلا بهم بالأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر , لكن سيأتينا (ويش) يريدون به , يريدوا به معنى فاضلاً (
فشوف كيف ) يلبسون على الناس.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ( (غير مسموع) هذه الأصول إذا قرأتها تقول: هذه الأصول حق، لكن عندما تفسر تجد إنها باطل. المؤلف يقول: توحيدهم...).
القارئ: ("وتوحيدهم
هو توحيد الجهمية الذي مضمونه نفي الصفات وغير ذلك، قالوا: إن الله لا
يرى، وإن القرآن مخلوق, وإنه تعالى ليس فوق العالم، وإنه لا يقوم به علم
ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا مشيئة ولا صفة من الصفات.
وأما..").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ( (غير
مسموع) التوحيد، تجريد الله من صفاته، هذا التوحيد عندهم، وحد الله يعني
جرده من صفاته؛ لأنك إذا أثبت له صفة مثلته بغيره وحينئذٍ لم تكن موحداً؛
لأن التوحيد مبناه على أمرين: على النفي والإثبات؛ لأنه من: وحد يوحد، فلا
توحيد في إثبات فقط، ولا توحيد في نفي فقط؛ لأن النفي المجرد تعطيل،
والإثبات المجرد لايمنع المشاركة، فلا توحيد إلا بنفي وإثبات, مفهوم؟
فإذا
قلت: لا قائم. هذا نفي يسمى..إذاً نفيت القيام عن كل أحد، فهو تعطيل، وإذا
قلت: زيد قائم، هذا إثبات، لكن هل يمنع المشاركة (هه) يمكن أيضاً: عمرو
قائم، خالد قائم، بكر قائم، وإذا قلت: لا قائم إلا زيد، صار الآن توحيداً،
جعلت القائم واحداً وهو زيد، ومثل: لا إله إلا الله، هؤلاء يقولون: إن
التوحيد أن لا تثبت لله صفة أبداً _ نسأل الله العافية _ لا سمع ولا بصر
ولا قدرة ولاحياة ولا علم ولا شيء أبداً. أي نعم.
القارئ: ("وأما
عدلهم فمن مضمونه أن الله لم يشأ جميع الكائنات ولا خلَقها كلها، ولا هو
قادر عليها كلها، بل عندهم أن أفعال العباد لم يخلقها الله، لا خيرها ولا
شرها، ولم يرد إلا ما أمر به شرعاً، وما سوى ذلك فإنه يكون بغير مشيئة").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (بغير
مشيئة (يوجد هنا سقط) هذا العدل وقلنا الله ما يشاء كل شيء، ما كل شيء
يشاؤه الله، أفعال العباد لا يشاؤها، ولا خلق كل شيء (هه) أفعال العباد ما
خلقها! يا جماعة اتقوا الله (غير مسموع) لو كان الله يشاء أفعال العباد
ويخلقها ثم يعذبهم، هذا ظلم، فإذا قلنا:لم يشأها ولم يخلقها ويعذبهم؛ لأنهم
هم الذين شاؤوها وأوجدوها، صار ذلك عدلا (شوف كيف) (غير مسموع) الله يشاء
أفعالهم ويخلق أفعالهم ليعذبوا عليها، هذا ظلم، فهم قالوا: هذا ظلم، إذن
فالله عز وجل لم يشأ أفعال العبد ولا خلقها.
ونقول
لهم رداً على قولكم: هذا في الحقيقة التعطيل والتنقص للخالق أن يكون في
ملكه ما لا يشاؤه ولا يريده، أو أن يكون هناك خلق لم يقم به، وليس الله هو
الذي خلقه، مع إنه يقول: {الله خالق كل شيء}، ثم نقول: إن الظلم منتف بأمرين: معقول ومنقول.
أما
المعقول: فلأن الله تعالى أعطى الإنسان عقلاً يدرك به ويعرف به ما يضره
وينفعه، أليس كذلك؟ ليس كبهيمة. له عقل يتصرف، ولم يحجزه عن عقله أبداً.
وأما المنقول فقد أرسل إليه الرسل وبين له الحق من الباطل وأقام عليه الحجة {رسلاً مبشرين ومنذ رين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}
الظلم الحقيقي أن نقول لك: افعل ثم تفعل ثم يعاقبك، أما أن يقول: لا تفعل
ثم تفعل فيعاقبك فهل هذا ظلم؟ أبداً، لو أن رجلاً قال لولده: لا تفعل ثم
فعل فعاقبه لعده الناس عدلاً (ولا) ظلماً؟ عدلاً وتقويماً لهذا الابن،
فانظر إلى تلبيسهم والعياذ بالله ومجادلتهم وإلى باطلهم. نعم).
القارئ: ("وقد وافقهم على ذلك متأخروا الشيعة").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (طيب
ويقولون: إن الله تعالى لا يريد إلا ما أمر به فقط، فجعلوا الإرادة بمعنى
الأمر.. الأمر الشرعي، وهذا باطل، لو قلنا: لا يوجد إلا ما أمر به شرعاً،
لكن أكثر الناس (هه)؟ يعملون بغير إرادته؛ لأن تسعماية وتسعة وتسعين بالألف
كلهم لا ينفذون مراد الله الشرعي، ولا شك أن هناك فرقاً بين الرضا (اللي)
هو التابع للأمر وبين المشيئة الشاملة لما أمر به وما لم يأمر به. طيب).
القارئ: ("وقد وافقهم على ذلك متأخروا الشيعة كمفيد وأبي جعفر الفوزي وأمثالهما").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الشيخ
رحمه الله عبر هنا بالشيعة، وفي الأول عبر بالروافض، فهم شيعة بحسب قولهم
إنهم شيعة لعلي بن أبي طالب، وهم روافض؛ لأنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين
رحمه الله حين اجتمعوا إليه وقالوا: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما
خيراً, وقال: هما وزيرا جدي. من يعني بجده؟ الرسول عليه الصلاة والسلام،
فلما قال ذلك رفضوه واعنزلوه، ومن ثم سموا رافضة.
والحقيقة
أن أهل السنة والجماعة هم شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومَن آمن من
آل البيت؛ لأن المؤمن، المؤمن هو ولي لكل مؤمن؛ قال الله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}
فكل من كان أكثر إيماناً بالله عز وجل فإنه أكثر ولاية للمؤمنين من آل
البيت ولغيرهم، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بريء مما ينسب إليه من هذه
الأقوال الباطلة، بل إنه رضي الله عنه حرق غاليتهم بالنار لما جاؤوا إليه
وقالوا له: أنت الله – أعوذ بالله - ما صبر، أمر بالأخاديد فخدت وبالحطب
فجمع، ثم ألقاهم في النار، شر قتلة والعياذ بالله؛ لأنهم جعلوه إلهاً،
جعلوه إلهاً.
والذين
لا يجعلونه إلها باللفظ قد يجعلونه إلهاً بالمعنى ويعتقدون أنه مدبر للكون
وأنه ما من ذرة في الأرض ولا في السماء إلا هو الذي يديرها، علي بن أبي
طالب قطب الأقطاب.
وعلى كل حال فنحن نقول: نشهد الله عز وجل على محبة المؤمنين من آل البيت، ونرى أن المؤمن آل البيت له حقان علينا:
الحق الأول: إيمانه.
والثاني: قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونرى
أنهم ما شرفوا إلا لقربهم من الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس الرسول هو
الذي شرف بهم بل هم شرفوا بقربه، ونرى أيضاً أنهم مراتب ومنازل، وأنهم وإن
تميزوا بهذه الخصيصة وهي القرب من الرسول عليه الصلاة والسلام فلا يعني ذلك
أن لهم الفضل المطلق على من فضلهم في العلم والإيمان، فأبو بكر وعمر عثمان
رضي الله عنهم هؤلاء أفضل من علي بن أبي طالب الفضل المطلق، وإن كان علي
بن أبي طالب يمتاز عنهم في بعض الخصوصيات، لكن هذا لا يلزم منه التفضيل
المطلق، هذا لايلزم التفضيل المطلق؛ لأن هناك فرقاً بين الإطلاق وبين
التقييد. أي نعم.
ردا على سؤال غير مسموع:
هو
رضي الله عنه رأى إن هذا أعظم عقوبة مثل ما فعله أبو بكر رضي الله عنه في
الأمر بتحريق اللوطي، وإن كان الإنسان قد يخفى عليه بعض الشيء أحياناً،
ولهذا ابن عباس قال يعني: لو أنه في مقام علي بن أبي طالب لقتلهم لقول
النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه )) وما
أحرقتهم بالنار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يعذب بالنار. فقيل:
إنه قال: ما أسقط من فضل على الهنات، يعني على العيب والخطأ).
القارئ: ("ولأبي
جعفر هذا تفسير على هذه الطريقة، لكن يضم إلى ذلك قول الإمامية الاثني
عشرية، فإن المعتزلة ليس فيهم من يقول بذلك ولا من ينكر خلافه أبي بكر وعمر
وعثمان وعلي.
ومن
أصول المعتزله مع الخوارج إنفاذ الوعيد في الآخرة، وأن الله لا يقبل في أهل
الكبائر شفاعة، ولا يخرج منهم أحد من النار. ولا ريب أنه قد رد عليهم
طوائف من المرجئة والكرامية والكلابية وأتباعهم فأحسنوا تارة وأساؤوا أخرى
حتى صاروا في طرفي نقيض، كما قد بسط في غير هذا الموضع").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (نعم،
وهذا يكون أحياناً يرد بعض الناس على بعض البدع، ولكن يكون في طرف نقيض على
آخرين، يأتي ببدعة, مثل ماذهب إليه البعض الناس من أنه ينبغي في عاشوراء
التوسعة على الأهل وإدخال الفرح والسرور؛ ليقابلوا بذلك الرافضة الذين
يجعلون يوم عاشوراء يوم غم وحزن، وهذا خطأ؛ لأن البدعة لا يجوز أن تقابل
ببدعة، بل يكفي في البدعة منعها أن تقول: هذا غير مشروع، وكل بدعة ضلالة.
وأما أن تحدث شيئاً يقابلها فلا يمكن هذا، لا ينفع، لا يذهب البدعة إلا
السنة فقط، والله المستعان).
القارئ: (قال
المؤلف رحمه الله تعالى: "والمقصود أن مثل هؤلاء اعتقدوا رأياً ثم حملوا
ألفاظ القرآن عليه، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا من
أئمة المسلمين، لا في رأيهم ولا في تفسيرهم).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): ( (فالذين أَخْطَأُوا في الدليلِ والمدلولِ؛ مثلُ طوائفَ مِن أهلِ البِدَعِ، اعْتَقَدُوا مَذهباً يُخالِفُ الحقَّ الذي عليه الأمَّةُ الوَسَطُ، - وهم أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ-)،
اعتَقَدُوا مَذاهبَ تُخَالِفُ مَذهبَ أهلِ الحقِّ، (الأمَّةُ
الوسَطُ الذين لا يَجتمعونَ على ضَلالةٍ، كسَلَفِ الأُمَّةِ
وأَئِمَّتِهَا، وعَمَدُوا إلى القرآنِ، فتَأَوَّلُوهُ على آرائِهم)، وتَرَكُوا الحقَّ الذي عليه السلَفُ.
ولَمَّا اعْتَقَدُوا عقائدَ مُنحرِفَةً؛ (تَأَوَّلُوا القرآنَ على آرائِهم، - وعلى أهوائِهم-، تارةً يَستَدِلُّونَ بالآياتِ على مَذهبِهم ولا دَلالةَ فيها)،
ومِن التفاسيرِ التي أَشَرْنَا إليها سابقاً: تفسيرٌ مطبوعٌ باسمِ:
(مُتشابِهُ القرآنِ) للقاضي عبدِ الجبارِ، ، هذا التفسيرُ حَقَّقَه أحَدُ
العلماءِ الذين يَتَسَمَّوْنَ بالعلْمِ في سُورِيَةَ، واسمُه: عدنان زرزور،
وملأَهُ بالزُّورِ، مِثالُ ذلك: أنه إذا جاءَ إلى آيةٍ فيها إثباتُ
الصفاتِ؛ سلَّطَ عليها التأويلَ، وإذا جاءَ إلى آيةٍ يَظهَرُ فيها
استدلالُهم؛ يقولُ: لنا قولُ اللهِ تعالى، فيَذكُرُ ما يَستدِلُّونَ به،
كقولِه تعالى في سورةِ الأنعامِ: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}
فإنه حَمَلَ الإدراكَ على الرؤيةِ؛ لأنهم يَعتقدونَ أنَّ اللهَ لا يُرَى،
والإدراكُ عندَ العربِ غيرُ الرؤيةِ، وهو شيءٌ زائدٌ عليها؛ لقولِه تعالى: {فَلَمَّا تَرَآى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} يعني: مُحاطٌ بنا، فقالَ: {كَلاَّ}،
فدَلَّ أنَّ هناك رؤيةً، وهناك إدراكاً، ولكنَّ المعتزِلَةَ لَمَّا كانوا
يَعتقدونَ عقائدَ؛ حَمَّلُوا الآياتِ ما لا تَحتَمِلُهُ؛ لتَدُلَّ على
مُعتقَدِهم.
قولُه: (وتارةً يَتأوَّلونَ ما يُخالِفُ مَذهبَهم؛ بما يُحَرِّفونَ به الكَلِمَ عن مَواضعِه)، يُحَرِّفونَ الكلِمَ عن مَواضعِه، فكلُّ آيةٍ تخالِفُ مُعتقَدَهم يُسَلِّطونَ عليها التأويلاتِ، مثلُ قولِه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}،
رأيتُ لبعضِهم قولاً: إنَّ (إلى ربِّها) يعني: نِعمةِ رَبِّها، فجَعَلوا
(إلى) اسماً لا حرفاً، وهذا تأويلٌ بعيدٌ عما يَقتضيهِ سياقُ الآيةِ. وكلُّ
ذلك ليَخْرُجُوا عن دَلالةِ الآيةِ على إثباتِ الرؤيةِ.
وكذلك تأويلُ الأشاعرةِ لآياتِ المجيءِ ففي قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} يقولون أي: جاءَ أَمْرُه، وأشباهُ ذلك، فيَتأوَّلُونَ ما يُخالِفُ مَذهبَهم بما يُحَرِّفونَ به الكَلِمَ عن مَواضِعِه.
مَثَّلَ بفِرَقِ (الخوارجِ والروافضَ والجهميَّةَ والمعتزِلَةَ والقَدريَّةَ والْمُرْجِئَةَ)، فيقولُ ابنُ عباسٍ في الخوارجِ: إنهم نَظَروا إلى آياتٍ نَزلتْ في الكُفَّارِ فحَملوها على المؤمنينَ.
وهذا أيضاً مِن التحريفِ، فمَثلاً: اعتقادُهم أنَّ المعاصيَ يُخَلَّدُ بها في النارِ، يَستدِلُّونَ عليه بِمِثلِ قولِه تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا}،
وهذا في الكُفَّارِ المشركينَ، أما العصاةُ إذا دَخَلُوا النارَ فإنهم
يَخْرُجُونَ منها، كما وَرَدَ ذلك في السُّنَّةِ، ويَستَدِلُّونَ بقولِه
تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا}، وهذا أيضاً في الكُفَّارِ، وأشباهُ ذلك، فهؤلاءِ ممن يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عن مواضِعِه.
وكذلك
الروافضُ، وسيَأتينا لهم تأويلاتٌ عجيبةٌ، وكذلك الْجَهميَّةُ وهم أتباعُ
الْجَهْمِ، الذي اعتقَدَ ثلاثَ عقائدَ مِن البِدَعِ: التعطيلَ، والجبرَ،
والإرجاءَ، فهو يقولُ بالإرجاءِ،وهو تَغليبَ جانبِ الرجاءِ، ويقولُ
بالجَبْرِ: وهو أنَّ العِبادَ مَجبورونَ على أعمالِهم، وليس لهم اختيارٌ،
ويقولُ بالتعطيلِ:وهو أنَّ اللهَ تعالى ليس له صفاتٌ، فيُعَطِّلُونَ اللهَ
تعالى عن صفاتِ الكمالِ، وتَفَرَّقَ مَذهبُه في هذه الْمَذاهبِ، وأكثرُه في
المعتزِلَةِ، والمعتزِلَةُ هم الذين انْتَشَرَ مَذهبُهم، وسيَأتينا
أصولُهم، والقَدَرِيَّةُ يَغْلِبُ أنهم أيضاً مِن المعتزِلةِ، وأكثرُ ما
يُطْلَقُ القَدَرِيَّةُ على المعتزِلَةِ الذين يُنكِرُونَ قُدرةَ اللهِ على
أفعالِ العبادِ، ويَدخُلُ في القَدرِيَّةِ: الغُلاةُ الذين يَحْتَجُّونَ
بالقَدَرِ على المعاصي؛ فإنهم أيضاً قَدَرِيَّةٌ؛ لأن القَدريَّةَ قِسمانِ:
قَدريَّةٌ نُفاةٌ، وقَدَرِيَّةٌ مُجْبِرَةٌ.
والْمُرْجِئَةُ:
الذي يُغَلِّبُونَ جانبَ الرجاءِ، فيَتأوَّلونَ الآياتِ التي في الوعيدِ؛
لأنَّ مِن عقيدتِهم: أنَّ أهلَ المعاصي لا يَدخلونَ النارَ، ولو عَمِلُوا
ما عَمِلوا،لقولهم المشهور: لا يَضُرُّ مع الإيمانِ ذَنْبٌ، كما لا يَنفعُ
مع الشرْكِ عَمَلٌ، فهذا مُعتقَدُهم، وقياسُهم قياسٌ فاسدٌ، بل المعاصي
تَضُرُّ، ولو قيلَ ذلك؛ لرُخِّصَ للناسِ في فِعْلِ المعاصي والمحرَّماتِ،
مع ما وَرَدَ فيها مِن الوَعيدِ.
ثم مَثَّلَ؛ بقولُه: (كالمعتزِلَةِ مَثلاً؛ فإنهم مِن أعظمِ الناسِ كَلاماً وجِدالاً)فقد:
انْتَشَرَتْ مُؤَلَّفَاتُهُم وكَثُرَ جِدَالُهُم، ويَحْصُلُ الجدالُ
الكثيرُ بينَهم وبينَ الأشاعرةِ، والأشاعرةُ يَدَّعِي مَن يَعتقِدُ
مُعتقدَهم أنهم أهلُ السُّنَّةِ؛ مع المخالَفَةِ لهم، يعني: بينَهم وبينَ
مَذهبِ السلَفِ مُخالفاتٌ كثيرةٌ، ومع ذلك فإنَّ بينَهم – أي: المعتزلة -
وبينَ الأشاعرةِ جِدالاً وخُصوماتٍ ومنازعاتٍ.
قولُه: (وقد صَنَّفُوا تفاسيرَ على أصولِ مَذهبِهم مثلَ تفسيرِ عبدِ الرحمنِ بنِ كَيسانَ الأصمِّ، شيخِ إبراهيمَ بنِ إسماعيلَ ابنِ عُليَّةَ، الذي كان يُناظِرُ الشافعيَّ)،
عبدُ الرحمنِ بنُ كَيسانَ كان شيخاً لإبراهيمَ، وإبراهيمُ هذا؛ أبوه:
العالمُ المشهورُ: إسماعيلُ ابنُ عُلَيَّةَ، مِن الْحَفظةِ ومِن علماءِ
السلفِ، يَرْوِي عنه أهلُ الصحيحينِ كثيراً، أما إبراهيمُ ابنُه فيُمكنُ
أنه تَأَثَّرَ بشيخِه الذي هو هذا الأصمُّ، والذي كان يُناظِرُ
الشافعيَّ،مناظراتٍ جَدَلِيَّةً، (ومثلُ كتاب أبي عليٍّ الجبائيِّ)، وهم مِن رؤوسِ المعتزِلةِ، وكذلك ابنُه أبو هاشمٍ الجبائيُّ؛ مِن رؤوسِ المعتزِلةِ ومشاهيرِهم.
(ومثلُ التفسيرِ الكبيرِ للقاضي عبدِ الجبارِ بنِ أحمدَ الهَمْدانيِّ)،
وهو شيخُ مَذْهَبِهم، والهمدانيُّ هذا له مؤلَّفاتٌ كبيرةٌ وكثيرةٌ،
وأشهرُها كتابُه الذي سَمَّاهُ: (المُغنِي)، طُبِعَ مُحَقَّقاً في
سُورِيَةَ، في أربعةَ عشرَ مُجَلَّداً، وهو في معتقَدِ المعتزِلةِ، وفي
تأويلاتِهم للأدِلَّةِ، وفي نَصْرِ عقائدِهم.
ولعبدِ
الجبارِ هذا الكتابُ الذي سَمَّاهُ (مُتشابِهَ القرآنِ)، والذي حَقَّقَه
زرزور في مُجَلَّدَيْنِ، وله أيضاً كتابُه الذي سَمَّاه (الأصولَ الخمسةَ)،
ويقصد بالأصولُ الخمسةُ أصولُ المعتزِلةِ، وله مؤلَّفاتٌ كثيرةٌ، فهو الذي
أَلَّفَ لهم ومَكَّنَ لهم.
ومِن
المعتزِلةِ أيضاً: أبو الحسينِ البَصريُّ، عالمٌ مِن علماءِ النحوِ، ولكنه
مِن المتأثرينَ بهؤلاءِ؛ فله أقوالٌ في نَصْرِ المذهبِ الاعتزاليِّ، وله
تأويلاتٌ أيضاً ومُجادَلاتٌ، (وكذلك التفسيرُ المشهورُ أيضاً لعليِّ بنِ عيسى الرمانيِّ)،
ولا أَذْكُرُ أنه موجودٌ، (والتفسيرُ الذي لأبي القاسمِ الزمخشريِّ، وهو
أَشْهَرُها، والذي يُسَمَّى (الكشافَ عن تأويلِ القرآنِ))، وهذا الزمخشريُّ
مِن مشاهيرِ علماءِ المعتزِلةِ، لُغَوِيٌّ فصيحٌ جَدَلِيٌّ، عارفٌ
بمفرداتِ اللغةِ، وله كتُبٌ في اللغةِ مشهورةٌ، وأشهَرُ كُتُبِه: (الكشافُ)،
وقد ذَكَرَ فيه تأويلاتٍ كثيرةً تَتعلَّقُ بِمَذْهَبِهِ، يُدخِلُ مَذهبَه -
الذي هو الاعتزالُ - في هذا التفسيرِ إدخالاً خَفِيًّا، حتى قالَ بعضُهم:
أَخْرَجْتُ الاعتزالَ مِن الكشافِ بالمناقيشِ، يعني: لا يَخرُجُ إلا
بأشياءَ خَفِيَّةٍ، فاستَنْبَطُوا منه ما يَدُلُّ على مُعتَقَدِه؛ بإشاراتٍ
خَفِيَّةٍ، حتى لَمَّا ذَكَرَ قولَ اللهِ تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} قالَ:
ولا فوزَ أكبرُ مِن دُخولِ الجنةِ، وظاهرُ هذا أنه كلامٌ لا بأسَ به، ولكن
يُريدُ بذلك نفيَ صفةِ الرؤيةِ، وأنَّ اللهَ تعالى لا يُرَى؛ لأنَّ
الرؤيةَ في الجنةِ أَعظَمُ نعيمِهم، فكأنه يقولُ: هذا مُنْتَهَى الفوزِ،
وهو: دخولُ الجنةِ، ولا فَوْزَ غيرُ ذلك، فاستَنْبَطُوا منه هذا الاستنباطَ
الخفيَّ، وكذلك كثيرٌ مِن الآياتِ يُحَمِّلُها ما لا تَحتمِلُ، سيَّما على
مَذْهَبِهم؛ مِن إسنادِ الأفعالِ إلى العِبادِ، وعدَمِ قُدرةِ اللهِ تعالى
عليها.
وقد
رَدَّ عليه صاحبُ (الانتصافِ) وهو كتابٌ مُعَلِّقٌ عليه،اسمه: (الانتصافُ
مِن الكشافِ)، ولكنه لم يَسْتَوْفِ ما يُنْتَقَدُ عليه إلا في مَذهبِ
القدَرِ، وفي مَذهبِ بعضِ الكلماتِ، وصاحبُ (الانتصافِ) أشعريٌّ، فلأجْلِ
ذلك لم يَنتقدْهُ في الصفاتِ التي اتَّفَقَ مَذهبُ الأشاعرةِ ومَذهبُ
المعتزِلةِ على نفيِها، فيُقِرُّه على تفسيرِ قولِه: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ} أي: أَمْرُ اللهِ، ويُقِرُّهُ على تفسيرِ المحبَّةِ وصَرْفِها عن ظاهرِها، كقولِهم: {وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ}
أي: لا يُريدُه، ويَستَدِلُّونَ بذلك على أنَّ اللهَ تعالى لا يَخْلُقُ
أفعالَ العِبادِ، ويُفَسِّرُونَ المحبَّةَ بالإرادةِ، وهو تفسيرٌ بعيدٌ.
وأشباهُ ذلك.
قولُه: (هؤلاءِ وأمثالُهم اعتَقَدُوا مَذاهبَ المعتزِلَةِ)، ثم ذَكَرَ (أنَّ
أصولَ المعتزِلةِ خمسةٌ، يُسَمُّونَها: التوحيدَ، والعدلَ، والمنزلةَ بينَ
المنزلتينِ، وإنفاذَ الوعيدِ، والأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكَرِ)، إذا رأيتَ أسماءَها فإذا هي أحسَنُ شيءٍ، ولكن في داخلِها حِقْدٌ، وفي محتواها دسائسُ؛ (فالتوحيدُ
عندَهم هو توحيدُ الْجَهْمِيَّةِ، الذي مضمونُه نفيُ الصفاتِ وعن ذلك،
قالوا: إن اللهَ لا يُرَى، والقرآنُ مخلوقٌ، وليس اللهُ فوقَ العالَمِ، ولا
يقومُ به عِلْمٌ ولا قُدرةٌ ولا حياةٌ ولا سَمْعٌ ولا بَصَرٌ ولا كلامٌ
ولا مشيئةٌ ولا صفةٌ مِن الصفاتِ)، هذا هو التوحيدُ عندَهم،
وسَمَّوهُ تَوحيداً لأنَّ أَخَصَّ الصفاتِ عندَهم: صفةُ القِدَمِ، فإذا
أَثْبَتُوا هذه الصفاتِ - وكانت قديمةً - لم يكن القديمُ واحداً، بل عدداً،
فإنهم يقولون: اللهُ تعالى قديمٌ، فإذا قلنا: للهِ تعالى سَمْعٌ، وسَمْعُه
قديمٌ، وله بصَرٌ، وله كلامٌ، وله علْمٌ، وله قُدرةٌ، وله مَحَبَّةٌ، كانت
هذه الصفاتُ أيضاً قديمةً، فلا يكونُ القديمُ واحداً، بل عدداً.
ثم
إنهم يَعتقدونَ أنَّ الصفاتِ شيءٌ زائدٌ على الذاتِ، وأنَّ الصفةَ غيرُ
الموصوفِ، وكلُّ هذا سوءُ فَهْمٍ؛ وذلك لأنَّ الصفةَ تقومُ بالموصوفِ، وإذا
قامَت الصفةُ بالموصوفِ فلا يَثْبُتُ التعَدُّدُ، فنحن نقولُ: إنَّ اللهَ
واحدٌ، وأحَدٌ، وأنَّ له سَمْعاً وبَصراً ويَداً ووَجْهاً، ونحوَ ذلك، كما
يقالُ ذلك في الإنسانِ، ولله المثل الاعلى.
فأنتَ
مَثَلاً إذا قلتَ: جاءني رَجُلٌ واحدٌ، فهل تُعَدِّدُ جوارحَهُ؟، لا
تقولُ: جاءني، وجاءني رأسُه، وجاءتني يدُه، وجاءتني رجلُه، وجاءني قلبُه.
جاءني واحدٌ- أو فلان -، فكذلك إذا قُلنا: اللهُ تعالى واحدٌ؛ فإننا نقولُ:
اللهُ واحدٌ بسمْعِهِ وبصرِه وبكلامِه وبحياتِه وبعلْمِه وبمحبَّتِه، فلا
يكونُ في إثباتِ الصفاتِ إثباتاً للتعَدُّدِ.
ولكنَّ
المعتزِلةَ جَعَلوا التوحيدَ هو نفيَ الصفاتِ، فكأنهم أَثْبَتوا ذاتاً
مُجَرَّدةً عن الصفاتِ، وقالوا: هذا هو التوحيدَ، حتى نَفَوا الجهةَ،
ونَفَوْا أنْ يكونَ اللهُ تعالى على عَرْشِه، وأن يكونَ فوقَ العالَمِ،
وأنَّ اللهَ تعالى يُرَى بالأبصارِ عِياناً في الآخرةِ، وأنَّ اللهَ
متكلِّمٌ، وجَعلوا القرآنَ مخلوقاً،ونَفَوا أنْ يقومَ بالله شيءٌ مِن
الصفاتِ، فقالوا: ليس له علْمٌ ولا قُدرةٌ ولا حياةٌ ولا سمْعٌ ولا بصرٌ
ولا كلامٌ ولا صفةٌ مِن الصفاتِ؛ كلُّ ذلك مخافةَ التعدُّدِ عندَهم، فهذه
حقيقةُ التوحيدِ عندهم.
ولما
اعتَقَدوا هذا تأَوَّلُوا الآياتِ التي تدلُّ على هذه الأشياءِ، ولكن
وَقَعوا فيما فَرُّوا منه؛ فإنهم إذا قالوا: إنَّ الغضبَ: إرادةُ
الانتقامِ؛ قلنا لهم: أنتم أثْبَتُّم الإرادةَ، فهل هي كإرادتِنا؟ فإذا
قالوا: لا؛ إرادةٌ تَليقُ به، قلنا: ونحنُ نقولُ: غَضَبٌ يَليقُ به، وكذلك
محبةٌ تليقُ به، وأشباهُ ذلك من الصفاتِ، فنُثبتُها ونقولُ: إنها مِن
الصفاتِ التي تناسِبُ الموصوفَ؛ وذلك لأنَّ كلَّ صفةٍ تُناسِبُ مَن
يَتَّصفُ بها، ولو اتَّفَقَت الأسماءُ فإنها تَختلفُ باختلافِ المضافِ
إليها، فمعلومٌ مثلاً: أنَّ المخلوقاتِ توصَفُ بالحياةِ مع تفاوُتِ ما
بينَها، فأنتَ تقولُ: هذه أرضٌ حَيَّةٌ، وهذه شجرةٌ حَيَّةٌ، وهذه ناقةٌ
حَيَّةٌ؛ فهل يقالُ: حياةُ الناقةِ كحياةِ الشجرةِ، اتَّفَقَتْ في الاسمِ.
والحاصلُ أنَّ هذا يطولُ الكلامُ حولَه، وهو معروفٌ في كُتُبِ العقيدةِ.
(الثاني:
العدلُ). لا.بل تخلتف مع أنهم مُرادُهم بالعدلِ نفيُ قُدرةِ اللهِ تعالى
على أفعالِ العِبادِ، فمن مضمونه أنَّ اللهَ لم يُنْشِئْ جميعَ الكائناتِ
ولا خَلَقَها، ولا هو قادرٌ عليها كلِّها، فينفون القُدرةِ، ويقولون: إنَّ
اللهَ لو خَلَقَ المعصيةَ في العاصي ثم عاقَبَه كان ظالماً، ولم يكنْ
عادلاً، فهذه فِكْرَتُهم.
ونحن
نقولُ: إنَّ اللهَ تعالى خالقُ كلِّ شيءٍ، وأنه هو الذي يَهْدِي مَن يشاءُ
ويُضِلُّ مَن يشاءُ، ولا يكونُ في الوجودِ إلا ما يُريدُ، وأنه سُبحانَه
المتصَرِّفُ في خَلْقِه كما يشاءُ، فليس لأحدٍ تَصَرُّفٌ معه، ولكن نقولُ
أيضاً: إنه سبحانَه أعطى العِبادَ قُدرةً يُزاولونَ بها الأعمالَ؛ تُنْسَبُ
بها أعمالُهم إليهم، فالعِبادُ فاعلونَ حقيقةً، واللهُ خالقُهم وخالقُ
أفعالِهم، وللعِبادِ قُدرةٌ على أعمالِهم، ولهم إرادةٌ، واللهُ خالقُهم
وخالقُ قُدرتِهم وإرادتِهم، والعبدُ هو المؤمنُ والكافرُ، والْبَرُّ
والفاجرُ، والمصَلِّي والصائمُ، فأعمالُه تُنْسَبُ إليه، مع أنَّ اللهَ هو
الذي هداه وأَنْعَمَ عليه فصارَ مؤمناً، وأضلَّ هذا وخَذَلَه حتى اختارَ
الكُفْرَ، فصارَ كافراً، وللهِ الْحُجَّةُ على خَلْقِه {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لِهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}.
فالحاصلُ (أنَّ عندَ هؤلاءِ: أنَّ أفعالَ العبادِ لم يَخْلُقْها اللهُ، لا خيرَها ولا شَرَّها)، فيَجعلونَ قُدرةَ العبدِ أقوى مِن قُدرةِ الربِّ تعالى، فيقولون: (إنَّ اللهَ لم يُرِدْ إلا ما أَمَرَ به شَرْعاً)، لم يرد إلا الطاعاتِ التي أَمَرَ بها،وهذه المعاصي لم يردها.
وقد
تَكَلَّمَ العلماءُ على الإرادةِ، وقَسَّمُوها إلى إرادةٍ دِينيَّةٍ
شرعيَّةٍ، ولا يَلْزَمُ وقوعُ مرادِها؛ وإلى إرادةٍ كونيَّةٍ قَدَرِيَّةٍ
يَلزَمُ وقوعُ مرادِها، فالدينيَّةُ الشرعيَّةُ محبوبةٌ له، وأما الإرادةُ
الكونيَّةُ القدَرِيَّةُ فقد تكونُ محبوبةً كأعمالِ المسلمِ، وقد تكونُ
مكروهةً كأعمالِ الكافرِ، ويقولون: (ما سوى ذلك فإنه يكونُ بغيرِ مشيئتِه)، ولا قُدرةَ له على هدايةٍ ولا على إضلالٍ. هذا عدلُهم.
يقولُ: (وقد وافَقَهم على ذلك مُتَأَخِّرُو الشيعةِ – الرافضةِ-)،
ولا يَزالونَ على هذه العقيدةِ -، حتى الذين في المملكةِ -؛ عقيدةِ
المعتزِلَةِ، يعني: مشايِخَهم، في نفيِ الصفاتِ، وكذلك أيضاً الإباضيَّةُ
على هذه العقيدةِ، التي هي نفيُ الصفاتِ، ونفيُ قدرةِ اللهِ تعالى على
أفعالِ العِبادِ.
مَثَّلَ مِن الشيعةِ: (كالمفيدِ، وأبي جعفرٍ الطوسيِّ، وأمثالِهما مِن الشيعةِ، ولأبي جعفرٍ هذا تفسيرٌ على هذه الطريقةِ)،
تفسيرٌ له يُوافِقُ فيه المعتزِلةَ على نفيِ الصفاتِ، ويوافِقُهم أيضاً
على نفيِ القدرةِ، وعلى وصف اللهَ تعالى بالعجْزِعن الهدايةِ، ثم ذَكَرَ (أنَّ الطوسيَّ - وهو مِن كبارِ الروافضِ - يَضُمُّ إلى ذلك قولَ الإماميَّةِ الاثنَيْ عشريَّةِ)،
يعني: يَجْمَعُ الخطأينِ، أخطاءَ المعتزِلةِ؛ يَأخذُها فيَعْتَمِدُها في
نفيِ الصفاتِ وفي نفيِ القُدرةِ، وكذلك أخطاءَ الروافضِ في تأويلِ الآياتِ
على ما يَعتقدونَه، كما سيأتي.
(المعتزِلةُ ليس فيهم مَن يقولُ بقولِ الإماميَّةِ، ولا مَن يُنكِرُ خِلافةَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ)، بخِلافِ الرافضةِ.
فالأصلُ
الثالثُ عندَ المعتزِلةِ: المنزِلةُ بينَ المنزلتينِ، يقولونَ: إنَّ
العصاةَ في الدنيا ليسوا كُفَّاراً وليسوا مسلمينَ، بل بينَهما، فلا
يَجعلونَهم كُفَّاراً يُقاتَلونَ، ولا يَجعلونهم مؤمنينَ يُوَالَوْنَ، بل
يَجعلونهم خارجينَ مِن الإيمانِ، غيرَ داخلينَ في الكفْرِ، وهذه لم
يَقُلْها أحَدٌ قَبْلَهم.
(الأصلُ
الرابعُ عندَ المعتزِلةِ: إنفاذُ الوعيدِ في الآخرةِ، وقد وافَقَتْهُم
الخوارجُ)، وذلك أنهم يَعتقدون: أنَّ الآياتِ التي في وعيدِ العصاةِ، وكذلك
الأحاديثُ نافذةٌ، فيقولونَ بتَخليدِ أهلِ المعاصي في النارِ، (وأنَّ اللهَ لا يَقبلُ في أهلِ الكبائرِ شفاعةً)،
فمَن ماتَ عندَهم مِن أهلِ الربا، ومِن أهلِ الزنا، ومِن أهلِ الخمرِ
ونحوهم؛ (فإنه مُخَلَّدٌ في النارِ)، لا تَنفعُه الشفاعةُ، ويَستدلون
بقولِه تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}،
فيقولونَ: إذا دَخَلَ النارَ فهو مِمَّنْ أخزاهُ اللهُ، فكيفَ مع ذلك
يُشَفَّعُ فيه؟ وكيف مع ذلك يُرفَعُ، وما عَلِمُوا أنَّ هذه الآيةَ في
الكُفَّارِ.
(ولا ريبَ أنه قد رَدَّ عليهم طوائفُ)، ردَّ عليهم هذا الاعتقادَ كثيرٌ (مِن الْمُرْجِئَةِ)؛
لأنهم مع الْمُرْجِئَةِ في طَرَفَيْ نقيضٍ؛ فالمرجئةُ يُغَلِّبُونَ جانبَ
الرجاءِ، فيُرَخِّصُونَ للعصاةِ في المعاصي، وهؤلاءِ ويُسَمَّوْنَ:
الوعيديَّةَ- المعتزِلةَ والخوارجَ - يقولون: إنَّ أحاديثَ الوعيدِ نافذةٌ،
وإنَّ كلَّ مَن ماتَ وهو على معصيةٍ فإنه مُخَلَّدٌ في النارِ، فيكونون في
طَرَفَيْ نقيضٍ، وأهلُ السنَّةِ مُتوسِّطُونَ.
(والكَرَّاميَّةُ): أتباعُ محمدِ بنِ كَرَّامٍ، ويَغْلِبُ عليهم الإثباتُ، ولهم أقوالٌ أيضاً شاذَّةٌ في الإيمانِ وغيرِه. (الكُلاَّبيَّةُ):
أتباعُ عبدِ اللهِ بنِ سعيدِ بنِ كُلاَّبٍ، والذي نَهَجَ مَنهجَه أبو
الحسنِ الأشعريُّ، والذي على مَذهبِه الآن طائفةُ الأشاعرةِ؛ فإنهم في
الحقيقةِ كُلاَّبيَّةٌ؛ لا أشاعرةٌ؛ لأنَّ الأشعريَّ رَحِمَه اللهُ قد
رَجَعَ عما كان عليه هذا الكلاَّبِيُّ.
فالحاصلُ: هو قولُه: (أَحْسَنُوا تارةً، وأساؤُوا أخرى)، لمَّا رَدُّوا على المعتزِلةِ- المرجئةُ والكرَّاميَّةُ والكلاَّبيَّةُ وأتباعُهُم- رَدُّوا على المعتزِلةِ فأَحْسَنوا وأَساؤُوا، (حتى صاروا في طَرَفَيْ نقيضٍ، كما قد بُسِطَ في غيرِ هذا الموضِعِ).
قولُه: (والمقصودُ: أنَّ مثلَ هؤلاءِ اعتَقَدُوا رَأْياً، ثم حَمَلُوا ألفاظَ القرآنِ عليه)،
وما كانوا يَعتقدونَ هذا الرأيَ، كاعتقادِ الرافضةِ نفيَ الصفاتِ، أو
اعتقادِ الرافضةِ صِحَّةَ أو بُطلانَ خِلافةِ الخلفاءِ، واعتقادِ الخوارجِ
أيضاً تَخليدَ العصاةِ في النارِ، واعتقادِ المعتزِلةِ نفيَ الصفاتِ، وإنما
رَأَوْا رأياً فحَمَلوا ألفاظَ القرآنِ على رأيِهم، (وليس لهم سَلَفٌ)، يعني: فمَن سَبَقَهم (مِن الصحابةِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ، ولا مِن أئمَّةِ المسلمينَ؛ لا في آرائِهم ولا في تفاسيرِهم)، آرائِهم: يعني: بِدَعِهم وتفاسيرِهم، وما تَكَلَّفُوهُ في تحريفِ القرآنِ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)
القارئ: (والأولون
صنفان: تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به وتارة يحملونه على ما
لم يدل عليه ولم يرد به، وفي كلا الأمرين قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته
من المعنى باطلاً فيكون خطأهم في الدليل والمدلول، وقد يكون حقاً فيكون
خطأهم فيه في الدليل لا في المدلول وهذا كما أنه وقع في تفسير القرآن فإنه
وقع أيضاً في تفسير الحديث فالذين أخطأوا في الدليل والمدلول مثل طوائف من
أهل البدع اعتقدوا مذهباً يخالف الحق الذي عليه الأمة الوسط الذين لا
يجتمعون على ضلالة، كسلف الأمة وأئمتها، وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على
آرائهم تارة يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها، وتارة يتأولون ما
يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه.
ومن هؤلاء فرق الخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة والقدرية والمرجئة وغيرهم. وهذا كالمعتزلة مثلاً فإنهم من
أعظم الناس كلاماً وجدالاً، وقد صنفوا تفاسير على أصول مذهبهم، مثل تفسير
عبد الرحمن بن كيسان الأصم، شيخ إبراهيم بن إسماعيل بن عَليَّه الذي كان
يناظر الشافعي.
ومثل كتاب أبي علي الجبائي، والتفسير الكبير للقاضي عبد الجبار بن أحمد
الهمذاني والجامع لعلم القرآن لعلي بن عيسى الرماني، والكشاف لأبي القاسم
الزمخشري.
فهؤلاء وأمثالهم اعتقدوا مذاهب المعتزلة، وأصول المعتزلة خمسة يسمونها هم:
التوحيد، والعدل، والمنـزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
وتوحيدهم هو توحيد الجهمية الذي مضمونه نفي الصفات عن ذلك، قالوا إن الله
لا يرى، وإن القرآن مخلوق، وإنه تعالى ليس فوق العالم، وإنه لا يقوم به علم
ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا مشيئة ولا صفة من الصفات.
وأما عدلهم فمن مضمونه أن الله لم يشأ جميع الكائنات، ولا خلقها كلها، ولا
هو قادر عليها كلها، بل عندهم أن أفعال العباد لم يخلقها الله، لا خيرها
ولا شرها ولم يرد إلا ما أمر به شرعاًَ وما سوى ذلك فإنه يكون بغير مشيئة
وقد وافقهم على ذلك متأخرو الشيعة، كالمفيد، وأبي جعفر الطوسي، وأمثالهم.
ولأبي جعفر هذا تفسير على هذه الطريقة، لكن يضم إلى ذلك قول الإمامية
الإثني عشر، فإن المعتزلة ليس فيهم من يقول بذلك، ولا من ينكر خلافة أبي
بكر وعمر وعثمان وعلي.
ومن أصول المعتزلة مع الخوارج إنفاذ الوعيد في الآخرة، وأن الله لا يقبل في أهل الكبائر شفاعة، ولا يخرج منهم أحداً من النار.
ولا ريب أنه قد رد عليم طوائف من المرجئة والكرامية والكلابية وأتباعهم
فأحسنوا تارة، وأساءوا أخرى حتى صاروا في طرفي نقيض كما قد بسط في غير هذا
الموضع.
والمقصود: أن مثل هؤلاء اعتقدوا رأياً ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه، وليس
لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين لا في
رأيهم ولا في تفسيرهم.
وما من تفسير من تفاسيرهم الباطلة إلا وبطلانه يظهر من وجوه كثيرة وذلك من جهتين:
1- تارة من العلم بفساد قولهم.
2- وتارة من العلم بفساد ما فسروا به القرآن، إما دليلاً على قولهم أو جواباً عن المعارض لهم.
ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة فصيحاً، ويدس البدع في كلامه، وأكثر الناس
لا يعلمون كصاحب (الكشاف) ونحوه، حتى إنه يروج على خلق كثير ممن لا يعتقد
الباطل من تفاسيرهم الباطلة ما شاء الله.
وقد رأيت من العلماء المفسرين وغيرهم من يذكر في كتابه، وكلامه من تفسيرهم
ما يوافق أصولهم التي يعلم، أو يعتقد فسادها ولا يهتدي لذلك.
ثم
إنه بسبب تطرق هؤلاء وضلالهم دخلت الرافضة الإمامية ثم الفلاسفة ثم
القرامطة وغيرهم فيما هو أبلغ من ذلك. وتفاقم الأمر في الفلاسفة والقرامطة
والرافضة فإنهم فسروا القرآن بأنواع لا يقضي منها العالم عجبه).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (العالم هو فاعل يقضي والعجب مفعول: (لا يقضي منها العالمُ عجبَهُ) ).
القارئ: (فتفسير الرافضة كقولهم {تبت يدا أبي لهب} هما أبو بكر وعمر).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (نكتفي بهذا).
القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ن والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى وأتم التسليم... أما بعـد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(ثم إنه بسبب تطرق هؤلاء وضلالهم دخلت...).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (تطرف هؤلاء بالفاء هو أحسن.
القارئ: (ثم إنه بسبب تطرف هؤلاء وضلالهم دخلت الرافضة الإمامية ثم الفلاسفة، ثم القرامطة، وغيرهم فيما هو أبلغ من ذلك.
وتفاقم الأمر في الفلاسفة والقرامطة والرافضة فإنهم فسروا القرآن بأنواع لا يقضي منها العالم عجبه.
فتفسير الرافضة كقولهم: {تبت يدا أبي لهب} هما أبو بكر وعمر.
و {لئن أشركت ليحبطن عملك } أي: بين أبي بكر وعمر وعلي في الخلافة.
و {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} هي عائشة.
و {فقاتلوا أئمة الكفر} طلحة والزبير.
و {مرج البحرين} علي وفاطمة.
و {اللؤلؤ والمرجان} الحسن والحسين.
و {كل شيء أحصيناه في إمام مبين} في علي بن أبي طالب.
و {عم يتساءلون عن النبأ العظيم} علي بن أبي طالب.
و {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} هو علي، ويذكرون الحديث الموضوع بإجماع أهل العلم وهو تصدقه بخاتمه في الصلاة.
وكذلك قوله: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} نزلت في علي لما أصيب بحمزة. ومما يقارب هذا من بعض الوجوه: ما يذكره كثير من المفسرين في مثل قوله: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} إن الصابرين رسول الله، والصادقين أبو بكر، والقانتين عمر، والمنفقين عثمان، والمستغفرين علي.
وفي مثل قـولـه: {محمد رسول الله والذين معه} أبو بكر {أشداء على الكفار} عمر، {رحماء بينهم} عثمان {تراهم ركعاً سجداً } علي. وأعجب من ذلك قول بعضهم {والتين} أبو بكر، {والزيتون} عمر، {وطور سينين } عثمان {وهذا البلد الأمين} علي.
وأمثال هذه الخرافات التي تتضمن تارة تفسير اللفظ بما لا يدل عليه بحال فإن هذه الألفاظ التي لا تدل على هؤلاء الأشخاص بحال.
وقوله: {والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً} كل ذلك نعت للذين معه، وهي التي يسميها النحاة خبراً بعد خبر.
والمقصود هنا أنها كلها صفات لموصوف واحد، وهم الذين معه، ولا يجوز أن يكون
كل منها مراداً به شخص واحد وتتضمن تارة جعل اللفظ المطلق العام منحصراً
في شخص واحد كقوله: إن قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} أريد بها علي وحده. وقول بعضهم: {والذي جاء بالصدق وصدق به} أريد بها أبو بكر وحده وقوله: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} أريد بها أبو بكر وحده ونحو ذلك.
وتفسير ابن عطية وأمثاله أتبع للسنة والجماعة، وأسلم من البدعة من تفسير
الزمخشري ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه
لكان أحسن وأجمل فإنه كثيراً ما ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري – وهو
أجل التفاسير المأثورة وأعظمها قدراً – ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن
السلف لا يحكيه بحال ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين وإنما يعني بهم طائفة
من أهل الكلام، الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت المعتزلة أصولهم،
وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه،
ويعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب، فإن الصحابة والتابعين والأئمة
إذا كان لهم في تفسير الآية قول وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب
اعتقدوه وذلك المذهب ليس مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان صار مشاركاً
للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا.
وفي الجملة: من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك
كان مخطئاً في ذلك، بل مبتدعاً وإن كان مجتهداًَ مغفوراًَ له خطأه.
فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته، وطرق الصواب، ونحن نعلم أن القرآن قرأه
الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم
أعلم بالحق الذي بعث الله به رسول صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم، فمن خالف
قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعاً
ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية كما هو
مبسوط في موضعه.
والمقصود
هنا: التنبيه على مثار الاختلاف في التفسير، وأن من أعظم أسبابه: البدع
الباطلة التي دعت أهلها إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه وفسروا كلام الله
ورسوله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بغير ما أريد به، وتأولوه على غير
تأويله.
فمن أصول العلم بذلك: أن يعلم الإنسان القول الذي خالفوه، وأنه الحق، وأن
يعرف أن تفسير السلف يخالف تفسيرهم، وأن يعرف أن تفسيرهم محدث مبتدع.
ثم أن
يعرف بالطرق المفصلة فساد تفسيرهم بما نصبه الله من الأدلة على بيان الحق.
وكذلك وقع من الذين صنفوا في شرح الحديث وتفسيره من المتأخرين من جنس ما
وقع فيما صنفوه من شرح القرآن وتفسيره).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: ( بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه... أما بعد:
فهذا السياق الطويل من شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – أراد به أن
يمثل على نوع من أنواع التفسير بالرأي المذموم وبيان بطلان ذلك من طريق
مجمل وكذلك الإشارة إلى أنه يبطل بالطريق المفصل هذا التفسير بالرأي
المذموم هو كما ذكرت لكم هو أن يفسره بما يعتقده من خالف نهج
الصحابة والتابعين ونهج سلف هذه الأمة مثل: تفاسير الرافضة فيما ذكر من
أنواع التفسير الذي نقله شيخ الإسلام – رحمه الله – عن تفاسيرهم ولاشك أن
هذه التفاسير التي فسروها باطلة لأوجه:
1- أولاً: لأن اللفظ لا يحتمل ذلك فكونهم يفسرون آية ما بأنها علي واللفظ لا يدل عليه مثل: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}،
وتفسيرهم للجبت والطاغوت بأنهما: أبو بكر وعمر ونحو ذلك هذه التفاسير لا
يدل عليها اللفظ كونهم فسروا معنىً معروفاً معناه في اللغة بأن المراد به
معين من الصحابة هذا باطل من أوجه كما ذكرت، الأول أن هذا لا يدل عليه معنى
اللفظ في اللغة يقولون إن هذا تأويل والتأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره
المتبادر منه إلى معنى آخر لقرينة تدل على ذلك ويقولون صرفناه للقرينة التي
دلت على ذلك والقرينة عندهم حججهم التي بين أيديهم الحجج الباطلة التي
فيها الأمر بذبح أبي بكر – مثلاً – أو بذبح عثمان أو بذبح عمر – رضِي اللهُ
عَنْه ونحو ذلك أو أن الجبت والطاغوت هما اللذان أضلا الناس وهما أبو بكر
وعمر لكن التأويل عند العلماء ثلاثة أنواع:
أ- منه تأويل صحيح. ب- ومنه تأويل مرجوح.
ج_ ومنه تأويل باطل: وهو من اللعب؛ وذلك إذا كان التأويل لغير قرينة تدل عليه من اللغة أو من نص الشارع الصحيح.
فهذه التفاسير التي فسروها إذا سموها تأويلاً يقولون خرجنا عن ظاهر اللفظ
للتأويل كما يزعمه الرافضة، الجواب عنه أن هذا تأويل باطل هو من اللعب
والتلاعب بالقرآن وبنصوص الكتاب والسنة لأن هذا تأويل لم يأتِ عليه دليل بل
الأدلة تبطل ذلك فإن فضل أبي بكر وفضل عمر وأنهما أفضل الصحابة على
الإطلاق هذا جاءت به الأدلة فكيف يصرفونه عن ظاهره إلى غيره.
المقصود وأن هذا وإن سموه تأويلاً فإنه تأويل من نوع اللعب وهذا كفر عند كثير من العلماء.
2- الوجه الثانـي:
أن هذه التفاسير باطلة لأن معتمدها الهوى فهم فسروا القرآن الذي أنزل على
النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بما أحدث من الاعتقادات بعد أكثر من قرن
من وفاة النبي عليه الصلاة والسلام فتلك الاعتقادات من اعتقادات الرافضة
واعتقادات المعتزلة ومن شابه هؤلاء وهؤلاء تلك الاعتقادات أحدثت ولم يكن
شيء منها في الصحابة ولا في كبار التابعين وإنما أحدثت بعد ذلك فكيف يكون
المراد بالقرآن الذي أنزل على النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم يكون
المراد به التأويلات أو الاعتقادات المحدثة بعد أكثر من قرنٍ من نزول هذا
القرآن ومن وفاة النبي عليه الصلاة والسلام.
3- الوجه الثالث:
من إبطال هذه التفاسير أنها تفاسير خرجت عن تفسير الصحابة والتابعين وهذا
هو الأصل العظيم الذي يريد شيخ الإسلام – رحمه الله – تقريره هذه التفاسير
خرجت عما فسر به الصحابة والتابعون لهم بإحسان تلك الآيات، فالصحابة
تفاسيرهم لتلك الآيات محفوظة كذلك التابعون تفاسيرهم لتلك الآيات محفوظة
فمن خرج عن تفاسيرهم وأتى بمعنى يناقض ما قالوه فإنه مردود قطعاًَ لأن أعلم
الأمة بالقرآن هم صحابة رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم ولا يجوز
أن يقال إن هناك معنى في القرآن حجب عن الصحابة وحجب عن التابعين لهم
بإحسان وأدركه من بعدهم يكون المعنى من أصله حجبوا عنه وأدركه من بعدهم هذا
باطل وذلك لأن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بين أن خير الأمة قرنه
عليه الصلاة والسلام فقال: ((خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم))
والخيرية لها جهات ومن أعظم جهات الخيرية العلم فالعلم بالكتاب وبالسنة
كان محفوظاًَ في الصحابة – رضوان الله عليهم – ولم يحجب عن مجموع الصحابة
علم مسألة من الكتاب والسنة، نعم قد يكون بعض الصحابة يجهل بعض معاني
الكتاب والسنة لكن يعلمه بعض الصحابة الآخرون، أما بعمومهم فلا يجهل
الصحابة بمجموعهم معنى آية أو معنى سنة عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ
وسَلَّم لهذا نقول هذا الطريق مجمل كما ذكر طيق مجمل في بيان بطلان تلك
الأقوال من أصلها، ما هذا الطريق المجمل؟
أن تلك الأقوال خرجت عن أقوال الصحابة والتابعين في تفاسيرهم، تفاسير
الصحابة والتابعين محفوظة لدينا وليس فيها شيء من تلك البدع والضلالات التي
يذكرها الرافضة أو يذكرها أهل الاعتزال.
الطريق
الثاني طريق مفصل: وهذا أشار إليه شيخ الإسلام وهو أن الأقوال التي تخالف
أقوال الصحابة والتابعين في التفسير تخالفها، بمعنى أن أقوال الصحابة لا
تدل عليها ولا تشمل ذلك التفسير المحدث مثل تفاسير آيات الصفات بالمعاني
والمؤولة والمحرفة ومثل تفاسير الرافضة ومثل تفاسير الصوفية في إشارياتهم
ومثل تفاسير أهل البدع والإسماعيلية والباطنية ونحو ذلك.
هذه التفاسير باطلة أيضاً على التفصيل وذلك أنه ما من قول إلا وفي الكتاب
والسنة من الدلائل ما يدل عليه بطلان ذلك القول الذي أحدثه المبتدعة فكل
قول له دليل يبطله.
فإذا قالوا مثلاً الجبت والطاغوت عمر وأبو بكر – رضِي اللهُ عَنْهما – أو قال المعتزلة إن قوله: {الرحمن الرحيم} المراد
به الإنعام، أو نفوا الحوض في السنة، أو نفوا الميزان الذي جاء ذكره في
القرآن وقالوا لا ميزان أو نفوا الصراط هذه كلها أقوال لأهل الاعتزال ومن
شابههم إذا أتت آية فيها ذكر الصراط فإنهم ينفون أن ثم صراط على متن جهنم.
كذلك الميزان في قوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} وفي قوله: {فأما من ثقلت موازينه}
ونحو ذلك، ينفون وجود الميزان الحسي ويقولون هذه تشبيهات هذه الأقوال كل
قول منها ثم أدلة من الكتاب والسنة مفصلة على بطلان ذلك القول بخصوصه.
فمثلاً في الصفات: الأدلة من الكتاب والسنة على إثبات صفة الرحمة أكثر من
أن تحصر وهذا جواب مفصل يعني رد مفصل على تأويلاتهم الباطلة التي هي من جنس
اللعب وشر التحريف لآيات القرآن. كذلك الذين نفوا الميزان هناك أدلة كثيرة
من الكتاب والسنة تمنع ذلك وهذا هو الدليل المفصل.
فإذاً
نقول على وجه الاختصار من خالف تفاسير الصحابة والتابعين وأتى بمعنى جديد
لا يشمله تفاسير الصحابة والتابعين لهم بإحسان فهذا قوله مردود عليه من جهتين:
أ- الجهة الأولى: مجملة،
الدليل الأول مجمل وذلك الدليل أن ما خرج عن تفاسير الصحابة والتابعين فهو
مردود لأن العلم محفوظ فيهم ولا يمكن أن يدخر لمن بعدهم علم ويحجب عن
الصحابة لأنهم خير هذه الأمة.
ب- الثانـي
دليل مفصل ووجه مفضل: وهو ما من تفسير يخالف تفاسيرهم ويأتي بمعنى محدث
إلا وثم أدلة كثيرة من الكتاب والسنة تبطل ذلك التفسير المعين).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار
قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه: (فَالَّذِينَ
أَخْطَأُوا فِي الدَّليلِ وَالْمَدْلُولِ مِثْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ
البِدَعِ اعْتَقَدُوا مَذْهَبًا يُخَالِفُ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ
الأُمَّةُ الوَسَطُ الَّذِينَ لاَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلاَلَةٍ كَسَلَفِ
الأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا.
وَعَمَدُوا
إِلَى القُرْآنِ فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى آرَائِهِم؛ تَارَةً يَسْتَدِلُّونَ
بِآيَاتٍ عَلَى مَذْهَبِهِمْ، وَلاَ دَلاَلَةَ فِيهَا، وَتَارَةً
يَتَأَوَّلُونَ مَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ بِمَا يُحَرِّفُونَ بِهِ
الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ).
هذا
هو نفسُ الكلامِ السابقِ، أعادَه للتَّبْيِينِ، فهُمْ - كما قال - عَمَدوا
إلى القرآنِ فأوَّلُوه على آرائِهم، تارةً يستدلُّون بآياتٍ على مذهبِهم ,
ولا دلالةَ فيها مِثلَ آيةِ (لَنْ تَرانِي) وتارةً يتأوَّلُون ما يُخالِفُ
مذهبَهم , كما في تأويلِهم آيةَ (إلى رَبِّهَا ناظِرَةٌ) بما يُحرِّفون به
الكَلِمَ عن مواضعِه.
قولُه: (وَمِنْ
هَؤُلاَءِ فِرَقُ الخَوَارِجِ، وَالرَّوافِضِ، وَالْجَهْمِيَّةِ،
وَالْمُعْتَزِلةِ، وَالقَدَرِيَّةِ، وَالْمُرْجِئَةِ، وغيرِهِمْ، وهَذَا،
كَالْمُعْتَزِلَةِ مَثَلاً، فَإِنَّهُم مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كَلاَماً
وَجِدَالاً، وَقَدْ صَنَّفُوا تَفَاسِيرَ عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِهِمْ
مِثْلَ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَيْسَانَ الأَصَمِّ شَيْخِ
إِبْرَاهيمَ بنِ إِسْمَاعِيلَ ابنِ عُليَّةَ الَّذِي كانَ يُنَاظِرُ
الشَّافعيَّ، وَمِثْلَ كِتابِ أَبِي عليٍّ الجُبَّائيِّ، وَالتَّفسيرِ
الكَبِيرِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الجبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ الْهَمْدَانيِّ،
وَالْجَامِعِ لِعِلْمِ الْقُرْآنِ لِعَلِيِّ بنِ عِيسَى الرُّمَّانيِّ،
وَالكَشَّافِ لأبِي الْقَاسِِمِ الزَّمخشَريِّ، فَهَؤُلاَءِ وَأَمْثَالُهُم
اعْتَقَدُوا مَذَاهِبَ الْمُعْتَزِلَةِ. وَأُصُولُ الْمُعْتَزِلَةِ
خَمْسَةٌ يُسَمُّونَهَا هُم: التَّوْحِيدَ، وَالعَدْلَ، وَالْمَنْزِلَةَ
بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَإِنْفَاذَ الوَعِيدِ، وَالأَمْرَ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَن الْمُنْكَرِ. وَتَوْحِيدُهُمْ هُوَ
تَوْحِيدُ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِي مَضْمُونُهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ، وَغيرُ
ذَلِكَ. قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لا يُرَى، وَإِنَّ القُرْآنَ مَخْلُوقٌ،
وَإِنَّهُ - تَعَالَى - لَيْسَ فَوْقَ العَالَمِ. وَإِنَّهُ لاَ يَقُومُ
بِهِ عِلْمٌ وَلاَ قُدْرَةٌ وَلاَ حَيَاةٌ وَلاَ سَمْعٌ وَلاَ بَصَرٌ وَلاَ
كَلاَمٌ وَلاَ مَشِيئةٌ وَلاَ صِفَةٌ من الصِّفَاتِ.
وَأَمَّا
عَدْلُهُم فَمِنْ مَضْمُونِهِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشَأْ جَمِيعَ
الكَائِنَاتِ، وَلاَ خَلَقَهَا كُلَّهَا، وَلاَ هُو قَادِرٌ عَلَيْهَا
كُلِّهَا، بَلْ عندَهُمْ أَفْعَالُ العبَادِ لَمْ يَخْلُقْهَا اللَّهُ لاَ
خَيْرَهَا وَلاَ شَرَّهَا، وَلَمْ يُرِدْ إلا مَا أَمَرَ بِهِ شَرْعًا،
وَماَ سِوَى ذَلِكَ فَإنَّهُ يَكُونُ بِغَيرِ مَشِيئَتِهِ) .
هنا
بدأ شيخُ الإسلامِ بذِكرِ هذه الطوائِفِ، وما ذَكرهُ مجرَّدُ أمثلةٍ،
فهؤلاءِ الطوائفُ اعتقدوا آراءَهم ثم جاءوا يستدِلُّون عليها بالقرآنِ، فما
رَأَوْهُ موافِقًا لآرائِهم فسَّرُوه على رأيِهم , وإن كان قد لا يدلُّ
عليه، وما وَجدُوه يخالِفُ رأيَهم فإنهم يحرِّفون الكلِمَ عن مواضعِه، فهم
أهلُ تحريفٍ.
وَذَكرَ
المصنِّفُ أهمَّ الفِرَقِ , وهم المعتزلةُ الذين مازالتْ أقوالُهم مبثوثةً
في الكتُبِ حتى الآنَ، وكثيرًا ما يُرَدُّ عليهم خاصَّةً من طرَفِ
الأشاعرةِ.
ثم
ذَكرَ المعتقداتِ الخمسَ للمعتزلةِ، وهذه المعتقداتُ لها تفاصيلُ كثيرةٌ
وتفريعاتٌ متعددةٌ، مَن أراد أن يطَّلِعَ عليها فيمكنُ أن يَجِدَ كثيرًا من
ذلك في تفسيرِ الزَّمخشريِّ (الكشَّافُ) وما استدلَّ عليه من مذهبِ
المعتزلةِ.
ودراسةُ
الاعتقادِ ضروريَّةٌ ومعرفةُ ما قاله أصحابُ المذاهبِ ضروريَّةٌ لمن أراد
أن يقرأَ في كتبِ التفسيرِ؛ لأنه إذا لم يكنْ عالِمًا بذلك فقد لا
يَنتَبِهُ للأخطاءِ التي يَقعُ فيها بعضُ المفسِّرين من هذه الفِرَقِ.
إذًا معرفةُ عقيدةِ المفسِّرِ مهمَّةٌ جدًّا للحذَرِ من تفسيرِه أوَّلًا، وللردِّ عليه أيضًا في تفاصيلِ معتقَدِه.
قولُه: (وَقَدْ
وَافقَهُمْ عَلَى ذلِكَ مُتَأَخِّرُو الشِّيعَةِ كَالمُفِيدِ، وَأَبِي
جَعْفرٍ الطُّوسيِّ وَأَمْثَالِهِمَا. وَلأبي جَعْفَرٍ هَذَا تَفْسِيرٌ
عَلَى هَذِهِ الطَّريقَةِ لَكِنْ يَضُمُّ إلى ذلِكَ قَوْلَ الإمَاميَّةِ
الاثنى عشريَّةَ، فإنَّ المعتزِلَةَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ،
وَلاَ مَنْ يُنْكِرُ خِلاَفَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ
وَعَلِيٍّ)
أشار
المصنِّفُ هنا إلى أنَّ متأخِّري الشِّيعةِ قد وافقوا المعتزلةَ في
معتقداتِهم، وكذلك الزَّيْديَّةُ، وسيأتي إن شاءَ اللَّهُ تعالى مثالٌ لذلك
من كتابِ (مَجمعِ البيانِ في تفسيرِ القرآنِ) للطَّبرسيِّ، والطَّبرسيُّ
قد استفاد من الطُّوسيِّ.
فالرافضةُ
قد آلَ أمرُ الاعتقادِ عندَهم إلى ما تقولُ به المعتزلةُ إلا في مسألةِ
الإمامةِ فإنهم يختلِفون، فالمعتزلةُ في مسألةِ الإمامةِ على مذهبِ أهلِ
السُّنةِ والجماعةِ؛ يقولون بإمامةِ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ؛ ولهذا
قال المصنِّفُ: " فإنَّ المعتزلةَ ليس فيهم مَن يقولُ بذلك، ولا مَن يُنكرُ
خلافةَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، مِثلَ الرافضةِ.
فالرافضةُ استفادوا من عقيدةِ المعتزلةِ في كلِّ شيءٍ إلا في قضيةِ الإمامةِ؛ لأنها هي المحكُّ عندَ الرافضةِ.
قولُه:
(وَمِنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ مَعَ الْخَوَارِجِ إِنْفَاذُ الوَعِيدِ
فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ في أَهْلِ الكَبَائِرِ
شَفَاعَةً، وَلاَ يُخْرِجُ مِنْهُم أَحَدًا مِن النَّارِ.
وَلا
رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ طَوَائِفُ مِن الْمُرْجِئَةِ
وَالكَرَّامِيَّةِ وَالكُلاَّبِيَّةِ وَأَتْبَاعِهِمْ فَأَحْسَنُوا تَارَةً
وَأَسَاؤُوا أُخْرَى، حَتَّى صَارُوا فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ، كَمَا قَدْ
بُسِطََ فِي غَيْرِ هَذَا الموضِعِ).
هذا
الكلامُ كلُّه كما تلاحِظون داخِلٌ في جملةِ ما يتعلَّقُ بالاعتقادِ،
وأثَرِ هذه المعتقداتِ على عِلمِ التفسيرِ، ولا شكَّ أنَّ تفصيلَ ذلك
يَطُولُ، وسأكتفي هنا بذكرِ بعضِ الأمثلةِ:
ما
دام المصنِّفُ ذَكرَ الرافضةَ فإني سأذكُرُ مثالًا من كتابِ (مجمعِ
البيانِ) للطَّبرسِيِّ، وهو كتابٌ مطبوعٌ ومتداوَلٌ، والطبرسيُّ من كبارِ
علماءِ الإماميةِ في القرنِ السادسِ حيث تُوفِّيَ سنة 548هـ، وله اختصارُ
تفسيرِ الكشَّافِ وينقُلُ عن المعتزلةِ كثيرًا.
فمثلًا
قضيةُ (الرِّزقِ) عندَ المعتزلةِ من القضايا المعروفةِ فهُم لا يُطلِقون
على الحرامِ رِزقًا؛ أي: إنَّ الإنسانَ إذا كَسَبَ مالًا بطريقٍ حرامٍ
فإنهم لا يُسَمُّون ما اكتسبَه رِزقًا.
فالطَّبرسيُّ لما فسَّرَ قولَه تعالى: {ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
قال: وهذا الآيةُ تدلُّ على أنَّ الحرامَ لا يكونُ رِزقًا؛ لأنه تعالى
مدَحَهم بالإنفاقِ، فلا يكونُ رِزقًا. فهو هنا تَبنَّى رأيَ المعتزلةِ في
هذه المسألةِ الجدَليَّةِ التي لها عَلاقةٌ بمسألةٍ مِن الأصولِ الخمسةِ
للمعتزلةِ.
كذلك من آثارِ الرَّفضِ عندَه ما ذَكَرهُ في قولِه تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ} حيث
ذَكرَ أربعةَ أقوالٍ في الصراطِ المستقيمِ، قال: إنه كتابُ اللَّهِ , وهو
المرويُّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وعن عليٍّ عليه السلامُ
وابنِ مسعودٍ. وثانيها: الإسلامُ، وهو المرويُّ عن جابرٍ وابنِ عباسٍ،
وثالِثُها: أنه دِينُ اللَّهِ الذي لا يَقبلُ من عبادِه غيرَه، وهو عن
محمدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ، ثم قال: الرابعُ أنه محمدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسَلَّمَ والأئمةُ والقائِمون مقامَه، وهو المرويُّ في أخبارِنا،يعني
الرافضةَ.
هذا
مثالٌ من أمثلةِ رافضِيَّتِه، وإلا فالكتابُ مليءٌ بمِثلِ هذه الأقوالِ،
وقد كَتَبَه مؤلِّفُه ليَنْفُقَ بينَ أهلِ السُّنةِ، حيث إنه يَذكُرُ فيه
أقوالَ أئمةِ أهلِ السُّنةِ، ويدُسُّ معها أقوالَ الرافضةِ، كما يَذكرُ
أيضًا أقوالَ المعتزلةِ؛ لذلك فالكتابُ لا ينبغي أن يَقرَأَهُ إلا مَن كان
عارِفًا بمذهبِ الرفضِ والاعتزالِ.
قولُه: (والمقصُودُ
أنَّ مثلَ هَؤُلاَءِ اعتقَدُوا رأيًا ثُمَّ حَملُوا أَلْفَاظَ القرآنِ
عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ سَلَفٌ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ
بِإِحْسَانٍ، وَلاَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لاَ فِي رَأْيِهِم
وَلاَ فِي تَفْسِِيرِهِم) ).