الدروس
course cover
الدرس الثامن: تحليل عملية القراءة وبيان معايير جودتها
23 Jan 2018
23 Jan 2018

4767

0

0

course cover
أصول القراءة العلمية

القسم الأول

الدرس الثامن: تحليل عملية القراءة وبيان معايير جودتها
23 Jan 2018
23 Jan 2018

23 Jan 2018

4767

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الثامن: تحليل عملية القراءة وبيان معايير جودتها


عناصر الدرس:
1. تمهيد
2. بيان أركان عملية القراءة
3. معايير جودة القراءة
4. تنظيم القراءة
5. مراتب القراء
6. مهارات القراءة العلمية

تمهيد:
القراءة عملية معرفية تشتمل على معالجة ذهنية تنتقل بها المعرفة من الكاتب إلى كتابه ثمّ إلى القارئ، وهذا البيان يفيدنا بأركان عملية القراءة، وهي: الكاتب والكتاب والقارئ.
ومعرفة هذه الأركان تفيدنا في تحليل عملية القراءة، ومعرفة معايير جودة القراءة، والمهارات التي يحتاجها القارئ.
فالكاتب صاحب رسالة يريد أداءها بواسطة كتابه، والقارئ الجيد هو الذي يفهم مقصد الرسالة، ويعرف الكاتبَ من كتابه، فيعرف جوانب القوة العلمية لديه، ويعرف استمداده المعرفي، ويتعرف جوانب التوافق المعرفي بينه وبين الكاتب، ويستفتح بذلك آفاقاً من العلم والمعرفة؛ فلا تكون همّته محصورة في فهم عبارات الكتاب.
والقراء يختلفون في أوجه عناياتهم العلمية وجوانب الإجادة لديهم وما يرغبون في تحصيله من العلوم، وهذا العنصر مهم في تنظيم القراءة وسلوك المنهج الأمثل للقارئ فيما يقرأ من الكتب.
ومنه تعرف أنه لا توجد خطّة موحّدة يمكن أن تُوصَف بأنها هي الخطّة المثلى للقراءة، لما يقع بين القراء من التفاضل الكبير في المهارات والقدرات، والاختلاف في أوجه العنايات العلمية، وأوجه التوافق بين أنماط الكتابة وقابلية القرَّاء لها.
لكن من الخطأ الكبير أن يكون صاحب المهارات العالية والملكات الحسنة هاضماً لنفسه في المنهج الذي يسير عليه في القراءة فلا يراعي مناسبته لما أنعم الله به عليه من المهارات والقدرات، أو يكون متذبذباً في القراءة فيضيع وقته وجهده.
وسيكون حديثنا في هذا الدرس بما يناسب قراءة التعلّم وما يتّصل بها لأن المقصد الأكبر من تدريس هذه الدروس إفادة طلاب العلم بما أرجو أن يعينهم على إحسان طلب العلم وقراءة كتب العلماء.
وأما أنواع القراءة الأخرى كقراءة الجرد والتصفح والقراءة الذوقية فالأمر فيها مختلف عن قراءة التعلّم ودراسة المسائل العلمية.

أركان عملية القراءة:
للقراءة ثلاثة أركان، ولكل ركن ما يتعلّق به من الأمور المهمة التي ينبغي للقارئ اللبيب أن يدركها؛ وأن يعلم أنّ القراءة في كتب أهل العلم لها عمق وأبعاد تتجاوز مجرَّد فهم عبارات الكتاب، وأن الكتاب الذي يقرأه إنما هو حلقة في سلسلة تتصل بها حلقات متعددة؛ تتقارب وتتجاذب حتى يقوي بعضها بعضاً، ويصل بها طالب العلم الذي ينظّم قراءته إلى مرتبة التحقيق العلمي بإذن الله تعالى.
وسأعرّف في هذا الدرس ببعض الأمور التي تتعلّق بأركان القراءة وما يتصل ببعضها من المهارات التي يحتاجها القارئ، ثمّ أخصّص لبعض ما تتطلبه بعض تلك المهارات دروساً مستقلّة بعون الله تعالى.

الركن الأول: الكاتب
والكاتب تتعلق به أمور مهمّة في عملية القراءة سبق التنبيه إلى بعضها، وسأعيدها ملخصة لأهميتها:
الأمر الأول: أن للكاتب مقاصد من كتابة كتابهِ؛ ومِنْ فقه القارئ وفطنته أن يحرص على إدراك هذه المقاصد.
والأمر الثاني: أن الكاتب قد يكون متمكنا في العلم الذي يكتب فيه، وهذا هو الغالب على مؤلفي الكتب التي ينهل منها أهل العلم، وقد يكون لبعضهم كتب مفيدة في بعض العلوم وإن لم يكونوا من المتمكنين فيها، وذلك لأنّ كتبهم تضمنت قدراً من سدّ حاجة طلاب ذلك العلم في بعض أبوابه أو ما يتصل به؛ فكان لكتبهم مكانة عند أهل ذلك العلم.
وتمكُّن الكاتبِ من العلم الذي يكتب فيه أو انتفاع طلاب العلم بكتابه لما تقدّم شرحه يغري القارئ الفطن بمحاولة التعرّف على جوانب القوّة العلمية لديه؛ فيجعل الكتابَ وسيلةً للتعرّف على الكاتب وتفهّم منهجه، واستكشاف جوانب الإجادة لديه، وتعرّف أسباب قوّته العلمية.
وهذه المعارف إذا أضافها القارئ إلى مثيلاتها كانت من أقوى أسباب تمكّنه العلمي.
والأمر الثالث: أنّ للكاتب استمداده المعرفي الذي تمكّن به من تأليف كتابه، وهذا الاستمداد إما من مخزون معرفي كبير متراكم، وإما من مصادر مكتوبة أو محفوظة قد يصرّح بها وقد لا يصرّح بها.
والتعرّف على الاستمداد المعرفي للكاتب مفيد في محاولة الوصول إلى مصادره التي نهل منها، وقراءةُ سيرته قد تعرّف بطريقته في طلب العلم وسبل تحصيل مخزونه المعرفي، ومن كان حَسَنَ الملاحظة لهذا الأمر استفاد فوائد جمّة.
والأمر الرابع: أن الكاتب يستعمل أدوات علمية لمعالجة المعلومات الأولية التي استمدّها من مخزونه المعرفي أو من مصادر معيّنة ليوظّفها في تحقيق مقاصده من تأليف الكتاب، وهذه الأدوات يتفاضل أهل العلم في استعمالها ويتفاوتون في البراعة فيها، وملاحظة القارئ لهذا الأمر لا تقتصر فائدته على مجرّد فهم الكتاب، وإنما ينطلق منه لمحاولة اكتساب مهارات متنوّعة في المعالجة العلمية للمعلومات الأولية حتى يحقق مقاصده إذا أراد التأليف أو الحديث في قضية علمية.
والأمر الخامس: أن للكاتب أسلوبه في عرض المادّة العلمية بعد مرحلتي الاستمداد والمعالجة؛ والعلماء يتفننون في أساليب عرض المادة العلمية؛ وقد يكون لبعضهم براعة ظاهرة في حسن عرض المعلومة، وتقريبها للأذهان، وقد يعمد بعضهم إلى تقديم المعلومة سهلة ميسّرة ثمّ يبيّن أدلته عليها، وبعضهم يعكس الأمر فيعرض الإشكال حتى يُفهم ثمّ يستعرض الأقوال الضعيفة والمرجوحة ويفنّدها، ثمّ يخلص إلى بيان القول الذي يراه صحيحاً أو راجحاً.
وهكذا في نظائر هذه الحالة، ومنهم من ينوّع.
والمقصود أن من فقه القارئ ملاحظة أسلوب الكاتب في عرض المعلومة؛ فإذا وجد منه براعة في العرض تأمّل في أوجه تلك البراعة وأسبابها، وحرص على الاستفادة منها.

الركن الثاني: الكتاب
والركن الثاني من أركان عملية القراءة: الكتاب أو ما يقوم مقامه مما يُقرأ، والكتاب تتعلقّ به أمور مهمّة:
الأمر الأول: أن الكتاب له رسالة وهي المقصد العامّ الكلّي للكتاب، وهذا المقصد قد يكون مصرّحاً به في الكتاب وقد يحتاج القارئ إلى استخراجه، ومن خفي عليه مقصد الكتاب تخلّف عنه عنصر مهمّ من عناصر القراءة الجيّدة للكتاب.
والأمر الثاني: أن الكتاب إذا طال فله مقادير يمكن أن يقسّم عليها، كالأبواب والفصول والأقسام ونحوها، وهذه المقادير قد تكون من وضع المؤلف في كثير من الأحيان، وقد يحتاج القارئ إلى تقسيم الكتاب إلى مقادير متناسبة موضوعياً، بحيث يكون لكلّ مقدار مقصد يمكن استخراجه، وإذا ضمّ مقاصد المقادير بعضها إلى بعض تبيّن له المقصد العام الكلي للكتاب.
والأمر الثالث: أن الكتاب له مسائلُ عمادٍ هي لبّ ما في الكتاب، وهذه المسائل تكون في الغالب خادمة لمقصده أو دالة عليه، وملاحظة هذا الأمر تكشف للقارئ تناسب مسائل الكتاب.
والأمر الرابع: أن الكتاب له منهج يسير عليه مؤلفه، وهذا المنهج قد يكون خاصا بذلك الكتاب، ولذلك ينبغي لمن أراد أن يقرأ كتاباً أن يحرص على تعرّف منهجه وشرطه؛ فيسهل عليه فهمه، ويسلم من إشكالات تعرض لمن لم يكن على علم بمنهج الكتاب.
والأمر الخامس: أن الكتاب له مصادر قد يصرّح المؤلّف بذكرها؛ وهذه المصادر غالباً ما تكون ذات صلة بالعلم المتعلق بالكتاب، والكتب التي يرجع إليها أهل العلم ينبغي أن يعرف القارئ قدرها، ويحاول الاستفادة منها، فقد يدرج بعضها في خطته للقراءة، وقد يكون بعضها مفقوداً، لكن له مختصرات مطبوعة، أو يكون من أهل العلم من يكثر النقل منه في كتبه.
وهذه الكتب كنوز مخبوءة، ودرر مبثوثة، مَن تتبعها وجمعها ظفر بعلم غزير، وتحصيل علمي متين.

الركن الثالث: القارئ
والقارئ اللبيب تتعلّق به أمور مهمّة في عملية القراءة:
الأمر الأول: أن القارئ له مقاصد من اختيار الكتاب وقراءته، ووضوح المقصد من القراءة مهمّ في طلب الانتفاع به.
والأمر الثاني: أن القارئ اللبيب يأخذ الكتاب بقوّة وعزيمة؛ فيقرأ بإقبال نفس، وعزيمة متجددة، وهمّة متطلّعة لفوائد الكتاب، وهذه التهيئة النفسية مهمّة جداً في تحصيل فوائد الكتاب، وتفهّم مسائله، وضبطها.
والأمر الثالث: أن القارئ اللبيب له خطّة منظّمة في القراءة تعينه على أن يقرأ الكتاب في التوقيت المناسب لمستواه العلمي، فيقرأ الكتاب حين يقرأه وهو على أهلية حسنة للاستفادة منه، وإذا تبيّن له عند قراءة كتابٍ من الكتب أنّ عليه قراءة كتب أخرى تمهّد لقراءة هذا الكتاب قدّمها، ثمّ قرأ هذا الكتاب في الوقت الذي يكون مستعدّا لقراءته فيه.
وهذا الاستعداد العلمي لا يقلّ أهميّة عن التهيئة النفسية؛ لأنّ ضعف الاستعداد عائق عن تحقيق الاستفادة المرجوّة من قراءة الكتاب.
والأمر الرابع: أنّ القارئ اللبيب لديه استشراف علمي فلا يقف عند حدود فهم عبارات الكتاب، وإنما يستفتح بقراءته للكتاب آفاقا رحبة من العلم، فينظر إلى الكتاب نظر الشغوف بتحصيل فوائده، والراغب في الاستعانة به على التعرف على علم صاحبه، وأسباب قوته العلمية، ومصادر استمداده المعرفي، ووصاياه وأمنياته لتحقيق مسائل ذلك العلم؛ فيجني من قراءة الكتاب الواحد فوائد كثيرة متنوعة.
والأمر الخامس: أن القارئ الجادّ يسلك في قراءته طريقة نافعة ونظاماً يعينه على محاولة الاستفادة المثلى من الكتاب باختصار ما يمكن من الجهد والوقت، وهذا لا يتأتّى إلا بالمهارة في القراءة؛ وقد لا يكون من المناسب اقتراح طريقة موحدة للقراءة لاختلاف أحوال الكتب والقراء، لكن سأذكر أمثلة أرجو أن توضّح المراد:
- فمن ذلك: أن يقدّر القارئ أنفع ما في الكتاب فيحرص عليه، وهذا قد يستلزم منه تصفحا سريعاً للكتاب في أول الأمر، وقد يكون لديه معرفة بقدر الكتاب وقيمته العلمية من ثناء سابق أو نقول منقولة منه، فيجتهد في تحصيل أفضل ثمرات الكتاب وهي أنفع ما تضمنه، وانصراف الهمّة للأنفع تعين على تحقيق قدر مهم من قراءة ذلك الكتاب؛ فإنه لو لم يحصل من قراءته للكتاب إلا إدراك أنفع ما فيه وتحصيله لكان ذلك مكسباً بيّناً.
وهذا الأمر له أصل في الشريعة، وقد قال الله تعالى: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} ، وقال صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقيمة الكتاب هي فيما أحسنه الكاتب؛ وإذا سأل القارئ نفسه عند شروعه في القراءة: ما أنفع ما في هذا الكتاب؟ وجعل هذا السؤال حاضراً في ذهنه عند قراءته؛ قاده ذلك إلى الوقوف على ما يرجو أنه أنفع ما في الكتاب، واجتهد في تحصيله.
- ومن ذلك: أن فوائد الكتاب كالدرر منها الصغير والكبير، ومنها النفيس الغالي ومنها ما دون ذلك، ومن شأن المؤلفين أنهم يختلفون في تيسير الوصول إلى تلك الفوائد؛ فمنهم من يقدمها سهلة ميسورة، ومنهم من يجعل دونها مقدمات كثيرة، ومنهم من يكون في أسلوبه عُسر وتعقيد قد يفوّت على بعض القراء الوقوف على تلك الفوائد، ومن مهارة القارئ أن يسرع في القراءة حين يرى أنه في الطريق إلى تلك الفوائد، ثم إذا وقف على فوائد الكتاب وأنفس ما فيه قرأه بتركيز؛ فيحصل له بذلك تحصيل أفضل ما يمكن من الاستفادة، وذلك لأن النفس تملّ وتسأم إذا أعطت جهدها في أوّل الأمر وهي لم تصل بعد إلى ما يتطلّب الجدّ والتركيز؛ فيكون حين الوصول إلى ذلك الموضع كليل الذهن ضعيف العزيمة كالذي يريد الفراغ من قراءة الكتاب بأيّة حال، وهذا يضعف فائدة قراءة ذلك الكتاب ولو كان قيّما، وأمّا القارئ الماهر فهو الذي يخفف الجهد والتركيز فيما لا يستدعي ويسرع حتى يصل إلى الموضع الذي يرى أنه هو بغيته من ذلك الكتاب فيقرأه بتركيز عالٍ وذهن حاضر، وإذا عرض له كلال ذهن توقف عن قراءة ذلك الكتاب ووضع علامة على ما وصل إليه، وعاود قراءته مرة أخرى، لأجل أن تكون قراءته لتلك المواضع من الكتاب قراءة صحيحة مجدية.
- ومن ذلك أن كتب أهل العلم ورسائلهم منها ما هو مرتّب متناسب المسائل فيقرأه القارئ بيسر وسهولة، ويحصّل فوائده بلا عناء، ومنها كتب يحتاج القارئ اللبيب إلى ترتيب مسائلها، وجمع النظير إلى نظيره حتى يستقيم له فهم الكتاب.
والمقصود أنّ القارئ اللبيب ينظر في كلّ كتاب بما يناسبه؛ فيقرأه بالطريقة التي يرجو أن يحصّل منها أفضل ما يمكن من الفوائد بأقلّ ما يمكن من الجهد والوقت.
وبهذه الأمور المتعلقة بأركان القراءة تعلم أن القارئ اللبيب لا يقف عند حدود فهم عبارات الكتاب الذي يقرأ فيه، وإنما تكون له أغراض متنوّعة ومتكاملة من قراءة الكتاب الواحد.

معايير جودة القراءة:
مما تقدّم من التحليل والشرح يتبيّن لنا أن القراءة الجيدة لها عناصر مهمة، يتفاضل القراء في تحصيلها، وإجمال تلك العناصر في خمس كلمات، وهي أنها قراءة واعية منظّمة فاحصة مؤصلة بنّاءة.
فالقراءة الواعية: هي التي يدرك بها القارئ مقاصد الكتاب، واستمداد صاحبه المعرفي، ومعالجته العلمية للمعلومات الأولية، وأسلوبه في العرض وتنظيم مادّة الكتاب، ويكون له مقصد واضح من قراءة الكتاب.
والقراءة المنظمة: هي التي يحسن فيها القارئ طريقة القراءة على ما تقدّم شرحه؛ فتكون قراءته مقسمة مركزة.
والقراءة الفاحصة: هي التي يفحص بها القارئ صحة المعلومات الأولية التي استند إليها الكاتب وطريقة المعالجة العلمية؛ فلا يقبل كلَّ ما يقرأ على علاته.
والقراءة المؤصلة: هي التي يتمكن بها القارئ من معرفة أصول المعلومات التي يذكرها العالم في كتابه، وما تستند إليه من الدلائل، ومن كان يُعنى بالتأصيل فإنه إذا مرّت به مسألة لم يتبيّن له الأصل الذي بُنيت عليه توقف عندها حتى يعرف أصلها.
والقراءة البناءة: هي التي يجعل بها القارئُ من الكتابِ لبنةً يُعتمد عليها في بنائه العلمي؛ فيقرأه قراءة الذي يدرك أنه بحاجة إلى تمتين بنائه العلمي، والتوصل بهذا الكتاب إلى قراءة ما يعتمد عليه من الكتب.
ومن جمع هذه الصفات في قراءته للكتاب فقراءته جيّدة، والمهمّ هو إدراك حقيقة هذه المعاني، وأما التعبير عنها بهذه الأسماء أو بغيرها فهو مما لا مشاحّة فيه.

تنظيم القراءة:
من المهمّ أن يُعنى طالب العلم بتنظيم قراءته في كتب أهل العلم حتى يصل إلى أفضل ما يمكن من الانتفاع بالقراءة، ولذلك يوصى الطالب بأن تكون قراءته في كتب أهل العلم منهجية متدرجة متوازنة متكاملة دائمة.
فالقراءة المنهجية هي التي يسير فيها على خطّة منظمة؛ فيعتني فيها أولاً بما يكمّل به مرحلة التأسيس العلمي، ثم ينطلق في البناء العلمي، وتغذية أصوله العلمية، ثمّ ما يكتسب به مهارات النشر العلمي.
والقراءة المتدرجة هي التي يُراعى فيها التدرّج العلمي حسب مستوى القارئ ورقيّه في مدارج العلم.
والقراءة المتوازنة هي التي ينوّع فيها طالب العلم القراءة في كتب أهل العلم حتى يكون بناؤه العلمي بناء متوازناً؛ فلا يكون كالمتعمّق في علم من العلوم وكالعامّي في علوم أخرى مهمّة.
والقراءة المتكاملة هي التي يجمع فيها الطالب أطراف ما يحتاج إليه من العلوم؛ وفنون العلم يكمّل بعضها بعضاً.
والقراءة الدائمة هي التي يداوم عليها صاحبها، وأحبّ العمل إلى الله أدومه وإن قلّ، وفي المداومة بركة عظيمة؛ وأنا أرجو لمن يخصص ساعتين يومياً للقراءة العلمية لا يخلّ بهما أن لا تمضي عليه سنوات يسيرة حتى يحصّل علماً غزيراً مباركاً.
وينبغي لطالب العلم أن يتعاهد نيّته في القراءة وأن يصحح مقاصده، وأن يُعْرِض عن لغو القراءة، وأن يتجنّب القراءة فيما يضرّ ولا ينفع، وأن لا ينشغل عن القراءة في علم واجب بالقراءة في غيره؛ فأولى ما ينبغي لطالب العلم أن يحصّله من العلم ما يؤدّي به ما فرضه الله عليه.

مراتب القراء:
قراء الكتب العلمية على مرتبتين:
المرتبة الأولى: قراء وجهوا عنايتهم وهمَّتهم لِفَهْم الكتاب الذي يقرأونه، وهؤلاء هم غالب القراء.
والمرتبة الثانية: قراء توجهت عنايتهم لمعرفة مسالك ما يحتاجون إليه من العلم من خلال الكتاب الذي يقرأونه؛ فأتقنوا مهارة التعرف عليها ، ولم ينحصر نظرهم في فهم مسائل الكتاب الذي بين أيديهم.
فأما أصحاب المرتبة الأولى فيحصلون تحصيلاً جيداً لكنهم بحاجة إلى وقت أطول وخطة منهجية في القراءة قد يطول أمدها في بعض العلوم، وحاجتهم إلى الإشراف العلمي أشد.
وأما أصحاب المرتبة الثانية فهم القراء السباقون إلى المعرفة وحسن التحصيل، ومَن رُزِق منهم مَلَكَة حسنة في القراءة العلمية وأحسن اكتساب مهاراتها نبغ نبوغاً مبكراً وانفتحت له آفاق واسعة من العلم النافع، وتعرف ما وراء الكتب من الفوائد العلمية التي تبين له مسالك العلم الذي يقرأ في كتبه، وتوضح له مناراته التي متى تبينت له أبصر الهدف الذي إذا وصل إليه عرف أنه أدرك بغيته وقضى نهمته.
والذي نسعى إليه في هذه الدروس هو تكوين هذه الملكة لدى طلاب العلم وصقلها وتنميتها بإذن الله تعالى.

مهارات القراءة العلمية:
المهارات التي يحتاجها القارئ ليحسن قراءة الكتاب وينتفع به متعددة، ومن أهمّها:
1: مهارة استخراج مقاصد الكتاب، وهي اللبنة الأولى في بناء القراءة الصحيحة، وتُعنى باستخلاص فائدة الكتاب ولبّ محتواه.
2: معرفة الاستمداد المعرفي للكاتب.
3: معرفة أساليب المعالجة العلمية وأدواتها.
4. معرفة أساليب عرض المادّة العلمية وتنظيم مادّة الكتاب.
5. تلخيص المقاصد
6. جرد المطولات
7. التعرّف على معالم العلوم

وسأخصص لبعض هذه المهارات دروساً مستقلّة، وقد أدمج بعضها في درس واحد، والله الموفّق والمعين.