الدروس
course cover
الدرس الرابع: أنواع القراءة
22 Dec 2017
22 Dec 2017

4221

0

0

course cover
أصول القراءة العلمية

القسم الأول

الدرس الرابع: أنواع القراءة
22 Dec 2017
22 Dec 2017

22 Dec 2017

4221

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الرابع: أنواع القراءة


للقراءة أنواع متعددة بتعدد حاجات القرّاء وأغراضهم منها، وإنّ مما ينفع طالب العلم أن يتعرّف أنواع القراءة وأغراضها، وأن يأخذ من كلّ نوع ما يحتاجه، ويلائم حاله، وأن يفقه المقاصد من كلّ نوع، وما ينبغي أن تثمر له قراءته به.
وهذه المعرفة تعين طالب العلم على تنظيم قراءته، وتحسين تحصيله العلمي، ومعالجة جملة من الآفات الشائعة لدى كثير من القراء كاضطراب منهج القراءة، والتذبذب بين الكتب، وغلبة الفتور، والانصراف عن إتمام قراءة كثير من الكتب التي يشرع في قراءتها، وضعف التحصيل العلمي.


أنواع القراءة:
النوع الأول: قراءة التعلم والدراسة

وهي القراءة التي يكون غرض صاحبها دراسة مسائل العلم الذي يقرأ في كتبه دراسة شاملة مفصلة، وهذا النوع هو أهم أنواع القراءة، وألصقها بحاجة طالب العلم، وأحسنها أثراً، وهو المعتمد في التأسيس العلمي وبناء الأصول العلمية لطالب العلم، ومن سمات هذا النوع: أن القراءة فيه طويلة الأمد، ومقسّمة على مراحل، ومركّزة، بل قد يكرر القارئ قراءة بعض الكتب أو مواضع منها مراراً.
ولهذا النوع متطلبات مَن وُفّق للعناية بها حصّل في سنوات يسيرة علماً غزيراً مباركاً بإذن الله، ومن ذلك:
1. تنظيم القراءة على خطّة منهجية يتدرّج فيها الطالب في كلّ علم يقرأ فيه؛ فيبدأ بمختصرٍ فيه، ثم ينتقل إلى ما هو أوسع منه، ولا يزال يتدرّج في قراءة كتب ذلك الفنّ، ويتوسّع فيها حتى يكتسب معرفة حسنة واسعة بمسائل ذلك العلم.
ولذلك يوصى الطالب بالبدء بمختصر جامع لمسائل ذلك العلم يعرضها باختصار دون تطويل، حتى يكتسب المعرفة الإجمالية الشاملة لمسائل ذلك العلم، ثم يكون التفصيل والتوسّع في مراحل لاحقة.
2. أن يُعنى بالتعرّف على معالم العلم الذي يقرأ فيه؛ فيحرص على معرفة أئمة ذلك العلم، ويقرأ في سيرهم وأخبارهم، وطرائقهم في طلب ذلك العلم، ويتعرّف كتبه التي تعدّ مراجع أصليّة فيه، يرجع إليها أهله وطلابه، ويعتنون بها، ويعرف في كلّ باب من ذلك العلم جملة وافرة من مسائله المهمّة.
وهذه المعرفة لا يكتسبها طالب العلم من أوّل ما يقرأ، لكن ينبغي أن يكون هذا المطلب حاضراً في ذهن القارئ وهو يقرأ في كتب ذلك العلم؛ فيقوده ذلك إلى العناية بما يتّصل بهذه المعالم في الكتب التي يقرأ فيها، ثم يقرأ في أوقات متفرقة في سير أئمة ذلك العلم، وينظر في بعض مصادره الأصلية ويتعرّف مناهج مؤلفيها، ويرجع إليها أحياناً، حتى إذا تأهّل لقراءة تلك الكتب لم يجدها غريبة عليه، بل يجد من نفسه إلفاً لها، ومعرفة بقدرِها ومكانتها لدى أهل ذلك العلم، وأثرها على الكتب المؤلفة في ذلك العلم بعده.
3. العناية بضبط المسائل العلمية وتفهّمها، ولو مكث في الكتب المختصرة التي بدأ بها وقتاً يراه أكثر مما ينبغي لمجرّد قراءتها، فإنّ طالب العلم لا يختصر الوقت والجهد بمثل إتقان قراءة المختصرات، لأنها أصول يُبني عليها، وإذا كان الأصل قوياً متيناً، كان البناء عليه آمناً ميسوراً.
ولذلك قلّ أن يشتكي مَن يضبط المختصرات من صعوبة دراسة المسائل العلمية، وهي الشكوى التي تكثر لدى من يفرّط في ضبط مسائل المختصرات، ثمّ يرمي بنفسه في لجج المطوّلات على غير هدى.
وقليل من طلاب العلم مَن يثبت في فتنة الوقت الذي يقتضيه ضبط المختصرات، ويرى أن القراءة السريعة العابرة كافية لاجتيازها؛ وذلك لاشتغال نفسه برغبة الوصول السريع للمطولات.
4. جمع العدّة التي يحتاجها لدراسة ذلك العلم بما يستطيع، ولكل أمرٍ ذي بالٍ عُدّته التي ينبغي للصادق في طلبها أن يحرص على حيازتها وإحسانها، وقد قال الله تعالى في ذمّ المنافقين الذين لم يصدقوا في رغبة الجهاد في سبيل الله: {ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدة}؛ فإعداد العدّة من علامات الصدق في الطلب، وكلّ صاحب صنعة إذا لم تكن عدّته وافية حسنة دخل عليه من الضعف والنقص بحسب ما فرّط فيها.
ومن العدّة التي يحتاج إليها طالب العلم في هذا العصر: اقتناء الكتب، والملفّات الإلكترونية، وتوفير الأدوات التي يحتاج إليها في الدراسة بما يناسب حاله، وتنظيم ملخصاته، وما يقيّد فيه فوائده من كتب أو ملفات إلكترونية، وتهيئة المكان الذي يدرس فيه، والصلة بطلاب العلم المتمكنين في ذلك العلم، إلى غير ذلك مما يحتاجه ليُحْسِنَ السير في رحلته العلمية الطويلة.
5. الصبر على مداومة القراءة، وتنظيم ساعات اليوم بما يمكّنه من هذه المداومة، ومغالبة الشواغل والقواطع التي تصرفه عن القراءة، وإذا ابتلي بأمر يقطعه عن القراءة ولا قدرة له على دفعه، حرص على إشغال ذهنه بمراجعة ما مضى من تحصيله، وتثبيت العلم باستذكاره وتعاهده، وعَقَدَ العزم على معاودة القراءة والمداومة عليها متى أمكنه ذلك، وبَذَلَ ما يمكنه من الأسباب، ومن جاهد هُدي.


النوع الثاني: قراءة الجرد والتصفح
وهذا النوع مما يحتاجه طلاب العلم كثيراً، لما يظهر لهم من الحاجة لتصفح كتاب من الكتب غير المقيّدة في خطّة القراءة، أو لبحثٍ عن قول أو مسألة في كتاب معدودٍ من مظانّها.
ولقراءة الجرد والتصفّح فوائد كثيرة:
منها: أنّها تعرّف طالب العلم بما تضمنته بعض الكتب؛ فقد يحتاج إلى إدراجها في خطّة القراءة، وقد يقتصر على قراءة مواضع منها بحسب حاجته، وقد تدلّه على كتب أخرى.
ومنها: أنها توسّع مدارك طالب العلم، وتعرّفه بآفاق بحث المسائل التي درسها في المختصرات، فقد يقف فيها على جواب بعض ما أشكل عليه، أو معرفة أصول تلك المسألة التي درسها، وأساليب العلماء في بحثها وعرضها.
ومنها: أنها تعرّفه ببعض أخبار أئمة ذلك العلم، وطرقهم في بحث مسائله وعرضها.
والمداومة على قراءة التصفّح من وقت لآخر تعين القارئ على اكتساب سعة الاطلاع، ومعرفة مناهج المؤلفين وطبقاتهم، ومراتب الكتب، وتفرّع بعضها من بعض.

ولإحسان التصفّح والانتفاع به ينبغي أن يراعي القارئ جملة من الأمور:
منها: أن يعيّن غرضه من التصفّح ثمّ تنصرف همّته لتحقيق ذلك الغرض، ولا يتشاغل بغيره حتى يتمّه، ثم له بعد ذلك أن يقف عند ما شاء من الفوائد واللطائف، لأن الاشتغال بغير المقصود أصلاً يفضي به إلى التشتت والتذبذب؛ وذلك لأنه إذا سعى لتحقيق جملة من الأهداف ثم عرض له ما يثير انتباهه اشتغل به عن تلك الأهداف، وتراءت له أهداف أخرى تصرفه عن مساره، ومن كان هذا شأنه في القراءة اضطرب نظامه فيها ولا بدّ.
ومنها: أن يلحظ ما في ذلك الكتاب من الأمور التي تثري أصوله العلمية، وتزيد من معرفته بمعالم ذلك العلم، من غير أن يشغله ذلك عن تحقيق مقصده الأصلي من التصفح.
ومنها: أن لا يجعل هذا النوع هو الأصل في قراءاته.

النوع الثالث: القراءة الأدبية والذوقية
وهي التي يكون غرض القارئ منها التذوق الأدبي واكتساب المهارات والأساليب الحسنة في الكتابة والكلام؛ فيستمتع بقراءة تلك الكتب، ويقوّم لسانَه وقلَمَه.

والكتب التي تُقرأ لهذا الغرض تكون همّة القارئ فيها منصرفة إلى النظر في براعة المؤلف في الأسلوب وحسن بيانه، وجوانب إجادته، ومحاولة محاكاته أو الاستفادة من أساليبه وعباراته، أو يجد في نفسه رغبة في الاستمتاع بحسن بيانه، وكشفه عن المعاني بألفاظ وأساليب جاذبة لعناية القارئ.
وطالب العلم يحتاج إلى هذا النوع من القراءة بقدر ما يعينه على اكتساب المهارات البيانية وتقويم أسلوبه في الكتابة، ولا ينبغي أن تكون أكثر قراءاته في هذا النوع، لأنه إذا غلب عليه صرف همّته عن التحصيل العلمي المتين، وبناء أصوله العلمية.
ومن الكتب التي يحسن بطالب العلم قراءتها لاكتساب صنعة البيان وتقويم القلم واللسان: أدب الكاتب لابن قتيبة، والكامل للمبرّد، والأمالي لأبي علي القالي، والبيان والتبيين للجاحظ وكتاب الحيوان له ورسائله مع التحرّز من اعتزالياته، وكتب ابن المقفّع وابن الجوزي وابن القيّم.
ومن الكتب التي عنيت بتقريب الأساليب والمفردات التي يحتاجها الكاتب: جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر، وعمدة الكُتَّاب لأبي جعفر النحاس، وعمدة الكُتَّاب لأبي القاسم الزجاجي، وحلية المحاضرة للحاتمي، وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري، والمثل السائر لابن الأثير، وغيرها.
وعامّة هذه الكتب مما يوصى القارئ أن يقرأها جهراً قراءة سهلة غير متكلفة، يراعي فيها الإعراب، ومواضع الوقف، وحسن الابتداء، وجودة الإلقاء، حتى يقوّم لسانه بالنطق الفصيح غير المتكلّف.
ولو سجّلها في ملفّ صوتي وعاود الاستماع إليها ليتعرّف جوانب الضعف ومواضع الخطأ لديه، فيجتهد في إصلاحها لكان حسناً بإذن الله.
وقراءة تلك الأنواع بالنظر قراءة سريعة لا يراعَى فيها محاولة تصحيح القراءة واكتساب مهارات الإلقاء والبيان تفوّت الغرض الأهمّ من تلك القراءة.

النوع الرابع: القراءة النقدية
وهي القراءة التي يكون غرض القارئ منها نقد الكتاب الذي يقرأه، ونقد الكتب هو تمييز جوانب الإجادة من التقصير والخطأ فيها، واستكشاف مكامن القوّة وعلل الأخطاء، وهذا النوع من القراءة يحتاجه طالب العلم في مراحل متقدمة من الطلب، وهو يستدعي أهلية علمية في العلم الذي ينقد كتبه، وقدرة على اكتشاف جوانب الإجادة والتقصير والخطأ، ومعرفة حسنة بمناهج أهل ذلك العلم، وتنوع طرقهم في دراسة وعرض مسائله، ولذلك فإن من الخطأ أن يتقحّم طالب العلم هذا النوع من القراءة قبل تأهّله له، واستعداده العلمي لنقد الكتب؛ وكثير ممن انحرف منهجه في القراءة كان بسبب قراءة كتب لم يتفطّن لمواضع الخلل فيها، واغترّ بزخرف بيان الكاتب وغفل عن مقاصده حتى ابتلي باستحسان ما حسّنه، واستقباح ما قبّحه، ومتابعته على ضلالته.
وعماد القراءة النقدية على أربعة أمور:
1. استكشاف مصادر الكاتب التي استمدّ منها معلومات الكتاب، وهذه المصادر إما أن تكون مما صرّح بذكره، وإما أن تكون مما يمكن استخراجه بالنظر والموازنة بين الكتاب وكتب أخرى، وإمّا أن تكون من مخزون معرفي متراكم لدى الكاتب في العلم الذي يكتب فيه.
2. وتعرف منهج الكاتب في تناول مسائل العلم الذي كتب فيه، وموازنته بمنهج أئمة ذلك العلم، للوقوف على مدى موافقته إياهم أو مخالفته لهم.
3. واستخراج مقاصد الكاتب التي يريد تحقيقها بكتابه، وهي مقاصد قد تكون صريحة، وقد تكون مما يستخرج بالنظر والتأمّل.
4. والنظر في الأدوات العلمية التي يستعملها الكاتب في معالجة معلومات الكتاب للوصول إلى النتائج التي يريد إبرازها، والمقاصد التي يريد تحقيقها.
وشرح هذه الأمور الأربعة والتمثيل عليها يطول ويخرجنا عن المقصود، وهذه الإشارات فيها كفاية للقارئ اللبيب.

النوع الخامس: القراءة المجردة
وهي القراءة التي تكون غاية القارئ منها مجرد الاستطلاع كقراءة أخبار الصحف والمجلات وبعض المقالات وما تقذف به وسائل التواصل وتقنية المعلومات، وقد عمّت بها البلوى في هذا الزمان، حتى غلبت على كثير من القرّاء، وزاحمت أنواع القراءة الأخرى؛ فشُغِلوا بها عن التحصيل العلمي، وخسروا كثيراً من أوقاتهم في فضول لا طائل من ورائه،
بل بلغ الإدمان عليها ببعضهم مبلغاً أضرّ به في نفسه وعمله وكثير من شؤون حياته.
ولذلك يوصى القارئ بأن يجعل لهذا النوع من القراءات فضول أوقاته، وأن يحذر من أن يستأثر بنفائس أوقاته، وإذا قرأ في شيء من هذا النوع فلا يتتبّع الفضول ولغو الحديث فيه، وما لا نفع من وراء تقصّيه، وليقصر نفسه على ما يرجو فائدته.
وليعلم أنّ النفس إذا لم تُشغل بشيء يملأ وقتها ويعود عليها بالنفع شغلت صاحبها بما تهواه، وأجلب عليها الشيطان بتزيين خطواته حتى يقوده إلى ما فيه حرمانه وشقاؤه.