20 Jul 2016
بسم الله الرحمن الرحيم
فهرسة المسائل العلمية
وأثرها في البناء العلمي
تمهيد الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ
الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده ، ما ترك من خيرٍ
إلا دل الأمة عليه، ولا شرٍ إلا حذرها منه، حتى تركنا على البيضاء ليلها
كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك
أما بعد
فإنَّ حاجة الأمة إلى العلماء ماسة، وإنّ العناية بإعداد العلماء وتهيئة السبل المعينة لطلاب العلم على حسن التحصيل وقوة التأصيل من أهمّ الواجبات العامّة على الأمّة؛ فإنّ العلماء هم رؤوس الناس؛ يصدرون عن أقوالهم وبيانهم وفتاويهم، فإن أرشدوهم بما بيّنه الله من الهدى رشدوا وأفلحوا، وإن كتموا الحقّ ولبّسوا عليهم ضلّوا وأضلّوا.
ولذلك اشتدّ الوعيد على نوعين من العلماء:
النوع الأول: الذين يكتمون الحقّ عند الحاجة إلى بيانه، كما قال الله تعالى: {إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}
قال ابن جرير رحمه الله: (وهذه الآية وإن كانت نزلت في خاصٍّ من النّاس؛ فإنّها معنيٌّ بها كلّ كاتمٍ علمًا فرض اللّه تعالى بيانه للنّاس).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سُئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار). رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
والنوع الآخر: الذين يلبسون الحقّ بالباطل؛ فيضل بتلبيسهم بعض الناس، فيكون هؤلاء الملبّسون المضلّون ممن يصد عن سبيل الله، وقد قال الله تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون}.
وحاجة الناس إلى من يرشدهم ويبصّرهم حاجة ماسّة لا بدّ لهم منها، فإذا لم يجدوا علماء صالحين مصلحين يرشدونهم إلى الحقّ ؛ عظّموا بعض المتعالمين وصدروا عن رأيهم، ويدلّ لذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتّخذ الناس رؤوساً جهّالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا)). رواه البخاري ومسلم.
فلمّا كانت حاجة النّاس للسؤال حاجة دائمة باقية ما بقوا ولم يجدوا علماء يسألونهم اتّخذوا رؤوساً جهّالاً فسألوهم.
وهذا يفيدنا أن حاجة الأمّة إلى من يرشدها ويبصّرها ويبيّن لها الحق حاجة ملحّة باقية، ولا سيّما في الفتن ومدلهمّات الأمور وما تبرأ به الذمّة.
ولهذا كان من أهمّ الواجبات العامّة على الأمّة إعداد العلماء الذين يسدّون هذه الحاجة، ويقومون بهذا الواجب الكفائي.
ومما يعين على ذلك ويمهّد الطريق إليه إعداد طلبة علم يحسنون فهم مسائل العلم، والاستدلال لها، ويعرفون الأدلة وأقوال العلماء في أبواب العلم ويضبطون أصول دراسة المسائل العلمية، ويتمكّنون من دعوة الناس لما ينفعهم ويرشدهم، ويكون لديهم من العلم بأصول ردّ الشبهات ما ينفعهم وينفعون به الأمّة – بإذن الله – فيثبُتُون عند ورود فتن الشبهات، ويثبّتون غيرهم، ويبصّرونهم بما تنجلي به تلك الشبه.
وأصل بلاء الشبهة ناتج عن آفتين خطيرتين وقد تجتمعان:
الآفة الأولى: الجهل.
والآفة الثانية: اتّباع الهوى.
وأكثر من يثير الشبهة من يتّبع الهوى، وأكثر من يتأثّر بها الجهلة، وقد قال الله تعالى: {ولا تتبع الهوى فيضلّك عن سبيل الله إنّ الذين يضلّون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}.
والشبه خطّافة، ويزيّنها بعض الفاتنين من شياطين الإنس والجنّ بزخرف القول ليغرّوا بها الجهلة الذين لا يميّزون صحيح القول من فاسده، ولا حقّه من باطله.
وقد يتركّب مع الجهل حماس شديد يؤدّي بصاحبه إلى الظلم والعدوان، فيظلم نفسَه ويظلم غيره؛ ويجتمع بهذه الفتنة عليه وعلى الأمّة أنواع من الشرور، والعياذ بالله.
ومن تأمّل الأحداث التي ابتليت بها الأمّة ، وافتراق الفرق واختلاف الأهواء، ونشوء الأحزاب التي أُشرب أصحابها الفتن في قلوبهم حتى جرّ ذلك بعضهم إلى سفك الدماء وانتهاك الحرمات، والموالاة والمعاداة على الأحزاب، والغلو في تعظيم بعض الأشخاص، والتهاون في شأن التكفير، وتسويغ موالاة الكفار ، كلّ ذلك سببه الجهل واتّباع الهوى في الأصل.
وعلاج هاتين الآفتين: بالصبر واليقين، واليقين لا يُنال إلا بالعلم.
واليقين مُعينٌ على الصبر ؛ فإنّه يسهل منه على صاحب اليقين ما لا يسهل على غيره ممن ضعف يقينه.
ولذلك كانت الحاجة إلى إحسان التعلّم حاجة ملحّة.
معايير إحسان التحصيل العلمي:
ملاك العلم بثلاثة أمور:
1: حسن الفهم.
2: وقوة الحفظ.
3: وسَعَة الاطلاع
وطلاب العلم يتفاوتون في هذه الأمور تفاوتاً كبيراً، فمن كان محسناً فيها جميعاً كان من العلماء الكبار، ولكل واحد من هذه الأمور الجليلة مقوّمات تعين على الإحسان فيها، ويعين بعضها على بعض.
- فحسن الفهم ملكة من رُزقها فقد أوتي خيراً كثيراً، فإنه يستجلب بها من البركة في مسائل العلم شيئاً عظيماً إذا صلحت نيّته وزكت نفسه واستقامت طريقته.
وحسن الفهم له أمور تعين عليه، من أهمّها أن تكون دراسة طالب العلم على منهج صحيح يراعى فيه التدرّج العلمي، وملاءمة المنهج لحال الطالب، وأن يضبط أصول العلم الذي يدرسه، وأن تكون دراسته تحت إشراف علمي من عالم أو طالب علم متمكّن ليرشده إلى ما ينفعه ويجيب على ما يشكل عليه من الأسئلة .
لأنّ طالب العلم إذا ضبط أصول العلم الذي يدرسه وعرف قواعده، وكيف تُبحث مسائله، وعرف أئمّة ذلك العلم وقرأ بعض كتبهم وعرف مناهجهم وشيئا من سيرهم وأخبارهم فإنّه يزداد بصيرة بذلك العلم، ويكون أقرب إلى النجاة من فتن الشبهات التي تثار في ذلك العلم إذا سلم من اتّباع الهوى.
ثم في كلّ مسألة تثار فيها الشبهة أو يحتاج الطالب إلى دراستها مقوّمات تعين على حسن الفهم فيها وإزالة الإشكالات التي ترد على بعض الطلاب ، وكشف الشبهات التي يثيرها من يثيرها من أصحاب الأهواء.
فمن ذلك أن يدرس تلك المسألة دراسة واعية وافية غير مجتزأة ولا متعجلة فيطّلع على ما قيل في تلك المسألة من كتب أهل العلم من مصادرها الأصلية أو البديلة، وكلما ازداد الطالب بصيرة بالعلم الذي يدرسه ازداد معرفة بمظان المسائل التي يبحث فيها.
والخلاصة أن الباحث إذا جمع أقوال العلماء في تلك المسألة واجتهد في تقصّيها واستيعابها وميّز المتقدّم منها عن المتأخّر، وعرف ترتيب أقوال العلماء وكيف تناقلوا الحديث في تلك المسألة؛ فإنّه يسهل عليه بإذن الله أن يعرف أقوال الأئمة في تلك المسألة والقول الصواب فيها، ويعرف منشأ الإشكال وسبب إثارة الشبهة، ويتعرّف على أسباب انتشار بعض الأقوال الخاطئة.
وهذا الكلام إنما أقوله لكم في هذا الوقت لا أريد منه أن تقوموا بجمع أقوال العلماء وتقصّيها في تلك المسائل، فإنّ هذا الأمر يحتاج فيه إلى عمل مؤسّسي أو تأهّل علمي حسن بحيث يكون الباحث واسع الاطلاع صاحب خبرة وجلد على بحث المسائل العلمية.
وإنما المطلوب هو أن يتدرّب الطالب على فهرسة المسائل العلمية من مصادر معدودة ليتعرّف الطريقة ويتقنها، وينتفع بها في دراسته لمسائل العلم فيما يدرس من الكتب، حتى يتمهّر بهذه الطريقة ويتفنّن فيها؛ حتى إذا ما تجاوز مرحلة التأسيس العلمي أمكنه الانطلاق في بناء أصل علمي كبير متقن في العلم الذي يرغب أن يتخصص فيه.
-وأما قوة الحفظ فيتفاوت فيها الطلاب تفاوتاً ظاهراً، لكن مما يعين على قوّة الحفظ: تنظيم الدراسة، ومداومة النظر ، وكثرة التكرار ، وأن يكون للطالب أصل مختصر في العلم الذي يدرسه إما أن ينتقي كتاباً مختصراً أو يتّخذ لنفسه ملخّصاً جامعاً يدمن النظر فيه حتى ترسخ مسائله في قلبه.
قال ابن أبي حاتم سألته [أي البخاري]: هل من دواء يشربه الرجل، فينتفع به للحفظ ؟
فقال: لا أعلم، ثم أقبل علي، وقال: (لا أعلم شيئا أنفعَ للحفظ من نهمة الرجل، ومداومة النظر).
وقد كان رحمه الله من شدّة نهمته وإدامة نظره في الكتاب ربّما استيقظ من نومه في الليلة الواحدة مراراً ويضيئ السراج فيراجع حديثاً أو مسألة أو يدوّن شيئاً.
وبمثل هذه النهمة وإدامة النظر يحصل للدارس قوّة الحفظ بإذن الله تعالى بلا كدّ ذهني.
وسأضرب لكم مثالاً يوضّح هذه القضيّة ويبيّن تيسّر الحفظ لمن نظّم دراسته لمسائل العلم، وذلك باعتبار حفظ عناوين المنازل؛ فإذا دُفعت إليك ورقة فيها عنوان منزل من المنازل ، وكان في وصف ذلك العنوان طول ، وطُلب منك أن تحفظ الوصف المكتوب في ورقة فإنّك قد تجد في حفظه مشقة، وقد يفوتك بعض الجمل المهمة بحيث لو نقلت لغيرك ما حفظته لضلّ الطريق.
لكنّك إذا ذهبت إلى المكان وعاينته وعرفت الطريق إليه ؛ فإنّك تكاد تحفظه من أوّل مرّة ، ثم إذا ترددت عليه مرتين وثلاث مرات وأكثر من ذلك سهل عليك حفظه بلا مشقّة، بل تجد أنك تستطيع وصفه لغيرك بطرق متعددة.
فكذلك مسائل العلم، إذا أحسن طالب العلم تنظيمها، وعرف مظانّ بحثها، وعرف أقسام العلوم، وما يتضمّنه كلّ علم من الأبواب ، وما يتضمّنه كلّ باب من المسائل، وخلاصة القول في كلّ مسألة؛ فهو كمثل الرجل ينزل في قرية فيها بيوت كثيرة ، ويتعرّف كلّ يوم على منازل حيّ من الأحياء فإنّه لا يلبث زماناً طويلاً حتى يعرف منازل القرية معرفة جيّدة لا يجد في تحصيلها ولا تثبيتها كدّا ذهنياً ، ولا مشقّة غير مشقّة المداومة على تعاهد أحياء القرية بالزيارة.
وهذا مثال للتقريب.
ولو أنّك عمدت إلى علم من العلوم ودرست فيه كتاباً مختصراً واستخلصت مسائله ونظّمتها في ملخّصك وذكرت في كل مسألة خلاصة القول فيها ثمّ تعاهدت هذا الملخّص بالقراءة والإضافة والتصحيح، ثم نظّمت القراءة في كتب ذلك العلم؛ فستجد نفسك بعد سنوات يسيرة قد حصّلت علماً غزيراً متقناً شاملاً لأبواب ذلك العلم.
ومن طلاب العلم من يشتغل بحفظ المنظومات والمتون ليستذكر بها أبواب العلم الذي يدرسه ومسائله وبعض قواعده وضوابطه وتحريراته، والمداومة على مراجعة المحفوظات، وإدمان مطالعة الأصول العلمية مما يعين على رسوخ المعرفة بمسائل العلم.
وأمّا سعة الاطلاع فتنال بتنظيم القراءة والتوسّع فيها بعد بناء أصل علمي حسن في العلم الذي يطلبه، وأما التوسّع على غير أصل متين فإنّ ثمراته محدودة وقد ينتج لصاحبه أنواعاً من الخلل في التصوّر والمعرفة لأنّ كثيراً مما يقرأ يحتاج فيه القارئ إلى تمحيص وتمييز صوابه من خطئه، وحقّه من باطله، والقفز إلى هذه المرتبة قبل إتقان ما قبلها كان من أسباب انحراف كثير من أهل الأهواء مع ما هم عليه من مخالفة الاتّباع والنزعة إلى الابتداع.
وتحصيل سعة الاطلاع مع الإتقان وحسن المعرفة يحتاج فيه طالب العلم إلى معاناة القراءة الكثيرة المنظّمة سنوات عديدة، وفي تلك المرحلة تظهر له أدوات علمية تعينه على اختصار كثير من الجهد والوقت، وتزيد من حسن تحصيله ومعرفته وسعة اطّلاعه، ومن ذلك أن يحسن فهرسة المسائل العلمية، وأن يحسن الاستفادة من الأعمال الموسوعية التي قام بها جمع من العلماء.
والدأب على القراءة وحسن التحصيل من أبرز أسباب النبوغ العلمي، وكان من العلماء من ينقطع للقراءة سنوات من عمره؛ فانتفع بتلك المرحلة انتفاعاً كبيراً يكون له أثره البالغ في مسيرته العلمية.
فيذكر عن شيخ العربيّة في زمانه الأستاذ محمود شاكر رحمه الله أنه اعتزل الناس وانقطع للقراءة الواسعة ثلاث عشرة سنة، وكان رحمه الله صاحب جلد على القراءة، حتى إنه لما طلب منه شيخنا الشيخ صالح آل الشيخ أن يختار له كتاباً في متن اللغة ليضبط منه مفردات اللغة أوصاه بلسان العرب لابن منظور؛ فقال الشيخ صالح: لكنه في عشرين مجلداً !!
فقال: وأيّ شيء عشرون مجلداً!! قرأناه على شيخنا مرتين، وقرأناه في المرة الثالثة ولم نتمّه.
وقال الشيخ محمّد عبد الخالق عضيمة رحمه الله: (عرفنا الأستاذ محمود على البعد، إلى أن قاربنا نهاية الدراسات العليا، واجتمعنا في منزل شيخنا محمود نور الحسن لقراءة درس التعيين سنة 1940م، ومعنا أربعة من كبار شيوخنا، وكان موضوع درس التعيين توابع المنادى، ثم فاجأنا الأستاذ محمود بزياته ونحن نقرأ: (يا زيد عائد الكلب) فسألنا: أعائد الكلب بالدال أم عائذ الكلب بالذال؟
فقلنا: الذي في كتابنا عائد الكلب بالدال.
فأجاب على الفور: عائد الكلب جماعة، منهم فلان وفلان.. وسمي عائد الكلب لقوله:
مالي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود
وعائذ الكلب بالذال جماعة.. ثم تركنا واتجه إلى مكتب الشيخ نور، وحينئذ علت وجوهنا الدهشة، وتملكنا البهر من روعة هذه المفاجأة، وملأ نفوسنا الإعجاب به، والإكبار له)ا.هـ.
فهذه المعرفة الموسوعية المبهرة إنما حصلت له بمكابدة القراءة سنوات عديدة بنهَمٍ وهمّة عالية، وتنظيم حسن تمكّن به من ربط المعلومات بعضها ببعض.
وكذلك الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة رحمه الله كان مبهراً في سعة اطلاعه وحسن تدقيقه في مسائل العربية، وهو الذي ألّف الموسوعة الجليلة في دراسات أساليب القرآن الكريم، وأمضى في إعدادها أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً، وقال في كلمة الختام: (فقد أذن الله لهذا البحث أن يكتمل وأن يرى النور بعد أن أمضيت في إعداده وطباعته ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً تابعت فيها الدرس، وواليت البحث من غير كلل ولا ملل، فجاء في أحد عشر جزءاً ضخماً ، ولقد كنت أخشى أن يحول الأجل دون الأمل، فالحمد لله والشكر له على أن مدَّ في عمري وهيأ لي الأسباب التي مكنتني من طباعته).
وقال: (وما من شك في أن هذه الدراسات قد أثرت الدراسات النحوية إثراء عظيماً، وحفلت بالكثير من الطرائف والفوائد والفرائد.
وما ذلك إلا لكثرة المراجع التي اعتمدت عليها وتنوعها.
لم أقتصر على كتب النحو وحدها، ولا على كتب الإعراب وحدها، ولا على كتب التفسير وحدها، وإنما شملت القراءات كثيراً من الكتب المختلفة. كما ارتكزت هذه الدراسات على استقراء أسلوب القرآن وقراءاته المتنوعة).ا.هـ.
وموسوعته هذه من أعاجيب العصر، وقد يسّر الله لنا نسخها وإدراجها في موقع جمهرة العلوم وتنسيقها ووضع أدلّة مقرّبة لمسائلها، وقد قام بذلك إخوانكم وأخواتكم من طلاب المعهد والمشرفين.
وتجدون روابط أدلتها في دليل جمهرة العلوم ( هنا)
والأستاذان الجليلان محمود شاكر ومحمد عبد الخالق عضيمة لهما إسهامات جليلة في الفهرسة العلمية.
فالأستاذ محمود شاكر فهرس مسائل كتابي دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني فهرسة علمية دقيقة.
وقال في هذين الكتابين: ( فهما أصلان جليلان أسّسا قواعد النظر في علم بلاغة الألسنة عامّة، وبلاغة اللسان العربي المبين خاصة).
كتاب أسرار البلاغة: ( هنا ) [يبدأ الفهرس من ص 472 إلى صفحة 548]
ومن قرأ فهرسة الأستاذ محمود شاكر لهذا الكتاب فسيجد أنّها كاشفة لمحتوى الكتاب مبرزة لمسائله تفيد من يكرر مطالعة هذا الفهرس حسن الإلمام بهذا الكتاب الجليل واستظهار مسائله.
-وكذلك فعل في كتاب دلائل الإعجاز ( هنا ). [يبدأ الفهرس فيه من صفحة 671 إلى صفحة 684]
-وكتاب المقتضب للمبرد بتحقيق عضيمة (هنا)
وقد قال رحمه الله في مقدّمة الطبعة الثالثة: (إذا كان نشر المقتضب قد حقق لي أمنيّة من أعزّ أمانيّ ؛ فقد انشرح صدري إلى أنني جعلت مسائل المقتضب على حبل الذراع بما صنعته من الفهارس؛ فإنّ فهارس المقتضب خطوة في سبيل تيسير النحو.
لقد كانت هناك فواصل وحواجز تمنع كثيراً من المثقّفين وتحول بينهم وبين الرجوع إلى كتب النحو؛ فرفعت فهارس المقتضب هذه الحواجز ، وجعلت قواعد النحو مطروحة في الطريق وعلى طرف الثمام لكل قارئ مهما كانت ثقافته، وهذا ما استهدفته في وضع الفهارس)ا.هـ.
والمقصود بعرض هذه الأمثلة الثلاثة بيان فائدة الفهرسة المفصّلة لمسائل العلوم، وأنّها تختصر على الدارس شيئاً كثيراً بإذن الله تعالى، وتعين على حسن فهم المسائل العلمية وتصوّرها وحفظها.
وهذه أيضاً نماذج لبعض الكشافات التحليلية لشروح المتون العلمية ( هنا ) كنت قد عملت عليها قبل أكثر من عشر سنوات، وهي متفاوتة في درجة التفصيل، ولعل أجودها من حيث الصنعة العلمية كشاف الأربعين النووية، والقواعد الفقهية، والآجرومية، ونخبة الفكر، والورقات.
والفهرسة العلمية لها أنواع،وقد تكلّم في بيان أهميّتها جماعة من أهل العلم، وحاول بعضهم أن يقوم بمشروعات علمية في الفهرسة لكن أعاقتهم عوائق، وكثير من تلك العوائق قد زالت في هذا العصر بما أنعم الله علينا من نعمة تقنية المعلومات.
ومن أراد أن يطّلع على شيء من ذلك فليقرأ مقدّمة تحقيق الأستاذ الجليل أحمد شاكر لسنن الترمذي.
فقد أطنب في الحديث عن الفهرسة العلمية ثم قال في خاتمة حديثه عنها: (وقبل أن أختم هذا البحث أرى واجبًا عليَّ –لمناسبة الكلام في الفهارس- أن أُنَوِّه برجلٍ نابغة مدهش، مجهول مغمور في هذا البلد، هو الأستاذ الشيخ مصطفى علي بيومي. هذا الرجل قد نبغ في فن الفهارس وصناعتها نبوغًا عجيبًا، وأنا أشهد له –شهادة خالصة لله- أنه قد فاق في هذا كلّ مَن علمناه، ممن تقدم أو تأخر. هذا الرجل لو كان في بلد لم يُبْتَلَ بتقديس الأجانب، وعلمِ الأجانب، وعمل الأجانب، ولغة الأجانب-: لكان له شأن أي شأن، ولعُهِد إليه بوضع الفهارس لدور الكتب، ولما فيها من علوم ومعارف، وتراجم وتواريخ. ولو كان لي شيء من السلطان لعرفتُ كيف أُظهر علمه ونبوغه، ولعرفت كيف أُنظِّم عمله، وكيف أوجِّهه التوجيه الصحيح، ولكن ....).
وترك الأذهان حائرة في مدلول هذه النقط.
وقد قال رحمه الله لما رأى كتاب "مفتاح كنوز السنّة" : (لو وجد بين يدي مثل هذا المفتاح لسائر كتب الحديث لوفّر عليَّ أكثر من نصف عمري).
والأمّة اليوم فيها من
النوابغ والنوابه ما يكفون حاجة الأمّة إذا وجدوا من يدلّهم على الطريق،
ويدرّبهم على فهرسة المسائل العلمية، ويعينهم على القيام بالمشروعات
العلمية التي تنفع الأمّة بإذن الله.
أنواع الفهرسة العلمية:
مما ينبغي أن يُعلم أن الفهرسة العلمية على أنواع كثيرة متعددة، وكلّ نوع له فوائده المعتبرة:
- فمنها: فهرسة المحتوى: كفهارس الأبواب والعناوين والمسائل.
- ومنها: فهارس الآيات والأحاديث والآثار والشواهد الشعرية والأماكن وغيرها.
- ومنها: فهارس الكتب والمؤلفين، ولها أنواع متعددة، وطرق في التصنيف والترتيب.
- ومنها: فهارس العلوم، ولها أنواع وطرق مختلفة في التصنيف والترتيب كذلك.
- ومنها: الفهارس النوعية، وهي الفهارس التي يُعنى فيها المفهرس بنوع معيّن من المواد العلمية في كتاب يتضمن أنواعاً من تلك المواد العلمية، ومن أمثلة ذلك:
أ- فهرسة المسائل العقدية في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ب- فهرسة المسائل الفقهية في أحكام القرآن للقرطبي.
ج- فهرسة المسائل النحوية في تفسير أبي حيان.
والنوع الذي يعنينا في هذا البرنامج هو ما يتعلق بفهرسة المسائل العلمية سواء أكانت فهرسة شاملة أم نوعية.