الدرس الرابع: معايير جودة التلخيص
معايير جودة التلخيص العلمي
للتلخيص الجيّد أدوات علمية تعرف بها جودته،
ومن المهمّ أن يكون طالب العلم على معرفة حسنة بهذه الأدوات حتى يقيس بها
جودة تلخيصه، ويصحح ما يكتشفه من أخطاء، ويصلح ما يظهر له من خلل.
ومعايير جودة التلخيص خمسة: الشمول، والترتيب، والتحرير، وحسن الصياغة، وحسن العرض.
فالملخّص الجيّد هو الذي تتحقق فيه هذه المعايير، وقد نظمتها في البيتين التاليين:
وإنّ لتلخيص الدروس دلائلا .. يقيس بها النقّاد كالجسّ للنَّبْضِ
شمولٌ وترتيبٌ وقولٌ محرَّرٌ .. يُزانُ بحسنِ الصَّوْغِ في أحسن العَرْضِ
1:معيار الشمول:
فأما الشمول فيراد به أن يكون الملخّص وافياً
بذكر المسائل التي تضمّنها الدرس؛ حتى لا تفوته مسألة من مسائل عماد ذلك
الدرس، وأما المسائل الاستطرادية فالطالب مخيّر بين ذكرها وتركها في بادئ
الأمر ما لم تكن كثيرة؛ فإذا كثرت فيوصى أن يتعمّد ترك بعضها؛ حتى تكون
مسائل عماد الدرس ظاهرة بيّنة غير مغمورة في المسائل الاستطرادية الكثيرة،
وحتى يكون تركيز الطالب على المسائل التي يتوقّف عليها فهم الدرس، وهي التي
نسميها مسائل عماد الدرس.
واعتياد الطالب على مراعاة معيار الشمول يكسبه
ملكة التقصي للمسائل العلمية، فتكون دراسته لأبواب العلم دراسة وافية
حسنة، وإذا حضر درساً لأحد العلماء، أو قرأ باباً من أبواب العلم انصرف
ذهنه إلى محاولة ضبط المسائل التي يتحدّث عنها الشيخ؛ ولا يكون كالذي يستمع
استماعاً مجرداً لا يتنبّه فيه إلا للمسائل الظاهرة التي ينصّ الشيخ عليها
نصاً بيّنا، ويترك ما سواها من المسائل التي قد تكون الحاجة إليها أشدّ،
وكثيراً ما يغفل الطلاب عن هذه المسائل لأنهم لم يروها مفردة بعنوان بارز،
وإنما أدرجها الشيخ في أثناء حديثه.
وهذه المسائل تستثار بأداة السؤال العلمي، وتحفيز الذهن عند الاستماع إلى الدرس للتعرّف على المسائل المتعلّقة بذلك الدرس.
2: معيار الترتيب:
والمراد به: أن
يحسن الطالب ترتيب المسائل بتسلسل موضوعي معتبر، وللطالب أن يختار باجتهاده
طريقة الترتيب التي يراها أقرب إلى حسن الفهم، ولو خالف ترتيب مسائل
الكتاب الذي يلخّصه.
والترتيب الموضوعي لمسائل الدرس يفيد الطالب فوائد جليلة:
- منها: أنه يعين
الطالب على حسن ضبط أسماء المسائل ، وذلك لأجل إعماله الذهن في ترتيبها على
طريقة متسلسلة متناسقة يظهر بها تناسب مسائل الدرس.
- ومنها: أنّ
الطالب يحتاج في الترتيب إلى إعمال الذهن في الموازنة بين المسائل، وتكرار
هذا العمل الذهني ينمّي ملكة الطالب في اكتشاف التناسب بين المسائل، ويوسّع
مداركه.
- ومنها: أن
الترتيب الصحيح يكشف للطالب مواضع النقص في مسائل الدرس، فتنقدح في ذهنه
أسئلة يحتاج إلى تقييدها لسؤال شيخه عنها، ويتمم بذلك معيار الشمول.
3: معيار التحرير العلمي:
والتحرير العلمي هو لبّ عمل التلخيص، والمراد
به أن تكون عبارة الطالب في التلخيص عبارة علمية منضبطة بالأصول والقواعد
العلمية، جامعة بين حسن الاختصار، والوفاء بذكر ما يتصّل بتلك المسألة من
تفصيل.
ومما يقدح في التحرير العلمي:
- اجتزاء بعض ما يتعلق بالمسألة، وترك أجزاء مهمة.
- الأسلوب الإنشائي الذي لا يستند إلى أصل ولا ينضبط بالقواعد العلمية.
- إطلاق الأحكام والدعاوى التي لا أصل لها.
- التوسّع في إطلاق بعض كلام الشارح بما يخرجه عن مراده.
- تعميم ما حقّه التخصيص وإطلاق ما حقّه التقييد.
وكثير من الطلاب يحتاجون إلى مدة من الزمن
لإتقان مهارة التحرير العلمي، ولذلك ينبغي للطالب أن لا يحجزه ما يرى من
ضعف تحريره في أوّل الأمر عن مواصلة التدرب على التحرير الجيّد حتى يتقنه،
ولو أمضى وقتاً طويلاً في ذلك؛ فإنّ العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية.
ومن كان مجيداً للتحرير العلمي فليحذر من ترك التمرين بمواصلة التلخيص؛ فإن إهمال هذه الملَكة يُضعفها، وتدريبها يقوّيها.
4: معيار حسن الصياغة:
والمراد بحسن الصياغة : أداء المعنى بألفاظ متناسقة، جيدة السبك، سالمة من التعقيد اللفظي والمعنوي، فصيحة الأسلوب، يحاكي بها الطالب لغة أهل العلم.
وتمرُّن الطالب على إحسان الصياغة ينمّي
ملكته اللغوية، ويثري مفرداته، ويدرّبه على التفنّن في الأساليب حتى يكون
حَسَن الإنشاء، جليّ البيان، حلو العبارة.
ومما يقدح في حسن الصياغة، ويُضعف تلخيص الطالب:
- ضعف الأسلوب، وركاكة العبارات.
- الأخطاء الإملائية.
- أخطاء علامات الترقيم المخلّة بأداء المعنى.
- التكرار والحشو.
- الاختصار المخلّ.
- التعقيد اللفظي والمعنوي.
5: معيار حسن العرض:
والمراد به أن يحسّن الطالب عرض تلخيصه بما
يعين على قراءته بوضوح وارتياح، من حيث توزيع النصوص وتلوينها وتفاوت أحجام
الخطوط ، فإذا أحسن الطالب إبراز العناوين الرئيسة والفرعية والتقسيمات
والجمل المهمة فقد أحسن التنسيق، وليتجنّب الإفراط في استخدام التلوين
فإنّه قد يذهب بحسن العرض.
وإذا أراد الطالب أن يقيس جودة تلخيصه فليسأل نفسه عن تحقيق هذه المعايير:
- هل تلخيصي شامل لمسائل الدرس؟
- هل أحسنت ترتيب المسائل؟
- هل عباراتي محررة علميا؟
- هل أحسنت صياغة التلخيص؟
- هل أحسنت طريقة العرض؟
فإذا وجد نقصاً في إجابة سؤال منها بادر إلى
إصلاحه، وإذا عرف من نفسه ضعفاً في معيار من هذه المعايير حرص على معالجته؛
حتى يصل إلى مرتبة يحسن فيها تلخيص الدروس العلمية، ويمهر فيها.
أسأل الله
تعالى أن يوفّقني وإيّاكم لحسن التعلّم والعمل والتعليم، وأن يصلح قلوبنا
وأعمالنا، وأن يقينا شرور أنفسنا، ويتقبّل منّا جميعاً إنه هو السميع
العليم.