الدروس
course cover
الدرس الثاني: أهمية تلخيص الدروس العلمية
26 Dec 2015
26 Dec 2015

9403

0

1

course cover
تلخيص الدروس العلمية

القسم الأول

الدرس الثاني: أهمية تلخيص الدروس العلمية
26 Dec 2015
26 Dec 2015

26 Dec 2015

9403

0

1


0

0

0

0

1

الدرس الثاني: أهمية تلخيص الدروس العلمية


أهميّة التلخيص العلمي


من أهمّ ما ينبغي أن يعتني به طالب العلم في أوائل طلبه للعلم أن يتدرّب على طريقة حسنة في التلخيص تفي بغرض التعلّم من تقييد المسائل وضبط خلاصة ما قيل في كل مسألة، وترتيب تلك المسائل، وأن يتعرّف على ما يقيس به جودة تلخيصه، حتى تكون مداومته لطلب العلم على طريقة حسنة يحسن بها تأسيسه العلمي، وينمو بها بناؤه العلمي سريعاً، ويجد بها من الفوائد العلمية شيئاً كثيراً مباركاً بإذن الله تعالى، وهذا أمر قد جرّبه العلماء قبلنا وانتفعوا به كثيراً.
وأصعب ما في هذه الطريقة أوّلها، لكن من اجتهد في التدرّب عليها حتى يتقنها فإنّها تخفّ عليه، ويجد فيها من المتعة والفائدة والثراء العلمي ما يدرك به فضل تقييد مسائل العلم وضبطها.
وسنتناول في هذا الدرس بيان معنى التلخيص العلمي، وفوائده، وأهمية التحصيل المتقن الدائم لطالب العلم، وأسباب تفاوت طلاب العلم في التحصيل العلمي، ونؤجّل الحديث عن أنواع التلخيص العلمي، وعناية العلماء به إلى الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

المراد بالتلخيص العلمي:
ليس المراد بالتلخيص العلمي مجرّد اختصار عبارات الدرس، وتقليل عرض محتواه باجتزاء بعض المسائل والفوائد واللطائف.
وإنما المراد بالتلخيص العلمي استخلاص المسائل التي تضمّنها الدرس، وجمع ما يتّصل بها من الكلام المتفرّق في الدرس، وتصنيفه، وتحريره، والتعبير عنه بعبارة حسنة جامعة من غير إسهاب ولا تقصير.
ويكون تركيز الطالب على فقه مقاصد الدرس، وضبط مسائله التي هي عماده، ولا يشتغل عنها بالفوائد الاستطرادية، واللطائف الجانبية.
فإذا ضبط مسائل عماد الدرس ونظمها في ملخّصه تنظيماً حسناً؛ فلا بأس أن يضيف ما ينتخبه من الفوائد واللطائف.

فوائد التلخيص العلمي
مهارة التلخيص العلمي من أهم المهارات العلمية التي ينبغي لطالب العلم أن يجتهد في تحصيلها حتى يتقنها ويعتادها في طلبه للعلم، والطالب الماهر بالتلخيص إذا داوم على دراسة أبواب العلم بتنظيم حسن فإن ذلك يعينه على سرعة اكتساب التأصيل العلمي، ويستفيد فوائد جليلة سأذكر بعضها من باب التنبيه على أهميتها:
1: فمن ذلك أنها تعين الطالب على ضبط مسائل الكتاب الذي يدرسه، بتفصيل جيد، من غير اختصار مخلّ، ولا تطويل مملّ.
2: أن الدراسة بطريقة التلخيص العلمي تختصر على الطالب كثيراً من الجهد والوقت على المدى البعيد، وإن كان بعض الطلاب قد يظنّ أنها تستقطع من وقته ما يؤخّره إلا أن التجارب الكثيرة أثبتت أنها تسرّع له التحصيل العلمي بإتقان.
وبيان ذلك: أن الطالب إذا درس كتاباً من الكتب المعتمدة في علم من العلوم دراسة تستوفي مسائله بتلخيص حسن وضبط جيّد، فإنّ دراسته لكتاب أوسع منه بعد ذلك تكون أيسر عليه كثيراً، فيضيف إلى أصله ما يستجدّ من المسائل والتنبيهات والفوائد ، ولا يزال على هذه الطريقة يدرس في هذا العلم كتاباً بعد كتاب حتى يكون لديه أصل كبير مهم في ذلك العلم.
وكلما درس كتاباً كانت دراسته للكتاب الذي يليه أخفّ عليه وأيسر.
وأما من كان يدرس الكتاب دراسة سريعة دون تقييد ولا ضبط صدر؛ فإن الغالب عليه أنه ينسى كثيراً مما درس، ولو كان في وقت دراسته يحسّ من نفسه أنه قد فهم الدرس فهماً حسناً، ذلك أنّ الدراسة دون تقييد ولا حفظ فيها شيء من تضييع العلم، ثمّ إذا أراد أن يدرس كتاباً آخر فإنّه يحتاج إلى أن يدرسه بالطريقة نفسها، لأنه لم يحصّل أصلاً مضبوطاً يبني عليه إلا ما يعلق بذهنه من تكرار دراسة بعض المسائل ومراجعتها.
وهذا بخلاف من بنى أصله العلمي بملخّص وافٍ بمسائل الكتاب الأوّل، فإنّ دراسته للكتاب التالي تكون كالمراجعة للأول فيثبت علمه بمطالعته لملخّصه، ويضيف إليه ما من الأبواب والمسائل ما زاد به الكتاب الثاني على الأول، ثم تكون دراسته للكتاب الثالث بعد ذلك أيسر مؤونة وأحسن ضبطاً وأقلّ مدّة، ولا يزال كذلك يدرس في ذلك العلم كتاباً بعد كتاب حتى يصل فيه إلى مرحلة المتقدمين بإتقان وحسن ضبط بإذن الله تعالى.
3: أنها تعين الطالب على تثبيت علمه ورسوخه بسبب مداومته على مطالعة تلخيصه وتهذيبه والإفادة منه.
4: أنها تعين الطالب على تنمية ملكة التصنيف العلمي للمسائل، وهي ملكة عظيمة النفع؛ فإذا عرضت له مسألة ما عرف مواضع ورودها في أبواب ذلك العلم، وأوجه تناول العلماء لها في كل باب.
5: أنها تدرّب الطالب على سرعة الاستحضار ؛ بسبب كثرة تصنيفه للمسائل العلمية، ومعرفته بمواضعها، وطالب العلم إذا كان سريع الاستحضار فإنّه ينبغ نبوغاً حسناً في العلم بإذن الله تعالى.
6: أنها توسّع مدارك الطالب، وتكسبه مَلَكة الموازنة العلمية بين الكتب، ومعرفة أوجه تفاضل بعضها على بعض، وما يمتاز به كلّ كتاب أو عالم عن غيره؛ فيتدرّب بذلك على معرفة مراتب الكتب، ومراتب العلماء في العلم الذي يطلبه، وهذه فائدة عظيمة النفع لطالب العلم.
7: أنّها من أفضل السبل لبناء أصل علمي متين في العلم الذي يطلبه، وذلك إذا داوم على هذه الطريقة على ما سبق بيانه.

أهمية المداومة على التحصيل العلمي المتقن:

طالب العلم بحاجة إلى تحقيق أمور مهمة ليحسن سَيْرُه في طلب العلم، ويحصّل علماً غزيراً مؤصّلاً يكون به من أهل العلم إن شاء الله تعالى:
- منها: أن تكون دراسته لمسائل العلم دراسة صحيحة متقنة.
- ومنها: أن تكون دراسته ميسّرة غير شاقّة ولا متكلّفة.
- ومنها: أن يداوم على تلك الدراسة ولا ينقطع عنها ولا يضعف فيها.
- ومنها: أن تكون دراسته على منهج صحيح موصل للطالب إلى مبتغاه بإذن الله.
- فأما الأمر الأول؛ فمن أهمّ وأيسر ما يعين عليه تلخيص الدروس العلمية، والتعرف على طرق استخلاص المسائل، وتحرير القول فيها، والتعرف على مآخذها وحججها وعللها، والتفطّن لما يذكره العلماء من المسائل بعبارات قد يخفى ما وراؤها على بعض المتعجّلين من طلاب العلم.
- وأما الأمر الثاني؛ ففائدته أنه يعين الطالب على أن يعتاد طلب العلم ويألفه ويلتذ به ولا يجده عسراً متلويّا، ولا شاقّا متكلّفاً، فإنّ مَنْ حَمَل نفسه على طريقة عَسِرة في طلب العلم قد يحرمها مواصلة الطلب؛ لأن النفس تسأم وتملّ من تحمّل المشاقّ ما لم تر لتحمّلها أثراً نافعاً يُذهب عن النفس شعورها بعسر ما تتحمّله وثقله؛ فلذلك كان من المهمّ أن يسلك طالب العلم في طلبه طريقة صحيحة ميسّرة يرتاح لها وتخفّ عليه ويمكنه المداومة عليها.
ولا يخلو طلب العلم من مشقّة في الأصل، لكن إذا كانت المشقّة محتملة والطريقة ميسّرة في الغالب كان ذلك أدعى لمواصلة طلب العلم، وعدم الانقطاع عنه، وإذا احتاج الطالب إلى تعلم بعض المهارات التي قد يشقّ عليه تعلمها في أوّل الأمر، وصبر عليها حتى تخفّ عليه ويحسن فهمها واستعمالها كان ذلك أدعى لحسن تحصيله العلمي ومتانته.
- وأما الأمر الثالث؛ فييستفاد به ثمرات جليلة:
- منها: محبّة الله تعالى للعمل الذي يقوم به طالب العلم من الدراسة والمذاكرة التي داوم عليها؛ فإن الله تعالى يحبّ العلم، وأحبّ العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه؛ فيكون طالب العلم قد داوم على أمر هو من أحبّ الأعمال إلى الله.
- ومنها: البركة؛ فإنّ الله تعالى إذا أحبّ عملاً بارك فيه، وإذا بارك في شيء نفع به.
- ومنها: تنمية ملَكات الطالب العلمية وقدراته الذهنية وتوسيع مداركه فيكون فهمه للمسائل العلمية أحسن وأيسر وأسرع، ويكتسب دربة حسنة على أصول دراسة مسائل العلم.
- ومنها: رسوخ علمه بكثرة مراجعته لما درس وازدياده من العلم ؛ فإنّ مسائل العلم لها أصول جامعة من ضبطها كانت دراسته لتفاصيلها ترسيخاً لتلك الأصول وازديادا من المعرفة بها من جوانب متعددة.
وهذه الثمرات الجليلة لها آثارها العظيمة على طالب العلم في خاصة نفسه وفيمن حوله ممن يعلّمهم ويفتيهم ويدعوهم.
والمقصود أن المداومة على طلب العلم أمر مهم لا يُغني عنه ذكاء الطالب ولا قدراته الذهنية مهما بلغت.
- وأما الأمر الرابع؛ فمن أسباب تحققه أن يكون طلبه للعلم بإشراف من عالمٍ أو طالب علم متمكّن عارف بطرق التعلم.

تفاوت الطلاب في التحصيل العلمي:
والطلاب يتفاوتون في هذه الأمور تفاوتاً كبيراً، ويظهر أثر هذا التفاوت على تحصيلهم العلمي، فمنهم من يكون حسن التحصيل ذكيًّا فَهِمًا ، ومنهم من يقرأ الدرس ولا يضبط منه إلا شيئاً يسيراً.
ومن أراد أن يتبيّن ذلك فليعرض درساً من دروس العلم على جماعة من الطلاب ثم لينظر تفاوتهم في الفهم وحسن التحصيل.
فلو فرضنا أن درساً من الدروس يحتوي على عشرين مسألة؛ ودَرَسَه طالبان متفاوتان في المهارات العلمية؛ فقد تجد أحدهما يحسن التعرف على هذه المسائل، ويضبط ما قيل في كل مسألة من الأقوال وحججها وعللها وما يتّصل بها.
وتجد الآخر ربّما يقرأ الدرس ولا يعرف منه سوى بضع مسائل على ضعف شديد في تحرير القول فيها.

فإذا اجتمع للأول منهما مداومة الدراسة والتمرن على المهارات العلمية التي تمكّنه بإذن الله من التعرف على أبواب جديدة من العلم؛ فإنّه يحصّل في مدة ليست بالطويلة علماً غزيراً مباركاً، وصاحب الهمّة شغوف بما يهتمّ له، فيزيده هذا الحرص نهمة في الطلب حتى يبلغ مبلغاً عظيماً في العلم، وتتوسّع مداركه ويرسخ علمه ويزداد فهماً وذكاء وخبرة بمسائل العلم بإذن الله تعالى.

وإذا اجتمع للآخر منهما مع ضعف تحصيله تذبذبُه في الدراسة وانقطاعه فإنه يعود أشبه بالعوامّ منه بطلاب العلم، بل ربّما حصل له من سوء فهمه وتلبّسه بلباس أهل العلم وتحدّثه بلسانهم ما يُفشي به بعض الأخطاء في المسائل العلمية وهو يحسب أنه ينشر العلم.

ولذلك تجد طلاب العلم على أربعة أقسام:
القسم الأول: تحصيلهم العلمي متقن دائم؛ فهؤلاء بأفضل المنازل، ولو كانت مداومتهم على قدر يسير من العلم؛ فإن الديمومة بركة؛ فهي كالماء الذي يتعاهد به الساقي زرعه حتى يثمر ويُنتفع به.
والقسم الثاني: تحصيلهم العلمي متقن لكنّه متقطّع ؛ فهؤلاء يلحقهم من الضعف والنسيان بقدر تفريطهم وانقطاعهم، ويبقى لديهم ضبط جيّد لبعض المسائل.
والقسم الثالث: تحصيلهم العلمي ضعيف لكنّه دائم؛ فهؤلاء يُرجى لهم بمواصلة التعلّم، ومراجعتهم للمسائل العلمية، ومذاكرة أهل العلم، ورجوعهم إلى العلماء والتأدّب معهم، مع صلاح النيّة وزكاء النفس أن يُوفّقوا للصواب، وأمّا من فرّط في هذه الأصول فيخشى عليه من سوء الفهم في العلم والزيغ عن السنة.
والقسم الرابع: تحصيلهم العلمي ضعيف متقطّع ؛ فهؤلاء لا يزالون كذلك غالباً حتى يعدّوا من العوامّ، ومَن تعالَـم منهم ظهر عواره وبانت سوءاته.

ومقصود هذه الدورة إعانة طلاب العلم على حسن التحصيل العلمي وقوّته، وتنبيههم على أهمية التلخيص العلمي في التكوين العلمي لطالب العلم، والتعرّف على الأدوات العلمية التي تعينه على تحسين بنائه العلمي، وهذه الأدوات العلمية ترجع إلى أصول مهمّة مَنْ أحسن معرفتها والتدرّب عليه سهلت عليه بإذن الله، وقارب أن يكون تحصيله العلمي حسناً متقناً، ويبقى عليه مداومة التحصيل العلمي وعدم التوقف والتذبذب والانقطاع.

وانتظام الطالب في الدراسة في برنامج الإعداد العلمي أرجو أن يحقق له قدراً حسناً من المداومة؛ فإنّه إذا انتظم في الدراسة ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً في مدّة البرنامج؛ فإنّها مداومة حسنة يرجى لصاحبها البركة في تحصيله العلمي، ويوصى بأن يواصل الطالب التعلّم بعد التخرج بالبرنامج فإنّه كلما كان أحسن مداومة كان انتفاعه بطلبه للعلم أفضل وأعظم بركة.

والله الموفّق والمستعان ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.