14 Jan 2010
النوع الرابع: ما يأتي على أربعة أوجه
قال أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري (ت:761هـ): (النوع الرابع: ما يأتي على أربعة أوجه
وهو أربعة:
أحدها: (لولا)،
فيقال فيها تارة: حرف يقتضي امتناع جوابه لوجود شرطه، وتختص بالجملة
الاسمية المحذوفة الخبر غالبا، نحو: لولا زيد لأكرمتك، ومنه: لولاي لكان
كذا، أي لولا أنا موجود.
وتارة: حرف تحضيض وعرض، أي طلب بإزعاج، أو برفق. فتختص بالمضارع، أو بما هو في تأويله، نحو: {لولا تستغفرون الله}، ونحو: {لولا أخرتنا إلى أجل قريب}.
وتارة: حرف توبيخ، فتختص بالماضي، نحو: {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة}.
قيل: وتكون حرف استفهام، نحو: {لولا أخرتني إلى أجل قريب} {ولولا أنزل إليه ملك} ، قاله الهروي. والظاهر أنها في الأولى للعرض، وفي الثانية للتحضيض.
وزاد معنى آخر، وهو أن تكون نافية بمنزلة (لم) وجعل منه: {فلولا كانت قرية آمنت}
أي: لم تكن قرية آمنت. والظاهر أن المراد: فهلا. وهو قول الأخفش،
والكسائي، والفراء. ويؤيده أن في حرف أبي، وعبد الله بن مسعود: (فهلا)
ويلزم من ذلك معنى النفي الذي ذكره الهروي، لأن اقتران التوبيخ بالفعل
الماضي يشعر بانتقاء وقوعه.
الثانية: (إن) المكسورة الخفيفة، فيقال فيها: شرطية، نحو: : {إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله}. وحكمها أن تجزم فعلين.
ونافية، في نحو: {إن عندكم من سلطان بهذا}. وأهل العالية يعملونها عمل ليس، نحو قول بعضهم: إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية. وقد اجتمعا في قوله تعالى : {ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}.
ومخففة من الثقيلة، في نحو: {وإن كلا لما ليوفينهم}. في قراءة من خفف النون. ويقل إعمالها عمل المشددة كهذه القراءة. ومن إهمالها: (إن كل نفس لما عليها حافظ) في قراءة من خفف (لما).
وزائدة، في نحو: ما إن زيد
قائم. وحيث اجتمعت (ما) و(إن) فإن تقدمت (ما) فهي نافية، وإن (زائدة)، وإن
تقدمت (إن) فهي شرطية، و(ما) زائدة، نحو: {وإما تخافن من قوم خيانة}.
والثالثة : (أن) المفتوحة الخفيفة فيقال فيها: حرف مصدري ينصب المضارع، نحو: {يريد الله أن يخفف عنكم}. وهي الداخلة على الماضي في نحو: أعجبني أن صمت، لا غيرها، خلافا لابن طاهر.
وزائدة، في نحو: {فلما أن جاء البشير}، وكذا حيث جاءت بعد (لما).
ومفسرة في نحو: {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك}، وكذلك حيث وقعت بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه، ولم تقترن بخافض.
فليس منها: {وآخر دعواهم أن الحمد لله} لأن المقدم عليها غير جملة. ولا نحو: كتبت إليه بأن أفعل، لدخول الخافض.
وقول بعض العلماء في قوله تعالى: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم}: إنها مفسرة، إن حمل على أنها مفسرة لـ {أمرتني} دون (قلت) منع منه أنه لا يصح أن يكون {اعبدوا الله ربي وربكم}
مقولا لله تعالى. أو على أنها مفسرة لـ (قلت)، فحروف القول تأباه. وجوزه
الزمخشري إن أول (قلت) بأمرت. وجوز مصدريتها، على أن المصدر بيان للهاء، لا
بدل، لأن تقدير إسقاط الضمير يخلي الصلة من عائد.
والصواب العكس، لأن البيان
كالصفة، فلا يتبع الضمير، والعائد المقدر الحذف موجود لا معدوم، ولا يصح
أن يبدل من (ما) لأن العبادة لا يعمل فيها القول. نعم يجوز إن أول بأمرت.
ولا يمتنع في {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي}، أن تكون مفسرة، مثلها في {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك}، خلافا لمن منع ذلك لأن الإلهام في معنى القول.
ومخففة من الثقيلة في: {علم أن سيكون منكم}، {وحسبوا أن لا تكون} في قراءة الرفع. وكذا حيث وقعت بعد علم، أو ظن نزل منزلة العلم.
الرابعة: (من) فتكون: شرطية، في نحو: {من يعمل سوء يجز به}.
وموصولة، في نحو: {ومن الناس من يقول}.
واستفهامية، في نحو: {من بعثنا من مرقدنا}.
ونكرة موصوفة، في: مررت بمن معجب لك، أي: بإنسان معجب لك. وأجاز الفارسي أن تقع نكرة تامة، وحمل عليه قوله:
ونعم من هو في سر وإعلان
أي: ونعم شخصا.نظم قواعد الإعراب لابن ظهيرة المكي
قال جمال الدين محمد بن عبد الله ابن ظهيرة المكي (ت: ٨١٧ هـ): (
لَــوْلاَ امْتِـنـاعٌ لـوُجـودٍ مُثْبـتَـا ... وحَـرْفُ تَحْضيـضٍ وتَوْبـيـخٍ أَتَــى
كَـذَا للاسْتِفْـهـامِ والنَّـفْـيِ تَــرِدْ ... وإِنْ لِنَفْـيٍ ولـشَـرْطٍ قَــدْ عُـهِـدْ
كَــذَا لتَخْفـيـفٍ مِــنَ الثَّقِـيـلِ ... زَائِــدَةً أيـضـاً فحَـقِّـقْ قِـيـلِـي
وأَنْ بفَتْـحٍ فَـهْـوَ حَــرْفُ مَـصْـدَرِ ... وحَـرْفُ تَفْسـيـرٍ فأَوْحَيْـنَـا اذْكُــرِ
مُخَـفَّـفٌ مِــنَ الثَّقِـيـلِ زَائِـــدُ ... ومَــنْ للاستـفـهـامِ لَـفْــظٌ وَارِدُ
نَـكِــرَةٌ مَـوْصُـوفَـةٌ شَـرْطِـيَّـهْ ... مَـوْصُـولَـةٌ أَقْسـامُـهـا مَـرْعِـيَّـهْ
شرح قواعد الإعراب للعلامة: محمد بن سليمان الكافيجي
قال محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي
(ت: 879هـ): (النوع
الرابع من الأنواع الثمانية ما يأتي على أربعة أوجه وهو أي الآتي عليها
أربعة ألفاظ أحدها لولا فيقال فيها تارة حرف يدخل على جملتين أولاهما اسمية
على الأصح والثانية فعلية يقتضي امتناع جوابه لوجود شرطه أي يدل على
استلزام تحقق شرطه لانتفاء جوابه فجرى الخطاب فحسن مقابلة الوجود بالامتناع
فإن اعتبار المعنى لا اللفظ فقط فلا يتوجه ما يقال من أن الأحسن أن يقال
الوجوب بالامتناع فإنه غير مناسب بمعنى الكلام؛ وكما ترى ولا يتوجه أيضًا
الاعتراض بأن الشرط يستدل بعدمه على عدم المشروط فكيف يستدل بوجوده على
عدمه. فإن قلت الدال على ما ذكر هو المجموع المركب من لولا ومدخولها فكيف
يستقيم أنها تدل عليه وحدها قلتُ زائد معتبر في الدلالة على ما ذكر هو
المجموع المركب من لولا ومدخولها فكيف يستقيم أنها تدل وحدها قلت المعتبر
في الدلالة على ما ذكر هو أولى فإنها هي العمدة فيها والباقي شرط لها كما
هو شأن الحروف فصحت إضافة المعنى إليها وحدها من هذه الحقيقة كما صحت في
سائر الحروف فالتحقيق ههنا أن لها دلالتين على معنيين الأولى بحسب المنطوق،
والثانية بحسب فحوى الخطاب أما الأولى بحسبه فهي أن تدل على استلزام
انتفاء شرط لتحقق جوابه كما أن الثانية بحسب الفحوى هي أن تدل على استلزام
وجود شرطه لانتفاء وجود جوابه. فإن قلت الشرط مع المشروط جائز الاجتماع
فكيف يقتضي امتناع شروطه قلت المراد من الشرط ههنا هو الشرط بحسب اصطلاح
النحاة لا بحسب اصطلاح أهل الأصل على أنه في التحقيق شرط الانتفاء الجواب
لا لتحققه. ويختص في استعمالها بالجملة الاسمية خلافًا للكسائي فإنه قال:
إذا قلت لولا زيد لأكرمتك فيكون التقدير لولا حضر زيد لأكرمتك فيكون زيد
مرفوعًا على فاعل الفعل مضمر فيكون جملة فعلية عنده المحذوفة الخبر لقيام
قرينة دالة عليه فيكون المذكور بعدها مرفوعًا على الابتداء لا مرفوعًا بنفس
لولا. كما ذهب إليه الفَرَّاء وابن كيسان ولا يتفصل مضمر كما ذهب إليه
الكسائي قال ابن طراوة: أن جواب لولا يكون خبر المبتدأ دائمًا فلا يكون
الخبر محذوفًا عنده ورده البعض بأنه لا رابط بينهما فإن قلت الجواب منوط
بالشرط من حيث اللزوم بينهما فلا حاجة إلى زيادة الرابط والعائد إذ في
اللزوم غنية عن ذلك. قلت الارتباط الحاصل ههنا هو الارتباط بين الشرط
وجوابه لا بين المبتدأ والخبر والكلام في الثاني لا في الأول فعاد الرد
بحاله وأجيب بأن المقصود من الرابط هو الدلالة على نوع متعلق وقد حصل ههنا
فإن الاتصال لما حصل بين الشرط وجوابه يفيد بحيث الارتباط بين المبتدأ
وخبره استغناءً بذلك على الرابط بينهما كما استغنى عنها إذا كانت الجملة
خبرًا عن ضمير الشأن لحصول اتصال بينهما والحاصل أن مذهبه أقرب إلى التحقيق
والعقل كما أن مذهب غيره أنسب إلى المباحب العربية والنقل هذا وأن الخبر
يجب حذفه إذا كان عامًا كالحصول والوجود نحو لولا زيد هلك عمرو وأما إذا
كان خاصًا فلا يحذف إن لم يوجد دليل عليه فلهذا قال غالبًا وفيه إشارة إلى
رد قول من قال أن الخبر بعدها واجب الحذف فيجعل نحو لولا زيد يدفع عدوه
لأهلكه من قيل المحذوف. والخبر تقديره لولا زيد موجود دافعًا عدوه لأهلكه
فإن مثل هذا تمحل محض خارج عن معنى الكلام نحو لولا زيد لأكرمتك فلولا حرف
امتناع وزيد مبتدأ خبره محذوف وهو موجود واللام لام جواب أكرم فعل فاعله
متصل به ومفعوله متصل به أيضًا فالجملة الفعلية جوابها كما أن الجملة
الاسمية شرطها وأما نحو لولاي ولولاكي ولولاه فقد مر بحثه في الباب الثاني
فما وجد ههنا في بعض النسخ من قوله ومنه أي من قيل المذكور قولك لولاي لكان
كذا؛ فإنما يستقيم على قول الاخفش فكذا فسره بقوله: أي لولا أنا موجود
ويقال فيها تارة أخرى حرف تخصيص أي حرف يدل على طلب أمر على سبيل الإزعاج
والعنف. التخصيص مأخوذ من خصة على القتال أي حثه عليه وطلبه منه فيكون أبلغ
في إفادة هذا المعنى لزيادة بيانه على بيانه وعرض أي حرف يدل على طلب أمر
على سبيل الرفعة وهو مأخوذ من قولهم عرض فلان عصص ما حبه على فلان إذا أظهر
ما عليه وإبرازها كريه فيكون المراد منه الطلب على سبيل الرفعة بحسب معونة
المقام ومنه التعريض خلاف التصريح كقول الفقير للغني جئتك لأسلم عليك
وأنظر إلى وجهك الكريم فيكون مراده من هذا الطلب المعروف على سبيل ترك
التصريح والرفق فكأنه يطلب حاجته منه من جانب، وناحية لداع دعى إليه يقول
نظرت إلى فلان عن عرض أي من جانب وناحية فمن هذا علم أن قول من قال العرض
يلزمه الطلب وليس بموضع له غير وارد ههنا.
لما عرفت من قبل أن المراد من المعنى في
أمثال هذا أعم سواء حصل اللفظ بالوضع أو بحسب معونة المقام فلهذا جعل
الوجوه وجوه الاستعمال لا وجوه الوضع فتأمَّل فإن قلت فلم جعلها فيهما
وجهًا واحدًا قلتُ لاشتراكهما في معنى الطلب وإن اختلفا في جهته فكذا أشار
إلى التمييز بينهما بقوله: أي طلب بإزعاج وعفو في صورة التخصيص يقال أزعجه
إذا قلعه من مكانه أو طلب برفق في صورة العرض فيكون من قبيل اللف والنشر
المرتب فإن قلت لم استعمل أولاً الواو وثانيًا أو قلتُ لأن المقام الأوَّل
مقام الاشتراك والمقام الثاني مقام الامتياز والتنويع فكل منهما ثابت في
مقام يليق به على حسب الوضع والطبع فظهر الفرق بينهما أن التخصيص طلب على
سبيل العنف والعرض طلب على سبيل الرفق فإن قلت هذا الفرق الحاصل بينهما
بحسب التعقل كان في الفرق بينهما بحسب تحقق موارد الاستعمال قلتُ لا بل هو
معرض إلى صلاحية المقام لأحدهما أو كليهما لو أمكن فتختص أي لولا التي
للتخصيص والعرض بالفعل المضارع أي الفعل الدال على معنى مقترن بالأزمان
المستقبل حقيقة لا شك أن دخولها إنما هو على لفظ المضارع حقيقة وعرفًا لا
على معناه المستقبل فلا يتوجه الاعتراض بأن الصواب أن يقول المستقبل بدل
قوله المضارع فإن قلت إن النحاة قد قالوا أن المضارع بعد هذه الحروف تحتمل
المضي والاستقبال فمن أين ثم التقريب. قُلْتُ الكلام في لولا التخصيصة لا
في لولا مطلقًا فيكون المضارع بعدها والأعلى معنى مقترن بالزمان المستقبل
فحصل التقريب بلا رتبه فإن قلت لا يحصل التقريب ههنا إلا بعد حصول القرينة
المعينة المضارع لملامسته بأل فمن أين لك هذه القرينة قلتُ قد حصلت من حيث
أنها تدل على طلب فعل وهو لا يكون إلا في المستقبل لا في الحال ولا في
الماضي. فقد ظهر من هذا أن المقتضي للاختصاص هو الطلب المذكور فلأجل هذا
أدخل الفاء في قوله فتختص المضارع فإن قلت قد استعمل الياء مع الاختصاص
فقبيل هذا في قوله وتختص بالجملة الاسمية وبعيدة هذا في قوله وتختص بالماضي
فلم تركها ههنا قلتُ حذفها وحدها ههنا طلبًا للاختصاص وعدى الفعل إلى
مفعوله على سبيل نوع الخافض أوجه فهما جميعًا.
فالمعنى مختص المضارع بالمستقبل قال
الجوهري: اختصه بكذا أي خصه به لا يخفى عليك أن هذا المعنى وإن كان غير
ظاهر يدفع الشبهة بحذفها أو يختص بما في تأويل أي تأويل المضارع أي لفظه
ماض ومعناه مستقبل فيكون مجاز فإن قلت أمَّا العلامة فهي أن الزمان معتبر
في كل منهما مع أن المستقبل يؤول إلى الماضي في الجملة وأما الفائدة فيه
فهي كمال عناية المتكلم بوقوع المطلوب فكأنه قد وقع فهو يخبر عنه على سبيل
الابتهاج نحو: أطال الله بقاءك مثال المضارع الصريح الواقع بعدها تستغفرون
في قوله: {لَولا تستغفرون الله} أي قال صالح عليه الصلاة والسَّلام لقومه
هلا تستغفرون الله قبل نزول العذاب. لولا حرف طلب الاستغفار فإن قلت هل هي
ههنا للتخصيص أو للعرض قلتُ الظاهر أنها ههنا تكون للعرض وتحتمل أن تكون
للتخصيص. تستغفر فعل مضارع فاعله الواو والنون علامة الرفع ومفعوله لفظة
إطلاله مثال ما في تأويل المضارع نحو أخر ما في قوله تعالى: (لولا أخرتني
إلى أجر قريب فأصدق وأكون من الصَّالحين). أي هلا تؤخرني إلى أجل قليل
التقدير ليكن منك تأخير فمتصدق مني وكون من الصالحين ونحو قولك: تزورنا
فنكرمك ويكون من المحسنين يوضح هذا بعض إيضاح لولا حرف عرض آخر فعل ماض
بمعنى المضارع إذ لا معنى طلب تأخير في الزمان الماضي فاعله ضمير مرفوع
متصل به وهو التاء مفعوله بالمتكلم والنون نون الوقاية. هذا ما قصده ههنا
وهو تكلف فالظاهر أنها في أمثال هذا يكون لمجرد التمني فيكون التقدير ليتك
أخرتني إلى أجل قليل مثل:
ليت الشباب يعود يومًا
فلهذا قال الزمخشري ههنا هلا أخرتَ موتي
إلى أجل قليل فإن قلت القاعدة أنها إذا دخلت على الماضي يفيد التقديم لكنه
لا يصح ههنا أصلاً فلا يتم ما ذكرته فلهذا جعلها للعرض ههنا قلتُ معناها
التمني والتقديم ليس من لوازمه بل هو متولد منه فيجوز أن يحصل له العقم
لانتفاء شرط القيام مانع فجواب الأشياء الستة أن مضمرة بعدها أصدق فعل
مضارع منصوب بها فاعله مستتر فيه وهو أنا أتصدق من التفعل فقلت: التاء
صادًا فأدغمت الصاد في الصاد وقرئ أي فأتصدق على الأصل الفعل مع فاعله في
تأويل مصدر مرفوع المحل على أنه معطوف بها على ما قبله كما أشرنا إليه.
الواو واو العطف أكون منصوب على أنه معطوف بها على لفظ أصدق وهو فعل من
الأفعال الناقصة اسمه مستتر فيه وهو أنا خبره من الصالحين وقرئ أكن بالجزم
عطف على محل فأصدق كأنه قيل إن أخرتني أصدق وأكن من الصالحين فلما فرغ من
بيان الوجه الثاني أراد أن يرتب عليه بيان الوجه الثالث فقال ويقال فيها
تارة حرف توبيخ أي حرف دال على تهديد وتعنيف ولوم على ترك فعل في الزمن
الماضي فلهذا رتب على ذلك قوله فتختص بالفعل الماضي.
قال بعضهم قلما يخلو مصاحبها من توبيخ
فلهذا قيل أنها تدخل على الماضي غالبًا لكن عبارة المصنف أشد وأدق نحو:
{فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة}.
القربان ما تقرب به إلى الله تعالى أي
اتخذوهم شفعًا متقربًا بهم إلى الله تعالى حيث قالوا: {هؤلاء شفعاؤنا عند
الله}؛ والمعنى فهلا منعهم من الهلاك آلهتهم الفاء تدل على ترتب التوبيخ،
لولا حرف توبيخ نصر فعل هم مفعوله عائد إلى الكافرين المهلكين. الذين اسم
موصول، اتخذ فعل فاعله الواو العائد إلى الكفار أيضًا من دون الله متعلق به
ومفعوله الأول ضمير عائد إلى اسم الموصول محذوف ومفعوله الثاني آلهة
وقربانًا حال من المفعول له وقيل هو مفعول ثان. لا يجد بمعنى ذات قرابة
مقدم على مفعوله الأول وهو آلهة والفعل مع معموله جملة فعلية وقعت صلة
للموصول وهو مع صلته مرفوع المحل على أنه فاعل نصر، ثم أنها لما استعملت في
معنيين أحدهما استفهام وأخرى نفي كل منهما غير مرضي عنده لكن كونها
للاستفهام أقرب من كونها للنفي جعله وجهًا رابعًا على سبيل الحكاية عن غيره
بصيغة التمريض فقال وقيل وهي للعطف على الوجه الثالث فيكون من المحكي لا
من الحكاية فيكون مقول القول هو المجموع أعني الواو ومدخولها فاندفع ما قيل
من أن الواو لا تقع بين القول ومقوله كما لا يقع بين الفعل ومفعوله تكون
للاستفهام أي تكون لولا تارة موضوعة للاستفهام مستعملة وإلا فليس بمستنكر
أن يستعمل الحرف في غير معناها على سبيل المجاز ولو بمعونة المقام نحو لولا
في قوله تعالى: {لولا أخرتني إلى أجل قريب} أي هل أخرت موتي إلى زمان قليل
وفي قوله تعالى: {لولا أنزل إليه ملك} أي هل أنزل إلى الرسول ملك أنزل فعل
إليه متعلق به وملك قائم مقام فاعله قاله الهروي أي قال الهروي: أن لولا
يكون للاستفهام كما في هذين القولين وأما فائدة هذا القول فهي التحمل على
غيره واعتراض عليه على سبيل المعارضة على الترجيح والإشعار بأن صيغة
التمريض في الوجه الرابع ليست لكون فاعلها مجهولاً بل لعدم الاعتبار بهذا
القول فلأجل هذا قال والظاهر أي كونها للاستفهام محتمل بعيد خفي لا دليل
يدل عليه ظاهرًا من حيث اللفظ والفحوى والظاهر المتبادر لا يجوز العدول عنه
إلا بدليل أنها أي لولا في القول الأول أي في {لولا أخرتني إلى أجل قريب}
للعرض أي لطلب تأخير الموت على سبيل الخضوع وفي القول الثاني أي في {لولا
أنزل إليه} ملك للتخصيص أي لطلب الإنزال على سبيل العنف والعصيان فيكون
استعمالها ههنا من الوجه الثاني فلا يكون للاستفهام عنده فإن قلت مثل هذا
لا ينفي أصل الدعوى فكيف ردا عليه قلتُ لما كانت تلك يكون الدعوى مبينة على
دليل وقد خرج عن الدلالة عليها لظهوره في خلافها سقطت لعدم بقاء أساسها
فإن قلت هذا قول بلا دليل أيضًا فمن أين ترجيح قلتُ الجملي لا يحتاج إلى
دليل متى احتاج إليها وإلى دليل فلأجل هذا نبه عليه بقوله والظاهر أنها في
الأول للعرض فعلم مما ذكر أن من قال أن قوله والظاهر أنها إلى آخره من كلام
الهروي فقد خبط العشوا وركب متى عميا وزاد أي الهروي كما يدل عليه ذكره
سابقًا وواو العطف كذلك قيل الضمير في زاد عليه على ابن عيسى فلعل جواز هذا
ههنا مبني على ادعاء اشتهاره في التعرض لهذا المعنى لكن لا يخفى أنه تكلف
معنى للولا آخر أي غير المعاني الأربعة فيكون وجوه استعمالاتها خمسة عنده
ففي قوله وزاد إشارة إلى أنه مخترع من عنده لا أصل له ولا تلتفت إليه فيكون
مردودًا كما يصرح به بعد هذا وهو أن يكون نافيةً أي المعنى الزائد الغير
المعاني الأربعة هي النفي نفى عبارته أدنى مسامحة فائدتها تقدير ذلك المعنى
بمنزلة لم أي الدالة على النفي في الزمن الماضي ثم لما حكى أن ذلك المعنى
أصل ثابت عند الهروي وكل أصل له فرع أراد أن يظهر بعض موارد ذلك الأصل
للإيضاح على ما قصده قال وجعل أي الهروي فيكون على ما بناء المعلوم كما هو
الظاهر فمن جوز أن يكون على بناء المجهول فقد قطع انتظام الكلام منه أي من
ذلك المعنى فيكون من ههنا كمن في قولك زيد من الإنسان فيكون بعضًا من الكلي
بمعنى جزئ له ويجوز أن يكون بمعنى البعض من الكل فيكون التقدير جعل من
موارد ذلك الأصل معنى لولا في قوله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت} أي لم
تكن قرية من القرى التي أهلكناها آمنت قبل معاينة العذاب فنفعها إيمانها أي
نفع أهل القرية إيمانهم بأن يقبله إليه منها ويكشف العذاب عنها إلى قوم
يونس فيكون الاستثناء متصلاً لأن المراد من القرى أهلها كأنه قال ما آمن
أهل قرية من القرى العاصية فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس ويؤيده قراءة
الرافع على البدل فإن قلت لم اختار الزمخشري وغيره الاستثناء المنقطع ههنا
قلتُ لأنه حملها على معنى التخصيص والاستثناء المتصل لا يحسن ههنا على
إرادة التخصيص كما لا يحسن أن يقول هلا قرأ قومك القرآن إلا الصلحا منهم.
يريد استثناء الصلحا من المحضوضين على قراءة القرآن لاسيما إذا وقعت منهم
قراءة القرآن إذا التحضيض بلفظ المعنى يفيد اللزوم على الترك وقوم يونس قد
آمنوا وما تركوا الإيمان فكيف يستقيم اللزوم على ترك الإيمان فإن قلت ليس
الاستثناء من الحكم فضلاً عن التحضيض وإنما هو من أهل القرى وقومه داخلون
فيهم دخول زيد في القوم في قولك جاء القوم إلا زيد فيكون متصلاً قلتُ نعم
لكن لما كان الظاهر المتبادر إلى الفهم من القول استثناء قومه من القوم
الحضيضين على الإيمان ولم يستقم معنى التحضيض في حق قومه لما عرفت حمل
الاستثناء على الاستثناء المنقطع فلهذا اختاره وجوز الاستثناء المتصل ههنا
الفاء تدل التعقيب ولولا حرف للنفي وكان فعل من الأفعال الناقصة اسمه قرية
وآمنت فعل فاعله مستتر فيه عائد إليها الفاء للعطف نفع فعل مفعول متصل به
عائد إليها. وإيمان مضاف إلى الضمير المجرور فاعله ألا حرف استثناء قوم
منصوب مستثنى من اسم كان على ما عرفت تحقيقه ويونس غير منصرف للعجمة
والعلمية مجرور لإضافة قوم إليه وكونه بالفتحة طلبًا وأن المصنف رد قول
الهروي لعدم استفادة إلى أساس ولعدم فيقول الدعوى بغير دليل لاسيما هناك من
معارض فأشار أن استعمال لولا في قوله تعالى: {فلولا كانت قريةٍ آمنت} من
قبيل الوجه الثالث فتفيد التوبيخ قصدًا وأصالةً والنفي التزامًا وضمنًا ثم
نبه على دليل الأول بقوله والظاهر الذي يشهد له بالصدق الفعل من أئمة
العربية أن المراد من لولا في قوله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت} معنى
فهلا فكأنه قيل فهلا كانت قرية آمنت لا شك أن هلا ههنا يفيد التوبيخ فكذا
لولا ففائدة إدخال الفاء عليها ههنا هي زيادة تقرير المقصود ودفع الاشتباه
وإلا فلا يخفى أن يقول معنى التوبيخ يتم بدونها وهو أي القول الذي ذكرنا من
أن المراد ههنا معنى هلا قول الأخفش وقول الكسائي والفراء ويؤيده أي ما
ذكر قراءة أبي بن كعب فهلا ههنا بدل فلولا فإن القرآن كالروايات تحصل تقوية
من بعضها لبعض وما وقع ههنا في بعض النسخ يدل قراءة أبي من أن في حرف أبي
أي في مصحفه وأصله وقيل أي في قراءته فهلا قاله واحد لكن المذكور أولاً
أظهر فإن قلت الواو ههنا حرف عطف فأين المعطوف عليه؟ قلتُ المعطوف عليه
مقدر تقديره القول الذي ذكرناه يشهد بصدقه قول أئمة النحو ويؤيده قراءة أبي
فيكون حالهما كحال الشاهد والمزكى فإن قلت ينبغي أن يكون الأمر بالعكس كما
لا يخفى السر في العدول قلتُ السر أن قول هؤلاء مقصود على النظر إلى
المعنى قصدًا والمقصود بيانه وقراءته متوجهة إلى النظر والتكلم أصالة وإلى
المعنى ضمنًا فلهذا جعل قولهم شهادة وقراءته تقوية على أن تحصيل بيان معنى
المتواثر من بيان معنى غير المتواثر مما يلجأه الطبع ظاهرًا ثم لما فرغ من
التثنية عليه أشار إلى الاستدلال على الثاني بقوله ويلزم أي لولا يفيد
التوبيخ قصدًا كهلا على ما مر تحقيقه ويلزم من ذلك أي كونها مفيدةً إياه
ههنا فكذا أضاف لفظة معنى إلى النفي في قوله معنى النفي الذي ذكره الهروي
بيان ذلك أن لولا قد أفاد التوبيخ على ترك الفعل في أمثال هذه الصورة
بالاستقراء وكلما أفادته فقد دلت على انتفاء ذلك الفعل إلزامًا بالضرورة
لتعيين توجه التوبيخ إلى عدم الفعل فقط فكلما أفادت التوبيخ على ترك الفعل
فقد دلت على انتفاء ذلك الفعل فلهذا اندفع ما قيل ههنا من أن كلام المصنف
لا يستلزم النفي كليًا في جميع الصور وأن استلزامه في هذه الصورة فلا
يستلزم ردًا على دعوى الهروي وسقط أيضًا على نفيه لأن أمثال هذا البحث
مباحث جزئية يكفي فيها ملازمة إقناعية ومناسبة عادية وانحل أيضًا ما اعترض
في هذا الموضع من أن التوبيخ يجوز أن يكون مستفادًا من لولا ومدخولها
جميعًا فلا يلزم دلالتها وحدها على انتفاء بالالتزام لأن دلالتها عليه قد
تحققت تتبع موارد استعمالها مع شهادة فحوى الكلام ومعونة المقام وأما
احتياجها فيها إلى متعلقها فلا يقدح فيها كما لا يقدح في دلالة سائر الحروف
وقد أشار إلى جميع ما قبلها في تحقيق هذا المحل بقوله لأن اقتران التوبيخ
المدلول عليه بلولا قوله بالفعل متعلق بالاقتران فإن قلت ما المراد من
اقتران التوبيخ بالفعل الذي هو فعل ماض قلتُ المراد مقارنة فعل التوبيخ
ومدلوليته للفعل الذي دخلت عليه لولا في زمان تحققه بالاستعمال سلوكًا إلى
طريق توصيف المدلول بوصف الدال وإنما عدل إليه لأن التوبيخ أقرب إلى
الدلالة على الانتفاء من لولا الماضي صفة الفعل يشعر أي اقتران التوبيخ
بانتفاء وقوعه أي بانتفاء تحقق مدلول الفعل الماضي. بمعنى أنه ما وقع ومما
يقوي ما ذكره قول الزمخشري في تفسير هذا الكلام والجملة في معنى النفي
لتضمن حرف التخصيص معناه وقال المصنف في معنى البيت لعل الزمخشري أراد
بقوله والجملة في معنى النفي ما ذكرناه فكذا قال والجملة في معنى النفي ولم
يقل ولولا للنفي فإن قلت: وبعد اللتيا والتي تسليم قول الهروي في الحقيقة
لا رد له قلت: ليس الأمر كذا بل هو حمل كلامه على غير محل النزاع الذي
استعملت اللفظة، هل هي حقيقة فيه أو لا وتخطئته له لاستثاره غير المقصود
بالمقصود عليه.
الكلمة الثانية من الكلمات الأربع
المستعملة على وجوه أربعة إن المكسورة أي مكسورة الهمزة الخفيفة بسكون
نونها سكون بناءٍ فيقال فيها شرطية أي الوجه الأول أن يكون لتعليق حصول
مضمون الجزاء محصول مضمون الشرط فلهذا يعمل فيها عمل جزم لفظًا أو محلاً في
نحو قل خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام {إن تخفوا} من الإخفاء أي أن
تكتموا أو تسروا {ما في صدوركم} من ضمائركم {أو تبدوه} من الإبداء وهو
الإظهار {يعلمه الله} إن حرف شرط جازم وكذا جيء جوابه بالجزم وحذف من شرطه
النون علامة له وكذا حذفت من تبدون وهو أصل تبدوا كما أن تخفون أصل تخفوا
لكونه معطوفًا عليه تخفوا فعل فاعله مستتر فيه وهو أنت خطاب للمؤمنين، وما
اسم موصول، وفي صدوركم جملة ظرفية صلته والموصول مع صلته منصوب المحل على
أنه مفعول به لتخفوا واو للعطف، وتبدوه معطوف على تخفوا فاعله مستتر فيه
أيضًا والضمير المنصوب المتصل به العائد إلى الموصول مفعوله ويعلمه فعل
مفعوله متصل به عائد إليه أيضًا فاعله لفظة الجلالة والشرط مع جوابه جملة
شرطية منصوبة المحل على أنها مقولة القول وما وقع ههنا في بعض النسخ من
قوله وحكمها أن تجزم فعلين فقد عرفت تحقيقه انتفاء والظاهر أنه غير محتاج
إليه ههنا لأنه في صدر بيان وجوه الاستعمالات لكنه ذكر على سبيل الاستطراد
ويقال فيها تارة نافية أي الوجه الثاني أن تستعمل لتدل على معنى النفي نحو:
{إن عندكم من سلطان بهذا} أي ما عندكم من حجة بهذا القول وهو قول اتخاذ
الواو {قالوا اتخذ الله ولدًا} قال الزمخشري في بيان هذا كأنه قيل عندكم
فيما لا تقولون سلطانًا إنْ للنفي عندكم ظرف مستقم، فاعله سلطان لاعتماده
على ما قبله ومن زيادة للتأكيد في النفي وتعلمه سلطان مبتدأ خبره الظرف
وبهذا حال من الضمير المستتر فيه الظرف العائد إلى سلطان على تقدير كونه
مبتدأ فكأنه قيل ما حجة عندكم واقعة في هذا القول فيكون المقول مكانًا
ومحلاً للسلطان والعامل فيها الظرف والظاهر أنه صفة له على معنى ما عندكم
سلطان يتعلق بهذا القول وقد اجتمعا أي حرفا الشرط والنفي في قوله تعالى:
{ولئن زالتا} أي زالت السموات والأرض {إن أمسكهما من أحد} ما يمنعهما أحد
من الزوال من بعده؛ أي من بعد الله وإمساكه ومنعه من الزوال الواو واو
اعتراض وقيل واو الحال وقيل واو العطف فإنها قد تدخل على واو القسم كما في
قول القائل فوالله لولا تمره ما جئته فمن قال أنها واو القسم فقد سهى إذ لم
يعهد إظهار واو القسم مع حذف القسم به فواو القسم مع حذف القسم به محذوف
ههنا لقيام القرينة مع طول الكلام طلبًا للخفة. أي والله واللام تسمى لام
الموطية واللام المؤذنة لإيذانها بأن الجواب بعدها جواب قسم حيث النظر إلى
أن جميع ما ذكر بعدها جواب له بحسب الظاهر فما له راجع إلى ما ذكرنا في
التحقيق، وإن شرطية، وزالتا فعل الشرط فاعله مستتر فيه عائد إلى السموات
والأرض وهو مجزوم المحل بها، وإن نافية، أمسكها فعل الجزاء مجزوم المحل
أيضًا مفعوله متصل به عائد إليهما فاعله أحد فيكون من صلة فيه كما أن من
الثانية في قوله: {من بعده} للابتداء والجملة جواب القسم المقدر يسد مسد
جواب الشرط فلهذا حذف ههنا وجوابا ومخففة أي الوجه الثالث أن يستعمل مخففة
إنْ المكسورة الثقيلة على جملتين فعليَّة واسميةً أمَّا إذا دخلت على
الفعلية بحسب الفاء عملها نحو إن كان زيد لقائمًا وأما إذا دخلت على
الاسمية جاز إعمالها خلافًا للكوفيين اعتبارًا للأصل وجاز ترك إعمالها
نظرًا إلى زوال المشابهة اللفظية للفعل بعروض التعيين عليه.
الشاهد الأول نحو: {وإن كلا لما ليوفينهم
ربك أعمالهم} على قراءة من خففها وأعملها والمعنى أن جميع المختلفين في
الكتاب والله يوفيها ربك أعمالهم من حَسَنْ وقبيح وإيمان وجحود. والواو
للعطف وأن مخففة من الثقيلة وكلاً منصوب اسمها والتنوين فيه عوض من المضاف
إليه أي كلهم واللام الأولى للتأكيد والثانية موطية للقسم وقيل بالعكس وما
مزيدة للفصل بينهما ويوفي فعل، والنون نون التأكيد الأول، هم عائد إلى كلاً
وفاعله رب وهو مضاف إليه، الضمير وهو خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام
مفعوله الثاني، أعمال وهي مضافة إلى هم وهو عائد إلى كلاً أيضًا والفعل مع
معموله جملة فعلية وقعت جوابًا لقسم محذوف مع جوابه جملة اسمية مرفوعة
المحل على أنها خبر إن المخففة وقرئ بتشديد الميم على أن صلة لمن ما قلبت
النون ميمًا للإدغام فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت أولاهن والمعنى كلاً لمن
الذي يوفينهم ربك جزاء أعمالهم فيكون الجار مع المجرور خبرها وقرئ لما
بالتشديد والتنوين، بمعنى جميعًا كأنه قيل وإن كلاً جميعًا كقوله تعالى:
{فسجد الملائكة كلهم أجمعون} هذا وأنها إذا شددت أو خففت أو رفعت كل فلا
يكون مما نحن بصدده والشاهد للثاني في نحو {إن كل نفس لما عليها حافظ}
المعنى أن الشأن كل نفس لعليها رقيب فإن قلت فعلى هذا لا يكون شاهدًا
للثاني قلتُ المقصود ههنا بيان المعنى لإتيان العمل فصح أن يكون شاهدًا له
بناء على ما هو المشهور عندهم من أن العمل في ضمير الشأن المقدر مختص بأن
المفتوحة المخففة من الثقيلة فلأجل هذا لم يتعرض الزمخشري في تفسير هذا
الكلام لتقدير الشأن إن مخففة من الثقيلة بدون الأعمال على قراءة من خفف
ميم لما وكل مبتدأ مضاف إلى نفس خبره حافظ وعليها متعلق به واللام لام
الفاصلة وهي لام الابتداء فيكون للفرق بين إن المخففة من الثقيلة وبين
النافية وللتأكيد أيضًا ومن قال أنها للفرق لا للتأكيد فنظره مقصور على حال
اللفظ وقاصر عن اعتبار شأن المعنى وما صلة جيء بها لزيادة الجنس والتأكيد
والمبتدأ مع خبره جملة اسمية وقعت جوابًا للقسم المقدر في أول السورة وإنما
ذكرت هذه الأبحاث مع أنها قد ذكر أكثر من قبل الطول العهد ولفوائد ما ذكر
ههنا في قراءة من خفف ميم لما إنما احتيج إلى هذا القيد لأجل التطبيق لما
ادعاه ولعدم حجة الإطلاق لأنها تكون للنفي على قراءة التشديد على ما عرفت
وإنما صحت الظرفية في القراءة بناء على قاعدة التشبيه والتنزيل والظاهر أن
في ههنا بمعنى على كما في قوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل}. فإن قلت
ما محله من الإعراب قلت محله نصب على الحالية فإن قلت فأين دون الحال قلت
الضمير المستتر في قوله مخففة فكأنه قيل إن مخففة من الثقيلة غير عاملة في
نحو هذا الكلام حال كونها على قراءة التخفيف ويقال فيها تارة أخرى زائدة أي
الوجه الرابع أن تزاد في الكلام لفائدة التأكيد كالتأكيد وغيره تدخل على
جملتين فعلية واسمية أما الفعلية فنحو ما أن أتيت لشيء أنت تكرهه وأما
الاسمية فزيد قائم في نحو قولك ما إن زيد قائم ما نافية مشابهة بليس بطل
عملها لزيادة إن بعدها وزيد مبتدأ خبره قائم والمجموع جملةاسمية ولما كثر
زيادتها بعد ما النافية وكان يتصور اجتماعها على وجهين أحدهما أن يكون
متقدمه عليها والثاني بالعكس وليست زائدة على وجه أراد أن يضبطها على وجه
كلي بحيث يعلم زيادة ما النافية ضمناً وإلا كان يكفي أن يقال وزيادة بعدها
من أول الأمر بلا تطويل الكلام فقال وحيث اجتمعت ما وإن في كلام الظاهر أن
العطف ههنا من قبيل عطف الخاص على العام من حيث المعنى إن تضمن حيث معنى
الشرط كما يشعر به الفاء التي في قوله فإن تقدمت ما ويحمل أن يكون للاعتراض
لأجل تفسير ما ذكر أولا، ويجوز أن يكون معطوفاً على قوله في ما إن زيد
قائم فحينئذ يكون من قبيل عطف العام على الخاص فتكون الفاء فيه للتفريغ
والتفصيل فإن تقدمت ما على إن فهي أي نافية مكفوفة على العمل وإن زائة كافة
لها عنه لا يخفىعليك إذا أشار في هذا الكلام إلى إدراج بيان السبب في ضمن
بيان الأصل بحيث ضمنه تعليل حكم الأصالة والزيادة على ما هو المطابق
لاستعمال النقل وحكم العقل فيكون من قبيل قضايا قياساتها معها وللعطف إن
تقدمت إن على ما فهي أي إن نافية وما زائدة للتأكيد نحو: {وإما تخافن من
قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} وأي وإما تخافن من قوم معاهدين لك نقضعهد
بإبرارات تلوح لك فأطرح إليهم عهدهم ثابتاً على طريق تصديق سوي في العداوة
بأن يخيرهم أخياراً ظاهراً أنك قطعت ما بينك وبينهم من المعاهدة بحيث ينقطع
إمارة القدر وإخفاء مكث العهد الواو للعطف وإما صلة أن ما فقلبت النون
ميماً فأدغمت في الميم فصار إما تخافن فعل الشرط فاعله أنت مستتر فيه
والنون نون التأكيد من قوم متعلق به وخيانةً مفعولهالفاء فاء الخبر انبذ
فعل أمر فاعله أنت أيضاً وإليهم متعلق به ومفعوله محذوف كما أشرنا إليه
وعلى سواء حال من فاعل انبذ وحده كما أوحي إليه وقيل من المنبوذ اليتيم فقط
كأنه قيل فانبذ إليهم تابتين على استواء في العلم بنقض العهد وقل حال
منهما جميعاً هذا وأنها قد تستعمل عند سيبويه مرادفه لنعم والمصنف لم يلتفت
إليه لندرة استعمالها في هذا المعنى مع إمكان رده إلى ما ذكر فلهذا لم
يجعله وجهاً رابعاً وبهذا اندفع خامساً وأما استعمال إن الزيادة فكثير
متعديه فلهذا جعله وجهاً رابعاً ولهذا اندفع ما قيل ههنا من أن عدها في
الوجوه أولى من عد كونها زائدة فيها أما الجواب بأن كونها مرادفةً لنعم
فغير مختار عنده فليس بمختار إذ لا يشترط أن يكون جميع ما ذكر في بيان
الوجوه مختاراً عنده يدل عليه قوله في بيان وجوه قيل وتكون لاستفهام
الثانية من الكلمات المستعملة على أربعة وجوه أن المفتوحة الهمزة المخففة
على اللسان بسبب إسكان نونها وبالقياس إلى أن المفتوحة المشددة وأما الغرض
من التوصيف فهو التمييز ودفع الالتباس والاشتباه عن الأذهان فيقال فيها حرف
مصدري أي الوجه الأول أن تكون حرفاً يجعل معنى مدخوله في قوة معنى المصدر
فتختص دخوله بالجملة الفعلية فينصب المضارع إذا دخل عليه سواء كان مبتدأ
نحو: {وأن تصوموا خير لكم} أو خبراً نحو المعروف أن تفعل الخير أولى في
نحو: {يريد اللَّه أن يخفف عنكم} يريد فعل فاعله الله وأن حرف مصدري ناصب
ويخفف فعل مضارع منصوب به في تأويل مصدر وعنكم متعلق به والخطاب للمؤمنين
والفعل مع معموله منصوب المحل على أنه مفعول يريد كأنه قيل يريد الله
التخفيف عنكم وتدخل على الفعل الماضي نحو. أعجبني أن صمت أي صيامك قال بعض
النحاة أن صلة موصولات الحروف ويجب أن يكون خبرية كصلة موصولات الأسماء
والظاهر أنها تدخل أيضاً على فعل الأمر والنهي نحو كتبت إليه بأن قم وكتبت
إليه بأن لا تفعل وهذا مذهب البعض قال الزمحشري في تفسير قوله تعالى: {أن
طهرا بيتي} بأن طهرا أو أي طهر يريد بذلك أنها تجوز أن تكون حرفاً مصدرياً
ويجوز أن تكون حرف تفسير كأي والحق أنها حرف مصدري إن صح تعلق معنى ما قبله
بمعنى الفعل المأول نحو كتبت إليه بالمصدرية وحرف تفسير أيضاً إن كان فيما
قبله إبهام وأريد إزالته نحو أمرته أن قم وإلا تكون حرف تفسير فقط كتبت
إليه أن قم فعلم من هذا أن قول من زعم أنها إذا دخلت على الأمر والنهي تكون
حرفاً تفسيرياً لا غير إذ لو جاز أن يكون حرفا مصدرياً لجاز التقدير فلو
قدر به لفات معنى الأمر على أنه لا يصح أن يقول أعجبني أن قم وكرهت أن قم
كما تقول أعجبني أن تقوم وأريد أن قمت ليس كما ينبغي إذ قوة المعنى الأمر
عند التقدير وحين إرادة التأويل بالمصدر لا يمنع أن يكون حرفاً مصدرياً كان
إن فوت معنى الفعل الماضي وقت التأويل به لا بمنعه وإما امتناع قولك
أعجبني أن قم وكرهت أن قم فللقصد إلى طلب القيام بدون قصد التأويل به
وامتناع تعلق للإعجاب بطلب القيام حتى لو قصد التأويل به لصح تعلق الإعجاب
بلا شبهة كما يصح تعلقه به في قولك أعجبني أن تقوم والوجه الثاني من الوجوه
الأربعة أن تكون زائدة لغرض من الأغراض فلا تكون لغواً إنما قدم هذا الوجه
على الوجه الثالث مع أنه عكسه مما في كتاب المغني كما هو الأنسب لقلة
مباحثها بالقياس إلى مباحث أن المفسرة في نحو: {فلما أن جاء البشير ألقاه
على وجهه} أي فلما جاء البشير طرح البشير القميص على وجه يعقوب عليه
الصَّلاة والسَّلام. الفاء فيه تدل على التعقيب ولما بمعنى حين وأن صلة
وجاء فعل فاعله البشير وألقى فعل فاعله مستتر فيه عائد إلى البشير والضمير
المنصوب المتصل به عائد إلى القميص وعلى وجهه متعلق بألقى والضمير المجرور
في وجهه عائد إلى يعقوب وقيل عائد إلى البشير وهو يهودا من أولاد يعقوب
عليهم الصَّلاة والسَّلام فلما أتا الشاهد لما ادعاه من الزيادة زاد زيادة
استحكامها مع دفع قوتهم أيضاً الاختصاص فقال وكذا أي وكما كانت صلة فيما
ذكر تكون زائدة حيث جاءت أي أن بعد لما نحو لما أن جئت أكرمتك وتزاد بين لو
والقسم نحو والله أن لو قمت وتزاد قليلاً بعد الكاف نحو كان ظبية والوجه
الثالث منها أن تكون تفسيرية بمنزلة أي فتكون مفسرة لمجمل لكن أي أكثر منها
دوراناً في الكلام فإنها تفسر كل مجمل سواء كانت بعد مفرد أو بعد جملة
وسواء كانت بعد صريح القول ومعناها وإما أن فلا تكون مفسرة إلا بشروط الأول
أن تسبق بجملة فلهذا ردّ قول من قال أن أن في قوله تعالى: {وآخر دعواهم أن
الحمد لله رب العالمين} مفسرة كما يصرح به هو بعد هذا الثاني أن يتأخر
عنها فلا تقول ذكرت مسجداً إن ذهباً والثالث أن يكون في الجملة السابقة
معنى القول فلا يقال ضربت أن زيداً والرابع أن لا يوجد فيها حرف القول
خلافاً لابن عصفور فلا يقال قلت لفلان أن افعل، والخامس أن لا يدخل عليها
جار فلو قلت كتبت إليه بأن افعل كانت مصدرية ثم بعد ذلك كله لا تفسر عند
الجمهور إلا مفعولاً مقدراً للفظ دال على معنى القول ومورده نحو: {وناديناه
أن يا إبراهيم} فهي مفسرة لمفعول مقدر لناديناه كأنه قيل ناديناه كلاماً
وهو قوله يا إبراهيم وجوز بعضهم أن تكون مفسرة لمفعول به مذكور نحو: {إذ
أوحينا إلى أمّك ما يوحى أن اقذفيه} وأنكر الكوفيون أن يجيء لتفسير لأنه
إذا قلت كتبت إليه أن أفعل لم يكن أفعل نفسر كتبت كما كان الذهب نفس العسجد
في قولك هذا عسجد أي ذهب والمفسر يجب أن يكون نفس المفسر فلهذا لو جئت بأي
مكان أن في المثال المذكور لم تجده مقبولاً في الطبع والظاهر أن كلامهم
ههنا مبني على أن يكون لتفسير نفس الفعل لا لمفعوله وعلى أن الفعل لا يصدق
على الكتابة لكن لا يخفى عليك أن التفسير في أمثال هذا للمفعول لا للفعل
يشهد بذلك تتبع موارد استعمالاتها وأن الفعل يصدق على الكتابة صدق الأعم
على الأخص فإن قلت لعلهم أرادوا أن مفهوم المفسر يجب أن يكون نفس مفهوم
المفسر والفعل مع الكتابة ليس كذلك قلت لا يمكن حمل كلامهم على هذا لما
تقرر في المعلوم والمعقول أن المفسر يجب أن يكون أوضح من المفسر في المفهوم
وإما امتناع التفسير عدم قبول الطبع في المذكور على تقديم الاستبدال
فالمتبادر والذهن إلى أن التفسير للمفعول لا للفعل وهم قد قصدوا أنه للفعل
لا للمفعول في نحو: {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك} الوحي لغةً هو الكلام
الخفي المسموع ويجيء بمعنى الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام وفي اصطلاح
أهل الشرع هو كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه الفاء فاء جواب شرط
محذوف ويحتمل للعطف وأوحى فعل فأفعله نا وإليه متعلق به والضمير المجرور
عائد إلى نوح ومفعوله مقدر تفسيره أن اصنع الفلك اصنع فعل أمر فاعله مستتر
فيه وهو أنت خطاب لنوح عليه الصلاة والسلام والفلك مفعوله والمجموع جملة
مفسرة لا محل لها من الإعراب على ما عرفت والظاهر أن الإيجاب متعلق بها
ههنا تعلق مفعولية فتكون منصوبة المحل ثم لما فرغ عن بيان مطلق دعوى
التفسير أراد أن يقدرها زيادة تقدير ليكون أثبت في الأذهان وأوقع في القلوب
وأن يشرع في بيان ضبط قانون على ما هو دأبه يحسن يشير إلى شروط التفسير
لتحصل الفرق بينهما وبين أي التفسرية غير من ينتبه بالرموز وإشارات فقال
وكذا أي كما كانت مفسرة ههنا يكون مفسرة أيضاً حيث وقعت أي أن هذا إشارة
إلى الشرط الأول لكنه ترك الإشارة إلى الشرط الثاني معلوم فيها أي في
الجملة المقدمة معنى القول هذا يشير إلى الشرط الثالث قوله دون حروفه أي
حروف القول في أية مادة كانت إشارة إلى الشرط الخامس وهو دال الرابع كما أن
قوله ولم يقترن أي أن أي جارة إشارة إلى الشرط الخامس وهو دال عن فاعله
وقعت ويجوز أن يكون معطوفاً على جملة وقعت وهي مجرورة المحل لإضافة بعض
الشروط مع الإشارة إلى رد قوله من فعل عن اعتبار الشرط بقوله فليس الفاء
فاء جواب شرط محذوف وليس فعل من الأفعال الناقصة أي من قبيل أن المفسرة
خبره تقدم على اسمه أن في قوله تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب
العالمين} أي وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح أن يقول الحمد لله رب العالمين
فإن قلت ما المقصود من آخر دعائهم مع أن أقوال أهل الجنة وأحوالهم لا آخر
لها فإن الجنة دار البقاء والخلود قلت قال المفسرون معنى خاتمة تسبيحهم في
كل مجلس أن يقول الحمد لله رب العالمين فإن أهل الجنة يسبحون الله تنعماً
وتلذذاً بلا تكلف عليهم الواو للعطف وآخر مبتدأ مضاف إلى دعوى وهو مضاف إلى
هم وهو عائد إلى أهل الجنة وأن مخففة من الثقيلة فلا يكون استعمالها ههنا
من الوجه الثالث بل من الوجه الرابع وهي عاملة في ضمير الشأن المقدر أصله
أنه خففت أن وحذف ضمير الشأن كما في قوله:
أن هالك كل من يخفى وينتقل
الحمد مبتدأ خبره رب العالمين صفة
والمجموع خبر ضمير الشأن وضمير الشأن مع خبره جملة اسمية مرفوعة المحل على
أنها خبر المبتدأ أو المجموع وقع ههنا اسم لليس على سبيل المسامحة وفي
التحقيق أن كما أو ملقا إليه قوله بأن المتقدم عليها ههنا تعليل السلب غير
جملة وهو آخر دعائهم فلو كانت تفسيرية ههنا لوجب أن يتقدم عليها جملة لكنها
ما تقدمت عليها فلا يكون تفسيرية ههنا وإنما لم يقل مفرد بدل قوله غير
جملة مع أنه أخصر وأوضح لزيادة التنبيه على الشرط الأول فإن قلت لم لم يقل
لانتفاء الشرط بدل قوله لأن المتقدم عليها غير جملة مع أنه أظهر وأنسب
للسلب قلت للتنبيه على أنها لا تصح للتفسير ههنا أصلاً فلا يكون أبلغ في
الرد وللعطف لا أي وليس ههنا أن في نحو قولك كتبت إليه بأن افعل لدخول
الخافض عليها وهو الباء فتكون مصدرية وما وقع ههنا في بعض النسخ من لفظة
عليه موقع إليه فليس بلازم لما نحن بصدده فتأمل للعطف أيضاً وللاعتراض فإن
قلت كيف ينتظم معنى العطف ههنا قلت ينتظم إذا نظر إلى مآل المعنى فكأنه قيل
أنها ليست للتفسير لما ذكر لقيام مانع ولا في قوله تعالى: {ما قلت لهم}
الآية فإن قلت لم غير أسلوب الكلام قلت لأنه ذكر ههنا قولاً لا يتعلق بشرط
ولا بفائدة وهو قوله أنه لا يصح أن يكون: اعبدوا الله ربي وربكم} مقولاً
لله تعالى فإن قلت لم لم يحملها على ابتداء الكلام تفسير عن هذا الحمل قلتُ
لوجوب رعاية الأصل مهما أمكن قول بعض العلماء في توجيه أن في قوله تعالى:
{إلا ما أمرتني به أن اعبد الله ربي وربكم}. ما نافية وقلت فعل وفاعل ولهم
متعلق به والضمير المجرور المتصل فيه عائد إلى الناس والأحرف استثناء وما
اسم موصول وأمر فعل فاعله متصل به كما أن مفعوله كذلك وبه متعلق به والضمير
فيه عائد إلى الموصول والفعل مع معموله وقع صلة والموصول مع صلته أو
الموصول وحده وقع مستثنى مفرعاً منصوب المحل على أنه مقول لقول عيسى عليه
الصلاة والسلام وأن حرف تفسير واعبدوا فعل فاعله الواو والله منصوب على
المفعولية وربي صفته وربكم معطوف على ربي والفعل مع معموله جملة فعلية وقعت
مفسرة لمقول قلت أن أول بأمرت ويجوز أن يكون حرفاً مصدرياً موصولاً بفعل
الأمر فالموصول مع صلته يكون في قوة المصدر فيكون مجرور المحل على أنه عطف
بيان للهاء في به هذا إذا نظر إلى الضمير المجرور وحده أما إذا نظر إلى محل
الجار مع المجرور فيكون الموصول مع صلته منصوب المحل على المفعولية أنها
أي أن المذكورة في قوله تعالى: {أن اعبدوا الله} مفسرة لما قبلها أن حرف من
الحروف المشبهة بالفعل مكسورة الهمزة لوقوعه بعد القول اسمه الضمير
المنصوب المتصل به خبره مفسرة والمجموع جملة اسمية منصوبة المحل على أنها
مقولة لقول بعض العلماء أن حمل أي قول بعض العلماء على أنها أي أن المذكورة
فيه مفسرة لأمر حتى يكون بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه فإن قلت هذا
يدل على أنها مفسرة لفعل الأمر وقد ذكرت فيما سبق أنها مفسرة للمفعول فما
وجه الجمع بينهما قلت وجهه أنها مفسرة لأمرتني باعتبار متعلقه فإنه قول
يقتضي مقولاً فيكون قوله: {أن اعبدوا الله ربي وربكم} مفسراً له فإن قلت
فهلا يجوز أن تكون مفسر القول أيضاً قلت لا لامتناع صدقه عليه والمفسر يجب
أن يصدق على المفسر اللهم إلا على قولين قال إن مقول القول مفعول مطلق أو
على تقدير مضاف فيه قوله دون قلت متعلق بمفسره منع فعل ماض على صيغة
المعلوم مفعوله محذوف وهو الحامل بدلالته معنى الكلام منه رأي من حمل على
التفسير فمن قال في بيان هذا أي من الذهاب إليه فما أعطى الكلام حقه وإن
كان صحيحاً بحسب الميل إلى حال معناه وأمَّا من قال ههنا أي من أن يكون
مفسَّرة له فقد عن سميت الصواب أنه أي الشأن لا يصح أي يستحيل أن يكون أن
اعبدوا الله ربي وربكم هذا أن اعبدوا الله ربي وربكم مرفوع المحل على سبيل
الحكاية وقع اسم يكون خبره مقولاً لله تعالى أي تقدس عنه لا شك أن في
استعمال هذا اللفظ ههنا ما فيه من الفخامة بحسب نفسه وبحسب وقوعه في مقام
التنزيه ويكون مع اسمه وغيره في تأويل المصدر لسبب أن مرفوع المحل لا يصح
على أنه فاعل والفعل مع فاعله جملة فعلية خبره عن ضمير الشأن والمجموع من
مرفوع المحل على أنه فاعل منع قبل منع الحامل على التفسير عدم صحته هذا فما
وقع ههنا في بعض النسخ من لام التعليل الداخلة على أن هكذا لأنه لا يصح
إلى آخره فليس له معنى وإلا أن يقرأ مُنِعَ بصيغة مجهول ومُنِعَ مع معموله
جملة فعلية وقعت جواباً لشرط والشرط مع جوابه جملة شرطية مرفوعة المحل على
أنها وقعت خبر المبتدأ وهو قول بعض العلماء أو للعطف على سبيل الانفصال
الحقيقي أو أن حمل قول ذلك البعض على أنها أن المذكورة فيه مفسرة لقلت دون
أمرتني فحروف القول إنما قال حروف القول ولم يقل صريح القول إشارة إلى أن
الاعتبار بحروف القول في أي مادة كانت لخصوصَّية نفس قول من الأقوال كقلت
مثلاً يأباه أي لمنع حروف القول الحمل على التفسير له لانتفاء شرط التفسير
وهو أن لا يكون في جملة متقدمة حروف القول تابعاً مع معموله وقع خبر
المبتدأ وهو حروف القول والمبتدأ مع خبره جملة اسمية وقعت جواباً لشرط مقدر
كما أشرنا إليه فلأجل ذلك جيئت بالفاء والشرط مع جوابه جملة شرطية مرفوعة
المحل لكونها معطوفة على الشرطية الأولى فحاصل الكلام أن بعض العلماء قال
مفسرة والمصنف يريد إبطال ذلك القول بالسير والتقسيم فكأنه قال لو كانت
مفسرة فهي إمَّا مفسرة لأمرتني وحده أو مفسرة لقلت وحده إذ لا يتصور أن
يكون مفسرة لمجموعهما ولا يتصور وجود مفسر بدون وجود مفسر فقد بطل أن يكون
مفسرةً فكل واحد منهما لما عرفت فيكون القول بالتفسيرية ههنا باطلاً قلتُ
لعل بعض العلماء أرادوا من كونها مفسرة ههنا أنها مفسرة لقلت: إذا كان
مؤولاً بأمرت فتوجد في الجملة المتقدمة معنى القول دون حروفه من حيث
التأويل فظهر أن تكون مفسرة له بهذا الاعتبار فلأجل هذا ما صرح ببطلان
قولهم بل ربما أشار إلى إصلاحه بقوله وجوزه الزمخشري أي جزم بعض العلماء
ههنا بأنها مفسرة وجوز الزمخشري في تفسير هذا القول كونها مفسرة لقلت بشرط
أن أول قلت بأمرت أي حال كونها مؤولاً بأمرت أي حال كونه مؤولاً بأمرت كأنه
قيل ما أمرتهم إلا بما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم وهذا معنى حسن
فإن قلت لم ذكرت القول وأراد الأمر ولم يأت بالأمر نصًا على المقصود قلتُ:
لأجل السلوك إلى طريق حسن الأدب حيث لم يجعل نفسه وربه معًا أمرين فمن هذا
علم أن تأويل القول بالأمر لا يكون مطردًا في كل موضع فإن دفع قولهم استعاد
هذا التأول في هذا الموضع وإذا لم يؤول به فلا يجوز أن يكون تفسيرًا له
كما لا يجوز أن يكون تفسيرًا لأمرتني. هذا وقد عرفت أن التفسير في التحقيق
راجع إلى معقول مقدر للمفعول لا إلى الفعل نفسه فيجوز أن تكون مفسرة بعد
صريح القول بهذا الاعتبار فلهذا جوز ابن عصفور أن تكون مفسرة بعد صريح
القول الحاصل أن من أمعن النظر ههنا فقد جوز أن تكون مفسرة بعد صريح القول
بدون تأويل ومن أمعن النظر على ظاهر اللفظ فلا يجوزه إلا بالتأويل لامتناع
تفسير الصريح لإفضائه إلى تحصيل الحاصل فكل منهما له اعتبار لكن الأول أدق
كما أن الثاني أظهر وأنسب لمباحث ألفاظ وجوز أي الزمخشري أيضًا مصدريتها
كونها حرفًا مصدريًا موصولاً بفعل الأمر فإن قلت أيهما أرجح قلتُ التفسير
أرجح قوله: على أن المصدر بيان للهاء منصوب المحل على الحالية من الضمير
المجرور في مصدريتها أي كامنة على أن المصدر الحاصل من أن ومدخولها عطف
بيان للهاء في به لكن ضمير الغائب له إبهام فاقتضى البيان كما اقتضى
التمييز في قولك ربه رجلاً ونعم رجلاً زيد فإن قلت هل يجوز أن يكون عطف
بيان لما في أمرتني به أيضًا قلتُ: لا شك في الجواز ولكن لا نقول به لقربه
من الهاء لفظًا ومعنى فإن قلت قد حصل البيان فيهما سواء كانت مفسرة أو
مصدرية فما الفرق بينهما قلتُ بينهما لفظي ومعنوي أما اللفظي فلأن
التفسيرية يكون ما بعدها كلامًا تامًا غير واقع في محل مفرد فلا يكون له
محل من الإعراب على ما عرفت والمصدرية يكون ما بعدها ليس بكلام تام فيكون
في قوة المصدر فيكون له محل منهُ وأيضًا قد قصد في التفسيرية بيان النظم
قصدًا وبيان المعنى ضمنًا وفي المصدرية بالعكس وأما المعنوي فلأنها تفسر
مضمون الكلام السابق والمصدرية تبين معنى المفرد وأيضًا قد تعلق الفعل بما
بعد المصدرية معنى ولم يتعلق بما بعد التفسرية لا للعطف بدل معطوف على بيان
أي لا يجوز أن يكون بدلاً من ما في ما أمرتني به ولا من الهاء في به أما
الأول فلأن البدل هو الذي يقوم مقام المبدل منه فلا يصح أن يقوم مقامه ههنا
أولاً يقال: {ما قلت لهم إلا أن أعبدوا الله} بمعنى ما قلت إلا عبادته لأن
فعل العبادة مما لا يتعلق القول به لأنه فعل غير منطوق ويتعلق القول كلام
منطوق ألا ترى أنك لو قلت قلت كلامًا وجدته مقبولاً في الطبع بخلاف ما لو
قلت قلت فعلاً فإن قلت فيكن القول مؤولاً بالأمر فيتعدى إلى الفعل تعديته
كما يقال أمرت زيدًا بالخدمة قلتُ القول ههنا ظاهر في معناه فلا حاجة إلى
التأويل لأنه خلاف الأصل لا يعدل إليه مع استقامة المعنى على إنا نقول
الأمر لا يتعدى بنفسه إلى المأمور به إلا قليلاً فكذا ما أول به بل هو أولى
وأما الثاني فلأنك لو قلت أن أعبدوا الله مقام الهاء فقلت ما قلت لهم إلا
ما أمرتني بأن أعبدوا الله لم يصح لبقاء الصلة بلا عائد إلى الموصول ثم لما
كان ما ذكره الزمخشري ههنا باطلاً في زعم المصنف أراد الإرشاد إلى الصواب
فقال والصواب على العكس معنى أن الصواب ثابت على عكس ما ذكره الزمخشري أي
لا يجوز عطف بيان للهاء ويجوز أن يكون بدلاً منه أما الأول فلأن عطف البيان
في الجوامد بمنزلة النعت في المشتقات فكما أن الضمير لا ينعت كذلك لا يعطف
عليه عطف بيان نص على ذلك بعض النحاة والجواب أن ضمير الغائب له نوع إبهام
بلا شك خصوصًا في هذا الموضع أن الضمير يكون مميزًا نحو قولك نعم رجلاً
زيد. فكذا يكون معطوفًا عليه عطف بيان ههنا على أنه قد حكى عن بعض النحاة
أنه يكون منعوتًا وأما الثاني فلأن المراد من قولهم البدل في حكم تنحية
الأول هو الإشعار بأن البدل مستقل بنفسه بخلاف التأكيد والصفة لأن المقصود
منه إطراح الأول وإهداره فلا ينتفي الصلة بلا عائد كيف والعائد متحقق ههنا
في الجملة ألا ترى أن قولك زيد لقيت غلامه رجلاً صالحًا. كلام صحيح النظم
والمعنى مع أنك لو أهدرت الأول لم يصح لخلوه عن الراجع إلى المبتدأ والجواب
عنه أيضًا أن عطف البيان ههنا أظهر فكذا حكم بأن البدل لا يجوز عملاً
بالراجح على أنه لو كان بدلاً لكان العبادة مأمورًا بها لكون البدل مقصودًا
بالنسبة لكن كون عيسى مأمورًا بعبادة الناس ليس بظاهر من النظم ههنا بخلاف
عطف البيان فإن الغرض منه مجرد التوضيح ولا يجوز أن يبدل أي لا يجوز أن
يبدل الفعل مع معموله المؤول معناه بمعنى المصدر، أعني قوله: {أن أعبدوا
الله ربي وربكم} إلا إذا أوّلَ قلت بأمرت كما مر من ما في: ما أمرتني به}
لأن المصدرية جعلت ما بعدها في معنى المصدر فتكون بمعنى العبادة؛ والعبادة
لا يعمل فيها فإن قلت يعمل يتعدى بنفسه إلى معموله فلم أدخل في عليه وجعله
مفعولاً فيه قلتُ للزمن إلى أن المقول كما يتعلق به أصلاً من حيث أنه مفعول
به وأن يتعلق به على وجه الظرفية من جهة اعتبار السلب فعل القول إضافة
الفعل إلى القول إضافة بيانية للإشعار بأن الفعل إذا كان غير قول يعمل فيها
نحو أخلص العبادة عن السمعة والرياء وعبر عن قلت بالقول ليعم كل مادة حروف
القول فما وقع ههنا في بعض النسخ من قوله وهو قلت بعد قوله فعل القول فهو
مناقض لفائدة تغيير العبادة وإن كان لا يخلو عن رعاية حق خصوصية الكلام فإن
قلت فلم لم يقل القول بدل قوله فعل القول مع أنه أخصر وأظهر قلتُ للإشارة
إلى أن سلب العمل من جانب الفعل أولى من سلبه من جانب القول فإن سلب العمل
عن الفعل يستلزم سلب العمل عن القول. استلزم الأخص للأعم لاسيما أن القول
كثير يستعمل بمعنى القول وأما سبب عدم عمل فعل القول فيها فقد علم فيما سبق
فلا يعيده فإن قلت فكم معنى صحيح باعتبار النفي ولم يصح باعتبار الإثبات
نحو ما زيد ضربًا فلم لا يجوز أن يتعلق بها فعل القول لدخول حرف النفي عليه
قلتُ لأن الاستثناء بعد النفي يدل على الإثبات ولو بإشارة فلم يصح أن يعمل
فيها لامتناع تعلقه بها إذ لا يصح أن تقول قلتُ فعلاً وعبادةً كما يصح
قلتُ لفظًا وكلامًا ثم لما كان الإلهام إلقاء معنى في الروع بطريق الفيض
فمن نظر إلى الإلقاء من حيث أنه يفيد معنى كاللفظ وأنه يتضمن الحديث في قلت
الملقى إليه حكم بأنها يجوز أن يكون مفسرة بعده، ومن نظر إلى نفس الإلقاء
وهو ليس بمعنى القول لأنه لا يصدق عليه ومعنى القول يصدق عليه القول في
الجملة كما تقول الأمر قول حكم بأنها تتبع أن يكون مفسرة بعده والحق هو
الأول واختاره المصنف أشار إليه ولا بقوله ولا ينبغ أي لا يجوز فإن قلت فلم
عبر عن الجواز بسلب الامتناع قلتُ ليكون مضافي الرد على المخالف فإن قلت
الواو ههنا لأي شيء قلتُ للعطف على مقدر من حيث المعنى كأنه قيل يمتنع
القول بامتناع التفسير بعد الإلهام ولا يمتنع القول بالتفسير بعده وأما إذا
جعل للابتداء أو للاعتراض فهو خال عن رعاية الانتظام ظاهر الكلام وإن كان
عالمًا عن تكلف هذا التقدير في قوله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل} أي
ألهمها وقذف في قلوبها الواو للعطف وأوحى فعل فاعله ربك وإلى النحل متعلق
به والنحل كالنخل يذكر حملاً على اللفظ ويؤنث حملاً على المعنى فلذا أُنث
الفعل في {أن اتخذي من الجبال بيوتًا} أن مفسرةً لوقوعها بعد فعل فيه معنى
القول وهو التاء أوحى واتخذ فعل أمر من باب الانفصال فاعله الضمير المرفوع
المتصل به وقيل فاعله مستتر فيه والتاء علامة الخطاب ومن الجبال متعلق به
ومن فيه للتبعيض لأنها لا تبنى في كل جبل بل في بعضها وبيوتًا مفعوله وإنما
يسمى تاء تنبيه لفعل فيه بيتًا تشبيهًا ببيت الإنسان فيه من حسن الصنعة
وصحة القسمة التي لا يقوى عليها حوافل المهندسين إلا بآلات وأنظار دقيقة أن
تكون مفسرةً لما قبلها لتحقق شرط التفسير فيه أن مصدرية نافية ويكون فعل
من الأفعال الناقصة منصوب بها. اسمه مستتر فيه وهو هي عائد إلى أن المفسرة
المذكورة في قوله: {أن اتخذي} وخبرة مفسرة والمجموع في قوة والمصدر مرفوع
المحل على أنه فاعل لا يمتنع فإن قلت فلم قدم المفعول فيه عليه وأخر الفاعل
عنه قلتُ لكونه نصب العين وورد اللسان لوقوع النزاع فيه هل هي مفسرة فيه
أو لا ولمقارنته لقوله مثلها لكونه أصلاً له وسنده أي جاز أن تكون مفسرة
فيه كما جاز أن تكون مفسرة في قوله تعالى: {فأوحينا إليه صنع الفلك} قد مر
بيان هذا القول فإن قلت أنها قد ذكرت في كلام بعد الإيحاء فلم جعل جواز
التفسير الثاني أصلاً للأول قلتُ لأن الإيحاء في الثاني فيه معنى القول
اتفاقًا بخلاف الإيحاء في الأول فيكون من قبيل رد المختلف فيه إلى المتفق
عليه بشهادة فحوى الكلام لقيام المقتضى فيهما خلافًا لمن منع وهو أبو عبد
الله الرازي ذلك أي كونها مفسرة فيه أي في قوله: {وأوحى ربك إلى النحل} وهو
إلهام اتفاقًا وليس أن اتخذي قال الزمخشري وغيره أنها مفسرة فيه لأن
الإيحاء فيه معنى القول وقال الرازي لا نسلم أنها مفسرة فكيف وقد انتفى شرط
التفسير فإن المراد من الإيحاء في قوله: {وأوحى ربك إلى النحل} هو الإلهام
اتفاقًا وليس فيه معنى القول ثم إذا امتنع القول بالتفسير عنده ههنا قال
إنها مصدرية كأنه قيل أوحى ربك باتخاذ بعض الجبال بيوتًا ثم أشار المصنف
إلى الرد عليه بطريق الاستدلال على سلب الامتناع بقوله لأن الإلهام في معنى
القول من حيث الدلالة على المعنى فكذا ما يقع التفسير بعد الكناية
والرسالة والإشارة فإن قلت فهل يكون قوله لأن الإلهام في معنى القول ردًا
عليه وقد قال الرازي الإلهام ليس فيه معنى القول قلتُ نعم من حيث التأمل في
الإلهام وشأنه كما أشرنا إليه فلذا قال لأن الإلهام في معنى القول ولم يقل
لأن الإلهام فيه معنى القول ولم يقل أيضًا الإلهام معنى القول هذا ثم إن
الزمخشري قد جوز مرادًا في أمثال هذا أن يكون للتفسير والمصدرية فالباقي
ههنا بيان التفسيرية ترجيحًا لها على المصدرية نظرًا إلى غرض التفخيم
والتفصيل بعد الإجمال كما يدل عليه سوق الكلام فلهذا لم يتعرض أصلاً لبيان
التفسيرية ولا لبيان المصدرية في قوله تعالى: {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك}
وإن لم يقع المصدرية ههنا من حين النظر إلى مجرد معنى الكلام فإذن لا نزاع
بينهما في التحقيق كما ترى غاية ما في الباب أن نظر الرازي ههنا مقصور على
مجرد معنى القول ثم يصل إلى درك عرضه فعلم من هذا أن قول البيضاوي ههنا
بعد اختيار المصدرية ويجوز أن يكون مفسرة لأن في الإيحاء معنى القول ليس
على ما ينبغي ثم إن الفعل المضارع المقرون بلا إذ أولى أن الصالحة
للتفسيرية نحو أشرت إليه لا يفعل جاز رفع ذلك الفعل على أنها نافية كما جاز
جزمه على أنها نافية فتكون مفسرة على كل تقدير وجاز نصبه أيضًا على أنها
نافية فتكون حينئذ مصدرية لا غير وأما فأولى الفعل المضارع إليها بدون لا
جاز رفعه ونصبه لا غير والوجه الرابع أن تكون مخففة من الثقيلة تنصب الاسم
وترفع الخبر كما كانت قبل لكن التحقيق اسمها ضمير الشأن مقدور لا يثبت إلا
في ضرورة الشعر نحو:
فلولا أنك في يوم الرخا سألتني * طلاقك لم أبخل وأنت صديق
لما حكى عن بعض المغاربة من جواز إظهار
عملها مخففة في الاسم الظاهر على ضعف نحو علمت أن زيدًا قائم ومن جواز
إظهار عملها مخففة فيه بلا ضعف فليس بأصل ملتفت إليه يعرج إليه فتقع بعد
فعل النفي أو ما نزل منزلته فشاهد الأول نحو: {علم أن سيكون منكم مرضى} علم
فعل فاعل مستتر فيه عائد إلى الله. وأن مخففة من الثقيلة أصلها أن وضمير
الشأن المقدر اسمها والسين للفصل بينهما وبين الفعل وليكون عوضًا عن
المحذوف وجبرًا للنقصان اللاحق لها ويكون فعل من الأفعال الناقصة. ومنكم
خبره. ومرضى اسمه والفعل مع معموله وقع خبرًا لأن وأن مع معمولها تسد مسد
معمولي علم وشاهد الثاني في نحو: {حسبوا أن لا تكون فتنة} أي بنو إسرائيل
أنهم لا يصيبهم من الله بلاء وعذاب في الدنيا والآخرة حسب فعل من الحسبان
ونزل منزلة اليقين فإن الظن والحسبان إذا قويا التحقا باليقين وههنا كذلك
فكذا وقع بعد أن التي للتحقيق فاعله. الواو وأن مخففة من الثقيلة أصلها أنه
لا يكون فتنة خففت وحذف ضمير الشأن واسمها ضمير الشأن المقدر ولا حرف نفي
جيء به لما عرفتَ آنفًا وتجيء قد بعدها للتعويض المذكور أيضًا نحو: {ليعلم
أن قد أبلغوا رسالات} وتكون فعل تام وفتنة فاعله وهو مع معموله مرفوع المحل
وقع خبر أن وهو مع معموله قائم مقام معمولي حسب وإنما قيدها بقوله في قوة
الرفع أي رفع يكون ليكون نصبًا على ما ادعاه وأما على قراءة النصب فلا يكون
ما نحن بصدده بل تكون ناصبة فتكون الجملة أيضًا منصوبة المحل أنها تسد مسد
مفعولي حسب فهو منفي على معناه من غير احتياج إلى التنزيل فإن قلت أيهما
أظهر في التعيين عليهم قلتُ قراءة النصب أظهر في بادئ الرأي وأما قراءة
الرفع فأشد توبيخًا عليهم حيث تمكن الظن الفاسد في قلوبهم العمى ممكن يقين
ولما فرغ من بيان المطلوب أراد أن يوضحه غاية الإيضاح ويسلك في ذلك طريق
التعميم والتفصيل فأشار إليه بقوله وكذا أي وكلما كانت مخففة من الثقيلة في
هذين القولين تكون مخففة منها أيضًا حيث وقعت أي أن المخففة بعد علم أي
بعد لفظ دال على اليقين نحو علمت أن سوف يقوم زيد أو بعد ظن أي بعد لفظ دال
عليه قوله نزل منزلة العلم صفة ظن نحو ظننت أن سيوجد الصديق فإن قلت
التنزيل لا يخرج الشيء عن حقيقته في التحقيق فلهذا استعمل ههنا أو في قوله
أو بعد ظن فمن أين يحصل التلازم ويدفع التنافر بينهما قلتُ من حيث النظر
إلى نفس التنزيل وأما إذا لم ينزل منزلته فلا تقع المخففة بعده فإنها تدل
على تحقق ما بعدها بخلاف الظن وتقع أيضًا بدونهما نحو: {وآخر دعواهم أن
الحمد لله رب العالمين}.
الرابعة من تلك الكلمات من فالوجه الأول لها أن تكون شرطية كأن فتعمل عملها في نحو: {من يعمل سوءًا يجز
به} وأجلاً من اسم موضوع لأولي العلم متضمن لمعنى إن الشرطية فلذا جزم
الفعلين ويعمل فعل شرط مجزوم به فاعله مستتر فيه عائد إلى مَنْ وسوءًا
مفعوله ويجز جزاء الشرط فعل مجهول والضمير المستتر فيه قائم مقام فاعله
عائد إلى من أيضًا أصله يجزى حذف الألف لأجل علامة الجزم وبه متعلق بيجز
والهاء فيه عائد إلى سوءًا وهو من والوجه الثاني أن تكون موصولة نحو: {ومن
الناس من يقول} الواو للعطف ومن للتبعيض والناس مجرور بها ومن اسم موصول
صلته يقول مبتدأ خبره من الناس فقول من قال من الناس مبتدأ بحسب المعنى
ويقول خبره كأنه قيل وبعض الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر لا يخلو
عن ارتكاب خلاف الظاهر وقال الزمخشري إن قدرت لام للتعريف للعهد في الناس
فهي موصولة وإن قدرتها للجنس فهي موصوفة والوجه الثالث استفهامية أي أن
تستعمل للاستفهام في نحو: {من بعثنا من مرقدنا} من اسم متضمن لمعنى حرف
الاستفهام مبتدأ وبعث فعل فاعله مستتر فيه عائد إلى مَنْ ونا مفعوله ومن
مرقدنا متعلق به والجملة خبر المبتدأ والوجه الرابع لها أن تستعمل نكرة
موصوفة فلذا صح دخول رب عليها نحو:
رب من اتصحت غيضًا صدره
في نحو مررت بمن يعجب من مجرورة بالباء
متعلق بالمرور موصوف ويعجب صفته ولكن متعلق بيعجب ولا يخفى عليك أن في
خصوصية هذا المثال لطافة الرمز إلى أن لصفة الإعجاب مناسبة مع النكرة وليست
لها مع المعرفة فإذا قلت: من يكرمني أُكرمه فمن فيه يحتمل استعمالها وجوها
أربعة فإن قدرتَها شرطية جزمت الفعلين وإن قدرتها موصولة أو موصوفة رفعت
الفعلين وإن قدرتها بغير فاء فمن على جميع التقادير مبتدأ فخبره
الاستفهامية الجملة الأولى وخبر الموصولة والموصوفة الجملة الثانية وخبر
الشرطية الجملتان والجملة الثانية على خلاف في ذلك وإذا قلت من رآني أكرمته
بحسب ما عدا الاستفهامية وقد يقع موصوفة بمعرفة إذا كانت موصولة نحو قام
من في الدار العاقل لكن المصنف لم يلتفت إليه لقلة استعمالها في كلام العرب
ولكونه من الوجوه المتركبة وهو ليس بصددها بل هو متصد لبيان الوجوه
البسيطة فقط.
ثم لما فرغ من بيان وجوهها الراجحة
المنحصرة في الأربعة أشار إلى بيان وجهها المرجوح عنده بقوله وأجاز أي
جمهور النحاة لم يجوزوا أن يكون لها وجه غير الوجوه الأربعة وأجاز أبو علي
الفارسي بما وراء تلك الوجوه أن تقع أي تكون فما وقع ههنا من أن يكون بدل
أن يقع فهو أبين نكرة منصوبة على أنها خبر يقع لكونه بمعنى تكون تامة صفتها
والمراد من التام ههنا ما لا يحتاج إلى صلة ولا صفة فيكون الوجوه لها خمسة
عنده وحمل أي الفارسي عليه أي على كونها نكرة تامة قوله أي قول الشاعر فإن
قلت فلو لم تقل استدل عليه بقول الشاعر كما هو الظاهر المناسب قلتُ لعدم
استلزامه لما ادعاه لقيام احتمال الغير فيه وإن كان بعيدًا ونعم من هو في
سر وإعلان والواو للعطف ونعم فعل من أفعال المدح فاعله مستتر فيه ومن نكرة
تامة مميزة لذلك المستتر لتقرر الإبهام فيه؛ فكذا فسر بقوله أي ونعم شخصًا
وهو مخصوص بالمدح وأما عند الجمهور فمن اسم موصول فاعل النعم فيكون
استعمالها ههنا من قبيل الوجه الثاني وهو مبتدأ خبره محذوف أي نعم هو فإن
قلت هل المحذوف يحتاج ههنا في الإفادة إلى تأويل كما في قول أبي النجم أن
أبو النجم وشعرى وشعرى قلتُ لا كما في قولك زيد شجاع فمن سمعته يقاوم الأسد
فهو هو بدل على ذلك تعلق ظرف به لتحقق معنى الفعل فيه أي ونعم من هو ثابت
في حالتي سر وعلانية ثم بعد ذلك لا بد من القول بمحذوف آخر على رأي الجمهور
ليكون مخصوصًا بالمدح فإن قلت أي القولين أظهر ههنا قلتُ قول الفارسي أظهر
فلهذا رجحه بعد المصنف فإن قلت فلم لم يعده وجهًا خامسًا قلتُ لعدم
التفاته إليه بعد اشتهار استعمالها على هذا الوجه وأما التمسك بقول الشاعر
فباب الطعن مفتوح فيه فإن قلت شرط التمييز في باب نعم أن يكون المميز
صالحًا لدخول الألف واللام فمن ليس كذلك فلا يصح قوله فيه فضلاً أن يكون
أظهر قلتُ الفارسي لا يسلم هذا الشرط يدل عليه قوله تعالى: {فنعما هي} ولو
سلم فله أن يقول أنه يصلح لهما بمرافة وإن لم يصلح لهما فنفسه فلهذا لو قيل
في تفسيره ونعم شخصًا أو إنسانًا استقام المعنى وأما قول الكسائي أنها
تكون زائدة كما في قوله: (كفى بنا فضلاً على من غيرنا) على رواية خفض غيرنا
فلم يلتفت إليه أيضًا أما على رواية الخفض فلأنها موصوفة وغير صفتها وأما
على رواية الرفع فلأنها تحتمل أن تكون موصولة أو موصوفة كأنه قيل من هو
غيرنا فالجملة إما صلة أو صفة.
موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للشيخ: خالد بن عبد الله الأزهري
قال زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري (ت: 905هـ): (النوع الرابع: ما جاء من الكلمات على أربعة أوجه
وهن أربع: إن هو مستوليا على أحد = إلا على أضعف المجانين فما إن طبن جبن ولكن = منايانا ودولة آخرينا ونعم من هو في سر وإعلان
إحداها:
(لولا: فيقال فيها تارة حرف يقتضي امتناع جوابه لوجود شرطه وتختص بالجملة
الاسمية المحذوفة الخبر) وجوبا (غالبا)، وذلك إذا كان الخبر كونا مطلقا
(نحو: لولا زيد) أي: موجود (لأكرمتك) امتنع الإكرام الذي هو الجواب لوجود
زيد الذي هو الشرط. (ومنه) أي: ومن دخولها على الجملة الاسمية المحذوفة
الخبر: (لولاي لكان كذا، أي لولا أنا موجود) فأقام الموصول المتصل مقام
المنفصل وحذف الخبر لكونه كونا مطلقا، هذا مذهب الأخفش، وذهب سيبويه إلى أن
(لولا) جارة للضمير كما تقدم. ومن غير الغالب لولا زيد سالمنا ما سلم.
ويقال فيها تارة (حرف
تحضيض) بمهملة فمعجمتين، وتارة حرف (عرض)، بسكون الراء، (أي: طلب بإزعاج)
في التحضيض، أو طلب برفق في العرض على الترتيب، فتختص فيهما بالجملة
الفعلية المبدوءة (بالمضارع أو ما في تأويله). فالتحضيض نحو: {لولا تستغفرون الله} أي: استغفروه ولا بد. ونحو: {لولا أنزل إليه ملك} فأنزل مؤول بالمضارع أي: ينزل.
والعرض نحو: (لولا تنزل عندنا فتصيب خيرا) ونحو: {لولا أخرتني إلى أجل قريب} فأخرتني مؤول بالمضارع أي: تؤخرني.
ويقال فيها تارة (حرف توبيخ)، مصدر وبخه أي عيره بفعله القبيح، (فتختص) بالجملة الفعلية المبدوءة (بالماضي نحو: {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة} أي: فهلا نصرهم.
قيل: (وتكون لولا حرف استفهام) مختص بالماضي نحو: {لولا أخرتني إلى أجل قريب}، {لولا أنزل عليه ملك}
قاله أحمد أبو عبيدة الهروي، والمعنى: هل أخرتني، وهل أنزل، (والظاهر
أنها)، أي: لولا، (في) الآية (الأولى) وهي: {لولا أخرتني} (للعرض) كما
تقدم. (وفي الآية الثانية) وهي {لولا أنزل عليه ملك} للتحضيض أي: هلا أنزل.
(وزاد الهروي) معنى آخر، (وهو أن تكون لولا نافية بمنزلة (لم) وجعل منه) أي: من المنفي {فلولا كانت قرية آمنت}
أي (لم تكن قرية آمنت) وهذا بعيد. (والظاهر أن المراد) بلولا هنا التوبيخ،
والمعنى (فهلا وهو قول الأخفش والكسائي والفراء ويؤيده أن في حرف أبي بن
كعب وحرف عبد الله بن مسعود، أي: قراءتهما، (فهلا، ويلزم من ذلك) المعنى
الذي ذكرناه، وهو التوبيخ، (معنى النفي الذي ذكره الهروي، لأن اقتران
التوبيخ بالفعل الماضي يشعر بانتفاء وقوعه).
الكلمة الثانية
مما جاء على أربعة أوجه (إن) المكسورة الهمزة، الخفيفة النون، فيقال فيها:
(شرطية) ومعناها تعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى كالتي في
نحو: {إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله}. فحصول مضمون العلم معلق بحصول مضمون ما يخفونه أو يبدونه
وإن الشرطية (حكمها)
بالنسبة إلى العمل (أن تجزم فعلين) مضارعين أو ماضيين أو (مختلفين). ويسمى
الأول منهما شرطا والثاني جوابا وجزاء.
وتارة يقال فيها (نافية) وتدخل على الجملة الاسمية كالتي في نحو: {إن عندكم من سلطان بهذا} وعلى الفعلية الماضوية كالتي في نحو: {إن أردنا إلا إحسانا}. والمضارعية كالتي في نحو: {إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا}
وحكمها الإهمال (عند) جمهور العرب. (وأهل العالية) يعملونها عمل ليس
فيرفعون بها الاسم وينصبون الخبر، نثرا أو شعرا، فالنثر (نحو قول بعضهم: إن
أحد خيرا من أحد إلا بالعافية) (فأحد) اسمها (وخيرا) خبرها. والشعر وكقول
شاعرهم:
فهو اسمها و(مستوليا) خبرها.
(وقد اجتمعا) إن الشرطية، وإن النافية (في قوله تعالى): {ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده} (فإن) الداخلة على (زالتا) شرطية وإن الداخلة على (أمسكهما) نافية.
ويقال فيها تارة: (مخففة من الثقيلة)، كالتي في نحو قوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم}
في قراءة من خفف الثقيلة، وهو: الحرميان وأبو بكر. ويقل إعمالها عمل إن
المشددة، من نصب الاسم ورفع الخبر كهذه القراءة فكلا اسمها وما بعده خبرها.
(ومن) ورود إهمالها قوله تعالى: {إن كل نفس لما عليها حافظ} (في قراءة من خفف لما) وهو نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي وخلف ويعقوب.
فكل نفس مبتدأ ومضاف إليه، وجملة {لما عليها حافظ}
خبره، وما صلة، والتقدير إن كل نفس لعليها حافظ. (وأما من شدد لما) وهو
أبو جعفر وابن عامر وعاصم وحمزة (فهي) أي: (إن)، (عنده نافية) ولما إيجابية
على لغة هذيل، والتقدير: ما كل نفس إلا عليها حافظ.
ويقال فيها تارة (زائدة)
لتقوية الكلام وتوكيده، والغالب أن تقع بعد (ما) النافية كالتي (في نحو: ما
إن زيد قائم، وتكف (ما) الحجازية عن العمل في المبتدأ والخبر كقوله:
الكلمة (الثالثة)،
مما جاء على أربعة أوجه، (أن المفتوحة) الهمزة (الخفيفة) النون (فيقال
فيها) تارة (حرف مصدري) تؤول مع صلتها بالمصدر (وينصب المضارع) لفظا أو
محلا، فالأول نحو: {يريد الله أن يخفف عنكم} والثاني: (يريد النساء أن
يرضعن أولادهن).
(وأن) هذه؟ هي الداخلة
على) الفعل (الماضي في نحو: (أعجبني أن صمت) بدليل أنها تؤول بالمصدر، أي:
صيامك، (لا) (أن) (غيرها خلافا لابن طاهر) في زعمه أنها غيرها محتجا بأن
الداخلة على المضارع تخلصه للاستقبال فلا تدخل على غيره كالسين، ونقض بإن
الشرطية فإنها تدخل على المضارع وتخلصه للاستقبال وتدخل على الماضي باتفاق.
ويقال فيها تارة (زائدة)
لتقوية المعنى وتوكيده كالتي (في نحو: {فلما أن جاء البشير} وكذا يحكم لها
بالزيادة (حيث جاءت بعد لما) التوقيتية كهذا المثال، أو وقعت بين فعل القسم
ولو كقوله:
فأقسم أن لو التقينا وأنتم = لكان لكم يوم من الشر مظلم
أو بين الكاف ومجرورها كقوله:
كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
في رواية الجر
ويقال فيها تارة (مفسرة) لمضمون جملة قبلها فتكون بمنزلة أي التفسيرية كالتي في نحو: {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك}.
أي اصنع، فالأمر بصنع
الفلك تفسير للوحي، وكذا يحكم (لها بأنها) مفسرة (حيث وقعت بعد جملة) اسمية
وفعلية (فيها معنى القول دون حروفه) أي حروف القول، (ولم تقترن) أن
(بخافض) ويتأخر عنها جملة اسمية أو فعلية فالفعلية كالمثال المتقدم.
والاسمية نحو: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها}
(فليس منها) أي: المفسرة نحو: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}
(لأن المتقدم عليها غير جملة)، وإنما هي المخففة من الثقيلة (ولا نحو: كتبت
إليه بأن افعل، لدخول الخافض) عليها. وإنما هي أن المصدرية. ولا نحو: ذكرت
عسجدا أن ذهبا لأن المتأخر عنها مفرد لا جملة فيجب أن يؤتى بأي مكانها،
ولا نحو: قلت له أن افعل، لأن الجملة المتقدمة فيها حروف القول. (وأما قول
بعض العلماء) وهو سليم الرازي (في قوله تعالى): {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم}
إنها، أي (أن) الداخلة على {اعبدوا} (مفسرة) ففيه إشكال لأنه لا يخلو إما
أن تكون مفسرة لأمرتني أو لقلت، قال الزمخشري وكلاهما لا وجه له، لأنه (إن
حمل على أنها مفسرة (لأمرتني) دون (قلت) منع منه فساد المعنى ألا ترى (أنه
لا يصح أن يكون (اعبدوا الله ربي وربك) مقولا لله تعالى وذلك لأن (أمرتني)
مقول (قلت) وهو مسند إلى ضمير الله تعالى، فلو فسر بالعبادة الواقعة على
الله ربي وربكم لم يستقم؛ لأن الله لا يقول: اعبدوا الله ربي وربكم، (أو)
حمل (على أنها) أي أن (مفسرة (لقلت) دون (أمرت) (فحروف القول تأباه)، أي:
تأبى التفسير لما تقدم من أن شرط المفسر، بفتح السين، أن لا يكون فيه حروف
القول لأن القول يحكى بعده الكلام من غير أن يتوسط بينهما حرف التفسير،
انتهى كلام الزمخشري، فإن أول لفظ القول بغيره جاز التفسير، ولهذا (جوزه)،
أي التفسير، (الزمخشري إن أول (قلت) بأمرت) والتقدير: ما أمرتهم إلا ما
أمرتني به أن اعبدوا الله واستحسنه المصنف في (المغني).
وجوز الزمخشري أيضا
(مصدريتها)، أي مصدرية (أن) هذه، (على أن المصدر) المؤول من أن وصلتها وهو
أن اعبدوا (بيان للهاء) أي: عطف بيان على الهاء المجرورة بالباء (في به،
لا) أن المصدر (بدل) من الهاء (لأن) المبدل منه في حكم الساقط، وعلى (تقدير
إسقاط الضمير) المبدل منه (تخلى الصلة من عائد) على الموصول الذي هو ما،
وذلك لا يجوز واللازم باطل وكذا الملزوم (والصواب العكس) وهو كون المصدر
بدلا من الهاء في به لا عطف بيان عليها، (لأن البيان) في الجوامد (كالصفة)
في المشتقات، فكما أن الضمائر لا تنعت كذلك لا (يعطف) عطف بيان، نص على ذلك
ابن السيد وابن مالك وعلى هذا (فلا يتبع الضمير) بعطف البيان كما أن
الضمير لا ينعت، وإذا امتنع أن يكون بيانا تعين أن يكون بدلا.
فإن قائل يلزم على القول بالبدلية إخلاء الصلة من عائد كما تقدم بناء على أن المبدل منه في نية الطرح، قلنا: ذلك غالب لا لازم.
ولئن سلمنا لزومه فلنا
جواب آخر وهو أن نقول: (العائد المقدر الحذف موجود لا معدوم)، فلا يلزم
المحذور (ولا يصح أن يبدل) المصدر المذكور (من ما) الموصولة المعمولة لقلت
(لأن العبادة) مصدر مفرد (لا يعمل فيها فعل القول)، لأن القول وما تصرف منه
لا يعمل إلا في جملة أو في مفرد يؤدي معنى الجملة كقلت قصيدة والعبادة
ليست كذلك. (نعم يجوز) أن تبدل العبادة من ما (إن أول قلت بأمرت) لأن
(أمرت) يعمل في المفرد الخالي من معنى الجملة نحو: أمرتك الخير، والأكثر
تعديته إلى المأمور به بالباء.
قال الزمخشري: ما حاصله (ولا يمتنع في أن) من قوله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي}،
(أن تكون مفسرة)، بمنزلة أي، (مثلها في {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك}
فيكون التقدير أن اتخذي، فسر الوحي إلى النحل بأنه الأمر بأن تتخذ من
الجبال بيوتا انتهى.
(خلافا لمن منع ذلك) وهو
الإمام الرازي فإنه قال: متعقبا لكلام الزمخشري، إن الوحي هنا إلهام باتفاق
وليس في الإلهام معنى القول وإنما هي مصدرية أي باتخاذ الجبال بيوتا وأشار
المصنف إلى دفعه نصرة للزمخشري بقوله: (لأن الإلهام في معنى القول) لأن
المقصود من القول الإعلام والإلهام فعل من الله يتضمن الإعلام بحيث يكون
الملهم عالما بما ألهم به وإلهام الله النحل من هذا القبيل.
ويقال فيها تارة (مخففة من الثقيلة) كالتي (في نحو: {علم أن سيكون منكم مرضى} {وحسبوا أن لا تكون فتنة} في قراءة الرفع في (يكون) وهي قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف في اختياره
(وكذا) يحكم لها بالتخفيف
من الثقيلة (حيث وقعت بعد علم) وليس المراد به (ع ل م) بل كل ما يدل على
اليقين، (أو ظن ينزل) ذلك الظن (منزلة العلم). وتقدم مثالهما.
الكلمة (الرابعة): مما جاء على أربعة أوجه (من)، بفتح الميم، (فتكون) تارة (شرطية) كالتي (في نحو): {من يعمل سوءًا يجز به} وتارة (موصولة) كالتي في نحو: {ومن الناس من يقول} على أحد الاحتمالين فتحتاج إلى صلة وعائد. وتارة (استفهامية) كالتي في نحو: {من بعثنا من مرقدنا} فتحتاج
إلى جواب. وتارة (نكرة موصوفة) كالتي في نحو: (مررت بمن معجب لك): (إنسان
معجب لك)، وتحتاج إلى صفة (وأجاز أبو علي الفارسي أن تقع نكرة تامة) فلا
تحتاج إلى صفة.
وحمل عليه قوله: