الدروس
course cover
باب اللامات
9 Nov 2008
9 Nov 2008

8552

0

0

course cover
المقدمة الجزرية

القسم الثاني

باب اللامات
9 Nov 2008
9 Nov 2008

9 Nov 2008

8552

0

0


0

0

0

0

0

باب اللامات

قال الحافظ محمد بن محمد ابن الجزري (ت: 833هـ) : (بابُ اللاَّماتِ

وَفَـخِّـمِ الِّــلاَمِ مِــنِ اسْــمِ  اللهِ ... عَــنْ فَـتْـحٍ أوْ ضَــمٍّ كَعَـبْـدُ اللهِ
وَحَـرْفَ الاِسْتِعْـلاَءِ فَخِّـمْ  وَاخْصُصَـا
... الاِطْبَـاقَ أَقْـوَى نَحْـوُ قَـال  وَالْعَصَـا
وَبَيِّـنِ الإطْبَـاقَ مِـنْ  أَحَطْـتُ  مَــعْ
... بَسَطْـتَ وَالْخُلْـفُ بِنَخْلُقُكُـمْ  وَقَــعْ
وَاحْـرِصْ عَلَـى السُّكُـونِ فِـي جَعَلْنَـا
... أَنْعَمْـتَ وَالْمَغْضُـوبِ مَــعْ ضَلَلْـنَـا
وَخَلِّـصِ انفِتَـاحَ مَـحْـذُوراً عَـسَـى
... خَـوْفَ اشْتِبَاهِـهِ بِمَحْظُـوراً  عَـصَـى
وراعِ شِـــدَّةً بِـكَــافٍ  وَبِـتَــا
... كَشِـرْكِـكُـمْ وَتَـتَـوَفَّـى فِتْـنَـتَـا

هيئة الإشراف

#2

11 Nov 2008

الدقائق المحكمة لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري

قال الإمام زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاريِّ السُّنَيْكِيِّ (ت: 926هـ): (المتن:

(44) وَفَخِّمِ الِّلاَمِ مِنِ اسْمِ اللهِ = عَنْ فَتْحٍ أوْ ضَمٍّ كَعَبْدُ اللهِ
(45) وَحَرْفَ الاِسْتِعْلاَءِ فَخِّمْ وَاخْصُصَا = الاِطْبَاقَ أَقْوَى نَحْوُ قَال وَالْعَصَا
(46) وَبَيِّنِ الإطْبَاقَ مِنْ أَحَطْتُ مَعْ = بَسَطْتَ وَالْخُلْفُ بِنَخْلُقُكُمْ وَقَعْ
(47) وَاحْرِصْ عَلَى السُّكُونِ فِي جَعَلْنَا = أَنْعَمْتَ وَالْمَغْضُوبِ مَعْ ضَلَلْنَا
(48) وَخَلِّصِ انفِتَاحَ مَحْذُوراً عَسَى = خَوْفَ اشْتِبَاهِهِ بِمَحْظُوراً عَصَى
(49) وراعِ شِدَّةً بِكَافٍ وَبِتَا = كَشِرْكِكُمْ وَتَتَوَفَّى فِتْنَـتَا
______________________
(44) "وفخِّم اللاَّمَ من اسمِ اللهِ" – وإنْ زيدَ عليه ميمٌ – إنْ وقعتْ "عن" أيْ بعَد "فَتْحٍ أَوْ ضَمٍّ كعبدِ اللهِ" – بفتحِ الدَّالِ وضمِّهَا – نحوُ: {قَالَ اللَّهُ} [آل عمران: 55]، و {قَالُوا اللَّهُمَّ}
أمَّا إذَا وَقعتْ بعدَ كَسْرةٍ – ولَوْ مُنفَصِلةٍ، أَوْ عارِضَةٍ نحْوُ: {لِلَّهِ} و {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ}و {قُلِ اللَّهَ}- فتُرَقَّقُ على أصْلِهَا.
وقد تُرَقَّقُ؛ إذا كانتْ قبْلَها إمالةٌ كُبْرى. وذلك في قراءَةِ السُّوسيِّ في أحدِ الوَجْهينِ نحْوُ: {نَرَى اللَّهَ} تفخيمُ حروفِ الاستعلاءِ والإطباقِ

(45) "وحرفُ الاستعلاءِ فَخِّمْ واخْصُصَا" أنتَ "الإطباقَ" – بنقلِ حركَةِ الهمْزَةِ إلى اللاَّمِ والاكتفاءِ بهَا عن هَمْزةِ الوَصْلِ-.
يعني واخصُص الحروفَ المُطبقَةَ مِن بينِ سائرِ حُروفِ الاستعلاءِ، بكونِهَا "أقوى" تفخيمًا من غيرِ المُطْبَقةِ.
"نحوُ" القافُ مِنَ "قال" والصَّادُ منَ "العصا". والأوَّلُ مِثالٌ لغَيْرِ المُطبَقِ منْ حروفِ الاستعلاءِ. والثَّاني مِثالٌ للمُطبقِ منها.

(46) "وبَيِّن الإطباقَ" في الطَّاءِ "من" قولِهِ تعالَى: {قَالَ أَحَطتُ} [النمل: 22]، "مَعَ" قولِهِ تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ} [المائدة: 28]، ونحوُ ذلِكَ. لِئَلاَّ تَشْتَبِهَ الطَّاءُ بالتَّاءِ المُجانسةِ لهَا باتحادِهمَا في الْمَخْرَجِ.
"والخُلْفُ" في إبقاءِ صفةِ استعلاءِ القَافِ مع إدغَامِهَا بـ "نخلقكم" مِن قولِهِ تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُّمْ} [المرسلات: 20] "وقَعَ".
وعدمِ إبقائِهِا أوْلَى، كمَا قالَهُ النَّاظِمُ في تمهيدِهِ، تَبعًا لأبي عَمْرٍو الدانيِّ.
تنبيهاتٌ في استعمالِ صِفاتِ الحُروفِ

(47) "واحرِصْ على السُّكونِ". أيْ: سُكونِ اللاَّمِ في "جعلْنَا" والنُّونِ في "أنْعمت"، والغينِ في "المغْضوب" معَ لامِ " ضَللْنَا"الثَّانيةِ، لِتَحْترِزَ عن تحريكِهَا؛ كمَا يفعلُه جَهلةُ القُرَّاءِ، فإنَّهُ مِنْ فظيعِ اللَّحنِ.

(48) "وخَلِّص انفتاحَ" الذَّالِ من قولِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57].
والسِّينُ منْ قولِهِ تَعَالَى: {عَسَى رَبُّهُ} [التحريم: 5]. "خوفَ اشتباهِهِ بـ "محظورًا عصَى" أي اشتباهُ محذورٍ بمحظورٍ. وعسَى بعصَى، أي اشتباهُ الذَّالِ بالظَّاءِ، والسِّين بالصَّادِ، للاتِّحادِ في المخرَجِ. فلا يَتميَّزُ كلُّ واحدٍ إلا بتميُّزِ الصِّفَةِ.
والذَّالُ والسِّينُ مُنْفَتِحَانِ، والظَّاءُ والصَّادُ مُنطبِقانِ. فينبغي أن يخلُصَ كلُّ واحدٍ مِنَ الآخرِ، بانفِتاحِ الفَمِ وانطِباقِهِ. وكَذَا كلُّ حرْفٍ معَ آخرَ مُتَّحِدَي المخرجِ، مُختَلِفَي الصِّفَةِ.

(49) "ورَاعِ شِدَّةً" كائنةً "بـ كافٍ وبتَا" بأنْ يمنعَ الصَّوتَ، أن يجريَ معَهُمَا، معَ بيانِهمَا في مَحَلِّهمَا: كَـ "شِرْكِكُم" مثالٌ للكافِ.
"وتتوفَّى" من قولِهِ تعالَى: {تَتَوَفَّاهُمُ} و "فِتْنَةٌ" من قولِهِ تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً}مثالانِ للتَّاءِ.
وَقِسْ على الشِّدَّةِ، والجَهْرِ، والهَمْسِ، والرَّخَاوةِ، والقَلقلةِ، وغيرِهَا – ممَّا مرَّ – فيُراعَى في كِلِّ حرْفٍ صفتُهُ التي مرَّ بيانُهَا.

هيئة الإشراف

#3

19 Nov 2008

المنح الفكرية لنور الدين علي بن سلطان محمد القاري

قال الإمام نور الدين علي بن سلطان محمد القاري (ت:1014هـ) : (بــابُ اللاّمَاتِ:
(وفَخِّمِ اللامَ مِن اسمِ اللهِ) أي لا مِن غيرِ اللهِ إلا في قاعدةِ وَرْشٍ لبعضِ اللامَاتِ المخصوصةِ عن فتحٍ أو ضمٍّ بالنقلِ أي: بعدَ أحدِهما (كعبدِ اللهِ) بفتحِ الدالِ وضمِّها ليصحَّ مِثَالًا على وَفْقِ العملِ القرآنيِّ، ولا يَبْعُدُ أنْ يُقْرَأَ بالجَرِّ على وفقِ الحلِّ الْإِعْرَابِيِّ، والمرادُ به أنَّهُ تُفَخَّمُ بعدَ أحدِهما، ثمَّ اللامُ أصلُها الترقيقُ، عكسُ الراءِ عندَ أهلِ التحقيقِ، فلا تفخيمَ إلا لمُوجِبٍ، ومِن ثَمَّةَ كانَ المانعُ في الراءِ عن التفخيمِ أو الترقيقِ سببًا لأحدِهما في اللامِ فهي من اسمِ اللهِ تعالى، وإنْ زيدَ عليه ميمٌ وصارَ اللهمَّ إذا تقدَّمَتْها فتحةٌ مَحْضَةٌ أو ضمَّةٌ كذلكَ، فإنَّها تكونُ مُفَخَّمَةً نحوُ {اللهُ ربُّنُا} ابتداءً و {سَيُؤْتِينَا اللهُ} وصلًا {لمَّا قامَ عبدُ اللهِ}و{قالَ اللَّهُمَّ} {وقالُوا اللَّهُمَّ} لمناسبةِ الفتحةِ والضمِّ التفخيمَ المناسبَ للفظِ اللهِ مِن التعظيمِ؛ لكونِه الاسمَ الأعظمَ عندَ الجمهورِ المعظمِ، فإنْ تَقَدَّمَتْهَا كسرةٌ مباشرةٌ، بأنْ لم تكنْ بينَ الكسرةِ واللامِ حركةٌ أُخْرَى، وهي مَحْضَةٌ غيرُ مُمَالةٍ، مُتَّصِلَةٌ، اتصالًا صُورِيًّا رسميًّا، نحوَ (للهِ) و(باللهِ) فإنَّ الاتصالَ الحقيقيَّ غيرُ مُتَصَوَّرٍ في الحرفِ الذي يُوجَدُ قبلَ الجلالةِ، أو مُنْفَصِلَةٌ، عارضةٌ، ولازمةٌ، فإنها تكونُ مُرَقَّقَةً، نحوَ {لله ِالأمرُ} و{أَقْسَمُوا باللهِ} و {أفي اللهِ شكٌّ} و {بسمِ اللهِ} و{ما يَفْتَحِ اللهُ}و {قُلِ الحقُّ } ولم يذكرْ في المتنِ حُكْمَ ترقيقِها إحالةً على أصلِها، أو اكتفاءً بمفهومِ منطوقِ حُكْمِها، على ما هو المُعْتَبَرُ عندَنا في الروايةِ، وعندَ الشافعيِّ رحمَهُ اللهُ حتَّى في أدلَّةِ الدِّرايةِ، ثمَّ هذه اللامُ إن وقعتْ بعدَ ترقيقٍ خالٍ مِن مُمَالِ الكسرةِ فهي على تَفْخِيمِها، نحوُ (يُبَشِّرُ اللهُ) في قراءةِ وَرْشٍ، أو بعدَ إمَالةٍ كُبْرَى أي: محضةٍ وذلكَ في قراءةِ السُّوسِيِّ فوجهانِ نحوُ {حتَّى نَرَى اللهَ} التفخيمُ وبهِ قرأَ أبو العباسِ، والترقيقُ وبه قرأَ عبدُ الباقي، وإطلاقُ المصنِّفِ ممَّا يُؤَيِّدُ الأَوَّلَ، فَتَأَمَّلْ. ثمَّ اعلمْ أنَّ اجتماعَ اللامينِ على أربعةِ أقسامٍ مُرَقَّقَيْنِ نحوُ: {على الذينَ }ومُفَخَّمَتَينِ نحوَ: {أضَلَّ اللهُ } في قراءةِ وَرْشٍ عندَ بعضِهم، ومُرَقَّقَةٌ مُفَخَّمَةٌ نحوُ و {أَحَلَّ اللهُ }ومُفَخَّمَةً ومُرَقَّقَةً نحوَ { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ } في قراءةِ وَرْشٍ، فَأَعْطِ كُلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، خصوصًا المُخْتَلِفِينَ، خوفَ السرايةِ، هذا وقيلَ: إنَّما فُخِّمَت اللامُ مِن لفظةِ اللهِ فَرْقًا بينَه وبينَ سائرِ اللامَاتِ، ولعلَّ مرادَه أنَّ التفخيمَ إنَّما هو لمجرَّدِ التعظيمِ، وهو لا ينافي ما ذُكِرَ مِن أنَّ وجهَ تفخيمِها فيما ذُكِرَ هو نَقْلُ الخَلَفِ عن السلفِ، وتَوَارُثُهُم ذلكَ كابرًا عن كابرٍ من غيرِ نَكيرِ مُكَابِرٍ. (وحرفَ الاستعلاءِ ) بحذفِ همزةِ الوصلِ في الدَّرَجِ، ونُصِبَ (حرفَ) على أنَّهُ مفعولٌ مُقَدَّمٌ لقولِه (فَخِّمْ) ويجوزُ رفعُه على تقديمِ فَخِّمْهُ نحوُ قولِه تعالى: {والقمرَ قَدَّرْنَاهُ}على القِراءتينِ. ثمَّ المرادُ بحرفِ الاستعلاءِ أعمُّ مِن أنْ يكونَ مُطْبَقًا أو غيرَ مُطْبَقٍ، ولذا قالَ (واخْصُصَا) بِضَمِّ الصادِ وبالألفِ المُبْدَلَةِ مِن النونِ المُخَفَّفَةِ (لإطباقٍ) بنقلِ الحركةِ والاكتفاءِ بها عن همزةِ الوصلِ، ونصبُه على أنَّهُ مفعولٌ لما قبلَه (أقوى) صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ، والمعنى خَصِّصْ حروفَ الإطباقِ بتفخيمٍ أقوى مِن تفخيمِ سائرِ حروفِ الاستعلاءِ (نحوُ قالَ) بالرفعِ, وَجُوِّزَ نصبُه (والعصا) بالألفِ لا بالياءِ كما في بعضِ النسخِ. والحاصلُ أنَّهُ أَمَرَ بتفخيمِ حروفِ الاستعلاءِ السبعةِ المتقدِّمَةِ المُجْتَمِعَةِ في كلماتِ "قِظْ خُصَّ ضَغْطٍ" مثلَ (قائمًا) و (الظالمينَ) و (خالدينَ) و (صادقينَ) و (الضَّالِّينَ) و (الغَارِمِينَ) و (الطَّامَّةُ) وأمرَ بتخصيصِ حروفِ الإطباقِ الأربعةِ مِن جملتِها, وهي الصادُ والطاءُ مُهْمَلَتَيْنِ، ومُعْجَمتينِ، وبينهما عمومٌ وخصوصٌ مُطْلَقٌ، إذ كُلُّ مُطْبَقَةٍ مُسْتَعْلِيَةٌ، ولا كُلُّ مستعليَةٍ مطبقةٌ، فأتَى بمثالينِ؛ مثالٌ لحرفِ الاستعلاءِ غيرِ المُطْبَقِ وهوَ القافُ في (قالَ)، ومثالٌ لحرفِ الاستعلاءِ المُطْبَقِ وهوَ الصادُ في (العصا)، قالَ ابنُ المُصَنِّفِ وَتَبِعَه غيرُه: والألفُ واللامُ للعهدِ أي: العصا المذكورةُ في قولِه { اضربْ بعصاكَ } ا.هـ. وفيه بحثٌ لا يخفى فإنَّ الحُكْمَ شاملٌ له ولغيرِه أيضًا، مِن قولِه تعالى حكايةً عن موسى {قالَ هَيَ عَصَايَ} وقولُه تعالى: { فَأَلْقَى عَصَاهُ } وأيضًا قولُه تعالى: {وعصى آدمُ ربَّه } فالصحيحُ أنَّ اللامَ للجنسِ الاستغراقيِّ الشاملِ لمادَّتَي هذا اللفظِ من الواويِّ واليائيِّ، وأمَّا صادُ غيرِ هذا البناءِ فَيُعْلَمُ حكمُه مِن قولِه: نحوَ العصَا؛ إذ هو مَعْطُوفٌ على قالَ بكُلِّ حالٍ، نعم لو قالَ معَ عصا بالألفِ أو الياءِ لَطابقَ ألفاظَ التنزيلِ , وهو أوفقُ في مقامِ التمثيلِ وأمَّا قولُ زكريَّا: لِكونِها أقوى، فلا دلالةَ على تقديرِه في المبنى، فلا يَتَعَدَّى على ما قدَّمْنَاه في المعنى، غايتُه أنَّ الباءَ في (أقوى) محذوفةٌ على حدِّ قولِ القائلِ: تَمُرُّونَ الديارَ، أي تَمُرُّونَ بِها. ثمَّ اعلمْ أنَّ في إتيانِ المثالينِ المُتَقَدِّمَيْنِ نُكْتَةً بَدِيعَةً وَحَكْمَةً مَنِيعَةً، وهي أنَّ الصادَ المُهْمَلَةَ معَ قُوَّتِهَا أضعفُ حروفِ الإطباقِ؛ لأنَّه مهموسٌ، والقافُ أقوى من باقي حروفِ الاستعلاءِ , هذا وحروفُ الاستعلاءِ بحسبِ القوَّةِ والضعفِ الناشئتينِ من اختلافِ أحوالِها ثلاثةُ أضربٍ عندَ ابنِ الطحَّانِ الأندلسيِّ:
الأَوَّلُ: ما يَتَمَكَّنُ فيه التفخيمُ، وهو ما كانَ مَفْتُوحًا. الثاني: ما كانَ دونَه وهو المضمومُ، والثالثُ: ما كانَ دونَه أيضًا وهوَ المكسورُ، وعندَ المُصَنِّفِ على خمسةٍ: ما كانَ بعدَه ألفٌ، ثمَّ ما كانَ مفتوحًا مِن غيرِ ألفٍ بعدَها، وهذانِ النوعانِ مُنْدَرِجَانِ تحتَ جنسٍ أَوَّلِ الثلاثةِ، ثمَّ ما كانَ مَضْمُومًا، ثمَّ ما كانَ ساكنًا ثمَّ ما كانَ مَكْسُورًا.

(وبيِّن الإطباقَ مِن أَحَطْتُ معَ = بَسَطْتَ والخلْفُ بنَخْلُقْكم وَقَعْ)


أَمَرَ ببيانِ صفةِ إطباقِ الطاءِ مِن قولِه تعالى حكايةً عن الْهُدْهُدِ: { أحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } ومِن قولِه تعالى: { لَئِن بَسَطْتَ إليَّ يَدَك } َ لئلاَّ تَشْتَبِهَ الطاءُ المُطْبَقَةُ المُسْتَعْلِيَةُ الجَهْريَّةُ بالتاءِ المُنْفَتِحَةِ المُسْتَفِلَةِ المَهْمُوسَةِ المُدْغَمَةِ، كَمَا هو أصلُ القاعدةِ في إدغامِ الحروفِ المُتَقَارِبَةِ وكذا الحُكْمُ في قولِه: { فَرَّطْتُ في جنبِ اللهِ } ثمَّ أخبرَ أنَّ الاختلافَ وقعَ بينَ أهلِ الأداءِ مِن المشايخِ في إبقاءِ صفةِ استعلاءِ القافِ معَ الإدغامِ في قولِه تعالى: {ألمْ نَخْلُقْكُمْ مِن ماءٍ مَهِينٍ} وفي ذهابِها معَه، معَ اتِّفَاقِهمَ على الإدغامِ، قالَ ابنُ المصنِّفِ: وكِلاَهما جائزانِ، وذِهَابُها أَوْلَى. وقالَ الناظمُ في كتابِ التمهيدِ: والأَوَّلُ مذهبُ المكيِّ وغيرِه، والثاني مذهبُ الدانيِّ ومَن وَالاَهُ، ثمَّ قالَ: قلتُ: كَلاَمُها حسنٌ، وبالأَوَّلِ أخذَ البصريُّونَ، وبالثاني أخذَ الشاميُّونَ، واختياري الثاني، وِفَاقًا للدانيِّ. وقالَ في النشرِ: الإدغامُ المحضُ أصحُّ روايةً وأَوْجَهُ قياسًا. أقولُ ولهذا لم يَلْتَفِت الشاطبيُّ لهذا الخلافِ أصلًا، ولعلَّه أرادَ بالقياسِ إجماعَهم على إدغامِ القافِ في الكافِ للسُّوسِيِّ إدغامًا مَحْضًا، معَ وجودِ تَحَرُّكِ القافِ وَتَعَدُّدِ الكلمتينِ، فمعَ السكونِ واتِّحَادِ الكلمةِ بالأُولَى. ثمَّ اعلمْ أنَّ الإدغامَ على قسمينِ: إدغامٌ تامٌّ وهو: إدراجُ الأَوَّلِ في الثاني ذاتًا وصفةً، مثلَ { قالَتْ طائفةٌ }، وإدغامٌ ناقصٌ وهو إدراجُ الأَوَّلِ في الثاني ذاتًا لا صفةً، وإدغامُ (أَحَطْتَ) ونظائرِه مِن قبيلِ الناقصِ، وأيضًا قُوَّةُ الطاءِ وَضَعْفُ التاءِ يمنعُ الإدغامَ الكاملَ، ولولا التجانُسُ لم يَسُغ الإدغامُ أصلًا؛ لأنَّ القويَّ لا يُدْرَجُ في الضعيفِ، بخلافِ العكسِ، نحوُ { فآمَنَتْ طائفةٌ } حيثُ أجمعُوا فيه على الإدغامِ الكاملِ كما أجمعُوا في نحوِ { أَحَطْتُ } على الإدغامِ الناقصِ، ثمَّ ما وقعَ في عبارةِ بعضِهم مِن إظهارِ القافِ في (نَخْلُقْكُمْ) فذلكَ خطأٌ محضٌ، اللهمَّ إلا أنْ يُحْمَلَ على إظهارِ صفةِ استعلائِها لا على إظهارِ الحرفِ ذاتِه، فَعُلِمَ أنَّ ما ذكرَه ليسَ بإدغامٍ محضٍ ولا إظهارٍ محضٍ، بل حالةً بينَهما، فهو بالإخفاءِ أشبهُ، فيكونُ نظيرَ ما قالَ الشاطبيُّ رحمَهُ اللهُ.

وإدغامُ حرفٍ قبلَه صحَّ ساكنٌ = عسيرٌ وبالإخفاءِ طَبَّقَ مِفْصَلا


وإنَّما وقعَ الخلافُ في القافِ دونَ الطاءِ؛ لأنَّ الإطباقَ أقوى مِن الاستعلاءِ فيجبُ إبقاءُ الأَوَّلِ دونَ الثاني، وأمَّا ما ذكرَه الرُّومِيُّ مِن أنَّهُم فرَّقُوا بينَ (بَسَطْتَ) و (نَخْلُقْكُمْ) بأنَّ إعطاءَ صفةِ الاستعلاءِ في الأَوَّلِ بزيادةِ الطاءِ قبلَ التاءِ المُشَدَّدَةِ، وفي الثاني بلا زيادةِ القافِ، فلم نرَ في الكُتُبِ المَنْسُوبَةِ إليهم، ولا سَمِعْنا مِن المشايخِ الذين قَرَأْنَا عليهم , وحقَّقْنا وجوهَ القراءةِ لديهِم، ثُمَّ ما ذكرَه مِن تلقاءِ نفسِه مِن وجهِ الفرقِ بينهما فممَّا لا يُلْتَفَتُ إليه ولا يُعَوَّلُ عليه، ثمَّ رأيتُ مَنْشَأَ وَهْمِه كَلاَمَ ابنِ الحاجبِ مِن غيرِ فهمِه حيثُ اسْتَشْكَلَ الإدغامَ بأنَّ الإطباقَ صفةٌ للمُطْبَقِ ولا يتأتَّى إلا به فلو بَقِيَ الإطباقُ معَ الإدغامِ لَلَزِمَ اجتلابُ طاءٍ أخرى لِتُدْغَمَ في التاءِ غيرِ الطاءِ التي قامَ بها وصفُ الإطباقِ، وفي ذلكَ جمعٌ بينَ ساكنينِ فإذا نحوُ (فَرَّطْتُ) بالإطباقِ ليسَ فيه إدغامٌ حقيقةً، ولكنَّه لَمَّا اشتدَّ التقاربُ وَأَمْكَنَ النطقُ بالثاني بعدَ الأَوَّلِ مِن غيرِ نقلِ اللسانِ أَطْلَقْنَا عليه الإدغامَ مَجَازًا؛ لكونِ ذلك النطقِ كالنطقِ بالمثلِ بعدَ المثلِ، على ما ذكرَه الجَارَبَرْدِيُّ وغيرُه، وفَرْقٌ بينَ الإطباقِ والغُنَّةِ لا تَتَوَقَّفُ على النونِ؛ لأنَّها مِن مَخْرَجٍ غيرِ مَخْرَجِه؛ فإنَّ النونَ مِن الفمِ , والغُنَّةَ مِن الخيشومِ، بخلافِ الإطباقِ فإنَّهُ معَ المُطْبَقِ فإخراجُه لا يتأتَّى إلا به، وأمَّا ما ذَكَرَهُ المصريُّ بقولِه: وَأُجِيبَ بأنَّ القُرَّاءَ نصُّوا على أنَّ في نحوِ (فَرَّطْتُ) تشديدًا، ولا يمتنعُ إبقاءُ الإطباقِ في الطاءِ قائمًا بمحضِ صوتِ الطاءِ؛ لأنَّ الطاءَ لم تستكملْ إدغامَه في التاءِ ولا يلزمُ اجتلابُ طاءٍ أخرى ولا جمعٌ بينَ ساكنينِ وعلى هذا فقياسُه على الغُنَّةِ مستقيمٌ. ا هـ. فلا يخفى ما فيه من المُصَادَرَةِ، بل ما في مُعَارضتِه مِن المكابرةِ ثمَّ قولُه: إذا سَكَنَتِ الطاءُ وأتَى بعدَها تاءٌ وجبَ إدغامُها إدغامًا غيرَ مُسْتَكْمَلٍ، بل يبقى معَه صفةُ الإطباقِ لقُوَّةِ الطاءِ وضعفِ التاءِ، فيتعيَّنُ على المُجَوِّدِ أنْ يُوَفِّيَها حقَّها لاسيَّما إذا كانتْ مشدَّدَةً نحوَ (اطَّيَّرْنَاْ) و (أنْ يَطَّوَّفَ) ففيه أنَّ المثالينِ الأخيرينِ ليسا ممَّا نحنُ فيه بلْ مِن قبيلِ (ودَّتْ طائفةٌ) حيثُ أجمعُوا على أنَّهُ مِن الإدغامِ الكاملِ، وأنَّ أصلَهما اتطَيَّرْنَا و (يَتَطَوَّفَ) فَأُعِلاَّ بإعلالٍ حُقِّقَ في مَحَلِّهِمَا، فهو مِن بابِ إدغامِ الأضعفِ في الأقوى؛ ليصيرَ مثلَه في القوَّةِ، بخلافِ نحوِ (أَحَطْتُ) فإنَّه مِن بابِ إدغامِ الأقوى في الأضعفِ، فيمتنعُ اندراجُه فيه بالكُلِّيَّةِ، وبه يحصلُ الفرقُ في هذه القضيَّةِ على قواعدِ العربيَّةِ، وقالَ بعضُهم: ومِن العربِ مَن يُبْدِلُ التاءَ طاءً ثمَّ يُدْغِمُ إدغامًا مُسْتَكْمَلًا، فيقولُ (أَحَطْتُ) و (فَرَّطْتُ) بطاءٍ واحدةٍ مُشَدَّدَةٍ مُدْغَمَةٍ، قالَ شريحٌ: وهذا ممَّا يجوزُ في كَلاَمِ الخلقِ لافي كَلاَمِ الخالقِ عزَّ وجلَّ / ا هـ. لأنَّ كَلاَمَ اللهِ لا يجوزُ فيه التصرُّفُ على خلافِ ما ثَبَتَ عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالطرقِ المتواترةِ في القِرَاءاتِ المُشْتَهِرَةِ، وأمَّا في كَلاَمِ المَخْلُوقِينَ فَيُتَوَسَّعُ بكُلِّ ما جاءَ مِن اللغةِ، وبهذا يتبيَّنُ أنَّهُ لم يَرِدْ في لغةٍ إبدالُ الطاءِ تاءً وإدغامُها فيها، فيَجِبُ الاحْتِرَاسُ عنها. (واحرِصْ) بكسرِ الراءِ (على السُّكُونِ في جَعَلْنَا) أي: في لامِ جَعَلْنَا؛ إذ كُلُّ سكونٍ لابدَّ مِن الحرصِ على بيانِه، وكذا الحركةُ، إلا أنَّهُ خَصَّ لامَ ( جَعَلْنَا) لئلاَّ تصيرَ مُدْغَمَةً ولا مُتَحَرِّكَةً، فحينئذٍ يتغيرُ المعنى باختلافِ المبنى كما لا يَخْفَى، ونحوُه (أَنْزَلْنَا) وكذا (قُلْنَا) ممَّا فيه اللامُ ساكنةٌ وبعدَها نونٌ، فيجبُ التحفُّظُ بإظهارِها معَ رعايَةِ سكونِها، قالَ المصريُّ: لا كما يفعلُه بعضُ الأعاجمِ مِن قصدِ قَلْقَلَتِهَا. قلتُ: اللامُ ليسَ مِن حروفِ القلقلةِ فإنَّ حروفَها "قُطْبَ جَدٍّ" لا حروفُ القلقلةِ كما توهَّمَ المصريُّ مِن الذهولِ والغفلةِ (انْعَمْتَ والْمَغْضُوبِ معَ ضَلَلْنَا) أي: وكذا كنْ حريصًا على بيانِ سكونِ نونِ (أنعمتَ) وَمِيمِهَا، وغينِ المغضوبِ، ولامِ الثانيَةِ مِن (ضَلَلْنَا)َ، ليُتَحَرَّزَ مِن تَحْرِيكِها، كما يفعلُه جهلةُ القُرَّاءِ؛ فإنَّ ذلكَ مِن فظيعِ اللحنِ عندَ العلماءِ، و (ضَلَلْنَا) بالضادِ ثابتٌ في القرآنِ عندَ قولِه: { وقالَوا أَئِذَا ضَلَلْنَا في الْأَرْضِ} وأمَّا (ظَلَلْنَا) بالظاءِ المُشَالَةِ فلم يوجدْ فيه مُخَفَّفَةٌ، ولا ضرورةَ بالإتيانِ بها , والقولُ بتخفيفِها للوزنِ، ولا يَغُرَّنَّكَ كثرةُ النسخِ عليها وإشارةُ بعضِ الشرَّاحِ إليها، واقتصرَ ابنُ المصنِّفِ على نونِ (أنْعَمْتَ) وتِبعَه الشرَّاحُ، فالحكمُ يشملُ الميمَ على حسبِ التعميمِ، نعمْ في معنى نونِ (أنعمتَ) كُلُّ نونٍ ساكنةٍ بعدها حرفٌ مِن حروفِ الْحَلْقِ كـ (يَنْأَوْنَ) و (مَنْ آمَنَ) و (منْه) و (إنْ هُوَ) و (تَنْحِتونَ) و (مَن حادَّ اللهَ) و (يَنْعِقُ) و (منْ علمَ ) و (ينغضونَ) و (عذابٌ غليظٌ) و (المُنْخَنِقَةُ) و (مِنْ خوفٍ) ونحوُ ذلكَ، ثمَّ لا يسكتُ على النونِ سكتةً لطيفةً كأنَّهُ يريدُ بها إيضاحَ إظهارِها, وأنَّهَا لاغُنَّةَ فيها؛ فإنَّ ذلكَ خطأٌ محضٌ لا يفعلُه إلا الجهلةُ مِن القُرَّاءِ, في معنى غينِ (المغضوبِ) (ضِغْثًا) و (بَغْيًا) و (أَفْرِغْ علينا) و (أغنى) و (يُغْشَى) وعلَّلَ المصنِّفُ في التمهيدِ إظهارَ الغينِ الساكنةِ عندَ الشينِ مِن (يغشى) بقولِه: لئلاَّ يَقْرَبَ مِن لفظِ الخاءِ، لا شتراكِهما في الهمسِ والرَّخاوةِ.

(وَخَلِّصِ انْفِتَاحَ مَحْذُورًا عسىَ = خَوفَ اشْتِبَاهِهِ بِمَحْظُورًا عَصَى)


أي بَيِّنْ ومَيِّزْ صفةَ الانفتاحِ عن الاطِّبَاعِ في نحوِ (مَحْذُورًا) عندَ قولِه: { إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} وفي نحوِ { عسى أنْ يبعثَكَ ربُّكَ مقامًا محمودًا} لئلاَّ يشتبهَ الذالُ بالظاءِ في قولِه: {وَمَا كانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} والسينُ بالصادِ في قولِه تعالى: { وَعَصَى آدمُ ربَّهُ فَغَوَى} فإنَّ كُلاّ مِن الذالِ والظاءِ مِن مَخْرَجٍ واحدٍ، وكذلكَ السينُ والصادُ، وإنَّما يتميَّزُ كُلٌّ مِن الآخرِ بتمييزِ الصفةِ، فالذالُ والسينُ مُنْفَتِحَتَانِ، والظاءُ والصادُ مُطْبَقَتَانِ، فينبغي أنْ يَخْلُصَ كُلُّ واحدٍ مِن الآخرِ بانفتاحِ الفمِ وانطباقِه، وما يترتَّبُ عليهما مِن ترقيقِ الأُولَيَيْنِ وَتَفْخِيمِ الأُخْرَيَيْنِ، وكذا حُكْمُ كُلِّ حرفٍ معَ غيرِه إذا كانا مُتَّحِدي المَخْرَجِ مُخْتَلِفِي الصفةِ، ثمَّ الضميرُ في (اشتباهِه) راجعٌ إلى الحرفِ المُنْفَتِحِ بقرينةِ التامِّ، أو تقديرُه:
خوفُ اشتباهِ كُلِّ واحدٍ مِن ( مَحذورًا ) وعسى بمحظورًا وعصىَ، أو خوفُ اشتباهِ المذكورِ. كذا ذكرَه الشرَّاحُ على اختلافِ اختيارِ كُلٍّ منهم، والأظهرُ أنَّ ضميرَه راجعٌ إلى الانفتاحِ، أي: مَخَافَةَ اشتباهِ انفتاحِ محذورًا وعسى بإطباقِ محظورًا وعصى, ووجهُ الأظهريَّةِ أنَّ محلَّ الاحتياجِ في صحَّةِ الحملِ إلى التقديرِ وهو الثاني دونَ الأَوَّلِ فتأَمَّلْ (وراعِ شِدَّةً) أي: كائنةً (بكافٍ) أي: في كافِ (وبتا) بالقصرِ على وقفِ حمزةَ في الهمزةِ لا كما قالَ الروميُّ: إنَّهَا للضرورةِ (كَشِرْكِكُمْ وَتُتَوَفَّا فِتْنَتًا) بألفِ الاطلاقِ أو بإبدالِ التنوينِ ألفًا وقفًا على ما جاءَ في لغةٍ، وراعِ أمرٌ من المراعاةِ والمُفَاعلةِ إذا لم تَكُنْ للمُفَاعَلَةِ فهي للمُبَالَغَةِ , وقولُ الروميِّ أمرٌ مِن الرعاية ففيه نوعُ مُسَاهَلَةِ حيثُ لم يُراعِ فيه القاعدةَ المُمَيِّزَةَ بينَ المُجَرَّدِ والمزيدِ الفارقةَ لطالبِ المزيدِ فأمرَ بِمُرَاعَاةِ الشدَّةِ في الكافِ والتاءِ نحوُ نَكْتَلْ وَيَتْلُو خصوصًا عندَ وُرُودِ تكرارِها نحوُ قولِه تعالى: { يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكِمْ} { وَتَتَوَفَّاهُمُ الملائكةُ} { واتَّقُوا فِتْنَةً} وذلكَ لأنَّ الشِّدَّةَ تمنعُ الصوتَ أنْ يجرىَ مَعَهُمَا معَ ثباتِهما في موضعِهما قَوِيَّيْنِ فاحذرْ أنْ تتبعَها رَكاكةٌ. والحاصلُ أنُّ كُلُّ حرفٍ ينبغي أنْ تُرَاعَى فيه صفاتُه المُتَقَدِّمَةُ مِن جهرٍ وهمسٍ وشِدَّةٍ ورِخْوَةٍ وغيرِ ذلكَ بعدَ تمكينِه مِن مَخْرَجِه، فاحفظْ هذه القاعدةَ الكُلّيَّةَ وقسْ عليها الأمثلةَ الجزئيَّةَ ولم يَنُصَّ عليها صاحبُ الجَزْرِيَّةِ هذا وقالَ في التمهيدِ: إذا تكرَّرَت الكافُ مِن كلمةٍ أو كَلِمَتَيْنِ فلا بدَّ مِن بيانِ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لئلاَّ نُقَرِّبَ اللفظَ مِن الإدغامِ لتكَلُّفِ اللسانِ بصعوبةٍ التكريرَ نحوُ قولِه تعالى: { مَنَاسَكَكُمْ } { وإنَّكَ كنتَ} على مذهبِ المُظْهِرِ , وكذا الحُكْمُ في تاءِ { تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ} { واتَّقُوا فِتْنَةً } وأشباهِهِ فَتُرَاعَى الشدَّةُ التي فيها؛ لئلاَّ تصيرَ رخوةً كما يَنْطِقُ بها بعضُ الناسِ وربَّمَا جُعِلَتْ سينًا إذا كانتْ ساكنةً نحوُ فِتْنَةٍ { واتلْ عَلَيْهِمْ }؛ ولذا أدخلَها سيبويهِ في جملةِ حروفِ القلقلةِ وتتأكَّدُ المراعاةُ فيها إذا تكرَّرَتْ نحوُ { تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} { وَتَتَوَفَّاهُمْ } لصعوبةِ اللفظِ بِالمُكَرَّرِ على اللسانِ وقالَ مكيٌّ في الرعايةِ: هو بمنزلةِ الماشيِ يرفعُ رجليهِ مرَّتينِ أو ثلاثَ مرَّاتٍ ويردُّها في كُلِّ مَرَّةٍ إلى الموضعِ الذي رفعَها منه وقالَ المصريُّ: وهذا ظاهرٌ ألا ترى أنَّ اللسانَ إذا تَلَفَّظَ بالتاءِ الأُولَى رجعَ إلى موضعِه لِيَتَلَفَّظَ بالثانيَةِ وذلكَ صعبٌ فيه تكَلُّفٌ ولكن لا يَخْفَى أنَّ قولَه أو ثلاثَ مَرَّاتٍ زائدةٌ؛ لأنَّ الكَلاَمَ في تكرارِها ثلاثَ مَرَّاتِ كما نُقِلَ وليسَ فيه ما هو بمنزلةِ رفعِ رجلٍ ثلاثَ مَرَّاتٍ بلْ مَرَّتَينِ. أقولُ: بلْ هو غيرُ زائدةٍ إذ قد يُوجَدُ التَّكْرَارُ ثلاثَ مَرَّاتٍ لا في كلمةٍ بل في كلماتٍ مُتَوَالِيَاتٍ كما في قولِه تعالى: { تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ} وصلًا, وكذا قولُه تعالى: { تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ}ولا يُشْتَرَطُ في إثباتِ تكرارِ التاءِ أنْ لا يكونَ بينهما فصلٌ؛ ولذا عُدَّ في أمثلةِ التَّكْرَارِ قولُه فِتْنَة,ً كما سبقَ في كَلاَمِ المصنِّفِ إلا أنَّ قولَه: وربَّمَا جُعِلَتْ سِينًا إذا كانتْ ساكنةً نحوُ فِتْنَةً فيه بحثٌ؛ إذ الظاهرُ المُتَبَادِرُ أنَّهَا تصيرُ دالًا إذا لم يُرَاعَ فيها صفةَ الشَّدَّةِ والهمسِ لاتِّحَادِ مَخْرَجِهما والتمييزِ بينَهما باعتبارِ صفتِهما وأمَّا السينُ والدالُ فبينهما قُرْبُ المَخْرَجِ واللهُ أعلمُ ثمَّ ممَّا يجبُ الاعتناءُ بالتاءِ خصوصًا إذا كانَ بعدَها طاءٌ ساكنةٌ أو ظاءٌ نحوُ { أَفَتَطْمَعُونَ}
{ وَتَطْهِيرًا } { وَلاَ تَطْغَوْا } { ولا تَظْلِمُونَ}.

هيئة الإشراف

#4

19 Nov 2008

الفوائد التجويدية للشيخ: عبد الرازق بن علي موسى

قال الشيخ عبد الرازق بن علي بن إبراهيم موسى المصري (ت: 1429هـ): (ثم لمَّا فرَغَ الناظمُ من الكلامِ على الراءِ أَخذَ في الكلامِ على اللامِ فقالَ:
الكلامُ على اللامِ من لفظِ الجلالةِ وأحكامِها

44- وفَخِّم اللامَ من اسمِ اللهِ = عن فتْحٍ أو ضَمٍّ كعبدُ الله


أما اللامُ من لفظِ الجلالةِ وإن زيدَ عليه الميمُ في آخرِه فتُفخَّمُ لكلِّ القرَّاءِ إذا وَقعتْ بعدَ فتحةٍ خالصةٍ سواءً كانتْ حقيقةً أو حُكماً أو بعدَ ضمَّةٍ.
أما وقوعُها بعد الفتْحِ الحقيقيِّ نحوَ: {شَهِدَ اللهُ} {وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنَا} {لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ}. وأما وقوعُها بعد الفتْحِ الحُكميِّ ففي لفْظَيْ {ءَاللهُ أَذِنَ لَكُمْ}. {ءَاللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}. على كِلا الوجهَيْن وهُما: الإبدالُ أو التسهيلُ بينَ بينَ. وذلك لأنَّ اللامَ هنا لم تقعْ بعد فتْحٍ حقيقيٍّ وإنما وقعتْ بعدَ الهمزةِ المبدَلَةِ ألِفاً في وجهِ الإبدالِ وبعدَ الهمزةِ المسهَّلةِ في وجهِ التسهيلِ. والألِفُ المبدلَةُ في حكْمِ الفتحةِ لأنها مبدلَةٌ من همزةِ الوصْلِ المفتوحةِ في الأصلِ. وكذلك الهمزةُ المسهَّلةُ فإنها في حكْمِ المتحرِّكةِ بالفتْحِ أيضاً، فلهذا فخِّمَت اللامُ في اللفظَيْن على كِلاَ الوجهين بلا خِلافٍ للجميعِ.
وأما وقوعُها بعد الضمِّ، نحوَ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ}، {رُسُلُ اللهِ}، {قَالُوا اللهُمَّ}. فإذا ابْتدئَ باسمِ الجلالةِ فخِّمتْ لامُه أيضاً لأن من شرْطِ تفخيمِ اللامِ فيه تَقدُّمُ الفتْحِ عليها ولو في لفظِ الجلالةِ نفسِه مثلُ {اللهُ لاَ إِلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}.
هذا: ويجبُ الاحترازُ من تفخيمِ الهاءِ من لفظِ الجلالةِ في نحوِ: {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} {وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ} فإنه خطأٌ يُنَزَّهُ عنه اسمُ اللهِ الكريمُ وكثيراً ما يَقعُ فيه بعضُ القرَّاءِ. وهذا معنى قولِ الحافظِ ابنِ الجَزْرِيِّ السابقِ.

44- وفخِّم اللامَ من اسمِ الله = عن فتحٍ أو ضمٍّ كعبدُ الله


وقالَ الإمامُ ابنُ بَرِّيٍّ في الدُّرَرِ:


وفُخِّمتْ في اللهِ واللهُمَّهْ = للكلِّ بعدَ فتحةٍ أو ضمَّهْ


وفُهمَ من هذه الأبياتِ أن اللامَ لو وَقعتْ بعد كسرةٍ رُقِّقتْ للجميعِ وهو كذلك بشرطِ أن تكونَ الكسرةُ خالصةً سواءً كانت متَّصلةً أو منفصِلةً أصليَّةً كانت أو عارضةً نحوَ: (باللهِ) (وللهِ). {يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ}. {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا}، {أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ}.
فائدةٌ: التقييدُ بشرطِ تَقدُّمِ الفتحةِ حالَ التفخيمِ والكسرةِ حالَ الترقيقِ بالخالصةِ احْترازٌ عن لامِ الجلالةِ الواقعةِ بعدَ الراءِ الممالةِ في أحَدِ القولَيْن في روايةِ السُّوسِيِّ عن أبي عمرٍو البصريِّ في نحوِ: {نَرَى اللهَ} {وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} فإنه حينئذٍ يَجوزُ ترقيقُ اللامِ لعدمِ وجودِ الفتحةِ الخالصةِ وتفخيمُها لعدمِ وجودِ الكسرةِ الخالصةِ قبلَها كذلك. واللهُ أعلمُ.

فصلٌ في بيانِ ما يجبُ تفخيمُه ومراعاتُه:
لما بَيَّنَ الناظمُ فيما سلَفَ أن حكْمَ حروفِ الاستِفَالِ الترقيقُ أرادَ أن يُبَيِّنَ هنا حكْمَ مقابلِها وهو حروفُ الاستعلاءِ. فقالَ:

45- وحرفُ الاستعلاءِ فخِّمْ واخْصُصَا = الإطباقَ أقوى نحوَ: قالَ والعصَا


أمَرَ بتفخيمِ حروفِ الاستعلاءِ السبعةِ المتقدِّمةِ في كلماتِ (خُصَّ ضَغْطٍ قِظ) وصرَّحَ بهذا الحكْمِ وإن كان مفهوماً من قولِه السابقِ (فرقِّقَنْ مستفِلاً من أحْرِفٍ) لأنَّ دلالةَ المنطوقِ أقوى وتوطئةً لقولِه (واخْصُصا الإطباقَ أقوى) يعني واخصُصْ حروفَ الإطباقِ وهي الصادُ والضادُ المعجَمَةُ والطاءُ المهمَلةُ والظاءُ المشالةُ من بينِها بتفخيمٍ أقوى من البواقي ثم مثَّلَ بمثالين: الأوَّلُ لغيرِ المُطبَقِ من حروفِ الاستعلاءِ وهو القافُ في (قالَ) والثاني للمُطبَقِ منها وهو الصادُ في (العصَا) قالَ بعضُهم: حروفُ الاستعلاءِ بحسْب قوَّةِ التفخيمِ وضعفِه الناشئَيْن من أحوالِها ثلاثةُ أضْرُبٍ: ما يَتمكَّنُ فيه التفخيمُ وهو ما كان مفتوحاً ودونَه ما كان مضموماً ودونَه ما كان مكسوراً. ثم قالَ الناظمُ:

46- وبيِّن الإطباقَ من أحطْتُ معْ = بسطْتُ والخلفُ بنَخْلُقْكُمْ وقَعْ


أمَرَ ببيانِ إطباقِ الطاءِ من قولِه تعالى: {قَالَ أَحَطْتُ} (النمل: آية 22) ومِن قولِه تعالى: {لِئِنْ بَسَطْتَ} (المائدة: آية 28) ونحوَ: ذلك لئَلاَّ تَشتبهُ بالتاءِ المُدغَمَةِ المجانِسةِ لها في المَخرجِ، ويُسمَّى إدغاماً ناقصاً وهو إدغامُ الحرفِ وإبقاءُ صفتِه كما في إبقاءِ صِفةِ الغُنَّةِ عندَ إدغامِ النونِ الساكنةِ والتنوينِ. في الواوِ والياءِ فيكونُ التشديدُ متوسِّطاً في الموضِعَيْنِ لأجْلِ إبقاءِ الصفةِ. وكثيرٌ من الناسِ من يُدغمُها إدغاماً تامًّا. حتى يصيرَ اللفظُ كأنه إدغامُ التاءِ في التاءِ وهو لحنٌ فاحشٌ بل لابدَّ من بقاءِ صِفةِ الإطباقِ لأن إدغامَ الطاءِ في التاءِ على خلافِ الأصلِ فبقيَتْ صِفةُ المدْغَمِ لتدلَّ على موصوفِها إذ الأصلُ أن يُدغمَ الضعيفُ في القويِّ. ليصيرَ مثلَه في القوَّةِ كإدغامِ التاءِ في الطاءِ في نحوِ: (وَدَّتْ طَائِفَةٌ) وهذا بالعكسِ وهو إدغامُ القويِّ في الضعيفِ لما بينَهما من التجانُسِ. وقلَّ من يُحسنُ هذا الإدغامَ لعدمِ الرياضةِ والتلقِّي من أفواهِ المتخصِّصِين.
ثم أفادَ الناظمُ أنه وقعَ خلافٌ بينَ أهلِ الأداءِ في إبقاءِ صِفةِ استعلاءِ القافِ من قولِه تعالى {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ} بالمرسلاتِ وعدمِ إبقائِها فذهَبَ مَكِّيٌّ ومن وافَقَه إلى إبقائِها ويكونُ الإدغامُ حيئنذٍ ناقصاً مثلَ مَا مَرَّ، وذهبَ الدَّانِي ومن وَالاهُ إلى عدمِه ويكونُ الإدغامُ تامًّا على الأصلِ وهذا هو المختارُ عندَ الناظمِ وهو قولُ الجمهورِ والمقدَّمُ في الأداءِ والفرْقُ بينَه وبينَ (أَحَطْتُ) وبابِه: أنَّ الطاءَ زادَتْ بالإطباقِ، ثم قالَ الناظمُ رحِمَه اللهُ تعالى:

47- واحرِصْ على السكونِ فى جَعَلْنَا = أنعمْتَ والمغْضُوبِ مع ضلَلْنا


أمَرَ بالحرْصِ على السكونِ في كلِّ لامٍ ساكنةٍ بعدَها نونٌ سواءً تكرَّرتْ اللامُ نحوَ: (ضلَلْنا) أم لم تَتكرَّرْ نحوَ: (جعلْنا) وكلِّ نونٍ ساكنةٍ بعدَها حرفٌ من حروفِ الحَلْقِ نحوَ: (أَنْعَمْتَ) وكلِّ غَيْنٍ ساكنةٍ نحوَ: (الْمَغْضُوبِ) وإنما أمَرَ بالحرصِ على سكونِ اللامِ إذا وقعَ بعدَها نونٌ لأنَّ اللسانَ يُسرعُ إلى إدغامِها في النونِ لما بينَهما من التقاربِ وإذا أظهرتَها فلا تُبالغْ في الإظهارِ حتى تُقلقلَها أو تحرِّكَها كما يَفعلُه كثيرٌ من جهلةِ القرَّاءِ، وهو لحْنٌ لم يَردْ به نصٌّ ولا يَقتضيه قياسٌ صحيحٌ، قالَ الإمامُ السخاويُّ:

وبيانُه في نحوِ: فضَّلْنا على = رفقٍ لكلِّ مفضَّلٍ يقْظانِ


فالضميرُ في بيانِه يعودُ إلى اللامِ في بيتٍ قبلَه. وإنما أمَرَ بالحرصِ على سكونِ النونِ عندَ حروفِ الحَلْقِ ليَحترزَ عن خفائِها وأمَرَ بالحرصِ على كلِّ غَيْنٍ ساكنةٍ ليَحترزَ عن تحريكِها لأنه من فظيعِ اللَّحنِ ولابدَّ من بيانِ الغَيْنِ الساكنةِ إذا وقع بعدَها شِينٌ أو غيرُها من سائرِ الحروفِ نحوَ: (يَغْشَى)، (الْمَغْضُوبِ)، (فَرَغْتَ) ونحوِ ذلك، ويتأكَّدُ بيانُها عندَ الشينِ لئَلاَّ تُبدَلَ خاءً لاشتراكِ الشينِ والخاءِ في الهمْسِ والرخاوةِ نصَّ عليه الناظمُ في التمهيدِ ثم قالَ المؤلِّفُ:

48- وخَلِّصِ انفتاحَ مَحذوراً عسَى = خَوْفَ اشْتِبَاهِه بمَحْظُوراً عَصا


أمَرَ الناظمُ رضيَ اللهُ عنه بتخليصِ انفتاحِ الذالِ من قولِه تعالى: { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } (الإسراء: آية 57) والسينِ من قولِه تعالى: { عَسَى رَبُّهُ } (التحريم: آية 5) لئَلاَّ يَشتبِهُ الذالُ بالظاءِ في قولِه تعالى: { وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } (الإسراء: آية 20) والسينُ بالصادِ في قولِه تعالى: { وَعَصَى آدَمُ } (طه:آية 121) فإنَّ كُلاّ من الذالِ والظاءِ من مَخرجٍ واحدٍ وكذلك السينُ والصادُ ولا يتميَّزُ كلُّ واحدٍ إلاَّ بتمييزِ الصفةِ فالسينُ والذالُ منفتِحَتان، والصادُ والظاءُ مُطبَقتان فيَنبغي أن يُخلَّصَ كلُّ واحدٍ من الآخَرِ بانفتاحِ الضمِّ وانطباقِه. وكذلك كلُّ حرفٍ مع آخَرَ متَّحِدِي المَخرجِ مختلِفِي الصفةِ. وضميرُ اشتباهِهِ يعودُ إلى محذوراً.

(تنبيهٌ) لابدَّ من إعطاءِ السينِ حقَّها من الصفاتِ. ومن لم يُعطِها حقَّها أخطأَ وهو لا يشعرُ، فيُبدِلُها صاداً لأنها مُواخِيَةٌ لها لاشتراكِهما في المَخرجِ وبعضِ الصفاتِ كالصفيرِ والهمْسِ والرخاوةِ ولولا الاستعلاءُ والإطباقُ اللذان في الصادِ لكانت سيناً.
ولولا التَّسَفُّلُ والانفتاحُ اللذان في السينِ لكانتْ صاداً وأكثرُ ما يَقعُ ذلك إذا جاورَتْ حرفَ استعلاءٍ أو راءٍ نحوَ: (وَسَطاً) (تُقْسِطُوا) واللهُ أعلمُ. ثم قالَ الناظمُ رحِمَه اللهُ تعالى:

49- وراعِ شِدَّةً بكافٍ وبِتا = كشرْكِكم وتتوفَّى فتْنَتَا


لابدَّ من مراعاةِ صِفةِ الشِّدَّةِ فى الكافِ والتاءِ فالكافُ نحوَ: (شرْكِكم) والتاءُ نحوَ: (تَتوفَّاهم)، (واتَّقُوا فِتنةً) وذلك بأن يُمنعَ الصوتُ أن يَجْرِيَ معهما مع تباينِهما في مَخرجِهما. وإنما خَصَّ هذه الأمثلةَ بالذكرِ لصعوبةِ اللفظِ بالمُكرَّرِ على اللسانِ وإذا تكرَّرَ الحرفُ في كلمةٍ أو في كلمتين فلابدَّ من بيانِ كلٍّ منهما لئَلاَّ يَقرُبُ اللفظُ من الإدغامِ لتَكَلُّفِ اللسانِ بصعوبةِ التكريرِ نحوَ: {مَنَاسِكَكُمْ} وإذا تكرَّرَت التاءُ في كلمةٍ نحوَ: {تَتَوَفَّاهُم} أو في كلمتين والأُولى متحرِّكةٌ نحوَ: { كِدتَّ تَرْكَنُ } أظهرتَهما إظهاراً بيِّناً. وإن تكرَّرَتْ ثلاثَ مرَّاتٍ نحوَ: قولِهِ تعالى: { الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا } فالبيانُ لازمٌ لأنَّ في اللفظِ صعوبةً بسببِ التَّكرارِ. وكذا كلُّ حرفٍ مكرَّرٍ. قالَ في الرعايةِ: بيانُ الحرفِ المكرَّرِ لازمٌ وفيه صعوبةٌ لأنه بمنزلةِ الماشي يرفعُ رجلَه مرَّتين أو ثلاثَ مرَّاتٍ ويردُّها في كلِّ مرَّةٍ إلى الموضعِ الذي رفعَها منه.

والخُلاصةُ: أنه يَنبغي أن يُراعيَ في كلِّ حرفٍ صفتَه المتقدِّمةَ من جهْرٍ أو همْسٍ وشِدَّةٍ أو رخاوةٍ وغيرِ ذلك بعد تمكينِه في مَخرجِه واللهُ الموفِّقُ.

هيئة الإشراف

#5

25 Nov 2008

شرح المقدمة الجزرية للشيخ المقرئ: عبد الباسط هاشم

قال الشيخ عبد الباسط بن حامد بن محمد متولي [المعروف بعبد الباسط هاشم] (ت: 1441هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه وبعد..,
فهذا هو الشريط الثالث نتابع فيه إذاعة شرح المقدمة المسماة بالجزرية في فن التجويد تأليف الإمام محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري الدمشقي بلداً رضي تبارك وتعالى عنه.
شرح وتحقيق وتدقيق الفقير إلى ربه عبد الباسط حامد محمد وشهرته: عبد الباسط هاشم. فنقول وبالله التوفيق: كنا نتكلم في المبحث السادس في أحكام اللامات وقلنا أن اللامات في القرآن الكريم كثيرة جداً وما يهم القراء منها ثلاثة أنواع: -
_ لام حرف، وتنقسم إلى مظهرة ومدغمة.
_ ولام فعل.
_ ولام اسم وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: لام اسم موصول، ولام اسم مجرد، ولام اسم الذات جل وعلا. ولنبين ذلك بيانا شافياً فنقول:
أما لام الحرف فهي لام أل ولها حالتان:
الحالة الأولى: المظهرة وتسمى لام قمرية، وتظهر إذا دخلت على حرف من هذه الحروف الأربعة عشر التي يجمعها قولك: (ابغ حجك وخف عقيمه) وهي الهمزة، والباء، والغين، والحاء، والجيم، والكاف، والواو، والخاء، والفاء، والعين، والقاف، والياء، والميم، والهاء. إذا دخلت لام أل على أي حرف من هذه الأحرف الأربعة عشر نطق بها مظهرة وسميت لام قمرية مظهرة واجبة أعني: ظهوراً واجباً، ولنضرب لكل حرف مثالاً أو مثالين لتقيس ما غاب على ماحضر.
الهمز: الأمر، {الآن خفف الله عنكم}.
الباء: البرق، الباطل.
الغين: الغني، الغفور.
الحاء: الحكيم، الحميد، الحر.
الجيم: الجنة، الجبار.
الكاف: ذا الكفل، الكريم.
الواو: الولي، الودود.
الخاء: الخالق، الخبير.
الفاء: الفقراء، الفتاح.
العين: العليم، العزة.
القاف: القدوس، القادر.
الياء: اليم، اليمين.
الميم: المجيد، الملك.
الهاء: { شرب الهيم }، { قل إن الهدى }.
والسبب في ظهور لام أل عند هذه الأحرف بُعد المخرج بينهما، و سميت لاماً قمرية لأن بين اللام وبين أي حرف من هذه الأحرف بوناً بعيداً كما أن الشمس تعطي ضياءها للقمر وبينهما بونا بعيداً.
النوع الثاني من لام أل: اللام الشمسية وتدغم في الحروف الباقية، ولنضرب لكل حرف مثلاً أو مثالين لتقيس ما غاب على ما حضر:
الطاء: {الطلاق مرتان}، {والطيبات للطيبين}.
الثاء: {النجم الثاقب}، {أيها الثقلان}.
الصاد: الصلاة، الصابرين.
الراء: الرحمن، الراكعون.
التاء: التواب، التائبون.
الضاد: الضالين، {فقال الضعفاء}.
الذال: الذاكرين، آلذكرين.
النون: النعيم، رب الناس.
الدال { الدار الآخرة }، { يوم الدين }.
السين: السيئات، { لا يجب الله الجهر بالسوء }.
الظاء: الظلمات، الظالمين.
الزاي: الزكاة، {كتبنا في الزبور}.
الشين: {وقليل من عبادي الشكور} {وسنجزي الشاكرين}.
اللام: الليل، اللطيف.
وتسمى هذه الأنواع كلها لاماً شمسية مدغمة، وإن شئت قلت إدغام متقاربين صغير إلا في اللام مع اللام فإنك تقول: إدغام مثلين صغير، وإنما أدغمت اللام في هذه الأحرف لقرب مخرجها.
وأما اللام الفعلية فهي نحو: قلنا، عملنا، فعلنا، التقى، { قل نعم }. وكلها ظاهرة إلا إذا جاء بعدها راء أو لام، ولذا لما قال صاحب (التحفة):

وأظهرنَّ لام فعل مطلقا = في نحو قل نعم وقلنا والتقى


وكانت لام الفعل مدغمة مع اللام والراء قلت:

وأظهرنَّ لام فعل مطلقا = إلا كقل ربي وبل لا صدقا


ولم نر الإمام ابن الجزري تعرض لهذا النوع من اللامات.
وأما لام الاسم المجرد فهو نحو: ليل ولباس ولقاء. فهذا يسمى لام اسم مجرد.
وأما لام الاسم الموصول فهو نحو الذي واللذان واللائي والتي واللتان، وقس على ذلك، إن سئلت عنه، قلت: لام اسم موصول.
وهذان النوعان نبه عليهما أشياخنا، وفي لام أل ولام الفعل قال صاحب التحفة:


للام أل حالان قبل الأحرف = أولاهما إظهارها فلتعرف
قبل اربع مع عشره خذ علمه = من ابغ حجك وخف عقيمه
ثانيهما إدغامها في أربع = وعشرة أيضاً ورمزها فع
طب ثم صل رحما تفز ضف ذا نعم = دع سوء ظن زر شريفاً للكرم
واللام الاولى سمها قمريه = واللام الاخرى سمها شمسيه
وأظهرن لام فعل مطلقا = في نحو قل نعم وقلنا والتقى


ولم يتعرض رحمه الله للام الاسم المجرد ولا للام الاسم الموصول.
أما لام اسم الذات فتعرض لها الإمام ابن الجزري ولها حالتان: إما مرققة إذا كانت بعد كسر، وإما مفخَّمة إذا كانت بعد ضم أو فتح، تقول إن سئلت عنها: لام اسم الذات مرققة أو لام اسم الذات مفخمة.
قال ابن الجزري رضي الله عنه:

وفخم اللام من اسم الله = عن فتح أو ضم كعبدُ الله


وقوله: عن فتح أو ضم، أي: بعد فتح أوضم، فـ عن بمعنى: بعد.
هذا ما يحتاج القارئ معرفته من أنواع اللامات. والله أعلم.
قال الناظم:

وحرف الاستعلاء فخم واخصصا = الاطباق أقوى نحو قال والعصا

حروف الاستعلاء سبعة، يجمعها قولك: (خص ضغط قظ). وهذه الحروف لها مراتب في تفخيمها ولها مراتب في أيها أولى بالتفخيم، أما مراتب تفخيمهافسبع:
أولها: المفتوح بالألف كقالوا وقائلون وطائعين وخائفين.
ثانيها: المفتوح بغير ألف، مثل: {قد نعلم } ­{طبع الله} {ظلموا أنفسهم}، {خلقكم، {ضرب لكم}، {طوعاً أوكرهاً}، {فغفر له}...
ثالثها: المضموم بالواو { كالطور}، {ونفخ في الصور} {قوا أنفسكم}..
رابعها: المضموم بلا واو {قل انظروا}، {ضرب بينهم} {أم خلقوا}، {صرفت أبصارهم} {قرآن} {وطبع}.
خامسها: الساكن قبل ضم، يقتلون، يصهر، يغفر.
سادسها: الساكن قبل فتح: يطبع، يخرج، سأصرف، يخدعون
سابعها: الساكن قبل كسر، اقرأ، اصبر، اضرب. فطرة.
واعلم أن الخاء والغين إذا جاء قبلهما كسر عارض أو أصلى فلا بد من ترقيقهما، مثل قوله: { لا تزغ قلوبنا} {الذي اختلفوا} {إن في اختلاف}، {رب اغفر}، قلت في ذلك:


وحرف الاستعلاء في غين وخا = إن جاء كسر قبل ذين رققا
وذاك حال سكون يا فتى = فافهم كلامي يا أُخي وطبقا


أما إذا كان حرف الاستعلاء مكسور، فإن تفخيمه يسمى تفخيما تقديريا لوجود الكسرة، هذا عن مراتب التفخيم، وأما أيُ الحروف أولى بالتفخيم وأقوى فقد سمعت من شيخي الشيخ: محمود محمد خبوط بطما بصعيد مصر:
مراتب التفخيم حصرها يفي طب ضيف صدق ظل قل غير خفي
يعني: أن أقوى الحروف تفخيماً الطاء، سيما إذا كانت مفتوحة بعدها ألف يليها الضاد يليها الصاد يليها الظاء يليها القاف يليها الغين يليها الخاء. لذا قال الناظم:


وحرف الاستعلاء فخم واخصصا = الاطباق أقوى نحو قال والعصا

قال الناظم:

وبين الإطباق من أحطت مع = بسطت والخلف بنخلقكم وقع


بين أيها القارئ الإطباق من: أحطت، فلا تدع التاء تطغى على الطاء، ولا تدع الطاء تطغى على التاء، وكذا الحال في (بسطت). وأما قوله: (والخلف بنحلقكم وقع) فذلك في قوله تعالى في سورة المرسلات: {ألم نخلقكم من ماء مهين}، فقرأ بعضهم بكمال الإدغام، وقرأ الآخرون بظهور صفة القاف مع الكاف، والأرجح الإدغام الكامل كذا قرأنا.
قال الناظم:


واحرص على السكون في جعلنا = أنعمت والمغضوب مع ضللنا


احرص أيها القارئ على سكون اللام في جعلنا وإياك وتمييعها، فإن بعض القراء يقول (وجعلنا)وجعلنا، يريد بذلك الحرص على السكون، بينما هو يحركها، وكذا: (أنْعمت)بعضهم لا يراعي سكون النون فيقول: ( أنَعمت) (إن أنتم) ( أن آمن بالله) والمطلوب أن يلصق اللسان بعليا الثنايا حتى لا يتحرك، وكذا خلص أيها القارئ ترقيق الميم من تفخيم الغين والضاد في (المغضوب) فيقرأ هكذا (غير المغضوب)، وكذا خلص انفتاح اللامين وترقيقهما من الضاد في: ضللنا، هذا معنى قوله:


واحرص على السكون في جعلنا = أنعمت والمغضوب مع ضللنا

ثم قال:


وخلص انفتاح محذرواً عسى = خوف اشتباهه بمحظوراً عصى


يعني: خلص أيها القارئ انفتاح محذورا بمعنى الحذر فرقق الميم والحاء والذال خوف اشتباهه بمحظورا بمعنى المنع، وخلص انفتاح العين والسين، وترقيقهما من عسى بمعنى الرجاء خوف اشتباهه بعصى بمعنى العصيان.
قال الناظم:

وراع شدة بكاف وبتا = كشرككم وتتوفى فتنتا


راع أيها القارئ مخرج الكاف والتاء من قوله: شرككم وتتوفى وفتنة، فلا تتهاون في النطق بهما مخافة أن يجري النفس مع النطق، وذلك ينافي ما فيهما من شدة، وكثير من القراء يشمون الكاف خاء ويملئون التاء نفساً أو يشمونها بالسين، وهذا مناف لصفة الحرفين. والله تعالى أعلم.