الدروس
course cover
باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك
26 Oct 2008
26 Oct 2008

4852

0

0

course cover
كتاب التوحيد

القسم العاشر

باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك
26 Oct 2008
26 Oct 2008

26 Oct 2008

4852

0

0


0

0

0

0

0

باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايَةَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم حِمَى التَّوْحِيدِ وَسَدِّهِ طُرُقَ الشِّرْكِ

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا.

فَقَالَ: (( السَّيِّدُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ))

قُلْنَا: وَأَفْضَلُنَا فَضْلاً، وَأَعْظَمُنَا طَوْلاً.
فَقَالَ: (( قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ، وَلاَ يَسَتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ )). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ.

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ نَاسًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، يَا خَيْرَنَا، وَابْنَ خَيْرِنَا، وَسَيِّدَنَا، وَابْنَ سَيِّدِنَا. فَقَالَ: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلاَ يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِيَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ )) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ. فِيهِ مَسَائِلُ:

الأُولَى: تَحْذِيرُ النَّاسِ مِنَ الْغُلُوِّ.
الثَّانِيَةُ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَنْ قِيلَ لَهُ: أَنْتَ سَيِّدُنَا.

الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: (( لاَ يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ))مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا إِلاَّ الْحَقَّ.

الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: (( مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي )).

هيئة الإشراف

#2

2 Nov 2008

فتح المجيد للشيخ: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ

قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1285هـ): ((1) قال المصنِّفُ رحمَهُ اللهُ تعالَى: (بابُ ما جاءَ في حِمايَةَ المصطفَى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حِمَى التَّوحيدِ، وسَدِّهِ طُرُقَ الشِّركِ) عنْ عبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ رضِيَ اللهُ عنهُ قال: انطَلَقْتُ في وفْدِ بَني عامرٍ إلَى رسولِ اللهُ صلَى اللهُ عليهِ وسلم، فقُلنا: أنتَ سيِّدُنا.

فقالَ: ((السَّيِّدُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى)).

قلنا: وأفضَلُنا فضْلاً، وأعْظَمُنا طَوْلاً.
فقالَ: ((قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، أوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ، وَلاَ يَسَتَجْرِينَّكُمْ الشَّيْطَانُ)) رواهُ أبو داودَ بسندٍ جيدٍ.
وعَن أنسٍ رضي اللهُ عنْهُ: (أنَّ ناسًا قالوا: يا رسولَ اللهِ، يا خَيْرَنا وابنَ خَيرِنا، وسيِّدَنا وابنَ سيِّدِنا.
فقال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلاَ يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيطانُ، أنَا مُحَمدٌ عبدُ اللهِ ورسولُهُ، ما أُحِبُّ أنْ تَرفَعُوني فوْقَ منزِلَتي التي أنْزلَني اللهُ عزَّ وجلَّ))رواهُ النَّسائيُّ بسندٍ جيدٍ.
قولُهُ: (بابُ ما جاءَ في حِمايَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَى التَّوحيدِ وسَدِّهِ طُرُقَ الشِّركِ) حِمَايَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَى التوحيدِ عَمَّا يَشُوبُهُ من الأقوالِ والأعمالِ التي يَضْمَحِلُّ معها التوحيدُ أوْ يَنْقُصُ، وهذا كثيرٌ في السُّنَّةِ الثابتةِ عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كقولِهِ: ((لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّما أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ)) تَقَدَّمَ، وقولِهِ: ((إِنَّهُ لاَ يُسْتَغَاثُ بِي وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ)) ونحوِ ذلكَ، ونَهَى عن التَّمَادُحِ وشَدَّدَ القولَ فيهِ، كقولِهِ لِمَنْ مَدَحَ إنسانًا: ((وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ)) الحديثَ، أَخْرَجَهُ أبو دَاوُدَ، عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بَكْرَةَ، عنْ أبيهِ: أَنَّ رَجُلاً أَثْنَى عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقالَ لَهُ: ((قَطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِكَ)) ثلاثًا.
وقالَ: ((إِذَا لَقِيتُمُ الْمَدَّاحِينَ فاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ)) أَخْرَجَهُ مسلِمٌ، والتِّرمذيُّ، وابنُ مَاجَه، عن الْمِقدادِ بنِ الأسودِ.
وفي هذه الأحاديثِ: نَهَى عنْ أنْ يقولوا: أنْتَ سَيِّدُنَا.
وقالَ: ((السيِّدُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى))
ونَهَاهُمْ أن يَقولوا: ((وأفضَلُنا فَضْلاً، وأَعْظَمُنا طَوْلاً))

وقالَ: ((لاَ يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيطَانُ)).

(2) وكذلكَ قولُهُ في حديثِ أَنَسٍ: (أَنَّ نَاسًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، يَا خَيْرَنَا، وَابْنَ خَيْرِنَا، وسَيِّدَنَا وابنَ سَيِّدُنَا.
فقالَ: ((يَا أيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، وَلاَ يَسْتَهْوِيكُمُ الشَّيْطَانُ)).

كَرِهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُواجِهُوهُ بالْمَدْحِ، فيُفْضِيَ بِهِم إلَى الْغُلُوِّ، وأَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ مُواجَهَةَ الْمَادِحِ للممدوحِ بِمَدْحِهِ -ولوْ بما فيهِ- منْ عَملِ الشيطانِ؛ لما تُفْضِي مَحَبَّةُ الْمَدْحِ إليهِ منْ تَعَاظُمِ الممدوحِ في نفسِهِ، وذلكَ يُنافِي كَمالَ التوحيدِ، فإنَّ العِبادةَ لا تَقومُ إلاَّ بِقُطْبِ رَحاها الذي لا تَدورُ إلاَّ عليهِ، وذلكَ غايَةُ الذُّلِّ في غايَةِ الْمَحَبَّةِ؛ وكَمالُ الذلِّ يَقْتَضِي الْخُضوعَ والْخَشيَةَ والاستكانةَ للهِ تعالَى؛ وأنَّهُ لا يَرَى نفسَهُ إلاَّ في مَقامِ الذمِّ لها، والْمُعاتَبَةِ لها في حَقِّ رَبِّهِ، وكذلكَ الْحُبُّ لا تَحْصُلُ غايتُهُ إلاَّ إذا كان يُحِبُّ ما يُحِبُّهُ اللهُ، ويَكْرَهُ ما يَكْرَهُهُ اللهُ من الأقوالِ والأعمالِ والإراداتِ، ومَحَبَّةُ الْمَدْحِ من العَبْدِ لنفسِهِ تُخَالِفُ ما يُحِبُّهُ اللهُ منهُ.

والمادِحُ يَغُرُّهُ منْ نفسِهِ فيكونُ آثِمًا، فمَقامُ العُبوديَّةِ يَقتضِي كَراهةَ الْمَدْحِ رأسًا، والنهيَ عنه صِيانةً لهذا الْمَقامِ؛ فمتَى أَخْلَصَ العبدُ الذُّلَّ للهِ والمحبَّةَ لهُ خَلَصَتْ أعمالُهُ وصَحَّتْ، فمتَى أَدْخَلَ عليها ما يَشوبُها منْ هذه الشوائبِ دَخَلَ علَى مَقامِ العُبوديَّةِ بالنقْصِ أو الفَسادِ، وإذا أَدَّاهُ الْمَدْحُ إلَى التعاظُمِ في نفسِهِ والإعجابِ بها وَقَعَ في أَمْرٍ عظيمٍ يُنافِي العُبودِيَّةَ الْخَاصَّةَ كما في الحديثِ: ((الْكِبْرَيَاءُ رِدِائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ)).

وفي الحديثِ: ((لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)) وهذه الآفاتُ قدْ تكونُ مَحَبَّةُ الْمَدْحِ سببًا لها وسُلَّمًا إليها، والعُجْبُ يَأْكُلُ الْحَسناتِ كما تَأْكُلُ النارُ الحطَبَ، وأمَّا الْمَادِحُ فقدْ يُفْضِي بهِ الْمَدْحُ إلَى أن يُنْزِلَ الممدوحَ مَنزِلةً لا يَسْتَحِقُّها؛ كما يُوجَدُ كثيرًا في أشعارِهم من الْغُلُوِّ الذي نَهَى عنه الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحَذَّرَ أُمَّتَهُ أنْ يَقَعَ منهم، فقدْ وَقَعَ الكثيرُ منهُ حتَّى صَرَّحوا فيهِ بالشرْكِ في الرُّبُوبِيَّةِ والإِلهيَّةِ والْمُلْكِ، كما تَقَدَّمَت الإِشارةُ إلَى شيءٍ منْ ذلكَ.
والنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَكْمَلَ اللهُ لهُ مَقامَ العُبوديَّةِ، صارَ يَكْرَهُ أن يُمْدَحَ، صِيانةً لهذا الْمَقامِ، وأَرْشَدَ الأُمَّةَ إلَى تَرْكِ ذلكَ نُصحًا لهم، وحِمايَةً لِمَقامِ التوحيدِ عنْ أنْ يَدْخُلَهُ ما يُفْسِدُهُ أوْ يُضْعِفُهُ من الشرْكِ ووسائلِهِ، {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}[البقرة:59] ورَأَوْا أنَّ فِعْلَ ما نَهاهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ فِعْلِهِ قُربةٌ منْ أفْضَلِ القُرُبَاتِ، وحَسَنةٌ منْ أَعْظَمِ الحسناتِ.

وأَمَّا تَسميَةُ العبدِ بالسيِّدِ فاخْتَلَفَ العلماءُ في ذلكَ:

قالَ العَلاَّمَةُ ابنُ القَيِّمِ في (بدائعِ الفوائدِ): (اخْتَلَفَ الناسُ في جَوازِ إطلاقِ السيِّدِ علَى البَشَرِ، فمَنَعَهُ قومٌ، ونُقِلَ عنْ مالِكٍ، واحْتَجُّوا بقَوْلِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قِيلَ لهُ: (يَا سَيِّدَنا) قالَ: ((السَّيِّدُ اللهُ))، وَجَوَّزَهُ قَوْمٌ، واحْتَجُّوا بقولِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأنصارِ: ((قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ)) وهذا أَصَحُّ من الحديثِ الأَوَّلِ، قالَ هؤلاءِ: السيِّدُ أَحَدُ ما يُضافُ إليهِ، فلا يُقالُ للتَّمِيمِيِّ: سيِّدُ كِنْدَةَ، ولا يُقالُ: الْمَلِكُ سَيِّدُ البَشَرِ.

قالَ: وعلَى هذا فلا يَجوزُ أن يُطْلَقَ علَى اللهِ هذا الاسمُ - وفي هذا نَظَرٌ - فإنَّ السيِّدَ إذا أُطْلِقَ عليهِ تعالَى فهوَ في مَنْـزِلَةِ الْمَالِكِ، والْمَوْلَى، والرَّبِّ، لا بمعنَى الذي يُطْلَقُ علَى المخلوقِ). انْتَهَى.

قلتُ: فقدْ صَحَّ عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّهُ قالَ في معنَى قولِ اللهِ تعالَى: {قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا}[الأنعام:164](أيْ: إلهًا وسَيِّدًا) وقالَ في قولِ اللهِ تعالَى: {اللهُ الصَّمَدُ}(إنَّهُ السَّيِّدُ الذي كَمُلَ في جَميعِ أنواعِ السُّؤْدَدِ).

وقالَ أبو وَائلٍ: (هوَ السَّيِّدُ الذي انْتَهَى سُؤْدَدُهُ) وأمَّا استدلالُهم بقولِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأنصارِ: ((قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ)) فالظاهِرُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُواجِهْ سَعْدًا بهِ، فيكونُ في هذا الْمَقامِ تَفصيلٌ، واللهُ أَعْلَمُ.

هيئة الإشراف

#3

2 Nov 2008

القول السديد للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر السعدي

قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ((1) تَقَدَّمَ نظيرُ هذه التَّرْجَمَةِ، وأَعَادَهَا المُصنِّفُ اهْتِمامًا بالمقامِ؛ فإنَّ التوحيدَ لا يَتِمُّ ولا يُحْفَظُ ولا يُحَصَّنُ إلا باجتنابِ جميعِ الطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إلى الشِّركِ، والفَرْقُ بينَ البابينِ أنَّ الأوَّلَ فيه حمايةُ التوحيدِ بِسَدِّ الطُّرُقِ الفِعْلِيَّةِ، وهذا البابَ فيه حمايتُه وَسَدُّه بالتأدُّبِ والتَّحَفُّظِ بالأقوالِ، فكلُّ قولٍ يُفضِي إلى الغلوِّ الَّذي يُخشَى مِنه الوقوعُ في الشِّركِ ، فإنَّه يَتَعَيَّنُ اجتنابُه ولا يَتِمُّ التوحيدُ إلاَّ بتَرْكِهِ.


والحاصِلُ أنَّ تمَامَ التوحيدِ:

- بالقيامِ بشروطِه.

- وأركانِه.

- ومُكَمِّلاَتِهِ.

- ومُحَقِّقاتِه.

- وباجتنابِ نواقِضِه.

- ومُنَقِّصاتِه ظاهِرًا وباطِنًا.

- قوْلاً وفِعْلاً.

- وإرادةً واعْتِقَادًا.

وقَدْ مَضَى مِن التفاصيلِ ما يُوضِّحُ ذلِكَ.

هيئة الإشراف

#4

2 Nov 2008

تهذيب القول المفيد للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) مناسبةُ البابِ للتَّوحيدِ: لمَّا تكلَّمَ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ فيما مَضَى منْ كتابِهِ على إثباتِ التَّوحيدِ، وعلى ذِكْرِ ما يُنَافِيهِ أوْ يُنَافي كمالَهُ، ذكرَ ما يَحْمِي هذا التَّوحيدَ، وأنَّ الواجبَ سَدُّ طُرُقِ الشِّركِ منْ كلِّ وَجْهٍ حتَّى في الألفاظِ؛ ليكونَ خالِصًا منْ كُلِّ شَائِبَةٍ.

قال الشيخ ابن قاسم في حاشيته على (كتاب التوحيد) (ص:393) : (وحمايته حمى التوحيد : صونه عما يشوبه من الأقوال والأعمال التي يضمحل معها التوحيد أو ينقص، وقد اشتمل هذا الكتاب مع اختصاره على ذلك أو أكثر، وعلى النهي عمُا ينافي التوحيد أو يضعفه، يعرف ذلك من تدبره ) .
(2) قولُهُ: (انطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَني عامرٍ) الظَّاهرُ أنَّ هذا الوفدَ قَدِمَ على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ في العامِ التَّاسعِ؛ لأنَّ الوفودَ كثُرَتْ في ذلكَ العامِ، ولذلكَ يُسمَّى عامَ الوفودِ.
قولُهُ: (أَنْتَ سيِّدُنا) السَّيِّدُ: ذُو السُّؤْدُدِ والشَّرفِ، والسُّؤْدُدُ معناهُ: العظَمَةُ والفخْرُ وما أشبهَهُ.

قولُهُ: (السَّيِّدُ اللهُ) لمْ يَقُلْ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: سيِّدُكُم، كما هوَ مُتَوَقَّعٌ؛ حيثُ إنَّهُ رَدٌّ على قولِهِم: (سيِّدُنا) لوجْهَيْنِ:
الوجهُ الأوَّلُ: إرادةُ العُمُومِ المستفادِمنْ (أَلْ)؛ لأنَّ (أَلْ) للعمومِ، والمعنى: أنَّ الَّذي لهُ السِّيادةُ المطلقَةُ هوَ اللهُ عزَّ وجلَّ، ولكنَّ السَّيِّدَ المضافَ يكونُ سَيِّدًا باعتبارِ المضافِ إليهِ، مِثلَ: سيِّدِ بني فُلانٍ، سيِّدِ البَشَرِ، وما أشبهَ ذلكَ.

الوجهُ الثَّاني: لِئَلاَّ يُتَوَهَّمَ أنَّهُ مِنْ جنسِ المضافِ إليهِ؛لأنَّ سيِّدَ كلِّ شيءٍ مِنْ جنْسِهِ.
و (السَّيِّدُ) منْ أسماءِ اللهِ تعالى، وهيَ منْ معاني الصَّمَدِ، كما فسَّرَ ابنُ عبَّاسٍ الصَّمدَ بأنَّهُ الكامِلُ في عِلْمِهِ وحِلْمِهِ وسُؤْدُدِهِ، وما أشبهَ ذلكَ.
ولمْ ينْهَهُم صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عنْ قولِهِم: (أَنْتَ سيِّدُنا)، بلْ أذِنَ لهم بذلكَ فقالَ: ((قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ)) لكنْ نَهَاهُمْ أنْ يَسْتَجْرِيَهُم الشيطانُ فيَتَرَقَّوْا من السِّيادةِ الخاصَّةِ إلى السِّيادةِ العامَّةِ المطلقةِ؛ لأنَّ (سَيِّدَنا) سيادةٌ خاصَّةٌ مُضَافَةٌ، و(السَّيِّدُ) سيادةٌ عامَّةٌ مُطْلَقةٌ غيرُ مضافةٍ.
قولُهُ: (تَبَارَكَ) قالَ العلماءُ: (معنى تباركَ: أيْ كثُرَتْ بَرَكَاتُهُ وخَيْرَاتُهُ) ولهذا يقولونَ: إنَّ هذا الفعلَ لا يُوصَفُ بهِ إلاَّ اللهُ، فلا يُقالُ: تباركَ فلانٌ؛ لأنَّ هذا الوصفَ خاصٌّ باللهِ.
والبركةُ يَصِحُّ إضافتُهَا إلى الإنسانِ إذا كانَ أهلاً لذلكَ.
كما قالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ حينَ نَزَلَتْ آيةُ التَّيمُّمِ بسببِ عِقْدِ عائشةَ الَّذي ضاعَ منها: (مَا هَذِهِ بأَوَّلِ بَرَكَتِكُم يا آلَ أبي بَكْرٍ).
قولُهُ: (وأفضَلُنا) أيْ: فَضْلُكَ أفضلُ مِنْ فَضلِنا.
قولُهُ: (وأعْظَمُنا طَوْلاً) أيْ: أعظمُنا شَرَفًا وغِنًى، والطَّوْلُ: الغِنى، قالَ تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ }.
ويكونُ بمعنى العظَمةِ، قالَ تعالى: { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ }، أيْ: ذي العظَمَةِ والغِنى.
قولُهُ: (قُولُوا بِقوْلِكُم، أَوْ بَعْضِ قوْلِكُم) الأمرُ للإباحَةِ والإذنِ كما سبَقَ.
وقولُهُ: (قُولُوا بِقَوْلِكُم) يعني: قوْلَهُم: أنتَ سيِّدُنا، أوْ أنتَ أفضلُنَا، وما أشبهَ ذلكَ.
وقولُهُ: (أوْ بعْضِ قولِكُم) يحتَمِلُ أنْ يكونَ شَكًّا مِن الرَّاوِي، أوْ أنْ يكونَ منْ لفظِ الحديثِ، أي: اقْتَصِرُوا على بعْضِهِ.
قولُهُ: (وَلاَ يَسَتَجْرِينَّكُمُ الشَّيْطَانُ) اسْتَجْرَاهُ بمعنى جَذَبَهُ وجعلَهُ يجري معهُ، أيْ: لا يَسْتَمِيلَنَّكُم الشَّيطانُ ويَجْذِبَنَّكُم إلى أنْ تقولوا قولاً مُنْكَرًا، فأرشدَهُم صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ إلى ما ينبغي أنْ يُفْعَلَ، ونهاهُم عن الأمرِ الَّذي لا ينبغي أن يُفْعَلَ؛ حمايةً للتَّوحيدِ من النَّقصِ أو النَّقضِ.
وقالَ في (النِّهايةِ): (لاَ يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ) أيْ: لا يَسْتَغْلِبَنَّكُمْ فيتَّخِذَكُم جَرْيًا، أيْ: رسولاً ووكيلاً.
وعلى كلا التفسيرَيْنِ فمرادُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حمايةُ التوحيدِ وسدُّ كلِّ طريقٍ يُوصِلُ إلى الشِّركِ.
والحمايةُ من المنكَرِ تَعْظُمُ كُلَّما كانَ المنكرُ أعظمَ وأكبرَ، أوْ كانَ الداعي إليهِ في النفوسِ أشدَّ؛ ولهذا تَجِدُ أنَّ بابَ الشِّركِ حماهُ النَّبيُّ عَليْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حمايةً بالغةً حتَّى سدَّ كلَّ طريقٍ يُمْكِنُ أنْ يكونَ ذريعةً إليهِ؛ لأنَّهُ أعظمُ الذنوبِ.
وأيضًا بابُ الزِّنا حُمِيَ حمايةً عظيمةً، حتَّى مُنِعَت المرأةُ من التَّبرُّجِ وكشْفِ الوجهِ وخَلْوَتِهَا بالرَّجُلِ المُحَرَّمِ وما أشبهَ ذلكَ؛ لِئَلاَّ يكونَ ذلكَ ذريعةً إلى الزِّنَا؛ لأنَّ النُّفوسَ تَطْلُبُهُ.
وفي بابِ الرِّبا أيضًا حُمِيَ الرِّبا بحمايةٍ عظيمةٍ، حتَّى إنَّ الرَّجلَ لَيُعْطِي الرَّجلَ صاعًا من البُرِّ بصاعَيْنِ قيمتُهُما واحدةٌ، ويكونُ ذلكَ ربًا مُحَرَّمًا، معَ أنَّهُ ليسَ فيهِ ظُلْمٌ.

فالشِّركُ قدْ يكونُ من الأمورِ الَّتي لا تدعو إليهِ النُّفوسُ كثيرًا، لكنَّهُ أعظمُ الظُّلمِ، فالشَّيطانُ يحرِصُ على أنْ يُوصِلَ ابنَ آدمَ إلى الشِّركِ بكلِّ وسيلةٍ، فحماهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّم حمايةً تامَّةً مُحْكمةً؛ حتَّى لا يدخلَ الإنسانُ فيهِ منْ حيثُ لا يشعرُ، وهذا هوَ معنى البابِ الَّذي ذكَرَهُ المؤلِّفُ.

تنبيهٌ: جرَى شُرَّاحُ هذا الحديثِ على أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ نهاهُمْ عنْ قولِ: سيِّدُنا، فحاوَلُوا الجمعَ بينَ هذا الحديثِ وبينَ قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: ((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ)) وقولِهِ: ((قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ)) وقولِهِ في الرَّقيقِ: ((وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي وَمَوْلاَيَ)) بواحدٍ مِنْ ثلاثةِ أَوْجُهٍ:

الأوَّلُ: أنَّ النَّهيَ على سبيلِ الكراهَةِ والأدبِ، والإباحةَ على سبيلِ الجوازِ.

الثَّاني: أنَّ النَّهيَ حيثُ يُخْشَى منهُ المفسدةُ، وهيَ التّدرُّجُ إلى الغُلُوِّ، والإباحةَ إذا لم يكُنْ هناكَ مَحْذُورٌ.

الثَّالثُ: أنَّ النَّهيَ بالخطابِ، أيْ: أنْ تُخَاطِبَ الغيرَ بقولِكَ: أنْتَ سيِّدي أوْ سيِّدُنا، بخلافِ الغائبِ؛ لأنَّ المخاطَبَ رُبَّما يكونُ في نفسِهِ عُجْبٌ وعُلوٌّ وتَرَفُّعٌ، ثمَّ إنَّ فيهِ شيئًا آخرَ وهو خضوعُ هذا المتسيِّدِ لهُ وإذلالُ نفسِهِ لهُ بخلافِ ما إذا جاءَ من الغَيْرِ، مثلَ: ((قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ)) أوْ على سبيلِ الغَيْبَةِ، كقولِ العبدِ: قالَ سيِّدي، ونحوَ ذلكَ.

لكنَّ هذا يُرَدُّ عليهِ إباحتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ للرَّقيقِ أنْ يقولَ لمالكِهِ: سيِّدي.
والَّذي يظهرُ لي أنْ لا تعارُضَ أصلاً؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَذِنَ لهُمْ أنْ يقولوا بقولِهم، لكنْ نهاهُم أنْ يَسْتَجْرِيَهُم الشيطانُ بالغُلُوِّ، مثلَ ( السيِّدِ )؛ لأنَّ السَّيِّدَ المطلقَ هوَ اللهُ تعالى.
وعلى هذا يجوزُ أنْ يُقَالَ: سيِّدُنا، وسيِّدُ بني فلانٍ، ونحوُهُ، ولكنْ بشرطِ أنْ يكونَ المُوَجَّهُ إليهِ السِّيادةُ أهلاً لذلكَ، أمَّا إذا لم يكُنْ أهلاً كما لوْ كانَ فاسِقًا أوْ زِنْدِيقًا فلا يُقالُ لهُ ذلكَ ، حتَّى ولوْ فُرِضَ أنَّهُ أعلى منْهُ مَرْتَبَةً أوْ جَاهًا، وقدْ جاءَ في الحديثِ: ((وَلاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ: سَيِّدٌ؛ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ أَغْضَبْتُمُ اللهَ)) فإذا كانَ أهلاً لذلكَ وليسَ هناكَ محذورٌ، فلا بأسَ بهِ، وأمَّا إنْ خُشِيَ المحذورُ أوْ كانَ غيرَ أهلٍ فلا يجوزُ، والْمَحذورُ هوَ الخشيةُ من الغلوِّ فيهِ.
(3) قولُهُ: قالوا: (يا رسولَ اللهِ) هذا النِّداءُ مُوَافِقٌ لقولِهِ تعالى: { لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا }، أيْ: لا تُنَادُوهُ كما يُنَادِي بعضُكُم بعضًا فتقُولُوا: يا مُحَمَّدُ، ولكنْ قولوا: يا رسولَ اللهِ، أوْ يا نبيَّ اللهِ.
وفي الآيةِ معنًى آخَرُ: أيْ: إذا دَعاكُم الرَّسولُ فلا تجعلوا دُعاءَهُ إيَّاكُم كدُعَاءِ بعضِكُم بعضًا إنْ شئتُم أجبْتُم وإنْ شِئتُمْ أبَيْتُمْ، فهوَ كقولِهِ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }، وعلى المعنى الأوَّلِ تكونُ (دُعاءِ) مضافةً إلى المفعولِ، وعلى الثَّاني تكونُ مضافةً إلى الفاعلِ.

قولُهُ: (خيْرُنا) هذا صحيحٌ، فهوَ خيرُهُم نَسَبًا ومَقَامًا وحالاً.
قولُهُ: (وابنُ خيرِنَا) أيْ: في النسبِ، لا في المَقَامِ والحالِ، وكذلكَ يُقَالُ في قولِهِ: (وابنُ سيِّدِنا).
قولُهُ: (قُولُوا بِقَوْلِكُمْ) سبقَ القولُ فيهِ.
قولُهُ: (وَلاَ يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ) أيْ: لا يَسْتَمِيلَنَّكُم الشَّيطانُ فتَهْوَوْهُ وَتَتَّبِعُوا طُرُقَهُ حتَّى يَبْلُغُوا الغُلُوَّ، ونظيرُهُ قولُهُ تعالَى: { كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ }.
قولُهُ: (أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ) (مُحَمَّدٌ) اسمُهُ العلَمُ، و(عبدُ اللهِ ورسولُهُ) وصفانِ لهُ، وهذانِ الوصفانِ أحسنُ وأبلغُ وصفٍ يتَّصفُ بهِ الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ؛ ولذلكَ وصفَهُ اللهُ تعالى بالعبوديَّةِ في أعظمِ المَقَامَاتِ، فوصفَهُ بها في مَقَامِ إنزالِ القرآنِ عليهِ، قالَ تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ } ووصَفَهُ بها في مقامِ الإسراءِ، قالَ تعالى: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } ووصَفَهُ بها في مَقَامِ المعراجِ.
قالَ تعالى: { فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } ووصفَهُ بها في مَقَامِ الدِّفاعِ عنهُ والتحدِّي، قالَ تعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا }.
وكذلكَ: بالنِّسْبَةِ للأنبياءِ، كقولِهِ تعالى: { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} وهذهِ العُبُودِيَّةُ خاصَّةٌ، وهيَ أعلى أنواعِ الخاصَّةِ.

والعبوديَّةُ للهِ مِنْ أَجَلِّ أوصافِ الإنسانِ؛ لأنَّ الإنسانَ إمَّا أن يَعْبُدَ اللهَ أو الشَّيطانَ، قالَ تعالى: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ }.

قالَ ابنُ القيِّمِ:

هَرَبُوا مِن الرِّقِّ الذي خُلِقُوا لهُ فـَبُلُوا بِرِقِّ النَّفـسِ والشَّيطانِ

وقالَ الشَّاعرُ:

لا تدْعُنِي إِلاَّ بِيا عَبْدَها فــَإنَّهُ أشــْرَفُ أَســْمـَائِي

(ورَسُولُهُ) أي: المُرْسَلُ منْ عنْدِهِ إلى جميعِ النَّاسِ، كما قالَ تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا }.

ورسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّم في قِمَّةِ الطَّبقاتِ الصَّالحةِ، قالَ تعالى: { وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا } والنَّبيُّونَ فيهم الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، بلْ هوَ أفضلُهُم.

ومِنْ عبارةِ المؤلِّفِ رَحِمَهُ اللهُ في الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: (عَبْدٌ لاَ يُعْبَدُ، ورَسُولٌ لا يُكَذَّبُ).
وقدْ تَطَرَّفَ في الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ طائفتانِ:
- طائفةٌ غَلَتْ فيهِ حتَّى عَبَدَتْهُ، وأعَدَّتْهُ للسَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، وصارَتْ تَعْبُدُهُ وتدْعُوهُ مِنْ دونِ اللهِ.
- وطائِفةٌ كذَّبَتْهُ وزعَمَتْ أنَّهُ كاذِبٌ ساحِرٌ شاعرٌ مجنونٌ كاهنٌ، ونحوَ ذلِكَ.

وفي قولِهِ: (عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ) رَدٌّ على الطَّائفتَيْنِ.

قولُهُ: (مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي) (ما) نافيةٌ، و(أنْ) ومَا دَخَلَتْ عليهِ في تأويلِ مصدرٍ مفعولِ أُحِبُّ، أيْ: ما أُحِبُّ رِفْعَتَكُم إيَّايَ فوقَ منزلتِي، لا في الألفاظِ، ولا في الألقابِ، ولا في الأحوالِ.
قولُهُ: (الَّتي أَنْزَلَنِيَ اللهُ) يُستفادُ منهُ أنَّ اللهَ تعالى هوَ الَّذي يجعلُ الفضلَ في عبادِهِ، ويُنَزِّلُهُم منازلَهُم.

فيهِ مسائلُ:

(4) الأولى: (تَحذيرُ النَّاسِ مِن الغُلُوِّ) تُؤْخَذُ مِنْ قولِهِ: ((لاَ يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ)) ووجهُهُ: أنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ جعلَ هذا من استجراءِ الشَّيطانِ، والإنسانُ يَجِبُ عليهِ أنْ يَحْذَرَ كلَّ ما كانَ منْ طُرُقِ الشَّيطانِ.

(5) الثانيةُ: (ما يَنْبَغي أنْ يقولَ مَنْ قِيلَ لَهُ: أنْتَ سيِّدُنا) وتُؤْخَذُ منْ قولِهِ: ((السَّيِّدُ اللهُ)) فينبغي أنْ يقولَ مَنْ قيلَ لهُ ذلكَ: السَّيِّدُ اللهُ.
(6) الثَّالِثةُ: (قولُهُ: ((لاَ يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ)) مَعَ أنَّهم لَمْ يَقُولُوا إِلاَّ الحَقَّ)، ظاهِرُ كلامِ المؤلِّفِ أنَّ هذا من استجراءِ الشَّيطانِ، فهذهِ الكلمةُ يُحْتَمَلُ أنَّ معناها أنَّ ما قُلْتُمْ من استجراءِ الشَّيطانِ.
ويُحْتَمَلُ أنَّ المعنى: قُولُوا بهذا القولِ ، ولكنْ إيَّاكُمْ أنْ تَغْلُوا؛ فإنَّ هذا من استجراءِ الشَّيطانِ، وهذا ظاهرُ الحديثِ كما سَبَقَ.

(7) الرَّابعةُ:قولُهُ: ((مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي)) أيْ: إنِّي أَكْرَهُ أنْ تَرْفَعُوني فوقَ مَنْزِلَتِي وهيَ العبوديَّةُ والرِّسالةُ، ففيها تواضُعُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.

هيئة الإشراف

#5

2 Nov 2008

شرح الشيخ: صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ 

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم  حِمى التوحيد وسدِّه طرق الشرك

النبي عليه الصلاة والسلام حمى وحرس جناب التوحيد، وحَمى حِمى التوحيد، وسدَّ كل طريق تُوصِل إلى الشرك، فإن في سنّة النبي عليه الصلاة والسلام مِن الدلائل على قاعدة سدّ الذرائع ما يبلغ مائة دليلٍ، أو أكثر، وأعظم الذرائع التي يجب أن تُسدّ ذرائع الشرك التي تُوصل إليه.

- ومن تلك الذرائع قول القائل: (أنت سيدنا وابنُ سيدنا وخيرنا وابن خيرنا) ونحو ذلك، فإن هذا فيها التعظيم الذي لا يجوز أن يُواجه به بشر، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم كما أخبر به عليه الصلاة والسلام، لكن كره المواجهة كما سيأتي، إذاً فحماية النبي صلى الله عليه وسلم حِمى التوحيد وسدِّه طرق الشرك كان في:

- جهة الاعتقادات.

- وكان في جهة الأعمال والأفعال.

- وكان في جهة الأقوال.

فإذا تأملت سنته وما جاء في هذا الكتاب

-(كتاب التوحيد) - وجدت أنه عليه الصلاة والسلام سَدَّ الباب في الاعتقادات الباطلة وسَدَّ الباب في الأفعال الباطلة كقوله: ((اشتدَّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).

- وسَدَّ الباب أيضاً في الأقوال التي تُوصل إلى الغلوّ المذموم فقال: ((لا تُطْروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)).

- وهذا الباب أيضاً من ذلك في بيان حماية النبي صلى الله عليه وسلم حِمى التوحيد فيما يتعلق بالقول الذي قد يتبعه اعتقاد.

- قال: (عن عبد الله ابن الشّخير رضي الله عنه قال: ((انطلقت في وفد بني عامرٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيّد الله تبارك وتعالى، قلنا وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً، فقال: قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان)) رواه أبو داودَ بسندٍ جيد).

في هذا الحديث أنّ إطلاق لفظ (السيد) على البشر هذا مكروه، ومخاطبته بذلك يجب سدُّها، فلا يُخاطب أحد بأن يُقال له: (أنت سيدنا على جهة الجمع) وذلك لأن فيها نوعَ تعظيم من جهة المخاطبة، يعني الخطاب المباشر، والجهة الثانية من جهة استعمال اللفظ، والنبي عليه الصلاة والسلام سيّد كما قال عن نفسه: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)).

ولكن مخاطبته عليه الصلاة والسلام، مع كونه سيداً؛ لكنَّه كرهها، ومنع منها؛ لئلا تؤدي إلى ما هو أعظم من ذلك من تعظيمه، والغلوّ فيه عليه الصلاة والسلام.

فهذا مناسبة هذا الحديث لهذا الباب:

أنَّ في قوله عليه الصلاة والسلام: ((السيد الله تبارك وتعالى))مع كونه عليه الصلاة والسلام هو سيد ولد آدم ما يفيد أنه عليه الصلاة والسلام حَمى حِمى التوحيد، وسَدَّ الطرق الموصلة إلى الشرك، ومنها طريق الغلوّ في الألفاظ.

- والقول للرجل بأنَّه سيد، ونحو ذلك إذا كان على وجه المخاطبة له، والإضافة إلى الجمع؛ فهذا أشدُّها، وإذا كان بدون المخاطبة له، ولفظ الجمع فإنه أهون منه.

ومما ذكر العلماء أنَّ قوله عليه الصلاة والسلام: ((السيد الله تبارك وتعالى)) أنه يُكره كراهةً شديدة أنْ يُقال لبشر: (إنه السيد) هكذا بالألف واللام وكلمة سيد، لأن هذا قد يُفهم منه استغراق معاني السيادة؛ لأن البشر له سيادة تخصّه، لكن الألف واللام هنا قد يُفهم منها استغراق ألفاظ السيادة.

ولهذا ترى أنَّ الذين يُشركون ببعض الأولياء، كالسيد البدوي يعظمون كلمة السيد، ويكثر عندهم التعبيد للسيد، ويريدون به (السيد البدوي) فيكثر عندهم عبد السيد، ونحو ذلك، ولا يريدون به الله جل وعلا، ولكن يريدون به ذلك الذي اتخذوه معبوداً، وتوجهوا إليه ببعض أنواع العبادة، فيفهمون من كلمة السيد:

- أنه ذو السيادة.

- وذو التصرف في الأمر، وهذا هو الذي اعتقدوه من أنَّ للبدوي، ولأمثاله أنّ لهم تصرفاً في الأرض وقبولاً للمطالب في الحاجات.

(( قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان))

لأن هذا فيه الثناء والمدح بالمواجهة، وهذا من الشيطان، فالشيطان هو الذي يفتح هذا الباب أن يُمدح أحد، ويُعظَّم في مواجهته، وذلك حتى يعظم في نفسه؛ فيأتيه الخذلان؛ لأن كل أحدٍ تخلى عن: - (لاحول ولا قوة إلا بالله).

- وتخلى عن الإزدراء للنفس، والذل، والخضوع الذي يعلمه الله مِنْ قلبه؛ فإنه يُخذل ويأتيه الأمر على غِرة.

ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقال بمثل ذلك القول مواجهة، ونهى عن المدح؛ لأن فيه إضراراً بالمتكلم، وإضراراً بالمقول فيه ذلك الكلام.

- قال: وعن أنس رضي الله عنه: ((أن ناساً قالوا: يا رسول الله يا خيرنا وابنَ خيرنا وسيدنا وابن سيدنا فقال: يا أيها الناس قولوا بقولكم، ولا يستهوينّكم الشيطان أنا محمدٌ عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل))رواه النسائي بسندٍ جيد.

هو عليه الصلاة والسلام كما وصفوه، هو خيرهم، وهو سيدهم عليه الصلاة والسلام؛ لكنه حمى ذلك الجناب جناب التوحيد، وحَمى حِمى التوحيد حتى لا يستدلَّ أحد بعده عليه الصلاة والسلام بهذا الكلام، على أنه يجوز أن يُقال لمن ظن الناس فيه ذلك، بل سَدَّ الباب في نفسه، وهو سيد ولدِ آدم، وهو خيرهم عليه الصلاة والسلام وأفضلهم، ولكن سَدَّ الباب حتى لا يدخل أحدٌ منه بإقراره هذا الفعل؛ فيُعظَّم أحد، ويدخل الشيطان إلى ذلك المعظّم، وإلى المعظِّم؛ فيجعل القلوب تتعلق بذلك المعظَّم، حتى يُشرك به، وحتى يُعظَّم بما لا يجوز له مِنَ التعظيم.

- هذا الباب كالجامع لما يجب من سَدِّ الذرائع الموصلة للشرك، وهذا واجب على المسلم أنَّ كل طريق، أو سبيل يجعل نفسه تتعاظم من نفسه لنفسه، أو من الخلق له يجب عليه أن يَسُدَّه.

لأن أعظم مقامات الشرف لكَ:

- أنْ يعلم الله جل وعلا منك أنك متذللٌ خاضعٌ بين يديه.

- وأنك خائفٌ وَجِل تدعوه راغباً راهباً، هذه صفة الخُلَّص من عباد الله جل وعلا الذين وعدهم الله جل وعلا بالخيرات، قال سبحانه: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين}والخشوع نوعان:

- خشوع في القلب.

- وخشوع في الجوارح.

- وخشوع القلب:

بالتطامن والذل والخضوع بين يدي الله.

- وخشوع الجوارح: بسكونها، كما قال جل وعلا: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة}.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

2 Nov 2008

العناصر

مناسبة باب (ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد) لكتاب التوحيد


السبب في عقد المصنف باب (ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم..) مع أن عامة أبواب الكتاب تدل عليه

- أمثلة على حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد

شرح ترجمة الباب (ما جاء حماية النبي...)


شرح حديث عبد الله بن الشخير: (السيد الله تبارك وتعالى...)

- بيان وقت قدوم وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم

- معنى (السيد) و(السؤدد)
- فائدة في حكم إطلاق كلمة (سيد) على البشر
- الخلاف في تسمية العبد بالسيد
- السبب في عدول النبي صلى الله عليه وسلم عن قول: (سيدكم الله) إلى قول: (السيد الله)
- معنى (تبارك)، وحكم قول العامة: (أنت تباركت علينا)
- بيان أن النبي لم ينههم عن قول: (أنت سيدنا) ولم يقرهم الإقرار الكامل
- معنى قوله: (وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً)
- معنى قوله: (قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان)
- نوع الأمر في قوله: (قولوا بقولكم..)
- الجمع بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قول: (سيدنا)، وقوله: (قوموا إلى سيدكم) ونحو ذلك
- أهمية الاقتصاد في القول والتحرز من مكائد الشيطان

شرح حديث أنس: (أن ناساً قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا ...)

- بيان خطر المواجهة بالمدح
- معنى قوله: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً)
- بيان أن الحماية من المنكر تعظم كلما كانت المعصية أكبر، والداعي إليها من النفس أعظم
- بيان متى يجوز قول: (الله ورسوله أعلم)، ومتى لا يجوز

بيان خطأ من يكتب على بعض الأعمال: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله)


شرح مسائل باب (ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد...)