19 Jan 2015
تفسير
قوله تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ
نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا
(12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا
وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ
قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ
وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا
تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا
زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ
عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ
لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا
وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ
وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ
شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ
سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال
اللّه تعالى: {فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسرورًا} وهذا من
باب التّجانس البليغ، {فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم} أي: آمنهم ممّا خافوا
منه، {ولقّاهم نضرةً} أي: في وجوههم، {وسرورًا} أي: في قلوبهم. قاله الحسن
البصريّ، وقتادة، وأبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ. وهذه كقوله تعالى:
{وجوهٌ يومئذٍ مسفرةٌ (38) ضاحكةٌ مستبشرةٌ} [عبس: 38، 39]. وذلك أنّ القلب
إذا سرّ استنار الوجه، قال كعب بن مالكٍ في حديثه الطّويل: وكان رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا سرّ، استنار وجهه حتّى كأنّه قطعة قمر
وقالت عائشة: دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مسرورًا تبرق
أسارير وجهه. الحديث). [تفسير القرآن العظيم: 8/289-290] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} فلا يَحْزُنُهُمُ الفزَعُ الأَكْبَرُ، وتَتَلَقَّاهُمُ الملائكةُ {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}. قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (11-{فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} أيْ: دفَعَ عنهم شَرَّهُ بسببِ خَوْفِهم منه وإطعامِهم لوَجْهِه. قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وجزاهم بما صبروا} أي: بسبب صبرهم أعطاهم ونوّلهم وبوّأهم {جنّةً وحريرًا} أي: منزلًا رحبًا، وعيشًا رغدًا ولباسًا حسنًا. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا}
على طاعةِ اللَّهِ، فعَمِلُوا ما أَمْكَنَهم منها، وعن مَعَاصِي اللَّهِ
فتَرَكُوها، وعلى أقدارِ اللَّهِ الْمُؤْلِمَةِ، فلم يَتَسَخَّطُوها {جَنَّةً} جامعةً لكلِّ نَعيمٍ، سالمةً مِن كلِّ مُكَدِّرٍ ومُنَغِّصٍ، {وَحَرِيراً} كما قالَ تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}. قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({متّكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا (13) ودانيةً عليهم ظلالها وذلّلت قطوفها تذليلا}. يخبر
تعالى عن أهل الجنّة وما هم فيه من النّعيم المقيم، وما أسبغ عليهم من
الفضل العميم فقال: {متّكئين فيها على الأرائك} وقد تقدّم الكلام على ذلك
في سورة "الصّافّات"، وذكر الخلاف في الاتّكاء: هل هو الاضطجاع، أو
التّمرفق، أو التّربّع أو التّمكّن في الجلوس؟ وأنّ الأرائك هي السّرر تحت
الحجال. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ}،
الاتِّكاءُ: التَّمَكُّنُ مِن الجلوسِ، في حالِ الرَّفاهِيَةِ
والطُّمأنينةِ والراحةِ، والأرائكُ هي السُّرُرُ التي عليها اللِّباسُ
الْمُزَيَّنُ. قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (13-{مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ} جَزَاهم جَنَّةً مُتَّكِئِينَ فيها على الأَسِرَّةِ التي عليها الكِلَلُ، {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} لا يَرَوْنَ في الجنَّةِ حَرَّ الشمسِ ولا بَرْدَ الزَّمْهَريرِ). [زبدة التفسير: 579] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ودانيةً
عليهم ظلالها} أي: قريبةٌ إليهم أغصانها، {وذلّلت قطوفها تذليلا} أي: متى
تعاطاه دنا القطف إليه وتدلّى من أعلى غصنه، كأنّه سامعٌ طائعٌ، كما قال
تعالى في الآية الأخرى: {وجنى الجنّتين دانٍ} [الرّحمن: 54] وقال تعالى
{قطوفها دانيةٌ} [الحاقّة: 23] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً}؛ أي: قُرِّبَتْ ثَمَرَاتُها مِن مُريدِها تَقريباً يَنَالُها وهو قائمٌ، أو قاعدٌ، أو مُضْطَجِعٌ). [تيسير الكريم الرحمن: 901] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (14-{وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا} المعنى أنَّ ظِلالَ الأشجارِ قَريبةٌ منهم مُظِلَّةٌ عليهم زِيادةً في نَعيمِهم، وإنْ كانَ لا شَمْسَ هنالِكَ، {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا}
سُخِّرَتْ ثِمَارُها لِمُتَنَاوِلِيها تَسخيراً، يَتناوَلُها القائمُ
والقاعدُ والْمُضْطَجِعُ، لا يَرُدُّ أيْدِيَهُم عنها بُعْدٌ ولا شَوْكٌ).
[زبدة التفسير: 579] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{ويطاف عليهم بآنيةٍ من فضّةٍ وأكوابٍ} أي: يطوف عليهم الخدم بأواني
الطّعام، وهي من فضّةٍ، وأكواب الشّراب وهي الكيزان الّتي لا عرى لها ولا
خراطيم. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (ويُطافُ على أهلِ الجنَّةِ - أي: يَدورُ عليهم الْخَدَمُ والوِلدانُ - {بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} ). [تيسير الكريم الرحمن: 901] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (15-{وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ} أيْ: تَدورُ عليهم الْخَدَمُ إذا أَرَادُوا الشرابَ بآنِيَةِ الفِضَّةِ وكُؤوسِ الفِضَّةِ). [زبدة التفسير: 579] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قوارير من فضّةٍ قدّروها تقديرًا (16) } قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ}؛ أي: مادَّتُها مِن فِضَّةٍ، وهي على صَفاءِ القواريرِ. قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (16-{قَوَارِيرَا مِن فِضَّةٍ}
قواريرُ أهلِ الجنَّةِ مِن فِضةٍ، فاجتمَعَ لها بياضُ الفضَّةِ وصَفاءُ
القواريرِ, هي الزُّجاجُ، فالقَواريرُ التي في الدنيا مِن الرَّمْلِ،
فأَعْلَمَ اللهُ فضْلَ تلك القواريرِ أنَّ أصْلَها مِن فِضَّةٍ يُرَى مِن
خارِجِها ما في داخِلِها، {قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} فجاءَتْ كما يُريدونَ في الشكْلِ لا تَزيدُ ولا تَنْقُصُ). [زبدة التفسير: 579] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{ويسقون فيها كأسًا كان مزاجها زنجبيلا} أي: ويسقون -يعني الأبرار
أيضًا-في هذه الأكواب {كأسًا} أي: خمرًا، {كان مزاجها زنجبيلا} فتارةً يمزج
لهم الشّراب بالكافور وهو باردٌ، وتارةً بالزّنجبيل وهو حارٌّ، ليعتدل
الأمر، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارةً ومن هذا تارةً. وأمّا المقرّبون
فإنّهم يشربون من كلٍّ منهما صرفًا، كما قاله قتادة وغير واحدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/291-292] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَيُسْقَوْنَ فِيهَا}؛ أي: في الجَنَّةِ مِن كَأْسٍ، وهو الإناءُ المملوءُ مِن خَمْرٍ ورَحيقٍ. قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (17-{وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا} الكأسُ هو الإناءُ فيه الخمْرُ، أيْ: مَمزوجةٌ بالزَّنْجَبيلِ). [زبدة التفسير: 579] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد تقدّم قوله: {عينًا يشرب بها عباد اللّه} وقال هاهنا: {عينًا فيها تسمّى سلسبيلا} أي: الزّنجبيل عينٌ في الجنّة تسمّى سلسبيلًا. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({عَيْناً فِيهَا}؛ أي: في الجنَّةِ {تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً}, سُمِّيَتْ بذلك لسَلاَسَتِها ولَذَّتِها وحُسْنِها). [تيسير الكريم الرحمن: 902] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (18-{عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} السلسبيلُ في اللغَةِ اسمٌ لماءٍ في غايةِ السَّلاَسَةِ، حديدِ الْجِرْيَةِ، يَسُوغُ في حُلُوقِهم). [زبدة التفسير: 579] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله
تعالى: {ويطوف عليهم ولدانٌ مخلّدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا}
أي: يطوف على أهل الجنّة للخدمة ولدانٌ من ولدان الجنّة {مخلّدون} أي: على
حالةٍ واحدةٍ مخلّدون عليها، لا يتغيّرون عنها، لا تزيد أعمارهم عن تلك
السّنّ. ومن فسرّهم بأنّهم مخرّصون في آذانهم الأقرطة، فإنّما عبّر عن
المعنى بذلك؛ لأنّ الصّغير هو الّذي يليق له ذلك دون الكبير. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَيَطُوفُ} على أهلِ الجنَّةِ في طعامِهم وشَرابِهم وخِدمتِهم {وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ}؛ أي: خُلِقُوا مِن الجنةِ للبقاءِ، لا يَتغَيَّرونَ ولا يَكْبَرُونَ، وهم في غايةِ الْحُسْنِ. قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (19-{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ} باقُونَ على ما هم عليه مِن الشبابِ والطَّرَاوَةِ والنَّضَارَةِ، لا يَهْرَمُونَ ولا يَتَغَيَّرُونَ، ولا يَموتونَ. قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{وإذا رأيت} أي: وإذا رأيت يا محمّد، {ثمّ} أي: هناك، يعني في الجنّة
ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة والسّرور، {رأيت نعيمًا
وملكًا كبيرًا} أي: مملكةً للّه هناك عظيمةً وسلطانًا باهرًا. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ}؛ أي: هناكَ في الجنَّةِ ورَمَقْتَ ما هم فيه مِن النَّعِيمِ. قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (20-{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} أيْ: وإذا رَمَيْتَ ببَصَرِك هناك في الْجَنَّةِ. قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{عاليهم ثياب سندسٍ خضرٌ وإستبرقٌ} أي: لباس أهل الجنّة فيها الحرير، ومنه
سندسٌ، وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها ممّا يلي أبدانهم، والإستبرق منه
ما فيه بريقٌ ولمعانٌ، وهو ممّا يلي الظّاهر، كما هو المعهود في اللّباس
{وحلّوا أساور من فضّةٍ} وهذه صفة الأبرار، وأمّا المقرّبون فكما قال:
{يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا ولباسهم فيها حريرٌ} [الحجّ: 23] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ}؛
أي: قد جَلَّلَتْهُم ثِيابُ السُّندُسِ والإستبرَقِ الأَخضرانِ، اللَّذانِ
هُمَا أَجَلُّ أنواعِ الحَرِيرِ، فالسُّنْدُسُ: ما غَلُظَ مِن الدِّيباجِ،
والإِسْتَبْرَقُ: ما رَقَّ منه. قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (21-{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ} السنْدُسُ هو الْحَريرُ الرَّقيقُ، والإستبرقُ ما غَلُظَ مِن الدِّيبَاجِ. قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{إنّ هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكورًا} أي: يقال لهم ذلك تكريمًا لهم
وإحسانًا إليهم كقوله: {كلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيّام
الخالية} [الحاقّة: 24] وكقوله: {ونودوا أن تلكم الجنّة أورثتموها بما كنتم
تعملون} [الأعراف: 43] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({إِنَّ هَذَا} الجزاءَ الجَزِيلَ والعَطَاءَ الجميلَ، {كَانَ لَكُمْ جَزَاءً} على ما أَسْلَفْتُمُوه مِن الأعمالِ، {وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً}؛ أي: القليلُ منه، يَجْعَلُ اللَّهُ لكم به مِن النعيمِ المُقيمِ ما لا يُمْكِنُ حَصْرُه). [تيسير الكريم الرحمن: 902] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (22-{إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً} أيْ: يُقالُ لهم: إنَّ هذا الذي ذُكِرَ مِن أنواعِ النِّعَمِ كانَ لكم جَزاءً بأعمالِكم، أيْ: ثَواباً لها.
تفسير قوله تعالى: (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) )
{وَلَقَّاهُمْ}؛ أي: أَكْرَمَهم وأَعْطَاهُم {نَضْرَةً} في وُجوهِهم، {وَسُرُوراً} في قُلوبِهم، فجَمَعَ لهم بينَ نَعيمِ الظاهرِ والباطنِ). [تيسير الكريم الرحمن: 901]
{وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً}
أَعطاهُم بَدَلَ العُبوسِ في الكفارِ نَضرةً في الوُجوهِ وسُروراً في
القلوبِ. والنَّضْرَةُ البَياضُ والنقاءُ في وُجوهِهِم مِن أَثَرِ
النِّعْمَةِ). [زبدة التفسير: 579]
تفسير قوله تعالى: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) )
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة هشام بن سليمان الدّاراني قال: قرئ على أبي
سليمان الدّارانيّ سورة: {هل أتى على الإنسان} فلمّا بلغ القارئ إلى قوله:
{وجزاهم بما صبروا جنّةً وحريرًا} قال بما صبروا على ترك الشّهوات في
الدّنيا، ثمّ أنشد:
كم قتيل بشهوةٍ وأسيرٌ = أفٍّ من مشتهي خلاف الجميل
شهوات الإنسان تورثه الذّل = وتلقيه في البلاء الطّويل). [تفسير القرآن العظيم: 8/290]
ولعَلَّ اللَّهَ إنَّما خَصَّ الحريرَ؛ لأنه لِباسُهم الظاهرُ، الدالُّ على حالِ صاحبِه). [تيسير الكريم الرحمن: 901]
تفسير قوله تعالى: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) )
وقوله: {لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا} أي: ليس عندهم حرّ مزعجٌ، ولا
بردٌ مؤلمٌ، بل هي مزاجٌ واحدٌ دائمٌ سرمديّ، {لا يبغون عنها حولا} [الكهف:
108] ). [تفسير القرآن العظيم: 8/290]
{لاَ يَرَوْنَ فِيهَا}؛ أي: في الجنَّةِ، {شَمْساً} يَضُرُّهم حَرُّها، {وَلاَ زَمْهَرِيراً}؛
أي: برْداً شَديداً، بل جَميعُ أوقاتِهم في ظِلٍّ ظليلٍ، لا حَرَّ ولا
برْدَ، بحيثُ تَلْتَذُّ به الأجسادُ ولا تَتألَّمُ مِن حَرٍّ ولا بَرْدٍ).
[تيسير الكريم الرحمن: 901]
تفسير قوله تعالى: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) )
قال مجاهدٌ: {وذلّلت قطوفها تذليلا} إن قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلّت له
حتّى ينالها، وإن اضطجع تدلّت له حتّى ينالها، فذلك قوله: {تذليلا}
وقال قتادة: لا يردّ أيديهم عنها شوكٌ ولا بعد.
وقال مجاهدٌ: أرض الجنّة من ورق، وترابها المسك، وأصول شجرها من ذهبٍ
وفضّةٍ، وأفنانها من اللّؤلؤ الرّطب والزّبرجد والياقوت، والورق والثّمر
بين ذلك. فمن أكل منها قائمًا لم يؤذه، ومن أكل منها قاعدًا لم يؤذه، ومن
أكل منها مضطجعًا لم يؤذه). [تفسير القرآن العظيم: 8/291]
تفسير قوله تعالى: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) )
وقوله: {قوارير (15) قوارير من فضّةٍ} فالأوّل منصوبٌ بخبر "كان" أي: كانت
قوارير. والثّاني منصوبٌ إمّا على البدليّة أو تمييزٌ؛ لأنّه بيّنه بقوله:
{قوارير من فضّةٍ} ). [تفسير القرآن العظيم: 8/291]
تفسير قوله تعالى: (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) )
وقوله: {قوارير قوارير من فضّةٍ} فالأوّل منصوبٌ بخبر "كان" أي: كانت
قوارير. والثّاني منصوبٌ إمّا على البدليّة أو تمييزٌ؛ لأنّه بيّنه بقوله:
{قوارير من فضّةٍ}
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والحسن البصريّ، وغير واحدٍ: بياض الفضّة في صفاء
الزّجاج، والقوارير لا تكون إلّا من زجاجٍ. فهذه الأكواب هي من فضّةٍ، وهي
مع هذا شفّافةٌ يرى ما في باطنها من ظاهرها، وهذا ممّا لا نظير له في
الدّنيا.
قال ابن المبارك، عن إسماعيل، عن رجلٍ، عن ابن عبّاسٍ: ليس في الجنّة شيءٌ
إلّا قد أعطيتم في الدّنيا شبهه إلّا قوارير من فضّةٍ. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقوله: {قدّروها تقديرًا} أي: على قدر ريّهم، لا تزيد عنه ولا تنقص، بل هي
معدّة لذلك، مقدّرةٌ بحسب ريّ صاحبها. هذا معنى قول ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ،
وسعيد بن جبيرٍ، وأبي صالحٍ، وقتادة، وابن أبزى، وعبد اللّه بن عبيد اللّه
بن عميرٍ، وقتادة، والشّعبيّ، وابن زيدٍ. وقاله ابن جريرٍ وغير واحدٍ. وهذا
أبلغ في الاعتناء والشّرف والكرامة.
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ: {قدّروها تقديرًا} قدّرت للكفّ. وهكذا قال
الرّبيع بن أنسٍ. وقال الضّحّاك: على قدر أكفّ الخدّام. وهذا لا ينافي
القول الأوّل، فإنّها مقدّرةٌ في القدر والرّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 8/291]
وهذا مِن أعجَبِ الأشياءِ، أنْ تكونَ الفِضَّةُ الكثيفةُ مِن صفاءِ جَوْهَرِها وطِيبِ مَعْدِنِها على صَفاءِ القواريرِ.
{قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً}؛
أي: قَدَّرُوا الأَوَانِيَ المذكورةَ على قَدْرِ رِيِّهم، لا تَزِيدُ ولا
تَنْقُصُ؛ لأنَّها لو زَادَتْ نَقَصَتْ لذَّتُها، ولو نَقَصَتْ لم تَفِ
برِيِّهِم.
ويَحْتَمِلُ أنَّ المرادَ: قَدَّرَها أهلُ
الجَنَّةِ بنُفُوسِهم بِمِقدارٍ يُوافِقُ لَذَّتَهم، فأَتَتْهم على ما
قَدَّرُوا في خَوَاطِرِهم). [تيسير الكريم الرحمن: 901-902]
تفسير قوله تعالى: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) )
{كَانَ مِزَاجُهَا}؛ أي: خَلْطُها {زَنجَبِيلاً}؛ ليَطِيبَ طَعْمُه ورِيحُه). [تيسير الكريم الرحمن: 902]
تفسير قوله تعالى: (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) )
قال عكرمة: اسم عينٍ في الجنّة. وقال مجاهدٌ: سمّيت بذلك لسلاسة سيلها وحدّة جريها.
وقال قتادة: {عينًا فيها تسمّى سلسبيلا} عينٌ سلسة مستقيد ماؤها.
وحكى ابن جريرٍ عن بعضهم أنّها سمّيت بذلك لسلاستها في الحلق. واختار هو أنّها تعمّ ذلك كلّه، وهو كما قال). [تفسير القرآن العظيم: 8/292]
تفسير قوله تعالى: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) )
وقوله: {إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا} أي: إذا رأيتهم في انتشارهم في
قضاء حوائج السّادة، وكثرتهم، وصباحة وجوههم، وحسن ألوانهم وثيابهم
وحليّهم، حسبتهم لؤلؤًا منثورًا. ولا يكون في التّشبيه أحسن من هذا، ولا في
المنظر أحسن من اللّؤلؤ المنثور على المكان الحسن.
قال قتادة، عن أبي أيّوب، عن عبد اللّه بن عمرٍو: ما من أهل الجنّة من أحدٍ
إلّا يسعى عليه ألف خادمٍ، كلّ خادمٍ على عملٍ ما عليه صاحبه). [تفسير القرآن العظيم: 8/292]
{إِذَا رَأَيْتَهُمْ} مُنْتَشِرِينَ في خِدْمَتِهم {حَسِبْتَهُمْ} مِن حُسْنِهم {لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً}،
وهذا مِن تَمامِ لَذَّةِ أهْلِ الجَنَّةِ، أنْ يَكُونَ خُدَّامُهم
الوِالدانَ الْمُخَلَّدُونَ، الذينَ تَسُرُّ رُؤْيَتُهم، ويَدْخُلُونَ على
مَساكِنِهم آمِنينَ مِن تَبِعَتِهم، ويَأتُونَهم بما يَدْعُونَ وتَطْلُبُه
نُفُوسُهم). [تيسير الكريم الرحمن: 902]
{إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا}
لِمَزِيدِ حُسْنِهم وصَفاءِ أَلْوَانِهم ونَضارَةِ وُجُوهِهم. شَبَّهَهُم
بالمنثورِ لأنهم سِراعٌ في الْخِدْمَةِ، بخِلافِ الْحُورِ العِينِ، فإنَّه
شَبَّهَهُنَّ باللؤلؤِ المكنونِ لأنهن لا يُمْتَهَنَّ بالْخِدْمَةِ). [زبدة التفسير: 579-580]
تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) )
وثبت في الصّحيح أنّ اللّه تعالى يقول لآخر أهل النّار خروجًا منها، وآخر
أهل الجنّة دخولًا إليها: إنّ لك مثل الدّنيا وعشرة أمثالها.
وقد قدّمنا في الحديث المرويّ من طريق ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أدنى أهل الجنّة منزلةً لمن
ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنةٍ ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه". فإذا
كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنّة، فما ظنّك بما هو أعلى
منزلةً، وأحظى عنده تعالى.
وقد روى الطّبرانيّ هاهنا حديثًا غريبًا جدًّا فقال: حدّثنا عليّ بن عبد
العزيز، حدّثنا محمّد بن عمّارٍ الموصليّ، حدّثنا عفيف بن سالمٍ، عن أيّوب
بن عتبة، عن عطاءٍ، عن ابن عمر قال: جاء رجلٌ من الحبشة إلى رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وسلّم: فقال له رسول اللّه: "سل واستفهم". فقال: يا رسول
اللّه، فضّلتم علينا بالصّور والألوان والنّبوّة، أفرأيت إن آمنت بما آمنت
به وعملت بمثل ما عملت به، إنّي لكائنٌ معك في الجنّة؟ قال: "نعم، والّذي
نفسي بيده، إنّه ليرى بياض الأسود في الجنّة من مسيرة ألف عامٍّ". ثمّ قال
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من قال: لا إله إلّا اللّه، كان له بها
عهدٌ عند اللّه، ومن قال: سبحان اللّه وبحمده، كتب له مائة ألف حسنةٍ،
وأربعةٌ وعشرون ألف حسنةٍ". فقال رجلٌ: كيف نهلك بعد هذا يا رسول اللّه؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ الرّجل ليأتي يوم القيامة
بالعمل لو وضع على جبلٍ لأثقله، فتقوم النّعمة -أو: نعم اللّه-فتكاد تستنفذ
ذلك كلّه، إلّا أن يتغمّده اللّه برحمته". ونزلت هذه السّورة: {هل أتى على
الإنسان حينٌ من الدّهر} إلى قوله: {وملكًا كبيرًا} فقال الحبشيّ: وإنّ
عيني لترى ما ترى عيناك في الجنّة؟ قال: "نعم". فاستبكى حتّى فاضت نفسه.
قال ابن عمر: فلقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدليه في حفرته
بيده). [تفسير القرآن العظيم: 8/292-293]
{رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً}
فتَجِدُ الواحدَ منهم عندَه مِن القصورِ والمساكِنِ والغُرَفِ
الْمُزَيَّنَةِ المُزَخْرَفَةِ، ما لا يُدْرِكُه الوصْفُ، ولَديهِ مِن
البساتينِ الزاهرةِ، والثِّمَارِ الدانِيَةِ، والفواكهِ اللذيذةِ،
والأنهارِ الجاريَةِ والرِّيَاضِ الْمُعْجِبَةِ، والطيورِ الْمُطْرِبَةِ
الْمُشْجِيَةِ, ما يَأخُذُ القلوبَ ويُفْرِحُ النفوسَ.
وعندَه مِن الزوجاتِ اللاَّتِي هُنَّ في غايةِ
الْحُسْنِ والإحسانِ، الجامعاتِ لجمالِ الظاهرِ والباطنِ، الْخَيِّرَاتِ
الْحِسانِ، ما يَمْلَأُ القلبَ سُروراً ولذَّةً وحُبُوراً، وحولَه مِن
الوِلدانِ الْمُخَلَّدِينَ والخدَمِ الْمُؤَبَّدِينَ ما به تَحْصُلُ
الراحةُ والطُّمأنينةُ، وتَتِمُّ لَذَّةُ العَيْشِ وتَكْمُلُ الغِبْطَةُ.
ثم عِلاوةُ ذلكَ ومُعْظَمُهُ الفَوْزُ برُؤْيةِ
الربِّ الرحيمِ، وسماعُ خِطابِه، ولَذَّةُ قُرْبِه، والابتهاجُ برِضَاهُ،
والخلودُ الدائمُ، وتَزايُدُ ما هم فيه مِن النعيمِ كلَّ وقْتٍ وحينٍ.
فسُبحانَ الْمَلِكِ المالِكِ الحقِّ الْمُبينِ،
الذي لا تَنْفَدُ خَزائنُه، ولا يَقِلُّ خيرُه، فكما لا نِهايةَ لأوصافِه
فلا نِهايةَ لِبِرِّه وإحسانِه). [تيسير الكريم الرحمن: 902]
{رَأَيْتَ نَعِيماً} لاَ يُوصَفُ.
{وَمُلْكاً كَبِيراً} لا يُقادَرُ قَدْرُه). [زبدة التفسير: 580]
تفسير
قوله تعالى: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ
وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا
(21) )
ولمّا ذكر تعالى زينة الظّاهر بالحرير والحليّ قال بعده: {وسقاهم ربّهم
شرابًا طهورًا} أي: طهّر بواطنهم من الحسد والحقد والغلّ والأذى وسائر
الأخلاق الرّديّة، كما روينا عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ أنّه قال:
إذا انتهى أهل الجنّة إلى باب الجنّة وجدوا هنالك عينين فكأنّما ألهموا
ذلك فشربوا من إحداهما [فأذهب اللّه] ما في بطونهم من أذًى، ثمّ اغتسلوا من
الأخرى فجرت عليهم نضرة النّعيم). [تفسير القرآن العظيم: 8/293]
{وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ}؛
أي: حُلُّوا في أَيْدِيهِم أَساورَ الفِضَّةِ؛ ذُكورُهم وإناثُهم، وهذا
وعْدٌ وعَدَهم اللَّهُ وكانَ وعْدُه مَفعولاً؛ لأنَّه لا أَصْدَقَ منه
قِيلاً ولا حَديثاً.
وقولُه: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً}؛ أي: لا كَدَرَ فيه بوَجْهٍ مِن الوُجوهِ، مطَهِّراً لِمَا في بُطُونِهم مِن كلِّ أَذًى وقَذًى). [تيسير الكريم الرحمن: 902]
{وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ} وفي سُورةِ "فاطِرٍ": {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} يَلبَسُ كلُّ أحَدٍ منه ما تَمِيلُ إليه نفْسُه مِن ذلك.
{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}
قالَ أبو قِلابةَ وإبراهيمُ النَّخَعِيُّ: يُؤْتَوْنَ بالطعامِ، فإذا كان
آخِرُه أُتُوا بالشرابِ الطَّهُورِ، فيَشربونَ, فتَضْمُرُ بُطُونُهم مِن
ذلك، ويَفيضُ عَرَقٌ مِن أَبدانِهم مِثلُ رِيحِ الْمِسْكِ). [زبدة التفسير: 580]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) )
وقوله: {وكان سعيكم مشكورًا} أي: جزاكم اللّه على القليل بالكثير). [تفسير القرآن العظيم: 8/293]
{وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا} شُكْرُ اللهِ سُبحانَه لعَمَلِ عَبْدِه هو قَبولُه لطَاعتِه). [زبدة التفسير: 580]
* للاستزادة ينظر: هنا