الدروس
course cover
تفسير سورة القلم[ من الآية (44) إلى الآية (52) ]
19 Jan 2015
19 Jan 2015

5331

0

0

course cover
تفسير جزء تبارك

القسم الأول

تفسير سورة القلم[ من الآية (44) إلى الآية (52) ]
19 Jan 2015
19 Jan 2015

19 Jan 2015

5331

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)}



تفسير قوله تعالى: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {فذرني ومن يكذّب بهذا الحديث} يعني: القرآن. وهذا تهديدٌ شديدٌ، أي: دعني وإيّاه منّي ومنه، أنا أعلم به كيف أستدرجه، وأمدّه في غيّه وأنظر ثمّ آخذه أخذ عزيزٍ مقتدرٍ؛ ولهذا قال: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} أي: وهم لا يشعرون، بل يعتقدون أنّ ذلك من اللّه كرامةٌ، وهو في نفس الأمر إهانةٌ، كما قال: {أيحسبون أنّما نمدّهم به من مالٍ وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون} [المؤمنون: 55، 56]، وقال: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون} [الأنعام: 44]. ولهذا قال هاهنا: {وأملي لهم إنّ كيدي متينٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 8/200]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلاَ أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}؛ أي: دَعْنِي والْمُكَذِّبِينَ بالقرآنِ العظيمِ، فإنَّ عليَّ جَزَاءَهم، ولا تَستَعْجِلْ لهم فـ {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} فنَمُدُّهم بالأموالِ والأولادِ، ونَمُدُّهم في الأرزاقِ والأعمالِ؛ لِيَغْتَرُّوا ويَسْتَمِرُّوا على ما يَضُرُّهم.
فإنَّ هذا مِن كَيْدِ اللَّهِ لهم، وكَيْدُ اللَّهِ لأعدائِه مَتينٌ قَوِيٌّ، يَبْلُغُ مِن ضَرَرِهم وعذابِهم فوقَ كلِّ مَبْلَغٍ).
[تيسير الكريم الرحمن: 881]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (44-{فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} ذَرْنِي، أيْ: خَلِّ بَيْنِي وبَيْنَه، ووَكِّلْ أمْرَه إلَيَّ، فلا يَشتغِلْ به قَلْبُك، فأَنَا أَكْفِيكَ أَمْرَه. والمرادُ بهذا الحديثِ القرآنُ.
{سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} أيْ: سنَأْخُذُهم بالعذابِ على غَفلةٍ ونَسوقُهم إليه دَرجةً فدَرجةً، حتى نُوقِعَهم فيه مِن حيثُ لا يَعلمونَ أنَّ ذلك استِدْراجٌ؛ لأنهم يَظُنُّونَه إنعامًا، ولا يُفَكِّرونَ في عاقِبَتِه وما سيَلْقَوْنَ في نِهايتِه). [زبدة التفسير: 566]


تفسير قوله تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأملي لهم إنّ كيدي متينٌ} أي: وأؤخّرهم وأنظرهم وأمدّهم وذلك من كيدي ومكري بهم؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ كيدي متينٌ} أي: عظيمٌ لمن خالف أمري، وكذّب رسلي، واجترأ على معصيتي.
وفي الصّحيحين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "إنّ اللّه تعالى ليملي للظّالم، حتّى إذا أخذه لم يفلته". ثمّ قرأ: {وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ إنّ أخذه أليمٌ شديدٌ} [هودٍ: 102] ).
[تفسير القرآن العظيم: 8/200]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}؛ أي: دَعْنِي والْمُكَذِّبِينَ بالقرآنِ العظيمِ، فإنَّ عليَّ جَزَاءَهم، ولا تَستَعْجِلْ لهم فـ {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} فنَمُدُّهم بالأموالِ والأولادِ، ونَمُدُّهم في الأرزاقِ والأعمالِ؛ لِيَغْتَرُّوا ويَسْتَمِرُّوا على ما يَضُرُّهم.
فإنَّ هذا مِن كَيْدِ اللَّهِ لهم، وكَيْدُ اللَّهِ لأعدائِه مَتينٌ قَوِيٌّ، يَبْلُغُ مِن ضَرَرِهم وعذابِهم فوقَ كلِّ مَبْلَغٍ).
[تيسير الكريم الرحمن: 881] (م)

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (45-{وَأُمْلِي لَهُمْ} أيْ: أُمْهِلُهم لِيَزْدَادُوا إثماً.
{إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أيْ: قَوِيٌّ شديدٌ فلا يَفُوتُني شَيْءٌ). [زبدة التفسير: 566]


تفسير قوله تعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أم تسألهم أجرًا فهم من مغرمٍ مثقلون (46) أم عندهم الغيب فهم يكتبون} تقدّم تفسيرهما في سورة "الطّور" والمعنى في ذلك: أنّك يا محمّد تدعوهم إلى اللّه، عزّ وجلّ، بلا أجرٍ تأخذه منهم، بل ترجو ثواب ذلك عند اللّه، عزّ وجلّ، وهم يكذّبون بما جئتهم به، بمجرّد الجهل والكفر والعناد). [تفسير القرآن العظيم: 8/200]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ}؛ أي: ليسَ لِنُفُورِهم عنكَ وعَدَمِ تَصديقِهم لِمَا جِئتَ به سببٌ يُوجِبُ لهم ذلك؛ فإنكَ تُعَلِّمُهم وتَدْعُوهُم إلى اللَّهِ لِمَحْضِ مَصلحَتِهم، مِن غيرِ أنْ تَطْلُبَهم مِن أموالِهم مَغْرَماً يَثْقُلُ عليهم). [تيسير الكريم الرحمن: 881]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (46-{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً} أيْ: هل تَطلبُ مِنهم ثواباً على ما تَدْعُوهم إليه مِن الإيمانِ باللهِ.
{فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} الْمَغْرَمُ مَن يَحمِلُ غَرامةَ ذلك الأَجْرِ، أيْ: يَثْقُلُ عليهم حَمْلُه لشُحِّهِم ببَذْلِ الماءِ، فهل طَلَبْتَ مِنهم أَجْراً فأَعْرَضوا عن إجابَتِكَ بهذا السببِ؟). [زبدة التفسير: 566]


تفسير قوله تعالى: (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أم تسألهم أجرًا فهم من مغرمٍ مثقلون (46) أم عندهم الغيب فهم يكتبون} تقدّم تفسيرهما في سورة "الطّور" والمعنى في ذلك: أنّك يا محمّد تدعوهم إلى اللّه، عزّ وجلّ، بلا أجرٍ تأخذه منهم، بل ترجو ثواب ذلك عند اللّه، عزّ وجلّ، وهم يكذّبون بما جئتهم به، بمجرّد الجهل والكفر والعناد). [تفسير القرآن العظيم: 8/200] (م)

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ما كانَ عندَهم مِن الغُيوبِ؟ وقد وَجَدُوا فيها أنهم على حَقٍّ، وأنَّ لهم الثوابَ عندَ اللَّهِ؟ فهذا أمْرٌ ما كانَ، وإنَّما كانَتْ حالُهم حالَ مُعانِدٍ ظالِمٍ، فلم يَبْقَ إلاَّ الصبْرُ لأَذَاهُم والتحمُّلُ لِمَا يَصْدُرُ منهم، والاستمرارُ على دَعْوَتِهم.
ولهذا قالَ: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ}). [تيسير الكريم الرحمن: 881]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (47-{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أيْ: بل أَعِنْدَهم علْمُ الغيبِ يَكتبونَ ما يُريدونَ مِن الْحُجَجِ التي يَزعمونَ، ويُخَاصِمُونَك بما يَكتبونَه مِن ذلك، ويَحكمونَ لأنْفُسِهم بما يُريدونَ، ويَستغنونَ بذلك عن الإجابةِ لك والامتثالِ لِمَا تَقولُه؟). [زبدة التفسير: 566]


تفسير قوله تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (يقول تعالى: {فاصبر} يا محمّد على أذى قومك لك وتكذيبهم؛ فإنّ اللّه سيحكم لك عليهم، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدّنيا والآخرة، {ولا تكن كصاحب الحوت} يعني: ذا النّون، وهو يونس بن متّى، عليه السّلام، حين ذهب مغاضبًا على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليمّ، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعليّ القدير، الّذي لا يردّ ما أنفذه من التّقدير، فحينئذٍ نادى في الظّلمات. {أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87]. قال اللّه {فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 88]، وقال تعالى: {فلولا أنّه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} [الصّافّات: 143، 144] وقال هاهنا: {إذ نادى وهو مكظومٌ} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والسّدّيّ: وهو مغمومٌ. وقال عطاءٌ الخراسانيّ، وأبو مالكٍ: مكروبٌ. وقد قدّمنا في الحديث أنّه لمّا قال: {لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} خرجت الكلمة تحفّ حول العرش، فقالت الملائكة: يا ربّ، هذا صوتٌ ضعيفٌ معروفٌ من بلادٍ غريبةٍ. فقال اللّه: أما تعرفون هذا؟ قالوا: لا. قال: هذا يونس. قالوا: يا ربّ، عبدك الّذي لا يزال يرفع له عملٌ صالحٌ ودعوةٌ مجابةٌ؟ قال: نعم. قالوا: أفلا ترحم ما كان يعمله في الرّخاء فتنجيه من البلاء؟ فأمر اللّه الحوت فألقاه بالعراء؛ ولهذا قال تعالى: {فاجتباه ربّه فجعله من الصّالحين}
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا ينبغي لأحدٍ أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متّى".
ورواه البخاريّ من حديث سفيان الثّوريّ وهو في الصّحيحين من حديث أبي هريرة).
[تفسير القرآن العظيم: 8/201]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ}؛ أي: لِمَا حَكَمَ به شَرْعاً وقَدَراً، فالْحُكْمُ القَدَرِيُّ يُصْبَرُ على الْمُؤْذِي منه ولا يُتَلَقَّى بالسَّخَطِ والجَزَعِ، والحُكْمُ الشرعيُّ يُقابَلُ بالقَبولِ والتسليمِ والانقيادِ التامِّ لأَمْرِه.
وقولُه: {وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} وهو يُونُسُ بنُ مَتَّى، عليه الصلاةُ والسلامُ؛ أي: ولا تُشَابِهْهُ في الحالِ التي أَوْصَلَتْهُ وأَوْجَبَتْ له الانحباسَ في بطْنِ الحوتِ، وهو عَدَمُ صَبْرِه على قَومِه الصَّبْرَ المطلوبَ منه، وذَهابُه مُغاضِباً لربِّه حتى رَكِبَ في البحْرِ، فاقتَرَعَ أهْلُ السفينةِ حينَ ثَقُلَتْ بأَهْلِها أيُّهم يُلْقُونَ لكَيْ تَخِفَّ بهم؟ فوَقَعَتِ القُرعةُ عليه، فالْتَقَمَه الحوتُ وهو مُلِيمٌ.
وقولُه: {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}؛ أي: وهو في بَطْنِها قد كَظَمَتْ عليه، أو نَادَاهُ وهو مُغْتَمٌّ مُهْتَمٌّ، بأنْ قالَ: {لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}. فاسْتَجابَ اللَّهُ له, وقَذَفَتْهُ الحوتُ مِن بَطْنِها بالعَرَاءِ وهو سَقيمٌ، وأَنْبَتَ اللَّهُ عليه شَجرةً مِن يَقْطِينٍ.
ولهذا قالَ هنا: {لَوْلاَ أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ}). [تيسير الكريم الرحمن: 881-882]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (48-{وَلاَتَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} يُونُسَ عليه السلامُ، أيْ: لا تَكُنْ مِثلَه في الغَضَبِ والضجَرِ.
{إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} اللهُ يُعَزِّي نَبِيَّهُ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ويَأمرُه بالصبْرِ، وألاَّ يَعْجَلَ كما عَجِلَ صاحِبُ الحوتِ. وقد تَقَدَّمَ بيانُ قِصَّتِه في سورةِ "الأنبياءِ" و"يونُسَ" و"الصافاتِ". وكانَ النداءُ منه بقولِه: {لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُمِنَ الظَّالِمِينَ} ولم يَصبرْ على دَعوتِه لقَومِه.
وقولُه:{وَهُوَ مَكْظُومٌ} أيْ: مَغمومٌ مَكروبٌ.
ويَحتمِلُ أنَّ المرادَ: مُقْفَلٌ عليه في بطْنِ الحوتِ). [زبدة التفسير: 566]


تفسير قوله تعالى: (لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) )

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({لَوْلاَ أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ}؛ أي: لطُرِحَ في العَرَاءِ، وهي الأرْضُ الخاليةُ.
{وَهُوَ مَذْمُومٌ} ولكنَّ اللَّهَ تَغَمَّدَه برَحْمَتِه، فنُبِذَ وهو مَمدوحٌ، وصارَتْ حالُه أحسَنَ مِن حالِه الأُولَى.
ولهذا قالَ: {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ}). [تيسير الكريم الرحمن: 882]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (49-{لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ} وهي تَوفيقُه للتوبةِ، فتابَ اللهُ عليه.
{لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ} أيْ: لأُلْقِيَ مِن بَطنِ الحوتِ على وَجهِ الأرضِ الخاليةِ مِن النباتِ.
{وَهُوَ مَذْمُومٌ} أيْ: يُذَمُّ ويُلامُ بالذنْبِ الذي أَذْنَبَه ويُطْرَدُ مِن الرحمةِ). [زبدة التفسير: 566]


تفسير قوله تعالى: (فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) )

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ}؛ أي: اخْتَارَهُ وَاصطفَاهُ ونَقَّاهُ مِن كُلِّ كَدَرٍ، {فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}؛ أي: الذينَ صَلَحَتْ أعمالُهم وأقوالُهم ونِيَّاتُهم وأحوالُهم، فامْتَثَلَ نَبِيُّنَا محمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ أمْرَ رَبِّهِ، فصَبَرَ لحُكْمِ رَبِّه صَبْراً لا يُدْرِكُه فيه أحَدٌ مِن العالَمِينَ). [تيسير الكريم الرحمن: 882]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (50-{فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ} أيْ: استَخْلَصَه واصْطَفَاهُ واختارَه للنُّبُوَّةِ.
{فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} أيْ: الكاملينَ في الصلاحِ.
وقيلَ: رَدَّ إليه النُّبُوَّةَ وشَفَّعَه في نفْسِه وفي قَوْمِه، وأَرْسَلَه إلى مائةِ ألْفٍ أو يَزيدونَ، فآمَنُوا جَمِيعاً كما تَقَدَّمَ). [زبدة التفسير: 566]


تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإن يكاد الّذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وغيرهما: {ليزلقونك} لينفذونك بأبصارهم، أي: ليعينونك بأبصارهم، بمعنى: يحسدونك لبغضهم إيّاك لولا وقاية اللّه لك، وحمايته إيّاك منهم. وفي هذه الآية دليلٌ على أنّ العين إصابتها وتأثيرها حقٌّ، بأمر اللّه، عزّ وجلّ، كما وردت بذلك الأحاديث المرويّة من طرقٍ متعدّدةٍ كثيرةٍ.
حديث أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه: قال أبو داود: حدّثنا سليمان بن داود العتكي، حدّثنا شريكٌ (ح)، وحدّثنا العبّاس العنبريّ، حدّثنا يزيد بن هارون، أنبأنا شريكٌ، عن العبّاس بن ذريح، عن الشّعبيّ -قال العبّاس: عن أنسٍ-قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا رقية إلّا من عينٍ أو حمة أو دمٍ لا يرقأ". لم يذكر العبّاس العين. وهذا لفظ سليمان.
حديث بريدة بن الحصيب، رضي اللّه عنه: قال أبو عبد اللّه ابن ماجه: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن نمير، حدّثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن حصين، عن الشّعبيّ، عن بريدة بن الحصيب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا رقية إلّا من عينٍ أو حمة".
هكذا رواه ابن ماجه وقد أخرجه مسلمٌ في صحيحه، عن سعيد بن منصورٍ، عن هشيمٌ، عن حصين بن عبد الرّحمن، عن عامرٍ الشّعبيّ، عن بريدة موقوفًا، وفيه قصّةٌ وقد رواه شعبة، عن حصينٍ، عن الشّعبيّ، عن بريدة. قاله التّرمذيّ وروى هذا الحديث الإمام البخاريّ من حديث محمّد بن فضيلٍ، وأبو داود من حديث مالك بن مغول، والتّرمذيّ من حديث سفيان بن عيينة، ثلاثتهم عن حصينٍ، عن عامرٍ عن الشّعبيّ، عن عمران بن حصين موقوفًا.
حديث أبي جندب بن جنادة: قال الحافظ أبو يعلى الموصليّ، رحمه اللّه: حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة بن البرند السّاميّ، حدّثنا ديلم بن غزوان، حدّثنا وهب بن أبي دبيٍّ، عن أبي حربٍ عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ العين لتولع الرجل بإذن اللّه، فيتصاعد حالقًا، ثمّ يتردّى منه" إسناده غريبٌ، ولم يخرّجوه.
حديث حابسٍ التّميميّ: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا حربٌ، حدّثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، حدّثني حيّة بن حابسٍ التّميميّ: أنّ أباه أخبره: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لا شيء في الهامّ، والعين حقٌّ، وأصدق الطيرة الفأل".
وقد رواه التّرمذيّ عن عمرو بن عليٍّ، عن أبي غسّان يحيى بن كثيرٍ، عن عليّ بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، به ثمّ قال غريبٌ. قال وروى شيبان، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن حيّة بن حابسٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قلت: كذلك رواه الإمام أحمد، عن حسن بن موسى وحسين بن محمد، عن شيبان، يحيى بن أبي كثيرٍ، عن حيّة، حدّثه عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا بأس في الهامّ، والعين حقٌّ، وأصدق الطّيرة الفأل ".
حديث ابن عبّاسٍ: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد اللّه بن الوليد، عن سفيان، عن دويد، حدّثني إسماعيل بن ثوبان، عن جابر بن زيدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "العين حقٌّ، العين حقٌّ، تستنزل الحالق" غريبٌ.
طريقٌ أخرى: قال مسلمٌ في صحيحه: حدّثنا عبد اللّه بن عبد الرّحمن الدّارميّ، أخبرنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا وهيب، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "العين حقٌّ، ولو كان شيءٌ سابق القدر سبقت العين، وإذا اغتسلتم فاغسلوا". انفرد به دون البخاريّ.
وقال عبد الرّزّاق، عن سفيان الثّوريّ، عن منصورٍ، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعوّذ الحسن والحسين، يقول: "أعيذكما بكلمات اللّه التّامّة، من كلّ شيطانٍ وهامّة، ومن كلّ عينٍ لامّة"، ويقول هكذا كان إبراهيم يعوّذ إسحاق وإسماعيل، عليهما السّلام".
أخرجه البخاريّ وأهل السّنن من حديث المنهال، به
حديث أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيفٍ، رضي اللّه عنه: "قال ابن ماجه: حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا سفيان، عن الزّهريّ، عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف قال: مرّ عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف، وهو يغتسل، فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبّأةٍ. فما لبث أن لبط به، فأتي به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقيل له: أدرك سهلًا صريعًا. قال: "من تتّهمون به؟ ". قالوا: عامر بن ربيعة. قال: "علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة". ثم دعا بماءٍ فأمر عامرًا أن يتوضّأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه، وداخلة إزاره، وأمره أن يصبّ عليه.
قال سفيان: قال معمر، عن الزّهريّ: وأمر أن يكفأ الإناء من خلفه.
وقد رواه النّسائيّ، من حديث سفيان بن عيينة ومالك بن أنسٍ، كلاهما عن الزّهريّ، به. ومن حديث سفيان بن عيينة أيضًا عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن أبي أمامة: ويكفأ الإناء من خلفه. ومن حديث ابن أبي ذئبٍ عن الزّهريّ، عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، عن أبيه، به. ومن حديث مالكٍ أيضًا، عن محمّد بن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه، به.
حديث أبي سعيدٍ الخدريّ: قال ابن ماجه: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا سعيد بن سليمان، حدّثنا عبّادٌ، عن الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتعوّذ من أعين الجانّ وأعين الإنس. فلمّا نزل المعوّذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك.
ورواه التّرمذيّ والنّسائيّ من حديث سعيد بن إياسٍ أبي مسعودٍ الجريري، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ.
حديثٌ آخر عنه: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، حدّثني أبي، حدّثني عبد العزيز بن صهيب، حدّثني أبو نضرة، عن أبي سعيدٍ: أنّ جبريل أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: اشتكيت يا محمّد؟ قال: "نعم". قال باسم اللّه أرقيك، من كلّ شيءٍ يؤذيك، من شر كل نفس وعين يشفيك، باسم اللّه أرقيك.
ورواه عن عفّان، عن عبد الوارث، مثله. ورواه مسلمٌ وأهل السّنن -إلّا أبا داود-من حديث عبد الوارث، به.
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا عفّان، حدّثنا وهيبٌ، حدّثنا داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ -أو: جابر بن عبد اللّه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اشتكى، فأتاه جبريل فقال: باسم اللّه أرقيك، من كلّ شيءٍ يؤذيك، من كل حاسد وعين والله يشفيك.
ورواه أيضًا، عن محمّد بن عبد الرّحمن الطّفاويّ، عن داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ به.
قال أبو زرعة الرّازيّ: روى عبد الصّمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن عبد العزيز، عن أبي نضرة، وعن عبد العزيز، عن أنسٍ، في معناه، وكلاهما صحيح.
حديث أبى هريرة: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أنبأنا معمر، عن همّام بن منبّه قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ العين حقٌّ".
أخرجاه من حديث عبد الرّزّاق.
وقال ابن ماجه: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا إسماعيل بن عليّة، عن الجريري، عن مضارب بن حزن، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "العين حقٌّ".تفرّد به.
ورواه أحمد، عن إسماعيل بن عليّة، عن سعيدٍ الجريريّ، به.
وقال الإمام أحمد حدّثنا ابن نميرٍ، حدّثنا ثورٌ -يعني ابن يزيد-عن مكحول، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "العين حقٌّ، ويحضرها الشيطان، وحسد ابن آدم"
وقال أحمد: حدّثنا خلف بن الوليد، حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن قيس: سئل أبو هريرة: هل سمعت رسول اللّه يقول: الطّيرة في ثلاثٍ: في المسكن والفرس والمرأة؟ قال: قلت: إذًا أقول على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما لم يقل! ولكنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أصدق الطّيرة الفأل، والعين حقٌّ".
حديث أسماء بنت عميس: قال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عروة بن عامرٍ، عن عبيد بن رفاعة الزرقي قال: قالت أسماء: يا رسول اللّه، إنّ بني جعفرٍ تصيبهم العين، أفأسترقي لهم؟ قال: "نعم، فلو كان شيءٌ يسبق القدر لسبقته العين".
وكذا رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة، به ورواه التّرمذيّ أيضًا والنّسائيّ، من حديث عبد الرّزّاق، عن معمر، عن أيّوب، عن عمرو بن دينارٍ، عن عروة بن عامرٍ، عن عبيد بن رفاعة، عن أسماء بنت عميسٍ، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
حديث عائشة، رضي اللّه عنها: قال ابن ماجه: حدّثنا عليّ بن أبي الخصيب، حدّثنا وكيع، عن سفيان، ومسعر، عن معبد بن خالدٍ، عن عبد اللّه بن شدّاد، عن عائشة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمرها أن تسترقي من العين.
ورواه البخاريّ عن محمّد بن كثيرٍ، عن سفيان، عن معبد بن خالدٍ، به. وأخرجه مسلمٌ من حديث سفيان ومسعر، كلاهما عن معبدٍ، به ثمّ قال ابن ماجه:
حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا أبو هشامٍ المخزوميّ، حدّثنا وهيب، عن أبي واقدٍ، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن، عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "استعيذوا باللّه فإنّ النّفس حقٌّ". تفرّد به
وقال أبو داود: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا جريرٌ، حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان يؤمر العائن فيتوضّأ ويغسل منه المعين.
حديث سهل بن حنيف: قال الإمام أحمد: حدّثنا حسين بن محمّدٍ، حدّثنا أبو أويسٍ حدّثنا الزّهريّ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أنّ أباه حدّثه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج وساروا معه نحو مكّة، حتّى إذا كانوا بشعب الخرار -من الجحفة-اغتسل سهل بن حنيف -وكان رجلًا أبيض حسن الجسم والجلد-فنظر إليه عامر بن ربيعة، أخو بني عديّ بن كعبٍ، وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبّأة. فلبط سهلٌ، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقيل له: يا رسول اللّه، هل لك في سهلٍ. واللّه ما يرفع رأسه ولا يفيق. قال: "هل تتّهمون فيه من أحدٍ؟ ". قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة. فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عامرًا، فتغيّظ عليه، وقال: "علام يقتل أحدكم أخاه، هلّا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟ ". ثمّ قال له: "اغتسل له" -فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح-ثمّ صب ذلك الماء عليه. يصبه رجلٌ على رأسه وظهره من خلفه، ثمّ يكفأ. القدح وراءه. ففعل ذلك، فراح سهلٌ مع النّاس، ليس به بأسٌ.
حديث عامر بن ربيعة: "قال الإمام أحمد في مسند عامرٍ: حدّثنا وكيع، حدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن عيسى، عن أميّة بن هند بن سهل بن حنيف، عن عبد اللّه بن عامرٍ قال: انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيفٍ يريدان الغسل، قال: فانطلقا يلتمسان الخمر -قال: فوضع عامرٌ جبّة كانت عليه من صوفٍ، فنظرت إليه فأصبته بعيني فنزل الماء يغتسل. قال: فسمعت له في الماء فرقعةً، فأتيته فناديته ثلاثًا فلم يجبني. فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته. قال: فجاء يمشي فخاض الماء كأنّي أنظر إلى بياض ساقيه، قال: فضرب صدره بيده ثمّ قال: "اللّهمّ اصرف عنه حرّها وبردها ووصبها". قال: فقام. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا رأى أحدكم من أخيه، أو من نفسه أو من ماله، ما يعجبه، فليبرّك، فإنّ العين حقٌّ".
حديث جابرٍ: قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار في مسنده: حدّثنا محمّد بن معمر، حدّثنا أبو داود، حدّثنا طالب بن حبيب بن عمرو بن سهلٍ الأنصاريّ -ويقال له: ابن الضجيع، ضجيع حمزة، رضي اللّه عنه-حدّثني عبد الرّحمن بن جابر بن عبد اللّه، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أكثر من يموت من أمّتي بعد كتاب اللّه وقضائه وقدره بالأنفس".
قال البزّار: يعني العين. قال ولا نعلم يروى هذا الحديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا بهذا الإسناد.
قلت: بل قد روي من وجهٍ آخر عن جابرٍ؛ قال الحافظ أبو عبد الرّحمن محمّد بن المنذر الهرويّ -المعروف بشكّر-في كتاب العجائب، وهو مشتملٌ على فوائد جليلةٍ وغريبةٍ: حدّثنا الرّهاويّ، حدّثنا يعقوب بن محمّدٍ، حدّثنا عليّ بن أبي عليٍّ الهاشميّ، حدّثنا محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "العين حقٌّ، لتورد الرّجل القبر، والجمل القدر، وإنّ أكثر هلاك أمتي في العين".
ثمّ رواه عن شعيب بن أيّوب، عن معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، عن محمّد بن المنكدر، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "قد تدخل الرجل العين في القبر، وتدخل الجمل القدر".
حديث عبد اللّه بن عمرٍو: "قال الإمام أحمد: حدّثنا قتيبة، حدّثنا رشدين بن سعدٍ، عن الحسن بن ثوبان، عن هشام بن أبي رقية، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا حسد، والعين حقٌّ". تفرّد به أحمد.
حديثٌ عن عليٍّ: روى الحافظ ابن عساكر من طريق خيثمة بن سليمان الحافظ: حدّثنا عبيد بن محمّدٍ الكشوري، حدّثنا عبد اللّه بن عبد اللّه بن عبد ربّه البصريّ، عن أبي رجاءٍ، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ؛ أنّ جبريل أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فوافقه مغتمًّا، فقال: يا محمّد، ما هذا الغمّ الّذي أراه في وجهك؟ قال: "الحسن والحسين أصابتهما عينٌ". قال: صدق بالعين، فإنّ العين حقٌّ، أفلا عوّذتهما بهؤلاء الكلمات؟ قال: "وما هنّ يا جبريل؟ ". قال: قل: اللّهمّ ذا السّلطان العظيم، ذا المنّ القديم، ذا الوجه الكريم، وليّ الكلمات التّامّات، والدّعوات المستجابات، عاف الحسن والحسين من أنفس الجنّ، وأعين الإنس. فقالها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقاما يلعبان بين يديه. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "عوّذوا أنفسكم ونساءكم وأولادكم بهذا التّعويذ، فإنّه لم يتعوّذ المتعوّذون بمثله".
قال الخطيب البغداديّ: تفرّد بروايته أبو رجاءٍ محمّد بن عبيد اللّه الحيطي من أهل تستر. ذكره ابن عساكر في ترجمة "طرّاد بن الحسين"، من تاريخه.
وقوله: {ويقولون إنّه لمجنونٌ} أي: يزدرونه بأعينهم ويؤذونه بألسنتهم، ويقولون: {إنّه لمجنونٌ} أي: لمجيئه بالقرآن، قال اللّه تعالى {وما هو إلا ذكرٌ للعالمين}).
[تفسير القرآن العظيم: 8/201-207]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (فجَعَلَ اللَّهُ له العَاقِبَةَ، {وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ولم يُدْرِكْ أعداؤُه فيه إلاَّ ما يَسُوءُهُم، حتَّى إنَّهم حَرَصُوا على أنْ يُزْلِقُوهُ بأبصارِهم؛ أي: يُصِيبُوه بأَعْيُنِهم، مِن حَسَدِهم وغَيْظِهم وحَنَقِهم، هذا مُنْتَهى ما قَدَرُوا عليه مِن الأَذَى الفِعْلِيِّ، واللَّهُ حافِظُه وناصِرُه.
وأمَّا الأَذَى القَوْلِيُّ، فيقولونَ فيه أقوالاً بحَسَبِ ما تُوحِي إليهم قُلوبُهم فيَقولونَ تارَةً: مَجنونٌ. وتَارةً: ساحِرٌ. وتارةً: شاعِرٌ). [تيسير الكريم الرحمن: 882]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (51-{وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} قالَ ابنُ قُتيبةَ: ليس يُريدُ اللهُ أنهم يُصِيبُونَك بأَعْيُنِهم كما يُصيبُ العائنُ بعَيْنِه ما يُعْجِبُه، وإنما أَرادَ أنهم يَنظرونَ إليك إذا قَرَأْتَ القرآنَ نَظَراً شَديدًا بالعداوةِ والبَغضاءِ يَكادُ يُسْقِطُكَ.
{لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} أيْ: وقتَ سماعِهم للقرآنِ لكَراهتِهم لذلك أَشَدَّ كَراهةٍ). [زبدة التفسير: 566]


تفسير قوله تعالى: (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52) )

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (قالَ تعالى: {وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}؛ أي: وما هذا القرآنُ الكريمُ، والذِّكْرُ الحكيمُ إلاَّ ذِكْرٌ للعالَمِينَ، يَتذَكَّرُونَ به مَصالِحَ دِينِهم ودُنياهم). [تيسير الكريم الرحمن: 882]



* للاستزادة ينظر: هنا