الدروس
course cover
زيادات ابن رجب: ح47: حديث المقدام بن معدي كرب: (ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن...) أ ت ن ج
30 Oct 2008
30 Oct 2008

9312

0

0

course cover
الأربعون النووية

القسم السابع

زيادات ابن رجب: ح47: حديث المقدام بن معدي كرب: (ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن...) أ ت ن ج
30 Oct 2008
30 Oct 2008

30 Oct 2008

9312

0

0


0

0

0

0

0

زيادات ابن رجب: ح47: حديث المقدام بن معدي كرب: (ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن...) أ ت ن ج


قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (

47- عَنِ المِقدامِ بنِ مَعْدِ يكَرِبَ قالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقولُ: ((مَا مَلأََ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أكَلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ)).

رواهُ الإمامُ أحمَدُ والتِّرمِذيُّ والنَّسائيُّ وابنُ ماجَه، وقَالَ التِّرمِذيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

هيئة الإشراف

#2

24 Nov 2008

جامع العلوم والحكم للحافظ: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي


قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (

(1) هذا الحديثُ خَرَّجَهُ الإمامُ أحمدُ والتِّرمذيُّ، مِن حديثِ يحيى بنِ جابرٍ الطائيِّ، عن الْمِقدامِ.
وخَرَّجَهُ النَّسائيُّ مِن هذا الوجهِ ومِن وجهٍ آخَرَ مِن روايةِ صالحِ بنِ يحيى بنِ الْمِقدامِ، عن جَدِّه.
وخَرَّجَه ابنُ ماجةَ مِن وَجْهٍ آخَرَ عنه، وله طُرُقٌ أُخْرَى.
وقد رُوِيَ هذا الحديثُ مع ذِكْرِ سَبَبِه، فروى أبو القاسمِ البَغَوِيُّ في (مُعْجَمِه) مِن حديثِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ الْمُرَقَّعِ، قال: (فَتَحَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم خَيْبَرَ وَهِيَ مُخْضَرَّةٌ مِنَ الفَواكِهِ، فَواقَعَ النَّاسُ الفَاكِهَةَ، فَمَغَثَتْهُمُ الْحُمَّى، فَشَكَوْا إِلى رسولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، فَقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((إِنَّمَا الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ وَسِجْنُ اللَّهِ في الأَرْضِ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَإِذَا أَخَذَتْكُمْ فَبَرِّدُوا الْمَاءَ فِي الشِّنَانِ، فَصُبُّوهَا عَلَيْكُمْ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ)) يعني المغرِبَ والعشاءَ، قال: فَفَعَلوا ذَلِكَ، فَذَهَبَتْ عَنْهُم، فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ وِعَاءً إِذَا مُلِئَ شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ، فَاجْعَلُوا ثُلُثًا لِلطَّعَامِ، وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ، وَثُلُثًا لِلرِّيحِ))).
وهذا الحديثُ أَصْلٌ جامعٌ لأصولِ الطِّبِّ كُلِّها.
وقد رُوِيَ أنَّ ابنَ مَاسُوَيْهِ الطَّبيبَ لَمَّا قَرَأَ هذا الحديثَ في كتابِ أبي خَيْثَمَةَ، قالَ: (لو اسْتَعْمَلَ النَّاسُ هذه الكلماتِ، سَلِمُوا مِنَ الأمراضِ والأسقامِ، ولتَعَطَّلتْ الْمَارَسْتَانَاتُ ودَكاكينُ الصَّيادلةِ، وإنَّما قالَ هذا؛ لأنَّ أصلَ كلِّ داءٍ التُّخَمُ، كما قالَ بعضُهم: أصلُ كُلِّ داءٍ الْبَرَدةُ، ورُوِيَ مَرفوعًا ولا يَصِحُّ رَفْعُه).
وقالَ الحارثُ بنُ كَلَدَةَ طبيبُ العربِ: (الحِمْيَةُ رأسُ الدَّواءِ، والبِطْنَةُ رأسُ الدَّاءِ، ورَفَعَه بعضُهم ولا يَصِحُّ أيضًا).
وقالَ الحارثُ أيضًا: (الَّذي قَتَلَ الْبَرِيَّةَ، وأَهْلَكَ السِّباعَ في الْبَريَّةِ، إدخالُ الطَّعامِ على الطَّعامِ قبلَ الانهضامِ).
وقالَ غيرُه: لو قيلَ لأهلِ القُبورِ: ما كان سببُ آجَالِكُم؟ قالوا: التُّخَمُ.
فهذا بعضُ مَنافعِ تقليلِ الْغِذاءِ، وتَرْكِ التَّمَلِّي مِن الطَّعامِ بالنِّسبةِ إلى صَلاحِ البَدَنِ وصِحَّتِه.
وأمَّا منافِعُه بالنِّسبَةِ إلى القَلْبِ وصَلاحِه، فإنَّ قِلَّةَ الغِذاءِ تُوجِبُ رِقَّةَ القَلْبِ: وقُوَّةَ الْفَهْمِ، وانكسارَ النَّفسِ، وضَعْفَ الْهَوى والغَضَبِ، وكثرةُ الغذاءِ تُوجِبُ ضِدَّ ذلك.
قالَ الْحَسَنُ: (يا ابنَ آدمَ كُلْ في ثُلُثِ بَطْنِكَ، واشْرَبْ في ثُلُثٍ، ودَعْ ثُلُثَ بَطْنِكَ يَتنفَّسُ لتَتَفَكَّرَ).
وقالَ الْمَرُّوذيُّ: (جَعَلَ أبو عبدِ اللَّهِ -يعني: أحمدَ- يُعظِّمُ أمرَ الجوعِ والفقرِ، فقلتُ له: يُؤْجَرُ الرَّجُلُ في تَرْكِ الشَّهواتِ؟ فقالَ: وكيف لا يُؤْجَرُ، وابنُ عمرَ يقولُ: ما شَبِعْتُ منذُ أربعةِ أُشهُرٍ؟ قلتُ لأبي عبدِ اللَّهِ: يَجِدُ الرَّجُلُ مِنْ قَلْبِه رِقَّةً وهو يَشبَعُ، قالَ: ما أُرَى).
وروى الْمَرُّوذيُّ عن أبي عبدِ اللَّهِ قولَ ابنِ عمرَ هذا مِن وُجوهٍ، فروى بإسنادِه عن ابنِ سيرينَ، قالَ: (قالَ رجلٌ لابنِ عمرَ: ألا أَجيئُكَ بجوارشَ؟ قال: وأيُّ شيءٍ هو؟ قال: شيءٌ يَهضِمُ الطَّعامَ إذا أَكَلْتَه، قال: ما شَبِعْتُ منذ أربعةِ أشهرٍ، وليس ذاك أنِّي لا أَقْدِرُ عليه، ولكن أَدركتُ أقوامًا يَجوعون أكثرَ مما يَشْبَعُون).
وبإسنادِه عن نافعٍ، قالَ: (جاءَ رجلٌ بجوارشَ إلى ابنِ عمرَ، فقالَ: ما هذا؟ قالَ: جوارشُ: شيءٌ يُهضَمُ به الطَّعامُ، قال: ما أَصنعُ به؟ إنِّي ليأتي عَلَيَّ الشهرُ ما أَشبعُ فيه مِن الطَّعامِ).
وبإسنادِه عن رجُلٍ، قالَ: (قلتُ لابنِ عمرَ: يا أبا عبدِ الرَّحمنِ رَقَّتْ مُضْغَتُكَ، وكَبِرَ سِنُّكَ، وجُلساؤُك لا يَعرِفون لك حَقَّكَ ولا شَرَفَكَ، فلو أَمَرْتَ أَهْلَك أن يَجْعَلوا لك شيئًا يُلَطِّفُونَك إذا رَجَعْتَ إليهم، قالَ: وَيْحَكَ، واللَّهِ ما شَبِعْتُ منذ إحدى عشْرَةَ سنةً، ولا اثْنَتَيْ عشْرةَ سنةً، ولا ثلاثَ عشْرةَ سنةً، ولا أربعَ عشْرَةَ سنةً مَرَّةً واحدةً، فكيف بي وإنَّما بَقِيَ مِنِّي كَظِمْءِ الحمارِ).
وبإسنادِه عن عمرِو بنِ الأسودِ العَنسيِّ أنَّه كان يَدَعُ كثيرًا مِن الشِّبَعِ مَخافةَ الأشَرِ.
وروى ابنُ أبي الدُّنيا في كتابِ (الجوعِ) بإسنادِه عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ، قال: ما شَبِعْتُ منذُ أَسلمتُ.
وروى بإسنادِه عن مُحَمَّدِ بنِ واسعٍ، قالَ: (مَنْ قَلَّ طُعْمُه، فَهِمَ، وأَفْهَمَ، وصَفَا، ورَقَّ، وإنَّ كَثرةَ الطَّعامِ ليُثْقِلُ صاحبَه عن كثيرٍ مما يُريدُ).
وعن أبي عُبيدةَ الخَوَّاصِ، قال: (حَتْفُكَ في شِبَعِكَ، وحَظُّك في جُوعِك، إذا أنتَ شَبِعْتَ ثَقُلْتَ، فَنِمْتَ، اسْتَمْكَنَ منك العَدُوُّ، فجَثَمَ عليك، وإذا أنتَ تَجَوَّعتَ كنتَ للعَدُوِّ بِمَرْصَدٍ).
وعن عمرِو بنِ قيسٍ، قالَ: (إيَّاكُم والبِطْنَةَ فإنَّها تُقَسِّي القَلْبَ).
وعن سَلمةَ بنِ سعيدٍ، قالَ: (إن كان الرَّجُلُ لَيُعَيَّرُ بالبِطْنَةِ كما يُعَيَّرُ بالذَّنْبِ يَعمَلُهُ).
وعن بعضِ العُلماءِ، قالَ: إذا كنتَ بَطينًا، فاعْدُدْ نفسَك زَمِنًا حتى تَخْمِصَ.
وعن ابنِ الأعرابيِّ، قالَ: (كانتِ العربُ تَقولُ: ما باتَ رجلٌ بَطينًا فتَمَّ عَزْمُه).
وعن أبيِ سُليمانَ الدارانيِّ، قالَ: (إذا أَرَدْتَ حاجةً مِن حَوائجِ الدُّنيا والآخِرَةِ، فلا تَأْكُلْ حتَّى تَقضِيَها؛ فإنَّ الأكلَ يُغَيِّرُ العقلَ).
وعن مالكِ بنِ دِينارٍ، قالَ: (ما يَنبغِي للمؤمنِ أن يكونَ بَطْنُه أكْبَرَ هَمِّهِ، وأن تكونَ شَهوتُه هي الغالبةَ عليه).
قال: وحَدَّثَنِي الحسنُ بنُ عبدِ الرحمنِ، قالَ: (قالَ الحسَنُ أو غيرُه: كانتْ بَلِيَّةُ أبيكم آدَمَ عليه السَّلامُ أَكْلَةً، وهي بَلِيَّتُكمْ إلى يومِ القِيامةِ، قالَ: وكان يُقالُ: مَن مَلَكَ بَطْنَه، مَلَكَ الأعمالَ الصَّالِحةَ كُلَّها، وكان يُقالُ: لا تَسْكُنُ الحِكمةُ مَعِدَةً مَلأَى).
وعن عبدِ العزيزِ بنِ أبي رَوَّادٍ، قالَ: (كان يُقالُ: قِلَّةُ الطَّعمِ عَوْنٌ على التَّسَرُّعِ إلى الخيراتِ).
وعن قُثَمَ العابدِ، قالَ: (كان يُقالُ: ما قَلَّ طُعْمُ امرئٍ قطُّ إلا رَقَّ قلبُه، ونَدِيَتْ عَيناهُ).
وعن عبدِ اللَّهِ بنِ مَرزوقٍ، قالَ: (لم نَرَ للأَشَرِ مِثلَ دَوامِ الجوعِ، فقالَ له أبو عبدِ الرَّحمنِ العمريُّ الزَّاهدُ: وما دَوامُه عندَك؟ قال: دوامُه أن لا تَشْبَعَ أبدًا، قالَ: وكيفَ يَقْدِرُ مَن كان في الدُّنيا على هذا؟ قال: ما أَيْسَرَ ذلك يا أبا عبدِ الرَّحمنِ على أهلِ وِلايَتِه ومَن وَفَّقَه لطاعتِه، لا يأكُلُ إلا دُونَ الشِّبَعِ هو دوامُ الجوعِ).
ويُشبِهُ هذا قولَ الحسَنِ لَمَّا عَرَضَ الطَّعامَ على بعضِ أصحابِه، فقالَ له: (أَكلتُ حتى لا أستطيعَ أنْ آكُلَ، فقالَ الحسَنُ: سُبحانَ اللَّهِ، ويَأكلُ المسلمُ حتى لا يَستطيعَ أن يَأْكُلَ؟!).
وروى أيضًا بإسنادِه عن أبي عِمرانَ الجونيِّ، قالَ: (كان يُقالُ: مَن أَحبَّ أن يُنَوَّرَ له قلبُه، فليُقِلَّ طُعْمَه).
وعن عُثمانَ بنِ زائدةَ، قالَ: (كَتَبَ إليَّ سُفيانُ الثَّوريُّ: إن أَردْتَ أن يَصِحَّ جِسْمُك، ويَقِلَّ نومُك، فأَقِلَّ مِن الأكْلِ).
وعن ابنِ السماكِ، قالَ: (خَلا رجُلٌ بأخيه، فقالَ: أيْ أخي، نحن أَهْوَنُ على اللَّهِ مِن أن يُجِيعَنا، إنَّما يُجيعُ أولياءَه).
وعن عبدِ اللَّهِ بنِ الفرجِ، قالَ: (قلتُ لأبي سعيدٍ التَّميميِّ: الخائفُ يَشبعُ؟ قالَ: لا، قلتُ: الْمُشتاقُ يَشبعُ؟ قالَ: لا).
وعن رياحٍ القَيْسِيِّ (أنه قُرِّبَ إليه طَعامٌ، فأَكَلَ منه، فقيلَ له: ازْدَدْ فما أَراكَ شَبِعْتَ، فصاحَ صَيحةً وقالَ: كيف أشبَعُ أيامَ الدُّنيا وشَجرةُ الزَّقُّومِ طعامُ الأَثيمِ بينَ يَدَيَّ؟ فرَفَعَ الرَّجلُ الطَّعامَ مِن بينِ يَدَيْهِ، وقالَ: أنتَ في شيءٍ، ونحن في شيءٍ).
قالَ الْمَرُّوذيُّ: (قالَ لي رَجُلٌ: كيف ذاك الْمُتَنَعِّمُ؟ يعني أحمدَ، قلتُ له: وكيف هو مُتَنَعِّمٌ؟ قالَ: أليس يَجِدُ خُبزًا يَأكلُ، وله امرأةٌ يَسْكُنُ إليه ويَطَؤُها، فذَكَرْتُ ذلك لأبي عبدِ اللَّهِ، فقالَ: صَدَقَ، وجَعَلَ يَسترجِعُ، وقالَ: إنَّا لنَشْبَعُ).
وقالَ بِشرُ بنُ الحارثِ: (ما شَبِعْتُ منذُ خمسينَ سنةً، وقالَ: ما يَنبغِي للرَّجُلِ أن يَشبعَ اليَوْمَ مِن الْحَلالِ؛ لأنه إذا شَبِعَ مِن الحلالِ، دَعَتْه نفسُه إلى الحرامِ، فكيف مِن هذه الأقذارِ؟).
وعن إبراهيمَ بنِ أَدهمَ، قالَ: (مَن ضَبَطَ بَطْنَهُ، ضَبَطَ دِينَه، ومَن مَلَكَ جُوعَه، مَلَكَ الأخلاقَ الصَّالحةَ، وإنَّ مَعصيةَ اللَّهِ بَعيدةٌ مِن الجائعِ، قَريبةٌ مِن الشَّبعانِ، والشِّبَعُ يُميتُ القلبَ، ومنه يكونُ الفَرحُ والْمَرَحُ والضَّحِكُ).
وقالَ ثابتٌ الْبُنانيُّ: (بلَغَنَا أنَّ إبليسَ ظَهَرَ ليَحْيَى بنِ زَكريَّا عليهما السَّلامُ، فرأى عليه مَعاليقَ مِن كلِّ شيءٍ، فقالَ له يَحْيَى: يا إبليسُ، ما هذه الْمَعاليقُ التي أَرَى عليك؟ قالَ: هذه الشَّهْواتُ التي أُصيبُ مِن بني آدَمَ، قال: فهل لي فيها شيءٌ؟ قالَ: ربما شَبِعْتَ، فثَقَّلْناكَ، عن الصَّلاةِ، وعنِ الذِّكْرِ، قالَ: فهل غيرُ هذا؟ قال: لا، قالَ: للهِ علَيَّ أن لا أَملأَ بَطْنِي مِن طَعامٍ أَبَدًا، قالَ: فقالَ إبليسُ: وللهِ عليَّ أن لا أَنصحَ مُسْلِمًا أَبَدًا).
وقالَ أبو سُليمانَ الدَّارانيُّ: (إنَّ النَّفسَ إذا جاعَتْ وعَطِشَتْ، صَفَا القلبُ ورَقَّ، وإذا شَبِعَتْ ورَوِيَتْ، عَمِيَ القلبُ).
وقالَ: (مِفتاحُ الدُّنيا الشِّبَعُ، ومِفتاحُ الآخِرةِ الجوعُ، وأصلُ كلِّ خيرٍ في الدُّنيا والآخِرةِ الخوفُ مِن اللَّهِ عزَّ وجلَّ، وإنَّ اللَّهَ لَيُعْطِي الدُّنيا مَن يُحبُّ ومَن لا يُحبُّ، وإنَّ الجوعَ عندَه في خَزائنَ مُدَّخَرةٍ، فلا يُعْطِي إلا مَن أحبَّ خاصَّةً، ولأَنْ أَدَعَ مِن عَشائي لُقمةً أَحَبُّ إليَّ مِن أن آكُلَها ثم أَقومَ مِن أوَّلِ الليلِ إلى آخِرِه).
وقالَ الحسَنُ بنُ يحيى الْخُشَنِيُّ: (مَن أرادَ أن تَغْزُرَ دُموعُه، ويَرِقَّ قلبُه، فلْيَأْكُلْ، ولْيَشربْ في نصفِ بَطْنِه، قالَ أحمدُ بنُ أبي الحَواريِّ: فحَدَّثْتُ بهذا أبا سُليمانَ، فقالَ: إنما جاءَ الحديثُ: ((ثُلُثٌ طَعَامٌ وَثُلُثٌ شَرَابٌ))، وأرى هؤلاءِ قد حَاسَبُوا أنفُسَهمْ، فرَبِحُوا سُدُسًا).
وقالَ مُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ الحارثيُّ: (الجوعُ يَبْعَثُ على الْبِرِّ كما تَبعثُ البِطْنَةُ على الأَشَرِ).
وعن الشَّافعيِّ، قالَ: (ما شَبِعْتُ منذُ سِتَّ عشْرةَ سنةً إلا شِبعةً اطَّرَحْتُها؛ لأنَّ الشِّبَعَ يُثْقِلُ البَدَنَ، ويُزيلُ الفِطْنَةَ، ويَجْلُبُ النَّومَ، ويُضعِفُ صاحبَه عن العِبادةِ).
وقد نَدَبَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم إلى التَّقَلُّلِ مِن الأَكْلِ في حديثِ الْمِقدامِ، وقالَ: ((حَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ)).
وفي (الصَّحِيحَيْنِ) عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أنه قالَ: ((الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ)) والمرادُ أنَّ المؤمنَ يَأكلُ بأَدَبِ الشَّرعِ، فيَأكلُ في مِعًى واحدٍ، والكافِرَ يَأكلُ بِمُقتَضَى الشَّهوةِ والشَّرَهِ والنَّهَمِ، فيأكلُ في سبعةِ أَمعاءٍ.
ونَدَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مع التَّقلُّلِ منَ الأكْلِ والاكتفاءِ ببعضِ الطَّعامِ إلى الإِيثارِ بالباقي منه، فقالَ: ((طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الثَّلاَثَةَ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ)).
فأَحْسَنُ ما أَكلَ المؤمنُ في ثُلُثِ بَطْنِه، وشَرِبَ في ثُلُثٍ، وتَرَكَ للنَّفَسِ ثُلُثًا، كما ذَكَرَه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم في حديثِ الْمِقدامِ؛ فإنَّ كثرةَ الشُّرْبِ تَجْلُبُ النَّومَ، وتُفْسِدُ الطَّعامَ.
قالَ سُفيانُ: (كُلْ ما شِئْتَ وَلاَ تَشْرَبْ، فإذا لم تَشْرَبْ، لم يَجِئْكَ النومُ).
وقالَ بعضُ السَّلَفِ: كان شبابٌ يَتَعبَّدونَ في بني إسرائيلَ، فإذا كان عندَ فِطْرِهم، قامَ عليهم قائمٌ فقالَ: لا تَأكلوا كثيرًا، فتَشربوا كثيرًا، فتَناموا كثيرًا، فتَخْسَروا كثيرًا.
وقد كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وأصحابُه يَجوعون كثيرًا، ويَتقلَّلون مِن أكلِ الشَّهواتِ، وإن كان ذلك لِعَدَمِ وُجودِ الطَّعامِ، إلاَّ أنَّ اللَّهَ لا يَختارُ لرسولِه إلا أَكْمَلَ الأحوالِ وأَفْضَلَها.
ولهذا كان ابنُ عمرَ يَتَشَبَّهُ بهم في ذلك، مع قُدرتِه على الطَّعامِ، وكذلك كان أبوهُ مِن قبلِه.
ففي (الصَّحِيحَيْنِ) عن عائشةَ، قالتْ: ((مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ ثَلاَثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ)).
ولمسلمٍ: قالتْ: ((مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ)).
وخَرَّجَ البُخاريُّ عن أبي هُريرةَ، قالَ: ((مَا شَبِعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مِنْ طَعامٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قُبِضَ)).
وعنه قالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ).
وفي (صحيحِ مسلمٍ) عن عمرَ أنه خَطَبَ، فذَكَرَ ما أصابَ النَّاسُ مِن الدُّنيا، فقالَ: (لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ دَقَلاً يَمْلأَُ بِهِ بَطْنَهُ).
وخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ، وابنُ ماجَةَ مِن حديثِ أَنَسٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، قالَ: ((لقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُخِفْتُ في اللَّهِ وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاثٌ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي طَعامٌ إِلاَّ مَا وَارَاهُ إِبطُ بِلالٍ)).وخَرَّجَ ابنُ ماجةَ بإسنادِه، عن سُليمانَ بنِ صُرَدٍ، قالَ: (أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَمَكَثْنَا ثَلاثَ لَيالٍ لا نَقْدِرُ -أَوْ لا يَقْدِرُ- عَلَى طَعامٍ).
وبإسنادِه، عن أبي هُريرةَ، قال: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ سُخْنٍ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا دَخَلَ بَطْنِي طَعَامٌ سُخْنٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا)).


وقد ذمَّ اللَّهُ ورسولُه مَن اتَّبَعَ الشَّهواتِ، قالَ تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلاَّ مَنْ تَابَ}[مريم:59،60].

وصَحَّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أنه قالَ: ((خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ)).
وفي (المسنَدِ) أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم رأى رجلاً سَمِينًا فجَعَلَ يُومِئُ بيدِه إلى بَطْنِه ويقولُ: ((لَوْ كَانَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا، لَكَانَ خَيْرًا لَكَ)).
وفي (المسنَدِ) عن أبي بَرْزةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قالَ: ((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ شَهَواتُ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ، وَمُضِلاتُ الْهَوَى)).
وفي (مسنَدِ البَزَّارِ) وغيرِه، عن فاطمةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، قالَ: ((شِرَارُ أُمَّتِي الَّذِينَ غُذُّوا بِالنَّعِيمِ يَأْكُلُونَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ، وَيَلْبَسُونَ أَلْوَانَ الثِّيَابِ، وَيَتَشَدَّقُونَ فِي الْكَلاَمِ)).
وخَرَّجَ التِّرمذيُّ وابنُ ماجةَ مِن حديثِ ابنِ عمرَ، قالَ: تَجَشَّأَ رجلٌ عندَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، فقالَ: ((كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وخَرَّجَهُ ابنُ ماجةَ مِن حديثِ سَلمانَ أيضًا بنحوِه، وخَرَّجَهُ الحاكِمُ مِن حديثِ أبي جُحيفةَ وفي أسانيدِها كلِّها مَقالٌ.
ورَوى يحيى بنُ مَنْدَهْ في كتابِ (مَناقبِ الإمامِ أحمدَ) بإسنادٍ له عن الإمامِ أحمدَ أنه سُئِلَ عن قولِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((ثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ للشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ)) فقالَ: ثلُثٌ للطعامِ: هو القُوتُ، وثلثٌ للشَّرابِ: هو القُوَى، وثلثٌ للنَّفَسِ: هو الرُّوحُ، واللَّهُ أَعْلَمُ.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#3

25 Nov 2008

الكشاف التحليلي


حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه -مرفوعاً-: (ما ملأ آدمي وعاءً شر من بطن)
تخريج حديث المقدام رضي الله عنه
منزلة حديث المقدام رضي الله عنه
هذا الحديث أصل من أصول الطب
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه)
معنى (الصلب)
معنى إقامة الصلب
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)
تضمن هذا الحديث بيان معنى الاقتصاد في الطعام
من أكل دون الشبع فقد اقتصد
أنواع منافع الاقتصاد في الطعام
النوع الأول: منافعه للبدن
قال سفيان الثوري: (إن أردت أن يصح جسمك، ويقل نومك فأقل من الأكل)
يصح الجسم
يقلل النوم
النوع الثاني: منافعه للقلب
قال ابن رجب: (قلة الغذاء توجب رقة القلب، وقوة الفهم، وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب، وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك)
قال إبراهيم ابن أدهم: (من ضبط بطنه ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة)
قال الحسن: (كان يقال: من ملك بطنه ملك الأعمال الصالحة كلها)
قال ابن أبي رواد: (كان يقال: قلة الطعام عون على التسرع إلى الخيرات)
قال قثم العابد: (كان يقال: ما قل طعم امرئ قط إلا رق قلبه، ونديت عيناه)
قال عبد الله بن مرزوق: (لم نر للأشر مثل دوام الجوع)
مفاسد البطنة
مفاسد البطنة على البدن
قال الحارث بن كلدة: (الذي قتل البرية، وأهلك السباع في البرية إدخال الطعام على الطعام قبل الانهضام)
مفاسد البطنة على القلب
قال إبراهيم بن أدهم: (الشبع يميت القلب، ومنه يكون الفرح والمرح والضحك)
قال عمرو بن قيس: (إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب)
قال محمد بن النضر: (الجوع يبعث على البر كما تبعث البطنة على الأشر)
مدح الحمية
شرح قول الحارث بن كَلَدَة: (الحمية رأس الدواء، والبطنة رأس الداء)
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الطعام
قال أبو هريرة: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير)
قالت عائشة: (ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعام ثلاثة أيام حتى قبض)
هدي السلف في الطعام
روي عن ابن عمر أنه قال: (ما شبعت منذ أربعة أشهر)
قال بشر بن الحارث: (ما شبعت منذ خمسين سنة)
قال الشافعي: (ما شبعت منذ ست عشرة سنة)
شرح حديث: (المؤمن يأكل في معىً واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء)

عبد العزيز بن داخل المطيري

#4

25 Nov 2008

العناصر


حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه -مرفوعاً-: (ما ملأ آدمي وعاءً شر من بطن)
تخريج حديث المقدام رضي الله عنه
منزلة حديث المقدام رضي الله عنه
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه)

شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)

تضمن هذا الحديث بيان معنى الاقتصاد في الطعام
أنواع منافع الاقتصاد في الطعام
مفاسد البطنة
مدح الحمية
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الطعام
هدي السلف في الطعام
شرح حديث: (المؤمن يأكل في معىً واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء)