الدروس
course cover
ح39: حديث ابن عباس: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان...) ج هق
30 Oct 2008
30 Oct 2008

9088

0

0

course cover
الأربعون النووية

القسم السادس

ح39: حديث ابن عباس: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان...) ج هق
30 Oct 2008
30 Oct 2008

30 Oct 2008

9088

0

0


0

0

0

0

0

ح39: حديث ابن عباس: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان...) ج هق

قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (

39- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما, أَنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي: الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). حديثٌ حسَنٌ رواه ابنُ ماجَه والبيهقيُّ وغيرُهما.

هيئة الإشراف

#2

30 Oct 2008

شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين


قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (

الحديث التاسع والثلاثون

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)(1)حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما.

الشرح
النووي -رحمه الله- في هذا الكتاب يتساهل كثيراً، فيورد أحاديث ضعيفة وربما يحسّنها هو لأنه من الحفاظ، وابن رجب - رحمه الله- في كتابه: (جامع العلوم والحكم) يتعقّبه كثيراً، ولذلك يحسن منا أن نعلّق على المتن ببيان درجة الحديث، لكن الغالب أن ما يذكره من الأحاديث الضعيفة في هذا الكتاب أن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن.
هنا يقول المؤلف - رحمه الله -: رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما فلو أخذنا كلامه على العموم، لكان رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي لدخول هؤلاء في قوله: وغيرهما لكن هذا ليس بوارد، لأنه من عادتهم إذا ذكروا المخرجين الذين دون درجة الصحيحين ثم قالوا: وغيرهما فالمراد ممن هو دونهما أو مثلهما، لايريدون أن يدخل من هو أعلى منهما، لأنه لو أرادوا من هو أعلى منهما لعيب على من ذكر الدون وأحال على الأعلى، وهذا واضح، لأن الواجب أن يذكر الأعلى ثم يقال: وغيره.
قوله: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِيْ" اللام هنا للتعليل، أي تجاوز من أجلي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
والخطأ: أن يرتكب الإنسان العمل عن غير عمد.
والنسيان: ذهول القلب عن شيءٍ معلوم من قبل.
والاستكراه: أن يكرهه شخص على عمل محرم ولايستطيع دفعه، أي: الإلزام والإجبار.
وهذه الثلاثة أعذار شهد لها القرآن الكريم.
أما الخطأ والنسيان فقد قال الله عزّ وجل: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) [البقرة: الآية286] وقال الله عزّ وجل: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) [الأحزاب: الآية5] .
وأما الإكراه: فقال الله عزّ وجل: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النحل:106]
فرفع الله عزّ وجل حكم الكفر عن المكرَه، فما دون الكفر من المعاصي من باب أولى لاشك.
إذاً هذا الحديث مهما قيل في ضعفه فإنه يشهد له القرآن الكريم كلام رب العالمين.
من فوائد هذا الحديث:
1. سعة رحمة الله عزّ وجل ولطفه بعباده حيث رفع عنهم الإثم إذا صدرت منهم المعصيةعلى هذه الوجوه الثلاثة، ولو شاء الله لعاقب من خالف أمره على كل حال.
2. أن جميع المحرّمات في العبادات وغير العبادات إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه فيما يتعلق بحق الله، أما حق الآدمي فلا يعفى عنه من حيث الضمان، وإن كان يُعفى عنه من حيث الإثم.
فجميع المحرّمات يرفع حكمها بهذه الأعذار وكأنه لم يفعلها ولايستثنى من هذا شيء، فلنضرب أمثلة:
رجل تكلّم في الصلاة يظن أن هذا الكلام جائز، فلا تبطل صلاته لأنه جاهل مخطئ ارتكب الإثم عن غير قصد، وهذا فيه نص خاص وهو: أن معاوية بن الحكم رضي الله عنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة، فسمع عاطساً عطس فحمد الله، فقال له معاوية رضي الله عنه: يرحمك الله ، فرماه الناس بأبصارهم، أي جعلوا ينظرون إليه نظر إنكار فقال: واثكل أمّياه - كلمة توجع - فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكّتونه فسكت، فلمّا انتهت الصلاة دعاه من كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً محمد صلى الله عليه وسلم، قال معاوية: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه، ماكهرني، ولاشتمني، ولاضربني، وإنما قال: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لاَيَصْلُحُ فِيْهَا شَيءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ إِنَّمَا هِيَ التَّكْبِيْرُ والتَّسبِيْحُ وَقِرَاءةُ القُرْآنِ"(2).
وجه الدلالة من هذا الحديث: أنه لم يأمره بالإعادة، ولو كانت الإعادة واجبة عليه لأمره بها كما أمر الذي لايطمئن في صلاته أن يعيد صلاته.
مثال آخر: رجل يصلي، فاستأذن عليه رجل - أي قرع الباب - فقال: تفضّل، نسي أنه في صلاة، فلاتبطل صلاته لأنه ناسٍ ولم يتعمّد الإثم.
مثال ثالث: رجل أكره على أن يأكل في نهار رمضان فأكل، فلا يفسد صومه لأنه مكره، لكن يشترط في الإكراه أن يكون المكره قادراً على تنفيذ ما أكره به، أما إذا كان غير قادر مثل أن يقول لشخص: يافلان كل هذا التمر وإن لم تأكل ضربتك، أو قيدتك وهو أضعف من الصائم، والصائم يستطيع أن يأخذه بيد واحدة ويقذفه، فهذا ليس بإكراه لأنه قادر على التخلّص.
مثال رابع: صائم أكل يظن الشمس غربت ثم تبيّن أنها لم تغرب، كمن سمع أذاناً وظنه أذان بلده فأكل ثم تبيّن أنه لم يؤذن فيه ولم تغرب الشمس، فليس عليه قضاء لأنه جاهل إذ لو علم أن الشمس باقية لم يأكل، ولو ضُرب على هذا لم يأكل، فظن أن الشمس غربت بسماع هذا الأذان فأكل فلاشيء عليه.
وقد جاء النص في هذه المسألة بعينها، فقد روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنهم أفطروا في يوم غيمٍ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس(3)، إذاً هم أفطروا قبل أن تغرب الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً عليهم لأمرهم به لوجوب الإبلاغ عليه، ولو أمرهم به لكان من الشريعة، وإذا كان من الشريعة فالشريعة محفوظة لابد أن تنقل إلينا ولم تنقل، فدل هذا على أنه لا يجب عليهم القضاء.
ومن العلماء من قال: إنه يجب القضاء في هذه الحال استناداً إلى قول بعض الفقهاء.
وموقفنا من هذا القول أن نقول: إن الله تعالى قال: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء: الآية59] وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) [الشورى: الآية10] وحينئذ لايبقى لأحد كلام.
مثال خامس: رجل جامع زوجته في نهار رمضان وهو يعلم أن الجماع حرام، لكن لايعلم أن فيه كفارة، فهذا تلزمه الكفارة لأن هذا الرجل غير معذور، حيث انتهك حرمة رمضان وهو يعلم أن ذلك حرام فتلزمه الكفارة، ولهذا ألزم النبي صلى الله عليه وسلم المجامع في نهار رمضان بالكفارة مع أنه لايعلم، وقصة هذا الرجل:
أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:يارسول الله هلكت؟ فقال:"مَا الَّذِيْ أَهْلَكَكَ؟" قال: أتيتُ أهلي في رمضان وأنا صائم، فقال: "أَعْتِقْ رَقَبَةً" ، قال: لاأقدر، فقال: "صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟" قال: لاأستطيع، فقال: "أَطْعِمْ سِتِّيْنَ مِسْكِيْنَاً؟" قال: ليس عندي - فكل خصال الكفارة لايستطيعها- فجلس الرجل فأتي بِمِكْتَلٍ فيه تمر - أي زنبيل- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "خُذْ هَذَا تَصَدّقْ بِهِ" ، قال: يارسول الله: أعلى أفقر مني، والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ(4).
الشاهد من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب عليه الكفارة مع أنه كان لايدري أن فيه كفارة.
مثال سادس: رجل زنى يحسب أن الزنى حلال لأنه عاش في غير بلاد الإسلام وهو حديث عهد بإسلام، فلا حدَّ عليه لأنه جاهل حيث أسلم حديثاً ولم يدرِ أن الزنا حرام، فقوله مقبول.
لكن لوقال رجل عاش بين المسلمين:إنه لايدري أن الزنا حرام، فإنه لايقبل ويقام عليه الحدّ.
مثال سابع: رجل زنى وهو يعلم أن الزنى حرام، لكن لا يدري أن الزاني المحصن عليه الرجم، وقال: إنه لو علم أن عليه الرجم ما زنى، فإنه يرجم.
إذاً الجهل بما يترتب على الفعل ليس بعذر، إنما العذر إذا جهل الحكم.
ذكرنا أولاً أن هذا في حق الله، أما في حق المخلوق فلا يسقط الضمان وإن سقط الإثم، مثال ذلك: رجل اجتر شاة ظنها شاته فذكّاها وأكلها، فتبيّن أنها لغيره، فإنه يضمنها لأن هذا حق آدمي، وحقوق الآدمي مبنية على المشاحة، ويسقط عنه الإثم لأنه غير متعمّد لأخذ مال غيره.
ومثال آخر: رجل أكره على قتل إنسان وقال له المكره: إما أن تقتل فلاناً أو أقتلك، وهو يقدر أن يقتله، فقتله، فإن القاتل المكره يقتل، لأن حق الآدمي لايعذر فيه بالإكراه.
فإذا قال: أنا أعلم أنني إذا لم أقتل الرجل قتلني ؟
فنقول: هل لك الحق أن تبقي نفسك بإهلاك غيرك؟ ليس لك حق. ولذلك إذا ارتفع قتل هذا المكره عنك فإننا لانرفع عنك القتل بمقتضى الشريعة الإسلامية.
مثال ثالث: جاء رجل قوي شديد وأخذ شخصاً بالغاً عاقلاً وأمسك به وضرب به إنساناً حتى مات المضروب، فإنه لايضمن لأنه ليس له تصرف، فهذا كالآلة فالضمان على الذي أمسكه وضرب به المقتول.
فهذا الحديث عام في كل حق لله عزّ وجل من المحظورات، أما المأمورات فإنها لايسقط أداؤها وقضاؤها،فلابد أن تُفعل. ولكن يسقط الإثم في تأخيرها بعذر.
فلو أن رجلاً أكل لحم إبل وهو على وضوء ولم يعلم أن أكل لحم الإبل ناقض للوضوء، فصلى، فيلزمه أن يعيد الوضوء والصلاة، وذلك لأن الواجب يمكن تداركه مع الجهل، وأما المحرم لايمكن تداركه لأنه فعله وانتهى منه.
فعلى هذا نقول: إذا ترك واجباً فلابد من فعله، ويدل لهذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصِلِّهَا إِذَا ذَكَرهَا"(5) فعذره عن التأخير ولم يعذره عن القضاء، بل أمره بالقضاء.
أما بالنسبة للجهل: فالرجل الذي جاء وصلى ولم يطمئن في صلاته قال له النبي صلى الله عليه وسلم : "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" فرجع وصلى صلاة لايطمئن فيها،ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثلاث مرات حتى قال المصلي: والذي بعثك بالحق لاأحسن غير هذا فعلمني، فعلّمه(6)،فهنا لم يعذره بالجهل لأن هذا واجب، والواجب يمكن تداركه مع الجهل فيفعل.
فإن قال قائل: هذا الرجل لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة ما مضى من الصلوات مع أنه صرح بأنه لايحسن غير هذا، فما الجواب وأنتم تقولون: إن الواجبات إذا كان جاهلاً يُعذر فيها بالإثم أي يسقط عنه، لكن لابد من فعلها؟
قلنا:هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء: هل الواجبات تسقط بالجهل مطلقاً، أو يقال:تسقط بالجهل إن كان غير مقصّر، فإن كان مقصّراً لم يعذر؟
والظاهر: أن الواجبات تسقط بالجهل مالم يمكن تداركها في الوقت، ويؤيد هذا أن الحديث الذي ذكرناه لم يأمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل بقضاء ما مضى من صلاته، وأمره بقضاء الصلاة الحاضرة لأنه يمكن تداركها، ولأنه الآن هو مطالب بها،لأن وقتها باق.
ويتفرع على هذا مسألة مهمة: كثير من البادية لايعرفون أن المرأة إذاحاضت مبكرة لزمها الصيام، ويظنون أن المرأة لايلزمها الصيام إلا إذا تم لها خمس عشرةسنة، وهي قد حاضت ولها إحدى عشرة سنة مثلاً، فلها خمس سنين لم تصم، فهل نلزمها بالقضاء؟
فالجواب: لا نلزمها بالقضاء، لأن هذه جاهلة ولم تقصّر،لأنه ليس عندها من تسأله، ثم إن أهلها يقولون لها:أنت صغيرة ليس عليك شيء، وكذلك لوكانت لاتصلّي.
فمثل هؤلاء نعذرهم، لأن الواجبات عموماً لاتلزم إلا بالعلم، لقول الله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الاسراء: الآية15] نعم إذا كان مقصّراً فنلزمه، مثل أن يقول رجل عاميٌّ لآخر مثله: يافلان يجب عليك كذا وكذا، فقال: لا يجب، قال له: اسأل العلماء، فقال: لا أسأل العلماء قال الله عزّ وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) [المائدة: الآية101] فهذا نقول: إنه مقصّر ونلزمه.
أيضاً إذاكان الواجب الذي تركه جهلاً يتعلق به حق الغير كالزكاة مثلاً، كرجل مضى عليه سنوات وهو لايزكّي، والمال الذي عنده زكوي، لكن لايدري أن فيه زكاة، فنلزمه بأداء ما مضى،لأن الزكاة ليس لها وقت محدد تفوت بفواته، فلوأخّرها عمداً إلى خمس سنوات لزمه أن يزكّي.
فهذا نلزمه بالزكاة وإن كان جاهلاً لتعلّق حق أ هل الزكاة بها وهو حق آدمي، لكن لانؤثمه لأنه كان جاهلاً.
فالمهم أن هذا الحديث مؤيَّدٌ بالقرآن الكريم كما سبق، وينبغي للإنسان أن ينظر إلى الحوادث التي تقع نسياناً أو جهلاً أو إكراهاً نظرة حازم ونظرة راحم.
نظرة حازم: بأن يلزم الإنسان إذاعلم أن فيه تقصيراً.
ونظرة راحم: إذا علم أنه لم يقصّر، لكنه جاهل لايدري عن شيء.
وكان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - يقول في المسائل الخلافية: إذا كان الإنسان قد فعل وانتهى فلا تعامله بالأشد،بل انظر للأخف وعامله به، لأنه انتهى ولكن انهَهُ أن يفعل ذلك مرّة أخرى،إذا كنت ترى أنه لايفعل. والله الموفّق.
______________________________________________________________________________________

(1) أخرجه ابن ماجه – كتاب: الطلاق المكره والناسي، (2045). والبيهقي- ج7/ص357،356. والدارقطني – ج4/170، وابن حبان في صحيحه – ج16/ص202،(7219).
(2) أخرجه مسلم – كتاب: المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، (537)،(33)
(3) سبق تخريجه صفحة (32)
(4) أخرجه الترمذي – كتاب: الطلاق واللعان، باب: ما جاء في كفارة الظهار، (1200). والإمام أحمد – ج6/ص411، مسند النساء حديث خولة بنت ثعلبة، (27862)
(5) أخرجه البخاري – كتاب: مواقيت الصلاة، من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، ولا يعيد إلا تلك الصلاة (597). ومسلم – كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، (684)،(314)
(6) سبق تخريجه صفحة (271)

هيئة الإشراف

#3

23 Nov 2008

شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي

قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (

(1) الشرح :

(عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهُمَا، أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ): ((إنَّ اللهَ)) الَّذِي أَعْطَانِي مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا غَيْرِي مِن الكَرَامَاتِ ((تَجَاوَزَ)) تَشْرِيفًا لي ((عَنْ أُمَّتِي)) التي أَجَابَتْنِي بالإيمانِ ((الخَطَأَ))وهُوَ: أَنْ يَقْصِدَ بِفِعْلِهِ شَيئًا فَيُصَادِفَ غَيْرَ مَا قَصَدَ.
((وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)) أَيْ: مَا فَعَلُوهُ مِنَ السيِّئَاتِ خَطَأً أو نِسْيَانًا أَوْ إِكْرَاهًا مُعْتَبَرًا شَرْعًا، فَلاَ يُؤَاخِذُهُم بِهِ يومَ القيامةِ، تَفَضُّلاً مِنْهُ وَتَكَرُّمًا وَإِجْلاَلاً، لِحَبِيبِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

هيئة الإشراف

#4

23 Nov 2008

المنن الربانية لفضيلة الشيخ :سعد بن سعيد الحجري

قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (

الحديثُ التاسعُ وَالثلاثونَ

عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)) حديثٌ حسَنٌ.

موضوعُ الحديثِ : موانعُ التَّكليفِ

المفرداتُ: (1) ((إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ)): أيْ عَفَا وَرَفَعَ وَلمْ يُؤَاخِذْ، وَالمُرَادُ أَنَّهُ غَفَرَ لهم وَعَفَا عَنْهُمْ. وَهذا مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَمَنِّهِ؛ لِعِلْمِهِ بِضَعْفِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ وَنَقْصِهِمْ.

((لِي)): أيْ لأَجْلِي وَتَعْظِيمِ أَمْرِي وَرِفْعَةِ قَدْرِي، وَقدْ قَالَ تَعَالَى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4].

وَمِنْ رِفْعَةِ قَدْرِهِ الشفاعةُ العُظْمَى، وَهوَ أَوَّلُ مَنْ يُفْتَحُ لهُ بابُ الجنَّةِ، وَأُعْطِيَ خَمْساً لمْ يُعْطَهُنَّ غَيْرُهُ، وَصَلَّى بالأنبياءِ، وَعُرِجَ بهِ إِلى مكانٍ لمْ يَصِلْ إِليهِ مخلوقٌ غيرُهُ، وَخَصَائِصُهُ كَثِيرَةٌ.

(2) ((أُمَّتِي)) الأُمَّةُ؛ أي: الجماعةُ، وَهم جماعةُ الإِجابةِ الذينَ سَمِعُوا الأمرَ فَقَامُوا بهِ، وَتَرَكُوا النَّهْيَ وَحَذِرُوا مِنْهُ وَاتَّبَعُوا الصِّرَاطَ المستقيمَ، وَكانَ لهم في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.

وَأُمَّةُ الإِجابةِ أَفْضَلُ الأُمَمِ؛ إِذْ هيَ وَسَطٌ بينَ الأنبياءِ وَبينَ الأُمَمِ، وَهم عُدُولٌ، قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143].

(3) ((الخَطَأُ)): ضِدُّ العَمْدِ، وَهوَ أنْ يَفْعَلَ الشيءَ يَظُنُّ صَوَابَهُ فَيَتَبَيَّنُ ضِدُّ قَصْدِهِ، كَأَنْ يُرِيدَ قَتْلَ كَافِرٍ فَيَقْتُلَ مُسْلِماً، فهذا لا حَرَجَ لهُ عَلَيْهِ فيهِ، وَلكنْ يُؤَدِّي الدِّيَةَ وَالكَفَّارَةَ، وَرُفِعَ الحَرَجُ؛ لقولِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286].

قَالَ تَعَالَى: ((قَدْ فَعَلْتُ)).

وَمِن الخَطَأِ: قَتْلُ النفسِ المعصومةِ خَطَأً، فَلا يُقْتَلُ بذلكَ؛ لأنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذلكَ، وَلوْ قَصَدَ ذلكَ لكانَت النفسُ بالنَّفْسِ، وَكذلكَ مَن اجْتَهَدَ في القِبْلَةِ وَأَخْطَأَ لم يُعِدْ، وَمَنْ أَخْطَأَ في الصلاةِ لِجَهْلِهِ لَمْ يُعِدْ، وَحَدِيثُ المُسِيءِ، وَهوَ خَلاَّدُ بنُ رَافِعٍ الذي أَعَادَ الصلاةَ ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثمَّ عَلَّمَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفِيَّةَ الصلاةِ كَامِلَةً، وَلمْ يَأْمُرْهُ بإِعادةِ الصلواتِ المَاضِيَةِ.


(4) ((النِّسْيَانُ)): (النسيانُ) يُطْلَقُ على مَعْنَيَيْنِ:

الأوَّلُ: الذُّهُولُ عَن الشيءِ.

الثاني: التركُ للشيءِ.

والمرادُ بهِ هنا: الذُّهُولُ عَن الشيءِ، أيْ: غَفْلَةُ القلبِ، فهذا لا يُؤَاخَذُ بهِ؛ لأنَّهُ لا قَصْدَ فيهِ. وَمِنْ ذلكَ مَنْ نَسِيَ وَاجباً مِن الصلاةِ سَجَدَ للسَّهْوِ وَصَحَّتْ صَلاتُهُ، وَمَنْ نَسِيَ سُنَّةً فَصَلاتُهُ صَحيحةٌ، وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِياً في رمضانَ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ، وَمَنْ نَسِيَ صلاةً فَلْيُصَلِّهَا مَتَى ذَكَرَهَا.

(5) ((ومَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)): الإِكراهُ: هوَ إِلْزَامُ الشخصِ بما لا يُرِيدُ، وَهوَ مِنْ مَوَانِعِ التكليفِ.

فمَنْ أُكْرِهَ على الكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإِيمانِ فلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمنْ أُكْرِهَ على تَرْكِ وَاجِبٍ فلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَقْضِي إِذا زَالَ الإِكراهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ الحَجَّاجِ بنِ عِلاطٍ الذي قَدِمَ مَكَّةَ عَامَ خَيْبَرَ، وَقالَ لأهلِ مَكَّةَ: إِنَّ اليهودَ انْتَصَرُوا على الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَادَ بذلكَ أَخْذَ مَالِهِ فَأَخَذَ مَالَهُ كُلَّهُ، وَأَخْبَرَ العبَّاسَ بِنَصْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلَبَ منهُ ألاَّ يُخْبِرَ بذلكَ إِلاَّ بَعْدَ عِدَّةِ أَيَّامٍ.
فَائِدَةٌ:

مَوانِعُ التَّكْلِيفِ ثلاثةٌ:

1- الجهلُ، وَضِدُّهُ العِلْمُ. وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ المُسِيءِ صَلاتَهُ.

2- النِّسْيَانُ، وَضِدُّهُ التَّذْكِيرُ وَالقصدُ. وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ: ((مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا)).

3- الإِكْرَاهُ، وَضِدُّهُ الاختيارُ، وَدَلِيلُهُ قولُ اللهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106].


الفوائِدُ:

1- تَكْرِيمُ اللهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

2- شَرَفُ الأُمَّةِ بشَرَفِ نَبِيِّهَا.

3- تَفْضِيلُ هذهِ الأُمَّةِ على غَيْرِهَا.

4- رَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ.

5- فَضْلُ أُمَّةِ الإِجابةِ.

6- رَفْعُ الحَرَجِ حالَ الخَطَأِ.

7- ضَعْفُ الإِنسانِ وَنَقْصُهُ.

8- لا عِصْمَةَ لِبَشَرٍ إِلاَّ الرُّسُلَ.

9- المُؤَاخَذَةُ في العملِ بالقصدِ.

10- عَفْوُ اللهِ تَعَالَى عَن الناسِ.

11- النِّسْيَانُ مِنْ صفاتِ الإِنسانِ.

12- النسيانُ مِنْ موانعِ التكليفِ.

13- عدمُ مُؤَاخَذَةِ المُكْرَهِ.

14- الإِكراهُ مَانِعٌ مِنْ موانعِ التكليفِ عندَ طُمَأْنِينَةِ القلبِ.

15- أهَمِّيَّةُ القلبِ في العملِ.

16- طَلاقُ المُكْرَهِ لا يَقَعُ.

هيئة الإشراف

#5

23 Nov 2008

شرح فضيلة الشيخ :ناضم سلطان المسباح

قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (

(1) مَنْزِلَةُ الحديثِ:

قالَ النَّوويُّ: (وهذا الحديثُ اشتملَ علَى فوائدَ وأمورٍ مهمَّةٍ، لو جُمعَتْ بلغَتْ مُصَنَّفًا لا يحتملُهُ هذا الكتابُ).
وقالَ ابنُ حجرٍ الهيتميُّ: (وهو عامُّ النَّفعِ؛ لوقوعِ الثَّلاثةِ في سائرِ أبوابِ الفقهِ، عظيمُ الوقعِ، يصلحُ أن يُسَمَّى نصفَ الشَّريعةِ؛ لأنَّ فعلَ الإنسانِ الشَّاملَ لقولِهِ:إمَّا أن يصدرَ عن قصدٍ واختيارٍ وهو العمدُ مع الذِّكْرِ اختيارًا.

أوْ لا عن قصدٍ واختيارٍ وهو الخطأُ أو النِّسيانُ أو الإكراهُ، وقد عُلِمَ مِن هذا الحديثِ صريحًا، أنَّ هذا القسمَ معفوٌّ عنه، ومفهومًا: أنَّ الأوَّلَ مؤاخَذٌ بهِ، فهو نصفُ الشَّريعةِ باعتبارِ منطوقِهِ، وكلُّهَا باعتبارِهِ مع مفهومِهِ).

فالحديثُ عظيمُ المنزلةِ كما بيَّنَ النَّوويُّ وابنُ حجرٍ؛ لأنَّهُ يؤصِّلُ قاعدةً عظيمةً يَعْتَمِدُ عليها الفقهاءُ في فَتاواهُمْ.
التَّجاوُزُ عن الخطأِ:
(2) قولُهُ عليهِ السَّلامُ: ((إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ))

- الخطأُ: ضدُّ العمدِ وهو ما لم يتعمَّدْ، مثلُ أن تقتلَ إنسانًا بفعلِكَ مِن غيرِ أن تَقْصِدَ قتلَهُ، فالمخطِئُ هو أن يقصدَ بفعلِهِ شيئًا فيصادفَ غيرَ ما قصدَ.
وممَّا يشهدُ مِن الذِّكرِ الحكيمِ للحديثِ قولُهُ جلَّ وعلا:
{لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}.
وقولُهُ سبحانَهُ: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.
وقولُهُ عليهِ السَّلامُ: ((إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطأَ فَلَهُ أَجْرٌ)).

فهذهِ النُّصوصُ الكريمةُ تدلُّ علَى أنَّ اللهَ رفعَ الإثمَ والحرجَ والمؤاخذةَ في الآخرةِ عن المخطِئِ، وهذا مِن فضلِهِ ومَنِّهِ وكرمِهِ وعدلِهِ ولطفِهِ بهذه الأمَّةِ.
- رفعُ الحرجِ والإثمِ عن المخطِئِ لا يعني عدمَ ترتيبِ أحكامِ خطئِهِ، فمثلاً إذا قتلَ المسلمُ خطَأً هناك أحكامٌ تَترتَّبُ علَى قتلِهِ نصَّ عليها القرآنُ.

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
ولكنْ مِن حيثُ إثباتُ حكمٍ علَى المخطِئِ أو عدمُهُ، يجبُ النَّظرُ في المسألةِ والاطِّلاعُ علَى أدلَّتِهَا وفَهْمِ العلماءِ فيها، ثمَّ بعدَ ذلكَ يصدرُ الحكمُ؛ لأنَّ هناك أمورًا لا تترتَّبُ علَى المخطِئِ فيها أحكامٌ.

مثلُ: مَن شربَ خمرًا ظانًّا أنَّها شرابٌ غيرُ مسْكِرٍ، فهذا لا حدَّ عليهِ ولا تعزيرَ، إلَى غيرِهَا مِن المسائلِ الكثيرةِ الَّتِي علَى هذا المنوالِ.

وهناك أمورٌ تترتَّبُ عليها أحكامٌ:
مثلُ: ما ذكرْنَا في قتلِ الخطأِ.

ومثلُ: لو أتلفَ مالَ غيرِهِ بالخطأ فهو ضامنٌ لِمَا أتلفَ، إلَى غيرِهَا مِن المسائلِ الكثيرةِ.
التَّجاوزُ عن النَّاسِي:
- النِّسيانُ: ضدُّ الذِّكرِ والحفظِ، وهو أن يكونَ ذاكرًا لشيءٍ فينساهُ عندَ الفعلِ.

والنَّاسِي رفعَ اللهُ عنه كذلك الحرجَ والمؤاخذةَ والإثمَ.
وممَّا يشهدُ للحديثِ قولُهُ جلَّ وعلا:{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.
- رفعُ الإثمِ والحرجِ عن النَّاسِي لا ينافي أن يترتَّبَ علَى النِّسيانِ حكمٌ، فمثلا مَن صلَّى دونَ وضوءٍ فلا بدَّ مِن الإعادةِ، ومَن تركَ الصَّلاةَ المكتوبةَ نسيانًا حتَّى خرجَ وقتُهَا فيجبُ عليهِ أن يصلِّيَهَا إذا ذكَرَ، وذلك لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَ لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ))، {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}.
وهناك خِلافٌ بينَ العلماءِ في كثيرٍ مِن القضايا فيما يَترتَّبُ علَى النَّاسِي مِن أحكامٍ فمنهُمْ: مِن يثبُتُ عليهِ حكمٌ.
ومنهم: مِن لا يثبُتُ.
والفصلُ في هذا هو: الدَّليلُ، فإذا صحَّ الدَّليلُ في إثباتِ حكمٍ قلْنَا به، وإذا لم يوجَدْ توقَّفْنَا.
فمثلاً: مالكٌ رحمَهُ اللهُ يرَى أنَّ مَن أكَلَ ناسيًا في رمضانَ عليهِ الإعادةُ، ورسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلاَ يُفْطِرْ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللهُ))، فهنا نقولُ بأنَّهُ لا حكمَ علَى النَّاسِي، وصومُهُ صحيحٌ وذلك لثُبوتِ النَّصِّ، وإمامُ دارِ الهجرةِ مَعذورٌ في ذلك لأنَّهُ مُجتَهِدٌ وله أجرٌ علَى اجتهادِهِ، ولعلَّ الدَّليلَ لم يَصِلْ إليهِ.

التَّجاوزُ عن الْمُكْرَهِ:
يقالُ: أكرهتـُهُ علَى كذا، إذا حملتَهُ عليهِ قهرًا.
والكرهُ: المشقَّةُ.
والكرهُ: القهرُ.
وقيلَ: بالفتحِ الإكراهُ، وبالضمَّ: المشقَّةُ.
وقيلَ: لغتانِ.
وممَّا يَشهدُ للحديثِ مِن الذِّكرِ الحكيمِ قولُهُ تَعالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ بَعْدَ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}.
هذه الآيَةُ نَزَلَتْ في عَمَّارِ بنِ ياسرٍ؛ لأنَّهُ قالَ كلمةً مُكْرَهًا، فنفَى اللهُ عنه الحرجَ والمؤاخذةَ والإِثمَ في ذلِكَ.
قالَ القرطبيُّ: (أجمعَ أهلُ العلمِ أنَّ مَن أُكْرِهَ علَى الكفرِ حتَّى خشيَ علَى نفسِهِ القتلَ، أنَّهُ لا إثمَ عليهِ إن كَفَرَ وقلبُهُ مطمئِنٌّ بالإيمانِ، ولا تَبِينُ منه زوجتُهُ ولا يُحكَمُ عليهِ بحكمِ الكفرِ، هذا قولُ مالكٍ والكوفيِّينَ والشَّافعيِّ).
وكذلكَ يشهدُ للحديثِ:{لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}.

قالَ ابنُ عبَّاسٍ: (وهو أن يَتكلـَّمَ بلسانِهِ وقلبُهُ مطمئنٌّ بالإيمانِ).
وقالَ القرطبيُّ: (وقيلَ: إنَّ المؤمنَ إذا كانَ قائمًا بين الكفَّارِ فله أن يداريَهُمْ باللسانِ إذا كانَ خائفًا علَى نفسِهِ وقلبُهُ مطمئنٌّ بالإيمانِ).

والتَّقيَةُ لا تحلُّ إلاَّ مع خوفِ القتلِ أو القطعِ أو الإيذاءِ العظيمِ.
فهذه النُّصوصُ مِن كتابِ ربِّنَا تنفي المؤاخذةَ والحرجَ علَى الْمُكْرَهِ بقولٍ أو فعلٍ.
- المكرَهُ الَّذي لا اختيارَ له بالكلِّيَّةِ ولا قدرةَ له علَى الامتناعِ.

مثلُ:مَن حُمِلَ كرهًا وأُدْخِلَ في مكانٍ حَلَفَ ألا يَدْخُلَهُ.
أو: أُضْجِعَتْ ثمَّ زُنِيَ بها مِن غيرِ قدرةٍ لَهَا علَى الامتناعِ، فهذا لا إثمَ ولا مُؤاخذةَ عليهِ بالاتِّفاقِ، ولا يَترتَّبُ عليهِ حِنْثٌ في يمينِهِ.

- المكرَهُ الذي هو مختارٌ مِن وجهٍ وغيرُ مختارٍ مِن وجهٍ آخرَ.

مثلُ:مَن أُكرِهَ بضربٍ أو غيرِهِ حتَّى فعلَ، فهذا الفعلُ يتعلَّقُ بهِ التَّكليفُ؛ لأنَّ بإمكانِهِ ألاَّ يفعلَ ولكنَّ غرضَهُ مِن الفعلِ دفعُ الضَّررِ عن نفسِهِ لا الفعلُ نفسُهُ.
في مثلِ هذه الحالةِ مِن الإكراهِ اختلفَتْ أنظارُ أهلِ العلمِ:

- الإكراهُ في الأفعالِ فيهِ تفصيلٌ:
فمثلاً: لو أكرِهَ زيدٌ مِن النَّاسِ علَى قتلِ عمرٍو مِن النَّاسِ، فلا يحلُّ له أن يقتلَهُ.
قالَ القرطبيُّ: (أجمعَ العلماءُ علَى أنَّ مَن أُكرِهَ علَى قتلِ غيرِهِ أنَّهُ لا يجوزُ له الإقدامُ علَى قتلِهِ، ولا انتهاكُ حرمتِهِ بجلدٍ أو غيرِهِ، ويصبرُ علَى البلاءِ الَّذِي نزلَ بهِ، ولا يحلُّ لهُ أن يفديَ نفسَهُ بغيرِهِ، ويسألُ اللهَ العافيَةَ في الدُّنيا والآخرةِ).
وجمهورُ أهلِ العلمِ يرَوْنَ أنَّهُمَا يشتركانِ في وجوبِ القَوَدِ: المكرَهُ والمكرِهُ؛ وذلك لاشتراكِهِما في القتلِ، وهذا ما ذهبَ إليهِ مالكٌ والشَّافعيُّ، وهو المشهورُ عن أحمدَ، ولو أُكْرِهَ علَى الزِّنا خلافٌ بينَ العلماءِ:

فمنهُمْ: مَن أجازَ لهُ الفعلَ:

ومنهُمْ: مَن حرَّمَ عليهِ ذلكَ، وقالُوا: لا يجوزُ له أن يقدِمَ علَى ذلك بأيِّ حالٍ مِن الأحوالِ، وهذا ما ذهبَ إليهِ الحنابلةُ.
وقالَ ابنُ العربيِّ: الصَّحيحُ أنَّهُ يجوزُ الإقدامُ علَى الزِّنا ولا حدَّ عليهِ خلافَ مَنْ ألزَمَهُ ذلك.
أمَّا الإكراهُ في غيرِ القتلِ والزِّنَا مِن محرَّماتِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
فقد ذهبَ جمهورُ الفقهاءِ إلَى إباحةِ ذلك للمكرَهِ، ولكنْ يَضمنُ ما يُتْلفُ مِن مالِ الغيرِ، ويقومُ بالأحكامِ المترتِّبَةِ علَى الفعلِ الَّذي قامَ بهِ إن وُجِدَتْ.
الإكراهُ في الأقوالِ:
ذَهَبَ جُمهورُ العلماءِ منهم: مالكٌ، والشَّافعيُّ، وأحمدُ، إلَى أنَّهُ يباحُ لمَن أُكْرِهَ علَى أيِّ قولٍ له أن يقولَهُ، ولا حرجَ ولا إثمَ عليهِ؛ لأنَّ اللهَ أجازَ التَّلفُّظَ بكلمةِ الكفرِ الَّتي هي أعظمُ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به، فمنْ بابٍ أولَى جوازُ قولِ ما دونَ الكفرِ.

والإكراهُ في الأقوالِ متصوَّرٌ في جميعِ الأقوالِ في العقودِ والأيمانِ والنُّذورِ وغيرِهَا.

هيئة الإشراف

#6

23 Nov 2008

جامع العلوم والحكم للحافظ: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي

قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (

(1) هذا الحديثُ خَرَّجَهُ ابنُ مَاجَهْ منْ طريقِ الأَوْزَاعِيِّ عنْ عطاءٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَخَرَّجَهُ ابنُ حِبَّانَ في (صَحِيحِهِ)، والدَّارَقُطْنِيُّ، وعندَهُمَا: عن الأَوْزَاعِيِّ، عنْ عطاءٍ، عنْ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ في ظاهرِ الأمرِ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُم مُحْتَجٌّ بهم في (الصَّحِيحَيْنِ).
وقدْ خَرَّجَهُ الحَاكِمُ وقالَ: (صحيحٌ على شَرْطِهِمَا).
كذا قالَ، ولَكِنْ لهُ عِلَّةٌ.
وقدْ أَنْكَرَهُ الإِمامُ أحمدُ جِدًّا وقالَ: ليسَ يُرْوَى فيهِ إلا عن الحَسَنِ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً.
وقيلَ لأحمدَ: إنَّ الوليدَ بنَ مُسْلِمٍ رَوَى عنْ مالكٍ عنْ نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، فَأَنْكَرَهُ أَيْضًا.
وذُكِرَ لأبي حاتمٍ الرَّازِيِّ حَدِيثُ الأَوْزَاعِيِّ وحديثُ مالكٍ، وقيلَ لهُ: إنَّ الوليدَ رَوَى أيضًا عن ابنِ لَهِيعَةَ عنْ موسَى بنِ وَرْدَانَ عنْ عُقْبَةَ بنِ عامرٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، فقالَ أبو حَاتِمٍ: هذهِ أحاديثُ مُنْكَرَةٌ، كَأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، وقالَ: لمْ يَسْمَع الأَوْزَاعِيُّ هذا الحديثَ منْ عطاءٍ، وإنَّمَا سَمِعَهُ منْ رَجُلٍ لمْ يُسَمِّهِ، أَتَوَهَّمُ أنَّهُ عبدُ اللَّهِ بنُ عَامِرٍ، أوْ إسماعيلُ بنُ مُسْلِمٍ، قالَ: وَلا يَصِحُّ هذا الحديثُ، ولا يَثْبُتُ إِسْنَادُهُ.
قُلْتُ: وقدْ رُوِيَ عن الأَوْزَاعِيِّ عنْ عطاءٍ عنْ عُبيدِ بنِ عُمَيرٍ مُرْسَلاً منْ غيرِ ذِكْرِ ابنِ عَبَّاسٍ.
وَرَوى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عن ابنِ جُرَيْجٍ قالَ: قالَ عطاءٌ: بَلَغَنِي أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). خَرَّجَهُ الجُوزَجَانِيُّ، وهذا المُرْسَلُ أَشْبَهُ.
وقدْ وَرَدَ منْ وجهٍ آخَرَ عن ابنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، رَوَاهُ مسلمُ بنُ خالدٍ الزِّنْجِيُّ عنْ سعيدٍ العَلافِ، عن ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تُجُوِّزَ لأُِمَّتِي عَنْ ثَلاثٍ: عَنِ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). خَرَّجَهُ الجُوزَجَانِيُّ.

وسعيدٌ العَلافُ: هوَ سعيدُ بنُ أبي صالحٍ.

قالَ أحمدُ: هوَ مَكِّيٌّ، قِيلَ لهُ: كيفَ حَالُهُ؟ قالَ: لا أَدْرِي، وما عَلِمْتُ أَحَدًا رَوَى عنهُ غيرَ مُسْلِمِ بنِ خَالِدٍ.
قالَ أحمدُ: وليسَ هذا مَرْفُوعًا، إِنَّمَا هوَ عن ابنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ.

نَقَلَ ذلكَ عنهُ مُهَنَّا، ومُسْلمُ بنُ خَالِدٍ ضَعَّفُوهُ.
ورُوِيَ منْ وجهٍ ثالثٍ منْ روايَةِ بَقِيَّةَ بنِ الوليدِ عنْ عَلِيٍّ الهَمْدَانِيِّ، عنْ أبي جَمْرَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا. خَرَّجَهُ حَرْبٌ.
وروايَةُ بَقِيَّةَ عنْ مشايخِهِ المجاهيلِ لا تُسَاوِي شَيْئًا.
ورُوِيَ منْ وَجْهٍ رَابِعٍ، خَرَّجَهُ ابنُ عَدِيٍّ منْ طريقِ عبدِ الرحيمِ بنِ زيدٍ الْعَمِّيِّ عنْ أبيهِ، عنْ سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبدُ الرحيمِ هذا ضَعِيفٌ.
وقدْ رُوِيَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ وُجُوهٍ أُخَرَ.
وقدْ تَقَدَّمَ أنَّ الوليدَ بنَ مُسْلِمٍ رَوَاهُ عنْ مالكٍ عنْ نافعٍ عن ابنِ عمرَ مَرْفُوعًا، وَصَحَّحَهُ الحاكمُ وَغَرَّبَهُ، وهوَ عندَ حُذَّاقِ الحُفَّاظِ باطلٌ على مالكٍ، كما أَنْكَرَهُ الإِمامُ أَحْمَدُ وأبو حَاتِمٍ، وَكَانَا يَقُولانِ عن الوليدِ: إنَّهُ كثيرُ الخَطَأِ.
وَنَقَلَ أبو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ عنْ أبي داودَ قالَ: رَوَى الوليدُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ مالكٍ عَشَرَةَ أَحَادِيثَ ليسَ لها أَصْلٌ، منها عنْ نافعٍ أربعةٌ.
قُلْتُ: والظاهرُ أَنَّ منها هذا الحديثَ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
وَخَرَّجَهُ الجُوزَجَانِيُّ منْ روايَةِ يزيدَ بنِ ربيعةَ، سَمِعْتُ أَبَا الأشعثِ يُحَدِّثُ، عنْ ثَوْبَانَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). وَيَزِيدُ بنُ رَبِيعَةَ ضَعِيفٌ جِدًّا.
وَخَرَّجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ منْ روايَةِ أبي بكرٍ الهُذَلِيِّ، عنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَنْ ثَلاثٍ: عَنِ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَالاسْتِكْرَاهِ)).
قالَ أبو بكرٍ: فَذَكَرْتُ ذلكَ للحسنِ، فقالَ: أَجَلْ، أَمَا تَقْرَأُ بِذَلِكَ قُرْآنًا: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. وأبو بكرٍ الهُذَلِيُّ مَتْرُوكُ الحَدِيثِ.

وَخَرَّجَهُ ابنُ مَاجَهْ، ولكنْ عنْدَهُ عنْ شَهْرٍ، عنْ أبي ذرٍّ الغِفَارِيِّ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). وَلَمْ يَذْكُرْ كلامَ الحسنِ.
وأمَّا الحديثُ المُرْسَلُ عن الحسنِ، فَرَواهُ عنهُ هشامُ بنُ حسَّانَ، وَرَوَاهُ منصورٌ وعَوْفٌ عن الحسنِ منْ قولِهِ لمْ يَرْفَعْهُ، وَرَوَاهُ جعفرُ بنُ جَسْرِ بنِ فَرْقَدٍ عنْ أبيهِ، عن الحسنِ، عنْ أبي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا. وَجَعْفَرٌ وأبوهُ ضَعِيفَانِ.

قالَ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ: ليسَ لهذا الحديثِ إِسْنَادٌ يُحْتَجُّ بهِ، حَكَاهُ البَيْهَقِيُّ.
وفي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): عنْ سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: لَمَّا نَزَلَ قولُهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، قالَ اللَّهُ: (قدْ فَعَلْتُ).
وعن العلاءِ، عنْ أبيهِ، عنْ أبي هريرةَ، أنَّها لَمَّا نَزَلَتْ قالَ: نَعَمْ، وليسَ واحدٌ منهما مُصَرِّحًا بِرَفْعِهِ.
وَخَرَّجَ الدَّارَقُطْنِيُّ منْ روايَةِ ابنِ جُرَيْجٍ عنْ عطاءٍ، عنْ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ، إِلا أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ أَوْ يَعْمَلُوا))، وهوَ لفظٌ غريبٌ.
وقدْ خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ ولمْ يَذْكُر الإِكراهَ، وكذا رَوَاهُ ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ مِسْعَرٍ، عنْ قتادةَ، عنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عنْ أبي هُريرةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَ فيهِ: ((وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ))، خَرَّجَهُ ابنُ مَاجَهْ.
وقدْ أُنْكِرَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ على ابنِ عُيَيْنَةَ، ولمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ.
والحديثُ مُخَرَّجٌ منْ روايَةِ قتادةَ في (الصَّحِيحَيْنِ)، والسُّنَنُ والمَسَانِيدُ بِدُونِهَا.
ولْنَرْجِعْ إلى شَرْحِ حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ المرفوعِ.
(2) فقولُهُ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ)) إلى آخرِهِ، تَقْدِيرُهُ: إنَّ اللَّهَ رَفَعَ لي عنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، أَوْ تَرَكَ ذلكَ عنهم؛ فإنَّ (تَجَاوَزَ) لا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ.
وقولُهُ: ((الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)).
فأمَّا الخطأُ والنسيانُ: فقدْ صَرَّحَ القرآنُ بالتَّجَاوُزِ عنْهُمَا، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: 286].
وقالَ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأَتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5].
وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ عمرِو بنِ العاصِ، سَمِعَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)).
وقالَ الحسنُ: لَوْلا مَا ذَكَرَ اللَّهُ منْ أمْرِ هذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ -يَعْنِي:

داوُدَ وسليمانَ- لَرَأَيْتُ أَنَّ القُضاةَ قدْ هَلَكُوا؛ فإنَّهُ أَثْنَى على هذا بِعِلْمِهِ، وعَذَرَ هذا باجتهادِهِ.
يَعْنِي قولَهُ: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] الآيَةَ.
وأمَّا الإِكراهُ: فَصَرَّحَ القرآنُ أيضًا بالتَّجَاوُزِ عنهُ، قالَ تَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106].

وقالَ تَعَالَى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمرانَ:28] الآيَةَ.
ونَحْنُ نَتَكَلَّمُ إنْ شاءَ اللَّهُ في هذا الحديثِ في فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: في حُكْمِ الخَطَأِ والنِّسْيَانِ.

والثاني: في حُكْمِ الإِكْرَاهِ.
الفصلُ الأوَّلُ: في الخطأِ والنِّسْيَانِ
الخطأُ: هوَ أنْ يَقصِدَ بِفِعْلِهِ شَيْئًا، فيُصادِفُ فِعْلُهُ غيرَ ما قَصَدَهُ، مثلُ: أنْ يَقْصِدَ قَتْلَ كافرٍ، فَيُصَادِفُ قَتْلُهُ مُسْلِمًا.
والنِّسْيَانُ: أنْ يكونَ ذاكرًا لِشَيْءٍ، فَيَنْسَاهُ عندَ الفعلِ.
وكلاهُمَا مَعْفُوٌّ عنهُ، بمعنَى أنَّهُ لا إِثْمَ فيهِ، ولكنْ رَفْعُ الإِثمِ لا يُنَافِي أنْ يَتَرَتَّبَ على نسيانِهِ حُكْمٌ.
كما أنَّ مَنْ نَسِيَ الوضوءَ وَصَلَّى ظَانًّا أنَّهُ مُتَطَهِّرٌ، فلا إثمَ عليهِ بذلكَ، ثمَّ إنْ تَبَيَّنَ أنَّهُ كانَ قدْ صَلَّى مُحْدِثًا فإنَّ عليهِ الإِعادةَ.

ولوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ على الوضوءِ نِسْيَانًا، وقُلْنَا بِوُجُوبِهَا، فهلْ يَجِبُ عليهِ إعادةُ الوضوءِ؟ فيهِ رِوَايَتَانِ عن الإِمامِ أحمدَ.
وكذا لوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ على الذَّبِيحَةِ نِسْيَانًا، فيهِ عنهُ رِوَايَتَانِ، وأكثرُ الفُقَهَاءِ على أنَّها تُؤْكَلُ.
ولوْ تَرَكَ الصلاةَ نِسْيَانًا، ثمَّ ذَكَرَ، فإنَّ عليهِ القضاءَ، كما قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ، أَوْ نَسِيَهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ))، ثمَّ تَلا: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14].
ولوْ صَلَّى حَامِلاً في صلاتِهِ نَجَاسَةً لا يُعْفَى عنها، ثمَّ عَلِمَ بها بَعْدَ صلاتِهِ أوْ في أَثْنَائِهَا فَأَزَالَهَا، فَهَلْ يُعِيدُ صَلاتَهُ أمْ لا؟ فيهِ قَوْلانِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عنْ أحمدَ.
وقدْ رُوِيَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ خَلَعَ نَعْلَيْهِ في صلاتِهِ وَأَتَمَّهَا وقالَ: ((إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا أَذًى))، ولمْ يُعِدْ صَلاتَهُ.
ولوْ تَكَلَّمَ في صلاتِهِ نَاسِيًا أنَّهُ في صلاةٍ، ففِي بُطْلانِ صلاتِهِ بذلكَ قَوْلانِ مشهورانِ، هما روايتانِ عنْ أحمدَ.
ومذهبُ الشافعيِّ: أنَّها لا تَبْطُلُ بذلكَ.
ولوْ أَكَلَ في صَوْمِهِ نَاسِيًا، فالأكْثَرُونُ على أنَّهُ لا يَبْطُلُ صِيَامُهُ؛ عَمَلاً بقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ)).
وقالَ مالكٌ: عليهِ الإِعادةُ؛ لأِنَّهُ بمنزلةِ مَنْ تَرَكَ الصلاةَ نَاسِيًا.

والجمهورُ يقولونَ: قدْ أَتَى بِنِيَّةِ الصيامِ، وإنَّمَا ارْتَكَبَ بَعْضَ محظوراتِهِ نَاسِيًا، فيُعْفَى عَنْهُ.
ولوْ جَامَعَ نَاسِيًا، فهلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الأَكْلِ نَاسِيًا أمْ لا؟

فيهِ قَوْلانِ:
أحدُهُمَا: وهوَ المشهورُ عنْ أحمدَ، أنَّهُ يَبْطُلُ صِيَامُهُ بذلكَ، وعليهِ القضاءُ.

وفي الكَفَّارَةِ عنهُ رِوَايَتَانِ.
والثاني: لا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بذلكَ، كالأَكْلِ، وهوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وحُكِيَ روايَةً عنْ أحمدَ.

وكذا الخلافُ في الجِمَاعِ في الإِحرامِ نَاسِيًا: هلْ يَبْطُلُ بهِ النُّسُكُ أمْ لا؟
ولوْ حَلَفَ لا يَفْعَلُ شيئًا، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ، أوْ مُخْطِئًا ظَانَّا أنَّهُ غيرُ المَحْلُوفِ عليهِ، فهلْ يَحْنَثُ في يمينِهِ أمْ لا؟ فيهِ ثلاثةُ أقوالٍ، هيَ ثلاثُ رواياتٍ عنْ أحمدَ:

أحدُهَا: لا يَحْنَثُ بكلِّ حالٍ، ولوْ كانت اليمينُ بالطَّلاقِ والعَتَاقِ.
وَأَنْكَرَ هذهِ الروايَةَ عنْ أحمدَ الخَلالُ وقالَ: هيَ سَهْوٌ منْ نَاقِلِهَا.
وهوَ قولُ الشافعيِّ في أحدِ قولَيْهِ، وإسحاقَ، وأبي ثَوْرٍ، وابنِ أبي شَيْبَةَ.

وَرُوِيَ عنْ عطاءٍ، قالَ إسحاقُ: وَيُسْتَحْلَفُ أنَّهُ كَانَ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ.
والثاني: يَحْنَثُ بكلِّ حالٍ.

وهوَ قولُ جماعةٍ مِن السَّلفِ ومالكٍ.
والثالثُ: يُفَرَّقُ بينَ أنْ يكُونَ يَمِينُهُ بطلاقٍ أوْ عَتَاقٍ، أوْ بغيرِهِمَا.
وهوَ المشهورُ عنْ أحمدَ، وقولُ أبي عُبَيْدٍ.
وكذا قالَ الأَوْزَاعِيُّ في الطلاقِ، وقالَ: إنَّما الحديثُ الذي جَاءَ في العفوِ عن الخطأِ والنسيانِ، ما دَامَ نَاسِيًا وَأَقَامَ على امْرَأَتِهِ فلا إِثْمَ عليهِ، فَإِذَا ذَكَرَ فعليهِ اعْتِزَالُ امْرَأَتِهِ؛ فإنَّ نِسْيَانَهُ قدْ زَالَ.

وحَكَى إبراهيمُ الحَرْبِيُّ إِجْمَاعَ التابِعِينَ على وُقُوعِ الطلاقِ بالنَّاسِي.
ولوْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فإنَّ عليهِ الكفَّارةَ والدِّيَةَ بنَصِّ الكتابِ، وكذا لوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ خَطَأً يَظُنُّهُ أنَّهُ مالُ نَفْسِهِ.
وكذا قالَ الجمهورُ في المُحْرِمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ خَطَأً، أوْ نَاسِيًا لإِحرامِهِ، أنَّ عليهِ جَزَاءَهُ. ومنهم مَنْ قالَ: لا جَزَاءَ عليهِ، إلا أنْ يكونَ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ؛ تَمَسُّكًا بظاهرِ قولِهِ عزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الآيَةَ [المائدة:95].
وهوَ روايَةٌ عنْ أحمدَ.
وأجابَ الجمهورُ عن الآيَةِ بأنَّهُ رَتَّبَ على قَتْلِهِ مُتَعَمِّدًا الجزاءَ وانتقامَ اللَّهِ تَعَالَى، ومجموعُهُمَا يَخْتَصُّ بالعامدِ، وإذا انْتَفَى العَمْدُ انْتَفَى الانتقامُ، وبَقِيَ الجَزَاءُ ثَابِتًا بدليلٍ آخَرَ.
والأظهرُ -واللَّهُ أَعْلَمُ- أنَّ النَّاسِيَ والمُخْطِئَ إنَّما عُفِيَ عنهما بمعنَى رَفْعِ الإِثمِ عنهما؛ لأنَّ الإِثمَ مُرَتَّبٌ على المقاصدِ والنيَّاتِ، والنَّاسِي والمُخْطِئُ لا قَصْدَ لَهُمَا، فلا إِثْمَ عليهما.
وأمَّا رَفْعُ الأحكامِ عنهما فليسَ مُرَادًا منْ هذهِ النصوصِ، فَيُحْتَاجُ في ثُبُوتِهَا وَنَفْيِهَا إلى دليلٍ آخَرَ.
الفصلُ الثاني: في حُكْمِ المُكْرَهِ
وهوَ نوعانِ: أحدُهُما: مَنْ لا اخْتِيَارَ لهُ بالكُلِّيَّةِ، ولا قُدْرَةَ لهُ على الامتناعِ، كمَنْ حُمِلَ كَرْهًا وأُدْخِلَ إلى مكانٍ حَلَفَ على الامتناعِ مِنْ دخولِهِ، أوْ حُمِلَ كَرْهًا وَضُرِبَ بهِ غَيْرُهُ حتَّى ماتَ ذلكَ الغَيْرُ، ولا قُدرةَ لهُ على الامتناعِ، أوْ أُضْجِعَتْ ثُمَّ زُنِيَ بِها منْ غيرِ قُدرةٍ لها على الامتناعِ.

فهذا لا إثمَ عليهِ بالاتِّفَاقِ، ولا يَتَرَتَّبُ عليهِ حِنْثٌ في يَمِينِهِ عندَ جمهورِ العلماءِ.
وقدْ حُكِيَ عنْ بعضِ السلفِ -كَالنَّخَعِيِّ- فيهِ خلافٌ، وَوَقَعَ مِثْلُهُ في كلامِ بعضِ أصحابِ الشَّافعيِّ وأحمدَ.

والصحيحُ عندَهُم أنَّهُ لا يَحْنَثُ بحالٍ.
ورُوِيَ عن الأَوْزَاعِيِّ في امرأةٍ حَلَفَتْ على شيءٍ، وَأَحْنَثَهَا زَوْجُهَا كَرْهًا، أنَّ كَفَّارَتَهَا عليهِ.
وعنْ أحمدَ روايَةٌ كذلكَ، فيما إِذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ مُكْرَهَةً في صِيَامِهَا أوْ إِحْرَامِهَا، أنَّ كَفَّارَتَهَا عليهِ.
والمشهورُ عنهُ أنَّهُ يَفْسُدُ بذلكَ صومُهَا وَحَجُّهَا.
والنوعُ الثاني: مَنْ أُكْرِهَ بِضَرْبٍ أوْ غيرِهِ حتَّى فَعَلَ.

فهذا الفعلُ يَتَعَلَّقُ بهِ التَّكليفُ؛ فإنَّهُ يُمْكِنُهُ أنْ لا يَفْعَلَ، فهوَ مُخْتَارٌ للفعلِ، لكنْ ليسَ غَرَضُهُ نَفْسَ الفعلِ، بلْ دَفْعَ الضَّررِ عنهُ، فهوَ مُخْتَارٌ مِنْ وَجْهٍ غيرُ مُخْتَارٍ منْ وجهٍ؛ ولهذا اخْتَلَفَ النَّاسُ: هلْ هوَ مُكَلَّفٌ أمْ لا؟
واتَّفَقَ العلماءُ على أنَّهُ لوْ أُكْرِهَ على قَتْلِ معصومٍ لمْ يُبَحْ لهُ أنْ يَقْتُلَهُ؛ فإنَّهُ إنَّما يَقْتُلُهُ باختيارِهِ افْتِدَاءً لنفسِهِ من القتلِ، هذا إجماعٌ مِن العلماءِ المُعْتَدِّ بهم.

وكانَ في زمنِ الإِمامِ أحمدَ يُخَالِفُ فيهِ مَنْ لا يُعْتَدُّ بهِ.
فإذا قَتَلَهُ في هذهِ الحالِ فالجمهورُ على أنَّهما يَشْتَرِكَانِ في وُجُوبِ القَوَدِ: المُكْرِهُ والمُكْرَهُ؛ لاشْتِرَاكِهِمَا في القتلِ.
وهوَ قولُ مالكٍ والشافعيِّ في المشهورِ وأحمدَ.
وقيلَ: يَجِبُ على المُكْرِهِ وَحْدَهُ؛ لأنَّ المُكْرَهَ صارَ كالآلةِ، وهوَ قولُ أبي حنيفةَ وأحدُ قَوْلَي الشَّافِعِيِّ.
ورُوِيَ عنْ زُفَرَ كالأوَّلِ، ورُوِيَ عنهُ أنَّهُ يَجِبُ على المُكْرَهِ لِمُبَاشَرَتِهِ، وليسَ هوَ كالآلةِ؛ لأنَّهُ آثِمٌ بالاتِّفاقِ.
وقالَ أبو يُوسُفَ: لا قَوَدَ على واحدٍ منهما.
وَخَرَّجَهُ بعضُ أصحابِنَا وَجْهًا لَنَا من الرِّوايَةِ: لا تُوجِبُ فيها قَتْلَ الجماعةِ بالواحدِ، وَأَوْلَى.
ولوْ أُكْرِهَ بالضَّربِ ونحوِهِ على إِتْلافِ مالِ الغيرِ المعصومِ، فَهَلْ يُبَاحُ لهُ ذلكَ؟ فيهِ وجهانِ لأَِصْحَابِنَا.
فإنْ قُلْنَا: يُبَاحُ لهُ ذلكَ، فَضَمِنَهُ المَالِكُ، رَجَعَ بما ضَمِنَهُ على المُكْرِهِ.

وإنْ قُلْنَا: لا يُبَاحُ لهُ ذلكَ، فالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا مَعًا كالقَوَدِ.
وقيلَ: على المُكْرَهِ المُبَاشِرِ وَحْدَهُ، وهوَ ضَعِيفٌ.
ولوْ أُكْرِهَ على شُرْبِ الخمرِ أوْ غيرِهِ من الأفعالِ المُحَرَّمَةِ، ففي إِبَاحَتِهِ بالإِكراهِ قَوْلانِ: أحدُهما: يُبَاحُ لهُ ذلكَ؛ اسْتِدْلالاً بقولِهِ تَعَالَى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النُّور:33].
وهذهِ نَزَلَتْ في عبدِ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ ابنِ سَلُولَ، كانَتْ لهُ أَمَتَانِ يُكْرِهُهُمَا على الزِّنَى، وهما يَأْبَيَانِ ذلكَ.
وهذا قولُ الجمهورِ؛ كالشافِعِيِّ وأبي حنيفةَ، وهوَ المشهورُ عنْ أحمدَ.

ورُوِيَ نحوُهُ عن الحسنِ، ومكحولٍ، ومسروقٍ، وعنْ عمرَ بنِ الخطَّابِ ما يَدُلُّ عليهِ.
وأهلُ هذهِ المقالةِ اخْتَلَفُوا في إكراهِ الرَّجُلِ على الزِّنَى، فمِنْهُمْ مَنْ قالَ: يَصِحُّ إكراهُهُ عليهِ، ولا إِثْمَ عليهِ.
وهوَ قولُ الشافعيِّ، وابنِ عَقِيلٍ منْ أصحابِنَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ قالَ: لا يَصِحُّ إِكْرَاهُهُ عليهِ، وعليهِ الإِثمُ والحَدُّ.
وهوَ قولُ أبي حنيفةَ ومَنْصُوصُ أحمدَ، ورُوِيَ عن الحسنِ.
والقولُ الثاني: أنَّ التُّقْيَةَ إنَّما تكُونُ في الأقوالِ، ولا تُقْيَةَ في الأفعالِ، ولا إِكْرَاهَ عليها. رُوِيَ ذلكَ عن ابنِ عَبَّاسٍ، وأبي العاليَةِ، وأبي الشَّعْثَاءِ، والربيعِ بنِ أنسٍ، والضَّحَّاكِ، وهوَ رِوَايَةٌ عَنْ أحمدَ، ورُوِيَ عنْ سُحْنُونٍ أَيْضًا.

وعلى هذا، لوْ شَرِبَ الخَمْرَ، أوْ سَرَقَ مُكْرَهًا، حُدَّ.
وعلى الأوَّلِ، لوْ شَرِبَ الخمرَ مُكْرَهًا، ثمَّ طَلَّقَ أوْ أَعْتَقَ، فهلْ يكونُ حُكْمُهُ حُكْمَ المختارِ لِشُرْبِهَا أمْ لا؟ بلْ يكونُ طلاقُهُ وعَتَاقُهُ لَغْوًا؟ فيهِ لأصحابِنَا وَجْهَانِ.

وَرُوِيَ عن الحسنِ فيمَنْ قيلَ لهُ: اسْجُدْ لِصَنَمٍ وإلا قَتَلْنَاكَ، قالَ: إنْ كانَ الصَّنَمُ تُجَاهَ القبلةِ فَلْيَسْجُدْ وَيَجْعَلْ نِيَّتَهُ لِلَّهِ، وإنْ كانَ إلى غيرِ القبلةِ فلا يَفْعَلْ وإنْ قَتَلُوهُ.
قالَ ابنُ حَبِيبٍ المَالِكِيُّ: وهذا قَوْلٌ حَسَنٌ.
قالَ ابنُ عَطِيَّةَ: وما يَمْنَعُهُ أنْ يَجْعَلَ نِيَّتَهُ للَّهِ وإنْ كانَ لِغَيْرِ القبلةِ، وفي كِتَابِ اللَّهِ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، وفي الشرعِ إِبَاحَةُ التَّنَفُّلِ للمُسَافِرِ إلى غيرِ القبلةِ؟

وأمَّا الإِكراهُ على الأقوالِ، فَاتَّفَقَ العلماءُ على صِحَّتِهِ، وأنَّ مَنْ أُكْرِهَ على قَوْلٍ مُحَرَّمٍ إِكْرَاهًا مُعْتَبَرًا، أنَّ لهُ أنْ يَفْتَدِيَ نَفْسَهُ بهِ، ولا إِثْمَ عليهِ، وقدْ دَلَّ عليهِ قولُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106].
وقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ: ((إِنْ عَادُوا فَعُدْ))، وكانَ المشركونَ قدْ عَذَّبُوهُ حتَّى يُوَافِقَهُم على ما يُرِيدُونَهُ من الكُفْرِ، فَفَعَلَ.
وأمَّا ما رُوِيَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ وَصَّى طائفةً منْ أصحابِهِ وقالَ: ((لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَإِنْ قُطِّعْتُمْ وَحُرِّقْتُمْ))، فالمرادُ الشِّرْكُ بالقُلوبِ، كما قالَ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لُقْمَان:15].

وقالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ} [النحل: 106].
وَسَائِرُ الأقوالِ يُتَصَوَّرُ عليها الإِكراهُ، فإذا أُكْرِهَ بغيرِ حقٍّ على قولٍ من الأقوالِ، لمْ يَتَرَتَّبْ عليهِ حُكْمٌ مِن الأحكامِ، وكانَ لَغْوًا؛ فإنَّ كلامَ المُكْرَهِ صَدَرَ منهُ وهوَ غيرُ راضٍ بهِ؛ فلذلكَ عُفِيَ عنهُ ولمْ يُؤَاخَذْ بهِ في أحكامِ الدُّنيا والآخرةِ، وبهذا فَارَقَ النَّاسِيَ والجاهلَ، وسَوَاءٌ في ذلكَ العُقُودُ كالبيعِ والنِّكَاحِ، أو الفُسُوخُ كالخُلْعِ والطَّلاقِ والعَتَاقِ، وكذلكَ الأَيْمَانُ والنُّذُورُ. وهذا قولُ جمهورِ العلماءِ، وهوَ قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ.
وفَرَّقَ أبو حنيفةَ بَيْنَ ما يَقْبَلُ الفَسْخَ عِنْدَهُ وَيَثْبُتُ فيهِ الخيارُ كالبيعِ ونحوِهِ، فَقَالَ: (ا يَلْزَمُ معَ الإِكراهِ)، وما ليسَ كذلكَ كالنِّكاحِ والطلاقِ والعَتَاقِ والأَيْمَانِ، فَأَلْزَمَ بها معَ الإِكراهِ.
ولوْ حَلَفَ لا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا، فَعَلى قولِ أبى حنيفةَ يَحْنَثُ.
وأمَّا على قولِ الجمهورِ، ففيهِ قَوْلانِ:
أحدُهما: لا يَحْنَثُ، كما لا يَحْنَثُ إذا فُعِلَ بهِ ذلكَ كَرْهًا، ولمْ يَقْدِرْ على الامتناعِ كما سبقَ، وهذا قولُ الأكثرينَ منهم.

والثاني: يَحْنَثُ هَا هُنَا؛ لأنَّهُ فَعَلَهُ باختيارِهِ، بخلافِ ما إذا حُمِلَ ولمْ يُمْكِنْهُ الامتناعُ. وهوَ روايَةٌ عنْ أحمدَ وقولٍ للشافعيِّ.
ومِنْ أصحابِهِ -وهوَ القَفَّالُ- مَنْ فَرَّقَ بينَ اليَمِينِ بالطَّلاقِ والعَتَاقِ وغيرِهِما، كما قُلْنَا نحنُ في النَّاسِي، وَخَرَّجَهُ بعضُ أصحابِنَا وَجْهًا لنا.
ولوْ أُكْرِهَ على أداءِ مَالِهِ بغيرِ حقٍّ، فباعَ عَقَارَهُ لِيُؤَدِّيَ ثَمَنَهُ، فَهَلْ يَصِحُّ الشِّراءُ منهُ أمْ لا؟ فيهِ روايتانِ عنْ أحمدَ.

وعنهُ روايَةٌ ثالثةٌ: إنْ بَاعَهُ بثَمَنِ المِثْلِ اشْتُرِيَ منهُ، وإنْ بَاعَهُ بِدُونِهِ لمْ يُشْتَرَ منهُ، ومَتَى رَضِيَ المُكْرَهُ بِمَا أُكْرِهَ عليهِ لحُدوثِ رَغْبَةٍ لهُ فيهِ بعدَ الإِكراهِ، والإِكراهُ قائمٌ، صَحَّ ما صَدَرَ منهُ من العُقُودِ وغيرِهَا بهذا القصدِ.

هذا هوَ المشهورُ عندَ أصحابِنَا.
وفيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أنَّهُ لا يَصِحُّ أيضًا، وفيهِ بُعْدٌ.
وأمَّا الإِكراهُ بِحَقٍّ، فهوَ غيرُ مانعٍ مِنْ لُزومِ ما أُكْرِهَ عليهِ، فلوْ أُكْرِهَ الحَرْبِيُّ على الإِسلامِ فَأَسْلَمَ صَحَّ إِسْلامُهُ، وكذا لوْ أَكْرَهَ الحاكمُ أَحَدًا على بَيْعِ مالِهِ لِيُوَفِّيَ دَيْنَهُ، أوْ أَكْرَهَ المُؤْلِيَ بعدَ مُدَّةِ الإِيلاءِ وامتناعِهِ مِن الْفَيْئَةِ على الطلاقِ، ولوْ حَلَفَ لا يُوَفِّي دَيْنَهُ، فَأَكْرَهَهُ الحاكمُ على وَفَائِهِ، فإنَّهُ يَحْنَثُ بذلكَ؛ لأنَّهُ فَعَلَ ما حَلَفَ عليهِ حقيقةً على وَجْهٍ لا يُعْذَرُ فيهِ.
ذَكَرَهُ أصْحَابُنَا، بخلافِ ما إذا امْتَنَعَ من الوفاءِ، فَأَدَّى عنهُ الحاكمُ، فإنَّهُ لا يَحْنَثُ؛ لأنَّهُ لمْ يُوجَدْ منهُ فِعْلُ المحلوفِ عليهِ.

هيئة الإشراف

#7

23 Nov 2008

شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (


القارئ:
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) حديث حسن، روه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما.

الشيخ:

هذا الحديث -أيضاً- فيه بيان فضل الله - جل وعلا -ورحمته بالمؤمنين.
قال فيه عليه الصلاة والسلام: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))وفي قوله: ((إن الله تجاوز لي)): ما يُفهم أنّ هذا من خصائص هذه الأمة، فغيرنا من الأمم إذا هم العبد بحسنة لم تكتب له حسنة، وإذا هم بسيئة فتركها لم تكتب له حسنة، وكذلك في خصائص كثيرة؛ ومنها التجاوز عن الخطأ والنسيان، فرحِمَ الله -جل وعلا- هذه الأمة بنبيها صلى الله علية وسلم فتجاوز لها عن الخطأ والنسيان.
ولما نزل قول الله -جل وعلا- في آخر سورة البقرة: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} شقَّ ذلك على الصحابة رضوان الله عليهم جداً حتى نزلت الآية الأخرى وهي قوله -جل وعلا-: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} فدعى بها الصحابة -رضوان الله عليهم- فقال الله -جلا وعلا-: (قد فعلت).
فقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} وقول الله -جل وعلا-: (قد فعلت) هو في معنى هذا الحديث بل هذا الحديث في معنى الآية فدلَّ ذلك على أن من أخطأ فإنه لا إثم عليه، ومن نَسِيَ فلا إثم عليه، لكن هذا مختص بالحكم التكليفي.

أما الحكم الوضعي فإنه يؤاخذُ بخطأه وبنسيانه؛ ما يتعلق بالضمانات فإذا أخطأ، فقتل مؤمناً خطأً فإنه يؤاخذ بالحكم الوضعي عليه بالدية وما يتبع ذلك.
وأما الإثم فإنه لا إثم عليه لأنه أخطأ وكذلك إذا أخطأ فاعتدى على أحد في ماله أو في جسمه أو في أشباه ذلك؛ فإنه لا إثم عليه من جهة حق الله جلا وعلا أما حق العباد في الحكم الوضعي فإنهم مؤاخذون به، يعني أن الآية والحديث دلاّ على التجاوز فيما كان في حق الله؛ لأن الله هو الذي تجاوز، وتجاوزه -جل وعلا-عن حقه -سبحانه وتعالى- وهذا هو المتعلق بالحكم التكليفي كما هو معروف في بحثه في موضعه في علم أصول الفقه، والخطأ غير النسيان وكذلك الإكراه، ما يكره عليه -أيضاً- يختلف عنهما.
فالخطأ: إرادةُ الشيء وحصولُ غيره من غير قصدٍ لذلك.

والنسيان: الذهول عن الشيء، والإكراه: أو قوله: ((ما استكرهوا عليه)) يعني ما أكرهوا عليه فعملوا شيئاً على جهة الإكراه، فالله -جل وعلا- قال: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من ربهم..} الآية في سورة النحل، وهذا فيه من حيث التفريعات الفقهية مباحث كثيرة نطويها طلباً للاختصار.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

24 Nov 2008

الكشاف التحليلي


حديث ابن عباس رضي الله عنهما -مرفوعاً-: (إن الله تجاوز لي عن أمتي...)
تخريج حديث ابن عباس
نقد إسناد حديث ابن عباس
نقد متن الحديث
مسائل الحديث قد دل عليها الكتاب العزيز
موضوع حديث ابن عباس
منزلة حديث ابن عباس
المعنى الإجمالي لحديث ابن عباس
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي)
معنى (التجاوز)
التجاوز: هو رفع المؤاخذة والتأثيم
ما تفيده كلمة (لي) من أن هذا التجاوز من خصائص هذه الأمة
وتفيد أيضاً عظم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه جل وعلا
معنى (الأمة)
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان...)
تعريف (الخطأ)
تعريف (النسيان)
إطلاقات (النِّسْيَان):
الإطلاق الأوَّلُ: يطلق على الذُّهُولِ عَن الشيءِ، وهو المراد به هنا
الإطلاق الثاني: يطلق على ترك الشيء لعدم المبالاة به، وهو غير مراد هنا
من شواهده قوله تعالى: (فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا)
الخطأ والنسيان من العوارض التي تدل على نقص بني آدم
حكم الخطأ والنسيان
التجاوز عن المخطئ والناسي
معنى التجاوز عن المخطئ والناسي: أنه لا إثم عليه في خطئه ونسيانه
التجاوز عن المخطئ والناسي لا يعني عدم ترتب بعض الأحكام عليه
مثال: من نسي صلاة فلا إثم عليه في نسيانها، ويجب عليه قضاؤها
موارد الخطأ والنسيان:
المورد الأول: الخطأ والنسيان في حقوق الخالق جل وعلا
مثال1: مَنْ نَسِيَ الوضوءَ وَصَلَّى ظَانًّا أنَّهُ مُتَطَهِّرٌ
الحكم: لا يأثم بصلاته بغير طهور، ويجب عليه القضاء
مثال2: من تَرَكَ التَّسْمِيَةَ على الوضوءِ نِسْيَانًا
الحكم: لا يأثم ولا يعيد الوضوء
مثال3: من تَرَكَ التَّسْمِيَةَ على الذَّبِيحَةِ نِسْيَانًا
الحكم: لا يأثم بنسيان التسمية اتفاقاً، وتحل ذبيحته على الصحيح من أقوال أهل العلم
مثال4: من صلى متلبساً بنجاسة لم يعلم بها إلا بعد انقضاء الصلاة
الحكم: لا إثم عليه، ولا يعيد الصلاة
مثال5: من تَكَلَّمَ في صلاتِهِ نَاسِيًا
الحكم: لا إثم عليه، ولا تبطل صلاته
مثال6: من أَكَلَ في صَوْمِهِ نَاسِيًا
الحكم: لا إثم عليه، ولا قضاء
مثال7: من حلف لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً
الحكم: لا إثم عليه، ولا يحنث
المورد الثاني: الخطأ والنسيان في حقوق الخلق
مثال1: من قتل مسلماً خطأ
الحكم: لا إثم عليه في القتل، وتجب الدية على العاقلة
مثال2: من أتلف مال معصوم خطأ
الحكم: لا إثم عليه في فعله، ويضمن ما أتلفه
المرجع في معرفة الأحكام المترتبة على المخطئ والناسي هو الدليل
مسائل في الخطأ والنسيان
حكم من جامع في نهار رمضان ناسياً
شرح قوله: صلى الله عليه وسلم: (... وما استكرهوا عليه)
معنى قوله: (استكرهوا)
بيان معنى (الإكراه)
تعريف (الإكراه) لغة
تعريف (الإكراه) شرعاً
أدلة التجاوز عن المكره
ضابط الإكراه الذي يعذر به:
ضابطه أن يغلب على ظن المكرَه أن يوقع به من أكرهه على ما يصح الإكراه فيه ما لا يحتمله من الأذى
شروط جواز فعل ما أكره عليه:
الشرط الأول: أن يكون الإكراه فيما يصح الإكراه فيه
الاتفاق على صحة الإكراه بالأقوال
الخلاف في صحة الإكراه على الكفر العملي
الاتفاق على عدم صحة الإكراه على قتل معصوم
المسلمون تتكافأ دماؤهم
الخلاف في صحة إكراه الرجل على الزنا
الخلاف في صحة الإكراه على شرب الخمر
الشرط الثاني: أن يغلب على ظن المكره أن يوقع به من أكرهه ما لا يحتمله من الأذى
موارد الإكراه:
المورد الأول: الإكراه المتعلق بحقوق الخالق جل وعلا
المورد الثاني: الإكراه المتعلق بحقوق الخلق
أنواع الإكراه:
النوع الأول: الإكراه الذي لا اخْتِيَارَ للمكره فيه، ولا قُدْرَةَ لهُ على الامتناع
مثاله: من حلف لا يدخل داراً فكبل وحمل حتى أدخلها قسراً
حكمه: لا إثم عليه ولا يحنث
النوعُ الثاني: الإكراه الذي للمكره فيه نوع اختيار
مثاله: من أكره على قتل معصوم أو ضربه
حكم النوع الثاني من أنواع الإكراه
تفاوت درجات هذا النوع من الإكراه
مسائل في الإكراه:
حكم الإكراه على إتلاف مال معصوم
حكم الإكراه على شرب الخمر
حكم من أَكره حالفاً على الحنث
حكم الإكراه على الطلاق
حكم الشراء من المكره على البيع
مَوانِعُ التَّكْلِيفِ:
المانع الأول: الجهلُ، وَضِدُّهُ العِلْمُ
المانع الثاني: النِّسْيَانُ، وَضِدُّهُ الذكر
المانع الثالث: الإِكْرَاهُ، وَضِدُّهُ الاختيارُ.
من فوائد حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
- رحمة الله عز وجل لهذه الأمة
- تَكْرِيمُ اللهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- شرف الأمة بشرف نبيها
- تَفْضِيلُ هذهِ الأُمَّةِ على غَيْرِهَا
- تجاوز الله تعالى عن المخطئ والناسي والمكره
- المُؤَاخَذَةُ في العملِ بالقصد

- أهَمِّيَّةُ القلبِ في العمل

عبد العزيز بن داخل المطيري

#9

24 Nov 2008

العناصر


حديث ابن عباس رضي الله عنهما -مرفوعاً-: (إن الله تجاوز لي عن أمتي...)
تخريج حديث ابن عباس
نقد إسناد حديث ابن عباس
نقد متن الحديث
موضوع حديث ابن عباس
منزلة حديث ابن عباس
المعنى الإجمالي لحديث ابن عباس
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي)
معنى (التجاوز)
ما تفيده كلمة (لي) من أن هذا التجاوز من خصائص هذه الأمة
معنى (الأمة)
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان...)
تعريف (الخطأ)
تعريف (النسيان)
إطلاقات (النِّسْيَان)
حكم الخطأ والنسيان
التجاوز عن المخطئ والناسي
موارد الخطأ والنسيان
مسألة: حكم من جامع في نهار رمضان ناسياً
شرح قوله: صلى الله عليه وسلم: (... وما استكرهوا عليه)
بيان معنى (الإكراه)
أدلة التجاوز عن المكره
موارد الإكراه
أنواع الإكراه
مسائل في الإكراه:
حكم الإكراه على إتلاف مال معصوم
حكم الإكراه على شرب الخمر
حكم من أَكره حالفاً على الحنث
حكم الإكراه على الطلاق
حكم الشراء من المكره على البيع
مَوانِعُ التَّكْلِيفِ
من فوائد حديث ابن عباس رضي الله عنهما