10 Dec 2008
الدرس السابع عشر: التحلي بالعمل
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (الفصلُ السادسُ: التَحَلِّي بالعَمَلِ
44- من عَلاماتِ العِلْمِ النافِعِ :
تَسَاءَلْ مع نفْسِك عن حَظِّكَ من عَلاماتِ العِلْمِ النافعِ ، وهي :
العَمَلُ به .
كراهيةُ التزكيةِ والمدْحِ والتكبُّرِ على الْخَلْقِ .
تكاثُرُ تَواضُعِكَ كُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا .
الهرَبُ من حُبِّ الترَؤُّسِ والشُّهرةِ والدنيا .
هَجْرُ دَعْوَى العِلْمِ .
إساءةُ الظنِّ بالنفْسِ ، وإحسانُه بالناسِ ؛ تَنَزُّهًا عن الوُقوعِ بهم .
وقد كان عبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ إذا ذَكَرَ أَخلاقَ مَن سَلَفَ يُنشِدُ :
لا تَعْرِضَنَّ بذِكْرِنا مع ذِكْرِهـمْ ... ليس الصحيحُ إذا مَشَى كالْمُقْعَدِ
45- زكاةُ العِلْمِ :
أَدِّ
( زَكاةَ العِلْمِ ) : صادعًا بالحَقِّ ، أمَّارًا بالمعروفِ ، نَهَّاءً
عن الْمُنْكَرِ ، مُوازِنًا بينَ الْمَصالِحِ والْمَضَارِّ ، ناشرًا
للعِلْمِ ، وحبِّ النفْعِ وبَذْلِ الجاهِ ، والشفاعةِ الحسَنَةِ للمسلمينَ
في نوائِبِ الحقِّ والمعروفِ .
وعن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :
(( إِذَا
مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٌ
جَارِيَةٌ ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو
لَهُ )) ، رواه مسلِمٌ وغيرُه .
قالَ
بعضُ أهلِ العلْمِ : هذه الثلاثُ لا تَجتمِعُ إلا للعالِمِ الباذِلِ
لعِلْمِه فبَذْلُه صَدَقَةٌ ، يُنْتَفَعُ بها ، والْمُتَلَقِّي لها ابنٌ
للعالِمِ في تَعَلُّمِه عليه ، فاحْرِصْ على هذه الْحِلْيَةِ ؛ فهي رأسُ
ثَمرةِ عِلْمِكَ .
ولشَرَفِ العِلْمِ ؛ فإنه يَزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ ، ويَنْقُصُ مع الإشفاقِ، وآفَتُه الكِتْمَانُ .
ولا
تَحْمِلْكَ دَعْوَى فَسادِ الزمانِ ، وغَلَبَةِ الفُسَّاقِ ، وضَعْفِ
إفادةِ النصيحةِ عن واجبِ الأداءِ والبَلاغِ ، فإن فَعَلْتَ ، فهي فِعْلَةٌ
يَسوقُ عليها الفُسَّاقُ الذهَبَ الأحْمَرَ لِيَتِمَّ لهم الخروجُ على
الفضيلةِ ورَفْعُ لواءِ الرَّذيلةِ .
46- عِزَّةُ العُلماءِ :
التَّحَلِّي
بـ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) : صيانةُ العِلْمِ وتَعظيمُه ، وحمايةُ جَنابِ
عِزِّه وشَرَفِه وبِقَدْرِ ما تَبْذُلُه في هذا يكونُ الكَسْبُ منه ومن
العَمَلِ به ، وبِقَدْرِ ما تُهْدِرُه يكونُ الفَوْتُ ، ولا حولَ ولا
قُوَّةَ إلا باللهِ العزيزِ الحكيمِ .
وعليه ؛ فاحْذَرْ أن يَتَمَنْدَلَ بك الكُبراءُ ، أو يَمْتَطِيَكَ السفهاءُ ، فتُلَايِنَ في فَتْوَى أو قضاءٍ أو بَحْثٍ أو خِطابٍ .
ولا تَسْعَ به إلى أهلِ الدنيا ، ولا تَقِفْ به على أَعتابِهم ، ولا تَبْذُلْه إلى غيرِ أهلِه وإن عَظُمَ قَدْرُه .
ومَتِّعْ بَصَرَك وبَصِيرَتَكَ بقِراءةِ التراجِمِ والسيَرِ لأَئِمَّةٍ
مَضَوْا ، تَرَ فيها بَذْلَ النفْسِ في سبيلِ هذه الحمايةِ لا سِيَّمَا مَن
جَمَع مُثُلًا في هذا ؛ مثلَ كتابِ ( من أخلاقِ العُلماءِ ) لِمُحَمَّدٍ
سليمانَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ ( الإسلامِ بينَ العُلماءِ
والحكَّامِ ) لعبدِ العزيزِ البَدْرِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ (
مَناهِجِ العُلماءِ في الأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن الْمُنكَرِ ) لفاروقٍ
السامَرَّائيِّ .
وأرجو أن تَرى أضعافَ ما ذَكَرُوه في كتابِ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) يَسَّرَ اللهُ إتمامَه وطَبْعَه .
وقد كان العلماءُ يُلَقِّنُونَ طُلَّابَهُم حِفْظَ قصيدةِ الْجُرجانيِّ
عليِّ بنِ عبدِ العزيزِ ( م سنةَ 392 هـ ) رَحِمَه الله تعالى كما نَجِدُها
عندَ عددٍ من مُتَرْجِمِيهِ ، ومَطْلَعُها.
يقولونَ لي فيك انقبـاضٌ وإنمـا ... رَأَوْا رجُلًا عن مَوْضِعِ الذلِّ أَحْجَمَا
أرى الناسَ مَن داناهُم هانَ عِنْدَهمْ ... ومَن أَكرَمَتْهُ عِزَّةُ النفْسِ أُكْرِمَـا
ولو أنَّ أهلَ العلْمِ صانُوه صانَهُـمْ ... ولو عَظَّمُوه في النفـوسِ لعَظَّمَـا
( لعَظَّمَا ) بفتحِ الظاءِ المعجَمَةِ الْمُشالَةِ .
47 –صِيانةُ العِلْمِ :
إن
بَلَغْتَ مَنْصِبًا فتَذَكَّرْ أنَّ حَبْلَ الوَصْلِ إليه طَلَبُكَ
للعِلْمِ ، فبِفَضْلِ اللهِ ثم بسببِ عِلْمِك بلَغْتَ ما بَلَغْتَ من
وَلايةٍ في التعليمِ ، أو الفُتْيَا أو القضاءِ ... وهكذا فأَعْطِ العِلْمَ
قَدْرَه وحَظَّهُ من العمَلِ به وإنزالَه مَنْزِلَتَهُ .
واحْذَرْ
مَسْلَكَ مَن لا يَرْجُونَ للهِ وَقَارًا ، الذين يَجْعَلون الأساسَ (
حِفْظَ الْمَنْصِبِ ) فيَطْوُونَ أَلْسِنَتَهُم عن قولِ الحَقِّ ، ويحملُهم
حُبُّ الوَلايةِ على الْمُجَارَاةِ .
فالْزَمْ – رَحِمَكَ اللهُ – المحافَظَةَ على قِيمَتِكَ بحِفْظِ دِينِك ، وعِلْمِك وشَرَفِ نفسِكَ ، بحِكْمَةٍ ودِرايةٍ وحُسْنِ سِياسةٍ : ( احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ ) ( احْفَظِ اللهَ في الرخاءِ يَحْفَظْكَ في الشدَّةِ ... ) .
وإن
أَصْبَحْتَ عاطلًا من قِلادةِ الوِلايةِ – وهذا سبيلُك ولو بعدَ حينٍ –
فلا بأسَ ؛ فإنه عَزْلُ مَحْمَدَةٍ لا عَزْلُ مَذَمَّةٍ ومَنْقَصَةٍ .
ومن
العجيبِ أنَّ بعضَ مَن حُرِمَ قَصْدًا كبيرًا من التوفيقِ لا يكونُ عندَه
الالتزامُ والإنابةُ والرجوعُ إلى اللهِ إلا بعدَ ( التقاعُدِ ) ، فهذا وإن
كانت تَوبَتُه شرعيَّةً ؛ لكن دِينَه ودِينَ العجائزِ سواءٌ ، إذ لا
يَتَعَدَّى نَفْعُه ، أمَّا وَقْتُ وِلايتِه حالَ الحاجةِ إلى تَعَدِّي
نَفْعِه ؛ فتَجِدُه من أَعْظَمِ الناسِ فُجورًا وَضَرَرًا ، أو باردَ
القلْبِ أَخْرَسَ اللسانِ عن الْحَقِّ .فنَعوذُ باللهِ من الْخِذلانِ .
48 –الْمُداراةُ لا الْمُداهَنَةُ :
الْمُداهَنَةُ خُلُقٌ مُنْحَطٌّ ، أمَّا الْمُدارَاةُ فلا ، لكن لا تَخْلِطْ بينَهما فتَحْمِلَك المداهَنَةُ إلى حَضَارِ النفاقِ مُجاهَرَةً ، والْمُداهَنَةُ هي التي تَمَسُّ دِينَك .
من عَلاماتِ العِلْمِ النافِعِ
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (الفصلُ السادسُ: التَحَلِّي بالعَمَلِ
44- من عَلاماتِ العِلْمِ النافِعِ :
تَسَاءَلْ مع نفْسِك عن حَظِّكَ من عَلاماتِ العِلْمِ النافعِ ، وهي :
العَمَلُ به .
كراهيةُ التزكيةِ والمدْحِ والتكبُّرِ على الْخَلْقِ .
تكاثُرُ تَواضُعِكَ كُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا .
الهرَبُ من حُبِّ الترَؤُّسِ والشُّهرةِ والدنيا .
هَجْرُ دَعْوَى العِلْمِ .
إساءةُ الظنِّ بالنفْسِ ، وإحسانُه بالناسِ ؛ تَنَزُّهًا عن الوُقوعِ بهم .
وقد كان عبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ إذا ذَكَرَ أَخلاقَ مَن سَلَفَ يُنشِدُ :
لا تَعْرِضَنَّ بذِكْرِنا مع ذِكْرِهـمْ ... ليس الصحيحُ إذا مَشَى كالْمُقْعَدِ
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
الفصل السادس
التحلي بالعمل
44- من علامات العلم النافع:
تساءل مع نفسك عن حظك من علامات العلم النافع، وهي:
1- العمل به.
2- كراهية التزكية، والمدح، والتكبر على الخلق.
3- تكاثر تواضعك كلما ازددت علما.
4- الهرب من حب الترؤس والشهرة والدنيا.
5- هجر دعوى العلم.
6- إساءة الظن بالنفس، وإحسانه بالناس، تنزها عن الوقوع بهم.
هذه من علامات العلم النافع:
أولا- العمل به:
وهذا بعد الإيمان، أن تؤمن بما علمت ثم تعمل إذ لا يمكن العمل إلا بإيمان،
فإن لم يوفق الإنسان لذلك، بأن كان يعلم الأشياء ولكن لا يعمل بها فعلمه
غير نافع، لكن هل هو ضار أم لا نافع ولا ضار؟ هو ضار... لأن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: «القرآن حجة لك أو عليك» ولم يقل: لا لك ولا عليك فالعلم إما نافع أو ضار.
ثانيا- كراهية التزكية، والمدح، والتكبر على الخلق:
وهذه ابتلي به بعض الناس، فيزكي نفسه ويرى أن ما قاله هو الصواب وأن غيره
إذا خالفه فهو مخطأ وما أشبه ذلك، كذلك يحب المدح. تجده يسأل ماذا قالوا
لما تحدثوا عنه؟ وإذا قالوا: إنهم مدحوك، انتفخ وزاد انتفاخه حتى يعجز جلده
عن تحمل بدنه، كذلك التكبر على الخلق، بعض الناس- والعياذ بالله – إذا
آتاه الله علما تكبر. الغني بالمال ربما يتكبر، ولهذا جعل النبي صلى الله
عليه وسلم : العائل المستكبر من الذين لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة
ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
لأنه ليس عنده مال يوجب
الكبرياء، ولكن العالم لا ينبغي أن يكون كالغني كلما ازداد علما ازداد
تكبرا، بل ينبغي العكس كلما ازداد علما ازداد تواضعا، لأن من العلوم التي
يقرؤها أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخلاقه كلها تواضع للحق، وتواضع
للخلق، لكن على كل حال إذا تعارض التواضع للخلق أو الحق. أيهما يقدم؟
التواضع للحق.
ثالثا- تكاثر تواضعك كلما ازددت علما: وهذا في الحقيقة فرع من الثاني، يعني تتكبر على الخلق، وينبغي كلما ازددت علما تزداد تواضعا.
رابعا- الهرب من حرب الترؤس والشهرة والدنيا:
هذه أيضا قد تكون متفرعة عن كراهية التزكية والمدح، يعني لا تحاول أن تكون
رئيسا لأجل علمك، لا تحاول أن تجعل علمك مطية إلى نيل الدنيا، فإن هذا
يعني أنك جعلت الوسيلة غاية، والغاية وسيلة، ولكن هل معنى ذلك لو أنك كنت
تجادل شخصا لإثبات الحق هل ينبغي أن تجعل نفسك فوقه أو دونه؟ فوقه لأنك لو
شعرت بأنك دونه ما استطعت أن تجادله، أما لو أنك شعرت أنك فوقه من أجل أن
الحق معك، فإنك حينئذ تستطيع أن تسيطر عليه.
خامسا- هجر دعوى العلم: معناها: لا تدعي العلم. لا تقول أنا العالم.
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني
ومتى كان في المجلس تصدر المجلس، وإذا أرد أحد أن يتكلم يقول: اسكت أنا أعلم منك.
سادسا- إساءة الظن بالنفس، وإحسانه بالناس، تنزها عن الوقوع بهم: أن يسيء الظن بنفسه لأنها ربما تغره وتأمره بالسوء فلا يحسن الظن بالنفس، وكلما أملت عليه أخذ بها.
أما قوله «إحسانه بالناس»
فهذا يحتاج إلى تفصيل. الأصل إحسان الظن بالناس وإنك متى وجدت محملا حسنا
للكلام غيرك فأحمله عليه ولا تسي الظن، لكن إذا علم عن شخص من الناس أنه
محل لإساءة الظن، فهنا لا حرج أن تسيء الظن من أجل أن تحترس منه لأنك لو
أحسنت الظن به لأفضت إليه كل ما في صدرك، ولكن ليس الأمر كذلك.
وقد كان عبد الله بن المبارك إذا ذكر أخلاق من سلف ينشد:
لا تعرضن بذكرنا مع ذكرهمليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
الفصلُ السادسُ : التَحَلِّي بالعَمَلِ
44- من عَلاماتِ العِلْمِ النافِعِ :
تَسَاءَلْ مع نفْسِك عن حَظِّكَ من عَلاماتِ العِلْمِ النافعِ ، وهي :
العَمَلُ به .
كراهيةُ التزكيةِ والمدْحِ والتكبُّرِ على الْخَلْقِ .
تكاثُرُ تَواضُعِكَ كُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا .
الهرَبُ من حُبِّ الترَؤُّسِ والشُّهرةِ والدنيا .
هَجْرُ دَعْوَى العِلْمِ .
إساءةُ الظنِّ بالنفْسِ ، وإحسانُه بالناسِ ؛ تَنَزُّهًا عن الوُقوعِ بهم .
وقد كان عبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ إذا ذَكَرَ أَخلاقَ مَن سَلَفَ يُنشِدُ :
لا تَـعْـرِضَـنَّ بـذِكْـرِنــا مــــع ذِكْــرِهــمْ ليس الصحيحُ إذا مَشَى كالْمُقْعَدِ
45- زكاةُ العِلْمِ :
أَدِّ
( زَكاةَ العِلْمِ ) : صادعًا بالحَقِّ ، أمَّارًا بالمعروفِ ، نَهَّاءًا
عن الْمُنْكَرِ ، مُوازِنًا بينَ الْمَصالِحِ والْمَضَارِّ ، ناشرًا
للعِلْمِ ، وحبِّ النفْعِ وبَذْلِ الجاهِ ، والشفاعةِ الحسَنَةِ للمسلمينَ
في نوائِبِ الحقِّ والمعروفِ .
وعن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :((إِذَا
مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٌ
جَارِيَةٌ ، أَوْعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو
لَهُ)) رواه مسلِمٌ وغيرُه .
قالَ
بعضُ أهلِ العلْمِ : هذه الثلاثُ لا تَجتمِعُ إلا للعالِمِ الباذِلِ
لعِلْمِه فبَذْلُه صَدَقَةٌ ، يُنْتَفَعُ بها ، والْمُتَلَقِّي لها ابنٌ
للعالِمِ في تَعَلُّمِه عليه ، فاحْرِصْ على هذه الْحِلْيَةِ ؛ فهي رأسُ
ثَمرةِ عِلْمِكَ .
ولشَرَفِ العِلْمِ ؛ فإنه يَزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ ، ويَنْقُصُ مع الإشفاقِ ، وآفَتُه الكِتْمَانُ .
ولا
تَحْمِلْكَ دَعْوَى فَسادِ الزمانِ ، وغَلَبَةِ الفُسَّاقِ ، وضَعْفِ
إفادةِ النصيحةِ عن واجبِ الأداءِ والبَلاغِ ، فإن فَعَلْتَ ، فهي فِعْلَةٌ
يَسوقُ عليها الفُسَّاقُ الذهَبَ الأحْمَرَ لِيَتِمَّ لهم الخروجُ على
الفضيلةِ ورَفْعُ لواءِالرَّذيلةِ .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (الأدب الرابع والأربعون من آداب طالب العلم :
العمل بالعلم ، ويترتب على هذا أن تكون عارفا لمقدار نفسك ، فإنه كلما
ازداد الإنسان من العلم كلما احتقر نفسه وتواضع لغيره ، وكلما نقص علم
الإنسان ظنّ أنه قد حصّل العلم ، فتكبّر فيه ، ولذلك يحرص طالب العلم على
العمل بما علمه.
الأدب الخامس والأربعون :
الحرص على الدعوة ونشر العلم وبثّه في الأمّة ، سواءًا إذا وجدت شخصا
تاركا لما تعلمه من الخير والصدق أو بواسطة مجالس العلم ، أو بالتأليف أو
نحو ذلك.
وهكذا أيضا الحرص على
نفع الآخرين بالشفاعة الحسنة لهم ، والعلم يزيد بالنفقة منه ، كلما دعوت
إليه وعلّمت الناس بقي العلم في نفسك ، وأعطاك الله علما لم تكن عالما به ،
وبارك الله بعلمك ، وكلما تكاسل الإنسان في نشر العلم فإنه سينساه عن قرب ،
ولن يُبارك له في علمه ، بعض الناس يقول : الناس قد فسدوا ، وتجاهلوا
العلم.
فنقول : هذه تجعلك تحرص
على كثرة التعليم ، وتبذل الأسباب ، فإذا فسد الناس وكثر الجهل فيهم ،
فلابد أن يقوم العلماء وطلبة العلم بالتعليم ، وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم : "ما بال أقوام لا يعلّمون جيرانهم ، وما بال أقوام لا يتعلّمون من جيرانهم"
والفسّاق يريدون من
العلماء أن يسكتوا ولا ينشروا علما ولا يوجّهوا الناس وينصحوهم ليتمكّنوا
من مرادهم في فسقهم ، لكن ينبغي ألا نحقق مطلوبهم ، وأن نحتسب للأجر في بث
العلم ، نعم.
زكاةُ العِلْمِ
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (أَدِّ
( زَكاةَ العِلْمِ ) : صادعًا بالحَقِّ ، أمَّارًا بالمعروفِ ، نَهَّاءً
عن الْمُنْكَرِ ، مُوازِنًا بينَ الْمَصالِحِ والْمَضَارِّ ، ناشرًا
للعِلْمِ ، وحبِّ النفْعِ وبَذْلِ الجاهِ ، والشفاعةِ الحسَنَةِ للمسلمينَ
في نوائِبِ الحقِّ والمعروفِ .
وعن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :
(( إِذَا
مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٌ
جَارِيَةٌ ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو
لَهُ )) ، رواه مسلِمٌ وغيرُه .
قالَ
بعضُ أهلِ العلْمِ : هذه الثلاثُ لا تَجتمِعُ إلا للعالِمِ الباذِلِ
لعِلْمِه فبَذْلُه صَدَقَةٌ ، يُنْتَفَعُ بها ، والْمُتَلَقِّي لها ابنٌ
للعالِمِ في تَعَلُّمِه عليه ، فاحْرِصْ على هذه الْحِلْيَةِ ؛ فهي رأسُ
ثَمرةِ عِلْمِكَ .
ولشَرَفِ العِلْمِ ؛ فإنه يَزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ ، ويَنْقُصُ مع الإشفاقِ، وآفَتُه الكِتْمَانُ .
ولا
تَحْمِلْكَ دَعْوَى فَسادِ الزمانِ ، وغَلَبَةِ الفُسَّاقِ ، وضَعْفِ
إفادةِ النصيحةِ عن واجبِ الأداءِ والبَلاغِ ، فإن فَعَلْتَ ، فهي فِعْلَةٌ
يَسوقُ عليها الفُسَّاقُ الذهَبَ الأحْمَرَ لِيَتِمَّ لهم الخروجُ على
الفضيلةِ ورَفْعُ لواءِ الرَّذيلةِ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
45- زكاة العلم:
(زكاة
العلم): صادعا بالحق، أمارا بالمعروف. نهاء عن المنكر، موازنا بين المصالح
والمضار، ناشرا للعلم، وحب النفع، وبذل الجاه، والشفاعة الحسنة للمسلمين
في نوائب الحق والمعروف.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : «إذا مات الإنسان انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». رواه مسلم وغيره.
قال
بعض أهل العلم: هذه الثلاث لا تجتمع إلا للعالم الباذل لعلمه، فبذله صدقة،
ينتفع بها، والمتلقي لها ابن للعالم في تعلمه عليه. فاحرص على هذه الحلية،
فهي رأس ثمرة علمك. ولشرف العلم، فإنه يزيد بكثرة الإنفاق، وينقص مع
الإشفاق، وآفته الكتمان. ولا تحملك دعوى فساد الزمان، وغلبة الفساق، وضعف
إفادة النصيحة عن واجب الأداء والبلاغ، فإن فعلت، فهي فعلة يسوق عليها
الفساق الذهب الأحمر، ليتم لهم الخروج على الفضيلة، ورفع لواء الرذيلة.
هذا زكاة العلم. تكون بأمور:
منها: نشر العلم. كما يتصدق الإنسان بشيء من ماله، فهذا العالم يتصدق بشيء من علمه، وصدقة العلم أبقى دواما وأقل كلفة ومؤنة.
أبقى دواما لأنه ربما كلمة
من عالم تسمع ينتفع بها فئام من الناس وما زلنا الآن ننتفع بأحاديث أبي
هريرة رضي الله عنه، ولم ننتفع بدرهم واحد من الخلفاء الذين كانوا في عهده.
وكذلك العلماء تنتفع بكتبهم وعلومهم، فهذه زكاة. وهذه الزكاة لا تنقص العلم بل تزيده.
يزيد بكثرة الإنفاق منه ... وينقص إن به كفا شددت
ومن زكاة العلم أيضا:
العمل به لأن العمل به دعوة إليه بلا شك، وكثير من الناس يتأسون بالعالم
وبأعماله، أكثر مما يتأسون بأقواله وهذا بلا شك زكاة أيما زكاة، لأن الناس
يشربون منها وينتفعون.
ومنها أيضا:
ما قاله المؤلف أن يكون صداعا للحق. وهذا من جملة النشر، ولكن النشر قد
يكون في حال السلامة والأمن على النفس، وقد يكون في حالة الخطر، فيكون
صداعا بالحق.
ومنها:
أي من تزكية العلم- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا شك أنه من زكاة
العلم، لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو عارف بالمعروف وعارف
بالمنكر، ثم قائم بواجبه نحو هذه المعرفة.
والمعروف: كل ما أمر به الله ورسوله. والمنكر:
كل ما نهى الله عنه ورسوله. موازنا بين المصالح والمضار. لأنه قد يكون من
الحكمة ألا تنهي حسب ما تقتضيه المصلحة، فالإنسان ينظر إلى المصالح
والمضار.
وقوله : «ناشرا للعلم وحب النفع»
يعني تنشر العلم بكل وسيلة للنشر من قول باللسان وكتابة بالبنان. وبكل
طريق، وفي عصرنا هذا سخر الله لنا الطرق لنشر العلم، فعليك أن تنتهز هذه
الفرصة من أجل أن تنشر العلم الذي أعطاك الله إياه، فإن الله تعالى أخذ على
أهل العلم ميثاق أن يبينوه للناس ولا يكتموه، ثم ساق المؤلف حديث أبي
هريرة رضي الله عنه والشاهد في قوله «أو علم ينتفع به» .
أما قوله :«قال بعض أهل العلم. فبدله صدقة ينتفع بها والمتلقي لها ابن للعالم في تعلمه عليه».
هذا قصور. والصواب خلاف ذلك. أن المراد بالصدقة الجارية، صدقة المال.
وأما صدقة العلم فذكرها بعده بقوله «أو علم ينتفع به أو ولد صالح» المراد به الولد بالنسب، لا الولد بالتعليم.
فحمل الحديث على أن المراد
بالعالم يعلم فيكون صدقة ويبقى علمه بعد موته ينتفع به ويكون طلابه أبناء
له، فهذا لا شك تقصير في تفسير الحديث.
والصواب: أن الحديث دل على ثلاثة أجناس مما ينتفع به الإنسان بعد موته.
الصدقة الجارية، والصدقة
إما جارية وإما مؤقتة. فإذا أعطبت فقيرا يشتري طعاما فهذه صدقة لكنها
مؤقتة، وإذا حفرت بئرا ينتفع به المسلمون بالشرب، فهذه صدقة جارية.
والأولى أن يقال «ولبركة
العلم» فهذا أمثل، لكونه يزيد بكثرة الإنفاق. ووجه زيادته أن الإنسان إذا
علم الناس مكث علمه في قلبه واستقر، وإذا غفل نسي.
ثانيا- أنه إذا علم الناس
فلا يخلو هذا التعليم من الفوائد الكثيرة، بمناقشة أو سؤال، فينمي علمه
ويزداد، وكم من أستاذ تعلم من تلاميذه. قد يذكر التلميذ مسألة ما جرت على
بال الأستاذ وينتفع بها الأستاذ فلهذا كان بذل العلم سببا في كثرته
وزيادته.
ثم لا تيأس ولا تقل: إن
الناس غلب عليهم الفسق والمجون والغفلة، لا! أبذل النصيحة ما استطعت ولا
تيأس لأنك إذا تقاعست واستحسرت فمن يفرح بذلك ؟ الفساق والفجار. كما قيل:
خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري
فلا تيأس، فكم من إنسان يأست من صلاحه، ففتح الله عليه وصلح.
لكن يئست.
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
الفصلُ السادسُ : التَحَلِّي بالعَمَلِ
44- من عَلاماتِ العِلْمِ النافِعِ :
تَسَاءَلْ مع نفْسِك عن حَظِّكَ من عَلاماتِ العِلْمِ النافعِ ، وهي :
العَمَلُ به .
كراهيةُ التزكيةِ والمدْحِ والتكبُّرِ على الْخَلْقِ .
تكاثُرُ تَواضُعِكَ كُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا .
الهرَبُ من حُبِّ الترَؤُّسِ والشُّهرةِ والدنيا .
هَجْرُ دَعْوَى العِلْمِ .
إساءةُ الظنِّ بالنفْسِ ، وإحسانُه بالناسِ ؛ تَنَزُّهًا عن الوُقوعِ بهم .
وقد كان عبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ إذا ذَكَرَ أَخلاقَ مَن سَلَفَ يُنشِدُ :
لا تَـعْـرِضَـنَّ بـذِكْـرِنــا مــــع ذِكْــرِهــمْ ليس الصحيحُ إذا مَشَى كالْمُقْعَدِ
45- زكاةُ العِلْمِ :
أَدِّ
( زَكاةَ العِلْمِ ) : صادعًا بالحَقِّ ، أمَّارًا بالمعروفِ ، نَهَّاءًا
عن الْمُنْكَرِ ، مُوازِنًا بينَ الْمَصالِحِ والْمَضَارِّ ، ناشرًا
للعِلْمِ ، وحبِّ النفْعِ وبَذْلِ الجاهِ ، والشفاعةِ الحسَنَةِ للمسلمينَ
في نوائِبِ الحقِّ والمعروفِ .
وعن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :((إِذَا
مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٌ
جَارِيَةٌ ، أَوْعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو
لَهُ)) رواه مسلِمٌ وغيرُه .
قالَ
بعضُ أهلِ العلْمِ : هذه الثلاثُ لا تَجتمِعُ إلا للعالِمِ الباذِلِ
لعِلْمِه فبَذْلُه صَدَقَةٌ ، يُنْتَفَعُ بها ، والْمُتَلَقِّي لها ابنٌ
للعالِمِ في تَعَلُّمِه عليه ، فاحْرِصْ على هذه الْحِلْيَةِ ؛ فهي رأسُ
ثَمرةِ عِلْمِكَ .
ولشَرَفِ العِلْمِ ؛ فإنه يَزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ ، ويَنْقُصُ مع الإشفاقِ ، وآفَتُه الكِتْمَانُ .
ولا
تَحْمِلْكَ دَعْوَى فَسادِ الزمانِ ، وغَلَبَةِ الفُسَّاقِ ، وضَعْفِ
إفادةِ النصيحةِ عن واجبِ الأداءِ والبَلاغِ ، فإن فَعَلْتَ ، فهي فِعْلَةٌ
يَسوقُ عليها الفُسَّاقُ الذهَبَ الأحْمَرَ لِيَتِمَّ لهم الخروجُ على
الفضيلةِ ورَفْعُ لواءِالرَّذيلةِ .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (الأدب الرابع والأربعون من آداب طالب العلم :
العمل بالعلم ، ويترتب على هذا أن تكون عارفا لمقدار نفسك ، فإنه كلما
ازداد الإنسان من العلم كلما احتقر نفسه وتواضع لغيره ، وكلما نقص علم
الإنسان ظنّ أنه قد حصّل العلم ، فتكبّر فيه ، ولذلك يحرص طالب العلم على
العمل بما علمه.
الأدب الخامس والأربعون :
الحرص على الدعوة ونشر العلم وبثّه في الأمّة ، سواءًا إذا وجدت شخصا
تاركا لما تعلمه من الخير والصدق أو بواسطة مجالس العلم ، أو بالتأليف أو
نحو ذلك.
وهكذا أيضا الحرص على
نفع الآخرين بالشفاعة الحسنة لهم ، والعلم يزيد بالنفقة منه ، كلما دعوت
إليه وعلّمت الناس بقي العلم في نفسك ، وأعطاك الله علما لم تكن عالما به ،
وبارك الله بعلمك ، وكلما تكاسل الإنسان في نشر العلم فإنه سينساه عن قرب ،
ولن يُبارك له في علمه ، بعض الناس يقول : الناس قد فسدوا ، وتجاهلوا
العلم.
فنقول : هذه تجعلك تحرص
على كثرة التعليم ، وتبذل الأسباب ، فإذا فسد الناس وكثر الجهل فيهم ،
فلابد أن يقوم العلماء وطلبة العلم بالتعليم ، وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم : "ما بال أقوام لا يعلّمون جيرانهم ، وما بال أقوام لا يتعلّمون من جيرانهم"
والفسّاق يريدون من
العلماء أن يسكتوا ولا ينشروا علما ولا يوجّهوا الناس وينصحوهم ليتمكّنوا
من مرادهم في فسقهم ، لكن ينبغي ألا نحقق مطلوبهم ، وأن نحتسب للأجر في بث
العلم ، نعم.
عِزَّةُ العُلماءِ
المتن: قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): ( (التَّحَلِّي
بـ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) : صيانةُ العِلْمِ وتَعظيمُه ، وحمايةُ جَنابِ
عِزِّه وشَرَفِه وبِقَدْرِ ما تَبْذُلُه في هذا يكونُ الكَسْبُ منه ومن
العَمَلِ به ، وبِقَدْرِ ما تُهْدِرُه يكونُ الفَوْتُ ، ولا حولَ ولا
قُوَّةَ إلا باللهِ العزيزِ الحكيمِ .
وعليه ؛ فاحْذَرْ أن يَتَمَنْدَلَ بك الكُبراءُ ، أو يَمْتَطِيَكَ السفهاءُ ، فتُلَايِنَ في فَتْوَى أو قضاءٍ أو بَحْثٍ أو خِطابٍ .
ولا تَسْعَ به إلى أهلِ الدنيا ، ولا تَقِفْ به على أَعتابِهم ، ولا تَبْذُلْه إلى غيرِ أهلِه وإن عَظُمَ قَدْرُه .
ومَتِّعْ بَصَرَك وبَصِيرَتَكَ بقِراءةِ التراجِمِ والسيَرِ لأَئِمَّةٍ
مَضَوْا ، تَرَ فيها بَذْلَ النفْسِ في سبيلِ هذه الحمايةِ لا سِيَّمَا مَن
جَمَع مُثُلًا في هذا ؛ مثلَ كتابِ ( من أخلاقِ العُلماءِ ) لِمُحَمَّدٍ
سليمانَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ ( الإسلامِ بينَ العُلماءِ
والحكَّامِ ) لعبدِ العزيزِ البَدْرِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ (
مَناهِجِ العُلماءِ في الأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن الْمُنكَرِ ) لفاروقٍ
السامَرَّائيِّ .
وأرجو أن تَرى أضعافَ ما ذَكَرُوه في كتابِ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) يَسَّرَ اللهُ إتمامَه وطَبْعَه .
وقد كان العلماءُ يُلَقِّنُونَ طُلَّابَهُم حِفْظَ قصيدةِ الْجُرجانيِّ
عليِّ بنِ عبدِ العزيزِ ( م سنةَ 392 هـ ) رَحِمَه الله تعالى كما نَجِدُها
عندَ عددٍ من مُتَرْجِمِيهِ ، ومَطْلَعُها.
يقولونَ لي فيك انقبـاضٌ وإنمـا ... رَأَوْا رجُلًا عن مَوْضِعِ الذلِّ أَحْجَمَا
أرى الناسَ مَن داناهُم هانَ عِنْدَهمْ ... ومَن أَكرَمَتْهُ عِزَّةُ النفْسِ أُكْرِمَـا
ولو أنَّ أهلَ العلْمِ صانُوه صانَهُـمْ ... ولو عَظَّمُوه في النفـوسِ لعَظَّمَـا
( لعَظَّمَا ) بفتحِ الظاءِ المعجَمَةِ الْمُشالَةِ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
46- عزة العلماء:
التحلي
بـ (عزة العلماء): صيانة العلم وتعظيمه، وحماية جناب عزه وشرفه، وبقدر ما
تبذله في هذا يكون الكسب منه ومن العمل به، وبقدر ما تهدره يكون الفوت، ولا
حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
وعليه،
فاحذر أن يتمندل بك الكبراء، أو يمتطيك السفهاء، فتلاين في فتوى أو قضاء،
أو بحث، أو خطاب... ولا تسع به إلى أهل الدنيا، ولا تقف به على أعتابهم،
ولا تبذله إلى غير أهله وإن عظم قدره.
هذا فيه شيء صواب، وشيء
فيه نظر، صيانة العلم وتعظيمه وحماية جنابه، لا شك أنه عز وشرف. فإن
الإنسان إذا صان علمه عن الدناءة وعن التطلع إلى ما في أيدي الناس، وعن بذل
نفسه فهو أشرف له وأعز، ولكن كون الإنسان لا يسعى به إلى أهل الدنيا ولا
يقف على أعتابهم ولا يبلغه إلى غير أهله وإن عظم قدره فيه تفصيل.
فيقال إذا سعيت به إلى أهل الدنيا وكانوا ينتفعون بذلك فهذا خير، وهو داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما إن كانوا يقفون من هذا
العالم الذي دخل عليهم وأخذ يحدثهم، موقف الساخر المتململ، فهنا لا ينبغي
أن يهدي العلم إلى هؤلاء، لأنه إهانة له وإهانة لعلمه. ولنفرض أن رجلا دخل
على أناس من هؤلاء النفر، وجلس، وجعل يتحدث إليهم بأمور شرعية، ولكنه
يشاهدهم تتمعر وجوههم، ويتململون ويتغامزون، فهؤلاء لا ينبغي أن يحوم حولهم
لأن هذا ذل له ولعلمه.
أما إذا دخل على هؤلاء وجلس وتحدث، ووجد وجوها تهش، وأفئدة تطمئن، ووجد منهم إقبالا، فها هنا يجب أن يفعل، ولكل مقام مقال.
لو كان دخل طالب علم صغير
على هؤلاء المترفين، فلربما يقفون منه موقف الإستهزاء والسخرية، لكن لو دخل
عليهم من له وزن عندهم وعند غيرهم لكان الأمر بالعكس، فلكل مقام مقال.
ومتع
بصرك وبصيرتك بقراءة التراجم والسير لأئمة مضوا، تَرَ فيها بذل النفس في
سبيل هذه الحماية، لا سيما من جمع مثلا في هذا، مثل كتاب «من أخلاق
العلماء» لمحمد سليمان – رحمه الله تعالى - وكتاب «الإسلام بين العلماء
والحكام» لعبد العزيز البدري – رحمه الله تعالى- وكتاب «مناهج العلماء في
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» لفاروق السامرائي.
وأرجو
أن ترى أضعاف ما ذكروه في كتاب «عزة العلماء» يسر الله إتمامه وطبعه. وقد
كان العلماء يلقنون طلابهم حفظ قصيدة الجرجاني علي بن عبد العزيز (م سنة
392هـ) رحمه الله تعالى كما نجدها عند عدد من مترجميه، ومطلعها:
ومن أحسن ما رأيت في هذا
كتاب «روضة العقلاء» للبسني، كتاب عظيم على اختصاره، فيه فوائد عظيمة ومآثر
كريمة للعلماء المحدثين وغيرهم، وكان مقررا في المعاهد أيام كنا ندرس في
المعهد، مقررا كتاب مطالعة للطلاب وانتفع به الكثير.
أما ما ذكره الشيخ بكر،
يعضها اطلعنا عليه، وبعضها لم نطلع عليه، لكن بعضها مختصر جدا، لا يستفيد
الإنسان منه كثير فائدة. لكن سير أعلام النبلاء مفيد أيضا فائدة كبيرة،
فمراجعته عظيمة. أما كتاب «عزة العلماء» فهو من كتابات المؤلف، وهو يدعو
إلى الله تعالى أن ييسر إتمامه وطبعه.
يقولـون لـي فيـك انقبـاض وإنـمـارأوا رجلا عـن موضـع الـذل احجمـا
أرى الناس مـن داناهـم هـان عندهـمومـن أكرمتـه عـزة النفـس أكـرمـا
ولـو أن أهـل العلـم صانـوه صانهـملـو عظمـوه فـي النـفـوس لعظـمـا
(لعظما)، بفتح الظاء المعجمة المشالة.
هذا الضبط فيه نظر،
والظاهر: ولو عظموه في النفوس لعظما. يعني لكان عند الناس عظيما، لكنهم لم
يعظموه في النفوس، بل أهانوه وبذلوه لكل غال ورخيص.
وهذه مرت علي في البداية والنهاية لابن كثير في ترجمة الناظم الذي نظمها.
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
46- عِزَّةُ العُلماءِ :
التَّحَلِّي
بـ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) : صيانةُ العِلْمِ وتَعظيمُه ، وحمايةُ جَنابِ
عِزِّه وشَرَفِه وبِقَدْرِ ما تَبْذُلُه في هذا يكونُ الكَسْبُ منه ومن
العَمَلِ به ، وبِقَدْرِ ما تُهْدِرُه يكونُ الفَوْتُ ، ولا حولَ
ولاقُوَّةَ إلا باللهِ العزيزِ الحكيمِ .
وعليه ؛ فاحْذَرْ أن يَتَمَنْدَلَ بك الكُبراءُ ، أو يَمْتَطِيَكَ السفهاءُ ، فتُلَايِنَ في فَتْوَى أو قضاءٍ أو بَحْثٍ أو خِطابٍ .
ولا تَسْعَ به إلى أهلِ الدنيا ، ولا تَقِفْ به على أَعتابِهم ، ولاتَبْذُلْه إلى غيرِ أهلِه وإن عَظُمَ قَدْرُه .
ومَتِّعْ
بَصَرَك وبَصِيرَتَكَ بقِراءةِ التراجِمِ والسيَرِ لأَئِمَّةٍ مَضَوْا ،
تَرَى فيها بَذْلَ النفْسِ في سبيلِ هذه الحمايةِ لا سِيَّمَا مَن جَمَع
مُثُلًا في هذا ؛ مثلَ كتابِ ( من أخلاقِ العُلماءِ ) لِمُحَمَّدٍ سليمانَ
رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ ( الإسلامِ بينَ العُلماءِ والحكَّامِ )
لعبدِ العزيزِ البَدْرِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ(مَناهِجِ
العُلماءِ في الأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن الْمُنكَرِ ) لفاروقٍ
السامَرَّائيِّ .
وأرجو أن تَرى أضعافَ ما ذَكَرُوه في كتابِ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) يَسَّرَ اللهُ إتمامَه وطَبْعَه .
وقد
كان العلماءُ يُلَقِّنُونَ طُلَّابَهُم حِفْظَ قصيدةِ الْجُرجانيِّ عليِّ
بنِ عبدِ العزيزِ ( م سنةَ 392 هـ ) رَحِمَه الله تعالى كما نَجِدُها عندَ
عددٍ من مُتَرْجِمِيهِ ، ومَطْلَعُها .
يـقـولـونَ لـــي فـيــك انـقـبـاضٌ وإنـمــا ... رَأَوْا رجُلًا عن مَوْضِعِ الذلِّ أَحْجَمَا
أرى الناسَ مَن داناهُم هانَ عِنْدَهمْ ... ومَـــن أَكـرَمَـتْـهُ عِـــزَّةُ الـنـفْـسِ أُكْـرِمَــا
ولـو أنَّ أهـلَ العلْـمِ صانُـوه صانَهُـمْ ...ولــو عَظَّـمُـوه فـــي الـنـفـوسِ لعَـظَّـمَـا
(لعَظَّمَا ) بفتحِ الظاءِ المعجَمَةِ الْمُشددةِ .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (قال المؤلف في الأدب السادس والأربعين :
عزة العلماء ، بحيث لا يبذل العلماء علمهم فيما لا يناسبه من المواطن
والمحال ، و بحيث لا يكون العلماء ممن يبذل علمه في تحقيق أهواء الناس
وأغراضهم المخالفة للشريعة.
قال المؤلف : (التحلّي بـ "عزة العلماء") وفسّره : بصيانة العلم وتعظيمه وحماية جناب عزه.
قال : (و عليه فاحذر أن يتمندل بك الكبراء) يعني يجعلونك منديلا يمسحون به أيديهم ، لماذا؟ لأنك تذل لهم ، ومن ثَمّ يتوصلون بك إلى تحقيق أغراضهم.
(أو يمتطيك السفهاء) يعني يركبوك ويجعلوك مطيّة لهم ، ومن ثَمّ : (تلاين لهم في فتوى أو في قضاء أو في بحث أو في خطاب)
ومما يترتب على هذا أن يعزّ طالب العلم نفسه ، فلا يذهب إلى مجالس أهل
الدنيا إلا إذا دعوه ليبلّغ حقّه ، وأما أن يذهب إليهم ابتداء فليس هذا من
طالب العلم.
(ولا تقف به على أعتابهم)
وكثير من الأئمة يقول بأنّ مجالس العلم يُؤتى إليها ، ولا يصح أن تُنقل
مجالس العلم إلى مواطن أهل الدنيا ، فيقال : إذا أردت التعلّم فتعال.
والإمام أحمد وغيره من
الأئمة طلبهم السلاطين في وقتهم إلى أن ينقلوا حديثهم لمواطن السلطان فأبوا
، وقال الواثق –في ظني-: أريد أن تعلم فلانا وفلانا من أبنائي ، قال :
فليحضروا إلينا وليتعلموا كما يتعلم غيرهم.
وجاء هشام بن عبد الملك
فطاف بالبيت وجاءت له مسألة ، فجاء إلى عطاء وكان يصلي ، فما نقص من صلاته
شيئا ، ثم بعد ذلك أجاب الناس حتى جاء الدور إلى هشام بن عبد الملك فأجابه
عن مسألته.
ولازال العلماء في الزمان الأول يأتيهم الولاة ويأتيهم الأمراء ويسألونهم في مسائلهم في بيوت العلماء ، فالعلم يُؤتى إليه.
وذكر المؤلف نماذج من
كتب أهل العلم التي ذكرت تراجم وسير لأئمة مضوا ، حموا أنفسهم من إذلال
علمهم لمثل هؤلاء ، إلا أنّ بعض أهل العلم خصّ من هذا مجلس الإمام الأعظم ،
فالعلماء ينبغي بهم أن يحرصوا على سوق ما لديهم من علم إليه ، ومثل هذا
يختلف باختلاف اجتهاد المجتهدين.
وذكر المؤلف قصيدة الجرجاني وفيها شيء من هذا المعنى ، وقد جاء في سنن أبي داود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من بدا جفا ، ومن تتبع الصيد غفل ، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن" وهذا له أسانيد متعددة يُقوّي بعضها بعضا.
صِيانةُ العِلْمِ
المتن:
واحْذَرْ
مَسْلَكَ مَن لا يَرْجُونَ للهِ وَقَارًا ، الذين يَجْعَلون الأساسَ (
حِفْظَ الْمَنْصِبِ ) فيَطْوُونَ أَلْسِنَتَهُم عن قولِ الحَقِّ ، ويحملُهم
حُبُّ الوَلايةِ على الْمُجَارَاةِ .
فالْزَمْ – رَحِمَكَ اللهُ – المحافَظَةَ على قِيمَتِكَ بحِفْظِ دِينِك ، وعِلْمِك وشَرَفِ نفسِكَ ، بحِكْمَةٍ ودِرايةٍ وحُسْنِ سِياسةٍ : ( احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ ) ( احْفَظِ اللهَ في الرخاءِ يَحْفَظْكَ في الشدَّةِ ... ) .
وإن
أَصْبَحْتَ عاطلًا من قِلادةِ الوِلايةِ – وهذا سبيلُك ولو بعدَ حينٍ –
فلا بأسَ ؛ فإنه عَزْلُ مَحْمَدَةٍ لا عَزْلُ مَذَمَّةٍ ومَنْقَصَةٍ .
ومن
العجيبِ أنَّ بعضَ مَن حُرِمَ قَصْدًا كبيرًا من التوفيقِ لا يكونُ عندَه
الالتزامُ والإنابةُ والرجوعُ إلى اللهِ إلا بعدَ ( التقاعُدِ ) ، فهذا وإن
كانت تَوبَتُه شرعيَّةً ؛ لكن دِينَه ودِينَ العجائزِ سواءٌ ، إذ لا
يَتَعَدَّى نَفْعُه ، أمَّا وَقْتُ وِلايتِه حالَ الحاجةِ إلى تَعَدِّي
نَفْعِه ؛ فتَجِدُه من أَعْظَمِ الناسِ فُجورًا وَضَرَرًا ، أو باردَ
القلْبِ أَخْرَسَ اللسانِ عن الْحَقِّ .فنَعوذُ باللهِ من الْخِذلانِ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
47- صيانة العلم:
إن
بلغت منصبا، فتذكر أن حبل الوصل إليه طلبك للعلم، فبفضل الله ثم بسبب علمك
بلغت ما بلغت من ولاية في التعليم، أو الفتيا، أو القضاء...
وهكذا،
فأعط العلم قدره وحظه من العمل به وإنزاله منزلته. واحذر مسلك من لا يرجون
لله وقارا، الذين يجعلون الأساس (حفظ المنصب)، فيطوون ألسنتهم عن قول
الحق، ويحملهم حب الولاية على المجاراة. فالزم – رحمك الله- المحافظة على
قيمتك بحفظ دينك، وعلمك، وشرف نفسك، بحكمة ودراية وحسن سياسة : «احفظ الله يحفظك» «احفظ الله في الرخاء يحفظك في الشدة..».
إذا أراد بهذا الحديث، فليس هذا لفظ الحديث، والجملة الثانية «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» هذا نص الحديث.
يريد بهذه الآداب: أن
الإنسان يصون علمه، فلا يجعله مبتذلا، بل يجعله محترما، معظما، فلا يلين في
جانب من لا يريد الحق، بل يبقى طورا شامخا، ثابتا، وأما أن يجعله الإنسان
سبيلا إلى المداهنة وإلى المشي فوق بساط الملوك وما أشبه ذلك، فهذا أمر لا
ينبغي، ولم يكن الإنسان صائنا لعلمه إذا سلك الإنسان هذا المسلك.
والواجب قول الحق، لكن قول الحق قد يكون في مكان دون مكان، والإنسان ينتهز الفرصة فلا يفوتها، ويحذر الذلة فلا يقع فيها.
قد يكون من المستحسن أن لا
أتكلم في هذا المكان بشيء، وأن أتكلم في مكان آخر، لأني أعرف أن كلامي في
الموضع الآخر أقرب إلى القبول والاستجابة. فلكل مقام مقال، ولهذا يقال : «بحكمة ودراية وحسن سياسة» فلا بد أن الإنسان يكون عنده علم ومعرفة وسياسة، بحيث يتكلم إذا كان للكلام محل، ويسكت إذا كان ليس للكلام محل.
وقوله :«وفي الحديث «احفظ الله يحفظك» يعني: احفظ حدود الله كما قال الله تعالى في سورة التوبة : ( والحافظون لحدود الله) (سورة التوبة: 112). فلا ينتهكونها بفعل محرم، ولا يضيعونها بترك واجب.
وقوله «يحفظك»
يعني في دينك ودنياك وفي أهلك ومالك. فإن قال قائل: إننا نرى بعض الحافظين
لحدود الله يصيبهم ما يصيبهم. فنقول: هذا زيادة في تكفير سيئاتهم ورفعة
درجاتهم، ولا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» قوله «يعرفك»
لا تظن أن الله تعالى لا يعرف الإنسان إذا لم يتعرف إليه، لكن هذه معرفة
خاصة، فهي كالنظر الخاص المنفي عمن نفي عنه كما في قوله تعالى : (ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم) (سورة آل عمران: 77). مع أن الله لا يغيب عن نظره شيء، لكن النظر، نظران:
نظر خاص، ونظر عام. كذلك المعرفة: معرفة خاصة، ومعرفة عامة. والمراد هنا المعرفة الخاصة.
بقي أن يقال: إن المشهور عند أهل العلم أن الله تعالى لا يوصف بأنه عارف.
يقال: عالم، ولا يقال عارف.
وفرقوا بين العلم والمعرفة. بأن المعرفة تكون للعلم اليقيني والظني وأنها- أي معرفة- انكشاف بعد خفاء. وأما العلم فليس كذلك.
فنقول ليس المراد بالمعرفة
هنا ما أراده الفقهاء أو أراده الأصوليون إنما المراد بالمعرفة هنا: أن
الله تعالى يزداد عناية لك ورحمة بك، مع علمه بأحوالك- عز وجل.
وإن أصبحت عاطلا من قلادة الولاية. وهذا سبيلك ولو بعد حين- فلا بأس، فإنه عزل محمدة لا عزل مذمة ومنقصة.
هذه قاعدة مهمة: وهي أن
الإنسان إذا أصبح عاطلا عن قلادة الولاية، - وهذا سبيلك ولو بعد حين- يعني
سوف تترك الولاية ولو بقيت في الولاية حتى الموت فإنك ستتركها لا بد.
وقوله : «فلا بأس، فإنه عزل محمدة لا عزل مذمة ومنقصة».
هذا أيضا ليس على عمومه، لأن من الناس من يعزل عزل محمدة وعزة لكونه يقوم
بالواجب عليه من الملاحظة والنزاهة، لكن يضيق على من تحته فيحفرون له حتى
يقع، وهذا كثير مع الأسف. ومن الناس من يعزل لأنه قد تبين أنه ليس أهلا
للولاية، فهل هذا العزل عزل محمدة أم عزل مذمة؟ عزل مذمة لا شك.
ومن
العجيب أن بعض من حرم قصدا كبيرا من التوفيق لا يكون عنده الالتزام
والإنابة والرجوع إلى الله إلا بعد (التقاعد) فهذا وإن كانت توبته شرعية،
لكن دينه ودين العجائز سواء، إذ لا يتعدى نفعه، أما وقت ولايته، حال الحاجة
إلى تعدي نفعه، فتجده من أعظم الناس فجورا وضررا، أو بارد القلب، أخرس
اللسان عن الحق. فنعوذ بالله من الخذلان.
من العجب أن بعض الناس إذا
عزل عن الولاية وترك المسؤولية ازداد إنابة إلى الله عز وجل، لأنه إن عزل
في حالة يحمد عليها لجأ إلى الله وعرف أنه لا يغنيه أحد عن الله عز وجل،
وعرف افتقاره إلى الله تبارك وتعالى، فصلحت حاله. وإن كان انفصاله إلى غير
ذلك فلربما يمن الله عليه بالتوبة لتفرغه وعدم تحمله المسئولية، فيعود إلى
الله تبارك وتعالى.
وأما قوله : «وأما في وقت ولايته، وقت تعدي نفعه، فتجده من أعظم الناس فجورا وضررا».
هذا موجود بلا شك، لكنه
ليس كثيرا في الناس، والحمد لله. لكن من الناس من يكون متهاونا في أداء
وظيفته، فإذا تركها رجع إلى الله عز وجل.
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
47- صِيانةُ العِلْمِ :
إن
بَلَغْتَ مَنْصِبًا فتَذَكَّرْ أنَّ حَبْلَ الوَصْل ِإليه طَلَبُكَ
للعِلْمِ ، فبِفَضْلِ اللهِ ثم بسببِ عِلْمِك بلَغْتَ ما بَلَغْتَ من
وَلايةٍ في التعليمِ ، أو الفُتْيَا أو القضاءِ ... وهكذا فأَعْطِ العِلْمَ
قَدْرَه وحَظَّهُ من العمَلِ به وإنزالَه مَنْزِلَتَهُ .
واحْذَرْ
مَسْلَكَ مَن لا يَرْجُونَ للهِ وَقَارًا ، الذين يَجْعَلون الأساسَ (
حِفْظَ الْمَنْصِبِ ) فيَطْوُونَ أَلْسِنَتَهُم عن قول ِالحَقِّ ، ويحملُهم
حُبُّ الوَلايةِ على الْمُجَارَاةِ.
فالْزَمْ
– رَحِمَكَ اللهُ – المحافَظَةَ على قِيمَتِكَ بحِفْظِ دِينِك ، وعِلْمِك
وشَرَفِ نفسِكَ ، بحِكْمَةٍ ودِرايةٍ وحُسْنِ سِياسةٍ : ( احْفَظْ اللهَ
يَحْفَظْكَ ) ( احْفَظِ اللهَ في الرخاءِ يَحْفَظْكَ في الشدَّةِ ... ) .
وإن
أَصْبَحْتَ عاطلًا من قِلادةِ الوِلايةِ – وهذا سبيلُك ولو بعدَ حينٍ –
فلا بأسَ ؛ فإنه عَزْلُ مَحْمَدَةٍ لا عَزْلُ مَذَمَّةٍ ومَنْقَصَةٍ .
ومن
العجيبِ أنَّ بعضَ مَن حُرِمَ قَصْدًا كبيرًا من التوفيقِ لا يكونُ عندَه
الالتزامُ والإنابةُ والرجوعُ إلى اللهِ إلا بعدَ (التقاعُدِ ) ، فهذا وإن
كانت تَوبَتُه شرعيَّةً؛ لكن دِينَه ودِينَ العجائزِ سواءٌ، إذ لا
يَتَعَدَّى نَفْعُه ، أمَّا وَقْتُ وِلايتِه حالَ الحاجةِ إلى تَعَدِّي
نَفْعِه ؛ فتَجِدُه من أَعْظَمِ الناسِ فُجورًا وَضَرَرًا ، أو باردَ
القلْبِ أَخْرَسَ اللسانِ عن الْحَقِّ .فنَعوذُ باللهِ من الْخِذلانِ .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (هذا أدب آخر من آداب طالب العلم
وهو أنّ المرء إذا كان في منصب أو ولاية فلا ينبغي أن ينقطع عن طلب العلم ،
أو إقرائه وتدريسه ليبقى العلم عنده ، وذلك أنه بالتعليم والتدريس يبقى
هذا العلم الذي وصل به الإنسان إلى هذه الولاية ، وبذلك يُرضي ربه جل وعلا ،
ويتواصل الناس بالعلم وتعليمه و إقرائه ، ويأخذ الخلف عن السلف، ويبقى
العلم ويستمر في الأمة.
وأما إذا انقطع الإنسان
عن التعلم والتعليم بسبب انشغاله بالولاية ، فإنّ هذا يؤدّي إلى جعله من
أهل الجهالة لأنه سينسى ذلك العلم الذي تعلّمه.
وكذلك ليُعلم أنّ ترك
المنصب لا يعني منقصة في صاحبه ، وبالتالي ينبغي أن يعوّد أصحابُ المناصب
أنفسهم أنهم سيتركون مناصبهم عما قريب ، ولذلك عليهم أن يحرصوا على تقوى
الله حال ولايتهم ، وأن يبذلوا ما يستطيعونه من إقراء للعلم ومن أمر بمعروف
ونهي عن المنكر تقرّبا لله جل وعلا ، وكذلك إذا عُزل الإنسان من منصبه لا
ينبغي لطلبة العلم أن يقاطعوه بحيث إذا كان في المنصب وصلوه ودرسوا على
يديه ، وإذا انقطع عن المنصب قاطعوه ، هذا ليس من شأن أهل العلم ، بل إذا
ترك منصبه فإن هذا عزل محمدة ، ومن ثَمّ ينبغي لطلبة العلم أن يطلبوا على
يديه العلم ، لأنه تفرّغ للإقراء حينئذ، ولا يُنقص ابتعاده عن قلادة
الولاية ، لا يُنقص ذلك من منزلته العلمية ، نعم.
الْمُداراةُ لا الْمُداهَنَةُ
المتن:
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (الأمر الثامن والأربعون: الْمُداراةُ لا الْمُداهَنَةُ :
الْمُداهَنَةُ
خُلُقٌ مُنْحَطٌّ ، أمَّا الْمُدارَاةُ فلا ، لكن لا تَخْلِطْ بينَهما
فتَحْمِلَك المداهَنَةُ إلى حَضَارِ النفاقِ مُجاهَرَةً ، والْمُداهَنَةُ
هي التي تَمَسُّ دِينَك .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (لا بد أن نعرف ما الفرق بين المداهنة والمداراة؟.
المداهنة: أن يرضى الإنسان بما عليه قبيله، كأنه يقول: لكم دينكم ولي دين، ويتركه.
وأما المداراة: فهو أن
يعزم بقلبه على الإنكار عليه، لكنه يداريه فيتألفه تارة، ويؤجل الكلام معه
تارة أخرى، وهكذا حتى تتحقق المصلحة.
فالفرق بين المداهنة والمداراة ، أن المداراة يراد بها الإصلاح لكن على وجه الحكمة والتدرج في الأمور.
وأما المداهنة، فإنها
الموافقة ولهذا جاءت بلفظ الدهن، لأن الدهن يسهل الأمور، والعامة يقولون في
أمثالهم: ادهن السيل يسير يعني: أعطي الرشوة إذا أردت أن تمشي أمورك. على
كل حال المداهنة أن الإنسان يترك خصمه وما هو عليه ولا يحاول إصلاحه يقول
ما دام أنت ساكت عني فأنا أسكت عنك، {ودوا لو تدهن فيدهنون}
والمداراة: أنه يريد الإصلاح ويحاول إصلاح خصمه لكن على وجه الحكمة فيشتد
أحيانا ويلين أحيانا وينطق أحيانا ويسكت أحيانا ، وما المطلوب من طالب
العلم المداراة أم المداهنة؟ المداراة.
تمت المقابلة الصوتية بواسطة : محمد أبو زيد
تم التهذيب بواسطة : زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
48- الْمُداراةُ لا الْمُداهَنَةُ :
الْمُداهَنَةُ
خُلُقٌ مُنْحَطٌّ ، أمَّا الْمُدارَاةُ فلا ، لكن لا تَخْلِطْ بينَهما
فتَحْمِلَك المداهَنَةُ إلى حَضَارِ النفاقِ مُجاهَرَةً ، والْمُداهَنَةُ
هي التي تَمَسُّ دِينَك .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (المداهنة : ترك بعض الأحكام الشرعية من أجل صاحبك ، ومنه قوله تعالى : {ودّوا لو تدهن فيدهنون} كأن تترك الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ، هذا مداهنة.
وأما المداراة : فهي المجاراة ، بحيث قد لا أعرف للمسألة التي تكون سببا لإحراج أو مشكل ، لكن المداهنة أن أوافقك وأنا لا أرى رأيك.
ومن أمثلة هذا : أن
أعلم أن فلانا يعصي الله بالمعصية الفلانية ، لكنه لا يعصي الله عندي ، فلا
أتعرض لهذا خشية من هروبه من الحق وابتعاده عما أقوله من الخير ، فأرشده
إلى ما يصلح قلبه ، وإن لم أتعرض لمعصيته ، كأن يكون على معصية سماع
الأغاني ، لكنه لا يسمعها لديّ ، فأقوم بالحديث معه في الصلاة وأهميتها ،
كيف يستحضر قلبه في الصلاة ، هو يصلي ، لأنه إذا استحضر القلب في الصلاة
أثّر ذلك على بقيّة أمره.
لكن المداهنة ؛ أن أقول له : لا بأس ، أو أن أحضر المسجّل فأجعله يستمع للأغاني بحضرتي ، أو أحضر ذلك المجلس ، هذا مداهنة.