10 Dec 2008
الدرس السادس عشر: تصحيح العلم والاستزادة منه
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (37 – قراءةُ التصحيحِ والضبْطِ :
احْرِصْ على قِراءةِ التصحيحِ والضبْطِ على شيخٍ مُتْقِنٍ؛ لتأْمَنَ من التحريفِ والتصحيفِ والغلَطِ والوَهْمِ . وإذا
اسْتَقْرَأْتَ تَراجمَ العُلماءِ – وبخاصَّةٍ الْحُفَّاظَ منهم – تَجِدُ
عَددًا غيرَ قليلٍ مِمَّنْ جَرَّدَ المطَوَّلَاتِ في مجالِسَ أو أيَّامٍ
قراءةَ ضَبْطٍ على شيخٍ مُتْقِنٍ .
فهذا
الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قَرَأَ ( صحيحَ البخاريِّ ) في
عشرةِ مجالسَ ، كلُّ مجلِسٍ عشرُ ساعاتٍ ، ( وصحيحَ مسلِمٍ ) في أربعةِ
مجالسَ في نحوِ يومينِ وشيءٍ من بُكْرَةِ النهارِ إلى الظهْرِ وانتهى ذلك
في يومِ عَرَفَةَ ، وكان يومَ الجمُعَةِ سنةَ 813 هـ ، وقرأَ ( سُنَنَ ابنِ
ماجهْ ) في أربعةِ مجالِسَ ، و ( مُعجَمَ الطبرانيِّ الصغيرَ ) في مَجلِسٍ
واحدٍ ، بينَ صَلَاتَي الظهْرِ والعَصْرِ .
وشيخُه الفَيروزآباديُّ قَرَأَ في دِمَشْقَ ( صحيحَ مُسْلِمٍ ) على شيخِه ابنِ جَهْبَلَ قِراءةَ ضَبْطٍ في ثلاثةِ أيَّامٍ .
وللخطيبِ
البَغدادىِّ والمؤتَمَنِ الساجيِّ ، وابنِ الأبَّارِ وغيرِهم في ذلك
عجائبُ وغرائبُ يَطولُ ذِكْرُها، وانْظُرْها في ( السِّيَرِ ) للذهبيِّ
18/277 و 279، 19/310، 21/253 ) و ( طَبقاتِ الشافعيَّةِ ) للسُّبْكيِّ (
4/30 ) ، و ( الجواهِرِ والدُّرَرِ ) للسَّخَاويِّ ( 1/103-105 ) ، و(
فتْحِ الْمُغيثِ ) (2/46) و ( شَذَراتِ الذهَبِ ) ( 8/121و206 ) ، و (
خُلاصةِ الأثَرِ ) ( 1/72-73 ) ، و ( فِهْرِسِ الفهارِسِ ) للكَتَّانِيِّ ،
و ( تاجِ العَروسِ ) ( 1/45-46 ) . فلا تَنْسَ حَظَّكَ من هذا .
38- جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ :
الْجَرْدُ للمُطَوَّلاتِ من أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ ؛ لتَعَدُّدِ المعارِفِ ، وتوسيعِ الْمَدَارِكِ واستخراجِ مَكنونِها من الفوائدِ والفرائدِ ، والخبرةِ في مَظَانِّ الأبحاثِ والمسائلِ ، ومَعرِفَةِ طرائقِ الْمُصَنِّفِينَ في تآليفِهم واصطلاحِهم فيها .
وقد كان السالِفون يَكتبون عندَ وُقوفِهم : ( بَلَغَ ) حتى لا يَفوتَه شيءٌ عندَ الْمُعاوَدَةِ ، لا سيَّمَا مع طُولِ الزَّمَنِ .
39- حُسْنُ السؤالِ :
الْتَزِمْ
أَدَبَ الْمُباحَثَةِ ، من حُسْنِ السؤالِ ، فالاستماعِ ، فصِحَّةِ
الفَهْمِ للجَوابِ ، وإيَّاكَ إذا حَصَلَ الجوابُ أن تَقولَ : لكنَّ الشيخَ
فلانًا قالَ لي كذا ، أو قالَ كذا ، فإنَّ هذا وَهَنٌ في الأَدَبِ ،
وضَرْبٌ لأَهْلِ العِلْمِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ هذا .
وإن كنتَ لا بُدَّ فاعلاً ، فكنْ واضحًا في السؤالِ ، وقل ما رأيُك في الفَتْوَى بكذا ، ولا تُسَمِّ أَحَدًا .
قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( وقيلَ : إذا جَلَسْتَ إلى عالِمٍ ؛ فسَلْ تَفَقُّهًا لا تَعَنُّتًا ) اهـ .
وقالَ أيضًا : ( وللعلْمِ سِتَّةُ مَراتِبَ ) .
أوَّلُها : حسْنُ السؤالِ .
الثانيةُ : حسْنُ الإنصاتِ والاستماعِ .
الثالثةُ : حسْنُ الْفَهْمِ .
الرابعةُ : الْحِفْظُ .
الخامسةُ : التعليمُ .
السادسةُ : وهي ثَمَرَتُه ؛ العمَلُ به ومُراعاةُ حُدودِه اهـ .
ثم أَخَذَ في بيانِها ببَحْثٍ مُهِمٍّ .
40- الْمُناظَرَةُ بلا مُمَارَاةٍ :
إيَّاكَ والْمُمَارَاةَ ؛ فإنها نِقْمَةٌ ، أمَّا المناظَرَةُ في الْحَقِّ ؛ فإنها نِعْمَةٌ إذ الْمُناظَرَةُ الْحَقَّةُ فيها إظهارُ الحقِّ على الباطلِ ، والراجِحِ على المرجوحِ ، فهي مَبْنِيَّةٌ على الْمُناصَحَةِ والْحِلْمِ ، ونَشْرِ العلْمِ ، أمَّا الْمُماراةُ في المحاوَرَاتِ والمناظَرَاتِ ؛ فإنها تَحَجُّجٌ ورِياءٌ ، ولَغَطٌ وكِبرياءُ ومُغالَبَةٌ ومِراءٌ ، واختيالٌ وشَحْنَاءُ ، ومُجاراةٌ للسفهاءِ ، فاحْذَرْها واحْذَرْ فاعِلَها ؛ تَسْلَمْ من المآثِمِ وهَتْكِ الْمَحارِمِ ، وأَعْرِضْ تَسْلَمْ وتَكْبُت الْمَأْثَمَ والْمَغْرَمَ .
41- مُذاكَرَةُ العِلْمِ :
تَمَتَّعْ
مع البُصَرَاءِ بالْمُذاكَرَةِ والْمُطارَحَةِ ؛ فإنها في مَواطِنَ تَفوقُ
الْمُطالَعَةَ وتَشْحَذُ الذهْنَ وتُقَوِّي الذاكرةَ ؛ مُلْتَزِمًا
الإنصافَ والملاطَفَةَ مُبْتَعِدًا عن الْحَيْفِ والشَّغَبِ والمجازَفَةِ .
وكُنْ على حَذَرٍ ؛ فإنها تَكْشِفُ عُوارَ مَن لا يَصْدُقُ
فإن
كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ،
وأمَّا مُذاكرَتُك مع نفسِك في تقليبِك لمسائِلِ العلْمِ ؛ فهذا ما لا
يَسوغُ أن تَنْفَكَّ عنه .
وقد قيلَ : إحياءُ العِلْمِ مُذاكرَتُه .
42- طالبُ العلْمِ يَعيشُ بينَ الكتابِ والسُّنَّةِ وعلومِها :
فهما له كالْجَناحينِ للطائرِ ، فاحْذَرْ أن تكونَ مَهيضَ الْجَناحِ .
43-استكمالُ أدواتِ كلِّ فَنٍّ :
لن تكونَ طالبَ عِلْمٍ مُتْقِنًا مُتَفَنِّنًا – حتى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِياطِ – ما لم تَستكمِلْ أدواتِ ذلك الفَنِّ ، ففي الفِقْهِ بينَ الفقْهِ وأصولِه ، وفي الحديثِ بينَ عِلْمَي الروايةِ والدِّرايةِ .... وهكذا ، وإلا فلا تَتَعَنَّ .
قالَ اللهُ تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ } فيُستفادُ منها أنَّ الطالِبَ لا يَتْرُكُ عِلْمًا حتى يُتْقِنَهُ .
قراءةُ التصحيحِ والضبْطِ
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (احْرِصْ على قِراءةِ التصحيحِ والضبْطِ على شيخٍ مُتْقِنٍ؛ لتأْمَنَ من التحريفِ والتصحيفِ والغلَطِ والوَهْمِ . وإذا
اسْتَقْرَأْتَ تَراجمَ العُلماءِ – وبخاصَّةٍ الْحُفَّاظَ منهم – تَجِدُ
عَددًا غيرَ قليلٍ مِمَّنْ جَرَّدَ المطَوَّلَاتِ في مجالِسَ أو أيَّامٍ
قراءةَ ضَبْطٍ على شيخٍ مُتْقِنٍ .
فهذا
الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قَرَأَ ( صحيحَ البخاريِّ ) في
عشرةِ مجالسَ ، كلُّ مجلِسٍ عشرُ ساعاتٍ ، ( وصحيحَ مسلِمٍ ) في أربعةِ
مجالسَ في نحوِ يومينِ وشيءٍ من بُكْرَةِ النهارِ إلى الظهْرِ وانتهى ذلك
في يومِ عَرَفَةَ ، وكان يومَ الجمُعَةِ سنةَ 813 هـ ، وقرأَ ( سُنَنَ ابنِ
ماجهْ ) في أربعةِ مجالِسَ ، و ( مُعجَمَ الطبرانيِّ الصغيرَ ) في مَجلِسٍ
واحدٍ ، بينَ صَلَاتَي الظهْرِ والعَصْرِ .
وشيخُه الفَيروزآباديُّ قَرَأَ في دِمَشْقَ ( صحيحَ مُسْلِمٍ ) على شيخِه ابنِ جَهْبَلَ قِراءةَ ضَبْطٍ في ثلاثةِ أيَّامٍ .
وللخطيبِ
البَغدادىِّ والمؤتَمَنِ الساجيِّ ، وابنِ الأبَّارِ وغيرِهم في ذلك
عجائبُ وغرائبُ يَطولُ ذِكْرُها، وانْظُرْها في ( السِّيَرِ ) للذهبيِّ
18/277 و 279، 19/310، 21/253 ) و ( طَبقاتِ الشافعيَّةِ ) للسُّبْكيِّ (
4/30 ) ، و ( الجواهِرِ والدُّرَرِ ) للسَّخَاويِّ ( 1/103-105 ) ، و(
فتْحِ الْمُغيثِ ) (2/46) و ( شَذَراتِ الذهَبِ ) ( 8/121و206 ) ، و (
خُلاصةِ الأثَرِ ) ( 1/72-73 ) ، و ( فِهْرِسِ الفهارِسِ ) للكَتَّانِيِّ ،
و ( تاجِ العَروسِ ) ( 1/45-46 ) . فلا تَنْسَ حَظَّكَ من هذا .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (الأمر السابع والثلاثون – قراءةُ التصحيحِ والضبْطِ :
احْرِصْ على قِراءةِ التصحيحِ والضبْطِ على شيخٍ مُتْقِنٍ؛ لتأْمَنَ من التحريفِ والتصحيفِ والغلَطِ والوَهْمِ . وإذا
اسْتَقْرَأْتَ تَراجمَ العُلماءِ – وبخاصَّةٍ الْحُفَّاظَ منهم – تَجِدُ
عَددًا غيرَ قليلٍ مِمَّنْ جَرَّدَ المطَوَّلَاتِ في مجالِسَ أو أيَّامٍ
قراءةَ ضَبْطٍ على شيخٍ مُتْقِنٍ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (وهذه
الفقرة من أهم الفقرات، وهو إتقان العلم وضبطه ومحاولة الرسوخ في القلب،
لأن ذلك هو العلم، ولا بد أن يكون على شيخ متقن أما الشيخ المتمشيخ فإياك
إياك فقد يضرك ضررا كثيرا والإتقان يكون في كل فن بحسبه، قد نجد رجلا متقنا
في الفرائض مثلا غير متقن في أحكام الصلاة، ونجد رجلا متقنا في علوم
العربية غير عارف بالعلوم الشرعية وآخر بالعكس، فخذ من كل عالم ما يكون
متقنا فيه ما لم يتضمن ذلك ضررا، مثل أن نجد رجلا متقنا في علوم العربية،
لكنه منحرف في عقيدته وسلوكه فهذا لا ينبغي أن نجلس إليه لأننا إذا جلسنا
إليه اغتر به الآخرون وظنوا أنه على حق، فنحن نطلب العلم من غيره وإن كان
أجود الناس في هذا الفن، لكن ما دام منحرفا فلا ينبغي أن نجلس إليه.
القارئ: (فهذا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قَرَأَ ( صحيحَ البخاريِّ ) في عشرةِ مجالسَ ، كلُّ مجلِسٍ عشرُ ساعاتٍ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (كم عدد الساعات ؟ ! 100 ساعة .. الله المستعان ، ولكن على كل حال هو قراءة فقط دون شرح وتأمل.
القارئ: ( ( وصحيحَ مسلِمٍ ) في أربعةِ مجالسَ في نحوِ يومينِ وشيءٍ من بُكْرَةِ النهارِ إلى الظهْرِ وانتهى ذلك في يومِ عَرَفَةَ ،
وانتهى
ذلك في يومِ عَرَفَةَ ، وكان يومَ الجمُعَةِ سنةَ 813 هـ ، وقرأَ ( سُنَنَ
ابنِ ماجهْ ) في أربعةِ مجالِسَ ، و ( مُعجَمَ الطبرانيِّ الصغيرَ ) في
مَجلِسٍ واحدٍ ، بينَ صَلَاتَي الظهْرِ والعَصْرِ .
وشيخُه الفَيروزآباديُّ قَرَأَ في دِمَشْقَ ( صحيحَ مُسْلِمٍ ) على شيخِه ابنِ جَهْبَلَ قِراءةَ ضَبْطٍ في ثلاثةِ أيَّامٍ .
وللخطيبِ
البَغدادىِّ والمؤتَمَنِ الساجيِّ ، وابنِ الأبَّارِ وغيرِهم في ذلك
عجائبُ وغرائبُ يَطولُ ذِكْرُها، وانْظُرْها في ( السِّيَرِ ) للذهبيِّ و (
طَبقاتِ الشافعيَّةِ ) للسُّبْكيِّ ، و ( الجواهِرِ والدُّرَرِ )
للسَّخَاويِّ ، و( فتْحِ الْمُغيثِ ) و ( شَذَراتِ الذهَبِ ) ، و ( خُلاصةِ
الأثَرِ ) ، و ( فِهْرِسِ الفهارِسِ ) للكَتَّانِيِّ ، و ( تاجِ العَروسِ )
.
فلا تَنْسَ حَظَّكَ من هذا .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الظاهر أن ما لي حظ أبدا في هذا . سبحان الله، والله المستعان.
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
37- قراءةُ التصحيحِ والضبْطِ :
احْرِصْ
على قِراءةِ التصحيحِ والضبْطِ على شيخٍ مُتْقِنٍ ؛ لتأْمَنَ من التحريفِ
والتصحيفِ والغلَطِ والوَهْمِ . وإذا اسْتَقْرَأْتَ تَراجمَ العُلماءِ –
وبخاصَّةٍ الْحُفَّاظَ منهم – تَجِدُ عَددًا غيرَ قليلٍ مِمَّنْ جَرَّدَ
المطَوَّلَاتِ في مجالِسَ أو أيَّامٍ قراءةَ ضَبْطٍ على شيخٍ مُتْقِنٍ .
فهذا
الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قَرَأَ ( صحيحَ البخاريِّ ) في
عشرةِ مجالسَ ،كلُّ مجلِسٍ عشرُ ساعاتٍ ، ( وصحيحَ مسلِمٍ ) في أربعةِ
مجالسَ في نحوِ يومينِ وشيءٍ من بُكْرَةِ النهارِ إلى الظهْرِ وانتهى ذلك
في يومِ عَرَفَةَ ، وكان يومَ الجمُعَةِ سنةَ 813 هـ ، وقرأَ ( سُنَنَ ابنِ
ماجهْ ) في أربعةِ مجالِسَ ، و ( مُعجَمَ الطبرانيِّ الصغيرَ ) في مَجلِسٍ
واحدٍ ، بينَ صَلَاتَي الظهْرِ والعَصْرِ .
وشيخُه الفَيروزآباديُّ قَرَأَ في دِمَشْقَ ( صحيحَ مُسْلِمٍ ) على شيخِه ابنِ جَهْبَلَ قِراءةَ ضَبْطٍ في ثلاثةِ أيَّامٍ .
وللخطيبِ
البَغدادىِّ والمؤتَمَنِ الساجيِّ ، وابنِ الأبَّارِ و غيرِهم في ذلك
عجائبُ وغرائبُ يَطولُ ذِكْرُها ، وانْظُرْها في ( السِّيَرِ ) للذهبيِّ
18/277 و 279، 19/310، 21/253 ) و ( طَبقاتِ الشافعيَّةِ ) للسُّبْكيِّ (
4/30 ) ، و ( الجواهِرِ والدُّرَرِ ) للسَّخَاويِّ ( 1/103-105 ) ، و(
فتْحِ الْمُغيثِ ) (2/46) و ( شَذَراتِ الذهَبِ ) ( 8/121و206 ) ، و (
خُلاصةِ الأثَرِ ) ( 1/72-73 ) ، و ( فِهْرِسِ الفهارِسِ ) للكَتَّانِيِّ ،
و ( تاجِ العَروسِ ) ( 1/45-46 ) . فلا تَنْسَ حَظَّكَ من هذا .
38-جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ :
الْجَرْدُ
للمُطَوَّلاتِ من أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ ؛ لتَعَدُّدِ المعارِفِ ، وتوسيعِ
الْمَدَارِكِ واستخراجِ مَكنونِها من الفوائدِ والفرائدِ ، والخبرةِ في
مَظَانِّ الأبحاثِ والمسائلِ ، ومَعرِفَةِ طرائقِ الْمُصَنِّفِينَ في
تآليفِهم واصطلاحِهم فيها .
وقدكان السالِفون يَكتبون عندَ وُقوفِهم : ( بَلَغَ ) حتى لا يَفوتَه شيءٌ عندَ الْمُعاوَدَةِ ، لا سيَّمَا مع طُولِ الزَّمَنِ .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (هذه من آداب طالب العلم
أنه يحرص على قراءة الكتب خصوصا المطوّلات على أشياخه من أجل أن يضبط
كيفية نطق الكلمات ويضبط التشكيل ويضبط النحو ، وكذلك يأمن من الغلط ،
والوهم ، من إدخال الجملة في جملة أخرى ، ويسأل عما استشكل لديه من مثل
هذا.
فكان أهل العلم يفعلون
هذا ، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون في القرآن فيقرأون
على النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله ، وإذا وقع عندهم استشكال جاءوا
وقرءوا ، وكم من صحابي قد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم.
وبواسطة قراءة هذه المطولات في المجالس القليلة والأوقات القليلة يحصل فوائد منها :
تحصيل العلوم والمعارف
الكثيرة في الزمن القليل ، ومنها توسيع مدارك الإنسان بحيث يعرف أمورا
وأقوالا مخالفة لما يستقر في نفسه ، وبذلك يتمكن من استخراج النوادر
والمسائل والفرائد الغريبة ، وبذلك أيضا يتكون عند الإنسان قدرة على معرفة
موطن بحث المسائل في كتب أهل العلم ، وكذلك تعرف طرائق التأليف ، وأنواع
المؤلفات والمصطلحات التي يستخدمها علماء الشريعة فيها ، وينبغي أن تميّز
ما قرأته وتضع علامة بحيث لا يفوتك شيء من المقروء.
وهذا هو شأن أهل العلم ، والدروس العلمية كانت تُجعل على نوعين :
النوع الأول : دروس جرد المطولات ، يقرأون فيها ولا يتوقفون إلا عند نقطة مشكلة.
والثاني : قراءة المتون ، والمتون للمبتدئين ، ويحرص فيها على التفهيم والإفهام.
وللعلماء طرائق متعددة في التفهيم أول هذه الطرائق :
الطلب من الطلاب أن
يبيّنوا فهمهم للكتاب ثم يقوم الشيخ بالتصحيح ، مثال هذا : عندنا درس في
زاد المستقنع مثلا ، أتينا بجملة ، أقول : ما معناها يا زيد؟ ما معناها يا
عمرو؟ ما معناها يا خالد؟ ثم أصحح ، وأقول : الصواب في الفهم كذا.
وأما فهمك في الفهم
الفلاني فهو خطأ ، وسبب خطأه كذا ، فتستقر المعلومات ، وكل جملة يسأل عنها
أشخاص مختلفين ، وهذه أحسن الطرق وهي التي تستقرّ في الذهن.
النوع الثاني :
نوع المجادلة والمناقشة ، بحيث نقسّم الطلاب إلى فريقين ، وكلما جاءت
مسألة نقول : انتخبوا لنا واحدا مغايرا لما أخذتموه في المسائل السابقة ،
فيشرح ثم يشرح الثاني ونقارن بينهما ، أو يشرح أحدهما ويصحح له الآخر ، ثم
يصحح الشيخ لهما ، وهذه أيضا طريقة جميلة ويستقر بها.
وهاتان الطريقتان لهما
أصل في السنة ، كما في حديث ابن عمر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن
شجرة صفتها كذا وصفتها كذا ، هذا سؤال ؛ الشيخ هو الذي يسأل ، ويطلب من
الطلاب أن يجيبوه.
الطريقة الثالثة :
أن يقوم طالبان بالمناظرة ، تُسمّى طريقة المناظرة ، يتناظران في المسألة
بحيث هذا يناظر هذا ، وننظر ، هذا يتبنى قولا وهذا يتبنى قولا ، وننظر من
يكون معه الغلبة ، ثم يعقّب الشيخ بما يستقيم.
الطريقة الرابعة :
طريقة السرد ، مثل طريقتنا هذه ، وهي من أضعف الطرق في إبقاء المعلومات ،
ولكنها جيدة ، يحصّل الناس منها شيء ، خصوصا إذا كان هناك كتاب وتسجيل ،
وتَنَاقش الطلاب فيها فيما بعد ، فإنها تبقى المعلومة حينئذ.
جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ
المتن:
وقد كان السالِفون يَكتبون عندَ وُقوفِهم : ( بَلَغَ ) حتى لا يَفوتَه شيءٌ عندَ الْمُعاوَدَةِ ، لا سيَّمَا مع طُولِ الزَّمَنِ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (الأمر الثامن والثلاثون: جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ :
الْجَرْدُ للمُطَوَّلاتِ من أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ ؛ لتَعَدُّدِ المعارِفِ ، وتوسيعِ الْمَدَارِكِ واستخراجِ مَكنونِها من الفوائدِ والفرائدِ ، والخبرةِ في مَظَانِّ الأبحاثِ والمسائلِ ، ومَعرِفَةِ طرائقِ الْمُصَنِّفِينَ في تآليفِهم واصطلاحِهم فيها .
وقد كان السالِفون يَكتبون عندَ وُقوفِهم : ( بَلَغَ ) حتى لا يَفوتَه شيءٌ عندَ الْمُعاوَدَةِ ، لا سيَّمَا مع طُولِ الزَّمَنِ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هذه فيها نظر – يعني جرد
المطولات- قد يكون فيه مصلحة للطالب وقد يكون فيه مضرة، فإذا كان الطالب
مبتدئا، فإن جرد المطولات له هلكة، كرجل لا يحسن السباحة يرمي نفسه في
البحر.
وإن كان عند الإنسان العلم، ولكنه أراد أن يسرد هذه المطولات من أجل أن يكسب فوق علمه الذي عنده، فهذا قد يكون حسن.
فهذه الفقرة تحتاج إلى
تفصيل. لو أن رجلا بدأ بالعلم من الآن ونقول له اذهب راجع المغني وراجع شرح
المهذب وراجع الحاوي الكبير... وراجع كذا وعددت له من الكتب الموسعة. هذا
معناه أنك أهلكته، رميته في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج. أما الإنسان
الذي أعطاه الله علما وأراد أن يتبحر ويتوسع فهنا نقول: عليك بالمطولات،
وقد ذكر لي بعض الإخوة أن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين -رحمه
الله- أنه لم يتجاوز (الروض المربع) في مراجعاته في الفقه، ومع ذلك كان
يطلق عليه مفتي الديار النجدية وله حواش على الروض المربع وهو لم يتجاوزه،
لكنه يكرره ويتأمله منطوقا ومفهوما وإماء وإشارة.
أما كتابة «بلغ» فهذا طيب إنك إذا راجعت كتابا فاكتب عند المنتهى «بلغ» لتستفيد فائدتين:
الأولى- ألا تنسى ما قرأت،
لأن الإنسان ربما ينسى فلا يدري هل بلغ هذه الصفحة أم لا؟ وربما يفوته بعض
الصفحات إذا ظن أنه قد تقدم في المطالعة.
والفائدة الثانية- أن يعلم الآتي بعدك الذي يقرأ هذا الكتاب أنك قد أحصيته وأكملته فيثق به أكثر.
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
37- قراءةُ التصحيحِ والضبْطِ :
احْرِصْ
على قِراءةِ التصحيحِ والضبْطِ على شيخٍ مُتْقِنٍ ؛ لتأْمَنَ من التحريفِ
والتصحيفِ والغلَطِ والوَهْمِ . وإذا اسْتَقْرَأْتَ تَراجمَ العُلماءِ –
وبخاصَّةٍ الْحُفَّاظَ منهم – تَجِدُ عَددًا غيرَ قليلٍ مِمَّنْ جَرَّدَ
المطَوَّلَاتِ في مجالِسَ أو أيَّامٍ قراءةَ ضَبْطٍ على شيخٍ مُتْقِنٍ .
فهذا
الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قَرَأَ ( صحيحَ البخاريِّ ) في
عشرةِ مجالسَ ،كلُّ مجلِسٍ عشرُ ساعاتٍ ، ( وصحيحَ مسلِمٍ ) في أربعةِ
مجالسَ في نحوِ يومينِ وشيءٍ من بُكْرَةِ النهارِ إلى الظهْرِ وانتهى ذلك
في يومِ عَرَفَةَ ، وكان يومَ الجمُعَةِ سنةَ 813 هـ ، وقرأَ ( سُنَنَ ابنِ
ماجهْ ) في أربعةِ مجالِسَ ، و ( مُعجَمَ الطبرانيِّ الصغيرَ ) في مَجلِسٍ
واحدٍ ، بينَ صَلَاتَي الظهْرِ والعَصْرِ .
وشيخُه الفَيروزآباديُّ قَرَأَ في دِمَشْقَ ( صحيحَ مُسْلِمٍ ) على شيخِه ابنِ جَهْبَلَ قِراءةَ ضَبْطٍ في ثلاثةِ أيَّامٍ .
وللخطيبِ
البَغدادىِّ والمؤتَمَنِ الساجيِّ ، وابنِ الأبَّارِ و غيرِهم في ذلك
عجائبُ وغرائبُ يَطولُ ذِكْرُها ، وانْظُرْها في ( السِّيَرِ ) للذهبيِّ
18/277 و 279، 19/310، 21/253 ) و ( طَبقاتِ الشافعيَّةِ ) للسُّبْكيِّ (
4/30 ) ، و ( الجواهِرِ والدُّرَرِ ) للسَّخَاويِّ ( 1/103-105 ) ، و(
فتْحِ الْمُغيثِ ) (2/46) و ( شَذَراتِ الذهَبِ ) ( 8/121و206 ) ، و (
خُلاصةِ الأثَرِ ) ( 1/72-73 ) ، و ( فِهْرِسِ الفهارِسِ ) للكَتَّانِيِّ ،
و ( تاجِ العَروسِ ) ( 1/45-46 ) . فلا تَنْسَ حَظَّكَ من هذا .
38-جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ :
الْجَرْدُ
للمُطَوَّلاتِ من أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ ؛ لتَعَدُّدِ المعارِفِ ، وتوسيعِ
الْمَدَارِكِ واستخراجِ مَكنونِها من الفوائدِ والفرائدِ ، والخبرةِ في
مَظَانِّ الأبحاثِ والمسائلِ ، ومَعرِفَةِ طرائقِ الْمُصَنِّفِينَ في
تآليفِهم واصطلاحِهم فيها .
وقدكان السالِفون يَكتبون عندَ وُقوفِهم : ( بَلَغَ ) حتى لا يَفوتَه شيءٌ عندَ الْمُعاوَدَةِ ، لا سيَّمَا مع طُولِ الزَّمَنِ .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (هذه من آداب طالب العلم
أنه يحرص على قراءة الكتب خصوصا المطوّلات على أشياخه من أجل أن يضبط
كيفية نطق الكلمات ويضبط التشكيل ويضبط النحو ، وكذلك يأمن من الغلط ،
والوهم ، من إدخال الجملة في جملة أخرى ، ويسأل عما استشكل لديه من مثل
هذا.
فكان أهل العلم يفعلون
هذا ، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون في القرآن فيقرأون
على النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله ، وإذا وقع عندهم استشكال جاءوا
وقرءوا ، وكم من صحابي قد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم.
وبواسطة قراءة هذه المطولات في المجالس القليلة والأوقات القليلة يحصل فوائد منها :
تحصيل العلوم والمعارف
الكثيرة في الزمن القليل ، ومنها توسيع مدارك الإنسان بحيث يعرف أمورا
وأقوالا مخالفة لما يستقر في نفسه ، وبذلك يتمكن من استخراج النوادر
والمسائل والفرائد الغريبة ، وبذلك أيضا يتكون عند الإنسان قدرة على معرفة
موطن بحث المسائل في كتب أهل العلم ، وكذلك تعرف طرائق التأليف ، وأنواع
المؤلفات والمصطلحات التي يستخدمها علماء الشريعة فيها ، وينبغي أن تميّز
ما قرأته وتضع علامة بحيث لا يفوتك شيء من المقروء.
وهذا هو شأن أهل العلم ، والدروس العلمية كانت تُجعل على نوعين :
النوع الأول : دروس جرد المطولات ، يقرأون فيها ولا يتوقفون إلا عند نقطة مشكلة.
والثاني : قراءة المتون ، والمتون للمبتدئين ، ويحرص فيها على التفهيم والإفهام.
وللعلماء طرائق متعددة في التفهيم أول هذه الطرائق :
الطلب من الطلاب أن
يبيّنوا فهمهم للكتاب ثم يقوم الشيخ بالتصحيح ، مثال هذا : عندنا درس في
زاد المستقنع مثلا ، أتينا بجملة ، أقول : ما معناها يا زيد؟ ما معناها يا
عمرو؟ ما معناها يا خالد؟ ثم أصحح ، وأقول : الصواب في الفهم كذا.
وأما فهمك في الفهم
الفلاني فهو خطأ ، وسبب خطأه كذا ، فتستقر المعلومات ، وكل جملة يسأل عنها
أشخاص مختلفين ، وهذه أحسن الطرق وهي التي تستقرّ في الذهن.
النوع الثاني :
نوع المجادلة والمناقشة ، بحيث نقسّم الطلاب إلى فريقين ، وكلما جاءت
مسألة نقول : انتخبوا لنا واحدا مغايرا لما أخذتموه في المسائل السابقة ،
فيشرح ثم يشرح الثاني ونقارن بينهما ، أو يشرح أحدهما ويصحح له الآخر ، ثم
يصحح الشيخ لهما ، وهذه أيضا طريقة جميلة ويستقر بها.
وهاتان الطريقتان لهما
أصل في السنة ، كما في حديث ابن عمر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن
شجرة صفتها كذا وصفتها كذا ، هذا سؤال ؛ الشيخ هو الذي يسأل ، ويطلب من
الطلاب أن يجيبوه.
الطريقة الثالثة :
أن يقوم طالبان بالمناظرة ، تُسمّى طريقة المناظرة ، يتناظران في المسألة
بحيث هذا يناظر هذا ، وننظر ، هذا يتبنى قولا وهذا يتبنى قولا ، وننظر من
يكون معه الغلبة ، ثم يعقّب الشيخ بما يستقيم.
الطريقة الرابعة :
طريقة السرد ، مثل طريقتنا هذه ، وهي من أضعف الطرق في إبقاء المعلومات ،
ولكنها جيدة ، يحصّل الناس منها شيء ، خصوصا إذا كان هناك كتاب وتسجيل ،
وتَنَاقش الطلاب فيها فيما بعد ، فإنها تبقى المعلومة حينئذ.
حُسْنُ السؤالِ
المتن:
وإن كنتَ لا بُدَّ فاعلاً ، فكنْ واضحًا في السؤالِ ، وقل ما رأيُك في الفَتْوَى بكذا ، ولا تُسَمِّ أَحَدًا .
قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( وقيلَ : إذا جَلَسْتَ إلى عالِمٍ ؛ فسَلْ تَفَقُّهًا لا تَعَنُّتًا ) اهـ .
وقالَ أيضًا : ( وللعلْمِ سِتَّةُ مَراتِبَ ) .
أوَّلُها : حسْنُ السؤالِ .
الثانيةُ : حسْنُ الإنصاتِ والاستماعِ .
الثالثةُ : حسْنُ الْفَهْمِ .
الرابعةُ : الْحِفْظُ .
الخامسةُ : التعليمُ .
السادسةُ : وهي ثَمَرَتُه ؛ العمَلُ به ومُراعاةُ حُدودِه اهـ .
ثم أَخَذَ في بيانِها ببَحْثٍ مُهِمٍّ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
39- حسن السؤال:
التزم
أدب المباحثة من حسن السؤال، فالاستماع، فصحة الفهم للجواب، وإياك إذا حصل
الجواب أن تقول: لكن الشيخ فلانا قال لي كذا، أو قال كذا، فإن هذا وهن في
الأدب، وضرب لأهل العلم بعضهم ببعض، فاحذر هذا. وإن كنت لا بد فاعلا، فكن
واضحا في السؤال، وقل: ما رأيك في الفتوى بكذا، ولا تسم أحدا.
من آداب طالب العلم:
أولا- أن يكون عنده حسن سؤال، حسن إلقاء مثل أن يقول: أحسن الله إليك ما تقول في كذا، وإن لم يقل هذه العبارة فليكن قوله رقيقا بأدب.
الثاني- حسن الاستماع، أما أن تقول: يا شيخ أحسن الله إليك ماذا تقول في كذا وكذا.. وانتظر.
الثالث- صحة الفهم للجواب.. وهذا أيضا يفوت بعض الطلبة، تجده إذا سأل وأجيب. يستحيي أن يقول ما فهمت.
بعد هذا يأتي بعض الناس
بعدما يستمع للجواب يقول: لكن قال الشيخ الفلاني كذا وكذا.. في وسط الحلقة.
هذا من سوء الأدب، معنى هذا إنك لم تقتنع بجوابه، ومعنى هذا إثارة البلبلة
بين العلماء.
وإن كان لا بد فيقول: قال
قائل... ثم يورد ما قاله الشيخ فلان لأن أحدا لا يفهم إذا قال إن قال قائل
أنه أراد بذلك جواب شيخ آخر. لهذا يقول: «لكن إذا كنت لا بد فاعلا فقل ما رأيك في الفتوى بكذا» وهذا أيضا ما هو بحسن.
أحسن منه أن تقول (فإن قال
قائل)، لأنك إذا قلت: ما رأيك في الفتوى بكذا- وهي خلاف ما أفتاك به-
فيعني إنك تريد أن تعارض فتواه بفتوى آخر، لكن هي أحسن من قولك: قال الشيخ
الفلاني كذا.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «وقيل: إذا جلست إلى عالم، فسل تفقها لا تعنتا» أ هـ.
وقال أيضا :«وللعلم ست مراتب:
أولها- حسن السؤال. الثانية- حسن الإنصات والاستماع.
الثالثة- حسن الفهم. الرابعة- الحفظ.
الخامسة- التعليم. السادسة: وهي ثمرته، العمل به ومراعاة.
حدوده» أ هـ. ثم أخذ في بيانها ببحث مهم.
ترتيبها على هذا الوجه لا شك أنه مناسب.
حسن السؤال: إذا دعت
الحاجة إلى حسن السؤال أما إذا لم تدع إلى السؤال فلا تلق السؤال، لأنه لا
ينبغي للإنسان أن يسأل إلا إذا احتاج هو إلى السؤال، أو أظن أن غيره يحتاج
إلى السؤال قد يكون مثلا هو فاهم الدرس، ولكن فيه مسائل صعبة يحتاج إلى
بيانها إلى بقية الطلبة، بل من أجل حاجة غيره.
والسائل من أجل حاجة غيره
كالمعلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جبريل وسأله عن الإسلام
والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها. قال «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم».
فإذا كان الباعث على
السؤال حاجة السائل. فسؤاله واضح أنه وجيه أو حاجة غيره إن سئل ليعلم غيره
فهذا أيضا طيب، أما إذا سأل ليقول الناس: ما شاء الله فلان عنده حرص على
العلم كثير السؤال، وابن عباس رضي الله عنه يقول: لما سئل بما أدركت العلم؟
قال :«بلسان سؤول وقلب عقول وبدن غير ملول»، فهذا غلط، وعلى عكس من ذلك من
يقول: لا أسأل حياء. فالثاني مفرط.
والأول- مفرط، وخير الأمور الوسط.
الثاني- حسن الاتصال الانصات للاستماع.
الثالث- حسن الفهم.
الرابع- الحفظ، وهذا الحفظ
ينقسم إلى قسمين: قسم غريزي يهبه الله لمن يشاء، فتجد الإنسان يمر عليه
المسألة والبحث فيحفظه ولا ينساه، وقسم آخر كسبي.
بمعنى أن يمرن الإنسان نفسه على الحفظ ويتذكر ما حفظ، فإذا عود نفسه تذكر ما حفظ، سهل عليه الحفظ.
الخامسة- التعليم، والذي
أرى أن تكون هي السادسة وأن العمل بالعلم قبل السادسة، فيعمل بالعلم ليصلح
نفسه قبل أن يبدأ بإصلاح غيره ثم بعد ذلك يعلم الناس. قال النبي صلى الله
عليه وسلم :«ابدأ بنفسك ثم بمن تعول». فالعمل به قبل تعليمه. بلى قد تقول أن تعليمه من العمل به، لأن من جملة العمل بالعلم أن تفعل ما أوجب الله عليك فيه من بثه ونشره.
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
39- حُسْنُ السؤالِ:
الْتَزِمْ
أَدَبَ الْمُباحَثَةِ ، من حُسْنِ السؤالِ ، فالاستماعِ ، فصِحَّةِ
الفَهْمِ للجَوابِ ، وإيَّاكَ إذا حَصَلَ الجوابُ أن تَقولَ : لكنَّ الشيخَ
فلانًا قالَ لي كذا ، أو قالَ كذا ، فإنَّ هذا وَهَنٌ في الأَدَبِ ،
وضَرْبٌ لأَهْلِ العِلْمِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ هذا .
وإن كنتَ لا بُدَّ فاعلاً ، فكنْ واضحًا في السؤالِ ، وقلما رأيُك في الفَتْوَى بكذا ، ولا تُسَمِّ أَحَدًا .
قال َابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( وقيلَ : إذاجَلَسْتَ إلى عالِمٍ ؛ فسَلْ تَفَقُّهًا لا تَعَنُّتًا ) اهـ .
وقال َأيضًا : ( وللعلْمِ سِتُ مَراتِبَ ) .
أوَّلُها : حسْنُ السؤالِ .
الثانيةُ : حسْنُ الإنصاتِ والاستماعِ .
الثالثةُ : حسْنُ الْفَهْمِ .
الرابعةُ : الْحِفْظُ .
الخامسةُ : التعليمُ .
السادسةُ : وهي ثَمَرَتُه ؛ العمَلُ به ومُراعاةُ حُدودِه اهـ .
ثم أَخَذَ في بيانِها ببَحْثٍ مُهِمٍّ .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (من آداب طالب العلم حسن السؤال
، السؤال من الأمور التي يرغب فيها ، فإذا استشكل عليك فاسأل حتى تتقن
العلم ، ولذلك أثنى عمر على ابن مسعود أو ابن عباس فقال : نالا العلم بلسان
سؤول وقلب عقول.
وإذا تقرر هذا فإنّ السؤال لابد أن يكون على السند ، بحيث يلتزم فيه الطالب بالأدب ، فلا يسأل في غير الفن الذي يتدارسونه.
درسنا هذا في آداب طالب
العلم فلا تنقلنا إلى مسائل الفتوى ، ندرس في باب الصيام ، فلا يحق لك أن
تنقلنا إلى باب القصاص ، أو باب ، أبواب الأنكحة.
الثاني : حسن انتقاء الألفاظ ، حسن انتقاء الألفاظ ، لا تأتي بلفظ نابي ، ولا لفظ غريب ، ولا لفظ غير مرغوب فيه.
الثالث :
أن لا تسأل في شيء قد تكلم فيه الشيخ ، فمسألة طرحها الشيخ وهي واضحة
وجلية وحكم قد قرره الشيخ لا يصح أن تقول بعد ذلك ، ما الحكم في كذا ،
والشيخ قد قرره.
الأمر الرابع : لابد أن يكون سؤالك سؤالا صحيحا ، فبعض الناس يسأل سؤال مركب بصياغة غير صحيحة.
الأمر الخامس : أن يكون سؤالك سؤالا واقعيا.
والأمر السادس : أن لا يكون من التعنت ، تريد أن تختبر الشيخ ، وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات في العلم.
والأمر السابع :
أن لا يكون سؤالك على جهة إبطال قول الشيخ ، قد تستفهم لكن لا تحاول
الإبطال ، إبطال قول الشيخ ، فإنّ هذا سوء أدب ، وقد يكون سوء فهم منك ،
وبالتالي لا يكون كلامك صحيحا ، قد تعترض وتقول : كيف الجمع بين كذا وكذا ،
هذا لا بأس فيه ، لكن أن تقول : كلامك فيه ما فيه لأنّ الله يقول : كذا ،
هذا سوء أدب ، وليس من حسن السؤال في شيء.
قال المؤلف : (التزم أدب المباحثة من حسن السؤال)
وكذلك التزم الاستماع ، والتزم صحة الفهم للجواب ، مرات يأخذ بعض الناس
جزءا من الجملة ، ولا يلتفت إلى بقيتها فيفهم فهما خاطئا ، وهذا يحصل خصوصا
من عوام الناس يمسك ربع جملة ثم يبدأ ينسب إلى
الشيخ ما لم يقله ، ولذلك لا يجوز أن ينسب إلى عالم أي مقالة ، إلا إذا
كان الإنسان قد سمع المقالة كاملة ، مرّات يأتي العالم ويتكلم بنقل كلام
باطل ، ثم يجيب عنه ويرد عليه ، فيأتيك بعض الناس ما سمع إلا المقالة
الباطلة ، فيقول الشيخ الفلاني يقول كذا ، فيكون قد كذب عليه ، لأنّ الشيخ
نقل هذه الجملة ليردّ عليها ويبطلها.
وبعض الناس يجئ بشريط
وينقل هذه الجملة ، الجزء ، ويقول اسمعوا الشيخ يقول كذا ، وبالتالي يكون
قد كذب عليه وصدّ الناس عن سبيل الله ، لأنّ إبعاد الناس عن علماء الشريعة
والكلام في أعراضهم ، وتشويه سمعتهم وإنزال مكانتهم يؤدّي إلى جعل الناس
ينصرفون عن العلم الذي يحملونه.
كذلك من سوء الأدب معارضة الأقوال بعضها ببعض ، قال المؤلف : (هذا وهن في الأدب) تكلّم وقال : طيب الشيخ االفلاني يقول كذا ، هذا اجتهاده وهذا اجتهادي ، ما يصح لك أن تضرب قولي بقوله.
(قال ابن القيم : سل تفقها) يعني من أجل تحصيل الفقه.
(لا تعنتا) من أجل إنزال المشقة على العالم.
ثم ذكر للعلم ست مراتب : حسن السؤال ، وحسن الإنصات ، وحسن الفهم ، ثم الحفظ والتعليم ثم العمل.
الْمُناظَرَةُ بلا مُمَارَاةٍ
المتن:
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
40- المناظرة بلا مماراة:
إياك
والمماراة، فإنها نقمة، أما المناظرة في الحق، فإنها نعمة، إذ المناظرة
االحقة فيها إظهار الحق على الباطل، والراجح على المرجوح، فهي مبنية على
المناصحة والحلم، ونشر العلم، أما المماراة في المحاورات والمناظرات، فإنها
تحجج ورياء، ولغط وكبرياء، ومغالبة ومراء، واختيال وشحناء، ومجاراة
للسفهاء، فاحذرها واحذر فاعلها، تسلم من المآثم وهتك المحارم، وأعرض تسلم
وتكبت المآثم والمغرم.
االمناظرة والمناقشة تشحذ الفهم وتعطي الإنسان قدرة على المجادلة. والمجادلة في الحق مأمور بها كما قال الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (سورة النحل: 125).
فإذا تمرن الإنسان على المناظرة والمجادلة حصل على خير كثير، وكم من إنسان جادل بالباطل فغلب صاحب الحق لعدم قدرته على المجادلة.
لكن المجادلة نوعان: مجادلة المماراة، يماري بذلك السفهاء ويجادل الفقهاء ويريد أن ينتصر قوله،فهذه مذمومة.
والثاني لإثبات الحق وإن
كان عليه، فهذه محمودة مأمور بها. وعلامة ذلك- المجادلة الحقة - أن الإنسان
إذا بلغه الحق اقتنع وأعلن الرجوع، أما المجادل الذي يريد الانتصار لنفسه
فتجده لو بان الحق، وكان ظاهر الحق مع خصمه يورد إيرادات: لو قال قائل. ثم
إذا أجيب. ولو قال قائل. ثم إذا أجيب، قال ولو قال قائل. ثم تكون سلسلة لا
منتهي لها، ومثل هذا عليه خطر أن لا يقبل قلبه الحق، لا بالنسبة للمجادلة
مع الآخر، لكن حتى في خلوته، ربما يورد لشيطان عليه هذه الإيرادات.
قال الله تعالى: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) (سورة الأنعام:110). وقال الله تعالى: (فإن تولوا فأعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) (سورة المائدة:49).
فعليك يا أخي ابتغاء الحق
سواء كان بمجادلة غيرك أو بمجادلة نفسك متى تبين قل: سمعنا وأطعنا. لهذا
تجد الصحابة يقبلون ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم وما أخبر به دون أن
يوردوا عليه الاعتراضات أو قول: أرأيت . . . أرأيت.
ولهذا جادل رجل عبد الله بن عمر فقال له: أرأيت؟! قال له :«اجعل أرأيت في اليمن». لأنه من أهل اليمن.
عندما سأل أهل العراق عن
دم البعوضة. وهل يجوز قتل البعوضة؟! قال: سبحان الله !! أهل العراق يقتلون
ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتون يسألون عن دم البعوضة!! هذه
مجادلة ولا شك.
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
40- الْمُناظَرَةُ بلا مُمَارَاةٍ :
إيَّاكَ
والْمُمَارَاةَ ؛ فإنها نِقْمَةٌ ، أمَّا المناظَرَةُ في الْحَقِّ ؛ فإنها
نِعْمَةٌ إذ الْمُناظَرَةُ الْحَقَّةُ فيها إظهارُ الحقِّ على الباطلِ ،
والراجِحِ على المرجوحِ ، فهي مَبْنِيَّةٌ على الْمُناصَحَةِ والْحِلْمِ ،
ونَشْرِ العلْمِ ، أمَّا الْمُماراةُ في المحاوَرَاتِ والمناظَرَاتِ ؛
فإنها تَحَجُّجٌ ورِياءٌ ، ولَغَطٌ وكِبرياءُ ومُغالَبَةٌ ومِراءٌ ،
واختيالٌ وشَحْنَاءُ ، ومُجاراةٌ للسفهاءِ ، فاحْذَرْها واحْذَرْ فاعِلَها ؛
تَسْلَمْ من المآثِمِ وهَتْكِ الْمَحارِمِ ، وأَعْرِضْ تَسْلَمْ وتَكْبُت
الْمَأْثَمَ والْمَغْرَمَ .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (المماراة هي المناقشات العقيمة ، والمناقشات التي تكون لإظهار النفس ، لا لتعرف الحق ، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أنا ضمين ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا".
أما المناظرة والمناقشة والمجادلة ، هذه مطلوبة لأنّ الإنسان يقصد بها الوصول إلى
الحق ، ولأنّ الكلام فيها يُبنى على دليل صحيح ، ولأنّ المرء في المناظرة
والمناقشة إذا وصل إلى الدليل سمع وله أذعن ، أما في المماراة فهو يريد
إبطال دليل خصمه ولو كان دليلا صحيحا في نظره.
وقد قال الله تعالى : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، وقال سبحانه : {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}
ومن هنا فإنّ المناقشة
محمودة وهي نوع من أنواع النصح ، ونوع من أنواع التعلم ، وقد ذكر الله في
كتابه عددا من المناقشات والمناظرات بين الأنبياء وأقوامهم ، انظر لمناقشة
موسى عليه السلام لفرعون ، ومناقشة إبراهيم عليه السلام لقومه ، وبعض
مناقشات النبي صلى الله عليه وسلم لبعض مَنْ في زمانه ، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} ، {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} (قرأها الشيخ : جادلتم في الموضعين ) ، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
وبالتالي فإنّ المراء
مذموم لأن المقصود فيه الغلبة ، وليس المقصود الحق ، وبالتالي تجده يرفع
الصوت ليغلب من أمامه ، وتجده يموّه في الكلام ليغلب من أمامه ، وتجده
يحاول أن يوجد تناقضات في كلام مقابله ولو لم تكن صحيحة من أجل أن يغلبه
ويتمكّن منه ، وبالتالي فالمراء مؤثّر على صحة النيّة ، غير موصل إلى حق.
من هنا فإنه يُنهى عنه ،
لأنه سبب من أسباب الإثم ، فإذا وجدت هذه المناقشات تحوّلت إلى مراء ،
مناقشات عقيمة والمقصود الغلبة والانتصار ، حينئذ أعرض عنها ، وأوْصل الحق
فقط ، ولا تُجادل ولا تُناقش ، إذا كان المقصود كذلك.
مُذاكَرَةُ العِلْمِ
المتن:
وكُنْ على حَذَرٍ ؛ فإنها تَكْشِفُ عُوارَ مَن لا يَصْدُقُ
فإن
كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ،
وأمَّا مُذاكرَتُك مع نفسِك في تقليبِك لمسائِلِ العلْمِ ؛ فهذا ما لا
يَسوغُ أن تَنْفَكَّ عنه .
وقد قيلَ : إحياءُ العِلْمِ مُذاكرَتُه .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (الأمر الحادي والأربعون: مُذاكَرَةُ العِلْمِ :
تَمَتَّعْ
مع البُصَرَاءِ بالْمُذاكَرَةِ والْمُطارَحَةِ ؛ فإنها في مَواطِنَ تَفوقُ
الْمُطالَعَةَ وتَشْحَذُ الذهْنَ وتُقَوِّي الذاكرةَ ؛ مُلْتَزِمًا
الإنصافَ والملاطَفَةَ مُبْتَعِدًا عن الْحَيْفِ والشَّغَبِ والمجازَفَةِ .
وكُنْ على حَذَرٍ ؛ فإنها تَكْشِفُ عُوارَ مَن لا يَصْدُقُ .
فإن
كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ،
وأمَّا مُذاكرَتُك مع نفسِك في تقليبِك لمسائِلِ العلْمِ ؛ فهذا ما لا
يَسوغُ أن تَنْفَكَّ عنه .
وقد قيلَ : إحياءُ العِلْمِ مُذاكرَتُه .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هذا أيضا من الذي ينبغي لطالب العلم أن يقوم به، وهو المذاكرة. والمذاكرة نوعان: مذاكرة مع النفس. ومذاكرة مع الغير.
المذاكرة مع النفس: تجلس
مثلا جلسة واحدة، ثم تفرض مسألة من المسائل أو تكون مسألة مرت عليك، ثم
تأخذ في محاولة ترجيح ما قيل في هذه المسألة بعضه على بعض. يعني ترجيح بعض
الأقوال على بعض في هذه المسألة. وهذه سهلة على (...) هي أيضا تساعد على
مسألة المناظرة السابقة.
أما المذاكرة مع الغير:
فهي أيضا واضحة يختار الإنسان من إخوانه الطلبة من يكون عونا له على طلب
العلم، مفيدا له فيجلس معه ويتذاكرا، يقرأن مثلا ما حفظاه كل واحد يقرأ على
الآخر قليلا أو يتذاكرن في مسألة من المسائل بالمراجعة أو بالمفاهمة إن
قدرا على ذلك، فإن هذا مما ينمي العلم ويزيده.
لكن إياك والشغب والصلف،
لأن هذا لا يفيد. أنت الآن تحاج في مقام الإقناع أم في مقام التأديب؟ في
مقام الإقناع. واعلم أنه لن يقتنع كلما اشتد غضبك عليه، بل ربما إذا اشتد
غضبك عليه، اشتد غضبه عليك ثم ضاع الحق بينكما، لكن بالهدوء.
أما لو علمت منه الإعنات،
مثل أن تكون أنت أعلم منه وتفهم من العلم ما لا يفهم، ولكن عرفت أن هذا
الرجل يريد العنت. فحينئذ لك أن تشتد عليه وأن تقول: لن أفهمك لقول الله
تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) .
ولهذا قال المؤلف : «فإن كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ».
(...) بعض الناس أكثر علما
من الآخر لكن الثاني أفهم منه في معرفة النصوص والثالث أعقل منهم أيضا في
معرفة مصادر الشريعة ومواردها لأنه قد يفهم الإنسان النص فهما كاملا لكن
ليس عنده ذاك العقل الذي يجمع بين أدلة الشريعة وبين مقاصدها وأسرارها
فتجده يأخذ بظاهر اللفظ ولو كان بعيدا عن مقاصد الشرع وهذا خلل عظيم، أرأيت
قول ابن حزم في الشاة الثنية لا تجزئ وفي الجذعة، تجزئ، هذا بعيد جدا عن
مقاصد الشريعة ، إذا كانت الجذعة تجزئ فالثنية من باب أولى ولا شك، أو يقول
بعض الظاهرية: إذا استأذن الرجل ابنته البكر في أن يزوجها رجلا فقالت: يا
أبت لا أريد إلا هذا الرجل وأمثاله وأنا موافقة يقول: هذا ليس بإذن ، لا
يزوجها ، والبنت الثانية لما شاورها سكتت ولم تقل شيء هذه تزوج والأخرى لا
تزوج مع أنها صرحت بالرضا والثانية سكوتها دليل الرضا وليس هو الرضا فالمهم
أنه لا بد من عقل، فقد يكون بعض الناس أكثر علما لكنه لا يفهم، وقد حدثتكم
مرة عن حمار الفروع تذكرون، رجل حفظ كتاب الفروع لابن مفلح (ثلاثة مجلدات)
ولكنه لا يفهم منه ولا معنى واحد فكان أصحابه يجعلونه كمكتبة إذا أشكل
عليهم شيء قالوا: ماذا قال صاحب الفروع في الفصل الفلاني أو الباب الفلاني
أوالكتاب الفلاني؟ (...) وهو ما يعرف معناه أبدا ، فهذا ليس عنده فهم، فلا
بد من فهم.
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
41- مُذاكَرَةُ العِلْمِ :
تَمَتَّعْ
مع البُصَرَاءِ بالْمُذاكَرَةِ والْمُطارَحَةِ ؛ فإنها في مَواطِنَ تَفوقُ
الْمُطالَعَةَ وتَشْحَذُ الذهْنَ وتُقَوِّي الذاكرةَ ؛ مُلْتَزِمًا
الإنصافَ والملاطَفَةَ مُبْتَعِدًا عن الْحَيْفِ والشَّغَبِ والمجازَفَةِ .
وكُنْ على حَذَرٍ ؛ فإنها تَكْشِفُ عُوارَ مَن لا يَصْدُقُ
فإن
كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ،
وأمَّا مُذاكرَتُك مع نفسِك في تقليبِك لمسائِلِ العلْمِ ؛ فهذا مالا
يَسوغُ أن تَنْفَكَّ عنه .
وقد قيلَ : إحياءُ العِلْمِ مُذاكرَتُه .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (هذا هو الأدب الحادي والأربعون من آداب طالب العلم : مذاكرة العلم ؛ يعني مراجعته والمناقشة فيه ، الباب الفلاني ماذا يشتمل عليه من المسائل؟
يشتمل على المسألة الأولى كذا ، والمسألة الثانية كذا ، والمسألة الثالثة كذا.
الباب الفلاني من أبواب العلم ما هي الأحاديث التي تكون فيه؟
أورد حديثا ، ثم أنت تورد حديثا.
باب الاعتكاف ماذا وجد فيه من الآيات القرآنية والأحاديث؟
أورد الآيات ثم نورد الأحاديث ، واحدا واحدا ، أنت تورد حديثا ، وأنا أورد حديثا آخر ، هذا يُسمّى مذاكرة العلم.
ومذاكرة العلم من أكبر
الوسائل المؤدّية إلى حفظ العلم ، وقد كان الصحابة والتابعون والأئمّة
يتذاكرون العلم ، إذا جلسوا بدؤوا يتذاكرون ، وكل يوم يتذاكرون في باب أو
نحوه ، وبالتالي يحفظون العلم.
قال المؤلف : وهذا
شاهده ودليله : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان في رمضان يأتيه جبريل
فيقرأ عليه القرآن في كل عام مرة ، هذا من مذاكرة العلم ، وكان الصحابة
يُذاكرون العلم ، أبوهريرة كان في الليل يُراجع الأحاديث التي حفظها لتبقى
في ذهنه ، وهكذا الأئمة لا زالوا على طلب العلم بواسطة المُذاكرة.
والمذاكرة فوق المُطالعة ، إذا جيت
كتاب وقرأت فيه باب الاعتكاف في كتب الحديث ، هذه مطالعة ، فإذا جلست مع
طالب علم وبدأت تذاكر ، ماذا ورد في الباب الفلاني في باب الاعتكاف من
الأحاديث هذا أقوى في رسوخ المعلومة من الأول ، وفي نفس الوقت تعوّد ، أو
تجعل الذهن متوقّدا حاضرا لهذا الباب ، وتقوّي ذاكرة الإنسان ، وتجعله
منصفا في كلامه مع غيره ، يعني مرة يُعطي معلومة ، ومرة يأخذ المعلومة من
غيره ، وبالتالي يكون لطيفا بخلاف المناظرات فإنه قد يكون فيها ما يكون
فيها من القوة ، وما ينافي الملاطفة بخلاف المذاكرة.
لكن ينبغي أن تبتعد عن
ذلك المتعالِم أو ذلك الكاذب ، أو من ليس عنده أمانة علميّة ، لأنّ قد
يوهمك أنّ في هذا الباب الحديث الفلاني ، ويوهمك أنّ هذه المسألة توجد في
باب كذا ، ويوهمك أنّ هذه المعلومة عند هؤلاء الفقهاء على هذا النحو ، ولا
يكون الأمر كذلك.
أما مراجعة الإنسان لمسائل العلم في نفسه فهذا عظيم الفائدة كبير الثمرة ، نعم.
طالبُ العلْمِ يَعيشُ بينَ الكتابِ والسُّنَّةِ وعلومِها
المتن:
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (الأمر الثاني والأربعون: طالبُ العلْمِ يَعيشُ بينَ الكتابِ والسُّنَّةِ وعلومِها :
فهما له كالْجَناحينِ للطائرِ ، فاحْذَرْ أن تكونَ مَهيضَ الْجَناحِ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (صحيح .. هذا أيضا من آداب
طالب العلم. وبقي شيء آخر (طالب العلم يعيش بين الكتاب والسنة)، فهما
كالجناجين للطائر والطائر لا يطير إلا بجناحين إذا انكسر أحدهما لم يطر،
إذا لا تراعي السنة وتغفل عن القرآن، أو القرآن وتغفل عن السنة، كثير من
طلبة العلم يعتني بالسنة وشروحها ورجالها، ومصطلحاتها اعتناء كاملا، لكن لو
سألته عن آية من كتاب الله. ما قدم الإجابة، ولا عرف شيئا.
هذا غلط، لكن لا بد أن يكون الكتاب والسنة كلاهما جناحان لك، والجناح الأصل هو: القرآن.
وثم أيضا شيء ثالث- لكن هو
داخل في قول المؤلف و(علومها): كلام العلماء، أيضا لا تهمل كلام العلماء
ولا تغفل عنه، لأن العلماء أشد منك رسوخا في العلم، وعندهم من قواعد
الشريعة وضوابط الشريعة وأسرارها ما ليس عندك فلا تغفله.
ولذلك كان العلماء الأجلاء المحققون إذا ترجح عندهم قول يقولون: «إن كان أحد قال به وإلا فلا نقول به».
شيخ الإسلام ابن تيمية
-رحمه الله- على علمه وسعة إطلاعه، إذا قال قولا لا يعلم به قائلا. قال :
«أنا أقول به إن كان قد قيل به». ولا يأخذ برأيه، ويقول: خلاص أنا فهمت من
القرآن كذا ولا علي من الناس.
هذا غلط. أنت إذا رأيت
أكثر العلماء على قول، فلا تعدل عن قول أكثر العلماء إلا بعد التمحيص
والتحقق، لأنه من المستبعد أن يكون الأقل هم أهل العلم. بمعنى: إذا رأيت
مسألة من المسائل اختلف فيها العلماء وأكثرهم يقول بكذا، والآخرون يقولون
بكذا، وترجح عندك قول الأقل ، لا تأخذ به مباشرة ، فكر، ما أدلة الآخرين؟
لأن الأكثر في الغالب يكون معهم الحق ، ففكر أولا ، ثم إذا تبين لك أن الحق
مع الأقل فاتبع الحق ، لكن كونك تأخذ مباشرة بما ترجح عندك والجمهور على
خلافه هذا لا ينبغي أبدا .
كذلك أيضا تأتي مثلا أدلة شواذ تخالف الأدلة التي هي
كالجبال في الشريعة والدلالة فيأخذ الإنسان بهذا الدليل الشاذ، ولعله لا
يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ثبت وهو منسوخ ، أو ثبت وهو مخصوص،
فنقول ارفق ما دام هذا يخالف الأدلة التي هي كالجبال للشريعة فلا تتعجل في
الأخذ به انتظر وتمهل ، فهذان أمران أنبه عليهما لأهميتهما :
- مخالفة الجمهور.
- ومخالفة القواعد في الشريعة الإسلامية.
القواعد التي تعتبر كالجبال للأرض ، رواسخ.
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
42- طالبُ العلْمِ يَعيشُ بينَ الكتابِ والسُّنَّةِ وعلومِها :
فهما له كالْجَناحينِ للطائرِ ، فاحْذَرْ أن تكونَ مَهيضَ الْجَناحِ .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (الأصل في العلم الشرعي هو الكتاب والسنة ،
وحينئذ لابد أن يكون هما الذي يعوّل عليه طالب العلم في علمه ، ومن ثَمّ
فقراءة أقوال العلماء والبحث في كتب الفقه ، إنما هي وسائل يستعين بها
الإنسان على ضبط العلم وعلى القدرة على مراجعة النصوص الشرعية كتابا وسنة ،
فهذه وسائل ، وإلا فإنّ الأصل هو الكتاب والسنة ، ولذلك طالب العلم تجده
يعيش بين هذين الأصلين :
أولا : يراجع حفظه للقرآن ، ويتأمل في فهم القرآن.
وثانيا : يسرد كتب السنة ويحاول ضبط ما يستطيع ضبطه منها.
والله جل وعلا قد أمر بالرجوع إلى الكتاب والسنة ، {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} آيات الله يعني القرآن ، والحكمة يعني السنة.
{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} يعني الكتاب والسنة ، نعم .
استكمالُ أدواتِ كلِّ فَنٍّ
المتن:
قالَ اللهُ تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ } فيُستفادُ منها أنَّ الطالِبَ لا يَتْرُكُ عِلْمًا حتى يُتْقِنَهُ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
الأمر الثالث والأربعون: استكمالُ أدواتِ كلِّ فَنٍّ :
لن
تكونَ طالبَ عِلْمٍ مُتْقِنًا مُتَفَنِّنًا – حتى يَلِجَ الْجَمَلُ في
سَمِّ الْخِياطِ – ما لم تَستكمِلْ أدواتِ ذلك الفَنِّ ، ففي الفِقْهِ بينَ
الفقْهِ وأصولِه ، وفي الحديثِ بينَ عِلْمَي الروايةِ والدِّرايةِ ....
وهكذا ، وإلا فلا تَتَعَنَّ .
الشيخ:
استكمال أدوات كل فن. يريد بذلك: أنك إذا
أردت أن تكون طالب علم في فن معين، وهو ما يعرف عندنا بالتخصص، فلا بد أن
تكون مستكملا أدوات ذلك الفن، يعني عندك علما به، فمثلا في الفقه إذا كنت
تريد أن تكون عالما بالفقه، فلا بد أن تقرأ الفقه وأصول الفقه لتكون متبحرا
فيه، وإلا فيمكن أن تعرف الفقه بدون علم الأصول، ولكن لا يمكن أن تعرف
أصول الفقه بدون الفقه.
يعني: يمكن أن يستغني الفقيه عن أصول الفقه، لكن لا يمكن أن يستغني الأصولي عن الفقه، إذا كان يريد الفقه.
ولهذا اختلف العلماء، علماء الأصول: هل
الأولى لطالب العلم أن يبدأ بأصول الفقه لابتناء الفقه عليه أو بالفقه
لدعاء الحاجة إليه، حيث أن الإنسان يحتاجه في عمله، حاجاته، ومعاملاته قبل
أن يفطن إلى أصول الفقه.
والثاني- هو الأولى وهو المتبع غالبا. وهنا استدل بقول الله تعالى :(الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته) (سورة
البقرة: 121). والمراد بالتلاوة هنا: التلاوة اللفظية، والتلاوة المعنوية،
والتلاوة العملية، مأخوذة من تلاه إذا اتبعه، فالذين آتاهم الكتاب لا يمكن
أن يوصفوا بأنهم أهل الكتاب حتى يتلوه حق تلاوته.
قوله :«وفي الحديث بين علمي الرواية والدراية» يعني بذلك الرواية في أسانيد الحديث ورجال الحديث. والدراية في فهم معناه.
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
43- استكمالُ أدواتِ كلِّ فَنٍّ :
لن
تكونَ طالبَ عِلْمٍ مُتْقِنًا مُتَفَنِّنًا – حتى يَلِجَ الْجَمَلُ في
سَمِّ الْخِياطِ – ما لم تَستكمِلْ أدواتِ ذلك الفَنِّ ، ففي الفِقْهِ بينَ
الفقْهِ وأصولِه ، وفي الحديثِ بينَ عِلْمَي الروايةِ والدِّرايةِ ....
وهكذا ، وإلا فلا تَتَعَنَّ .
قال َاللهُ تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ } فيُستفادُ منها أنَّ الطالِبَ لا يَتْرُكُ عِلْمًا حتى يُتْقِنَهُ .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (هذا الأدب اشتمل على أمرين :
الأمر الأول :
معرفة أدوات العلم قبل الدخول فيه ، لو جاءنا إنسان وبدأ يدرس النحو ،
وأصبح أخذ المرفوعات والمنصوبات ، لكنه أصلا لا يعلم ولا يعرف أنّ النحو
يتعلّق بأواخر الكلمات ، ليس لديه فهم المصطلحات لهذا العلم ، ولا يعرف
المنشأ الذي نشأ منه هذا العلم ، فلن يتقن هذا العلم ، وهكذا في بقيّة
الفنون ، عندما يريد الإنسان فهم الكتاب والسنة ، واستخراج الأحكام منها ،
إذا لم يعرف القواعد الأصولية لن يتمكن من هذا ، وحينئذ إذا أراد أن يحكم
على الأحاديث تصحيحا وتضعيفا ، لابد أن يعرف قواعد المصطلح ويكون عنده قدرة
على معرفة أحوال الرواة ، فإذا لم يكن محيطا بالوسيلة لن يتمكن من الوصول
إلى الغاية ، وبالتالي لابد من معرفة الأدوات قبل الولوج في تعلّم العلم.
الأمر الثاني :
مما ذكره المؤلف هنا ؛ ألا يترك العلم حتى يتقنه ، إذا ابتدأ الطالب بعلم
ثم ملّ وانتقل إلى غيره ، وأهمل العلم الأوّل فحينئذ قد أضاع وقته، من أخذ
كتابا وقرأ ربعه ، نصفه ثم انتقل إلى غيره ، ما يتمكّن أن يقول : قرأت
الكتاب ، ولا يتمكّن أن يقول : هذه المعلومة ليست في الكتاب ، لأنه لم يحط
بالكتاب ، نعم.