10 Dec 2008
الدرس الثاني عشر: آداب طالب العلم في حياته العلمية
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (الفصلُ الخامسُ: آدابُ الطالبِ في حياتِه العِلْمِيَّةِ 24- كِبَرُ الْهِمَّةِ في العِلْمِ :
من
سجايا الإسلامِ التَّحَلِّي بكِبَرِ الْهِمَّةِ ؛ مرْكَزِ السالِبِ
والموجِبِ في شَخْصِك ، الرقيبِ على جوارِحِك ، كِبَرُ الْهِمَّةِ يَجْلُبُ
لك بإذْنِ اللهِ خَيْرًا غيرَ مَجذوذٍ ، لتَرْقَى إلى دَرجاتِ الكَمالِ ،
فيُجْرِيَ في عُروقِك دَمَ الشَّهَامةِ ، والرَّكْضَ في مَيدانِ العِلْمِ
والعَمَلِ ، فلا يَراكَ الناسُ وَاقِفًا إلا على أبوابِ الفضائلِ ولا
باسطًا يَدَيْكَ إلا لِمُهِمَّاتِ الأمورِ .
والتَّحَلِّي
بها يَسْلُبُ منك سَفاسِفَ الآمالِ والأعمالِ ، ويَجْتَثُّ منك شَجرةَ
الذُّلِّ والهوانِ والتمَلُّقِ والْمُداهَنَةِ فَكَبِيرُ الْهِمَّةِ ثابتُ
الْجَأْشِ ، ولا تُرْهِبُهُ المواقِفُ ، وفاقِدُها جَبانٌ رِعديدٌ ،
تُغْلِقُ فَمَه الفَهَاهَةُ .
ولا
تَغْلَطْ فتَخْلِطْ بينَ كِبَرِ الْهِمَّةِ والكِبْرِ ؛ فإنَّ بينَهما من
الفَرْقِ كما بينَ السماءِ ذاتِ الرَّجْعِ والأرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ .
كِبَرُ
الْهِمَّةِ حِلْيَةُ وَرَثَةِ الأنبياءِ ، والكِبْرُ داءُ الْمَرْضَى
بعِلَّةِ الْجَبابِرَةِ البُؤَسَاءِ ، فيا طالبَ العلْمِ ! ارْسُمْ لنفسِكَ
كِبَرَ الْهِمَّةِ ، ولا تَنْفَلِتْ منه ، وقد أَوْمَأَ الشرْعُ إليها في
فِقْهِيَّاتٍ تُلابِسُ حياتَك ؛ لتكونَ دائمًا على يَقَظَةٍ من اغتنامِها ،
ومنها إباحةُ التيَمُّمِ للمُكَلَّفِ عندَ فَقْدِ الماءِ وعدَمُ إلزامِه
بقَبولِ هِبَةِ ثَمَنِ الماءِ للوُضوءِ ؛ لما في ذلك من الْمِنَّةِ التي
تَنالُ من الْهِمَّةِ مَنَالًا وعلى هذا فقِسْ ، واللهُ أَعْلَمُ .
25- النَّهْمَةُ في الطَّلَبِ : لا يَكونُ السَّرِيُّ مِثْلَ الدَّنِيِّ = لا ولا ذو الذكاءِ مثلَ الغَبِيِّ
إذا عَلِمْتَ الكلمةَ المنسوبةَ إلى الخليفةِ الراشدِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ
رَضِي اللهُ عَنْهُ : ( قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحْسِنُه ) وقد قِيلَ : ليس
كلمةٌ أحَضَّ على طَلَبِ العلْمِ منها ؛ فاحْذَرْ غَلَطَ القائلِ : ما
تَرَكَ الأَوَّلُ للآخِرِ . وصوابُه : كم تَرَكَ الأَوَّلُ للآخِرِ .
فعليك بالاستكثارِ من مِيراثِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وابْذُل الوُسْعَ في الطلَبِ والتحصيلِ والتدقيقِ ، ومَهْمَا بَلَغْتَ في
العِلْمِ ؛ فتَذَكَّرْ ( كم تَرَكَ الأوَّلُ للآخِرِ ) .
وفي تَرجمةِ أحمدَ بنِ عبد الجليلِ من ( تاريخِ بَغدادَ ) للخطيبِ ذِكْرٌ من قصيدةٍ له:
قيمةُ المرءِ كُلَّمَا أَحْسَنَ الْمَرْ = ءُ قضاءً من الإمامِ عَلِيِّ
26- الرِّحْلَةُ للطَّلَبِ :
(
من لم يكنْ رُحْلَةً لن يكونَ رُحَلَةً ) فمَن لم يَرْحَلْ في طَلَبِ
العلْمِ للبحْثِ عن الشيوخِ ، والسياحةِ في الأَخْذِ عنهم ؛ فيَبْعُدُ
تأَهُّلُه ليُرْحَلَ إليه ؛ لأنَّ هؤلاءِ العلماءَ الذين مَضَى وقتٌ في
تَعَلُّمِهم وتَعليمِهم ، والتَّلَقِّي عنهم : لديهم من التَّحريراتِ
والضبْطِ والنِّكاتِ العِلْمِيَّةِ ، والتجارُبِ ما يَعِزُّ الوُقوفُ عليه
أو على نظائرِه في بُطونِ الأسفارِ . إذا خاطَبُونِي بعِلْمِ الوَرَقِ = برَزْتُ عليهم بعِلْمِ الْخِرَقِ
واحْذَر القُعودَ عن هذا على مَسْلَكِ الْمُتَصَوِّفَةِ البطَّالِينَ ، الذين يُفَضِّلُونَ ( علْمَ الْخِرَقِ على علْمِ الوَرَقِ ) .
وقد قيلَ لبعضِهم : ألا تَرْحَلُ حتى تَسمعَ من عبدِ الرزاقِ ؟ فقالَ : ما
يَصنَعُ بالسماعِ من عبدِ الرزَّاقِ مَن يَسمَعُ من الْخَلَّاقِ ؟!
وقال آخَرُ :
كِبَرُ الْهِمَّةِ في العِلْمِ
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (الفصلُ الخامسُ: آدابُ الطالبِ في حياتِه العِلْمِيَّةِ
24- كِبَرُ الْهِمَّةِ في العِلْمِ :
من
سجايا الإسلامِ التَّحَلِّي بكِبَرِ الْهِمَّةِ ؛ مرْكَزِ السالِبِ
والموجِبِ في شَخْصِك ، الرقيبِ على جوارِحِك ، كِبَرُ الْهِمَّةِ يَجْلُبُ
لك بإذْنِ اللهِ خَيْرًا غيرَ مَجذوذٍ ، لتَرْقَى إلى دَرجاتِ الكَمالِ ،
فيُجْرِيَ في عُروقِك دَمَ الشَّهَامةِ ، والرَّكْضَ في مَيدانِ العِلْمِ
والعَمَلِ ، فلا يَراكَ الناسُ وَاقِفًا إلا على أبوابِ الفضائلِ ولا
باسطًا يَدَيْكَ إلا لِمُهِمَّاتِ الأمورِ .
والتَّحَلِّي
بها يَسْلُبُ منك سَفاسِفَ الآمالِ والأعمالِ ، ويَجْتَثُّ منك شَجرةَ
الذُّلِّ والهوانِ والتمَلُّقِ والْمُداهَنَةِ فَكَبِيرُ الْهِمَّةِ ثابتُ
الْجَأْشِ ، ولا تُرْهِبُهُ المواقِفُ ، وفاقِدُها جَبانٌ رِعديدٌ ،
تُغْلِقُ فَمَه الفَهَاهَةُ .
ولا
تَغْلَطْ فتَخْلِطْ بينَ كِبَرِ الْهِمَّةِ والكِبْرِ ؛ فإنَّ بينَهما من
الفَرْقِ كما بينَ السماءِ ذاتِ الرَّجْعِ والأرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ .
كِبَرُ
الْهِمَّةِ حِلْيَةُ وَرَثَةِ الأنبياءِ ، والكِبْرُ داءُ الْمَرْضَى
بعِلَّةِ الْجَبابِرَةِ البُؤَسَاءِ ، فيا طالبَ العلْمِ ! ارْسُمْ لنفسِكَ
كِبَرَ الْهِمَّةِ ، ولا تَنْفَلِتْ منه ، وقد أَوْمَأَ الشرْعُ إليها في
فِقْهِيَّاتٍ تُلابِسُ حياتَك ؛ لتكونَ دائمًا على يَقَظَةٍ من اغتنامِها ،
ومنها إباحةُ التيَمُّمِ للمُكَلَّفِ عندَ فَقْدِ الماءِ وعدَمُ إلزامِه
بقَبولِ هِبَةِ ثَمَنِ الماءِ للوُضوءِ ؛ لما في ذلك من الْمِنَّةِ التي
تَنالُ من الْهِمَّةِ مَنَالًا وعلى هذا فقِسْ ، واللهُ أَعْلَمُ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (الفصل الخامس آداب الطالب في حياته العلمية:
الأمر الرابع والعشرون- كِبَرُ الْهِمَّةِ في العِلْمِ :
من
سجايا الإسلامِ التَّحَلِّي بكِبَرِ الْهِمَّةِ ؛ مرْكَزِ السالِبِ
والموجِبِ في شَخْصِك ، الرقيبِ على جوارِحِك ، كِبَرُ الْهِمَّةِ يَجْلُبُ
لك بإذْنِ اللهِ خَيْرًا غيرَ مَجذوذٍ ، لتَرْقَى إلى دَرجاتِ الكَمالِ ،
فيُجْرِيَ في عُروقِك دَمَ الشَّهَامةِ ، والرَّكْضَ في مَيدانِ العِلْمِ
والعَمَلِ ، فلا يَراكَ الناسُ وَاقِفًا إلا على أبوابِ الفضائلِ ولا
باسطًا يَدَيْكَ إلا لِمُهِمَّاتِ الأمورِ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (وهذا
من أهم ما يكون، أن يكون الإنسان في طلب العلم له هدف ليس مراده مجرد قتل
الوقت بهذا الطلب بل يكون له همة , ومن أهم همم طالب العلم أن يريد القيادة
والإمامة للمسلمين في علمه , ويشعر أن هذه درجة هو يرتقي إليها درجة درجة
حتى يصل إليها , وإذا كان كذلك فسوف يرى أنه واسطة بين الله عز وجل وبين
العباد في تبليغ الشرع , هذه مرتبة ثانية , وإذا شعر بهذا الشعور فسوف يحرص غاية الحرص على اتباع ما جاء في الكتاب والسنة معرضاً عن آراء الناس
, إلا أنه يستأنس بها ويستعين بها على معرفة الحق , لأن ما تكلم به
العلماء رحمهم الله من العلم لا شك أنه هو الذي يفتح الأبواب لنا , وإلا
لما استطعنا أن نصل إلى درجة أن نستنبط الأحكام من النصوص أو نعرف الراجح
من المرجوح وما أشبه ذلك .
فالمهم أن يكون الإنسان عنده همة , وهو بإذن الله إذا نوى هذه النية فإن الله سبحانه وتعالى سيعينه على الوصول إليها .
القارئ: (والتَّحَلِّي
بها يَسْلُبُ منك سَفاسِفَ الآمالِ والأعمالِ ، ويَجْتَثُّ منك شَجرةَ
الذُّلِّ والهوانِ والتمَلُّقِ والْمُداهَنَةِ فَكَبِيرُ الْهِمَّةِ ثابتُ
الْجَأْشِ ، لا تُرْهِبُهُ المواقِفُ ، وفاقِدُها جَبانٌ رِعديدٌ ،
تُغْلِقُ فَمَه الفَهَاهَةُ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هذا صحيح . التحلي بعلو الهمة يسلب عنك سفاسف الآمال والأعمال .
الآمال : هي أن يتمنى الإنسان الشيء دون السعي في أسبابه , فإن المؤمن كيس فطن لا تلهه الآمال , بل ينظر الأعمال ويرتقب النتائج .
وأما
من تلهيه الآمال ويقول : إن شاء الله أقرأ هذا , أراجع هذا , الآن أستريح
وبعد ذلك أراجع . أو تلهيه الآمال بما يحدث للإنسان أحياناً , يتصفح الكتاب
من أجل مراجعة مسألة من المسائل ثم يمر به في الفهرس أو في الصفحات مسائل
تلهيه عن المقصود الذي من أجله فتح الكتاب ليراجع وهذا يقع كثيراً , فينتهي
الوقت وهو لم يراجع المسألة التي من أجلها صار يراجع هذا الكتاب أو فهرس
هذا الكتاب فإياك والآمال المخيبة . اجعل نفسك قوي العزيمة عالي الهمة .
وقد مر علينا أحاديث تدل على أن العناية بالمقصود قبل كل شيء. مثل عتبان بن
مالك جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى بيته ليصلي في مكان يتخذه
عتبان مصلى فواعده النبي عليه الصلاة والسلام فأعد لرسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم طعاما وأخبر الجيران بذلك فخرج النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم فلما وصل البيت أخبره عتبان بما صنعه ولكن النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم قال أرني المكان الذي تريد أن أصلي فيه فأراه المكان
وصلى قبل أن يأكل الطعام وقبل أن يجلس إلى القوم لأنه جاء لغرض فلا تشتغل
عن الغرض الذي تريده بأشياء لا تريدها من الأصل لأن هذايضيع عليك الوقت وهو
من علو الهمة.
القارئ: (ولا
تَغْلَطْ فتَخْلِطْ بينَ كِبَرِ الْهِمَّةِ والكِبْرِ ؛ فإنَّ بينَهما من
الفَرْقِ كما بينَ السماءِ ذاتِ الرَّجْعِ والأرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ .
كِبَرُ الْهِمَّةِ حِلْيَةُ وَرَثَةِ الأنبياءِ ، والكِبْرُ داءُ الْمَرْضَى بعِلَّةِ الْجَبابِرَةِ البُؤَسَاءِ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((كبر
الهمة) إن الإنسان يحفظ وقته ويعرف كيف يصرفه ولا يضيع الوقت بغير فائدة ,
وإذا جاءه إنسان يرى أن مجالسته فيها إهمال وإلهاء عرف كيف يتصرف .
(
وأما كبر النفس ) فهو الذي يحتقر غيره ولا يرى الناس إلا ضفادع ولا يهتم
وربما يصعر وجهه وهو يخاطبهم فكما قال الشيخ بكر: بينهما كما بين السماء
ذات الرجع والأرض ذات الصدع .
القارئ: (فيا
طالبَ العلْمِ ! ارْسُمْ لنفسِكَ كِبَرَ الْهِمَّةِ ، ولا تَنْفَلِتْ منه ،
وقد أَوْمَأَ الشرْعُ إليها في فِقْهِيَّاتٍ تُلابِسُ حياتَك ؛ لتكونَ
دائمًا على يَقَظَةٍ من اغتنامِها ، ومنها إباحةُ التيَمُّمِ للمُكَلَّفِ
عندَ فَقْدِ الماءِ وعدَمُ إلزامِه بقَبولِ هِبَةِ ثَمَنِ الماءِ للوُضوءِ ؛
لما في ذلك من الْمِنَّةِ التي تَنالُ من الْهِمَّةِ مَنَالًا وعلى هذا
فقِسْ ، واللهُ أَعْلَمُ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (يعني
من علو الهمة أن لا تكون متشوفاً لما في أيدي الناس , لأنك إذا تشوفت
ومَنَّ الناسُ عليك ملكوك؛ لأن المنة ملك للرقبة في الواقع.
لو أعطاك الإنسان قرشاً لوجد أن يده أعلى من يدك كما جاء في الحديث : ( اليد العليا خير من اليد السفلى)
واليد العليا هي المعطية , والسفلى هي الآخذة , لا تبسط يدك للناس ولا تمد كفك إليهم.
إذا
كان الإنسان عادم الماء لو وهب له الماء لم يلزمه قبوله بل يعدل إلى التيمم
خوفاً من المنة مع أن الوضوء بالماء فرض للقادر عليه , ولهذا فرق الفقهاء
رحمهم الله بين أن تجد من يبيعه ومن يهديه .
فقالوا
: من يبيعه اشتر منه وجوباً لأنه لا منة له , حيث أنك تعطيه العوض . ومن
أهدى عليك لا يلزمك قبوله . من أجل أن منته تقطع رقبتك , ولكن إذا كان الذي
أهدى الماء لا يمن عليك به , بل يرى أنك أنت المان عليه بقبوله , أو من
جرت العادة بأنه لا منة بينهم مثل الأب مع ابنه , والأخ المشفق مع أخيه وما
أشبه ذلك .
فهنا ترتفع العلة , وإذا ارتفعت العلة ارتفع الحكم . والمهم أن من علو الهمة وكبرها ألا يكون الإنسان مستشرفاً لما في أيدي الناس .
بعض
الناس يكون عنده أسلوب في السؤال، أي في سؤال المال , إذا رأى مع إنسان
شيئا يعجبه أخذه بيده وقام يقلبه، ما أحسن هذا، ما شاء الله، من أين
اشتريته؟ هل يوجد في السوق ؟ لأجل ماذا ؟ حتى يعطيه إياه لأن الكريم سوف
يخجل ويقول : إنه ما سأل هذا السؤال إلا من أجل أن أقول: (تعمل عليه) فخذه .
هو إذا قال (تعمل عليه) ماذا يقول؟ لا يا أخي فالمهم أن بعض الناس يستشرف
أو يسأل بطريق غير مباشر، وكل هذا مما يحط قدر طالب العلم وقدر غيره أيضاً.
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
الفصلُ الخامسُ : آدابُ الطالبِ في حياتِه العِلْمِيَّةِ
24-كِبَرُ الْهِمَّةِ في العِلْمِ :
من
سجايا الإسلامِ التَّحَلِّي بكِبَرِ الْهِمَّةِ ؛ مرْكَزِ السالِبِ
والموجِبِ في شَخْصِك ، الرقيبِ على جوارِحِك ، كِبَرُ الْهِمَّةِ يَجْلُبُ
لك بإذْنِ اللهِ خَيْرًا غيرَ مَجذوذٍ ، لتَرْقَى إلى دَرجاتِ الكَمالِ ،
فيُجْرِيَ في عُروقِك دَمَ الشَّهَامةِ ، والرَّكْضَ في مَيدانِ العِلْمِ
والعَمَلِ ، فلا يَراكَ الناسُ وَاقِفًا إلا على أبوابِ الفضائلِ ولا
باسطًا يَدَيْكَ إلالِمُهِمَّاتِ الأمورِ .
والتَّحَلِّي
بها يَسْلُبُ منك سَفاسِفَ الآمالِ والأعمالِ ، ويَجْتَثُّ منك شَجرةَ
الذُّلِّ والهوانِ والتمَلُّقِ والْمُداهَنَةِ فَكَبِيرُ الْهِمَّةِ ثابتُ
الْجَأْشِ ، ولا تُرْهِبُهُ المواقِفُ ، وفاقِدُها جَبانٌ رِعديدٌ ،
تُغْلِقُ فَمَه الفَهَاهَةُ .
ولاتَغْلَطْ
فتَخْلِطْ بينَ كِبَرِ الْهِمَّةِ والكِبْرِ ؛ فإنَّ بينَهما من الفَرْقِ
كما بينَ السماءِ ذاتِ الرَّجْعِ والأرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ .
كِبَرُ
الْهِمَّةِ حِلْيَةُ وَرَثَةِ الأنبياءِ ، والكِبْرُ داءُ الْمَرْضَى
بعِلَّةِ الْجَبابِرَةِ البُؤَسَاءِ ، فيا طالبَ العلْمِ ! ارْسُمْ لنفسِكَ
كِبَرَ الْهِمَّةِ ، ولا تَنْفَلِتْ منه ، وقد أَوْمَأَ الشرْعُ إليها في
فِقْهِيَّاتٍ تُلابِسُ حياتَك ؛ لتكونَ دائمًا على يَقَظَةٍ من اغتنامِها ،
ومنها إباحةُ التيَمُّمِ للمُكَلَّفِ عندَ فَقْدِ الماءِ وعدَمُ إلزامِه
بقَبولِ هِبَةِ ثَمَنِ الماءِ للوُضوءِ ؛ لما في ذلك من الْمِنَّةِ التي
تَنالُ من الْهِمَّةِ مَنَالًا وعلى هذا فقِسْ ، واللهُ أَعْلَمُ .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (القسم الخامس من أقسام آداب طالب العلم
؛ الآداب المتعلقة بحياته العلميّة ، وذكر الأدب الرابع والعشرين : وهو
كبر الهمّة في العلم ؛ بحيث يكون مقصود الإنسان في التعلم مقصودا كبيرا ،
ولا يقتصر على الهدف الضعيف القليل ، جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله
عليه وسلم قال : "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى منها ، فإنها أعلى الجنة وأوسط الجنة والعرش فوقها هكذا"
فلم يقتصر في هذه الهمة
في الجنة في أدنى درجاتها ، بل رغّب في أعلى الدرجات ، وكبر الهمّة في
العلم بكون المرء يقصد بتعلمه وجه الله والدار الآخرة ، ويكون هدفه تحصيل
جميع العلوم التي ترضي رب العالمين ، فلا يستصغر قدرته عند علم من العلوم ،
وإنما يبذل من الأسباب ما تجعله يحصّل علما كثيرا ، وأضرب لذلك مثلا :
في المدارس النظاميّة
إذا جاء طالب ورَغِب أن يكون عنده معدلٌ تام ، بأن يحصّل مئة من مئة ، فإنه
حينئذ يبذل سببا كثيرا قد لا يحصّل إلا خمسة وتسعين ، لكن حصّل شيئا كثيرا
، أما من قصد النجاح فقط وكانت همته في أن يتجاوز المقرر ، ففي غالب
أحواله لن يتمكّن من النجاح.
قال المؤلف: (من سجايا الإسلام التحلّي بكبر الهمّة) بحيث يكون مقصود الطالب أعلى الدرجات ، وكبر الهمّة هو (مركز السالب والموجب في شخصك) ، فهو الذي يدفعك إلى اكتساب الفضائل العالية، وهو الذي يجعلك تراقب جوارحك ، بحيث لا تعصي الله بها.
(كبر الهمّة يجلب لك خيرا غير مجذوذ) يعني غير مقطوع ، وغير منقطع ، (لترقى بذلك إلى أعلى درجات الكمال)،
كبر الهمة (يُجري في عروقك دم الشهامة) ،
ويجعلك تواظب ، وتبذل من نفسك في ميدان العلم والعمل ، فحينئذ تصبح ممن
قَصَر نفسه على أفضل الأعمال ، ولا يجعلك تتوجه إلى الأمور التوافه، ولا
تشغل وقتك بما لا تنتفع به.
التحلّي بكبر الهمّة يبعد عنك الأمور التي لا قيمة لها من الأعمال والآمال ، فسفاسف الآمال والأعمال بعيدة عنك ، كبر الهمة يبعد عنك (شجرة الذل والهوان) ، لأنه يجعلك تمضي للحق والخير ، ويبعد عنك (التملّق والمداهنة) ، لأنك قد لاحظت ربّ العزة والجلال فلم يؤثر فيك مطالعة الناس لعملك ، كبير الهمّة (ثابت الجأش)
بحيث يكون قويّا شديدا ، لا ترهبه أدنى حركة ، فسماع الأصوات ومشاهدة
الأشخاص لا تجعله يتزعزع عن موقفه ، ففاقد كبر الهمّة تجده يخاف من كل صوت ،
وأدنى رعدة تجعله يبعد عن ما يقصده من الخير ومن العمل الصالح ، بل صغر
الهمّة يجعل الإنسان لا يتمكن من الكلام ، لمجرّد أدنى كلمة.
يقول : (لا تغلط فتخلط بين كبر الهمّة والكبر)
كبر الهمّة أن يكون هدفك عاليا ، والكبر ترفع نفسك عن الخلق ، وعدم قبولك
للحق ، فإنّ بين الكبر وكبر الهمّة فرق كبير كالسماء ذات الرجع والأرض ذات
الصدع ، الرجع التي تأتي فيها السحب ، والأرض ذات الصدع التي تتصدّع من أجل
ظهور النبات فيها.
(كبر الهمّة) صفة و(حلية ورثة الأنبياء) ؛ العلماء ، لكن (الكبر ) هذا ليس من صفة العلماء بل هو (داء للمرضى) الذين ابتلوا بعلة (الجبابرة البؤساء).
وحينئذ لاحظ أحكام
الشرع ؛ فإنها ترغبك في كبر الهمّة ، وسواء كان في العلم أو في العمل ، ففي
العمل مثلا : انظر إلى ترغيب الشارع للأعمال الصالحة ، يقول الله عز وجل
في الحديث القدسي : "ما تقرب إليّ عبادي بمثل ما افترضت عليهم ، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه" جعلك تقصد الجمع بين الفرائض والنوافل كلها ، انظر فيما يتعلّق بالعلم ، قول الله عزوجل: "وقل رب زدني علما" طلبت كمال العلم وزيادته ، فهكذا أيضا طلبت زيادة العلم لكبر همّتك.
قال المؤلف : (انظر لمسألة إباحة التيمم للمكلّف عند فقد الماء) عندما لا تجد ماء يجوز لك أن تتيمم ، لقوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا).
لو قدّر أنّ هناك شخص
معك ، وقال: خذ ثمن الماء واشتري به ماء. نقول : لا يلزمه أخذ هذا المال ،
ويجوز له التيمم ، لماذا؟ لأنّ في أخذ هذا المال منّة للمُعطِي على المعطَى
، وهذا ينال من الهمّة منالا ، فينقص من همّة الإنسان.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى" وقال: "المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف" ، نعم.
النَّهْمَةُ في الطَّلَبِ
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (25- النَّهْمَةُ في الطَّلَبِ :
إذا عَلِمْتَ الكلمةَ المنسوبةَ إلى الخليفةِ الراشدِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ
رَضِي اللهُ عَنْهُ : ( قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحْسِنُه ) وقد قِيلَ : ليس
كلمةٌ أحَضَّ على طَلَبِ العلْمِ منها ؛ فاحْذَرْ غَلَطَ القائلِ : ما
تَرَكَ الأَوَّلُ للآخِرِ . وصوابُه : كم تَرَكَ الأَوَّلُ للآخِرِ .
فعليك بالاستكثارِ من مِيراثِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وابْذُل الوُسْعَ في الطلَبِ والتحصيلِ والتدقيقِ ، ومَهْمَا بَلَغْتَ في
العِلْمِ ؛ فتَذَكَّرْ ( كم تَرَكَ الأوَّلُ للآخِرِ ) .
وفي تَرجمةِ أحمدَ بنِ عبد الجليلِ من ( تاريخِ بَغدادَ ) للخطيبِ ذِكْرٌ من قصيدةٍ له:
لا يَكونُ السَّرِيُّ مِثْلَ الدَّنِيِّ = لا ولا ذو الذكاءِ مثلَ الغَبِيِّ
قيمةُ المرءِ كُلَّمَا أَحْسَنَ الْمَرْ = ءُ قضاءً من الإمامِ عَلِيِّ
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
25- النهمة في الطلب:
إذا علمت الكلمة المنسوبة إلى الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
«قيمة
كل امرئ ما يحسنه»، وقد قيل: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها، فاحذر غلط
القائل: ما ترك الأول للآخر. وصوابه: كم ترك الأول للآخر!
فعليك
بالاستكثار من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وابذل الوسع في الطلب
والتحصيل والتدقيق، ومهما بلغت في العلم، فتذكر: «كم ترك الأول للآخر»!
إن كل إنسان يحسن الفقه
والشرع صار له قيمة، أحسن مما يحسن فتل الحبال مثلا. لأن كل منهما يحسن
شيئا، لكن فرق بين هذا وهذا فقيمة كل امرئ ما يحسنه. «وقد قيل: ليس كلمة
أحض على طلب العلم منها» وهذا القيل ليس بصحيح. أشد كلمة في الحض على طلب
العلم قول الله تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (سورة الزمر: 90). وقوله تعالى : (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (سورة المجادلة: 11). وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» .
وقوله صلى الله عليه وسلم :«العلماء ورثة الأنبياء »
. وأشباه ذلك مما جاء في الحث على طلب العلم، لكن ما نقل عن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه هي كلمة لا شك أنها جامعة، لكن لا شك أنها ليست أحسن ما
قيل في الحث على طلب العلم.
وقوله :«ما ترك الأول
للآخر» إما تكون «ما» نافية أو استفهامية فإن كانت «نافية» فالمعنى: ما ترك
الأول للآخر شيئا. وإن كانت «استفهامية» فيكون المعنى: أي شيء ترك الأول
للآخر؟
وكلا المعنيين يوجب أن
يتثبط الإنسان عن العلم، ويقول كل العلم أخذ من قبلي فلا فائدة. فيكون بذلك
تثبيط لهمته، لأنه إذا قيل لك: أن من قبلك أخذوا كل شيء. ستقول إذا ما
الفائدة.
أما إذا قيل: كم ترك الأول
للآخر، فالمعنى: ما أكثر ما ترك الأول للآخر، وهذا يحملك على أن تبحث على
كل ما قاله الأولون، ولا يمنعك من الزيادة على ما قال الأولون.
ولا شك أن المعنى الصواب: كم ترك الأول للآخر. فإن قيل: إن الشاعر الجاهلي يقول:
ما أرانا نقول إلا معارا ** أو معادا من قولنا مكرور
فهل هذا صواب؟ الجواب: لا
هذا ليس بصواب، وما أكثر الأشياء الجديدة التي تكلمنا بها ولم يتكلم بها من
قبلنا. أما إن أراد بهذا حروف الكلمات أو الكلمات، وهذا صحيح لو أراد
المعاني.
ولعل الشاعر الجاهلي أراد أنه كل ما يقال من الكلمات والحروف فإنه إما معار أخذه من غيره، وإما معاد.
لكن إذا كان البيت بهذا المعنى فقيمته ضعيفة جدا، رخيصة لأن هذا معلوم لا يحتاج إلى أن ينشره الإنسان في بيت شعر.
قوله :«فعليك
بالاستكثار..» يحثك على أن تستكثر من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك
العلم لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا درهما ولا دينارا
وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر من ميراث الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام.
ثم اعلم أن ميراث النبي
صلى الله عليه وسلم إما أن يكون بالقرآن الكريم أو بالسنة النبوية. فإن كان
بالقرآن الكريم، فقد كفيت إسناده والنظر فيه، لأن القرآن لا يحتاج إلى
النظر بالسند لأنه متواتر أعظم التواتر.
أما إذا كان بالسنة
النبوية فلا بد أن تنظر في السنة النبوية، أولا هل صحت نسبه إلى الرسول صلى
الله عليه وسلم أم لم تصح؟ فإن كنت تستطيع أن تمحص ذلك بنفسك فهذا هو
الأولى؟ وإلا:
إذا لــم تستـطـع شيـئـا فـدعـه ... وجــاوزه إلــى مــا تستـطـيـع
قوله: «ابذل الوسع» يعني الطاقة في التدقيق، أمر مهم لأن بعض الناس يأخذ بظواهر
النصوص وبعمومها دون أن يدقق. هل هذا الظاهر مراد أم غير مراد؟ وهل هذا
العام مخصص أم غير مخصص؟ أم هذا العام مقيد أم غير مقيد؟
فتجده يضرب السنة بعضها
ببعض لأنه ليس عنده علم في هذا الأمر. وهذا يغلب على كثير من الشباب اليوم
الذين يعتنون بالسنة تجد الواحد منهم يتسرع في الحكم المستفاد من الحديث،
أو في الحكم على الحديث. هذا خطر عظيم.
يقول «مهما بلغت في العلم
فتذكر: كم ترك الأول للآخر» هذا طيب، ولكن نقول: إن أحسن من ذلك مهما بلغت
في العلم، فتذكر قول الله عز وجل : (وفوق كل ذي علم عليم) (سورة يوسف: 76). وقوله (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (سورة الإسراء: 85).
وفي ترجمة أحمد بن عبد الجليل من «تاريخ بغداد» للخطيب ذكر من قصيدة له:
لا يكون السري مثل الدني ... لا ولا ذو الذكاء مثل الغبي
قيمة المرء كلما أحسن المرء ... قضاء من الإمـام علـي
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
25-النَّهْمَةُ في الطَّلَبِ :
إذا
عَلِمْتَ الكلمةَ المنسوبةَ إلى الخليفةِ الراشدِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ
رَضِي اللهُ عَنْهُ : ( قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحْسِنُه ) وقد قِيلَ : ليس
كلمةٌ أحَضَّ على طَلَبِ العلْمِ منها ؛ فاحْذَرْ غَلَطَ القائلِ : ما
تَرَكَ الأَوَّلُ للآخِرِ . وصوابُه : كم تَرَكَ الأَوَّلُ للآخِرِ .
فعليك
بالاستكثارِ من مِيراثِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وابْذُل الوُسْعَ في الطلَبِ والتحصيلِ والتدقيقِ ، ومَهْمَا بَلَغْتَ في
العِلْمِ ؛ فتَذَكَّرْ ( كم تَرَكَ الأوَّلُ للآخِرِ) .
وفي تَرجمةِ أحمدَبنِ عبد الجليلِ من ( تاريخِ بَغدادَ ) للخطيبِ ذِكْرٌ من قصيدةٍ له :
لا يَكـونُ السَّـرِيُّ مِثْـلَ الـدَّنِـيِّ ... لا ولا ذو الذكـاءِ مثـلَ الغَـبِـيِّ
قيمةُ المرءِ كُلَّمَا أَحْسَنَ الْمَرْءُ ... قـضــاءً مــــن الإمــــامِ عَــلِــيِّ
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (الأدب الخامس والعشرون من آداب طالب العلم :
النهمة في الطلب ، بحيث تستمر الرغبة في طلب العلم مع الإنسان، ولا يقنع
بالقليل منهُ ، وتستمر معه هذه الرغبة ، وقد جاء في الخبر أنّ طالب العلم
لا يُشبع نهمته مهما حصّل من العلم ، واثنان منهومان ، ذكر منهما: طالب
العلم.
فطالب العلم ، لا تتوقف رغبته عند حدّ ، لأنّ العلم بحر لا ساحل له ، ومن هنا
فالمرء يحرص على تحصيل أكبر قدر منه ، وبعض الناس يقول : لأنكم يا أيها
الطلاب لم تأتوا بشيء جديد ، وحينئذ فلماذا تتعبون أنفسكم بطلب العلم.
فيقال لهم : أولا
نحن نطلب العلم وتزداد رغبتنا فيه من أجل إرضاء رب العزة والجلال ، ومن
أجل الدخول في الجنة ، فلو قدّر أننا لن نأتي بشيء جديد ، فنحن سنحصل على
الأجر والثواب.
الأمر الثاني :
بأنّ الله جل وعلا من رحمته بعباده أن جعل أهل العلم يعرفون ويكتشفون في
كل زمان ما عجز عنه الأوائل ، هذا من رحمة الله حتى يستمر العلم وتستمر
النهمة في طلبه.
الأمر الثالث :
أنّ الناس تنتابهم أوقات جهالات يُنسى فيه العلم ، فالعالم وإن لم يأت
بشيء جديد إلا أنه يرشد الأمة إلى طريقتها الأولى ، طريقة النبوّة.
الأمر الرابع : أنه ما من زمان إلا وفيه أُناس يبثّون الشبهات على الخلق ، فطالب العلم هو المخوّل لكشف هذه الشبهات.
وحينئذ كان الأولى أن يقال : كم ترك الأول للآخر.
وحينئذ لنستكثر من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ، ما هو ميراث النبي صلى الله عليه وسلم؟ العلم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : "العلماء ورثة الأنبياء"
(وابذل الوسع في الطلب)
اطلب علما كثيرا ، كذلك ابذل الوسع في التحصيل وفي التدقيق ، لا تكتفي
بأخذ الأقوال فقط ، وإنما دقّق بينها ، وميّز بينها ، واعرف ما ينفعك منها ،
ومهما بلغت في العلم فتذكّر : كم ترك الأول للآخر.نعم.
الرِّحْلَةُ للطَّلَبِ
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (26- الرِّحْلَةُ للطَّلَبِ :
(
من لم يكنْ رُحْلَةً لن يكونَ رُحَلَةً ) فمَن لم يَرْحَلْ في طَلَبِ
العلْمِ للبحْثِ عن الشيوخِ ، والسياحةِ في الأَخْذِ عنهم ؛ فيَبْعُدُ
تأَهُّلُه ليُرْحَلَ إليه ؛ لأنَّ هؤلاءِ العلماءَ الذين مَضَى وقتٌ في
تَعَلُّمِهم وتَعليمِهم ، والتَّلَقِّي عنهم : لديهم من التَّحريراتِ
والضبْطِ والنِّكاتِ العِلْمِيَّةِ ، والتجارُبِ ما يَعِزُّ الوُقوفُ عليه
أو على نظائرِه في بُطونِ الأسفارِ .
واحْذَر القُعودَ عن هذا على مَسْلَكِ الْمُتَصَوِّفَةِ البطَّالِينَ ، الذين يُفَضِّلُونَ ( علْمَ الْخِرَقِ على علْمِ الوَرَقِ ) .
وقد قيلَ لبعضِهم : ألا تَرْحَلُ حتى تَسمعَ من عبدِ الرزاقِ ؟ فقالَ : ما
يَصنَعُ بالسماعِ من عبدِ الرزَّاقِ مَن يَسمَعُ من الْخَلَّاقِ ؟!
وقال آخَرُ :
إذا خاطَبُونِي بعِلْمِ الوَرَقِ = برَزْتُ عليهم بعِلْمِ الْخِرَقِ
فاحْذَرْ هؤلاءِ ؛ فإنهم لا للإسلامِ نَصَرُوا ، ولا للكُفْرِ كَسَرُوا ، بل فيهم مَن كان بأسًا وبلاءً على الإسلامِ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (26- الرحلة للطلب:
«من لم
يكن رحلة لن يكون رحلة»: فمن لم يرحل في طلب العلم، للبحث عن الشيوخ،
والسياحة في الأخذ عنهم، فيبعد تأهله ليرحل إليه، لأن هؤلاء العلماء الذين
مضى وقت في تعلمهم، وتعليمهم، والتلقي عنهم: لديهم من التحريرات، والضبط،
والنكات العلمية، والتجارب، ما يعز الوقوف عليه أو على نظائره في بطون
الأسفار.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (قوله: «من لم يكن رحلة لن يكون رحلة» لعل: من لم يكن له.... يرجع إلى الأصل.
قوله: «التجارب» مكسور حرف
الراء. والتجربة غلط ما هي لغة عربية، رغم أنها في الشائع بين الناس الآن،
حتى طلبة العلم، يقول: تجارب، تجربة. رغم أن الصواب كسر الراء. والمعنى:
أن من لم يكن له رحلة في طلب العلم فلن يرحل إليه وتأتي الناس إليه.
القارئ: (واحذر
العقود عن هذا على مسلك المتصوفة البطالين، الذين يفضلون «علم الخرق» على
«علم الورق». وقد قيل لبعضهم: ألا ترحل حتى تسمع من عبد الرزاق؟ فقال: ما
يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الخلاق؟!
وقال آخر:
إذا خاطبوني بعلم الورق=برزت عليهم بعلم الخرق
فاحذر هؤلاء، فإنهم لا للإسلام نصروا، ولا للكفر كسروا، بل فيهم من كان بأسا وبلاء على الإسلام.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الصوفية يدعون أن الله يخاطبهم ويوحي إليهم، وأنه يزورهم ويزورونه وهذا من خرافاتهم.
والعبارة الأخيرة مأخوذة
من كلام شيخ الإسلام رحمه الله في المتكلمين قال في هؤلاء :«لا للإسلام
نصروا ولا للفلاسفة كسروا» يعني أنهم ما نصروا الإسلام الذي جاء لذلك أن
هؤلاء المتكلمين حرفوا النصوص عن ظاهرها وأولوها إلى معان أو جددوها بما
يزعمون أنه عقل، فتسلط عليهم الفلاسفة وقالوا لهم: أنتم إذا أولتم آيات
الصفات وأحاديث الصفات، مع ظهورها ووضوحها، فاسمحوا لنا أن نأول آيات
المعاد، أي آيات اليوم الآخر فإن ذكر أسماء الله وصفاته في الكتب الإلهية
أكثر بكثير من ذكر المعاد وما يتعلق به، فإذا أبحتم لأنفسكم أن تأولوا في
أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة، فاسمحوا لنا أن نأول في آيات
المعاد وننكر المعاد رأسا ولا شك أن هذه حجة قوية لهؤلاء الفلاسفة على
هؤلاء المتكلمين، إذ لا فرق.
المهم أن الشيخ وفقه الله
هاجم الصوفية، فهم جديرون بالمهاجمة، لأن بعضهم يصل إلى حد الكفر والإلحاد
بالله، حتى يعتقد أنه هو الرب كما يقول بعضهم «ما في الجبة إلا الله» يعني
نفسه. ويقول:
الرب عبد والعبد رب = يا ليت شعري من المكلف
يعني هما شيء واحد. إلى
أمثال ذلك من الخرافات التي يقولونها، لكن ينبغي أيضا أن نهاجم ونركز على
مهاجمة أهل الكلام الذين سلبوا الله من كماله بكلامهم انكروا الصفات، فمنهم
من أنكر الصفات رأسا كالمعتزلة . ومنهم من أثبت الأسماء،
لكن جعلها أسماء جامدة لا تدل على معنى، وغالى بعضهم وقال: إنها أسماء
واحدة، وأن السميع هو البصير، وأن السميع والبصير هما العزيز وهما شيء
واحد. وغالى بعضهم فقال: هي أسماء متعددة، لكن لا تدل على معنى.
مسلوبة المعنى.
لأنهم لو أثبتوا لها معنى-
بزعمهم- لزم تعدد الصفات، وبتعددها وبتعدد الصفات يرون أنه شرك، لأنهم
يقولون يلزم تعدد الصفات القديمة كالعلم والسمع والبصر، فيلزم من ذلك تعدد
القدماء، وهو أشد شركا من النصارى.
فالحاصل أنه أيضا ينبغي أن يهاجم على أهل الكلام الذين عطلوا لله مما يجب له من صفات كمال بعقول واهية.
والعلماء رحمهم الله الذين
تكلموا عن الرحلة لم يدركوا هذا الأثر، الأشرطة المسجلة تغني عن الرحلة،
لكن الرحلة أكبر لأن الرحلة إلى العالم، يكتسب الإنسان من علمه وأدبه
وأخلاقه، ثم يترك الرجل يتكلم ليس كما يعمله إياه في الشريط.
مثلا: الخطبة، أنت عند رجل يخطب وكلامه جيد... تتأثر به لكن لو تسمع هذا الكلام من الشريط لن تتأثر به تأثرك وأنت تشاهد الخطيب.
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
26- الرِّحْلَةُ للطَّلَبِ :
(من
لم يكنْ رُحْلَةً لن يكونَ رُحَلَةً ) فمَن لم يَرْحَلْ في طَلَبِ العلْمِ
للبحْثِ عن الشيوخِ ، والسياحةِ في الأَخْذِ عنهم ؛ فيَبْعُدُ تأَهُّلُه
ليُرْحَلَ إليه ؛ لأنَّ هؤلاءِ العلماءَ الذين مَضَى وقتٌ في تَعَلُّمِهم
وتَعليمِهم ، والتَّلَقِّي عنهم : لديهم من التَّحريراتِ والضبْطِ
والنِّكاتِ العِلْمِيَّةِ ، والتجارُبِ ما يَعِزُّ الوُقوفُ عليه أو على
نظائرِه في بُطونِ الأسفارِ .
واحْذَر القُعودَ عن هذا على مَسْلَكِ الْمُتَصَوِّفَةِ البطَّالِينَ ، الذين يُفَضِّلُونَ ( علْمَ الْخِرَقِ على علْمِ الوَرَقِ) .
وقد
قيلَ لبعضِهم : ألاتَرْحَلُ حتى تَسمعَ من عبدِ الرزاقِ ؟ فقالَ : ما
يَصنَعُ بالسماعِ من عبدِالرزَّاقِ مَن يَسمَعُ من الْخَلَّاقِ ؟!
وقال آخَرُ :
إذا خاطَبُونِـي بعِلْـمِ الـوَرَقِ برَزْتُ عليهم بعِلْمِ الْخِرَقِ
فاحْذَرْ هؤلاءِ ؛ فإنهم لا للإسلامِ نَصَرُوا ، ولا للكُفْرِ كَسَرُوا ، بل فيهم مَن كان بأسًا وبلاءً على الإسلامِ.
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (هذا أدب آخر من آداب طلب العلم وهو :
الرحلة في طلب العلم لملاقاة العلماء ، وقد قصّ الله عز وجل علينا قصّة
موسى عليه السلام عندما سافر إلى الخَضِر ؛ من أجل أن يستفيد من علمه ،
وانظر أيضا في الأخبار ، أخبار الصحابة عندما كان ينتقل بعضهم إلى النبي
صلى الله عليه وسلم من أجل طلب العلم ، كما في حديث مالك بن الحويرث.
وانظر إلى أخبار أبي
هريرة عندما انتقل ليسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقصة أبي ذر في آخر
صحيح مسلم عندما ارتحل من أجل طلب العلم ، وهكذا أيضا لم يزل علماء
الإسلام يرحلون من أجل طلب العلم ، وينتقلون من مكان إلى مكان ، من أجل ذلك
الهدف العظيم.
فالارتحال يحصل فيه عدد من الأمور :
الأول :
تنويع التلقي عن العلماء ، فإنّ من خالط علماء كُثر شاهد مناهج مختلفة ،
وشاهد طرائق مختلفة في التعليم ، وفي ما يحسنون من العلوم ، وفي طريقة
التعلم والتعليم ، وفي الكتب التي تُدرس.
أما من اقتصر على شيخ واحد لن يحصل له مثل ذلك ، إلا أن يكون عالما متفننا في علوم مختلفة.
الفائدة الثانية:
أنّ الراحل لطلب العلم يعوّد نفسه على اشتياق التعلم ، وعلى الاشتياق
لمعرفة العلماء ، والتفنن في العلم ، فبذلك تنشط نفسه في التعلم.
الفائدة الثالثة : أنّ الراحل المسافر في طلب العلم يجد في وقته فسحة في طلب العلم ، وحينئذ يكون ذلك أدعى لحفظه العلم ، ولكونه يعي ما يتعلّمه.
الفائدة الرابعة : أنّ الرحلة تجعل الإنسان يقارن قرناء يماثلونه في الهدف والمقصد لطلب العلم فيكون لذلك أثر عظيم في تنشيط النفس على التعلم.
الفائدة الخامسة :
أنّ المرء عند تنقله من مكان إلى مكان ، حينئذ تعرف نفسه قيمتها ، ولا
ينغر بما كان عليه من حال جيد قبل سفره ورحلته ، ومن ثم تعرف النفس قيمتها ،
فتبذل ما تستطيعه في ترفيع شأنها ، وتعلية مكانتها عند الله عزوجل.
قال المؤلف : (فمن لم يرحل في طلب العلم ، للبحث عن الشيوخ ، والسياحة في الأخذ عنهم ، فيبعد تأهله ليُرحل إليه) جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمضي زمان حتى تضرب الإبل فلا تجد عالما أفضل من عالم المدينة" فهذا فيه دلالة على مشروعية الرحلة لطلب العلم.
لماذا؟ لأنّ العلماء قد
أمضوا أوقاتا عديدة ، فشاهدوا شيوخا كثيرين ، وعرفوا طرائق في التعلّم
والتعليم ، ولذلك يجد الإنسان عندهم تحريرات بحيث يحرّرون المسائل ،
ويعرفون المراد بها ، وعندهم ضبط ، ضبط للألفاظ ، وضبط للمسائل ، ومعرفة
للفرق بينها ، وكذلك عندهم نكات علميّة ، والمراد بالنكتة العلميّة :
الشيء العلمي النافذ ، الذي لا يحصّله الإنسان عند أي مؤلف أو في أي كتاب ،
وكذلك يحصّل الإنسان عند هؤلاء العلماء التجارب ، فهم قد مارسوا وعرفوا
أحوال الناس ، وعرفوا حقائق أمورهم ، وقد مرّت بهم تجارب كثيرة ، وخبرات
عديدة.
فالإنسان إذا قرأ في الكتب ، ولم تمر عليه تلك التجارب ، فقد يكون حينئذ لا يتقن العلم ، وأضرب لذلك مثلا :
في القضاء ؛ من درس كتب
أهل العلم في باب القضاء وأتقنها ، وعرفها ، وضبطها ضبطا كاملا ، فإنه
تفوته أشياء بخلاف من مارس القضاء ، وأخذ من أصحاب التجارب والخبرة فيه ،
فإنه ينتبه إلى أشياء ليست موجودة في الكتب ، بل في الكتب مرّات قد يُطلق
اللفظ ويُراد به غير ظاهره ، مثال ذلك : في كتاب الحج ؛ قد يطلقون مرّات :
وعليه دم ، ويريدون بالدم فدية الأذى التي يُخيّر الإنسان فيها بين الإطعام
أو الصيام أو الذبح ، عندما يجد من ليس لديه خبرة ولا تجربة هذا اللفظ ؛
عليه دم ، سيقول : يتعيّن الدم ، وهذا خلاف مراد الفقهاء.
مثال آخر : في كتاب
(مختصر الخرقي) قال في باب الحج: أنّ من جامع قبل رمي الجمرة فسد حجه ،
وعليه بدنة ، ويتم المناسك ، ويحج من قابل ، هذا كلامهم على وفق طريقتهم
الأولى ، لأنه لا يعقل في زمانهم أن يمر إنسان بمنى فلا يرمي ، ويتجاوزها
إلى مكة بدون رمي ، لأنّ منى في الطريق ، لكن في مثل زماننا لمّا توفّرت
وسائل الانتقال ووجدت هذه السيارات ، فينتقل الإنسان من مزدلفة إلى مكة
بدون أن يمر بمنى ، فقد يطوف ويسعى ويقصّر ، فيكون بذلك تحلل التحلل الأول ،
وحينئذ نقول : إذا جامع بعد هذا لم يفسد حجه ، لماذا؟ لأنه قد تحلل التحلل
الأول ، ولم تجب عليه بدنة ، ولم يجب عليه الحج من قابل.
فمثل هذه الفائدة إذا قرأها الإنسان في كتاب ، ولم يتصل بعالم يشرح له ذلك ، فسينزّل الكلام على غير مراد مؤلفه به.
وحينئذ نكون بهذا قد
سلكنا طريق التعلم بالرحلة إلى العلماء ، أما أهل التصوف الذين من صفتهم
البطالة وترك التعلم ، فمثل هؤلاء طريقهم مخالف لطريق الشرع لأنهم يُفضلون
علم الخِرَق على علم الورق.
الخِرَق إما الخرقة
التي يُعطيها الأول للثاني ، يُعطيها الشيخ لمريده لينتقل العلم ، أو أنّ
المراد به ؛ أنّ أهل التصوف يتركون ما الناس فيه من حال ، فيلبسون ثيابا
خرقة متقطّعة ، لكن لعلّ المعنى الأول أولى.
قال : (على علم الورق) وهو طلب العلم ؛ الذي يُسجّل في الأوراق.
وبهذا تعرف أنّ منهج
أهل السنة والجماعة هو أن يكون الطريق في التعلم ، أما من جاء و جعل الطريق
هو الخروج من بلد إلى بلد بدون أن يكون المقصد من ذلك السفر طلب العلم ،
هذا ليس مقصودا ، إلا أن يكون له مقصد آخر موافق لمقصد الشرع.
ومن هنا من جعل طريق المال أو طريق الخير في الانتقال وسمّى ذلك في سبيل الله فإنه ليس على الطريقة السلفية.
(وقد قيل لبعضهم ألا ترحل حتى تسمع من عبدالرزاق. قال: ما يصنع بالسماع من عبدالرزاق من يسمع من الخلاق)
وذلك أنّ المتصوفة يرون أنّ من مصادر التلقي الإلهام والكشف ، وهذا طريق
باطل ، لا يصح بناء الأحكام عليه ، لأنّ الله لم يأمرنا بالرجوع إلى ما في
النفوس من ذلك ، وإنما أمرنا بالرجوع إلى الكتاب والسنة.
وكذلك ما يُلقى في
النفوس لا يأمن الإنسان ما مصدره ، إن الشياطين تُلقي في النفوس ، حتى يظن
بعض الناس أنه الخير ، وأنه الحق ، وبينما حقيقة الحال أنه ليس كذلك.
(وقال آخر : إذا خاطبوني بعلم الورق *** برزت عليهم بعلم الخِرق
فاحذر هؤلاء ، فإنهم لا للإسلام نصروا ، ولا للكفر كسروا)
إذا نظرنا حال المبتدعة وجدناهم يقدّمون طريقتهم في الابتداع على نصرة
الإسلام ، ولذلك يحذر الإنسان من طريقة مثل هؤلاء ، وإن كان المرء مأمورا
بكف أذاه عنهم ، وعدم إيصال السوء إليهم لكن ذلك لا يعني صحة طريقهم ،
وإنما هم على خلاف الطريقة المرضيّة ، فإنّ الطريقة المرضيّة تحصل بالتعلم
لا بهذه الأفعال التي تُضيّع الأوقات ، ولا يحُصّل الإنسان بها شيئا ، نعم.