10 Dec 2008
الدرس الحادي عشر: آداب الزمالة
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (الفصلُ الرابعُ: أدَبُ الزَّمَالةِ 23- احْذَرْ قَرينَ السَّوءِ : صديقُ مَنْفَعَةٍ . فالأَوَّلان مُنقَطِعان بانْقِطاعِ مُوجِبِهما ؛ الْمَنْفَعَةِ في الأَوَّلِ ، واللَّذَّةِ في الثاني .
كما
أنَّ العِرْقَ دَسَّاسٌ فإنَّ ( أَدَبَ السَّوءِ دَسَّاسٌ ) إذ الطَّبيعةُ
نَقَّالَةٌ ، والطِّباعُ سَرَّاقَةٌ ، والناسُ كأسرابِ الْقَطَا مَجْبولون
على تَشَبُّهِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ مُعاشَرَةَ مَن كان كذلك ؛ فإنه
العَطَبُ ، ( والدفْعُ أسْهَلُ من الرفْعِ ).
وعليه
فتَخَّير للزَّمالةِ والصداقةِ مَن يُعينُك على مَطْلَبِكَ ، ويُقَرِّبُك
إلى رَبِّكَ ، ويُوافِقُكَ على شَريفِ غَرَضِكَ ومَقْصِدِكَ ، وخُذْ
تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ :
صديقُ لَذَّةٍ .
صديقُ فَضيلةٍ.
وأمَّا الثالثُ فالتعويلُ عليه ، وهو الذي باعِثُ صداقتِه تَبادُلُ الاعتقادِ في رُسوخِ الفَضائلِ لدَى كلٍّ منهما .وصديقُ الفَضيلةِ هذا ( عُمْلَةٌ صَعبةٌ ) يَعِزُّ الْحُصولُ عليها .
ومن نَفيسِ كلامِ هِشامِ بنِ عبدِ الملِكِ ( م سنةَ 125 هـ ) قولُه : ( ما بَقِيَ من لَذَّاتِ الدنيا شيءٌ إلا أخٌ أَرْفَعُ مَؤُونَةَ التحَفُّظِ بَيْنِي وبَيْنَهُ ) اهـ .
ومن لَطيفِ ما يُقَيَّدُ قولُ بعضِهم : ( العُزْلَةُ من غيرِ عَيْنِ العِلْمِ زَلَّةٌ، ومن غيرِ زايِ الزُّهْدِ عِلَّةٌ ) .
الفصلُ الرابعُ: أدَبُ الزَّمَالةِ
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (23- احْذَرْ قَرينَ السَّوءِ :
كما
أنَّ العِرْقَ دَسَّاسٌ فإنَّ ( أَدَبَ السَّوءِ دَسَّاسٌ ) إذ الطَّبيعةُ
نَقَّالَةٌ ، والطِّباعُ سَرَّاقَةٌ ، والناسُ كأسرابِ الْقَطَا مَجْبولون
على تَشَبُّهِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ مُعاشَرَةَ مَن كان كذلك ؛ فإنه
العَطَبُ ، ( والدفْعُ أسْهَلُ من الرفْعِ ).
وعليه
فتَخَّير للزَّمالةِ والصداقةِ مَن يُعينُك على مَطْلَبِكَ ، ويُقَرِّبُك
إلى رَبِّكَ ، ويُوافِقُكَ على شَريفِ غَرَضِكَ ومَقْصِدِكَ ، وخُذْ
تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ :
صديقُ مَنْفَعَةٍ .
صديقُ لَذَّةٍ .
صديقُ فَضيلةٍ.
فالأَوَّلان مُنقَطِعان بانْقِطاعِ مُوجِبِهما ؛ الْمَنْفَعَةِ في الأَوَّلِ ، واللَّذَّةِ في الثاني .
وأمَّا الثالثُ فالتعويلُ عليه ، وهو الذي باعِثُ صداقتِه تَبادُلُ الاعتقادِ في رُسوخِ الفَضائلِ لدَى كلٍّ منهما .وصديقُ الفَضيلةِ هذا ( عُمْلَةٌ صَعبةٌ ) يَعِزُّ الْحُصولُ عليها .
ومن نَفيسِ كلامِ هِشامِ بنِ عبدِ الملِكِ ( م سنةَ 125 هـ ) قولُه : ( ما بَقِيَ من لَذَّاتِ الدنيا شيءٌ إلا أخٌ أَرْفَعُ مَؤُونَةَ التحَفُّظِ بَيْنِي وبَيْنَهُ ) اهـ .
ومن لَطيفِ ما يُقَيَّدُ قولُ بعضِهم : ( العُزْلَةُ من غيرِ عَيْنِ العِلْمِ زَلَّةٌ، ومن غيرِ زايِ الزُّهْدِ عِلَّةٌ ) .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (23- احْذَرْ قَرينَ السَّوءِ :
كما
أنَّ العِرْقَ دَسَّاسٌ فإنَّ ( أَدَبَ السَّوءِ دَسَّاسٌ ) إذ الطَّبيعةُ
نَقَّالَةٌ ، والطِّباعُ سَرَّاقَةٌ ، والناسُ كأسرابِ الْقَطَا مَجْبولون
على تَشَبُّهِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ مُعاشَرَةَ مَن كان كذلك ؛ فإنه
العَطَبُ ، ( والدفْعُ أسْهَلُ من الرفْعِ ).
وعليه
فتَخَّير للزَّمالةِ والصداقةِ مَن يُعينُك على مَطْلَبِكَ ، ويُقَرِّبُك
إلى رَبِّكَ ، ويُوافِقُكَ على شَريفِ غَرَضِكَ ومَقْصِدِكَ ، وخُذْ
تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هذه الكلمات مأخوذة من قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( مثل الجليس الصالح كحامل المسك) (ومثل الجليس السوء كنافخ الكير )
فعليك
بإختيار الصديق الصالح الذي يدلك على الخير ويبينه لك ويحثك عليه ويبين لك
الشر ويحذرك منه , وإياك وجليس السوء , فإن المرء على دين خليله , وكم من
إنسان مستقيم قُيد له شيطان من بني آدم فصده عن الاستقامة , وكم من إنسان
جائر قاسي يُسر له من يدله على الخير بسبب الصحبة .
وبناء على ذلك نقول : إذا كان في مصاحبة الفاسق سبب لهدايته فلا بأس أن
تصحبه, وتدعوه إلى بيتك , وتأتي إلى بيته تخرج معه للتمشي بشرط أن لا يقدح
ذلك في عدالتك عند الناس , وكم من إنسان فاسق هداه الله تعالى بما يسر له
من صحبة الخير .
وقول
الشيخ بكر وفقه الله : الناس كأسراب القطا سبق أن هذا من كلام شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله وهو حقيقة فالناس يتبع بعضهم بعضا.
وقوله: ( الدفع أسهل من الرفع ) هذه قاعدة فقهية ذكرها ابن رجب رحمه الله في القواعد الفقهية
أن الدفع أسهل من الرفع وفي معناها قول الأطباء : الوقاية أسهل من العلاج ,
لأن الدفع ابتعاد عن الشر وأسبابه , لكن إذا نزل الشر صار من الصعب أن
يرفعه الإنسان .
لا
هذا غلط هذا من وحي الشيطان أن يقع الإنسان في عرض العلماء، إذا وقع
الإنسان في أعراض العلماء فإن معتد ظالم وليست غيبة العلماء كغيبة العامة
لأن غيبة العلماء فيها مفسدة خاصة ومفسدة عامة، المفسدة الخاصة بالنسبة
لهذا العالم، والمفسدة العامة بالنسبة لما يحمله من علم فإن الناس إذا سقط
الإنسان من أعينهم لم يقبلوا منه صرفا ولا عدلا فيكون في هذا جناية على
الشريعة التي يحملها هذا العالم والإنسان الناصح هو الذي إذا رأى من أحد من
العلماء أو طلبة العلم أو عامة الناس إذا رأى ما ينكره أن يتصل بالعالم أو
طالب العلم أو العامي ويتبين الأمر فقد يكون ما تظنه أنت خطأ وقد يكون
صوابا لا لعين هذا الفعل ولكن لما يلابسه من أحوال تستدعي أن يقوله هذا
العالم أو أن يفعله هذا العالم لأنه قد يكون الشيء منكرا في حد ذاته لكن
يفعله بعض الناس لمصلحة أكبر لهذا نرى أن أولئك الذين يقعون في أعراض
العلماء أنهم قد جنوا على العلماء وعلى ما يحملونه من علم والواجب توقيظ
العالم لا سيما العالم الذي عرف بأنه يريد الحق ويجتهد في طلبه ولكنه قد
يزل وهذا أمر لا يسلم منه البشر (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)
القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد:
وخُذْ تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ .
القسم الأول: صديقُ مَنْفَعَةٍ .
القسم الثاني: صديقُ لَذَّةٍ .
القسم الثالث: صديقُ فَضيلةٍ.
فالأَوَّلان مُنقَطِعان بانْقِطاعِ مُوجِبِهما ؛ الْمَنْفَعَةِ في الأَوَّلِ ، واللَّذَّةِ في الثاني .
وأمَّا الثالثُ فالتعويلُ عليه ، وهو الذي باعِثُ صداقتِه تَبادُلُ الاعتقادِ في رُسوخِ الفَضائلِ لدَى كلٍّ منهما . وصديقُ الفَضيلةِ هذا ( عُمْلَةٌ صَعبةٌ ) يَعِزُّ الْحُصولُ عليها .
ومن
نَفيسِ كلامِ هِشامِ بنِ عبدِ الملِكِ قولُه : ( ما بَقِيَ من لَذَّاتِ
الدنيا شيءٌ إلا أخٌ أَرْفَعُ مَؤُونَةَ التحَفُّظِ بَيْنِي وبَيْنَهُ )
اهـ .
ومن لَطيفِ ما يُقَيَّدُ قولُ بعضِهم : ( العُزْلَةُ من غيرِ عَيْنِ العِلْمِ زَلَّةٌ، ومن غيرِ زايِ الزُّهْدِ عِلَّةٌ )
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (يعني
العزلة: احذف العين: تكون زلة، والثاني من غير زاي الزهد: علة، يعني احذف
الزاي تكون علة، إذا لا بد من علم ولا بد من زهد، قبل أن ينعزل الإنسان عن
الناس . طيب هؤلاء الأصدقاء , قسمهم إلى ثلاثة أصدقاء :
صديق منفعة : وهو الذي يصادقك مادام ينتفع منك بمال أو جاه أو غير ذلك , فإذا انقطع الانتفاع فهو عدوك لا يعرفك ولا تعرفه .. وما أكثر هؤلاء , ما أكثر الذين يلمزون في
الصدقات إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون , صديق لك
حميم ترى أنه من أعز الناس عندك وأنت من أعز الناس عنده يسألك يوما من
الأيام يقول : اعطني كتابك أقرأ به . فتقول : والله الكتاب أنا محتاجه
اليوم أعطيك إياه غداً فينتفخ عليك ويعاديك . هل هذا صديق ؟ هذا صديق منفعة (...)
والثاني . صديق لذة : يعني
لا يصادقك إلا لأنه يتمتع بالجلوس إليك والمحادثات والمآنسات والمسامرات ,
ولكنه لا ينفعك ولا تنتفع منه أنت , كل واحد منكم لا ينفع الآخر . ليس إلا
ضياع وقت فقط . هذا أيضاً احذر منه أن يُضيع أوقاتك .
والثالث . صديق فضيلة : . يحملك على ما يزين وينهاك عن ما يشين ويفتح لك أبواب الخير ويدلك عليه وإذا زللت نبهك على وجه لا يخدش كرامتك , هذا هو صديق الفضيلة
كلمة
صديق منفعة من أوسع هذه الأقسام , لأن المنافع كثيرة جدا , فإذا رأيت هذا
الرجل لا يصادقك إلا حيث ينتظر منفعتك فاعلم أنه عدو وليس بصديق, كذلك صديق اللذة الذي يشغلك ويلهيك , بالتمتع بالسمر وإضاعة الوقت في الخروج للمنتزهات وغير ذلك أيضا هذا لا خير فيه .
الذي
يجب أن تعض عليه بالنواجذ هو صديق الفضيلة . يحملك على كل فضيلة وينهاك عن
كل رزيلة (...) نحن الآن بدأنا تقسيم الأصدقاء إلى ثلاثة أقسام: صديق منفعة
وصديق لذة وصديق فضيلة، وقلنا استمسك بغرز صديق الفضيلة.
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد.
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (من فضل الله عزوجل علينا أن أخذنا شيئا من آداب طالب العلم، وكنا قد أخذنا ثلاثة أقسام:
الأول: أدب الطالب في نفسه.
والثاني: في كيفية الطلب والتلقي.
والثالث: في أدب الطالب مع شيخه.
ولعلنا إن شاء الله جل وعلا نواصل في الحديث في ذلك، من خلال معرفة أدب طالب العلم تجاه زملائه.
ونقرأ في كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبدالله أبي زيد رحمه الله تعالى.
القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
الفصلُ الرابعُ (أدَبُ الزَّمَالةِ)
23-احْذَرْ قَرينَ السَّوءِ :
كما
أنَّ العِرْقَ دَسَّاسٌ فإنَّ ( أَدَبَ السَّوءِ دَسَّاسٌ ) إذالطَّبيعةُ
نَقَّالَةٌ ، والطِّباعُ سَرَّاقَةٌ ، والناسُ كأسرابِ الْقَطَا مَجْبولون
على تَشَبُّهِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ مُعاشَرَةَ مَن كان كذلك ؛ فإنه
العَطَبُ ، ( والدفْعُ أسْهَلُ من الرفْعِ).
وعليه
فتَخَّير للزَّمالةِ والصداقةِ مَن يُعينُك على مَطْلَبِكَ ، ويُقَرِّبُك
إلى رَبِّكَ ، ويُوافِقُكَ على شَريفِ غَرَضِكَ ومَقْصِدِكَ ، وخُذْ
تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ :
صديقُ مَنْفَعَةٍ .
صديقُ لَذَّةٍ .
صديقُ فَضيلةٍ.
فالأَوَّلان مُنقَطِعان بانْقِطاعِ مُوجِبِهما ؛ الْمَنْفَعَةِ في الأَوَّلِ ، واللَّذَّةِ في الثاني .
وأمَّا
الثالثُ فالتعويلُ عليه ، وهوالذي باعِثُ صداقتِه تَبادُلُ الاعتقادِ في
رُسوخِ الفَضائلِ لدَى كلٍّ منهما .وصديقُ الفَضيلةِ هذا ( عُمْلَةٌ صَعبةٌ
) يَعِزُّ الْحُصولُ عليها .
ومن
نَفيسِ كلامِ هِشامِ بنِ عبدِ الملِكِ ( م سنةَ125هـ ) قولُه : ( ما
بَقِيَ من لَذَّاتِ الدنيا شيءٌ إلا أخٌ أَرْفَعُ مَؤُونَةَ التحَفُّظِ
بَيْنِي وبَيْنَهُ ) اهـ .
ومن لَطيفِ ما يُقَيَّدُ قولُ بعضِهم : ( العُزْلَةُ من غيرِ عَيْنِ العِلْمِ زَلَّةٌ، ومن غيرِ زايِ الزُّهْدِ عِلَّةٌ) .
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (هذا هو الأدب الثالث والعشرون لطالب العلم.
اختيار القرين الذي
يعين الإنسان في طلب العلم ، والبعد عن قرين السوء ، الذي يُشغل الإنسان عن
طلب العلم ، وقد جاءت النصوص الشرعية بالترغيب في اختيار قرناء صالحين
يعينون الإنسان على الخير.
كما جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل
الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يُحذيك ، وإما أن تبتاع منه –يعني
تشتري- ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ومثل الجليس السوء كمثل نافخ الكير
إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثة"
وفي سنن أبي داود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"
وقد قال جل وعلا: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)
ومن هنا جاءت الشريعة في الترغيب في اختيار الأصدقاء الطيبين ، والمرء يستفيد من اثنين في مسألة القدوة:
من يراه مثلا له فحينئذ يقتدي به ، ومن هنا جاءت الشريعة بالأمر بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : (
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ
يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )
وكذلك فيما يتعلق بالأصدقاء
؛ فإنّ الصديق يُؤخذ من أخلاقه من حيث لا يشعر المرء ، والناس عندما
يتعاونون على الحق والخير يجتمعون على ذلك ، وإذا انعزل الإنسان ولم يجد له
معاونا على الخير قد تضعف نفسه ، لكن إذا وجد أخا له كلما ضعفت نفس أحدهما
، قوّته القوّة الموجودة في نفس الآخر ، وبالتالي يؤدّون ويستمرون على
العمل الصالح.
ومن ذلك طلب العلم ،
فإنّ النفس ملولة، فإذا وجدت طالبا يعينك على طلب العلم ، حينئذ كلما ملّت
نفسك انتقلت إلى زميلك ليقوم بتنشيط نفسك على طلب العلم ، ثم إنّ إبقاء
النفس على حال واحدة يجعلها تملّ ، وذلك أنّ المرء إذا قرأ وحده وذاكر وحده
تمل نفسه ، فإذا وجد أصدقاء خير يذاكر معهم ، مرة يذاكر وحده ، فإذا ملّت
النفس انتقل إلى قرنائه فذاكر معهم.
قال المؤلف: (فإنّ العرق دسّاس)
يعني أنّ العرق ولو كان خفيا فإنه يسحب ويؤثر على ما يرتد إليه ذلك العرق ،
وقد ورد هذا في حديث كثير من أهل العلم يقولون بأنه لا يعوّل عليه ، وهذا
في الزوجة ، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر باختيار الزوجة التي في منبت
طيب ، وذكر أنّ العرق دسّاس ، لكن أهل العلم يقولون بأنّ هذا خبر لا يعوّل
عليه.
قال: (فإنّ أدب السوء دساس) يعني أنّ صديق السوء سيؤثر على صديقه.
قال: (إذ الطبيعة نقالة) يعني أنّ الطبائع والأخلاق تنتقل من شخص إلى شخص.
(والطباع سراقة) يعني أنّ النفوس تقتدي بمن حولها ، وتفعل مثل أفعالها ، ولو من حيث لا تشعر.
(والناس مجبولون على تشبه بعضهم ببعض فاحذر معاشرة من كان كذلك) يعني من كان سيئا.
(فإنه العطب) يعني سبب الهلاك ، دنيا وآخرة ، والدفع بترك صحبة هؤلاء ، أسهل من الرفع ؛ الذي هو مصاحبتهم ثم قطع تلك الصحبة.
فقبل أن تصاحبهم امنع نفسك من مصاحبتهم ، فإنّ نفسك إذا تعلقت معهم ، قد تعجز عن قطع تلك الصحبة.
ونضرب لذلك أمثلة :
المثال الأول:
أصحاب المخدرات والخمور ، إذا صاحبهم الإنسان ، فإنهم سيجرّونه إلى فعلهم
شيئا فشيئا ، حتى يُبتلى بهذا الأمر ، ويكون مماثلا لهم ، وإن كان في الأول
يقول : لن أقدم على فعل هذه الأمور، لكنه مع الزمن تضعف نفسه قليلا قليلا.
مثال آخر :
أصحاب المعاصي ، فإنهم يجرّون صاحبهم على معاصيهم كالفواحش ، والنظر في
وجوه النساء والتلذذ بالحديث معهن ، فإنّ من صاحب من كان كذلك أصبح مثلهم.
(وعليه) يعني بناء على ما سبق.
(فتخيّر للزمالة والصداقة من يُعينك على مطلبك) يعني على الهدف الذي تقصده.
(ويقرّبك إلى ربك) بحيث يكون معينا لك على طاعة الله ، ومن أعظم أنواع الطاعة كما سبق طلب العلم.
فاختر الصديق الذي
يعينك على التقرب إلى رب العزة والجلال ، بأن يكون معينا لك على طلب العلم ،
وبالتالي تتوافق الأهداف عندك وعنده ، أما إذا كان يهدف لشيء وأنت تهدف
إلى شيء آخر ، فحينئذ لن يكون بينكما تلك الألفة ، إلا أن تنجرف إلى غرضه ،
أو ينجرف إلى مقصدك.
ثم قسم المؤلف الأصدقاء إلى ثلاثة أقسام :
(الأول: صديق المنفعة)
مثال ذلك ؛ شخص بينك وبينه تجارة ، هذا صديق منفعة، فحينئذ هذه الصداقة
لا حرج على الإنسان فيها ، لكنها مرتبطة بهذه المنفعة إذا انقطعت التجارة
انقطعت تلك الصحبة ، وهذا ليس من المحبة الإيمانية في شيء.
النوع (الثاني : صديق لذّة)
كمن اجتمعوا على جلسة ، أو على لعب ، أو على لهو ، هؤلاء أصدقاء لذّة ،
إذا كان عندهم لذّة أو ملّوا منها انقطعت صداقتهم ، وقد تكون تلك اللّذة
لذّة مباحة ، وقد تكون لذّة محرمة فيعظم الإثم بها.
وقطع تلك الصداقة أولى
للعبد في دنياه وآخرته ، لأنها وإن كانت لذّة مباحة ، إلا أنها تضيّع وقت
العبد ، وتشغله عن الهدف الذي خلق من أجله.
(النوع الثالث: صديق الفضيلة)
وهو الذي اجتمعت معه على اكتساب فضائل سواء كانت تلك الفضائل ؛ فضائل
عملية ، كاجتماعهم على صوم أو صلاة أو اعتكاف في مسجد أو نحو ذلك ، أو كانت
فضائل علمية ، كطلب علم عند شيخ أو عالم.
فالصديقان الأولان
تنقطع صداقتهما بانقطاع موجب تلك الصداقة ، أي موجِب بكسر الجيم هو السبب ،
بينما الموجَب بفتح الجيم هو الأثر ، فالموجِب بكسر الجيم هو السبب ،
والموجَب بفتح الجيم هو الأثر ، فإذا انقطعت المنفعة عند الأول انقطعت
الصداقة ، وإذا انقطعت اللذة عند الثاني انقطعت الصداقة ، والصداقة فيهما
ليست من أسباب الأجر والثواب ،
أما الثالث فالتعويل عليه وبمجرد تلك الصداقة يحصل الأجر العظيم ، وقد جاء في الحديث : "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وذكر منهم : رجلين تحابّا في الله اجتمعا عليه –يعني على الله محبة وإيمانا ليعين بعضهما بعضا على طاعة الله- رجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه"
يعني لمّا جاءهما سبب التفرق كانا على المحبّة الإيمانية الأولى ، وهذا
التفرّق قد يكون في سفر وقد يكون في موت وقد يكون بسبب آخر من الأسباب.
قال : (وأما الثالث فالتعويل عليه ، وهو الذي باعث صداقته تبادل الاعتقاد في رسوخ الفضائل لدى كل منهما) فالسبب في هذه الصداقة رغبة كل منهما أن يتبادلا في الخير ، وأن يعين بعضهما بعضا في رسوخ الفضائل.
وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : "وجبت محبتي للمتحابّين فيَّ ، والمتزاورين فيَّ ، والمتجالسين فيَّ ، والمتباذلين فيَّ"
قال: (وصديق الفضيلة هذا "عملة صعبة") يعني أننا لا نجدها في كل وقت، وأنها عسيرة الحصول.
(يعز الحصول عليها) يعني يندر.
ثم جاء بكلام الخليفة هشام بن عبدالملك :
(ما بقي من لذات الدنيا شيء إلا أخ أرفع مؤونة التحفظ بيني وبينه)
قال المؤلف : (العزلة من غير عين العلم زلة) كلمة العزلة ، يعني انفراد الإنسان وحده ، إذا حُذِفت منها العين أصبحت زلة ، ولذلك إذا اعتزل لابد منه أن يكون معه علم.
كذلك كلمة العزلة ؛ إذا حُذِف منها الحرف الثاني وهو الزاي ، زاي الزهد ، أصبحت علة ، فالعزلة لابد فيها من علم وزهد.
أما إذا انعزل الإنسان
وحده وكان غير عالم ، أصبح عنده جهل ، ومن ثَمّ يؤدّي ذلك إلى ضلال بكونه
يتقرّب إلى الله بطرائق جاهلية، بطرائق الجهّال.
وكذلك العزلة وانفراد الإنسان وحده إذا لم يكن معه زهد فإنه مرض ، وهو سبب من أسباب الأمراض النفسية التي ترد على الإنسان.
والعزلة في الأصل غير
محمودة وغير مرغوب فيها ، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يخالط الناس
فينصح ، ويعلّم ، ويعطي ، ويتكرّم ، ويفعل الخير مع غيره.نعم.