الدروس
course cover
الدرس السابع: كيفية الطلب والتلقّي
10 Dec 2008
10 Dec 2008

8735

0

0

course cover
حلية طالب العلم

القسم الثاني

الدرس السابع: كيفية الطلب والتلقّي
10 Dec 2008
10 Dec 2008

10 Dec 2008

8735

0

0


0

0

0

0

0

الدرس السابع: كيفية الطلب والتلقّي

قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (الفصلُ الثاني: كيفيَّةُ الطلَبِ والتلَقِّي

كيفيَّةُ الطلَبِ ومَراتِبُه :
( مَن لم يُتْقِن الأصولَ ، حُرِمَ الوُصولَ )
( ومَن رامَ العلْمَ جُملةً ، ذَهَبَ عنه جُمْلَةً )
وقيلَ أيضًا : ( ازدحامُ العِلْمِ في السمْعِ مَضَلَّةُ الفَهْمِ ) .
وعليه فلا بُدَّ من التأصيلِ والتأسيسِ لكلِّ فَنٍّ تَطْلُبُه ، بضَبْطِ أصْلِه ومُختصَرِه على شيخٍ مُتْقِنٍ ، لا بالتحصيلِ الذاتيِّ وَحْدَه ؛ وآخِذًا الطلَبَ بالتدَرُّجِ .
قالَ اللهُ تعالى : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا }
وقالَ تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } .وقالَ تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ }
فأمامَك أمورٌ لا بُدَّ من مُراعاتِها في كلِّ فنٍّ تَطْلُبُه :
- حفْظُ مُخْتَصَرٍ فيه .
- ضبْطُه على شيخٍ متْقِنٍ .
- عدَمُ الاشتغالِ بالْمُطَوَّلاتِ وتَفاريقِ الْمُصَنَّفاتِ قبلَ الضبْطِ والإتقانِ لأَصْلِه .
- لا تَنْتَقِلْ من مُخْتَصَرٍ إلى آخَرَ بلا مُوجِبٍ ، فهذا من بابِ الضَّجَرِ .
- اقتناصُ الفوائدِ والضوابِطِ العِلْمِيَّةِ .
- جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ والترَقِّي فيه ، والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ .
وكان من رأيِ ابنِ العربيِّ المالِكِيِّ أن لا يَخْلِطَ الطالبُ في التعليمِ بينَ عِلْمَين وأن يُقَدِّمَ تعليمَ العربيَّةِ والشعْرِ والْحِسابِ ، ثم يَنتَقِلَ منه إلى القُرآنِ .
لكن تَعَقَّبَه ابنُ خَلدونَ بأنَّ العوائدَ لا تُساعِدُ على هذا وأنَّ الْمُقَدَّمَ هو دراسةُ القرآنِ الكريمِ وحِفْظُه ؛ لأنَّ الوَلَدَ ما دام في الْحِجْرِ يَنقادُ للحُكْمِ ، فإذا تَجاوَزَ البُلوغَ ؛ صَعُبَ جَبْرُه .

أمَّا الْخَلْطُ في التعليمِ بينَ عِلمينِ فأَكْثَرَ ؛ فهذا يَختلِفُ باختلافِ المتعلِّمينَ في الفَهْمِ والنشاطِ .

وكان من أهلِ العلمِ مَن يُدَرِّسُ الفقهَ الحنبليَّ في ( زادِ الْمُسْتَقْنِعِ ) للمبتدئينَ و (الْمُقْنِعِ ) لِمَن بعدَهم للخِلافِ المذهبيِّ ، ثم ( الْمُغْنِي ) للخِلافِ العالي ، ولا يَسْمَحُ للطبقةِ الأُولى أن تَجْلِسَ في دَرْسِ الثانيةِ .وهكذا ؛ دَفْعًا للتشويشِ.
واعْلَمْ أنَّ ذِكْرَ الْمُختصراتِ فالْمُطَوَّلَاتِ التي يُؤَسَّسُ عليه الطلَبُ والتلَقِّي لدى المشايخِ تَختَلِفُ غالبًا من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ باختلافِ الْمَذاهِبِ وما نَشأَ عليه عُلماءُ ذلك الْقُطْرِ من إتقانِ هذا المختَصَرِ والتمَرُّسِ فيه دونَ غيرِه .
والحالُ هنا تَختلِفُ من طالبٍ إلى آخَرَ باختلافِ القرائحِ والفهومِ وقُوَّةِ الاستعدادِ وضَعْفِه ، وبُرودةِ الذِّهْنِ وتَوَقُّدِه .

هيئة الإشراف

#2

17 Dec 2009

الفصلُ الثاني: كيفيَّةُ الطلَبِ والتلَقِّي

المتن:

قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (الفصلُ الثاني: كيفيَّةُ الطلَبِ والتلَقِّي

كيفيَّةُ الطلَبِ ومَراتِبُه :
( مَن لم يُتْقِن الأصولَ ، حُرِمَ الوُصولَ )
( ومَن رامَ العلْمَ جُملةً ، ذَهَبَ عنه جُمْلَةً )
وقيلَ أيضًا : ( ازدحامُ العِلْمِ في السمْعِ مَضَلَّةُ الفَهْمِ ) .
وعليه فلا بُدَّ من التأصيلِ والتأسيسِ لكلِّ فَنٍّ تَطْلُبُه ، بضَبْطِ أصْلِه ومُختصَرِه على شيخٍ مُتْقِنٍ ، لا بالتحصيلِ الذاتيِّ وَحْدَه ؛ وآخِذًا الطلَبَ بالتدَرُّجِ .
قالَ اللهُ تعالى : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا }
وقالَ تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } .وقالَ تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ }
فأمامَك أمورٌ لا بُدَّ من مُراعاتِها في كلِّ فنٍّ تَطْلُبُه :
- حفْظُ مُخْتَصَرٍ فيه .
- ضبْطُه على شيخٍ متْقِنٍ .
- عدَمُ الاشتغالِ بالْمُطَوَّلاتِ وتَفاريقِ الْمُصَنَّفاتِ قبلَ الضبْطِ والإتقانِ لأَصْلِه .
- لا تَنْتَقِلْ من مُخْتَصَرٍ إلى آخَرَ بلا مُوجِبٍ ، فهذا من بابِ الضَّجَرِ .
- اقتناصُ الفوائدِ والضوابِطِ العِلْمِيَّةِ .
- جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ والترَقِّي فيه ، والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ .
وكان من رأيِ ابنِ العربيِّ المالِكِيِّ أن لا يَخْلِطَ الطالبُ في التعليمِ بينَ عِلْمَين وأن يُقَدِّمَ تعليمَ العربيَّةِ والشعْرِ والْحِسابِ ، ثم يَنتَقِلَ منه إلى القُرآنِ .
لكن تَعَقَّبَه ابنُ خَلدونَ بأنَّ العوائدَ لا تُساعِدُ على هذا وأنَّ الْمُقَدَّمَ هو دراسةُ القرآنِ الكريمِ وحِفْظُه ؛ لأنَّ الوَلَدَ ما دام في الْحِجْرِ يَنقادُ للحُكْمِ ، فإذا تَجاوَزَ البُلوغَ ؛ صَعُبَ جَبْرُه .

أمَّا الْخَلْطُ في التعليمِ بينَ عِلمينِ فأَكْثَرَ ؛ فهذا يَختلِفُ باختلافِ المتعلِّمينَ في الفَهْمِ والنشاطِ .

وكان من أهلِ العلمِ مَن يُدَرِّسُ الفقهَ الحنبليَّ في ( زادِ الْمُسْتَقْنِعِ ) للمبتدئينَ و (الْمُقْنِعِ ) لِمَن بعدَهم للخِلافِ المذهبيِّ ، ثم ( الْمُغْنِي ) للخِلافِ العالي ، ولا يَسْمَحُ للطبقةِ الأُولى أن تَجْلِسَ في دَرْسِ الثانيةِ .وهكذا ؛ دَفْعًا للتشويشِ.
واعْلَمْ أنَّ ذِكْرَ الْمُختصراتِ فالْمُطَوَّلَاتِ التي يُؤَسَّسُ عليه الطلَبُ والتلَقِّي لدى المشايخِ تَختَلِفُ غالبًا من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ باختلافِ الْمَذاهِبِ وما نَشأَ عليه عُلماءُ ذلك الْقُطْرِ من إتقانِ هذا المختَصَرِ والتمَرُّسِ فيه دونَ غيرِه .
والحالُ هنا تَختلِفُ من طالبٍ إلى آخَرَ باختلافِ القرائحِ والفهومِ وقُوَّةِ الاستعدادِ وضَعْفِه ، وبُرودةِ الذِّهْنِ وتَوَقُّدِه .


شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

القارئ: (الفصلُ الثاني: كيفيَّةُ الطلَبِ والتلَقِّي
كيفيَّةُ الطلَبِ ومَراتِبُه :
( مَن لم يُتْقِن الأصولَ ، حُرِمَ الوُصولَ )
( ومَن رامَ العلْمَ جُملةً ، ذَهَبَ عنه جُمْلَةً )
وقيلَ أيضًا : ( ازدحامُ العِلْمِ في السمْعِ مَضَلَّةُ الفَهْمِ ) .
وعليه فلا بُدَّ من التأصيلِ والتأسيسِ لكلِّ فَنٍّ تَطْلُبُه ، بضَبْطِ أصْلِه ومُختصَرِه على شيخٍ مُتْقِنٍ ، لا بالتحصيلِ الذاتيِّ وَحْدَه ؛ وآخِذًا الطلَبَ بالتدَرُّجِ .
قالَ اللهُ تعالى : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا }
وقالَ تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } . وقالَ تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ }.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ( كيفية الطلب وهذا أيضا مهم ليبني الإنسان على أصول ولا يتخبط خبط عشواء يقول : (من لم يتقن الأصول حرم الوصول) وقيل بعبارة أخرى: من فاته الأصول حرم الوصول، لأن الأصول هي العلم والمسائل فروع، كأصل الشجرة وأغصانها إذا لم تكن الأغصان على أصل جيد فإنها تذبل وتهلك فلا بد من أن يبني الإنسان علمه على أصول فما هي الأصول ؟ هل هي الأدلة الصحيحة؟ أو هي القواعد والضوابط؟ أو هذا وهذا ؟ الثاني هو المراد، تبني على أصول من الكتاب والسنة وتبني على قواعد وضوابط مأخوذة بالتتبع والاستقراء من الكتاب والسنة ترجع إليها أحكام الكتاب والسنة وهذه من أهم ما يكون لطالب العلم مثلاً (المشقة تجلب التيسير) هذا أصل من الأصول مأخوذ من الكتاب والسنة، من الكتاب من قوله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } من السنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمران ابن حصين: ((صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب )).
وقال: (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) هذا أصل لو جاءتك ألف مسألة بصور متنوعة لأمكنك أن تحكم على هذه المسائل بناء على هذا الأصل، لكن لو لم يكن عندك هذا الأصل وتأتيك مسألتان أشكل عليك الأمر، كذلك أيضا يقول : (من رام العلم جملة ذهب عنه جملة) هذا أيضا له وجه صحيح إذا أراد الإنسان أن يأخذ العلم جميعا فإنه يفوته العلم جميعا، لا بد أن تأخذ العلم شيئا فشيئا كسلم تصعد إليه من الأرض إلى السقف ليس العلم مأكولا كتبت فيه العلوم فتأكله وتقول خلاص هضمت العلم، لا العلم يحتاج مرونة وصبر وثبات وتدرج ،وقيل أيضا (التحام العلم في السمع مضلة الفهم )يعني لكثرة ما تسمع من العلوم توجب أن تضل في فهمك وهذا أيضا ربما يكون صحيح أن الإنسان إذا ملأ سمعه مما يسمع أو ملأ بصره مما يقرأ ربما تزدحم العلوم عليه ثم تشتبك ويعجز عن التخلص منها.
وقال: (وعليه فلا بُدَّ من التأصيلِ والتأسيسِ لكلِّ فَنٍّ تَطْلُبُه، بضَبْطِ أصْلِه ومُختصَرِه على شيخٍ مُتْقِنٍ) ، لا بد من هذا (على شيخ متقن)، ليس على شيخ أعلى منك بقليل لأن بعض الناس إذا رأى طالبا من الطلبة يتميز عنهم بشيء من التميز جعله شيخه، وعنده شيوخ أعلم من هذا بكثير لكن يجعل هذا الصغير شيخه لأنه بزه في شيء من المسائل العلمية وهذا غير صحيح بل اختر المشايخ ذوي الإتقان وأيضا نضيف إلى الإتقان وصف آخر وهو الأمانة، لأن الإتقان قوة والقوة لابد فيها من أمانة {إن خير من استأجرت القوي الأمين} ربما يكون العالم عنده إتقان وعنده سعة علم وعنده قدرة على التقريب وعلى التقسيم وعلى كل شيء لكن ليس عنده أمانة فربما أضلك من حيث لا تشعر، لا بالتحصيل الذاتي وحده، يعني لا تأخذ العلم بالتحصيل الذاتي يعني أن تقرأ الكتب فقط دون أن يكون لك شيخ معتمد ولهذا قيل: (من دليله كتابه خطؤه أكثر من صوابه) أو: (غلب خطأه صوابه) هذا هو الأصل، الأصل أن من اعتمد على التحصيل الذاتي وعلى مراجعة الكتب الغالب والأصل أنه يضل لأنه يجد بحرا لا ساحل له ويجد عمقا لا يستطيع التخلص فيه أما من أخذ عن عالم وشيخ فإنه يستفيد فائدتين عظيمتين،
الفائدة الأولى : قصر المدة
والفائدة الثانية قلة التكلف وهناك فائدة ثالثة
والفائدة الثالثة أن ذلك أحرى بالصواب؛ لأن هذا الشيخ قد علم وتعلم ورجح وفهم فيعطيك الشيء ناضجا لكنه يمرنك إذا كان عنده شيء من الأمانة يمرنك على المراجعة والمطالعة أما من اعتمد على الكتب فإنه لا بد يكرث جهوده ليلا ونهارا ثم إذا طالع الكتب التي يقارن فيها بين أقوال العلماء فسيقت أدلة هؤلاء وسيقت أدلة هؤلاء من يدله على أن هذا الأصوب ؟ يبقى متحيرا ولهذا نرى أن ابن القيم رحمه الله عندما يناقش قولين لأهل العلم سواء في زاد المعاد أو في أعلام الموقعين إذا ساق أدلة هذا القول وعلله تقول خلاص هذا هو القول الصواب ولا يجوز العدول عنه بأي حال من الأحوال ثم ينقض ويأتي بالقول المقابل ويذكر أدلته وعلله فتقول هذا هو القول الصواب، الأول ما عنده علم لكن لا بد من أن يكون قراءتك على شيخ متقن أمين.
قال: وآخِذًا الطلَبَ بالتدَرُّجِ . ثم استدل بالآيات:
قالَ اللهُ تعالى : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا }، { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } .
قوله: { لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً }.
المعروف أن نزل لما ينزل شيئا فشيئا، وأن أنزل لما نزل جملة واحدة، فلماذا قال الذين كفروا: (لولا نزل) ولم يقولوا (لولا أنزل) علينا القرآن جملة واحدة؟ نقول قالوا ذلك باعتبار واقع القرآن أنه منزل شيئا فشيئا وقوله: { كذلك } الجار والمجرور متعلق بمحذوف والتقدير: أنزلناه، كذلك وجملة (لنثبت) تعليل متعلق بالفعل المحذوف . وقال تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} (الذين آتيناهم الكتاب) يعني أعطيناهم إياه، وأنزلناه إليهم يتلونه حق تلاوته والتلاوة هنا تشمل التلاوة اللفظية والتلاوة الحكمية، فأما التلاوة اللفظية يعني يقرأوه بألسنتهم، وأما التلاوة الحكمية بأن يصدقوا بأخباره ويلتزموا بأحكامه، وقوله {حق تلاوته} من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، يعني تلاوة الحقة الصحيحة .

القارئ: (فأمامَك أمورٌ لا بُدَّ من مُراعاتِها في كلِّ فنٍّ تَطْلُبُه :
أولا: حفْظُ مُخْتَصَرٍ فيه .
ثانيا: ضبْطُه على شيخٍ متْقِنٍ .
ثالثا: عدَمُ الاشتغالِ بالْمُطَوَّلاتِ وتَفاريقِ الْمُصَنَّفاتِ قبلَ الضبْطِ والإتقانِ لأَصْلِه .
رابعا: لا تَنْتَقِلْ من مُخْتَصَرٍ إلى آخَرَ بلا مُوجِبٍ ، فهذا من بابِ الضَّجَرِ .
خامسا: اقتناصُ الفوائدِ والضوابِطِ العِلْمِيَّةِ .
سادسا: جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ والترَقِّي فيه ، والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هذه أمور لا بد من مراعاتها كما قال الشيخ
(أولا : حفظ مختصر فيه)، فمثلا إذا كنت تطلب النحو فاحفظ مختصرا فيه إن كنت مبتدأ فلا أرى أحسن من متن الآجرومية لأنه واضح وجامع وحاصر وفيه بركة، ثم متن الألفية ألفية ابن مالك لأنها خلاصة علم النحو كما قال هو نفسه:
أحصى من الكافية الخلاصة = كما اقتضى فنا بلا خصاصة
وفي الفقه احفظ زاد المستنقع لأن هذا الكتاب مخدوم بالشروح والحواشي والتدريس وإن كان بعض المتون الأخرى أحسن منه من وجه لكنه هو أحسن منهما من وجه آخر من حيث كثرة المسائل الموجودة فيه ومن حيث أنه مخدوم بالشروح والحواشي وغير ذلك .
في الحديث: متن عمدة الأحكام وإن ترقيت فبلوغ المرام وإذا كنت تقول إما هذا أو هذا فبلوغ المرام أحسن لأنه أخصر ولأن الحافظ ابن حجر رحمه الله يبين درجة الحديث وهذا مفقود بالنسبة لعمدة الأحكام وإن كان درجة الحديث فيها معروفة لأنه لم يضع في هذا الكتاب إلا ما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم .
في التوحيد: من أحسن ما قرأنا كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن الوهاب وقد يسر الله تعالى في الآوانة الأخيرة من خرج أحاديثه وبين ما في بعضها من ضعف والحق أحق أن يتبع .
في الأسماء والصفات: من أحسن ما ألف فيما قرأت العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية فهي كتاب جامع مبارك مفيد وهلم جرا خذ من كل فن تريد طلبه كتابا مختصرا فيه واحفظه ثانيا ضبطه على شيخ متقن، ولو قال: ضبطه وشرحه لكان أولى لأن المقصود ضبطه وتحقيق ألفاظه وما كان زائدا أو ناقصا وكذلك الشرح، استشرح هذا المتن على شيخ متقن وكما قلنا فيما سبق إنه يجب أن يضاف إلى الإتقان صفة أخرى وهي الأمانة لأن هذه من أهم ما يكون وأنتم تعلمون أن ذكر القوة والأمانة في القرآن متعدد لأن عليهما مدار العمل فقد قال العفريت من الجن { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين } وقال صاحب مدين ، بل قالت ابنته: { يا أبت استئجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } وقال الله تعالى في وصف جبريل: {ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين} فعلى هذين الوصفين القوة والأمانة تبنى الأعمال كلها فلا بد من شيخ متقن ويكون أمينا،
الثالث :عدم الاشتغال بالمطولات وهذه أعني الفقرة الثالثة مهمة جدا لطالب العلم أن يتقن المختصرات أولا حتى ترسخ العلوم في ذهنه ثم بعد ذلك يفيض إلى المطولات لكن بعض الطلبة قد يغرب فيطالع المطولات ثم إذا جلس مجلسا قال: قال صاحب المغني قال صاحب المجموع قال صاحب الإنصاف قال صاحب الحاوي ليظهر أنه واسع الاطلاع وهذا خطأ نحن نقول ابدأ بالمختصرات أولا حتى ترسخ العلوم في ذهنك ثم إذا من الله عليك فاشتغل بالمطولات ولهذا قال: عدم الاشتغال بالمطولات وتفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله أي لأصل ذلك العلم وانتبه لهذه المسألة إياكم أن تشغلوا أنفسكم بالمطولات قبل إتقان ما دونها وقياس ذلك في الأمر المخصوص أن ينزل من لم يتعلم السباحة إلى بحر عميق فإنه لا يستطيع أن يتخلص فضلا عن أن يتقن .
الرابع : لا تنتقل من مختصر إلى آخر بلا موجب فهذا من باب الضجر . وهذه أيضا آفة يعني التنقل من مختصر إلى آخر أو من كتاب فوق المختصر إلى آخر هذه آفة عظيمة تقطع على الطالب طلبه وتضيع عليه أوقاته، كل يوم له كتاب بل كل ساعة له كتاب، هذا خطأ إذا عزمت على أن يكون قرارك الكتاب الفلاني فاستمر لا تقل أقرأ كتابا أو فصلا من هذا الكتاب ثم أنتقل إلى آخر فإن هذا مضيعة للوقت ويقول : بلا موجب . أما إذا كان هناك موجب كما لو لم تجد أحد يدرسك في هذا المختصر ورأيت شيخا موثوقا في إتقانه وأمانته يدرس مختصر آخر فهذا ممكن لا حرج عليك أن تنتقل من هذا إلى هذا.
خامسا : اقتناص الفوائد والضوابط العلمية – وهذا أيضا من أهم ما يكون، الفوائد التي لا تكاد تطرأ على الذهن أو التي يندر ذكرها والتعرض لها أو التي تكون مستجدة تحتاج إلى بيان الحكم فيها هذه اقتنصها واضبطها بالكتابة قيد، لا تقل هذا أمر معلوم عندي ولا حاجة أن أقيده أنا إن شاء الله ما أنساه فإنك سرعان ما تنسى وكم من فائدة تمر بالإنسان فيقول هذه سهلة لا تحتاج إلى قيد ثم بعد مدة وجيزة يتذكرها ولا يجدها لذلك احرص على اقتناص الفوائد التي يندر وقوعها أو التي يتجدد وقوعها أما الضوابط فناهيك بها أيضا احرص على الاهتمام بالضوابط ومن الضوابط ما يذكره الفقهاء تعليلا للأحكام فإن كل التعليلات للأحكام الفقهية تعتبر ضوابط لأنها تنبني عليها الأحكام فهذه أيضا احتفظ بها ولولا أنني سمعت أن بعض الإخوان الآن يتتبع هذه الضوابط في الروض المربع ويحررها لقلت من الحسن أن نكلف طائفة منكم بالقيام بهذا العمل تتبع الروض المربع من أوله إلى آخره كل ما ذكر علة يقيدها لأن كل علة ينبني عليها مسائل كثيرة إذ أن العلة ضابط يدخل تحته جزئيات كثيرة مثلا : إذا قال: إذا شك في طهارة الماء من نجاسته فإنه يبني على اليقين هذه على كل حال تعتبر حكما وتعتبر ضابطا أيضا ، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان إذا ما شك في نجاسة طاهر ، فهو طاهر، أو في طهارة نجس فهو نجس لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان ولو أن الإنسان كل ما مر عليه مثل هذه التعليلات حررها وضبطها ثم حاول في المستقبل أن يبني عليها مسائل جزئية لكان في هذا فوائد كثيرة له ولغيره .
سادسا: جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ والترَقِّي فيه ، والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ .
هذا أيضا مهم أن الإنسان يجمع نفسه للطلب فلا يشتتها يمينا ويسارا يوما يطلب العلم ثم يوم يفكر يقول أفتح مكتبة، الناس رزقهم الله ويوم ثان يقول أروح إلى بيع الخضار ، هذا ليس بصحيح اجمع النفس على الطلب ما دمت مقتنعا بأن هذا منهجك وسبيلك فاجمع نفسك عليه وأيضا اجمع نفسك على الترقي فيه لا تبقى ساكنا فكر فيما وصل إليه علمك من المسائل والدلائل حتى تترقى شيئا فشيئا واستعن بمن تثق به من زملائك وإخوانك إذا احتاجت المسألة إلى استعانة ولا تستحي أن تقول يا فلان ساعدني على تحقيق هذه المسألة بمراجعة الكتب الفلانية والفلانية، الحياء لا ينال العلم به أحد، فلا ينال العلم مستحي ولا مستكبر .
وقوله : (والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه) يعني معناه أن الإنسان يكون عنده شغف شديد تتحرق نفسه لينال ما فوق المنزلة التي هو فيها (حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ) . نعم.


القارئ: (وكان من رأيِ ابنِ العربيِّ المالِكِيِّ أن لا يَخْلِطَ الطالبُ في التعليمِ بينَ عِلْمَين وأن يُقَدِّمَ تعليمَ العربيَّةِ والشعْرِ والْحِسابِ ، ثم يَنتَقِلَ منه إلى القُرآنِ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((أن لا يخلط الطالب في التعليم بين علمين) وهذا ليس على إطلاقه بل يجب أن يقيد ولعله يكون قيده فإن لم يفعل بينا ما يحتاج إلى قيد .


القارئ: (لكن تَعَقَّبَه ابنُ خَلدونَ بأنَّ العوائدَ لا تُساعِدُ على هذا وأنَّ الْمُقَدَّمَ هو دراسةُ القرآنِ الكريمِ وحِفْظُه ؛ لأنَّ الوَلَدَ ما دام في الْحِجْرِ يَنقادُ للحُكْمِ ، فإذا تَجاوَزَ البُلوغَ ؛ صَعُبَ جَبْرُه .
أمَّا الْخَلْطُ في التعليمِ بينَ عِلمينِ فأَكْثَرَ ؛ فهذا يَختلِفُ باختلافِ المتعلِّمينَ في الفَهْمِ والنشاطِ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (طيب ما معنى هذا؟ قوله رحمه الله: إنك تقدم تعليم العربية هذا قد يكون مسلما بالنسبة لمن لا ينطق العربية وذلك لأنه لا يمكن أن يعرف القرآن إلا إذا تعلم العربية لكن من كان عربيا فليس من المُسَلَّم أن نقول تعلم العربية بمعنى: توسع فيها والشعر والحساب، كيف نقدم الشعر والحساب على القرآن ؟ هذا ليس بمُسَلَّم، كذلك أيضا .
قوله: لا يجمع بين علمين، فيقال إن الناس يختلفون في الفهم والاستعداد فقد يكون سهلا على المرء أن يجمع بين علمين وقد يكون من الصعب أن يجمع بين علمين وكل إنسان طبيب نفسه فإذا رأى من نفسه قدرة وقوة فلا بأس أن يجمع بين علمين ولكن ليحذر النشاط أو نشاط البدء لأن نشاط البدء بمنزلة السفر، فإن بعض الناس أول ما يبدأ يجد نفسه نشيطا نشيطا نشيطا ثلاث مرات فيريد أن يلتهم العلوم جميعا فإذا به ينكث على الوراء لأنه كبر اللقمة ومن كبر اللقمة فلا بد أن يغص حتى لو وجدت من نفسك قدرة وقوة لا تكلفها ما لا تطيق اتزن حتى تستمر .

القارئ: (وكان من أهلِ العلمِ مَن يُدَرِّسُ الفقهَ الحنبليَّ في ( زادِ الْمُسْتَقْنِعِ ) للمبتدئينَ و (الْمُقْنِعِ ) لِمَن بعدَهم للخِلافِ المذهبيِّ ، ثم ( الْمُغْنِي ) للخِلافِ العالي ، ولا يَسْمَحُ للطبقةِ الأُولى أن تَجْلِسَ في دَرْسِ الثانيةِ . وهكذا ؛ دَفْعًا للتشويشِ.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (نعم صحيح من أهل العلم من يفعل ذلك إذا كان يدرس الفقه الحنبلي يدرس في زاد المستنقع لأن زاد المستنقع اختصار المقنع ثم ينتقل إلى تدريس المقنع؛ لأن المقنع فيه ذكر الروايتين والوجهين والقولين في المذهب بدون تعليل ولا دليل يطلع الطالب على أن هناك خلافا في المسائل وبعضهم ينتقل من بعد المقنع إلى الكافي، الكافي قبل المغني لأن الكافي يذكر فيه الخلاف المذهبي مع الأدلة وبهذا يمتاز عن المقنع فهو يذكر الخلاف ويذكر الأدلة سواء كانت الأدلة سمعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح أو عقلية من النظر ثم بعد ذلك المغني لأن الخلاف في المغني ليس مع أصحاب الإمام أحمد بل مع عامة المذاهب فيترقى من هذا إلى هذا، الموفق رحمه الله سلك هذا التدرج لكن له كتاب قبل المقنع سلم للمقنع وهو عمدة الفقه للموفق كتاب مختصر أقل بكثير من زاد المستقنع من حيث المسائل لكنها تشتمل على بعض الدلائل يعني ليست جافة كزاد المستقنع بل فيها أدلة . فالحاصل أنه ينبغي أن المعلم يرتقى بالطلبة درجة فدرجة حتى يتقنوا ما تعلموه.
قال: (ولا يسمح للطبقة الأولى أن تجلس في دروس الثانية وهكذا دفعا للتشويش)، لكني أنا في النقطة الأخير لا أستطيع ولهذا أجمع بين الصغير والكبير فيما ندرسه من الكتب ونقول هذا الصغير الآن يزحف ثم يبدأ يمشي شيئا فشيئا حتى تقله رجلاه وسبب ذلك أن الطلاب عندنا يتواردون شيئا فشيئا ولو راعينا الوافدين لأهملنا حق السابقين لو قلنا مثلا إذا جاء أناس جدد رجعنا في زاد المستقنع إلى كتاب الطهارة ووصلنا مثلا قل إلى كتاب الصلاة في هذه الفترة جاء العام الثاني وفد جماعة ماذا نعمل؟ رجعنا إلى الطهارة كان في هذا ظلم للسابقين ومعناه سنبقي دائم الأبد من أول الكتاب إلى الطهارة هذا ما يستقيم، لذلك نرجوا منكم العذر إلا أنه والحمد لله وجد من الطلبة السابقين من جلس للطلبة الوافدين في بعض المختصرات وهذا والحمد لله من نعمة الله على الجميع.

القارئ: (واعْلَمْ أنَّ ذِكْرَ الْمُختصراتِ فالْمُطَوَّلَاتِ التي يُؤَسَّسُ عليه الطلَبُ والتلَقِّي لدى المشايخِ تَختَلِفُ غالبًا من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ باختلافِ الْمَذاهِبِ وما نَشأَ عليه عُلماءُ ذلك الْقُطْرِ من إتقانِ هذا المختَصَرِ والتمَرُّسِ فيه دونَ غيرِه .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هذه الفقرة صحيحة مثلا قد يكون الإنسان في بلد ينتحلون مذهب الشافعي ستجد العلماء يدرسون أو يبنون أصول تدريسهم على كتب الشافعي، في بلد ينهج فيه أهله مذهب الإمام أحمد تجد العلماء يدرسون كتب هذا المذهب وهلم جرا .

القارئ: (والحالُ هنا تَختلِفُ من طالبٍ إلى آخَرَ باختلافِ القرائحِ والفهومِ وقُوَّةِ الاستعدادِ وضَعْفِه ، وبُرودةِ الذِّهْنِ وتَوَقُّدِه .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (وهناك أسباب أخرى أيضا وهي قوة الاستعداد للعلم وتلقيه وضعف ذلك وكذلك كثرة المشاغل وقلتها، المهم أن الاختلاف وارد في كل شيء لكن ما ذكره أولاً مبني على الغالب فقد يكون من المبتدئين من يمكن أن تدرسه المقنع .


تمت المراجعة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد

تم التهذيب بواسطة زمزم

شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله

القارئ: (قال المؤلف:
الفصل الثاني: كيفية الطلب والتلقين
كيفية الطلب ومراتبه:"من لم يتقن الأصول ، حرم الوصول" ، و "من رام العلم جملة ، ذهب عنه جملة" ، وقيل أيضاً:"ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم" . وعليه، فلا بد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه، بضبط أصله ومختصره على شيخ متقن، لا بالتحصيل الذاتي وحده، وأخذاً الطلب بالتدرج . قال الله تعالى: (وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكثونزلناه تنزيلاً). وقال تعالى: (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً). وقال تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته)
فأمامك أمور لابد من مراعاتها في كل فن تطلبه :
حفظ مختصر فيه .
ضبطه على شيخ متقن.
عدم الاشتغال بالمطولات و تفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله.
لا تنتقل من مختصر إلى آخر بلا موجب ، فهذا من باب الضجر.
اقتناص الفوائد والضوابط العلمية.
جمع النفس للطلب والترقي فيه ، والاهتمام والتحرق للتحصيل والبلوغ إلى ما فوقه حتى تفيض إلى المطولات بسابلة موثقة.
وكان من رأي ابن العربي المالكي أن لا يخلط الطالب في التعليم بين علمين ، وأن يقدم تعليم العربية والشعر والحساب ، ثم ينتقل منه إلى القرآن.
لكن تعقبه بن خلدون بأنّ العوائد لا تساعد على هذا ، وأنّ المقدم هو دراسة القرآن الكريم وحفظه ؛ لأنّ الولد ما دام في الحجر ؛ ينقاد للحكم ، فإذا تجاوز البلوغ ؛ صعب جبره.
أما الخلط في التعليم بين علمين فأكثر ؛ فهذا يختلف باختلاف المتعلمين في الفهم والنشاط.
وكان من أهل العلم من يدرس الفقه الحنبلي في "زاد المستنقع " للمبتدئين ، و "المقنع " لمن بعدهم للخلاف المذهبي ، ثم "المغني " للخلاف العالي ، ولا يسمح بالطبقة الأولى أن تجلس في درس الثانية… وهكذا ؛ دفعاً للتشويش.
واعلم أنّ ذكر المختصرات والمطولات التي يؤسس عليه الطلب والتلقي لدى المشايخ تختلف غالباً من قطر إلى قطر باختلاف المذاهب ، وما نشأ عليه علماء ذلك القطر من إتقان هذا المختصر والتمرس فيه دون غيره.
والحال هنا تختلف من طالب إلى آخر باختلاف القرائح و الفهوم ، وقوة الاستعداد وضعفه ، وبرودة الذهن وتقوده.
وقد كان الطلب في قطرنا بعد مرحلة الكتاتيب والأخذ بحفظ القرآن الكريم يمر بمراحل ثلاث لدى المشايخ في دروس المساجد : للمبتدئين ، ثم المتوسطين ، ثم المتمكنين:
ففي التوحيد: "ثلاثة الأصول وأدلتها " ، و "القواعد الأربع " ، ثم "كشف الشبهات " ، ثم "كتاب التوحيد " ؛ أربعتها للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ، هذا في توحيد العبادة.
وفي توحيد الأسماء والصفات: "العقيدة الواسطيه" ، ثم "الحموية" ، و "التدمرية" ؛ ثلاثتها لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى ، فـ "الطحاوية" مع "شرحها".
وفي النحو: "الأجرومية" ، ثم "ملحة الإعراب" للحريري ، ثم "قطر الندى" لابن هشام ، وألفية ابن مالك مع شرحها لابن عقيل.
وفي الحديث: "الأربعين" للنووي ، ثم "عمدة الأحكام" للمقدسي ، ثم "بلوغ المرام" لابن حجر ، و "المنتقى" للمجد بن تيمية ؛ رحمهم الله تعالى ، فالدخول في قراءة الأمهات الست وغيرها.
وفي المصطلح : "نخبة الفكر" لابن حجر ، ثم "ألفية العراقي" رحمه الله تعالى.
وفي الفقه مثلاً : "آداب المشي إلى الصلاة" للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ثم "زاد المستنقع" للحجاوي رحمه الله تعالى ، أو "عمدة الفقه" ، ثم "المقنع" للخلاف المذهبي ، و "المغنى" للخلاف العالي ؛ ثلاثتها لابن قدامه رحمه الله تعالى.
وفي أصول الفقه : "الورقات" للجويني رحمه الله تعالى ، ثم "روضة الناظر" لابن قدامه رحمه الله تعالى.
وفي الفرائض : "الرحبية" ، و ثم مع شروحها ، و"الفوائد الجلية".
وفي التفسير :"تفسير ابن كثير" رحمه الله تعالى.
وفي أصول التفسير :"المقدمة" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وفي السيرة النبوية :"مختصرها" للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وأصلها لابن هشام ، وفيه "زاد المعاد" لابن القيم رحمه الله تعالى.
وفي لسان العرب : العناية بأشعارها ، وكـ"المعلقات السبع" ، والقراءة في "القاموس" للفيروز آبادي رحمه الله تعالى.
… وهكذا من مراحل الطلب في الفنون.
وكانوا مع ذلك يأخذون بجرد المطولات ؛ مثل "تاريخ بن جرير" ، وابن كثير ، وتفسيرهما ، ويركزون على كتب شيخ الإسلام بن تيمية ، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى ، وكتب أئمة الدعوى وفتاواهم ، لاسيما محرراتهم في الاعتقاد.
وهكذا كانت الأوقات عامرة في الطلب ، ومجالس العلم ، فبعد صلاة الفجر إلى ارتفاع الضحى ، ثم تقول القيلولة قبيل صلاة الظهر ، وفي أعقاب جميع الصلوات الخمس تعقد الدروس ، وكانوا في أدب جم وتقدير بعزة نفس من الطرفين على منهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى ، ولذا أدركوا وصار منهم في عداد الأئمة في العلم جمع غفير ، والحمد لله رب العالمين.
فهل من عودة إلى أصالة الطلب في دراسة المختصرات المعتمدة ، لا على المذكرات ، وفي حفظها لا الاعتماد على الفهم فحسب ، حتى ضاع الطلاب فلا حفظ ولا فهم! وفي خلو التلقين من الزغل والشوائب والكدر ، سير على منهاج السلف.
والله المستعان.
وقال الحافظ عثمان بن خرزاد (م سنة 282هـ) رحمه الله تعالى : "يحتاج صاحب الحديث إلى خمس ، فإن عدمت واحدة ؛ فهي نقص ، يحتاج إلى عقل جيد ، ودين ، وضبط ، و حذاقة بالصناعة ، مع أمانة تعرف منه".
قلت : - أي الذهبي-:
"الأمانة جزء من الدين ، والضبط داخل في الحذق ، فالذي يحتاج إليه الحافظ أن يكون : تقياً ، ذكياً ، نحوياً ، لغوياً ، زكياً ، حيياً ، سلفياً يكفيه أن يكتب بيديه مائتي مجلد ، ويحصل من الدواوين المعتبرة خمس مائة مجلد ، وأن لا يفتر من طلب العلم إلى الممات بنية خالصة ، وتواضع ، وإلا فلا يتعن " هـ.
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (بعدما ذكر المؤلف رحمه الله آداب طالب العلم في نفسه انتقل إلى الآداب المتعلقة بكيفية الطلب و التلقي ، وأول هذه الآداب أن يحرص على التدرج في التعلم ، بحيث يأخذ كل أناس ما يناسبهم وينبغي أن يكون هذا بأمور :
أولها : الارتباط بعالم ناصح سالم مثبت بحيث إذا ارتبط الإنسان بالعالم استفاد من سمته وهديه ، وكذلك برّزّه في العلم وانتقى له من الكتب ما يناسبه ويكون صالحا لحاله ، وأضرب لهذا مثلا : سألني بعض الطلاب هنا أن أشرح لهم مختصر التحرير ، مختصر التحرير كتاب قويم وصعب وفيه مباحث دقيقة ومبنية على أصول عقدية ، وقد لا يستوعبها هؤلاء ثم قد يضيق الوقت عندهم ، فيأخذون ربع الكتاب أو نصف الكتاب ثم لا يتمكنون من إكماله و إتمامه فيكون عندهم في نفوسهم نوع من التنقص لعدم إكمالهم للكتاب ، ولذلك اخترنا لهم أن يكون لنا دورة علمية في كل أسبوع منها نأخذ متنا علميا ، و يكون ذلك سببا من أسباب التحصيل وإكمال مهمات هذه الكتب وإدراك الأهداف التي سعى إليها مؤلفو هذه المتون .
الأمر الثالث : مما يتعلق بهذا التدرج في التعلم بحيث يبتدئ الإنسان بالنقطة الأولى ، و يبتدئ بالمتن الأقل ليضبطه ويتقنه ويكون بمثابة الأساس الذي يؤسَس عليه البنيان ، و أما إذا أتى ليبني سقف المنزل وهو لم يبن أساسه بعد فإنه لن يتمكن من بنائه ولو وضع سقفه فهو عما قريب سيسقط ، و هذا من أكبر المسائل التي نعنى بها في عصرنا ، تجد بعضهم ينتقل إلى المطولات فيكون سببا لتخليطه في المسائل و إدخال المسائل بعضها بـبعض ، كما أدركنا من أناس رغبوا في الخير فأخذوا كتاب المغني فبدؤوا يقرؤون يقولون نريد الكتاب الشامل المحتوي على العلم كله ، فلما ابتدءوا بقراءته فإذا في أوله مسائل عديدة متعلقة بالمياه لا يفهمونها ولا يدركون مصطلحات أهل العلم فيها فكان ذلك سببا لتركهم التعلم بالكلية ، ويحضرني في هذا: بعض الفقهاء الذين ذكروا أنهم كانوا يدرسون مختصر الخرقي فلما طلبوا من شيخهم أن ينتقل بهم إلى كتاب آخر ، قال : هذا الكتاب قد ضبطته وعرفت ما فيه فأدرسكم إياه ومن أراد غيره فلينتقل لغيري ، ثم قال : أنت يا فلان و فلان لا تنتقلا عن هذا الكتاب حتى تضبطاه ، ولذلك لا بد من التدرج في التعلم .
الأمر الرابع : معرفة المصطلحات العلمية في الكتب التي يريد الإنسان قراءتها بحيث كلما مر عنده لفظ عرف معناه ، و عرف مراد أهل العلم به ، بحيث لا يُنَزِّل كلام أهل العلم على غير مرادهم ، فإنك إذا لم تفهم هذه المصطلحات فحينئذ ستفهم فهما خاطئا مغلوطا ، وأضرب لهذا مثلا : جاءني إنسان ووجدني أقرأ كتاب الرد على المنطقيين ، كانت هيأته حسنة و أعرف عنه رغبة في العلم وطلب مني استعارة هذا الكتاب فأعرته له ، بعد أسبوع أعاد لي الكتاب وقال : كتاب قيم فيه فوائد كثيرة ، لكن هذا الكتاب اشتمل على كلمة لا أعرف ما مدخلها في الكتاب ، ما هي هذه الكلمة ؟ ، قال : كلمة الحد . قال فما مدخل العقوبات في المناطقة ؟ فقلت : لقد أتعبت نفسك بقراءة هذا الكتاب ، المراد بالحد التعريف ، والمؤلف في الرد على المنطقيين يرد على المناطقة طريقتهم في التعريفات التي هي الحدود ، فعندما يفهم أنّ المراد هو الحد الذي يقصد به العقوبة المقدرة حينئذ يكون قد فهم الكتاب على غير مراد صاحبه.
الأمر الآخر هو الحرص على الحفظ وأول ما يحفظ النصوص الشرعية الكتاب والسنة ، فإنّ الإنسان إذا لم يحفظ هذه الأصول فإنه حينئذ لا ينطلق في تعليمه ، ولا في دعوته ، ولا في علمه من منطلقات صحيحة ، لأنّ منطلقات العلم هي النصوص كتابا وسنة من عرفها تمكن من تأسيس علم صحيح ، ومن لم يعرفها فإنه حينئذ سيعرف شيئا من المعلومات ، وبالتالي لا يكون قد وصل إلى مقصود الشرع ومراده.
الأمر الآخر الذي يتعلق بهذا وهو أن يحرص الإنسان على اختيار الكتب والمؤلفات التي يعرفها الناس في بلده ويكون لها مكانة في ذلك البلد ، من أجل أن يتمكن من ضبطها ، ومن أجل أن يكون ذلك سبيلا لنشرها في الأمة ، ومن أجل اجتماع الناس من خلال تعلمهم في كتب متقاربة ، وأما إذا درسنا كتبا لا يعرفها الناس وجعلناها هي الأساس الذي ننطلق منه في التعلم ، حينئذ نكون قد نفرنا بقية طلبة العلم ولم نكن وإياهم على وفاق.
أيضا من الأمور المتعلقة بهذا عدم الملل في التعلم وقد أشرنا إلى هذا فيما سبق ، فإنّ الإنسان إذا كان كلما قرأ كتابا وانتصف فيه ملّ منه وانتقل إلى كتاب آخر لم يتمكن من ضبط العلم.
كذلك من الأمور التي ينبغي أن تعرف هو عدم الخلط بين العلوم ، وليس المراد به ألا يتعلم الإنسان علمين في زمن واحد في سنة واحدة أو في يوم واحد ، وإنما المراد به ألا يدخل بعضها في بعض في وقت واحد ، لأنّ مصطلحات أهل الفنون تختلف ومراد كل طائفة يغاير مراد الطائفة الأخرى.
كذلك من الأمور التي ينبغي أن تكون عند طالب العلم ألا يدخل في الخلاف حتى يتقن أساس ذلك الفن الذي يدرسه ، لأنك إذا دخلت في الأقوال وفي الأدلة وأنت لم تحط بالمراد بهذه المسائل ، فحينئذ ستُنزِّل كلامهم على غير مرادهم ، ولن تتمكن من فهم هذه المسألة .
كذلك ينبغي أن يعلم بأنّ التعلم في كتاب لا يعني العمل به فطالب العلم يتعلم ما في هذا الكتاب ، لكنه عند العمل يسأل فقهاء عصره إن لم يكن مجتهدا ، و إن خالف ما في الإجتهاد والفتوى ما في ذلك الكتاب فإنه يسأل عن سبب المخالفة حتى يحيط بالقولين ويعرف مستند كل منهما ، هذا شيء مما يتعلق بكيفية الطلب والتلقي ومراتبه.
قال المؤلف : (من لم يتقن الأصول حرم الوصول) المراد بالأصول هنا القواعد والأسس التي يتعلم الإنسان بناء عليها ، (حرم الوصول) مراد أهل العلم أنّ من لم يعرف قواعد التعلم ومراتبه فإنه لن يتمكن من الوصول لتحصيل العلم ، (من رام العلم جملة ذهب عنه جملة) فمن أراد أن يحصل العلم كله في وقت واحد فإنه حينئذ سيذهب منه سريعا ، ولذلك ينبغي للإنسان أن يُقَعِّد القواعد ثم بعد ذلك يبني عليها فروع العلم.
قال : (ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم) فإنّ السمع كلما كان مصغيا لأنواع التعلم مبتدءا بالأقل فالأكثر فإنه حينئذ سيفهم وسينتقل من حال الجهل إلى حال العلم.
قال المؤلف : (فلا بد من التأصيل والتأسيس) (التأصيل) معرفة الأصول وهي القواعد التي ينبني عليها التعلم ، (والتأسيس) يعني معرفة الأسس التي يبنى عليها العلم، فالتأصيل معرفة قواعد التعلم هذا المراد به هنا ، والتأسيس معرفة الأسس والقواعد التي يبنى عليها العلم ، (وذلك بضبط أصل العلم وبدراسة مختصر على شيخ متقن لا بالتحصيل الذاتي وحده) وجدنا من حاول أن يحصل العلوم بنفسه بدون الاستناد إلى شيخ وجدنا منهم أمورا كثيرة منها :
أولا : الخطأ في نطق الكلمات فتجدهم لا يضبطون تشكيل الكلمة ضبطا صحيحا ، وذلك لأنهم أخذوا الكتاب فقرءوا منه فظنوا أنّ ما نطقوه هو الصحيح لأنّ الكتب في الغالب غير مشكلة ، إذا قرأ قال : (مُنَ) مناخ من سبق، وهي (مِنَ) ، إذا قرأ قال : (أَسِيد) وهو (أُسَيد بن حضير) ، إذا قرء (عتاب بن أُسَيد) وهو (بن أَسِيد) وهكذا ، لماذا ؟ ، لأنه اعتمد على ما في هذه الكتب ولم يكن لديه شيخ يأخذ منه طريقة نطق هذه الكلمات.
الأمر الثاني : أن من لم يتعلم على شيخ ، أدخل المسائل بعضها في بعض ، وقد مثلنا له فيما مضى بمن قرأ مسألة من سبقه الحدث في الصلاة ، فحينئذ يقول الفقهاء : يستخلف من وراءه فيقدمون إماما يصلي بهم ، بينما في مسألة من تذكر الحدث في أثناء الصلاة قالوا : تبطل صلاته وتبطل صلاة من خلفه هكذا قال الفقهاء ، فيأتي إنسان فيظن أنّ هذه المسألة هي تلك المسألة فينسب إلى هؤلاء الفقهاء ما لم يقولوه.
وكذلك من الأمور التي تنبني على تعلم الإنسان بنفسه بدون مراجعة شيخ متقن ، أنّ فهم الكلمات والمصطلحات لا يعرف إلا من خلال هؤلاء العلماء الذين يتعلم الإنسان عليهم ، وقد مثلت لكم بأمثلة مصطلح واحد يختلف من باب إلى باب ، وهناك مصطلحات تختلف من عالم إلى عالم ، وهناك مصطلحات تختلف من فن إلى فن ، وهناك مصطلحات تختلف من مذهب إلى مذهب ، مثال هذا : إذا قال إنسان أو فقيه : الكفالة جائزة ، ما المراد بالكفالة ؟ إن كان حنبليا فهو يريد الالتزام بإحضار بدن من عليه حق هذه الكفالة ، وإن لم يكن حنبليا فهو يريد الالتزام بدفع ما في ذمة الآخرين الذي يسميه الحنابلة الضمان ، إذن من أين اختلف المصطلح ؟ باختلاف المذهب ، و قد يكون باختلاف الأبواب ، فكلمة الضمان يراد بها مرة ضم ذمة إلى ذمة ، ومرة يراد بها دفع التعويض ، والكل في كتاب واحد كيف يعرف الإنسان التفريق بينهما ؟ بكونه يتعلم على معلم يدله على مراد أهل العلم بذلك.
الفائدة الرابعة : معرفة الصحيح من الضعيف ، عندما يأتي الإنسان ويقرأ الكتب يكون كحاطب لا يميز بين صحيحها وضعيفها ، و عندما يراجع العلماء المتقنين يدله على الصحيح من الضعيف ، بل يُوجِد لديه قدرة ومَلَكة يتمكن بواسطتها من التمييز بين الصحيح والضعيف ، ولذلك في عصرنا الحاضر وجدنا من لم يطلب العلم على العلماء يقومون بتسجيل أشرطة ثم يكون في هذه الأشرطة من الصواب الشيء الكثير ، عند النطق بالكلمات لا ينطقونها بنطق صحيح ، وعند الروايات لا يفرقون بين الرواية الصحيحة والرواية الضعيفة ، ثم لا يتمكنون من ربط المسائل بعضها ببعض ، أو ربط الحوادث بعضها ببعض لأنهم ليس لديهم دراسة سابقة مبنية على تحصيل عند عالم متقن ، إذا تقرر هذا فإنه لا بد أن يختار الإنسان العالم المتقن ، أما من انتسب إلى العلم ولم يكن متقنا له ، فحينئذ قد يوقعه في أشياء كثيرة مخالفة للصواب والحق ، ومما يتعلق بهذا أن تختار في كل فن من يتقنه ، حتى تكون بذلك قد حصلت الإتقان في ذلك الفن ، وقد يوجد علماء يتقنون فنونا عديدة فمثل هؤلاء هم الذين يحرص على اقتناصهم واقتناص التعلم منهم ، وذلك لأنّ العلوم الشرعية يرتبط بعضها ببعض ، فعندما تأتي بشخص عارف في الفقه ومتقن لكلام أهل العلم فيه ، لكنه لا يعرف قواعد الأصول ، أولا يعرف مباحث المعتقد يكون درسك معه مقطوعا ، لأنّ مسائل الفقه مرتبطة بالأصول وهناك مسائل فقهية عديدة فيها جوانب عقدية . ذكر المؤلف عددا من الأدلة الدالة على مشروعية التدرج في طلب العلم منها قوله تعالى : (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) كثير من أهل العلم يفرق بين أَنْزل ونزّل؛ لأن نزّل يراد بها التنزيل المفرق ، و أما أنزل فيحتمل أنها تكون كذا و أن تكون كذا ، و هذا إنما يكون عند المقارنة بين اللفظين ، ثم جاء بقوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً) هنا لم يؤت في مقابلة أُنزل ، أو قيِّد بقوله : جملة واحدة ، (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ) هذه هي الفائدة الأولى أن يثبت العلم في قلب المتعلم (وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) ، وقال : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ)
ذكر المؤلف عددا من الوسائل في التعلم :
أولها : (حفظ مختصر في العلم) ، فإنه يُبقي ذلك العلم في القلب.
وثانيها : (ضبط العلم بضبط مصطلحاته) ، وضبط ألفاظه ومعانيها وضبط أساليبه و ضبط أبوابه ، والمراد بالضبط الحفظ التام ، و الضبط يكون للعلم ويكون لكتبه ، فيضبط ما أُلِّف فيه من المؤلفات ، ويضبط أيضا مواطن بحث المسائل التي تبحث؛ أين يبحثها أهل العلم ؟ ، لأنّ كثيرا من المسائل تبحث في غير مظانها، يبحث عنها الإنسان في شيء وهي في باب آخر ، مثال هذا : حديث (أنّ النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن وصل الصلاة بصلاة حتى ينتقل أو يتكلم ) هذا رواه الإمام مسلم ، أين موطنه وأين يُبْحث ؟
(الجواب من الطلبة والشيخ يعيد جوابهم : من كتاب الصلاة)
الشيخ : من أين من كتاب الصلاة ؟
جواب الطلبة: أوقات الصلاة ، صفة الصلاة ، التطوع في الصلوات ، مكروهات الصلاة
الشيخ:كل هذه المباحث يبحثها
طالب آخر: في باب الصيام
الشيخ : غلط،
بحثه في آخر باب صلاة الجمعة ، لابد أن نعرف مواطن بحث المسائل ، عندك مسائل متعلقة بالمسابقات ، أين تُبحث ؟ بعض أهل العلم يبحثها في كتاب القضاء في باب الشهادات ، وبعض أهل العلم يبحثها في كتاب الجهاد ، وبعض أهل العلم يبحثها في كتاب المعاملات بعد أنواع الإيجارات إلى غير ذلك من طرائق أهل العلم ، فعندما يتعلم الإنسان العلم على شيخ وعلى فن معين و على مذهب معين يعرف أين بحث هذه المسائل.
كذلك لا ينتقل الإنسان إلى الكتاب المطول حتى يضبط المتون الأولى في ذلك العلم ، ولا يترك مختصر وهو لم يكمله إلى مختصر آخر ، وكذلك ينبغي بنا أن نقتنص الفوائد كلما وجدنا فائدة علمية وضابطا حرصنا على تقييده ليبقى في الذهن ، ويكون ذلك سببا من أسباب اندفاع الإنسان لهذا العلم ، كذلك الحرص على جعل النفس تلتفت إلى التعلم ولا تلتفت إلى غيره ، بحيث يجمع العبد نفسه في الطلب وفي الترقي من درجة إلى درجة ويكون في نفسه حُرقة ورغبة شديدة في التعلم (والبلوغ إلى ما فوقه حتى تفيض إلى المطولات بسابلة موثقة) تفيض: من المياه إذا فاض الماء بحيث امتلأ المكان الأول فانتقل بعضه إلى مكان آخر، هذا إفاضة الماء فاض الماء ، فهو يفيض من المختصرات إلى المطولات بسابلة ، ما هي السابلة ؟ السحاب القوي الذي فيه مطر كثير ، موثقة بحيث يكون متوثقا من علمه .
ذكر المؤلف خلافا بين ابن العربي المالكي و بين ابن خلدون وفيما يتدرج فيه من التعلم ، فابن العربي يرى تقديم العربية والشعر والحساب ثم ينتقل إلى القرآن ، وابن خلدون يرى أنّ المقدم هم القرآن وحفظه ، وعلى كل معرفة العربية كان الناس يحرصون عليها ، وذلك لأنّ الصبي في أول تكلمه إذا عُلِّم العربية نطقا وأسلوبا لتكون العربية سليقة له فهذا يكون أول ما يتعلمه الإنسان ، وأما تعلم العربية كقواعد وتعلم أنواع علوم العربية الخادمة لهذا فيكون بعد إتقان القرآن ، لأنّ تعلم القرآن وحفظه يعين على معرفة العربية ومعرفة العربية تعين على فهم القرآن ، فهو يبتدئ أولا بحفظ القرآن ثم يتعلم العربية فينطلق من العربية إلى فهم القرآن.
ذكر المؤلف التدرج في التعلم ، وذكر أنه كان من شأن أهل العلم ألا يخلطوا بين المتعلمين فيكون لطائفة التعلم في أول الفنون والمتون في العلم ثم بعد ذلك من أتقنه انتقل إلى المرحلة الأخرى ، فأما إذا خلط الطلاب بعضهم مع بعض فإنه يؤدي إلى خلط و خبط ، ذلك أنّ المبتدئ يسأل سؤالا يناسب حاله ، فيضجر منه من هو أعلى درجة منه ويمل من طلب العلم في ذلك المجلس ، وإذا سأل المتمكن والمتوسط سؤالا قد لا يفهمه المبتدئ فيكون ذلك سببا لخلط العلوم في ذهنه وإدخال بعضها في بعض ، ولذلك كان من الشأن تقسيم طلبة العلم بحسب درجاتهم ، أما بالنسبة لاختيار المتون كما تقدم فيختلف من بلد إلى بلد ، ومن أهل مذهب إلى أهل مذهب ، فحينئذ فيختار الشيخ لطلابه ما يناسبهم من المتون ويتوافق مع أحوالهم
قال المؤلف أيضا : الطلاب يختلفون من حيث جودة الفهم ، ومن حيث ما لديهم من صفات تؤهلهم لحفظ العلم ، وما لديهم من رغبة في التعلم ، وما لديهم من قوة الذهن وضعفه ، ولذلك فينتقى لكل مجموعة ما يناسبهم من الكتب.