10 Dec 2008
الدرس السادس: الإعراض عن اللغو والتحلي بالرفق والتثبت
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (الإعراضُ عن مَجَالِسِ اللَّغْوِ :
لا
تَطَأْ بِساطَ مَن يَغْشُونَ في نادِيهم الْمُنْكَرَ ، ويَهْتِكُون أستارَ
الأَدَبِ مُتَغَابِيًا عن ذلك ، فإنْ فعَلْتَ ذلك فإنَّ جِنايَتَكَ على
العِلْمِ وأَهْلِه عظيمةٌ .
الإعراضُ عن الْهَيْشَاتِ :
التَّصَوُّنُ من اللَّغَطِ والْهَيْشَاتِ ، فإنَّ الغَلَطَ تحتَ اللَّغَطِ ، وهذا يُنافِي أَدَبَ الطَّلَبِ .
ومن لَطيفِ ما يُسْتَحْضَرُ هنا ما ذَكَرَه صاحبُ ( الوَسيطِ في أُدباءِ شِنْقِيطَ ) وعنه في ( مُعْجَمِ الْمَعاجِمِ ) .
( إنه
وَقَعَ نِزاعٌ بينَ قَبيلتينِ ، فسَعَتْ بينَهما قَبيلةٌ أُخرى في
الصُّلْحِ فتَرَاضَوْا بِحُكْمِ الشرْعِ وحَكَّمُوا عالِمًا فاستَظْهَرَ
قتلَ أربعةٍ من قبيلةٍ بأربعةٍ قُتِلُوا من القبيلةِ الأخرى ، فقالَ الشيخُ
بابُ بنُ أحمدَ : مثلُ هذا لا قِصاصَ فيه . فقالَ القاضي : إنَّ هذا لا
يُوجَدُ في كتابٍ .فقالَ : بل لم يَخْلُ منه كتابٌ . فقالَ القاضي : هذا (
القاموسُ ) – يعني أنه يَدْخُلُ في عُمومِ كتابٍ - .
فتَنَاوَلَ صاحبُ الترجمةِ ( القاموسَ ) وَأَوَّلَ ما وَقَعَ نَظَرُه عليه : ( والْهَيْشَةُ الفتنةُ وأمُّ حُبَيْنٍ وليس في الْهَيْشاتِ قَوَدٌ ) أي : في القتيلِ في الفِتنةِ لا يُدْرَى قاتِلُه فتَعَجَّبَ الناسُ من مِثْلِ هذا الاستحضارِ في ذلك الموقِفِ الْحَرِجِ ) اهـ ملَخَّصًا .
التحَلِّي بالرِّفْقِ :
الْتَزِم الرِّفْقَ في القوْلِ ، مُجْتَنِبًا الكلمةَ الجافيةَ فإنَّ الْخِطابَ اللَّيِّنَ يتَأَلَّفُ النفوسَ الناشِزَةَ .
وأَدِلَّةُ الكتابِ والسنَّةِ في هذا مُتكاثِرَةٌ .
التأمُّلُ :
التَّحَلِّي بالتأمُّلِ ، فإنَّ مَن تَأَمَّلَ أَدْرَكَ ، وقيلَ : ( تَأَمَّلْ تُدْرِكْ ) .
وعليه
فتَأَمَّلْ عندَ التَّكَلُّمِ : بماذا تَتَكَلَّمُ ؟ وما هي عائدتُه ؟
وتَحَرَّزْ في العِبارةِ والأداءِ دونَ تَعَنُّتٍ أو تَحَذْلُقٍ ،
وتَأَمَّلْ عندَ المذاكرةِ كيفَ تَختارُ القالَبَ المناسِبَ للمعنى الْمُرادِ ، وتَأَمَّلْ عندَ سؤالِ السائلِ كيف تَتَفَهَّمُ السؤالَ على وجْهِه حتى لا يَحْتَمِلَ وَجهينِ ؟ وهكذا .
الثَّباتُ والتَّثَبُّتُ :
تَحَلَّ بالثباتِ والتَّثَبُّتِ لا سِيَّمَا في الْمُلِمَّاتِ والْمُهِمَّاتِ ومنه : الصبرُ والثباتُ في التَّلَقِّي وطيُّ الساعاتِ في الطلَبِ على الأشياخِ ، فإنَّ ( مَن ثَبَتَ نَبَتَ ) .
الإعراضُ عن مَجَالِسِ اللَّغْوِ
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (لا تَطَأْ بِساطَ مَن يَغْشُونَ في نادِيهم الْمُنْكَرَ ، ويَهْتِكُون أستارَ الأَدَبِ مُتَغَابِيًا عن ذلك ، فإنْ فعَلْتَ ذلك فإنَّ جِنايَتَكَ على العِلْمِ وأَهْلِه عظيمةٌ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (الأمر الحادي عشر: الإعراضُ عن مَجَالِسِ اللَّغْوِ :
لا
تَطَأْ بِساطَ مَن يَغْشُونَ في نادِيهم الْمُنْكَرَ ، ويَهْتِكُون أستارَ
الأَدَبِ مُتَغَابِيًا عن ذلك ، فإنْ فعَلْتَ ذلك فإنَّ جِنايَتَكَ على
العِلْمِ وأَهْلِه عظيمةٌ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (أما
قوله: (الإعراض عن مجالس اللغو) فاللغو نوعان: لغو ليس فيه فائدة ولا مضرة،
ولغو فيه مضرة أما الأول فلا ينبغي للعاقل أن يُذهب وقته فيه لأنه خسارة
وأما الثاني فإنه يحرم عليه أن يمضي وقته فيه لأنه منكر محرم والمؤلف كأنه
حمل الترجمة على المعنى الثاني الذي هو اللغو المحرم ولا شك أن المجالس
التي تشتمل على المحرم لا يجوز للإنسان أن يجلس فيها لأن الله تعالى يقول: { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم }
فمن جلس مجلسا منكر وجب عليه أن ينهى عن هذا المنكر فإن استقامت الحال
فهذا المطلوب وإن لم تستقم وأصروا على منكرهم فالواجب أن ينصرف خلافا لما
يتوهمه بعض العامة يقول: إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (( فإن لم يستطع فبقلبه ))
وأنا كاره لهذا المنكر في قلبي وهو جالس مع أهله فيقال له: لو كنت كارها
له حقًا ما جلست معهم لأن الإنسان لا يمكن أن يجلس على مكروه إلا إذا كان
مكرها، أما شيء تكرهه وتجلس باختيارك فإن دعواك كراهته ليست بصحيحة، وقوله:
(فإن فعلت ذلك فإن جنايتك على العلم وأهله عظيمة) أما كونه جنايته على
نفسه فالأمر ظاهر، يعني لو رأينا طالب علم يجلس مجالس اللهو واللغو والمنكر
فجنايته على نفسه واضحة وعظيمة، لكن كيف تكون جناية على العلم وأهله ؟ لأن
الناس يقولون: هؤلاء طلبة العلم، هؤلاء العلماء، هذا نتيجة العلم، وما
أشبه ذلك فيكون قد جنى على نفسه وعلى غيره.
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين أما بعد :
فلا زلنا في سياق الكلام عن آداب طلب
العلم حيث بحثنا عشرة آداب في كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبد الله
أبو زيد ، ولعلنا إن شاء الله جل وعلا نواصل الحديث في ذلك ، نعم
القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد :......
الإعراض عن مجالس اللغو:
لا تطأ بساط من
يغشون في ناديهم المنكر ، ويهتكون أستار الأدب ، متغابياً عن ذلك ، فإن
فعلت ذلك ، فإنّ جنايتك على العلم وأهله عظيمة.
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (إذن هذا هو الأدب الحادي عشر الإعراض عن مجالس اللغو ، والمراد باللغو ما يشين الإنسان من أنواع الكلام ، قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) ، و بعض أهل العلم يقول :
إنّ المراد باللغو مالا فائدة له من الكلام ، وكلاهما قد يكون مرادا هنا
فطالب العلم يحفظ وقته؛ ومن حفظه لوقته أن يعرض عن مجالس اللغو ليستعمل
وقته في طاعة الله جل وعلا .
قال المؤلف : (لا تطأ بساط من يغشون في ناديهم المنكر) المراد بالمنكر المعصية فإنه لا يجوز للإنسان أن يجلس في مجلس يعصى الله فيه وهو قادر على ترك ذلك المجلس ، قال تعالى : (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) ، وقال جل وعلا : (وَقَدْ
نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ
يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ
جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) ، وجاء في سنن أبي داود : (أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس المؤمن على مائدة يدار فيها الخمر) ، وهكذا بقية أنواع المعاصي ، قال المؤلف : (متغابياً عن ذلك) يعني : لا تجلس في ذلك المجلس الذي فيه معصية وفيه هتك لستر الأدب (متغافلا عنه) غير ملتفت إليه ، فإن فعلت ذلك فجلست في هذه المجالس فإنّ جنايتك على العلم وأهله عظيمة ، لأنّ الناس يزدرون
يهتكون أستار الأدب مع أهل العلم ولا يقيمون لهم وزنا ، ويكون ذلك سببا من
أسباب انتشار المعاصي والمنكرات لأنهم إذا رَأَوْا طلبة العلم يجلسون في
مجالس المعصية ولا ينكرونها فعل أهل المعاصي تلك المعاصي في الظاهر ولم
يختفوا بها ، و من قواعد الشريعة الترغيب في عدم إظهار المنكرات وقد جاء في
الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كل أمتي معافى إلا المجاهرون).
الثَّباتُ والتَّثَبُّتُ
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (تَحَلَّ بالثباتِ والتَّثَبُّتِ لا سِيَّمَا في الْمُلِمَّاتِ والْمُهِمَّاتِ ومنه : الصبرُ والثباتُ في التَّلَقِّي وطيُّ الساعاتِ في الطلَبِ على الأشياخِ ، فإنَّ ( مَن ثَبَتَ نَبَتَ ) .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (الأمر الخامس عشر والأخير: الثَّباتُ والتَّثَبُّتُ :
تَحَلَّ بالثباتِ والتَّثَبُّتِ لا سِيَّمَا في الْمُلِمَّاتِ والْمُهِمَّاتِ ومنه : الصبرُ والثباتُ في التَّلَقِّي وطيُّ الساعاتِ في الطلَبِ على الأشياخِ ، فإنَّ ( مَن ثَبَتَ نَبَتَ ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هذا
أهم ما يكون في هذه الآداب هو التثبت، التثبت فيما ينقل من الأخبار والتثبت
فيما يصدر منك من الأحكام فالأخبار إذا نقلت فلا بد أن تتثبت أولا هل صحت
عمن نقلت إليه أو لا ،ثم إذا صحت فلا تحكم، تثبت في الحكم ربما يكون الخبر
الذي سمعته يكون مبنيا على أصل تجهله أنت فتحكم بأنه خطا والواقع أنه ليس
بخطأ، ولكن كيف العلاج في هذه الحال ؟ العلاج أن تتصل بمن نسب إليه الخبر
وتقول نقل عنك كذا وكذا فهل هذا صحيح ثم تناقشه فقد يكون استنكارك ونفور
نفسك منه أول وهلة سمعته لأنك لا تدري ما سبب هذا المنقول، ويقال: إذا علم
السبب بطل العجب، فلا بد أولا من التثبيت ثم بعد ذلك تتصل بمن نقل عنه
وتسأله هل صح ذلك أو لا ؟ ثم تناقشه فإما أن يكون هو على حق وصواب فترجع
إليه أو يكون الصواب معك فيرجع إليه .
القارئ: (الأمر الخامس عشر الثَّباتُ والتَّثَبُّتُ :
تَحَلَّ بالثباتِ والتَّثَبُّتِ لا سِيَّمَا في الْمُلِمَّاتِ والْمُهِمَّاتِ ومنه : الصبرُ والثباتُ في التَّلَقِّي وطيُّ الساعاتِ في الطلَبِ على الأشياخِ ، فإنَّ ( مَن ثَبَتَ نَبَتَ ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الثبات
والتثبيت هذان شيئان متشابهان لفظا لكنهما مختلفان معنى . فالثبات معناه
الصبر والمصابرة وألا يمل ولا يضجر وألا يأخذ من كل كتاب نتفة أو من كل فن
قطعة ثم يترك، لأن هذا هو الذي يضر الطالب يقطع عليه الأيام بلا فائدة إذا
لم يثبت على شيء تجده مرة في الآجرومية ومرة في متن القطر ومرة في الألفية،
في المصطلح: مرة في النخبة، ومرة في ألفية العراقي، ويتخبط، في الفقه: مرة
في زاد المستقنع، مرة في عمدة الفقه، مرة في المغنى، مرة في شرح المهذب،
وهكذا في كل كتاب وهلم جرا هذا في الغالب أنه لا يحصل علما، ولو حصل علما
فإنما يحصل مسائل لا أصولا وتحصيل المسائل كالذي يلتقط الجراد واحدة بعد
أخرى لكن التأصيل والرسوخ والثبات هذا هو المهم، اثبت بالنسبة للكتب التي
تقرأ أو تراجع واثبت بالنسبة للشيوخ أيضا الذين تتلقى عنهم لا تكن ذواقا كل
أسبوع عند شيخ كل شهر عند شيخ قرر أولا من ستتلقى العلم عنده، ثم إذا قررت
ذلك فاثبت ولا تجعل كل شهر أو كل أسبوع لك شيخا، ولا فرق بين أن تجعل لك
شيخا في الفقه وتستمر معه في الفقه وشيخا آخر في النحو وتستمر معه في النحو
وشيخا آخر في العقيدة والتوحيد، وتستمر معه، المهم أن تستمر لا أن تتذوق
وتكون كالرجل المطلاق كلما تزوج امرأة وجلس عندها سبعة أيام طلقها وذهب
يطلب أخرى، هذا يبقى طول دهره لم يتمتع بزوجة ولم يحصل له أولاد في الغالب،
أيضا التثبت كما قلنا قبل قليل أيضا من أهم الأمور إن لم يكن أهمها التثبت
فيما ينقل عن الغير أمر مهم لأن الناقلين تارة تكون لهم إرادات سيئة
ينقلون ما يشوه سمعة المنقول عنه قصدا وعمدا وتارة لا يكون عندهم إرادات
سيئة لكنهم يفهمون الشيء على خلاف معناه الذي أريد به، ولهذا يجب التثبت
فإذا ثبت بالسند ما نقل فحينئذ يأتي دور المناقشة مع من؟ مع صاحبه الذي نقل
عنه قبل أن تحكم على هذا القول بأنه خطأ أو غير خطأ وذلك لأنه ربما يظهر
لك بالمناقشة أن الصواب مع هذا الذي نقل عنه الكلام، وإلا من المعلوم أن
الإنسان لو حكم على الشيء بمجرد السماع من أول وهلة لكان ينقل عنه أشياء
تنفر منها النفوس عن بعض العلماء الذين يعتبرون منارات للعلم لكن عندما
يتثبت ويتأمل ويتصل بهذا الشيخ مثلا يتبين له الأمر، ولهذا قال: (منه الصبر والثبات في التلقي وطي الساعات في الطلب على الأشياخ) هذا داخل في الثبات أم في التثبت؟ في الثبات (فإن من ثبت نبت) ومن لم يثبت لم ينبت، ولم يحصل على شيء .
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف :
الثبات
والتثبت : تحل بالثبات والتثبت ، لا سيما في الملمات والمهمات ، ومنه :
الصبر والثبات في التلقي ، وطي الساعات في الطلب على الأشياخ ، فإنّ "من
ثبت نبت".
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (هاتان الصفتان ذكرهما المؤلف في آداب طالب العلم المتعلقة بنفسه ، الصفة الأولى: الثبات ؛ والثبات يراد به البقاء على الأمر المعروف و عدم الانتقال عنه إلى غيره،
والثبات تشمل الثبات في المعتقدات بحيث لا ينجر الإنسان في معتقده لأي متكلم يتكلم معه حتى يكون متثبتا في أمره.
الثاني : الثبات فيما يتعلق في التصرفات ، فلا يكون الإنسان من أتباع كل ناعق كلما تكلم متكلم سار معه و إنما يكون ثابتا على مبدئه وطريقته.
الثالث :
الثبات فيما يتعلق بنصرة الأشخاص ، فلا ينصر العبد إلا إذا علم أنه على حق
وأما أن ينصر قريبه أو صاحب بلده بدون أن يكون متثبتا من حاله فهذا يكون
من العصبية المذمومة وحمية الجاهلية. الرابع :
الثبات فيما يتعلق بما يؤديه العبد من الأعمال الصالحة بحيث لا تصرفه
الصوارف عن عمله الصالح الذي يؤديه سواءا كان من الفرائض أو النوافل ،
وتعلمون أنّ النصوص قد جاءت في الترغيب في المداومة على الأعمال الصالحة
وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل) ، وقد روي مرفوعا وموقوفا .
الأمر الخامس :
مما يؤمر بالثبات فيه الثبات في طلب العلم بحيث لا تأتي المشغلات فتشغل
الطالب عن طلبه للعلم ، وهذه مسألة مهمة جدا ينبغي الالتفات إليها فإنّ بعض
الناس عندما يأتيه أدنى أمر ينشغل عن طلب العلم ولا يثبت فيه ، وحينئذ لا
يرزق بركته و لا يستمر معه ، و نجد طلبة العلم كثر ثم بعد ذلك لا يثبتون
وما ذلك إلا لانشغال مرات بتوافه ومرات بلعب ومرات بلهو ومرات بهيشات ومرات
بأمور لا تناسب طالب العلم ، ولذلك هذه الهيشات وهذه المشغلات لا تكون
سببا في انصراف طالب العلم عن طلب العلم ، ولذلك ذكر المؤلف هنا أو رغب في
الصبر والثبات في التلقي وطي الساعات في الطلب على الأشياخ ، فإنّ (من ثبت) يعني في طلب العلم ، (نبت) وأصبح عالما، وأما من بذل من وقته شيئا ثم انصرف فإنه لا يستفيد العلم .
والصفة الثانية : التثبت بحيث لا يقبل ما يرد عليه من الواردات حتى يكون متيقنا من أنه الحق وأنه الصحيح وهذا يشمل أمورا :
أولها : ما يتعلق بالمعتقدات فإذا وردت إليك مسألة عقدية كلام من أحد الناس فتثبت فيها .
وثانيها :
التثبت فيما يتعلق بالأحاديث التي تورد على الإنسان ، فلا يأخذ منها إلا
ما تثبت أنه صحيح ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إما بمعرفة إسناده ،
أو بمعرفة من صححه من أهل العلم ، أو بنقله من عالم التزم الصحة في حديثه و
فيما ينقله من الأحاديث.
الثالث :
التثبت في نسبة الأقوال إلى علماء الشريعة ، فكم من مرة وجدنا أقوالا تنسب
إلى فقهاء وهم منها برءاء ، وهذا في مسائل عظيمة من مسائل العقائد فضلا عن
مسائل الفقه ، وإذا نظر الإنسان إلى مثل هذا وجده كثيرا ، حتى أنهم قالوا
عن بعض المسائل هذه مسائل التراجم أو قول التراجم ما معنى قول التراجم : هي
القول الذي ترجم كل طائفة به الطائفة الأخرى بدون أن يكون صحيحا ، مثال
ذلك : مسألة هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؛ إذا نظرنا إلى كتب الأصول
عند الحنفية قالوا: وقد قالت الشافعية بأنّ الكفار غير مخاطبين ، وإذا
نظرنا إلى كتب الشافعية وجدناهم يقولون: الحنفية يقولون بأنّ الكفار غير
مخاطبين بفروع الشريعة ، وإذا نظرت مثلا إلى مسألة التصويب والتخطئة في
المعتقدات وجدناهم أنهم ينسبون أقوالا عظيمة إلى عبيد الله بن حسن العنبري
وهو منه براء ، بل ينسبون إلى طوائف كثيرة أقوالا هم منها براء ، وفي نفس
الوقت في مثل هذه المسألة -مسألة التأثيم في الخطأ في مسائل العقائد- نجدهم
ينسبون إلى جماهير أهل العلم بخلاف ما يقولون به ، -فمسألة التصويب
والتخطئة- نجد أئمة كالنووي وابن حجر يقولون: الجمهور أو ينسبون إلى
الجمهور أنهم يقولون بأنّ كل مجتهد مصيب، ولعلهم يقصدون جمهور الأشاعرة
وإلا فإنّ جمهور أهل العلم من بقية الطوائف يقولون بخلاف هذا؛ يقولون أنّ
المصيب واحد وأنّ ما عاداه مخطئ ،
وهكذا أيضا فيما يتعلق
بالأخبار التي يتناقلها الناس يكون الإنسان متثبتا فيها ولا يتقبل منها إلا
ما يكون قد قامت عليه القرائن والدلائل على صحته وقد قال جل وعلا (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وورد في بعض القراءات فتثبتوا.
الإعراضُ عن الْهَيْشَاتِ
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (التَّصَوُّنُ من اللَّغَطِ والْهَيْشَاتِ ، فإنَّ الغَلَطَ تحتَ اللَّغَطِ ، وهذا يُنافِي أَدَبَ الطَّلَبِ .
ومن لَطيفِ ما يُسْتَحْضَرُ هنا ما ذَكَرَه صاحبُ ( الوَسيطِ في أُدباءِ شِنْقِيطَ ) وعنه في ( مُعْجَمِ الْمَعاجِمِ ) .
( إنه
وَقَعَ نِزاعٌ بينَ قَبيلتينِ ، فسَعَتْ بينَهما قَبيلةٌ أُخرى في
الصُّلْحِ فتَرَاضَوْا بِحُكْمِ الشرْعِ وحَكَّمُوا عالِمًا فاستَظْهَرَ
قتلَ أربعةٍ من قبيلةٍ بأربعةٍ قُتِلُوا من القبيلةِ الأخرى ، فقالَ الشيخُ
بابُ بنُ أحمدَ : مثلُ هذا لا قِصاصَ فيه . فقالَ القاضي : إنَّ هذا لا
يُوجَدُ في كتابٍ .فقالَ : بل لم يَخْلُ منه كتابٌ . فقالَ القاضي : هذا (
القاموسُ ) – يعني أنه يَدْخُلُ في عُمومِ كتابٍ - .
فتَنَاوَلَ صاحبُ الترجمةِ ( القاموسَ ) وَأَوَّلَ ما وَقَعَ نَظَرُه عليه : ( والْهَيْشَةُ الفتنةُ وأمُّ حُبَيْنٍ وليس في الْهَيْشاتِ قَوَدٌ ) أي : في القتيلِ في الفِتنةِ لا يُدْرَى قاتِلُه فتَعَجَّبَ الناسُ من مِثْلِ هذا الاستحضارِ في ذلك الموقِفِ الْحَرِجِ ) اهـ ملَخَّصًا .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (الأمر الثاني عشر الإعراضُ عن الْهَيْشَاتِ :
التَّصَوُّنُ من اللَّغَطِ والْهَيْشَاتِ ، فإنَّ الغَلَطَ تحتَ اللَّغَطِ ، وهذا يُنافِي أَدَبَ الطَّلَبِ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الهيشات
يعني بذلك هيشات الأسواق كما جاء في الحديث التحذير منها لأنها تشتمل على
لغط وسب وشتم وبعض طلبة العلم يقول أنا أقعد في الأسواق من أجل أن أنظر
ماذا يفعل الناس؟ وماذا يكون بينهم؟ فنقول: هناك فرق بين الاختبار
والممارسة يعني لو ذكر لك أن في السوق الفلاني كذا وكذا فهنا لا حرج عليك
أن تذهب وتختبر بنفسك لكن لو كان جلوسك في هذا السوق مستمرا تمارسه كل عصر
تروح تجلس في هذا السوق لكان هذا خطأ بالنسبة لك لأنه إهانة لك ولطلب العلم
ولطلبة العلم عموما وللعلم الشرعي أيضا .
القارئ: (ومن لَطيفِ ما يُسْتَحْضَرُ هنا ما ذَكَرَه صاحبُ ( الوَسيطِ في أُدباءِ شِنْقِيطَ ) وعنه في ( مُعْجَمِ الْمَعاجِمِ ) .
( أنه
وَقَعَ نِزاعٌ بينَ قَبيلتينِ ، فسَعَتْ بينَهما قَبيلةٌ أُخرى في
الصُّلْحِ فتَرَاضَوْا بِحُكْمِ الشرْعِ وحَكَّمُوا عالِمًا فاستَظْهَرَ
قتلَ أربعةٍ من قبيلةٍ بأربعةٍ قُتِلُوا من القبيلةِ الأخرى ، فقالَ الشيخُ
بابُ بنُ أحمدَ : مثلُ هذا لا قِصاصَ فيه . فقالَ القاضي : إنَّ هذا لا
يُوجَدُ في كتابٍ .فقالَ : بل لم يَخْلُ منه كتابٌ . فقالَ القاضي : هذا (
القاموسُ ) – يعني أنه يَدْخُلُ في عُمومِ كتابٍ - .
فتَنَاوَلَ صاحبُ الترجمةِ ( القاموسَ ) وَأَوَّلَ ما وَقَعَ نَظَرُه عليه : ( والْهَيْشَةُ الفتنةُ وأمُّ حُبَيْنٍ وليس في الْهَيْشاتِ قَوَدٌ ) أي : في القتيلِ في الفِتنةِ لا يُدْرَى قاتِلُه فتَعَجَّبَ الناسُ من مِثْلِ هذا الاستحضارِ في ذلك الموقِفِ الْحَرِجِ ) اهـ ملَخَّصًا .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هؤلاء قبائل جرى بينهم فتنة فقتل من إحدى القبيلتين أربعة رجال فحضروا إلى
القاضي فقال الشيخ واسمه باب بن أحمد: مثل هذا لا قصاص فيه قال القاضي
الحاكم: إن هذا لا يوجد في كتاب، يعني أين الدليل على أنه لا قصاص فيه؟ لا
يوجد، في أي كتاب أنه لا قصاص في ذلك، فقال الشيخ باب بن أحمد: بل لم يخل
منه كتاب، فقال القاضي: هذا القاموس، يعنى أنه يدخل في عموم كتاب وهو قول
باب بن أحمد: لم يخل منه كتاب كلمة (لم يخل منه كتاب) كلمة كتاب عامة تشمل
كل الكتب، كتب الفقه والعقيدة والنحو والأدب وكل شيء؛ لأن كتاب نكرة في
سياق النفي فتكون للعموم وهو يقول لم يخل منه كتاب، فقال القاضي: هذا
القاموس، القاضي الآن يعني عنده ثقة بنفسه أنه لن يوجد في القاموس حكم هذه
المسألة؛ لأن القاموس كتاب لغة وليس كتاب فقه، قال القاضي هذا القاموس وأنت
تقول: لا يخلو منه كتاب، هذا القاموس أعطني إياها، يقول فتناول صاحب
الترجمة القاموس وأول ما موقع نظره عليه والهيشة فتنة وأم حبين وليس في
الهيشات قود، فأخذ من كتاب القاموس أن حكم القاضي بأنه يقتل من القبيلة
الأخرى أربعة خطأ .
هذا معنى هذه القصة. أي: في القتيل في الفتنة لا يدرى قاتله فتعجب الناس من مثل هذا الاستحضار في ذلك الموقف الحرج انتهى ملخصا .
الهشية
الفتنة وأم حبين من يعرف أم حبين ؟ هي دويبة لكنها تشبه الخنفساء، دوبية
يعني ليست من الدواب القوية لكنها على كل حال هي دويبة من الحشرات .
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (الإعراض
عن الهيشات : التصون من اللغط والهيشات ، فإنّ الغلط تحت اللغط ، وهذا
ينافي أدب الطلب.ومن لطيف ما يستحضر هنا ما ذكره صاحب "الوسيط في أدباء
شنقيط" وعنه في "معجم المعاجم":"أنه وقع نزاع بين قبيلتين ، فسعت بينهما
قبيلة أخرى في الصلح ، فتراضوا بحكم الشرع ، وحكموا عالماً ، فاستظهر قتل
أربعة من قبيلة بأربعة قتلوا من القبيلة الأخرى ، فقال الشيخ باب بن أحمد :
مثل هذا لا قصاص فيه. فقال القاضي : إنّ هذا لا يوجد في كتاب. فقال : بل
لم يخل منه كتاب. فقال القاضي : هذا "القاموس" يعنى أنه يدخل في عموم كتاب -
فتناول صاحب الترجمة "القاموس" وأول ما وقع نظره عليه : "والهيشة : الفتنة
، وأم حبين ، وليس في الهيشات قود" ، أي : في القتيل في الفتنة لا يدرى
قاتله ، فتعجب الناس من مثل هذا الاستحضار في ذلك الموقف الحرج"اهـ ملخصاً.
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (إذن هذا أدب من آداب طالب العلم أنه يتصون عن اللغط والهيشات ، والمراد بالهيشات :
ما يحصل من الخصومات والتجمعات التي يكون فيها كلام بعض الناس على بعض وما
لا يمكن ضبطه و لا تعرف عاقبته ، فإنّ دخول طلبة العلم في الهيشات ينتج
عنه أنّ الناس قد يعتدون عليهم ، وقد يتكلمون فيهم ، وقد يكون ذلك سببا من
أسباب احتقارهم وعدم معرفة ما لديهم من علم يستوجب رفع مكانتهم و الأخذ
منهم ، وذكر المؤلف هنا ما يتعلق بهذا النداء الذي وقع بين هاتين القبيلتين
، نعم.
التحَلِّي بالرِّفْقِ
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (الْتَزِم الرِّفْقَ في القوْلِ ، مُجْتَنِبًا الكلمةَ الجافيةَ فإنَّ الْخِطابَ اللَّيِّنَ يتَأَلَّفُ النفوسَ الناشِزَةَ .
وأَدِلَّةُ الكتابِ والسنَّةِ في هذا مُتكاثِرَةٌ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (الأمر الثالث عشر: التحَلِّي بالرِّفْقِ :
الْتَزِم الرِّفْقَ في القوْلِ ، مُجْتَنِبًا الكلمةَ الجافيةَ فإنَّ الْخِطابَ اللَّيِّنَ يتَأَلَّفُ النفوسَ الناشِزَةَ .
وأَدِلَّةُ الكتابِ والسنَّةِ في هذا مُتكاثِرَةٌ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هذا من أهم الأخلاق لطالب العلم سواء أكان طالبا أم مطلوبا أي: معلما فالرفق كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء وإلا شانه))
لكن لا بد أن يكون الإنسان رفيقا من غير ضعف أما أن يكون رفيقا يمتهن ولا
يأخذ بقوله ولا يهتم به فهذا خلاف الحزم لكن يكون رفيقا في مواضع الرفق
وعنيفا في مواضع العنف ولا أحد أرحم من الخلق من الله عز وجل ومع ذلك يقول: { الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا
تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا
طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } فلكل مقام مقال لو أن
الإنسان عامل ابنه بالرفق في كل شيء حتى فيما ينبغي فيه الحزم ما استطاع أن
يربيه، لو كان ابنه مثلا كسر الزجاج وفتح الأبواب وشق الثياب ثم جاء الأب
ووجده على هذه الحال قال : يا ولدي ما يصلح هذا لو شققته يتلف ولو كسرته
تكون خسارة علينا وقمت تكلمه هكذا والولد عفريت من العفاريت، يكفي هذا أم
لا يكفي؟ ما يكفي كل مقام له مقال (( مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر )) لكن إذا دار الأمر بين الرفق أو العنف فما الأفضل ؟ الرفق، فإن تعين العنف صار هو الحكمة .
يقول:
مجتنبا الكلمة الجافية، هذا صحيح تجنب الكلمة الجافية والفعلة الجافية
أيضا، وقوله: الخطاب اللين يتألف النفوس الناشزة، عندنا كلمة يقولها العامة
لا أدري هل توافقون عليها أم لا: الكلام اللين يغلب الحق البين، لا بد أن
نفهم المراد يغلب الحق البين يعني أن تليين الكلام للخصم ولو كان الحق معه
فإنه يتنازل عن حقه، وليس معناه أن الكلام اللين يبطل الحق، يغلب الحق
البين يعني فيما جاء به الخصم لأنك إذا ألنت له الكلام لان لك وهذا شيء
مشاهد إذا نازعت أحدا فسيشتد عليك ويزيد وإذا ألنت له القول فإنه يقرب منك
ولهذا قال الله تعالى لموسى وهارون حين أرسلهما إلى فرعون: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} .
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد
تم التهذيب بواسطة : زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (التحلي
بالرفق : التزم الرفق في القول ، مجتنباً الكلمة الجافية ، فإنّ الخطاب
اللين يتألف النفوس الناشزة . وأدلة الكتاب والسنة في هذا متكاثرة.
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (هذا هو الأدب الثالث عشر من أدب طلب العلم التحلي بالرفق ، والمراد بالرفق السهولة واللين ، و لا يعني نفي العقوبة أو نفي ما يكون مؤديا إلى أخذ الإنسان بحقوقه ، جاء في ذلك نصوص عديدة قال تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ، وجاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه)
، وقد جاء في الحديث (أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ذهب و معه عائشة رضي
الله عنها فقال له نفر من اليهود فقال اليهود : السام عليكم ، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : وعليكم ، فقالت عائشة : بل عليكم السام واللعنة
والغضب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مهلا يا عائشة ، قالت : ألم تسمع
ما قالوا ، لقد قالوا السام عليكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألم تسمع ما قلتْ ، قلتُ : وعليكم فيستجاب لنا ولا يستجاب لهم ، ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه) ، وفي الحديث الآخر (الرفق خير كله) ، جاء في عدد من الأحاديث الترغيب في لين القول وعدم إغلاظه ، ليكون ذلك سببا في تأليف القلوب ، قال تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) ، وقال سبحانه : (وَقُلْ
لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ
بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)
، الناس مهما كانت قلوبهم يتمكن طالب العلم من جلبهم بالكلمة الطيبة
اللينة السهلة ، ولذلك انظر كم أثرت من كلمة في نفوس كانت بعيدة عن الخير
ناشزة عنه بعيدة عن طاعة الله جل وعلا ، وكم من كلمة كانت قاسية كانت سببا
من أسباب ابتعاد كثير من الناس عن طاعة الله تعالى ، والعبد يحرص على لين
القول تقربا لله ، وليكون ذلك أدعى لقبول قوله لا انتصارا لنفسه ، وإنما
رغبة في نشر الخير وأملا في قَبول الناس ما يقوله من دعوة إلى الله جل وعلا
فيكون هذا سببا من أسباب زيادة حسناته وعلو درجته عند الله جل وعلا ، وفي
الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الكلمة الطيبة صدقة).
التأمُّلُ
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (التَّحَلِّي بالتأمُّلِ ، فإنَّ مَن تَأَمَّلَ أَدْرَكَ ، وقيلَ : ( تَأَمَّلْ تُدْرِكْ ) .
وعليه
فتَأَمَّلْ عندَ التَّكَلُّمِ : بماذا تَتَكَلَّمُ ؟ وما هي عائدتُه ؟
وتَحَرَّزْ في العِبارةِ والأداءِ دونَ تَعَنُّتٍ أو تَحَذْلُقٍ ،
وتَأَمَّلْ عندَ المذاكرةِ كيفَ تَختارُ القالَبَ المناسِبَ للمعنى الْمُرادِ ، وتَأَمَّلْ عندَ سؤالِ السائلِ كيف تَتَفَهَّمُ السؤالَ على وجْهِه حتى لا يَحْتَمِلَ وَجهينِ ؟ وهكذا .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (الأمر الرابع عشر: التأمُّلُ :
التَّحَلِّي بالتأمُّلِ.
فإنَّ مَن تَأَمَّلَ أَدْرَكَ ، وقيلَ : ( تَأَمَّلْ تُدْرِكْ ) .
وعليه
فتَأَمَّلْ عندَ التَّكَلُّمِ : بماذا تَتَكَلَّمُ ؟ وما هي عائدتُه ؟
وتَحَرَّزْ في العِبارةِ والأداءِ دونَ تَعَنُّتٍ أو تَحَذْلُقٍ ،
وتَأَمَّلْ عندَ المذاكرةِ كيفَ تَختارُ القالَبَ المناسِبَ للمعنى الْمُرادِ ، وتَأَمَّلْ عندَ سؤالِ السائلِ كيف تَتَفَهَّمُ السؤالَ على وجْهِه حتى لا يَحْتَمِلَ وَجهينِ ؟ وهكذا .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (التأمل
الذي أراده :تأمل عند الجواب كيف يكون جوابك؟ هل هو واضح لا يحصل فيه لبس
أو مبهم؟ وهل هو مفصل أو مجمل؟ حسب ما تقتضيه الحال المهم التأمل يريد بذلك
التأني وألا تتكلم حتى تعرف ماذا تتكلم به وماذا ستكون النتيجة؟ ولهذا
يقولون: لا تضع قدمك إلا حيث علمت السلامة يعني : الإنسان يخطو ويمشي لا
يضع قدمه في شيء لا يدري أحفرة هو أم شوكا أم حصى أم نارا أم ثلجا حتى يعرف
أين يضع قدمه، فالتأمل هذا مهم ولا تتعجل إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك
ولهذا قال الشاعر الناظم :
قد يدرك المتأني بعض حاجته = وقد يكون مع المستعجل الزلل
وربما فات قوم جل أمرهم = مع التأني وكان الرأى لو عجلوا
فإذا
دار الأمر بين أن أتأنى وأصبر أو أتعجل وأقدم فأيهما أقدم؟ الأول لأن
القولة أو الفعلة إذا خرجت منك لن ترد لكن ما دمت لم تقل ولم تفعل فأنت حر
تملك، فتأمل بماذا تتكلم به؟ وما هي فائدته؟ ، ولهذا قال النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خير أو ليصمت ))
تحرز في العبارة والأداء وهذا أيضا من أهم ما يكون يعني : لا تطلق العبارة
على وجه تؤخذ عليك بل تحرز إما بقيود تضيفها إلى الإطلاق وإما بتخصيص
تضيفه إلى العموم وإما بشرط تقول إن كان كذا أو ما أشبه ذلك ولكن أقول دون
تعنت أو تحذلق، تعنت يعني دون أن تشق على نفسك، النعنت من العنت أو تحذلق
يعني تدعي أنك حاذق وهذا التحذلق من الحذق مع زيادة اللام وإلا فالأصل أن
اللام هنا ليست موجودة في تحذلق، وتَأَمَّلْ عندَ المذاكرةِ كيفَ تَختارُ القالَبَ المناسِبَ للمعنى الْمُرادِ، لعله أراد تأمل عند المذاكرة: يعني إذا كنت تذاكر غيرك في شيء وتناظره فاختر القالب المناسب للمعنى المراد، وتَأَمَّلْ عندَ سؤالِ السائلِ كيف تَتَفَهَّمُ السؤالَ على وجْهِه حتى لا يَحْتَمِلَ وَجهينِ ؟ وهكذا، وكذلك
أيضا في الجواب وهو أهم لأن السؤال يسهل على المسؤول أن يستفهم من السائل:
ماذا يريد ؟ أريد كذا وكذا فيتبين الأمر لكن الجواب إذا وقع مجملا فإنه
يبقى عند الناس على تفاسير متعددة كل إنسان يفسر هذا الكلام بما يريد وبما
يناسبه.
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد
تم التهذيب بواسطة زمزم
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (قال المؤلف ...
التأمل
: التحلي بالتأمل ، فإنّ من تأمل أدرك ، وقيل:"تأمل تدرك" . وعليه ، فتأمل
عند التكلم : بماذا تتكلم ؟ وما هي عائدته ؟ وتحرز في العبارة والأداء دون
تعنت أو تحذلق ، وتأمل عند المذاكرة كيف تختار القالب المناسب للمعنى
المراد ، وتأمل عند سؤال السائل كيف تتفهم السؤال على وجهه حتى لا يحتمل
وجهين ؟ و هكذا.
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (الأدب الرابع عشر من آداب طالب العلم أن يكون متأملا متفكرا في عواقب الأمور ، التأمل يشمل عددا من الأشياء :
أولها :
التفكر بحيث يعرف حقيقة ما يعرض عليه سواءا كان من آيات الله الكونية أو
من آيات الله الشرعية ، وقد جاءت النصوص في الترغيب في التفكر في ذلك.
الثاني :
الاعتبار وهو مقايسة النّفس بغيرها بحيث يقيس العبد نفسه على غيره فيما
يتعلق بما حصل عليهم سواءا كان من العاقبة الحميدة أو العواقب السيئة ،
فإنّ ما حل بغيرك سيحل بك متى ما فعلت مثل فعله .
الأمر الثالث : مما يدخل في التأمل : التدبر بحيث يعرف الإنسان معاني الكلام ويتأمل في دلالاته وقد جاءت النصوص في الترغيب في التدبر قال تعالى : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ، وقال جل وعلا : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) ، وحينئذ أيضا يتأمل الإنسان في كلامه فلا يتكلم إلا بالكلام الذي تكون عاقبته حميدة ، ويشمل هذا أمور :
الأول : أن يكون اللفظ مناسبا غير نابي
أو أقل مما يراد به من المعاني ، فإنّ اللغة واسعة واللفظ يدل على معنى ،
وهناك ألفاظ تدل على معنى أعلى منه ، وهناك ألفاظ تدل على معاني أقل منه ،
وحينئذ ننتقي من الألفاظ ما يكون دالا على المراد ، و بالتالي يتفكر
الإنسان في ألفاظه ، ويتفكر في معاني الألفاظ بحسب الدلالة اللغوية قبل أن
يتكلم بالكلمة .
الثاني :
أن يتأمل الإنسان في العواقب التي تنتج عن هذه الكلمة فإن كانت العاقبة
حميدة تكلم بها ، و إن كانت العاقبة غير ذلك لم يتكلم بها ، و هكذا أيضا
يتأمل في طريقة كلامه و أسلوبه بحيث يكون مرتبا ترتيبا صحيحا لا يأتي بكلام
متنافر لا يصح أن يرتب بعضه على بعض ، كذلك يحرص أن يكون كلامه سهلا بحيث
يجتنب التقعر في الكلام ، كذلك يحرص أن يكون كلامه سهلا من جهة وضوحه ،
واضحا عند سامعه يعرف المراد به ، كذلك يجتنب اللفظ الذي يكون مجملا يحتمل
معانيَ متعددة ، فإنّ الألفاظ المشتركة إذا أطلقها الإنسان قد يفهم منها
غير ما يريده المتكلم به ، وكذلك فيما يتعلق بإطلاق الأسئلة يتحرز الإنسان
في أسئلته عند شيخه فلا يتكلم بلفظ في سؤاله إلا وهو دال على المراد الذي
يريده ويكون ملتزما فيه جانب الأدب ، كذلك يكون مفهوما عند شيخه بحيث يجتنب
ما قد يظن أنه لا يفهم ، وكذلك يحرص عند سؤاله ألا يتكلم بالألفاظ التي
لها معاني متعددة ويكون الكلام في أحد هذه الأبواب التي يُفهم منها خلاف
مراد السائل ، مثال هذا : عند كلمة المفرد في
النحو نطلقها ماذا نريد بها ؟ مرة نريد بها ما يقابل الجملة وما يقابل شبه
الجملة ، ومرة نطلق كلمة المفرد ونريد بها ما يقابل المثنى والجمع ، فعندما
يأتي المتكلم ويتكلم في باب الخبر ويقول : الخبر ينقسم إلى مفرد وجملة
وشبه جملة فيسأله عن المفرد الذي هو مقابل للمثنى والجمع ، فحينئذ يكون قد
أدخل في الكلام ما يكون سببا للتشويش؛ إما تشويشا على الطلاب أو جعل
الأستاذ لا يتمكن من الجواب عن ذلك السؤال في هذا الموطن خشية من تداخل
هذه المصطلحات ، مثال ذلك : عندما يأتي الفقيه أو الأصولي ويأمر الناس
بالعمل بالنصوص ثم يأتي السائل ويسأله عن النص الذي في مقابلة الظاهر
فحينئذ يُلبس وقد يُظن أنّ العمل بالنصوص إنما يراد به الأدلة القطعية ، و
هذا ليس مرادا للشيخ وإنما المراد الشيخ بكلامه النص الذي يشمل ما كان صريح
الدلالة وما ورد عليه احتمال و يشمل أيضا اللفظ الظاهر ، فعندما يأتي
السائل ويسأل بهذا اللفظ يكون قد أوقع الناس في لبس سواءا أوقع شيخه أو
أوقع زملاءه ، نعم . هناك مسألة وهي كلمة العبارة ، وذلك أنّ هذه اللفظة
أصلها من الفعل عبر بمعنى انتقل من مكان إلى مكان وقد قال جل وعلا في سور
عديدة أمر الله جل و علا بالاعتبار فقال : (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
يعني اعبروا بأذهانكم وانتقلوا بذهنكم من حال أولئك اليهود الذين خُربت
عليهم بيوتهم وعُذبوا بهذا التعذيب المذكور في أول السورة وقيسوا أنفسكم
وانتقلوا بأذهانكم إلى أنفسكم ، فإنكم إذا فعلتم مثل فعلهم عاقبكم الله
بمثل عقوبتهم ، وبعض أهل العلم يطلق على الكلام هذا اللفظ العبارات ، و هذا
ناشئ من منشأ عقدي وذلك أنّ بعض الطوائف يرون أنّ الكلام هو المعاني
النفسية وأنّ الألفاظ والأصوات والحروف عبارة عن الكلام وليست هي الكلام ،
ولذلك يسمون الجمل والكلمات عبارات ، وهذا منشؤه عقدي ولذلك ينبغي التحرز
من إطلاق هذه الجملة جملة العبارة .