10 Dec 2008
الدرس الثاني: آداب طالب العلم في نفسه
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (الفصلُ الأوَّلُ: آدابُ الطالبِ في نفسِه
العلْمُ عِبادةٌ :
أصلُ
الأصولِ في هذه ( الْحِلْيَةِ )، بل ولكلِّ أمْرٍ مَطلوبٍ عِلْمُك بأنَّ
العِلْمَ عِبادةٌ، قالَ بعضُ العُلماءِ : ( العِلْمُ صلاةُ السِّرِّ ،
وعبادةُ القَلْبِ ) وعليه ؛ فإنَّ شَرْطَ العِبادةِ : 1-إخلاصُ النِّيَّةِ للهِ سبحانَه وتعالى ، لقولِه :{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ...} الآيةَ .وفي
الحديثِ الفَرْدِ المشهورِ عن أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي
اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : (( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ... )) الحديثَ . فإنْ
فَقَدَ العِلْمُ إخلاصَ النِّيَّةِ ، انْتَقَلَ من أَفْضَلِ الطاعاتِ إلى
أَحَطِّ المخالَفاتِ ولا شيءَ يَحْطِمُ العِلْمَ مثلُ الرياءِ : رياءُ
شِرْكٍ ، أو رِياءُ إخلاصٍ ومِثلُ التسميعِ ، بأن يَقولَ مُسَمِّعًا :
عَلِمْتُ وحَفِظْتُ . وعليه
فالْتَزِم التَّخَلُّصَ من كلِّ ما يَشوبُ نِيَّتَكَ في صِدْقِ الطلَبِ
كحبِّ الظهورِ ، والتفوُّقِ على الأقرانِ ، وجَعْلِه سُلَّمًا لأغراضٍ
وأعراضٍ من جاهٍ أو مالٍ أو تعظيمٍ أو سُمْعَةٍ أو طَلَبِ مَحْمَدَةٍ أو
صَرْفِ وُجوهِ الناسِ إليك ، فإنَّ هذه وأَمثالَها إذا شَابَت النِّيَّةَ
أَفْسَدَتْها وذَهَبَتْ بَرَكَةُ العلْمِ ولهذا يَتَعَيَّنُ عليك أن
تَحْمِيَ نِيَّتَكَ من شَوْبِ الإرادةِ لغيرِ اللهِ تعالى ، بل وتَحْمِي
الْحِمَى . وللعُلماءِ
في هذا أقوالٌ ومَوقفٌ بَيَّنْتُ طَرَفًا منها في الْمَبْحَثِ الأَوَّلِ
من كتابِ ( التعالُمِ ) ويُزادُ عليه نَهْيُ العلماءِ عن (
الطَّبُولِيَّاتِ ) وهي المسائلُ التي يُرادُ بها الشُّهْرَةُ . وقد قيلَ: ( زَلَّةُ العالِمِ مَضروبٌ لها الطَّبْلُ ) وعن سفيانَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ :( كُنْتُ أُوتِيتُ فَهْمَ الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا قَبِلْتُ الصُّرَّةَ سُلِبْتُهُ ) فاستَمْسِكْ
رَحِمَك اللهُ تعالى بالعُروةِ الوُثْقَى العاصمةِ من هذه الشوائبِ ، بأن
تكونَ مع – بَذْلِ الْجَهْدِ في الإخلاصِ – شديدَ الخوفِ من نَواقِضِه ،
عظيمَ الافتقارِ والالتجاءِ إليه سبحانَه . ويُؤْثَرُ عن سُفيانَ بنِ سَعيدٍ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى قولُه : ( مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ نِيَّتِي ) وعن
عمرَ بنِ ذَرٍّ أنه قالَ لوالدِه : يا أبي ! ما لَكَ إذا وَعَظْتَ الناسَ
أَخَذَهم البُكاءُ ، وإذا وَعَظَهم غيرُك لا يَبكونَ ؟ فقال : يا بُنَيَّ !
لَيْسَت النائحةُ الثَّكْلَى مثلَ النائحةِ المسْتَأْجَرَةِ . وَفَّقَكَ اللهُ لرُشْدِكَ آمِينَ . 2-
الْخَصْلَةُ الجامعةُ لِخَيْرَي الدنيا والآخِرةِ ( مَحَبَّةُ اللهِ تعالى
ومَحَبَّةُ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وتَحقيقُها
بتَمَحُّضِ المتابَعَةِ وقَفْوِ الأثَرِ للمعصومِ .قال اللهُ تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } وبالجُملةِ فهذا أَصلُ هذه ( الْحِلْيَةِ )، ويَقعانِ منها مَوْقِعَ التاجِ من الْحُلَّةِ . فيا
أيُّها الطُّلابُ ها أنتم هؤلاءِ تَرَبَّعْتُم للدَّرْسِ وتَعَلَّقْتُمْ
بأنْفَسِ عِلْقٍ ( طَلَبِ العلْمِ ) فأُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ
تعالى في السرِّ والعَلانيةِ فهي العُدَّةُ ، وهي مَهْبِطُ الفضائلِ ،
ومُتَنَزَّلُ الْمَحَامِدِ وهي مَبعثُ القوَّةِ ومِعراجُ السموِّ والرابِطُ
الوَثيقُ على القُلوبِ عن الفِتَنِ فلا تُفَرِّطُوا .
الفصلُ الأوَّلُ: آدابُ الطالبِ في نفسِه
المتن:
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (الفصلُ الأوَّلُ: آدابُ الطالبِ في نفسِه
العلْمُ عِبادةٌ :
أصلُ الأصولِ في هذه ( الْحِلْيَةِ )، بل ولكلِّ أمْرٍ مَطلوبٍ عِلْمُك بأنَّ العِلْمَ عِبادةٌ، قالَ بعضُ العُلماءِ : ( العِلْمُ صلاةُ السِّرِّ ، وعبادةُ القَلْبِ )
وعليه ؛ فإنَّ شَرْطَ العِبادةِ :
1-إخلاصُ النِّيَّةِ للهِ سبحانَه وتعالى، لقولِه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ...} الآيةَ .وفي الحديثِ الفَرْدِ المشهورِ عن أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : (( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ... )) الحديثَ .
فإنْ فَقَدَ العِلْمُ إخلاصَ النِّيَّةِ ، انْتَقَلَ من أَفْضَلِ الطاعاتِ إلى أَحَطِّ المخالَفاتِ ولا شيءَ يَحْطِمُ العِلْمَ مثلُ الرياءِ : رياءُ شِرْكٍ ، أو رِياءُ إخلاصٍ ومِثلُ التسميعِ ، بأن يَقولَ مُسَمِّعًا : عَلِمْتُ وحَفِظْتُ .
وعليه فالْتَزِم التَّخَلُّصَ من كلِّ ما يَشوبُ نِيَّتَكَ في صِدْقِ الطلَبِ كحبِّ الظهورِ ، والتفوُّقِ على الأقرانِ ، وجَعْلِه سُلَّمًا لأغراضٍ وأعراضٍ من جاهٍ أو مالٍ أو تعظيمٍ أو سُمْعَةٍ أو طَلَبِ مَحْمَدَةٍ أو صَرْفِ وُجوهِ الناسِ إليك ، فإنَّ هذه وأَمثالَها إذا شَابَت النِّيَّةَ أَفْسَدَتْها وذَهَبَتْ بَرَكَةُ العلْمِ ولهذا يَتَعَيَّنُ عليك أن تَحْمِيَ نِيَّتَكَ من شَوْبِ الإرادةِ لغيرِ اللهِ تعالى ، بل وتَحْمِي الْحِمَى.
وللعُلماءِ في هذا أقوالٌ ومَوقفٌ بَيَّنْتُ طَرَفًا منها في الْمَبْحَثِ الأَوَّلِ من كتابِ ( التعالُمِ ) ويُزادُ عليه نَهْيُ العلماءِ عن ( الطَّبُولِيَّاتِ ) وهي المسائلُ التي يُرادُ بها الشُّهْرَةُ .
وقد قيلَ: ( زَلَّةُ العالِمِ مَضروبٌ لها الطَّبْلُ )
وعن سفيانَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ :( كُنْتُ أُوتِيتُ فَهْمَ الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا قَبِلْتُ الصُّرَّةَ سُلِبْتُهُ )
فاستَمْسِكْ رَحِمَك اللهُ تعالى بالعُروةِ الوُثْقَى العاصمةِ من هذه الشوائبِ ، بأن تكونَ مع – بَذْلِ الْجَهْدِ في الإخلاصِ – شديدَ الخوفِ من نَواقِضِه ، عظيمَ الافتقارِ والالتجاءِ إليه سبحانَه.
ويُؤْثَرُ عن سُفيانَ بنِ سَعيدٍ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى قولُه : ( مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ نِيَّتِي )
وعن عمرَ بنِ ذَرٍّ أنه قالَ لوالدِه : يا أبي ! ما لَكَ إذا وَعَظْتَ الناسَ أَخَذَهم البُكاءُ ، وإذا وَعَظَهم غيرُك لا يَبكونَ ؟ فقال : يا بُنَيَّ ! لَيْسَت النائحةُ الثَّكْلَى مثلَ النائحةِ المسْتَأْجَرَةِ .
وَفَّقَكَ اللهُ لرُشْدِكَ آمِينَ .
2- الْخَصْلَةُ الجامعةُ لِخَيْرَي الدنيا والآخِرةِ ( مَحَبَّةُ اللهِ تعالى ومَحَبَّةُ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وتَحقيقُها بتَمَحُّضِ المتابَعَةِ وقَفْوِ الأثَرِ للمعصومِ .قال اللهُ تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } وبالجُملةِ فهذا أَصلُ هذه ( الْحِلْيَةِ )، ويَقعانِ منها مَوْقِعَ التاجِ من الْحُلَّةِ .
فيا أيُّها الطُّلابُ ها أنتم هؤلاءِ تَرَبَّعْتُم للدَّرْسِ وتَعَلَّقْتُمْ بأنْفَسِ عِلْقٍ ( طَلَبِ العلْمِ ) فأُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ تعالى في السرِّ والعَلانيةِ فهي العُدَّةُ ، وهي مَهْبِطُ الفضائلِ ، ومُتَنَزَّلُ الْمَحَامِدِ وهي مَبعثُ القوَّةِ ومِعراجُ السموِّ والرابِطُ الوَثيقُ على القُلوبِ عن الفِتَنِ فلا تُفَرِّطُوا .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
القارئ: (الفصلُ الأوَّلُ: آدابُ الطالبِ في نفسِه
أولاً العلْمُ عِبادةٌ:
أصلُ الأصولِ في هذه ( الْحِلْيَةِ )، بل ولكلِّ أمْرٍ مَطلوبٍ عِلْمُك بأنَّ العِلْمَ عِبادةٌ، قالَ بعضُ العُلماءِ : ( العِلْمُ صلاةُ السِّرِّ ، وعبادةُ القَلْبِ )
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (نعم العلم عبادة لا شك بل هو من أجل العبادات وأفضل العبادات حتى أن الله تعالى جعله في كتابه قسيما للجهاد في سبيل الله الجهاد المسلح فقال جل وعلا: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} ليتفقهوا يعني بذلك ؟ الطائفة القاعدة { لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين )) فإذا رزقك الله الفقه في دينه والفقه هنا يعنى به العلم بالشرع فيدخل فيه علم العقائد والتوحيد وغير ذلك فإذا رأيت أن الله من عليك بهذا فاستبشر خيرا لأن الله تعالى أراد بك خيرا . وقال الإمام أحمد: العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته. قالوا: وكيف تصح النية يا أبا عبد الله؟ قال : ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره .
القارئ: (وعليه ؛ فإنَّ شَرْطَ العِبادةِ : 1-إخلاصُ النِّيَّةِ للهِ سبحانَه وتعالى ، لقولِه :{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ...} الآيةَ .وفي
الحديثِ الفَرْدِ المشهورِ عن أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي
اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : (( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ... )) الحديثَ . فإنْ
فَقَدَ العِلْمُ إخلاصَ النِّيَّةِ ، انْتَقَلَ من أَفْضَلِ الطاعاتِ إلى
أَحَطِّ المخالَفاتِ ولا شيءَ يَحْطِمُ العِلْمَ مثلُ الرياءِ : رياءُ
شِرْكٍ ، أو رِياءُ إخلاصٍ ومِثلُ التسميعِ ، بأن يَقولَ مُسَمِّعًا :
عَلِمْتُ وحَفِظْتُ . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (كذلك إذا قال قائل بما يكون الإخلاص في طلب العلم؟ قلنا: الإخلاص في طلب العلم يكون في أمور: 1- أن تنوي بذلك امتثال أمر الله لأن الله تعالى أمر بذلك فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} وحث سبحانه وتعالى على العلم والحث على الشيء يستلزم محبته والرضا به والأمر به. 2- أن تنوي بذلك حفظ شريعة الله لأن حفظ شريعة الله يكون بالتعلم والحفظ في الصدور ويكون كذلك بالكتابة كتابة الكتب 3- أن
تنوي بذلك حماية الشريعة والدفاع عنها لأنه لولا العلماء ما حميت الشريعة
ولا دافع عنها أحد ولهذا نجد مثلا شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل
العلم الذين تصدوا لأهل البدع وبينوا بطلان بدعهم نرى أنهم حصلوا على خير
كثير. 4- أن
تنوي بذلك اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنك لا يمكن أن
تتبع شريعته حتى تعلم هذه الشريعة ، هذه أمور أربع كلها يتضمنها قولنا أنه
يجب الإخلاص لله في طلب العلم .
القارئ: (وعليه فالْتَزِم التَّخَلُّصَ من كلِّ ما يَشوبُ نِيَّتَكَ في صِدْقِ الطلَبِ كحبِّ الظهورِ ، والتفوُّقِ على الأقرانِ ، وجَعْلِه سُلَّمًا لأغراضٍ وأعراضٍ من جاهٍ أو مالٍ أو تعظيمٍ أو سُمْعَةٍ أو طَلَبِ مَحْمَدَةٍ أو صَرْفِ وُجوهِ الناسِ إليك ، فإنَّ هذه وأَمثالَها إذا شَابَت النِّيَّةَ أَفْسَدَتْها وذَهَبَتْ بَرَكَةُ العلْمِ ولهذا يَتَعَيَّنُ عليك أن تَحْمِيَ نِيَّتَكَ من شَوْبِ الإرادةِ لغيرِ اللهِ تعالى ، بل وتَحْمِي الْحِمَى .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (صحيح ما قاله من وجوب حماية النية من هذا المقاصد السيئة فهو صحيح ومن طلب علما وهو مما يبتغى به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضا من الدنيا لم يجد رائحة الجنة نسأل الله العافية ثم إن هذه المحمدة والجاه والتعظيم وانصراف وجوه الناس إليه ستجده إذا حصلت العلم حتى وإن كانت نيتك سليمة بل إذا كانت نيتك سليمة فهو قرب إلى حصول هذا لك.
القارئ: (وللعُلماءِ في هذا أقوالٌ ومَواقفٌ بَيَّنْتُ طَرَفًا منها في الْمَبْحَثِ الأَوَّلِ من كتابِ ( التعالُمِ ) ويُزادُ عليه نَهْيُ العلماءِ عن ( الطَّبُولِيَّاتِ ) وهي المسائلُ التي يُرادُ بها الشُّهْرَةُ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الطبوليات المسائل التي يراد بها الشهرة لماذا سميت طبوليات ؟ لأنها مثل الطبل لها صوت ورنين فهذا إذا جاء بمسألة غريبة عن الناس نعم واشتهرت عنه كأنها صوت الطبل فهذه يسمونها الطبوليات ولم أسمع بهذا لكن وجهها واضح .
القارئ: (وقد قيلَ: ( زَلَّةُ العالِمِ مَضروبٌ لها الطَّبْلُ )
وعن سفيانَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ : ( كُنْتُ أُوتِيتُ فَهْمَ الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا قَبِلْتُ الصُّرَّةَ سُلِبْتُهُ ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (يقول هذا سفيان يقول كنت أوتيت فهم القرآن فلما قبلت الصرة سلبته . الصرة يعني من السلطان لما أعطاه سلب فهم القرآن وهؤلاء هم الذين يدركون الأمور ولهذا يتحرز السلف من عطايا السلطان ويقولون إنهم لا يعطوننا إلا ليشتروا ديننا بدنياهم فتجدهم لا يقبلونها ثم إن السلاطين فيما سبق قد تكون أموالهم مأخوذة من غير حلها فيتورعون عنها أيضا من هذه الناحية ومن المعلوم أنه لا يجوز للعالم أن يقبل هدية السلطان إذا كان السلطان يريد أن تكون هذه العطية مطية له يركبها متى شاء بالنسبة لهذا العالم أما إذا كانت أموال السلطان نزيهة ولم يكن يقبل الهدية منه ليبيع دينه بها فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمر: (( ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك)).
وغرض سفيان رحمه الله من ذلك التحذير من هذا وتبكيت نفسه على ما صنع.
القارئ: (فاستَمْسِكْ رَحِمَك اللهُ تعالى بالعُروةِ الوُثْقَى العاصمةِ من هذه الشوائبِ ، بأن تكونَ مع – بَذْلِ الْجَهْدِ في الإخلاصِ – شديدَ الخوفِ من نَواقِضِه ، عظيمَ الافتقارِ والالتجاءِ إليه سبحانَه .
ويُؤْثَرُ عن سُفيانَ بنِ سَعيدٍ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى قولُه : ( مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ نِيَّتِي ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (وفي معنى ذلك ما أدري هل هو قول آخر أو نقل بالمعنى يقول: ما عالجت نفسي على شيء أشد من معالجتها على الإخلاص وهذا بمعنى كلام سفيان لأن الإخلاص شديد ولهذا من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه فإنه يدخل الجنة وهو أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
القارئ: (وعن عمرَ بنِ ذَرٍّ أنه قالَ لوالدِه : يا أبي ! ما لَكَ إذا وَعَظْتَ الناسَ أَخَذَهم البُكاءُ ، وإذا وَعَظَهم غيرُك لا يَبكونَ ؟ فقال : يا بُنَيَّ ! لَيْسَت النائحةُ الثَّكْلَى مثلَ النائحةِ المسْتَأْجَرَةِ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الله أكبر هذا مثلٌ عظيم النائحة الثكلى يعني التي فقدت ولدها أي تبكي بكاء من القلب والنائحة المستأجرة ما يؤثر نوحها ولا بكاؤها لأنها تصطنع البكاء ولكن مثل هذا الكلام الذي يرد عن السلف يجب أن نحسن الظن به وأنهم لا يريدون بذلك مدح أنفسهم وإنما يريدون بذلك حث الناس على إخلاص النية والبعد عن الرياء وما أشبه ذلك وإلا لكان هذا تزكية للناس واضحة والله عز وجل يقول: { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} لكن السلف رحمهم الله لعلمنا بمقامهم وإخلاصهم يجب أن نحمل ما ورد عنهم مما يحتمل هذا المعنى الفاسد أن نحمله على المعنى الصحيح.
- سؤال وارد يقول: إن إخلاص النية في عصرنا الحاضر صعب أو قد يكون مستحيلا لأن الذين يطلبون العلم ولا سيما الطلب النظامي يطلبون العلم لنيل الشهادة وهذا ليس لله فنقول إذا كنت تطلب العلم لنيل الشهادة فإن كنت تريد من هذه الشهادة أن ترتقي مرتقى دنيويا فالنية فاسدة أما إن كنت تريد أن ترتقي إلى مرتقى تنفع الناس به لأنك تعرف اليوم أنه لا يمكن للإنسان من ارتقاء المناصب العالية الموجهة للأمة إلا إذا كان معه شهادة فأنا الآن أقصد بهذه الشهادة أن أنال ما أنفع به الناس فهذه نية طيبة يعني ما تنافي الإخلاص الآن لو وجد عالم جيد في شتى فنون العلم لكن ليس معه شهادة لا يتمكن من تدريس الثانوي هذا هو الواقع . نعم لكن لا يأتي واحد ما يعرف كوعه من كرسوعه ومعه شهادة . نعم . يقبل في الجامعة مادام معه شهادة فالإنسان حسب نيته .
القارئ: (وَفَّقَكَ اللهُ لرُشْدِكَ آمِينَ .
الشرط الثاني- الْخَصْلَةُ الجامعةُ لِخَيْرَي الدنيا والآخِرةِ ( مَحَبَّةُ اللهِ تعالى ومَحَبَّةُ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وتَحقيقُها بتَمَحُّضِ المتابَعَةِ وقَفْوِ الأثَرِ للمعصومِ. قال اللهُ تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (لا شك أن المحبة لها أثر عظيم في الدفع والمنع إذ أن المحب يسعى غاية جهده في الوصول إلى محبوبه فيطلب ماذا؟ يطلب ما يرضيه وما يقربه منه ويسعى غاية جهده في اجتناب ما يكرهه محبوبه ويبتعد عنه ولهذا ذكر ابن القيم في روضة المحبين أن كل الحركات مبنية على المحبة كل حركات الإنسان وهذا صحيح لأن الإرادة لا تقع من شخص عاقل إلا بشيء يرجو نفعه أو دفع ضرره وكل إنسان يحب ما ينفعه ويكره ما يضره فالمحبة في الواقع هي القائد والسائق إلى الله عز وجل تقود الإنسان وتسوقه وانظر إلى الذين كرهوا ما أنزل الله كيف قال الله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } صارت نتيجتهم الكفر لأنهم كرهوا ما أنزل الله فالمحبة كما قال الشيخ هي الجامعة لخيري الدنيا والآخرة أما محبة الرسول عليه الصلاة والسلام فإنها تحملك على متابعته ظاهرا وباطنا لأن الحبيب يقلد محبوبه حتى في أمور الدنيا تجده يقلد محبوبه تجده مثلا يقلده في اللباس في الكلام حتى في الخط نحن نذكر بعض الطلبة في زماننا لما كنا نطلب كان يقلدون الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي في خطه مع إن خطه رحمه الله ضعيف ما تكاد تقرأه لكن من شدة محبتهم له. فالإنسان كلما أحب شخصا حاول أن يكون مثله في خصاله فإذا أحببت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن هذه المحبة سوف تقودك إلى اتباعه صلوات الله وسلامه عليه ثم ذكر الآية التي يسميها علماء السلف يسمونها آية المحنة يعني الامتحان لأن قوما ادعوا أنهم يحبون الله فقال الله تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي } والجواب؟ (...) { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي } (...) الجواب المتوقع فاتبعوني تصدقوا في دعواكم لأن الآن الشرط والمشروط { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي } تصدقوا في دعواكم أنكم تحبون الله لكن جاء الجواب (اتبعوني يحببكم الله) إشارة إلى أن الشأن كل الشأن أن يحبك الله عز وجل هذا هو الثمرة وهو المقصود وإلا لكان { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي } يعني تصدقوا في دعواكم لكن جاءت { يُحْبِبْكُمُ اللهُ } لأن هذا هو الثمرة فالشأن كل الشأن أن الله يحبك جعلنا الله وإياكم من أحبابه لا أن تحب الله لأن كل إنسان يدعي ذلك وربما يكون ظاهرك محبة الله لكن في قلبك شيء لا يقتضي أن الله يحبك فتبقى غير حاصل على الثمرة .
القارئ: (وبالجُملةِ فهذا أَصلُ هذه ( الْحِلْيَةِ )، ويَقعانِ منها مَوْقِعَ التاجِ من الْحُلَّةِ .
فيا أيُّها الطُّلابُ ها أنتم هؤلاءِ تَرَبَّعْتُم للدَّرْسِ وتَعَلَّقْتُمْ بأنْفَسِ عِلْقٍ ( طَلَبِ العلْمِ ) فأُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ تعالى في السرِّ والعَلانيةِ فهي العُدَّةُ ، وهي مَهْبِطُ الفضائلِ ، ومُتَنَزَّلُ الْمَحَامِدِ وهي مَبعثُ القوَّةِ ومِعراجُ السموِّ والرابِطُ الوَثيقُ على القُلوبِ عن الفِتَنِ فلا تُفَرِّطُوا .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (نعم صدق رحمه الله وعفا عنه ويدل لهذا قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } تفرقون به بين الحق والباطل وبين الضار والنافع وبين الطاعة والمعصية وبين أولياء الله وأعداء الله إلى غير ذلك وتارة يحصل هذا الفرقان بواسطة العلم يفتح الله على الإنسان من العلوم وييسر له تحصيلها أكثر ممن لا يتقي الله وتارة يحصل له هذا الفرقان بما يعطيه الله تعالى في قلبه من الفراسة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( إن يكن فيكم محدثون فعمر)) فالله تعالى يجعل لمن اتقاه فراسة يتفرس بها فتكون موافقة للصواب فقوله تعالى: { يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } يشمل الفرقان بوسائل العلم والتعلم والفرقان بوسائل الفراسة والإلهام أن الله تعالى يلهم الإنسان التقي ما لا يلهم غيره وربما يظهر لك هذا في مجراك في طلب العلم تمر بك أيام تجد قلبك خاشعا منيبا إلى الله مقبلا إليه متقيا له فيفتح الله عليك مفاتح ومعارف كثيرة ويمر بك غفلة ينغلق قلبك وكل هذا تحقيق لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ثلاث فوائد وإذا غفر الله للعبد أيضا فتح الله عليه أبواب المعرفة قال الله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } وبعدها {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ } ولهذا قال بعض العلماء : ينبغي للإنسان إذا استفتي أن يقدم استغفار الله حتى يبين له الحق لأنه الله قال { لِتَحْكُمَ } ثم قال {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ }.
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله
القارئ: (الفصل الأول:
آداب الطالب في نفسه :
العلم عبادة : أصل الأصول في هذه "الحلية" بل ولكل أمر مطلوب علمك بأن العلم عبادة، قال بعض العلماء: "العلم صلاة السر، وعبادة القلب". وعليه، فإن شرط العبادة إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، لقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ }، الآية. وفي الحديث الفرد المشهور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات) الحديث.
فإن فقد العلم إخلاص النية، انتقل من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات، ولا شئ يحطم العلم مثل: الرياء؛ رياء شرك، أو رياء إخلاص ، ومثل التسميع؛ بأن يقول مسمعاً: علمت وحفظت.
وعليه؛ فالتزم التخلص من كل ما يشوب نيتك في صدق الطلب؛ كحب الظهور، والتفوق على الأقران، وجعله سلماً لأغراض وأعراض، من جاه، أو مال، أو تعظيم، أو سمعة، أو طلب محمدة، أو صرف وجوه الناس إليك، فإن هذه وأمثالها إذا شابت النية، أفسدتها، وذهبت بركة العلم، ولهذا يتعين عليك أن تحمى نيتك من شوب الإرادة لغير الله تعالى، بل وتحمى الحمى. وللعلماء في هذا أقوال ومواقف بينت طرفاً منها في المبحث الأول من كتاب "التعالم"، ويزاد عليه نهى العلماء عن "الطبوليات"، وهى المسائل التي يراد بها الشهرة.وقد قيل: "زلة العالم مضروب لها الطبل" . وعن سفيان رحمه الله تعالى أنه قال: "كنت أوتيت فهم القرآن، فلما قبلت الصرة، سلبته" . فاستمسك رحمك الله تعالى بالعروة الوثقى العاصمة من هذه الشوائب؛ بأن تكون - مع بذل الجهد في الإخلاص - شديد الخوف من نواقضه، عظيم الافتقار والالتجاء إليه سبحانه.ويؤثر عن سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله تعالى قوله: "ما عالجت شيئاً أشد على من نيتي".وعن عمر بن ذر أنه قال لوالده "يا أبي! مالك إذا وعظت الناس أخذهم البكاء، وإذا وعظهم غيرك لا يبكون؟ فقال: يا بنى! ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة. وفقك الله لرشدك آمين. الخصلة الجامعة لخيري الدنيا والآخرة محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وتحقيقها بتمحض المتابعة وقفوا الأثر للمعصوم.قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}. وبالجملة؛ فهذا أصل هذه "الحلية"، ويقعان منها موقع التاج من الحلة. فيا أيها الطلاب! ها أنتم هؤلاء تربعتم للدرس، وتعلقتم بأنفس علق (طلب العلم) ، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلانية، فهي العدة، وهى مهبط الفضائل، ومتنزل المحامد، وهى مبعث القوة، ومعراج السمو، والرابط الوثيق على القلوب عن الفتن، فلا تفرطوا. الفصل الأول في آداب طالب العلم في نفسه ، طالب العلم في نفسه لابد أن يلتزم بآداب شرعية محددة ، أولها : أن يعلم أن طلب العلم عبادة ، ويترتب على ذلك أنه لابد أن يلتزم بشروط العبادات. متى تكون العبادة صحيحة؟ إذا وُجد فيها شرطان ، الشرط الأول: الإخلاص لله ، والشرط الثاني: المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم بحيث يكون عمل الإنسان على وفق الشريعة. قال تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. (عملا صالحا) يعني : يكون فيه متبعًا ، (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) يعني : أنه يخلص عمله لله ، فينوي بأعماله وجه الله والدار الآخرة. جاء في تفسير قوله تعالى:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} ، قال الفضيل بن عياض: (أحس عملا أن يكون صوابًا خالصا) ، صوابًا يعني : على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم ، خالصًا يعني : بنية لله. إذا تقرَّر هذا فإنّ في الشرط الأول ، وهو ما يتعلق بإخلاص النية ، هناك نصوص كثيرة تدل على وجوب إخلاص النية في جميع الأعمال ، ذكر المؤلف منها قوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } ، وحديث: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)) ، وبين أنه إذا لم ينو الإنسان بطلبه للعلم وجه الله والدار الآخرة كان مشركًا ، وكون الشرك يكون في معابد المشركين هذا نستنكره، لأنه فساد ، فإذا وُجد في بلاد الحرمين استنكرناه أكثر ، فإذا وُجد في بيوت الله في المساجد كان استنكارنا له أعظم ، وما زاد إلا أولئك الذين يريدون بطلب العلم غير وجه الله تعالى. استمع لما يقوله – جل وعلا- فيمن أراد بعمله الدنيا :{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُون} ، واسمع قول الله تعالى:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} ، ولذلك على كل منا أن يحرص على إخلاص النية في طلب العلم ، ماذا ننوي؟ ننوي إرضاء رب العالمين ، ننوي رِفعة الدرجة في الجنة ، ننوي الحصول على الدرجات. فإن قال قائل: ما هي أوجه ترك هذا الأدب ، أدب الإخلاص في طلب العلم؟ نقول هنا أمثلة أولها : الرياء ، رياء الشرك ، بأن يقول أنا أتعلم من أجل أن أكون صاحب منزلة عند الناس ، أو أتعلم من أجل أن يتكلم الناس في علمي ويثنوا عليَّ ، أومن أجل أن يقول الناس ما أكثر محفوظاته. قال:(ومثل التسميع) ، بأن يقول مسمِّعًا للناس: أنا علمت بكذا ، وأنا حفظت كذا ، بحيث يكون له منزلة. ومثَّل المؤلف بما يُفقد فيه الإخلاص: بحب الظهور ؛ حتى يعرفني الناس ، ويكون لي معرفة ، ويعرفني من في مشارق الأرض ومغاربها ، إذًا هذا ليس من الإخلاص في شيء ، أو يكون مقصوده التفوق على الأقران ، من أجل أن أكون الأول على زملائي ، ومن أجل أن أكون سابقًا لفلان أو لفلان ، أو (سُلَّمًا لأغراض وأعراض ) بحيث يقول : أنا أريد أن يكون لي أموالٌ كثيرةٌ بسبب طلبي العلم ، أو أريد أن يكون لي منزلة ، وبالتالي إذا طلبت من شيء من أحد من المسئولين أمرًا من الأمور استجابوا لي ، أو يكون لي منزلة وجاه بحيث إذا شَفَعت لأحدٍ من قرابتي شُفِّعْتُ فيه ، أو أن يُعظِّمني الناس في المجالس ، إذا دخلت في المجلس وضعوني في صدر المجلس ، أو لِيُقبِّلوا رأسي. كل هذه أغراض فاسدة تخالف الإخلاص في النية. إذا تقرر هذا ، إذا حصل شيء من هذه الأمور ، ولم تكن من قصد الإنسان ، ولا تكون له ذات قيمة ومنزلة ، فهذه لا تؤثِّر عليه ، لو حصل أنَّ عالم أصبح الناس يُقبِّلون رأسه ، لم يكن قاصدًا لذلك ولا مريدًا له ، وأَذِن لهم ليكون ثوابًا لهم ؛ لأن الإنسان لا يستفيد من تقبيل الناس لرأسه شيئًا ، بل قد يؤذونه ويؤلمون رقبته ، فالمستفيد المُقبِّل لا المُقبَّل ، فحينئذ لا يَلتفت إليه ولا يكون له منزلة في نفسه. وجاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنَّ أول من تُسعَّر بهم النار ثلاثة ؛ منهم القارئ ، وفي لفظ العالم ، الذي جاء الله به يوم القيامة ، فعرَّفه نعمه وقال: ما عملت؟ قال: تعلَّمت العلم فيك ، ونشرته من أجلك. فقال الله: كذبت ، إنما تعلمتَه ليقال عالمٌ ، أو قارئٌ فقد قيل ، ثم أُمِر به إلى نار جهنم ، والعياذ بالله. أتعب نفسه في الدنيا ، ولم يُحصِّل ثمرةً في الآخرة. وجاء في سنن أبي داوود : أنَّ من تعلم علمًا مما يُبتغى به وجه الله ليصرف وجوه الناس إليه ، لم يجد رائحة الجنة ، فالأمر خطير وليس الأَمر بالسهل. وذكر المؤلف أيضا عددا من الآثار المتعلقة بهذا. الشرط الثاني: المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنَّ من لم يُتابع الهدي النبوي في العبادة فإن عبادته مردودة ؛ لأنها تكون بدعة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)؛ أي : مردود على صاحبه. وقال صلى الله عليه وسلم : (كلُّ بِدْعةٍ ضَلالة) ، والله - جل وعلا- يقول:{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} ، ولذلك جاءت النصوص بالأمر باتباع هدي النبي الكريم ، فقال سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}، { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، ولذلك يحرص الإنسان على اقتفاء الهدي النبوي وخصوصًا في طلب العلم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد وفَد عليه الطلاب وعلَّمهم ، وجعل لهذا التعلم آدابًا وسننًا وطرائق ، ولذلك لابد أن نقتدي بهذا الهدي الكريم ، ولا يمكن أن نقتدي بهذا الهدي الكريم حتى نتعلم السنة الواردة في ذلك ، إذ كيف تقتدي بشيء أنت لا تعرفه ؟ ، إذا تقرر هذا فلعلنا نأخذ كلام المؤلف ، قال: (العلم عبادة) ،يقصد بالعلم: العلم الشرعي ؛ لأنه مما يَتمحَّض أن يكون عبادة ، والناس فيه على ثلاثة أصناف ؛ من جعله لله من أن أجل أن ينيله الآخرة ، فهذا مؤمن موحِّد مُثاب ، الثاني : من جعله لله لينيله الله الدنيا ، فليس له في الآخرة من خلاق ، الثالث: من قصد به الدنيا مباشرة ، فهذا مشرك آثم مستحقٌّ للغضب دنيًا وآخرة. قال المؤلف:(أصل الأصول) ، هذا الأصل يعني يتعلق بالنية ويتعلق بالمتابعة ، (قال بعض العلماء: "العلم صلاة السر، وعبادة القلب") ؛ لأن العلم منشؤه ذاتي من القلب ، والنية فيه تكون مما يَختص أو مما يُضمر في القلوب. قال المؤلف: (في الحديث الفَرد المشهور) (الفرد) : يعني أنه غريب رواه راوٍ واحد عن راوٍ واحد عن راوٍ واحد ، وذلك أنَّ هذا الحديث قد رواه يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التِّيمي عن علقمة بن وقَّاص عن عمر بن الخطاب ، فهو فردٌ في أربع طبقات من إسناده ، (مشهور) : لأنه اشتهر بعد ذلك على الألسن واستفاض فقد رواه عن يحيى بن سعيد قرابة مائتي راوٍ. قال المؤلف: (فإن فقد العلم إخلاص النية، انتقل من أفضل الطاعات إلى أَحطِّ المخالفات) : لأنه حينئذٍ يكون شركًا ؛ إما شركًا أكبر وإما شركًا أصغر؛ ومثَّل المؤلف له بالأمثلة ، قال: ( ويزاد عليه نهي العلماء عن "الطُّبوليات" ) ، يأتي الإنسان بالمسألة الغريبة فينشرها في وسائل الإعلام، ثم يأتي ضعاف القلوب فيُصفِّقون لها ويُطَبِّلون لها وينشرونها في الأمة ، ولذلك نقل هذه الكلمة "زلة العالم مضروب لها الطبل"، لو يأتي إنسان غير معروف بعلم فيكتب كتابة مخالفة لما استقر في علم الشريعة ، طمست ولم يكن لها أثر ، وإنما نخشى من زلة العالِم ؛ فإنه يَزلُّ بها عالَم ، ولذلك هذا ما أراده المؤلف بهذه الكلمة ، قال سفيان: "كنت أوتيت فهم القرآن" ، يعني معرفة معاني آيات القرآن وأسراره وحِكمه وتمكنت من استنباط الأحكام منه ، " فلما قَبلْت الصُرَّة" -أخذت المال من الناس- ، سُلبت هذه القدرة وهي فهم القرآن ، وحينئذٍ يحذر الإنسان- طالب العلم - من مثل هذا ، فإنه يكون سببًا من أسباب عدم فهمه للعلم ، وفي أوله فهم القرآن ، ما أوتي من هذا المال بدون طلب وبدون إِشْراف نفس ولم تتعلق نفسه به وقضى حوائجه ، فحينئذٍ لا يلحقه به حرج كما ورد في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((ما أُوتيت من هذا المال غير مُشرف له نفسك، فخذه وتَموَّله)) ، ثم ذكر المؤلف قول سفيان أيضا " ما عالجت شيئا أشدَّ علي من نيتي" النية سهلة على من سهَّلها الله عليه ، في لحظة وفي ثانية تتمكن من قلب نيتك وتجعل أعمالك لله ، وفي نفس الوقت هي صعبة عسيرة ؛ لأن الناس يغفلون عنها من جهة ؛ ولأن الشيطان يحرص على إفساد النوايا ؛ لأن النية عظيمة النفع ، كبيرة الأثر ، هي جالبة البركة ، ومن ثَمَّ فالشيطان يحرص على إفساد النيات من أجل هذا الأمر. قال المؤلف: (الخصلة الجامعة) يعني الشرط الثاني من شروط العبادة : المتابعة ، والمتابعة هي الجالِبة لمحبة الله وبمحبة رسوله ، كما قال تعالى:{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} ، قال: (وبالجملة فهذا أصل هذه الحلية) ، الذي هو الإخلاص والمتابعة ، (ويقعان منها موقع التاج من الحلة) ، هي أعلى شيء وأبرك شيء وأعظم شيء وأكثر شيء آثار ، الإخلاص والمتابعة. نعم