الدروس
course cover
الدرس الأول: شرح مقدمة حلية طالب العلم
10 Dec 2008
10 Dec 2008

11496

0

0

course cover
حلية طالب العلم

القسم الأول

الدرس الأول: شرح مقدمة حلية طالب العلم
10 Dec 2008
10 Dec 2008

10 Dec 2008

11496

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الأول: شرح مقدمة حلية طالب العلم

قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (المـُــقـَـدِّمـَـةُ

الحمدُ للهِ ، وبعدُ :

فأُقَيِّدُ معالِمَ هذه ( الْحِلْيَةِ ) المبارَكَةِ عامَ 1408 هـ ، والمسلمونَ – وللهِ الحمدُ – يُعايِشونَ يَقَظَةً علْمِيَّةً ، تتَهَلَّلُ لها سُبُحَاتُ الوُجوهِ ، ولا تَزالُ تنشُطُ – متقدِّمَةً إلى الترَقِّي والنُّضوجِ – في أفئدةِ شبابِ الأُمَّةِ مَجْدَها ودَمَها الْمُجَدِّدَ لحياتِها ، إذ نَرَى الكتائبَ الشبابيَّةَ تَتْرَى ، يتَقَلَّبُون في أعطافِ العلْمِ مثْقَلِينَ بِحَمْلِه يَعُلُّونَ منه ويَنْهَلُون ، فلَدَيْهِم من الطموحِ والجامِعِيَّةِ ، والاطِّلاعِ الْمُدْهِشِ والغَوْصِ على مَكنوناتِ المسائلِ ، ما يَفرحُ به المسلمونَ نَصْرًا فسبُحانَ مَن يُحْيِي ويُميتُ قُلوبًا .

لكن ؛ لا بُدَّ لهذه النَّواةِ المبارَكَةِ من السَّقْيِ والتَّعَهُّدِ في مَساراتِها كافَّةً ؛ نَشْرًا للضماناتِ التي تَكُفُّ عنها العِثارَ والتعَثُّرَ في مَثانِي الطلَبِ والعمَلِ ؛ من تَمَوُّجَاتٍ فِكرِيَّةٍ وعَقَدِيَّةٍ ، وسُلوكيَّةٍ ، وطائِفِيَّةٍ وحِزْبِيَّةٍ .

وقد جَعَلْتُ طَوْعَ أيدِيهم رسالةً في ( التَّعَالُمِ ) تَكْشِفُ الْمُنْدَسِّينَ بينَهم خشيةَ أن يُرْدُوهم ، ويُضَيِّعُوا عليهم أمْرَهم ، ويُبَعْثِروا مَسيرتَهم في الطلَبِ فيَسْتَلُّوهُم وهم لا يَشْعُرون .

واليومَ أَخوكَ يَشُدُّ عَضُدَك ، ويأخُذُ بِيَدِك ، فأَجْعَلُ طَوْعَ بَنانِكَ رسالةً تَحمِلُ ( الصفةَ الكاشفةَ ) لحِلْيَتِك ، فها أنذا أَجْعَلُ سِنَّ القَلَمِ على القِرْطَاسِ ، فاتْلُ ما أَرْقُمُ لك أَنْعَمَ اللهُ بك عَيْنًا .

لقد تَوَارَدَتْ مُوجباتُ الشرْعِ على أنَّ التَّحَلِّيَ بمحاسِنِ الآدابِ ، ومَكارمِ الأخلاقِ ، والْهَدْيِ الحسَنِ ، والسمْتِ الصالِحِ: سِمَةُ أهلِ الإسلامِ وأنَّ العِلْمَ – وهو أَثْمَنُ دُرَّةٍ في تَاجِ الشرْعِ الْمُطَهَّرِ – لا يَصِلُ إليه إلا الْمُتَحَلِّي بآدابِه ، الْمُتَخَلِّي عن آفاتِه ، ولهذا عناه العلماءُ بالبحْثِ والتنبيهِ وأَفْرَدُوها بالتأليفِ ، إمَّا على وجهِ العمومِ لكافَّةِ العلومِ، أو على وَجهِ الْخُصوصِ ، كآدابِ حَمَلَةِ القرآنِ الكريمِ ، وآدابِ الْمُحَدِّث وآدابِ الْمُفْتِي وآدابِ القاضي ، وآدابِ الْمُحْتَسِبِ ، وهكذا .

والشأنُ هنا في الآدابِ العامَّةِ لِمَنْ يَسْلُكُ طريقَ التعلُّمِ الشرعيِّ .

وقد كان العلماءُ السابقون يُلَقِّنُونَ الطُّلَّابَ في حِلَقِ العِلْمِ آدابَ الطلَبِ وأَدْرَكْتُ خَبَرَ آخِرِ العَقْدِ في ذلك في بعضِ حَلقاتِ العلْمِ في المسجدِ النبويِّ الشريفِ ؛ إذ كان بعضُ الْمُدَرِّسينَ فيه ، يُدَرِّسُ طُلابَه كتابَ الزرنوجيِّ ( م سنة 593 هـ ) رَحِمَه الله تعالى ، الْمُسَمَّى : ( تعليمَ المتعلِّمِ طَريقَ التعلُّمِ ).

فعَسَى أن يَصِلَ أهلُ العلْمِ هذا الحبْلَ الوَثيقَ الهاديَ لأَقوَمِ طريقٍ فيُدْرَجُ تدريسُ هذه المادَّةِ في فواتِحِ دُروسِ المساجدِ ، وفي موادِّ الدراسةِ النِّظاميَّةِ ، وأَرْجُو أن يكونَ هذا التقييدُ فاتحةَ خيرٍ في التنبيهِ على إحياءِ هذه المادَّةِ التي تُهَذِّبُ الطالبَ وتَسلُكُ به الجادَّةَ في آدابِ الطلَبِ وحَمْلِ العلْمِ ، وأَدَبِه مع نفسِه ، ومع مُدَرِّسِه ، ودَرْسِه ، وزميلِه ، وكتابِه ، وثَمَرَةِ عِلْمِه ، وهكذا في مَراحلِ حياتِه .

فإليك حِلْيَةً تَحْوِي مجموعةَ آدابٍ ، نواقِضُها مَجموعةُ آفاتٍ ، فإذا فاتَ أَدَبٌ منها اقْتَرَفَ الْمُفَرِّطُ آفةً من آفاتِه ، فمُقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ وكما أنَّ هذه الآدابَ درجاتٌ صاعدةٌ إلى السُّنَّةِ فالوجوبُ ، فنواقِضُها دَرَكَاتٌ هابطةٌ إلى الكراهةِ فالتحريمِ .

ومنها ما يَشْمَلُ عُمومَ الْخَلْقِ من كلِّ مُكَلَّفٍ ، ومنها ما يَخْتَصُّ به طالبُ العلْمِ ، ومنها ما يُدْرَكُ بضرورةِ الشرْعِ ، ومنها ما يُعْرَفُ بالطبْعِ ، ويَدُلُّ عليه عُمومُ الشرْعِ ، من الْحَمْلِ على مَحاسِنِ الآدابِ ومَكارِمِ الأخلاقِ ولم أَعْنِ الاستيفاءَ ، لكن سِياقَتَها تَجْرِي على سبيلِ ضَرْبِ الْمِثالِ ، قاصدًا الدَّلالةَ على الْمُهِمَّاتِ ، فإذا وافَقَتْ نفسًا صالحةً لها ، تناوَلَتْ هذا القليلَ فكَثَّرَتْه وهذا الْمُجْمَلَ ففَصَّلَتْه، ومَن أَخَذَ بها انْتَفَعَ ونَفَعَ، وهي بدَوْرِها مأخوذةٌ من أَدَبِ مَن بارَكَ اللهُ في عِلْمِهم وصاروا أئمَّةً يُهْتَدَى بهم ، جَمَعَنا اللهُ بهم في جَنَّتِه آمينَ .

هيئة الإشراف

#2

17 Jan 2009

المقدمة

المتن:

قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ): (المـُــقـَـدِّمـَـةُ

الحمدُ للهِ ، وبعدُ :

فأُقَيِّدُ معالِمَ هذه ( الْحِلْيَةِ ) المبارَكَةِ عامَ 1408 هـ ، والمسلمونَ – وللهِ الحمدُ – يُعايِشونَ يَقَظَةً علْمِيَّةً ، تتَهَلَّلُ لها سُبُحَاتُ الوُجوهِ ، ولا تَزالُ تنشُطُ – متقدِّمَةً إلى الترَقِّي والنُّضوجِ – في أفئدةِ شبابِ الأُمَّةِ مَجْدَها ودَمَها الْمُجَدِّدَ لحياتِها ، إذ نَرَى الكتائبَ الشبابيَّةَ تَتْرَى ، يتَقَلَّبُون في أعطافِ العلْمِ مثْقَلِينَ بِحَمْلِه يَعُلُّونَ منه ويَنْهَلُون ، فلَدَيْهِم من الطموحِ والجامِعِيَّةِ ، والاطِّلاعِ الْمُدْهِشِ والغَوْصِ على مَكنوناتِ المسائلِ ، ما يَفرحُ به المسلمونَ نَصْرًا فسبُحانَ مَن يُحْيِي ويُميتُ قُلوبًا .

لكن ؛ لا بُدَّ لهذه النَّواةِ المبارَكَةِ من السَّقْيِ والتَّعَهُّدِ في مَساراتِها كافَّةً ؛ نَشْرًا للضماناتِ التي تَكُفُّ عنها العِثارَ والتعَثُّرَ في مَثانِي الطلَبِ والعمَلِ ؛ من تَمَوُّجَاتٍ فِكرِيَّةٍ وعَقَدِيَّةٍ ، وسُلوكيَّةٍ ، وطائِفِيَّةٍ وحِزْبِيَّةٍ .

وقد جَعَلْتُ طَوْعَ أيدِيهم رسالةً في ( التَّعَالُمِ ) تَكْشِفُ الْمُنْدَسِّينَ بينَهم خشيةَ أن يُرْدُوهم ، ويُضَيِّعُوا عليهم أمْرَهم ، ويُبَعْثِروا مَسيرتَهم في الطلَبِ فيَسْتَلُّوهُم وهم لا يَشْعُرون .

واليومَ أَخوكَ يَشُدُّ عَضُدَك ، ويأخُذُ بِيَدِك ، فأَجْعَلُ طَوْعَ بَنانِكَ رسالةً تَحمِلُ ( الصفةَ الكاشفةَ ) لحِلْيَتِك ، فها أنذا أَجْعَلُ سِنَّ القَلَمِ على القِرْطَاسِ ، فاتْلُ ما أَرْقُمُ لك أَنْعَمَ اللهُ بك عَيْنًا .

لقد تَوَارَدَتْ مُوجباتُ الشرْعِ على أنَّ التَّحَلِّيَ بمحاسِنِ الآدابِ ، ومَكارمِ الأخلاقِ ، والْهَدْيِ الحسَنِ ، والسمْتِ الصالِحِ: سِمَةُ أهلِ الإسلامِ وأنَّ العِلْمَ – وهو أَثْمَنُ دُرَّةٍ في تَاجِ الشرْعِ الْمُطَهَّرِ – لا يَصِلُ إليه إلا الْمُتَحَلِّي بآدابِه ، الْمُتَخَلِّي عن آفاتِه ، ولهذا عناه العلماءُ بالبحْثِ والتنبيهِ وأَفْرَدُوها بالتأليفِ ، إمَّا على وجهِ العمومِ لكافَّةِ العلومِ، أو على وَجهِ الْخُصوصِ ، كآدابِ حَمَلَةِ القرآنِ الكريمِ ، وآدابِ الْمُحَدِّث وآدابِ الْمُفْتِي وآدابِ القاضي ، وآدابِ الْمُحْتَسِبِ ، وهكذا .

والشأنُ هنا في الآدابِ العامَّةِ لِمَنْ يَسْلُكُ طريقَ التعلُّمِ الشرعيِّ .

وقد كان العلماءُ السابقون يُلَقِّنُونَ الطُّلَّابَ في حِلَقِ العِلْمِ آدابَ الطلَبِ وأَدْرَكْتُ خَبَرَ آخِرِ العَقْدِ في ذلك في بعضِ حَلقاتِ العلْمِ في المسجدِ النبويِّ الشريفِ ؛ إذ كان بعضُ الْمُدَرِّسينَ فيه ، يُدَرِّسُ طُلابَه كتابَ الزرنوجيِّ ( م سنة 593 هـ ) رَحِمَه الله تعالى ، الْمُسَمَّى : ( تعليمَ المتعلِّمِ طَريقَ التعلُّمِ ).

فعَسَى أن يَصِلَ أهلُ العلْمِ هذا الحبْلَ الوَثيقَ الهاديَ لأَقوَمِ طريقٍ فيُدْرَجُ تدريسُ هذه المادَّةِ في فواتِحِ دُروسِ المساجدِ ، وفي موادِّ الدراسةِ النِّظاميَّةِ ، وأَرْجُو أن يكونَ هذا التقييدُ فاتحةَ خيرٍ في التنبيهِ على إحياءِ هذه المادَّةِ التي تُهَذِّبُ الطالبَ وتَسلُكُ به الجادَّةَ في آدابِ الطلَبِ وحَمْلِ العلْمِ ، وأَدَبِه مع نفسِه ، ومع مُدَرِّسِه ، ودَرْسِه ، وزميلِه ، وكتابِه ، وثَمَرَةِ عِلْمِه ، وهكذا في مَراحلِ حياتِه .

فإليك حِلْيَةً تَحْوِي مجموعةَ آدابٍ ، نواقِضُها مَجموعةُ آفاتٍ ، فإذا فاتَ أَدَبٌ منها اقْتَرَفَ الْمُفَرِّطُ آفةً من آفاتِه ، فمُقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ وكما أنَّ هذه الآدابَ درجاتٌ صاعدةٌ إلى السُّنَّةِ فالوجوبُ ، فنواقِضُها دَرَكَاتٌ هابطةٌ إلى الكراهةِ فالتحريمِ .

ومنها ما يَشْمَلُ عُمومَ الْخَلْقِ من كلِّ مُكَلَّفٍ ، ومنها ما يَخْتَصُّ به طالبُ العلْمِ ، ومنها ما يُدْرَكُ بضرورةِ الشرْعِ ، ومنها ما يُعْرَفُ بالطبْعِ ، ويَدُلُّ عليه عُمومُ الشرْعِ ، من الْحَمْلِ على مَحاسِنِ الآدابِ ومَكارِمِ الأخلاقِ ولم أَعْنِ الاستيفاءَ ، لكن سِياقَتَها تَجْرِي على سبيلِ ضَرْبِ الْمِثالِ ، قاصدًا الدَّلالةَ على الْمُهِمَّاتِ ، فإذا وافَقَتْ نفسًا صالحةً لها ، تناوَلَتْ هذا القليلَ فكَثَّرَتْه وهذا الْمُجْمَلَ ففَصَّلَتْه، ومَن أَخَذَ بها انْتَفَعَ ونَفَعَ، وهي بدَوْرِها مأخوذةٌ من أَدَبِ مَن بارَكَ اللهُ في عِلْمِهم وصاروا أئمَّةً يُهْتَدَى بهم ، جَمَعَنا اللهُ بهم في جَنَّتِه آمينَ .


شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد فقد قرر شيخنا محمد بن صالح العثيمين قراءة كتاب حلية طالب العلم لفضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (وذلك أواخر شهر رجب لعام 1415)

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم تعليقًا على هذه المقدمة نحن قررنا هذا بعد مشاورتكم واقترحاتكم وذلك لأن طالب العلم إذا لم يتحل بالأخلاق الفاضلة فإن طلبه للعلم لا فائدة فيه لا بد أن الإنسان كلما علم شيئا من الفضائل أو العبادات أن يقوم به فإن لم يفعل فهو والجاهل سواء بل الجاهل أحسن حالاً منه لأن هذا ترك الفضل عن عمد بخلاف الجاهل ولأن الجاهل ربما ينتفع إذا علم بخلاف من علم ولم ينتفع وبهذا أحث نفسي وإياكم على التحلي بالأخلاق الفاضلة والصبر والمصابرة والعفو والإحسان بقدر المستطاع هذا بغض النظر عن الوصية الكبرى وهي الوصية بتقوى الله عز وجل التي قال الله تعالى فيها { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } أما مؤلف هذه الحلية فهو أخونا الشيخ بكر أبو زيد وهو من أكابر العلماء ومن المعروفين بالحزم والضبط والنزاهة لأنه تولى مناصب كثيرة وكل عمله فيها يدل على أنه أهل لما تولاه وهو الآن مع لجنة الفتوى التي يرأسها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في الرياض ومع هيئة كبار العلماء فنسأل الله لنا وله التوفيق ثم إن كلامه في غالب كتبه كلام يدل على تضلعه في اللغة العربية ولهذا يأتي أحيانا بألفاظ تحتاج إلى مراجعة قواميس اللغة والذي يظهر أنه لا يتكلف ذلك لأن الكلام سلس ومستقيم وهذا يدل على أن الله تعالى أعطاه غريزة في اللغة العربية لم ينلها كثير من العلماء في وقتنا حتى إنك تكاد تقول إن هذه الفصول كمقامات الحريري ومقامات الحريري معروفة لأكثركم مقامات جيدة وفيها مواعظ وفيها كثير من الكلمات اللغوية التي يستفيد الإنسان منها – نعم.


القارئ: (قال الشيخ بكر : بسم الله الرحمن الرحيم .

المـُــقـَـدِّمـَـةُ

الحمدُ للهِ ، وبعدُ :

فأُقَيِّدُ معالِمَ هذه ( الْحِلْيَةِ ) المبارَكَةِ عامَ 1408 هـ ، والمسلمونَ – وللهِ الحمدُ – يُعايِشونَ يَقْظَةً علْمِيَّةً ، تتَهَلَّلُ لها سُبُحَاتُ الوُجوهِ ، ولا تَزالُ تنشُطُ – متقدِّمَةً إلى الترَقِّي والنُّضوجِ – في أفئدةِ شبابِ الأُمَّةِ مَجْدَها ودَمَها الْمُجَدِّدَ لحياتِها ، إذ نَرَى الكتائبَ الشبابيَّةَ تَتْرَى ، يتَقَلَّبُون في أعطافِ العلْمِ مثْقَلِينَ بِحَمْلِه يَعُلُّونَ منه ويَنْهَلُون ، فلَدَيْهِم من الطموحِ والجامِعِيَّةِ ، والاطِّلاعِ الْمُدْهِشِ والغَوْصِ على مَكنوناتِ المسائلِ ، ما يَفرحُ به المسلمونَ نَصْرًا فسبُحانَ مَن يُحْيِي ويُميتُ قُلوبًا .

لكن ؛ لا بُدَّ لهذه النَّواةِ المبارَكَةِ من السَّقْيِ والتَّعَهُّدِ في مَساراتِها كافَّةً ؛ نَشْرًا للضماناتِ التي تَكُفُّ عنها العِثارَ والتعَثُّرَ في مَثانِي الطلَبِ والعمَلِ ؛ من تَمَوُّجَاتٍ فِكرِيَّةٍ وعَقَدِيَّةٍ ، وسُلوكيَّةٍ ، وطائِفِيَّةٍ وحِزْبِيَّةٍ .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هذا ما قاله صحيح لأنه في الآوانة الآخيرة حصل ولله الحمد من الشباب طموحات واسعة في شتى المجالات لكنها تحتاج كما قال تحتاج إلى ضمانات وكوابح تضمن بقاء هذه النهضة وهذا الطموح لأن كل شيء إذا زاد عن حده فإنه سوف يرجع إلى جذره إذا لم يضبط ويكبح فإنه يكون دمارًا وربما يكون دمارا في المجتمع وربما يكون دمارا حتى على صاحبه في قلبه أرأيتم الخوارج عندهم من الإيمان بمحبة كون المسلمين على الحق مالا يوجد في غيرهم لكن هذا قد زاد حتى كفروا المسلمين وأئمة المسلمين وخرجوا عليهم فصاروا كما قال النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام (( يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)) فأنت اضبط قلبك إذا رأيته سوف ينفر بعيدا وسوف يسلك مسلك صعبا فعليك أن ترده عليك أن ترده وأن تعرف أن المقصود إقامة دين الله لا الانتصار للغيرة وثورة النفس ومعلوم أنه إذا كان هذا هو المقصود أعني الانتصار لدين الله فإن الإنسان سوف يسلك أقرب الطرق إلى حصول هذا المقصود ولو بالمهادنة إذا دعت الحاجة إلى ذلك . نعم .


القارئ: (وقد جَعَلْتُ طَوْعَ أيدِيهم رسالةً في ( التَّعَالُمِ ) تَكْشِفُ الْمُنْدَسِّينَ بينَهم خشيةَ أن يُرْدُوهم ، ويُضَيِّعُوا عليهم أمْرَهم ، ويُبَعْثِروا مَسيرتَهم في الطلَبِ فيَسْتَلُّوهُم وهم لا يَشْعُرون .

واليومَ أَخوكَ يَشُدُّ عَضُدَك ، ويأخُذُ بِيَدِك ، فأَجْعَلُ طَوْعَ بَنانِكَ رسالةً تَحمِلُ ( الصفةَ الكاشفةَ ) لحِلْيَتِك ، فها أنذا أَجْعَلُ سِنَّ القَلَمِ على القِرْطَاسِ ، فاتْلُ ما أَرْقُمُ لك أَنْعَمَ اللهُ بك عَيْنًا .

لقد تَوَارَدَتْ مُوجباتُ الشرْعِ على أنَّ التَّحَلِّيَ بمحاسِنِ الآدابِ ، ومَكارمِ الأخلاقِ ، والْهَدْيِ الحسَنِ ، والسمْتِ الصالِحِ: سِمَةُ أهلِ الإسلامِ.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الآن الشيخ بكر يقول اليوم أخوك يشد عضدك ويأخذ بيدك فأجعل طوع. فيها إلتفات من أين؟ من الغيبة إلى الحضور هذا ليس معتادًا عند العلماء في مؤلفاتهم العلمية لكن كما قلنا أولا أن الشيخ يعتمد على البلاغات اللغوية ومعلوم أن الانتقال في الإسلوب من غيبة إلى خطاب أو من خطاب إلى غيبة أو من مفرد إلى جمع حيث صح الجمع . من المعلوم أن هذا سوف يوجب الانتباه لأن الإنسان إذا كان يسير بأسلوب مستمر عليه انسابت نفسه لكن إذا جاء شيء يغير الأسلوب سوف يتوقف وينتبه { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل} {وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا} فقال: {أخذ الله} هذا غيب (وبعثنا) حضور .


القارئ: (وأنَّ العِلْمَ – وهو أَثْمَنُ دُرَّةٍ في تَاجِ الشرْعِ الْمُطَهَّرِ – لا يَصِلُ إليه إلا الْمُتَحَلِّي بآدابِه ، الْمُتَخَلِّي عن آفاتِه .

ولهذا عناه العلماءُ بالبحْثِ والتنبيهِ وأَفْرَدُوها بالتأليفِ ، إمَّا على وجهِ العمومِ لكافَّةِ العلومِ، أو على وَجهِ الْخُصوصِ ، كآدابِ حَمَلَةِ القرآنِ الكريمِ ، وآدابِ الْمُحَدِّث وآدابِ الْمُفْتِي وآدابِ القاضي ، وآدابِ الْمُحْتَسِبِ ، وهكذا .

والشأنُ هنا في الآدابِ العامَّةِ لِمَنْ يَسْلُكُ طريقَ التعلُّمِ الشرعيِّ .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (فهذا يشمل من يسلك طريق العلم الشرعي ويشمل أيضا لمن يسلك طريق التعليم فالآداب هنا للمتعلم وللمعلم حتى المتعلم له آداب يجب أن يعتني بها .


القارئ: (وقد كان العلماءُ السابقون يُلَقِّنُونَ الطُّلَّابَ في حِلَقِ العِلْمِ آدابَ الطلَبِ وأَدْرَكْتُ خَبَرَ آخِرِ العَقْدِ في ذلك في بعضِ حَلقاتِ العلْمِ في المسجدِ النبويِّ الشريفِ ؛ إذ كان بعضُ الْمُدَرِّسينَ فيه ، يُدَرِّسُ طُلابَه كتابَ الزرنوجيِّ ( م سنة 593 هـ ) رَحِمَه الله تعالى ، الْمُسَمَّى : ( تعليمَ المتعلِّمِ طَريقَ التعلُّمِ ).

فعَسَى أن يَصِلَ أهلُ العلْمِ هذا الحبْلَ الوَثيقَ الهاديَ لأَقوَمِ طريقٍ فيُدْرَجُ تدريسُ هذه المادَّةِ في فواتِحِ دُروسِ المساجدِ ، وفي موادِّ الدراسةِ النِّظاميَّةِ ، وأَرْجُو أن يكونَ هذا التقييدُ فاتحةَ خيرٍ في التنبيهِ على إحياءِ هذه المادَّةِ التي تُهَذِّبُ الطالبَ وتَسلُكُ به الجادَّةَ في آدابِ الطلَبِ وحَمْلِ العلْمِ ، وأَدَبِه مع نفسِه ، ومع مُدَرِّسِه ، ودَرْسِه ، وزميلِه ، وكتابِه ، وثَمَرَةِ عِلْمِه ، وهكذا في مَراحلِ حياتِه .

فإليك حِلْيَةً تَحْوِي مجموعةَ آدابٍ ، نواقِضُها مَجموعةُ آفاتٍ ، فإذا فاتَ أَدَبٌ منها اقْتَرَفَ الْمُفَرِّطُ آفةً من آفاتِه ، فمُقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ وكما أنَّ هذه الآدابَ درجاتٌ صاعدةٌ إلى السُّنَّةِ فالوجوبُ ، فنواقِضُها دَرَكَاتٌ هابطةٌ إلى الكراهةِ فالتحريمِ .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (يعني ضدها يعني معناه أنه ذكر الآداب فيكون ضدها إن كانت مسنونة يكون ضدها مكروهة وإن كانت واجبة فضدها محرم ولكن هذا ليس على إطلاق لأنه ليس ترك كل مسنون يكون مكروهًا وإلا لقلنا إن كل من لم يأت بالمسنونات في الصلاة يكون قد فعل مكروهًا لكن إذا ترك أدبا من الآداب الواجبة فإنه يكون فاعلا محرما في نفس ذلك الآدب فقط لأنه ترك فيه واجب وكذلك إذا كان مسنونًا وتركه فينظر إذا تضمن تركه إساءة أدب مع المعلم أو مع زملائه فهذا يكون مكروهًا لا لأنه تركه ولكن لأنه لزم منه إساءة الأدب والحاصل أنه لا يستقيم أن نقول كل من ترك مسنونًا فقد وقع في المكروه أو كل من ترك واجبا فقد وقع في المحرم يعني على سبيل الإطلاق بل يقيد هذا .


القارئ: (ومنها ما يَشْمَلُ عُمومَ الْخَلْقِ من كلِّ مُكَلَّفٍ ، ومنها ما يَخْتَصُّ به طالبُ العلْمِ ، ومنها ما يُدْرَكُ بضرورةِ الشرْعِ ، ومنها ما يُعْرَفُ بالطبْعِ ، ويَدُلُّ عليه عُمومُ الشرْعِ ، من الْحَمْلِ على مَحاسِنِ الآدابِ ومَكارِمِ الأخلاقِ ولم أَعْنِ الاستيفاءَ ، لكن سِياقَتَها تَجْرِي على سبيلِ ضَرْبِ الْمِثالِ ، قاصدًا الدَّلالةَ على الْمُهِمَّاتِ ، فإذا وافَقَتْ نفسًا صالحةً لها ، تناوَلَتْ هذا القليلَ فكَثَّرَتْه وهذا الْمُجْمَلَ ففَصَّلَتْه، ومَن أَخَذَ بها انْتَفَعَ ونَفَعَ، وهي بدَوْرِها مأخوذةٌ من أَدَبِ مَن بارَكَ اللهُ في عِلْمِهم وصاروا أئمَّةً يُهْتَدَى بهم ، جَمَعَنا اللهُ بهم في جَنَّتِه آمينَ .


بكر بن عبد الله أبو زيد

في اليوم الخامس من الشهر الثامن عام 1408


تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد


شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله

مقدمة الشارح:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

فإن الله جل وعلا قد رغَّب في طلب العلم، ورتَّب عليه الأجورَ العظيمة، كما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنّ الملائكة لتضَع أجنحتها لطالب العلم، رضاً بما يصنع)) ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقًا إلى الجنة)) ، وكما جاء في الحديث الثالث: ((من خرج يطلب علمًا، فهو في سبيل الله حتى يرجع))؛ ولذلك أشاد الأئمة في طلب العلم ورغَّبوا فيه وحثُّوا عليه انطلاقًا من هذه النصوص ، وذلك أن حاجة الأمة إلى العلماء أشد من حاجتها إلى وجود غيرهم من طوائف الناس ، سواءً كان من العُبَّاد، أو كان من أهل الجهاد أو كان من أهل الأمر بالمعروف والنهي هن المنكر ، وذلك أن هذه العبادات لا تصح إلا بعلم ، لو جاهد بدون علم ، لكان ما يؤدي إليه جهاده من الفساد أعظم مما يؤدي إليه من إصلاح الأحوال ، وهكذا في بقية الأعمال؛ فمن تقرب إلى الله بصلاة ليست مبنية على علم ، فقد يكون فيها من المُبطلات والمُفسدات ما يجعلها غير مقبولة عند الله عز وجل ، ولذلك اهتم الأئمة بالعلم ، ورغَّبوا فيه ، وجعلوه شرطا في العمل ، كما قال الإمام البخاري باب ( العلم قبل القول و العمل ) ، واستدل عليه بقوله تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.

إذا تقرَّر هذا ، فإن الله - جل وعلا- قد وازن بين العلماء وبين غيرهم فرفع شأن العلماء ، وبيَّن رِفعة مكانتهم ، كما قال جل وعلا: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} ، وقال سبحانه: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فضل العالم على العابد، كفضلي على أدناكم، وفضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب)) . والنصوص في هذا كثيرة .

وطلب العلم ،-والعلم لا يَحصُل إلا بطلبه ، وبذل الأسباب من أجل تحصيله- ، وهذا من أفضل القربات.

وحاجة الأمة إلى العلماء أشد من حاجتها لغيرهم كما تقدم ، ومن هنا فإن العلماء هم الذين يأمرون الناس بالخير وهم الذين يعلمونهم ما فيه نفعهم في دنياهم وآخرتهم ، وهم الذين يَقُونَ الأمة من الشرور ، وهم الذين يستنبِطون حلول مشاكل الأمة من كتاب الله جل وعلا ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وإذا توجه الناس إلى رعاية العمل الإسلامي بدون أن يكون ذلك مبنيًا على علم، كان ذلك سببًا من أسباب انتكاسة العمل الإسلامي ، وذلك لأن العمل متى كان مبنيًا على عاطفة ، ولم يكن مبنيًا على علم شرعي مؤصل من كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كان ما يؤديه من المفاسد أكبر مما يؤدي إليه من المصالح ، خصوصًا في مثل أزماننا هذه ، التي ركض فيها أهل الضلالة والفساد نحو مجتمعات المسلمين ، يقودهم عدونا الأكبر الشيطان ، من أجل صد الناس عن دين الله ، ولهم في ذلك حيلٌ ومكر كثير؛ من حيلهم أنهم يدفعون الناس إلى ردود فعلٍ غير محسوبة النتائج ، فتؤدي إلى مفاسد شنيعة ، وذلك لأنهم لم ينطلقوا في تصرفاتهم من علمٍ شرعي ، ولذلك ذكر العلماء أن من شروط الفعل المكلَّف به: العلم ، بحيث يكون المرءُ عالماً بأن الشرع قد كلَّف بذلك الفعل ، ويكون المرءُ عالماً بكيفية أداء ذلك الفعل ، لكن العلم له طرائق في تعلمه، لا يمكن الاستفادة من هذا العلم ، إلا عندما نقوم بالالتزام بآداب التعلم ، بحيث نتَّصِف بهذه الآداب ونطبقها في تعلمنا، فمن تعلم العلوم بدون أن يتأدب بالآداب الشرعية لن يبارك لهُ في علمه ولن يغالى في القبول ، وكان الناس ينفرون منهُ ويظنون أن تلك النُّفرة من العلم الذي يحمله، وإنما النُّفرة من سوء تأدُّبه وسوء تخلُّقه بأخلاق الإسلام ، فحينئذ يكون ما يؤديه من المفاسد أكثر مما يؤديه من المصالح ، ولذلك عَنيَ أهل العلم بالتأليف في آداب طلب العلم منذُ العصور الأولى فأُلفت مؤلَّفات كثيرة منها آداب حملة القرآن ، ومنها أخلاق أهل العلم ، لطائفة من أهل العلم، ولازال علماء الشريعة يعتنون بهذا الباب، ولكن كل عصر توجد فيه مُستجِدات تجعل أهل العلم يحاولون أن يَنُصُّوا على أحكام هذه المستجِدات من آداب طلب العلم في مؤلفاتهم ، ولذلك كلما وُجد عندنا كتاب يعتني بالمستجدات المتعلقة بطلب العلم وآدابه وطريقته كلما كانت الاستفادة من ذلك أكثر وأشمل ، ومما أُلف في أدب طلب العلم كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى ، وهو من علماء الأمة الذين لهم مؤلفات عديدة ، وقد كان عضوًا في هيئة كبار العلماء وعضوا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، وقد نفع الله به كثيرًا ولم يمت إلا من سنوات قليلة ، ونفع الله بعلمه ونشر الله ذلك العلم للأمة في مشارق الأرض ومغاربها ، ولذلك فلعلنا نقرأ هذا الكتاب (حلية طالب العلم) الذي امتاز بمميَّزات ،

أول هذه المميزات اشتماله على أدب طلب العلم ،

وثانيها أن هذا الكتاب ألفه عالم سلفي سني ينطلق من النصوص الشرعية فيما يكتبه ،

وثالثها أن هذا الكتاب اشتمل على آداب كثيرة من آداب طلب العلم حتى فيما يتعلق بتربية طالب العلم في نفسه وفي أخلاقه وفي تعامله مع الله – جل وعلا – ومع عباده ، ومن مميزات هذا الكتاب شموله لكثير من هذه الآداب ولم يترك إلا الشيء القليل ،

ومن مميزات هذا الكتاب أنه قد تعرض لمسائل عصرية يحتاج إليها طالب العلم سواءً فيما يتعلق بالتحزبات والافتراقات أو فيما يتعلق بجعل الولاء والبراء لجماعة أو حزب أو نحوه ، أو بما يتعلق بالوسائل الحديثة لطلب العلم وكيفية الاستفادة منها .

كذلك من مميزات هذا الكتاب أنه أُلف بلغة رفيعة فيها ألفاظ عربية ، بحيث يتعلم الإنسان من هذا الكتاب عددا من الألفاظ اللغوية التي قد لا يجدها في غيره، ثم فيه من الألفاظ الجزلة القوية المؤدية للمعنى ما يجعل لغة طالب هذا الكتاب تعلو وترتفع ، ولذلك لعلنا نقرأ هذا الكتاب المبارك ، كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمة الله تعالى ورفع درجته وأعلى منزلته في عليين ، وجعلنا وإياكم ممن تبع هذا الإمام واستفاد من علمه وسار على طريقته ورضي الله عنه بذلك ، هذا ونبتدئ بإذن الله قراءة الكتاب.


القارئ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أما بعد :

قال المؤلف الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمة الله عليه في كتابه حلية طالب العلم :

المقدمة

الحمد لله ، وبعد:

فأقيد معالم هذه الحلية المباركة عام 1408 هـ، والمسلمون - ولله الحمد - يعايشون يقظة علمية تتهلل لها سبحات الوجوه، ولا تزال تنشط متقدمة إلى الترقي والنضوج في أفئدة شباب الأمة، مدها ودمها المجدد لحياتها، إذ نرى الكتائب الشبابية تترى يتقلبون في أعطاف العلم مثقلين بحمله يعلون منه وينهلون،

[الشيخ (مصحِّحا): يَعُلُّون، يعني يشربون. النَّهَلْ، الشرب أول مرة، والعَلَلْ، الشرب في المرة الثانية.]

فلديهم من الطموح، والجامعية، والاطلاع المدهش والغوص على مكنونات المسائل، ما يفرح به المسلمون نصراً، فسبحان من يحيى ويميت قلوباً.

لكن، لا بد لهذه النواة المباركة من السقي والتعهد في مساراتها كافة، نشراً للضمانات التي تكف عنها العثار والتعصب في مثاني الطلب والعمل من تموجات فكرية، وعقدية، وسلوكية، وطائفية، وحزبية.

وقد جعلت طوع أيديهم رسالة في التعاليم تكشف المندسين بينهم خشية أن يُرْدوهم، ويضيعوا عليهم أمرهم، ويبعثروا مسيرتهم في الطلب، فيستلوهم وهم لا يشعرون.

واليوم أخوك يشد عضدك، ويأخذ بيدك، فاجعل طوع بنانك رسالة تحمل " الصفة الكاشفة" لحليتك، فها أنا ذا أجعل سن القلم على القرطاس، فاتل ما أرقم لك أنعم الله بك عينا :

لقد تواردت موجبات الشرع على أنَّ التحلي بمحاسن الأدب، ومكارم الأخلاق، والهدى الحسن، والسمت الصالح: سمة أهل الإسلام، وأنَّ العلم - وهو أثمن درة في تاج الشرع المطهر - لا يصل إليه إلا المتحلي بآدابه، المتخلي عن آفاته، ولهذا عناها العلماء بالبحث والتنبيه، وأفردوها بالتأليف، إما على وجه العموم لكافة العلوم، أو على وجه الخصوص، كآداب حملة القرآن الكريم، وآداب المحدث، وآداب المفتي، وآداب القاضي، وآداب المحتسب، وهكذا.

والشأن هنا في الآداب العامة لمن يسلك طريق التعلم الشرعي.

وقد كان العلماء السابقون يلقنون الطلاب في حلق العلم آداب الطلب، وأدركت خبر آخر العقد في ذلك في بعض حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف، إذ كان بعض المدرسين فيه، يدرس طلابه كتاب الزرنوجي (م سنة 593 هـ) رحمه الله تعالى، المسمى: " تعليم المتعلم طريق التعلم" .

فعسى أن يصل أهل العلم هذا الحبل الوثيق الهادي لأقوم طريق، فيدرج تدريس هذه المادة في فواتح دروس المساجد، وفي مواد الدراسة النظامية، وأرجو أن يكون هذا التقييد فاتحة خير في التنبيه على إحياء هذه المادة التي تهذب الطالب، وتسلك به الجادة في آداب الطلب وحمل العلم، وأدبه مع نفسه، ومع مدرسه، ودرسه، وزميله، وكتابه، وثمرة علمه، وهكذا في مراحل حياته.

فإليك حلية تحوي مجموعة آداب، نواقضها مجموعة آفات، فإذا فات أدب منها، اقترف المفرط آفة من آفاته، فمقل ومستكثر، وكما أنّ هذه الآداب درجات صاعدة إلى السنة فالوجوب، فنواقضها دركات هابطة إلى الكراهة فالتحريم.

ومنها ما يشمل عموم الخلق من كل مكلف، ومنها ما يختص به طالب العلم، ومنها ما يدرك بضرورة الشرع، ومنها ما يعرف بالطبع، ويدل عليه عموم الشرع، من الحمل على محاسن الآداب، ومكارم الأخلاق، ولم أعن الاستيفاء، لكن سياقتها تجرى على سبيل ضرب المثال، قاصداً الدلالة على المهمات، فإذا وافقت نفساً صالحة لها، تناولت هذا القليل فكثرته، وهذا المجمل ففصلته، ومن أخذ بها، انتفع ونفع، وهى بدورها مأخوذة من أدب من بارك الله في علمهم، وصاروا أئمة يهتدى بهم، جمعنا الله بهم في جنته، آمين

قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (هذه مقدمة كتاب ( حلية طالب العلم) ، ذكر المؤلف فيها عددا من الأمور ،

الأمر الأول: السبب الذي دعاه لتأليف هذا الكتاب وهو أنه رأى نهضة علمية مباركة من شباب الأمة نحو تعلم العلوم الشرعية النافعة في الدنيا والآخرة ، ولذلك خشي أن يكون هذا التعلم غير منضبط بالضوابط الشرعية فيؤدي إلى مفاسد عديدة، ويؤدي إلى تضييع أوقات الشباب بما لا ينفعهم ، ويقول بأنه قد بذل خُطوة في هذا في "رسالة التعالم" ، من أجل بيان من اندس في طلب العلم وهو ليس من العلماء ليُحذَر منه ومن أجل ألا يُطلب العلم على يده ،

ثم بعد ذلك بين أنَّ هذه الشريعة مبنية على الأخلاق الفاضلة ، وأنَّ أهل الإسلام يتمسكون بالخلق الطيب ، ومن أولى من يتمسك بالخلق الطيب هم علماء الشريعة ، ولذلك ألف هذه الرسالة في بيان آداب الشرع من أجل أن يتمسك بها المتعلِّمون.

الأمر الثالث : أنه من سنة العلماء التي توارثوها ، ورثها الصغير عن الكبير ، أنهم يتعلمون آداب طلب العلم قبل بدئهم بتعلم العلوم ، فلا بد أن نسير على هذه الطريقة لأنَّ هذه الأمة المحمدية لا تجتمع على ضلالة ،

ولذلك بعد ذلك أوصى بوصية التزام دراسة آداب طلب العلم قبل دراسة ذات العلم ، سواءً كان في المساجد أو في دور التعلم ، ثم بعد ذلك ذكر المؤلف أنواع هذه الآداب وأيضا ذكر سببا رابعا : وهو أنه من فاتته هذه الآداب فاته خير كثير وفاته علم بسبب عدم تأدبه بآداب التعلم.

ثم ذكر أنَّ هذه الآداب منها ما يختص به طالب العلم ومنها ما يكون لكل مسلم ، وذكر أنَّ هذه الآداب منها ما يُعرف بالطبع ومنها ما يُعرف بما وُرث عن العرب ، ومنها ما يُعرف بالشرع ، وما عُرف بالطبع يُعرف أيضًا بالشرع ، لكن توافق عليه الأمران ، ثم ذكر أنَّ هذا الكتاب لم يُعن باستيفاء الآداب ، وإنما ذكر أمثلة ونماذج من أجل أن تُفهم بقية المسائل بواسطة هذه الآداب التي ذكرها المؤلف في هذا الكتاب. نمر على بعض الألفاظ الموجودة في الكتاب لعلنا إن شاء الله نفسِّر شيئا من هذه الألفاظ.

قال المؤلف: (يعايشون يقظة علمية) يعني : أنَّ المسلمين أصبح في حياتهم ومما شاع بينهم التوجه إلى العلم الشرعي وتعلُّم هذا العلم ، وهذا -أي اليقظة العلمية- كأنهم قد أفاقوا من السبات والنوم إلى التعلم ، قال: (تَتَهلَّل لها ) يعني : أنَّ سُبُحات الوجوه -وهي قسمات الوجوه وما فيها من أجزاء- تتهلل بمعنى أنها تفرح ويظهر منها أثر الاستبشار، ثم قال: ( ولا تزال تُنشِّط متقدمةً إلى الترقي والنضوج) : الترقي : الصعود إلى أعلى ، والنضوج : أن يكون الشيء على تمامه بحيث يكون على أكمل وجوهه، قال: (في أفئدة شباب الأمة مجدها ودمها المُجدِّد لحياتها) : لأنَّ هذا العلم هو الذي يجدد للأمة حياتها ويعيدها إلى الهدي النبوي ، ثم قال : (نرى الكتائب الشبابية تَتْرى) يعني : تأتي طائفة بعد طائفة ، ( يتقلبون في أعْطاف العلم)عِطْف الثوب : جانبه وطرفه الذي يتحلى به ، قال: (مُثقلين بحمله يعُلُّون منه وينهلون) ، مامعنى يعُلُّون منه وينهلون؟ النَّهَل: الشرب أول مرة ، والعَلَل: الشرب في المرة الثانية ، (فلديهم من الطموح) يعني :الرغبة الجامحة في التعلم ، ( والجامعية ) يعني : الرغبة في جمع أكبر قدر من العلوم ، ( والإطلاع المدهش) يعني : الذي يجعل الإنسان يعجب به ، (والغوص على مكنونات المسائل) يعني : المسائل الخفية الغامضة التي يضعها أهل العلم في غير مواطنها ، ( ما يفرح به المسلمون نصرا فسبحان من يحيي ويميت قلوبًا) : فحياة القلوب هي في العلم وموت القلوب بترك التعلم.

( لكن لابد لهذه النواة المباركة من السَّقْي ) بحيث ( نُمدها ) بطرائق التعلم وآداب التعلم ، ( والتعهد في مساراتها كافة) يعني : في الطرق المتعددة التي يسلكونها في طلب العلم ، (نشرا للضمانات) يعني : للحواجز التي تحجز هؤلاء الشباب عن الضلال والإضلال وعن الإسفاف في التعامل والخلق ، ( التي تكف عنها العَثار) وهو : السقوط أول مرة ، ( والتعثُّر) يعني : السُّقوط الشديد الذي لا يتمكن الإنسان من التجاوز لمكان السقوط مرة أخرى ، ( في مثاني الطلب والعمل) لأنَّ هناك ، (تموُّجات فكرية) يعني : أنه هناك أمور ناتجة عن أفكار بعض الناس ، وذلك أنَّ الشياطين تُلقي في قلوب بعض العباد وساوس يظنونها مَعْقولات وأفكارا ، فيبثونها ويكتبونها ويتكلمون بها في وسائل الإعلام فتسبب موجات فتن مختلفة ، وهناك أيضا (تموجات عقدية) ، فهؤلاء على الطائفة الفلانية ، وهؤلاء من الطائفة الفلانية ، كيف نَقي شبابنا من هذه التموجات؟ ،

لابد أن يكون ذلك من خلال تعلمهم لآداب طلب العلم ، وكذلك في الأمور (السلوكية ) فيما يفعلونه ويؤدونه من السلوكيات والتصرفات التي قد يكون منشؤها ناشئًا من شرق أو غرب ، ولابد عندنا من أن نتعلم الآداب لنقي هؤلاء الشباب الذين توجهوا للعلم من العثرات السلوكية ، وهكذا أيضا فيما يتعلق بتقسيم أهل الإسلام وجعلهم طوائفَ وأحزابا يعادي بعضهم بعضا ، إذ أنَّ هناك من يحاول أن يفرِّق المسلمين ويوجِد الشَّتات بينهم ، ولذلك لابد أن نعطي آدابا واضحة تجمع أبناء الأمة ليكونوا على طريقة واحدة وهيئة واحدة ، ينطلقون من الكتاب والسنة ، وكلما رجع الناس إلى الكتاب والسنة كان ذلك سببا لتآلف قلوبهم ومحبة بعضهم لبعض وجعلهم أمة واحدة ويدا واحدة على من سواهم ، وكلما ابتعدوا عن الكتاب والسنة كلما حصل النزاع والشقاق والتطاحن والتقاتل بينهم ، ومن هنا نعلم أنَّ التآلف بين القلوب نعمة ربانية تكون لمن تمسك بكتاب الله وسنة رسوله قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.

رسالة التعالُم : رسالة قد ألَّفها الشيخ رحمه الله لبيان صفات أولئك الذين يدَّعون العلم ، ويحاولون أن ينسِبوا إلى أنفسهم علوما وهم ليسوا كذلك ، وليسوا من أهل العلم في شيء ، وإنما يُريدون إظهار أنفسهم ، وأذكر أنَّ الشيخ ضرب لذلك أمثلة فقال: (الطُّبولِيون)، وقال: (الخُنفِشاريُّ)، وقال وقال، ولعل هذا يأتي إن شاء الله في هذا الكتاب.

قال:(خشية أن يُردُوهم) يعني : أنا أخشى أن يأتي هؤلاء المتعالِمون لطلاب العلم ، فيكون ذلك سبباً لجعل طلاب العلم يَتَردَّون ولا ينتفعون بالعلم ، (ويضيِّعوا عليهم أمرهم)؛ بأن يوجهوهم إلى غير العلم النافع ، أو يعطوهم معلومات خاطئة ، أو يُدلوهم على طرائق مخالفة لطرائق أهل العلم ، ويبعثروا مسيرتهم في الطلب ، كم وجدنا من هؤلاء المُتعالمين من صدّ الطلاب عن طلب العلم باسم طلب العلم ، ثم قال: (فيَسْتَلُّوهم وهم لا يشعرون) ، يعني : يستخرجوهم استخراجا لطيفا ، كما يقال استَلَّ الشعرة من العجين ، يعني : استخرجها استخراجاً لطيفا.

قال: (واليوم أخوك) ، يقصد المؤلف نفسه ، (يشُد عضدك ، ويأخذ بيدك ، فاجعل طَوع بنانك رسالة تحمل الصفة الكاشفة) ، الصفات على نوعين ؛ صفة كاشِفة توضِّح وتبيِّن الموصوف ، وهناك الصفات التي يُراد بها إعمال مفهوم المخالَفة وتسمى ( الصفة المُقيِّدة) ، عندما تقول رجل طويل ، طويل كاشف ، وصفٌ كاشف ، وعندما تقول أعتق رقبةً مؤمنة ، معناها أنك تقول في الكفارة لا تعتق غير الرقبة المؤمنة. قال: (لحليتك) ، الأصل في الحلية ما يلبسه النساء من الذهب والفضة ونحو ذلك ، وهنا المراد به الآداب التي يتأدب بها طالب العلم فتظهر أمام الناس.

قال: (فها أنا ذا أجعل سِنَّ القلم عل القِرطاس) ؛ يعني : طرف القلم ، (فاتْلُ ما أرقم لك) ، يعني : اقرأ ما كتبته لك ، (أنْعَم الله بك عَينا)، يعني : أنني أدعو الله- عز وجل- أن تنعَم العيون برؤيتك.

ثم قال: (لقد تواردت موجِباتُ الشرع على أن التحلِّي بمحاسن الآداب) إلى أن قال:(سمة أهل الإسلام) ، يعني : صفتهم الظاهرة ، السمة هي الصفة الظاهرة.

(وأنَّ العلم هو أثمن دُرَّة في تاج الشرع المطهَّر) ، الدرة نوع من أنواع الجواهر، والتاج هو ما يلبس على الرأس ، (لا يَصل إليه إلا المتحلي بآدابه) ، المتحلي يعني : المتصف بالصفة الظاهرة ، (المتخلي عن آفاته) ، يعني : التارك للأخلاق الرديئة التي تكون سببا لفوات العلم ، وتكون من آفاته.

(ولهذا عناها العلماء) يعني : الآداب بالبحث والتنبيه ، إلى أن قال: (والشأن هنا في الآداب العامة لمن يسلك طريق التعلم الشرعي) ، يعني : أنني سأخصص كتابي في آداب طالب العلم.

ثم ذكر بعد ذلك ما يتعلق بتتابع الناس على تعلم آداب التعلم.

قال: (فإليك حليةً) ، يعني : أهدي إليك حلية ، (تحوي مجموعة آداب، نواقضها)، يعني : يضادها (مجموعة آفات) ، فأنت إذا عرفت هذه الآداب، عرفت ما يقابلها من الآفات ، (فإذا فات منها أدب، اقترف المفرط آفة من آفاته، فمُقِلٌّ ومُسْتَكثِر) وبعض هذه الآداب سنة ، وبعضها واجب ، وكذلك ما يقابلها من الآفات منها ما هو مكروه ، ومنها ما هو محرم. ما المراد بالسنة؟

هو المستحب ، النَّفل ، الندب ، الذي طلبه الشارع طلباً غير جازم ، يُؤجر صاحبُه ولا يُعاقب تاركُه ، لكن لا ينبغي لطالب العلم أن يتركه ؛ لأن طلبة العلم هم أعلى الأمة بعد الأنبياء والصحابة ، ولذلك يُشرع لهم أن يلتزموا هذه السنن ، أما الواجب فهو : ما طلبه الشارع طلباً جازماً ، بحيث يُؤجر فاعله متى فعله لله ، ويُعاقب تاركُه ، والمراد بالمكروه هو : ما نهى عنه الشارع نهيًا غير جازم ، بحيث يُؤجَر تاركُه متى تركه لله ، ولا يُعاقَب فاعلُه ، وأما المحرَّم فهو : ما نهى عنه الشارع نهياً جازماً ، بحيث يأثم فاعلُه متى فعله قصدًا عمدا ، ويُؤجَر تاركه متى تركه لله.

قال: (هذه الآداب منها ما يشمل كل مكلف، ومنها ما يختص به طلبة العلم) إلى أن ذكر قوله: (فإذا وافقت نفسا صالحة لها) ، من يتلقى العلم ، منهم من يكون عنده استعداد ونفس مهيَّأة لطلب العلم ، وبالتالي تتقبل العلم ، وتهتدي به ، وتلتزم به كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} ، فهؤلاء عندهم نفوس صالحة ، أسأل الله- جل وعلا- أن يجعل نفوسنا وإياكم صالحة لذلك. فهذه النفوس إذا قبلت هذه الآداب كثَّرتها واستفادت منها ، وإذا وجدت كلاما مختصَرًا ، فصَّلته وعرفت المراد به ، والمعاني التي اشتملها ذلك الكلام. فمن أخذ بهذه الآداب انتفع في نفسه ونفع غيره ، وهذه الآداب مأخوذة من الكتاب والسنة ، ومأخوذة من سِيَر سلفنا الصالح الذين قال الله فيهم:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } ، فأثنى عليهم لكونهم اتبعوا سلفنا الصالح ، وقال سبحانه:{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}.نعم.

هيئة الإشراف

#3

23 Apr 2009